منتدى مدينة أرمناز العام
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الفكر الاسلامي بين النظرية والتطبيق والنتائج

اذهب الى الأسفل

الفكر الاسلامي  بين النظرية والتطبيق والنتائج                                                                                         Empty الفكر الاسلامي بين النظرية والتطبيق والنتائج

مُساهمة من طرف أبو محمد الخميس نوفمبر 11, 2010 6:33 pm

الفكر الاسلامي بين النظرية والتطبيق والنتائج
إن رصد الحركة الفكرية في القران الكريم مهمة يجب أن تعيها الأمة التي تريد الانسجام مع هذا الكون الذي من حولها والانسجام أولاً مع ذاتها لتحقيق هدفها في هذا الوجود, هذا يقودنا إلى النظر في الفكر الإسلامي وتعريفه , و نقول بأن الفكر الإسلامي هو الجهد البشري لفهم النص الذي لا يعتريه التغير بينما تتفاوت الأفهام في فهم وتأويلات النص المقروء ويجعله في آن واحد ذا معنى بالنسبة لمحيطه الفكري- الاجتماعي – السياسي, وبصيغة أخرى نستطيع أن نقول أن الفكر الإسلامي هو حركة العقل المسلم منذ مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليوم في المعارف الكونية العامة المتصلة بالله سبحانه وتعالى والعالم والإنسان , والذي يعبر عن اجتهادات العقل الإنساني لتفسير تلك المعارف العامة في إطار المبادئ الإسلامية عقيدة وشريعة وسلوك , ولكي أزيد هذه التعاريف حداً أقول بأن كل فكر بشري نتج عن فكر مستقل ولم ينطلق من مفاهيم الإسلام الثابتة القاطعة في القران والسنة النبوية الصحيحة , لا يمكن وصفه بأنه فكر إسلامي بل بوصفه فكراً عاماً لم ينطلق من الإسلام .

إذاً فالفكر الإسلامي هو ثمرة التمازج بين العقل و الوحي , وبنظرة إلى مصدري الفكر الإسلامي القران الكريم والسنة الصحيحة لوجدنا أنهما يفتحان الباب واسعاً أمام حركة العقل الإنساني فعلى مستوى التشريعات والمعاملات في العلاقة بين المخلوق والمخلوق فتح باب الاجتهاد في تفسير القضايا التي لم تقرر بنصوص قاطعه , لا في الكتاب ولا في السنة الصحيحة , وكذلك فتح المجال واسعاً في الاجتهاد في القضايا والمسائل التي لم يتطرق إليها البتة .
و من جانب آخر تمنح مصادر الفكر الإسلامي مساحه اكبر للعقل في النصوص التي تنسق العلاقة بين الإنسان والكون , فإذا كانت في الأول تعطي مساحه للعقل وتفسح المجال أمامه , فإننا هنا أمام نصوص توجب على العقل المسلم التفكير والتفاعل والتجديد مع آيات الله في القران الكريم وبالتالي مع آيات الله المبثوثة في هذا الوجود . وخذ دليلا علي ذلك قال تعالى وهو يبين الهدف من هذا الوجود وصورته الواضحة
) إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ،
الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) آل عمران 190- 191
ثم يكرس القران الكريم قضية التفاعل والحركة في هذا الوجود دافعا المستخلف إلى إعمال الفكر في ذلك ( يزيد في الخلق ما يشاء ) فاطر إيه 1 , وقال تعالى ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾(العنكبوت: 20
فليس هذا العالم كتلة , وليس إنتاجاً مكتملاً , وليس جامداً غير قابل للتغير والتبدل . فحركة الكون واهتزازاته الخفية . وهذا الزمان السائح في صمت يبدو لأنظارنا البشرية في صورة تقلب الليل و النهار , يعده القرآن إحدى آياته الكبرى ( يقلب الليل و النهار إنّ في ذلك لعبرة لأولى الأبصار ) سورة النور 44 فهذا الامتداد العظيم في الزمان والمكان يحمل في طيّاته دافعية الإنسان وحمله على التفكير في آيات الله والتي من خلالها سيتم له الغلبة على الطبيعة بالكشف عن الوسائل التي تجعل هذه الغلبة حقيقة واقعه .
فإذا لم ينهض الإنسان إلى العمل , ولم يبعث ما في أعماق كيانه من غنى , وأصبحت روحه جامدة جمود الحجر, وهو إلى حضيض المادة الميتة , فحركة هذا الوجود من حول الإنسان هي مدعاة إلى تحريك مواطن الإدراك عنده ليعمل فيها فكره أولاً قال تعالى ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) البقرة 164 . (‏أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا ‏ ‏) (‏ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا )الفرقان 45-46 . ( ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم أن في ذلك لآيات للعالمين ) الروم 22 .

فكل هذا التصريح و التلميح لابد أن يكون له انعكاس على هذا المستخلف فيها لتثير فيه فطرة التفاعل بالتفكر والتجديد , فلفت الإنسان إلى التفكير ليست مظهراً من مظاهر وجوده الإنساني فحسب بل ليؤدي دوره الحضاري في هذا الوجود .

و لقد جعل الله الإنسان خليفة في الأرض و حمّله الأمانة الكبرى من أجل أن يحقق مسئوليته من خلال التفكير , ويقوم بالتكاليف التي فرضت عليه ضمناً عند قبوله تلك الأمانة ( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا )سورة الأحزاب 72 .
إذاًّ فعمارة الأرض واستخلافه مبني على إعمال العقل في الوحي الإلهي لتكون النتيجة تسخير هذا الكون للعقل وتنصبه ملكاّ عليهما .( أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ ) لقمان 20) وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) النمل 12 .
اذاً فقد قدر على الإنسان أن يشارك في أعماق رغباته الكون الذي يحيط به , و أن يكيّف مصير نفسه ومصير العالم كذلك ,تارة بتهيئة نفسه لقوى الكون , وتارة أخر ببذل ما في وسعه لتسخير هذه القوى لأغراضه ومراميه.وفي هذا المنهج من التغير النقدي في سياق الوحي الإلهي لا يكون الله في عون المرء على شريطة أن يبدأ هو بتغير ما في نفسه ( أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) الرعد ايه 11.
ويتوقف الأمر كذلك على إحكام العلاقات بينه وبين الحقيقة التي يواجهها, وهذه العلاقات تنشئها المعرفة, وهي الإدراك الحسّي الذي يكمله الإدراك العقلي ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33)) البقرة 30-33 .
فهذه الآيات إشارة إلى إن الإنسان موهوب بالملكة التي تجعل له القدرة على وضع أسماء للأشياء , أي انه يكوّن لتصوره لها , وتكون هذه التصورات معناه إدراكها وفهمها. فالمعرفة الإنسانية إذن معرفه قائمه على الإدراكية, وبفضل هذه المعرفة الادراكيه يدرك الإنسان ما هو قابل للملاحظة من الحقيقة . والأمر الجدير بالتنويه هنا أن النص القرآني يؤكد على أن الملاحظة هي جانب من جوانب الحقيقة .

ولا شك أن أول ما يستهدفه القرآن من هذه الملاحظات التأملية للطبيعة هو أنها تبعث في نفس الإنسان الشعور بمن تعد هذه الطبيعة آية عليه. ولكن ما ينبغي الالتفات إليه هو الاتجاه التجريبي العام للقران, مما كوّن في إتباعه شعوراً بتقدير الواقع وجعل منهم آخر الأمر واضعي أساس العلم الحديث . وانه لأمر عظيم حقاً أن يوقظ القران تلك الروح التجريبية في عصر كان يرفض عالم المرئيات بوصفه قليل الغناء في بحث الإنسان و أخيرا نقول :
بأن القران يرى أن العالم له غايات جدّية , فتطوراته المتغيرة تحمل حياتنا على التفكر و التفاعل بصوره جديدة , والجهد العقلي الذي نبذله للتغلب على ما يقيمه العالم من عقبات في سبيلنا يشحذ بصيرتنا فيهيؤنا للتعمق فيما دق من نواحي التجربة الحضارية الإنسانية , فضلاً عن انه يمد في آفاق الحياة ويزيدها خصباً و غنى . واتصال عقولنا بغمرة الأشياء الحادثة هو الذي يدربنا على النظر العقلي في عالم المجردات. و أن الحقيقة تثوي في نفس مظاهرها و إن كائنا كالإنسان يعيش في بيئة كؤود لا يسعه أن يتجاهل عالم المرئيات .
والقران يبصرنا بحقيقة التغيّر العظيمة, والتي لا يتسنى لنا بغير تقديرها و السيطرة عليها بناء حضارة قوية الدعائم . ولقد أخفقت ثقافات أوروبا واسيا بل ثقافات العالم القديم كله لأنها تناولت الحقيقة بالنظر العقلي المجرد ثم اتجهت منه إلى العالم الخارجي, فأمدها هذا المسلك بالتفكير النظري المجرد من القوة, وليس من الممكن أن تقام على النظر المجرد وحده حضارة يكتب لها البقاء ...

منقووووووووووووول للفائدة
أبو محمد
أبو محمد
صاحب القلم المميز
صاحب القلم المميز

عدد المساهمات : 4282
نقاط : 7201
السٌّمعَة : 77
تاريخ التسجيل : 09/05/2010
الموقع : رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى