منتدى مدينة أرمناز العام
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة البقرة ، :الآية: 32

اذهب الى الأسفل

فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة البقرة ، :الآية: 32 Empty فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة البقرة ، :الآية: 32

مُساهمة من طرف عبد القادر الأسود الأحد سبتمبر 16, 2012 11:33 am

قَالُواْ قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ العليم الحكيم
(32) .

لقد قدَّمَ الملائكةُ الكرامُ الثَناءَ على ذِكرِ ما اعتذروا به، ونزَّهوا حقيقةَ حُكْمِه عن أنْ يكونَ يَعرِضُ وهُمُ المُعترِضون، فقالوا لا عِلمَ لنا بما سألتَنا عنه، وهل يلامُ العاجزُ عما لا يستطيعه، إنّكَ أنتَ العليمُ الحكيمُ فما تفعلُه حقٌّ وصِدْقٌ ليس لأحد عليكَ حُكمٌ.
وأفادت الآيةُ أنَّ العبدَ يَنبغي له أنْ لا يغفل عن نُقصانِه، وعن فضلِ اللهِ وإحسانِه، ولا يَأنَفَ أنْ يَقولَ لا أعلمُ فيما لا يَعلم ولا يَكتُمَ فيما يَعلمُ. فلو قال الملائكة: لا علمَ لنا بأسماءِ هذه المُسَمّيات لكانَ جوابُهم على قَدَرِ السُؤالِ، ولكنهم قَصَدوا الاعتِرافَ بالعجزِ عن معرفةِ أسماءِ تلك المُسَمَّياتِ المعروضةِ على أبلغِ وجهٍ فنَفَوْا عن أنفسهم أنْ يعلموا شيئاً غيرَ ما يُعلِّمُهم اللهُ.
وقالوا لا أدري نِصْفُ العِلْمِ، وقد سئل الإمامُ أبو يوسف القاضي وهوصاحب أبي حنيفة وأحد أعمدة مذهبِه عن مسألةٍ فقال: لا أدري فقالوا له: تَرتزِقُ مِن بيتِ المالِ كلَّ يومٍ كذا وكذا ثمّ تقولُ لا أدري! فقال: إنّما أرتزِقُ بقَدْرِ عِلمي ولو أعْطيتُ بقَدْرِ جَهلي لمْ يَسَعْني مالُ الدُنيا. وقَدْ أَخْبَرَ الصَّادِقُ أَنَّ بِمَوْتِ الْعُلَمَاءِ يُقْبَضُ الْعِلْمُ، فَيَبْقَى نَاسٌ جُهَّالٌ يُسْتَفْتُونَ فَيُفْتُونَ بِرَأْيِهِمْ فَيَضِلُّونَ وَيُضِلُّونَ. وَأَمَّا مَا وَرَدَ مِنَ الْأَخْبَارِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ بَعْدَهُمْ فِي مَعْنَى الْآيَةِ فَرَوَى الْبُسْتِيُّ فِي الْمُسْنَدِ الصَّحِيحِ لَهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْبِقَاعِ شَرٌّ؟ قَالَ: ((لَا أَدْرِي حَتَّى أَسْأَلَ جِبْرِيلَ فَسَأَلَ جِبْرِيلَ، فَقَالَ: لَا أَدْرِي حَتَّى أَسْأَلَ مِيكَائِيلَ، فَجَاءَ فَقَالَ: خَيْرُ الْبِقَاعِ الْمَسَاجِدُ، وَشَرُّهَا الْأَسْوَاقُ)). وَقَالَ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه لِلْجَدَّةِ: ارْجِعِي حَتَّى أَسْأَلَ النَّاسَ. وَكَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ: وَابَرْدَهَا عَلَى الْكَبِدِ، ثَلَاثَ مَرَّاتً. قَالُوا وَمَا ذَلِكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: أَنْ يُسْأَلَ الرَّجُلُ عَمَّا لَا يَعْلَمُ فَيَقُولُ: اللَّهُ أَعْلَمُ. وَسَأَلَ ابْنَ عُمَرَ رَجُلٌ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَقَالَ: لَا عِلْمَ لِي بِهَا، فَلَمَّا أَدْبَرَ الرَّجُلُ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: نِعْمَ مَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ، سُئِلَ عَمَّا لَا يَعْلَمُ فَقَالَ لَا عِلْمَ لِي بِهِ! ذَكَرَهُ الدَّارِمِيُّ فِي مُسْنَدِهِ. وَفِي صحيح مسلم عن أبي عقيل يَحْيَى بْنِ الْمُتَوَكِّلِ صَاحِبِ بُهَيَّةَ (مولاة أبي بكر رضى الله عنه) قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ الْقَاسِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، فَقَالَ يَحْيَى لِلْقَاسِمِ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ إِنَّهُ قَبِيحٌ عَلَى مِثْلِكَ عَظِيمٌ أَنْ يسأل عن شيءٍ مِنْ أَمْرِ هَذَا الدِّينِ فَلَا يُوجَدُ عِنْدَكَ مِنْهُ عِلْمٌ وَلَا مَخْرَجٌ؟ فَقَالَ لَهُ الْقَاسِمُ: وَعَمَّ ذَاكَ؟ قَالَ: لِأَنَّكَ ابْنُ إِمَامَيْ هُدًى: ابْنُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ (هو ابن عبيد الله بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. وام القاسم هي أم عبد الله بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضى الله عنهم). قَالَ يَقُولُ لَهُ الْقَاسِمُ: أَقْبَحُ مِنْ ذَاكَ عِنْدَ مَنْ عَقَلَ عَنِ اللَّهِ أَنْ أَقُولَ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَوْ آخُذَ عَنْ غَيْرِ ثِقَةٍ. فَسَكَتَ فَمَا أَجَابَهُ. وَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: سَمِعْتُ ابْنَ هُرْمُزَ يَقُولُ: يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ أَنْ يُورِثَ جُلَسَاءَهُ مِنْ بَعْدِهِ لَا أَدْرِي حَتَّى يَكُونَ أَصْلًا فِي أَيْدِيهِمْ، فَإِذَا سُئِلَ أَحَدُهُمْ عَمَّا لَا يَدْرِي قَالَ: لَا أَدْرِي. وَذَكَرَ الْهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ قَالَ: شَهِدْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ سُئِلَ عَنْ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ مَسْأَلَةً فَقَالَ فِي اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ مِنْهَا: لَا أَدْرِي. وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَفُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ. وَإِنَّمَا يَحْمِلُ عَلَى تَرْكِ ذَلِكَ الرِّيَاسَةُ وَعَدَمُ الْإِنْصَافِ فِي الْعِلْمِ. ورُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ قَالَ: لَا تَزِيدُوا فِي مُهُورِ النِّسَاءِ عَلَى أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً وَلَوْ كَانَتْ بِنْتَ ذِي الْعَصَبَةِ يَعْنِي يَزِيدَ بْنَ الْحُصَيْنِ الْحَارِثِيَّ، فَمَنْ زَادَ أَلْقَيْتُ زِيَادَتَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، فَقَامَتِ امْرَأَةٌ مِنْ صَوْبِ النِّسَاءِ فقالت: ما ذلك لك! قَالَ: وَلِمَ؟ قَالَتْ: لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: {وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً} النساء: 20. فَقَالَ عُمَرُ: امْرَأَةٌ أَصَابَتْ وَرَجُلٌ أَخْطَأَ! وَرَوَى وَكِيعٌ أنَّ رجلاً سَأَلَ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَقَالَ فِيهَا، فَقَالَ الرجل: ليس كذلك يا أميرَ المؤمنين، وَلَكِنْ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ عَلِيٌّ: أَصَبْتَ وَأَخْطَأْتُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ.
وهذه الآية الكريمة. توضِّح لنا أنَّ اللهَ ـ سبحانَه وتعالى ـ هو المُعلِّم الأوَّلُ في الكون. وإذا كان لكلِّ عِلْمٍ مُعلِّمٌ. فإنَّ المُعلِّمَ الأوَّلَ لابُدَّ أنْ يكونَ هو اللهُ ـ سبحانه. وإذا كنّا نُشاهد في عصرِنا ألوانًا من العلوم فهذه العلومُ مِن تَفاعُلِ العقلِ الذي وهبَه اللهُ للإنسانِ مع الموادِّ التي وَضعَها اللهُ في الكون. فكلُّ الاختراعاتِ والابتكاراتِ أخذتْ وجودَها من مقدِّماتٍ كانت سابقةً عليها. فالماءُ مثلًا كان موجودًا منذ الأزلِ. والشمسُ كطاقةٍ تُبَخِّرُ الماءَ لِتشكِّلَ منه سحابًا. فإذا استخدم الإنسانُ الطاقةَ الحراريَّةَ في تبخيرِ الماءِ واستخدمَ البُخارَ كطاقةٍ، فكانت قفزةٌ حضاريّةٌ في العلوم اسمُها عصرُ البُخارِ، وهو الذي كانت سُيِّرتْ فيه القطاراتُ والآلاتُ في المصانع وغيرُ ذلك. فإنَّ هذا التقدُّمَ في العلمِ، إنّما تحقَّقَ بوجودِ العلمِ والطاقةِ، وتفاعل القدرةِ العقلية للإنسان التي منحه إياها الخالقُ تبارك وتعالى. ولذلك عندما جاء الإسلام ليعرض العلمَ التجريبيَّ أو الماديَّ لَفَتَنا إلى آيات الخالقِ في الكون. وطلب منّا أنْ نتأمّلَ هذه الآيات ونُعمِلَ فيها العقلَ والإدراك. فقال سبحانه: {وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السماواتِ والأرضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ }. سورة يوسف: 105. إن القرآن يُطالِبُنا بأنْ نُواصِلَ العلمَ الذي علَّمَه اللهُ لآدمَ. فـ "نيوتن" العالمُ الذي اكتشف قوَّةَ جاذبيّةِ الأرضِ كان يُراقِبُ تُفّاحَةً سقطت من أعلى شجرةٍ واصطدمت بالأرض. إنَّ كلَّ علمٍ مبنيٌ على نظريّاتٍ. النظريَّةُ الأولى تبنى عليها الثانية. والثانية تبنى عليها الثالثة. ولكنَّ بِدايةَ كلِّ هذه العلوم لم تبدأْ بنظريَّةٍ، إنّما بدأتْ ببدَهيّاتٍ. أيْ أمورٍ لا تحتاجُ إلى دليل. وهي التي خلقها اللهُ في الكون. وعلى هذه البَدَهيّاتِ بُنيتْ النَّظرياتُ الواحدة بعد الأخرى. حتى إذا أعدتَها إلى أصلِها، وصلتَ إلى أنَّ العِلمَ الأوّلَ كان من اللهِ سبحانَه وتعالى، فهو المعلِّمُ الأوَّلُ. يقول الشاعرُ أحمد شوقي رحمه الله:
سبحانَكَ اللّهُمَّ خيرَ مُعَلِّمٍ ............... علَّمتَ بالقلمِ القُرونَ الأُولى
أرسلت بالتوارة موسى مُرْشِدًا ............. وابنَ البَتولِ فَعَلَّمَ الإنْجيلا
وفجَرْتَ يُنبوعَ البيانِ مُحَمَّدًا .......... فسَقَى الحديثَ وناوَلَ التَنْزيلا
وكأنّه يقول أنَّ كلَّ عِلْمٍ هو مَنسُوبٌ إلى الله وحده. وهكذا يَتَّضحُ لنا. أنَّ قولَ الملائكةِ: {سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَآ إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَآ إِنَّكَ أَنْتَ العليم الحكيم} يتضمَّنُ الاعترافَ بأنَّ العلمَ كلَّه مَرجِعُهُ إلى الله سبحانه وتعالى.
قَوْلُهُ: {سُبْحانَكَ} أَيْ تَنْزِيهًا لَكَ عَنْ أَنْ يَعْلَمَ الْغَيْبَ أَحَدٌ سِوَاكَ. وَهَذَا جَوَابُهُمْ عَنْ قَوْلِهِ: {أَنْبِئُونِي} فَأَجَابُوا أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ إِلَّا مَا أَعْلَمَهُمْ بِهِ. و{الْعَلِيمُ} للمبالغة والتكثير في المعلومات في خلق الله تعالى. و{الْحَكِيمُ} مَعْنَاهُ الْحَاكِمُ، وَبَيْنَهُمَا مَزِيدُ الْمُبَالَغَةِ. وَقِيلَ معناه المُحَكَّم والحكيم عَلَى هَذَا مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ، صُرِفَ عَنْ مُفْعِلٍ إِلَى فَعِيلٍ، كَمَا صُرِفَ عَنْ مُسْمِعٍ إِلَى سَمِيعٍ وَمُؤْلِمٍ إِلَى أَلِيمٍ، قَالَهُ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ. وَقَالَ قَوْمٌ: {الْحَكِيمُ} الْمَانِعُ مِنَ الْفَسَادِ، وَمِنْهُ سُمِّيَتْ حِكْمَةُ اللِّجَامِ، لِأَنَّهَا تَمْنَعُ الْفَرَسَ مِنَ الْجَرْيِ وَالذَّهَابِ فِي غَيْرِ قَصْدٍ. قَالَ جَرِيرٌ:
أَبَنِي حَنِيفَةَ أَحْكِمُوا سُفَهَاءَكُمْ ........... إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ أَغْضَبَا
أَيِ امْنَعُوهُمْ مِنَ الْفَسَادِ. وَقَالَ زُهَيْرٌ:
الْقَائِدُ الْخَيْلَ مَنْكُوبًا دَوَابِرُهَا ...... قَدْ أُحْكِمَتْ حَكَمَاتُ الْقَدِّ وَالْأَبَقَا
الْقَدُّ: الْجِلْدُ. وَالْأَبَقُ: الْقُنَّبُ. وَالْعَرَبُ تَقُولُ: أَحْكَمَ الْيَتِيمَ عَنْ كَذَا وَكَذَا، يُرِيدُونَ مَنَعَهُ. وَالسُّورَةُ الْمُحْكَمَةُ: الْمَمْنُوعَةُ مِنَ التَّغْيِيرِ وَكُلِّ التَّبْدِيلِ، وَأَنْ يُلْحَقَ بِهَا مَا يَخْرُجُ عَنْهَا، وَيُزَادُ عَلَيْهَا مَا لَيْسَ مِنْهَا، وَالْحِكْمَةُ مِنْ هَذَا، لِأَنَّهَا تَمْنَعُ صَاحِبَهَا مِنَ الْجَهْلِ. وَيُقَالُ: أَحْكَمَ الشَّيْءَ إِذَا أَتْقَنَهُ وَمَنَعَهُ مِنَ الْخُرُوجِ عَمَّا يُرِيدُ. فَهُوَ مُحْكَمٌ وَحَكِيمٌ على التكثير. وقدَّم الوصفَ بالعِلمِ على الوصفِ بالحكمةِ، ليكون وصفُه بالعِلمِ متَّصِلًا بنفيهم عن أنفسِهم في قولهم: {لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا}.
وقولُه ـ سبحانه: "سبحانَ" اسمُ مصدرٍ منصوبٌ بفعل مُضمَرٍ لا يكاد يُستعمل معه. وقيل: بل هو مصدرٌ لأنّه سُمِعَ له فعلٌ ثلاثي، وهو من الأسماء اللازمةِ للإِضافة وقد يُفْرَدُ، وإذا أُفْرِد مُنِعَ الصرفَ للتعريفِ وزيادةِ الألفِ والنونِ، وقد جاء منوَّناً كقول الشاعر عمرو بن نُفَيْل:
سبحانَه ثم سُبْحاناً نعوذُ به .............. وقبلَنَا سبَّح الجُودِيُّ والجُمُدُ
قيل: صُرِف ضرورةً، وقيل: هو بمنزلة قبلُ وبعدُ، إن نُوي تعريفُه بقي على حالِه، وإن نُكِّر أُعْرِبَ منصرفاً، وهذا البيتُ يساعِدُ على كونِهِ مصدراً لا اسمَ مصدرٍ لورودِه منصرفاً. ولقائلِ القولِ الأولِ أنْ يُجيبَ عنه بأنَّ هذا نَكِرةٌ لا معرفةٌ، وهو من الأسماءِ اللازمةِ النصبَ على المصدريةِ فلا يتصرَّفُ، والناصبُ له فعلٌ مقدرٌ لا يجوزُ إظهارُه، وقد رُوي عن الكسائي أنَّه جَعَلَه منادى تقديرُه: يا سبحانَك، وأباه الجمهورُ من النحاةِ، وإضافتُه هنا إلى المفعولِ لأنَّ المعنى: نُسَبِّحُك نحنُ. وقيل: بل إضافتُه للفاعل، والمعنى: تنزَّهْتَ وتباعَدْتَ من السوء وسبحانَك، والعاملُ فيه في محلِّ نصبٍ بالقول.
قوله: {لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا} كقولِه تعالى: {لاَ رَيْبَ فِيهِ} و"إلاَّ" حرفُ استثناء، و"ما" موصولةٌ، و"علَّمتنا" صِلَتُها، وعائدُها محذوفٌ، على أن يكونَ "عِلْم" بمعنى مَعْلُوم، ويجوزُ أنْ تكونَ مصدريةً وهي في محلِّ نصب على الاستثناءِ، ولا يجوزُ أن تكونَ منصوبةً بالعِلْم الذي هو اسمُ "لا" لأنّه إذا عَمِل كان مُعْرباً، وقيل: في محلِّ رفعٍ على البدلِ من اسم "لا" على الموضع.
قولُه: {إِنَّكَ أَنْتَ العليم الحكيم} أنتَ يَحتمِلُ ثلاثةَ أوجهٍ، أنْ يكونَ تأكيداً لاسمِ إنَّ فيكونَ منصوبَ المحلِّ، وأنْ يكونَ مبتدأً خبرُه ما بعدَه والجملةُ خبرُ إنَّ، وأنْ يكونَ فَصْلاً. وهل له محلُّ إعرابٍ أم لا؟ إذا قيل: إنَّ له محلاًّ، فهل بإعرابِ ما قبلَه فيكونُ في محلِّ نصبٍ، أو بإعراب ما بعده، فيكونُ في محلِّ رَفعٍ؟ و"الحكيمُ" خبَرٌ ثانٍ أو صفةٌ للعليم، وهما فَعِيل بمعنى فاعِل، وفيهما من المبالغةِ ما ليس فيه. والحُكْم لغةً: الإِتقانُ والمَنْع من الخروجِ عن الإِرادة.
وقَدَّم "العليم" على "الحكيم" لأنّه هو المتصلُ به في قولِه: "عَلَّم" وقولِه: "لا عِلْمَ لنا"، فناسَبَ اتَّصالَه به، ولأنَّ الحِكْمَةَ ناشئةٌ عن العِلْمِ وأثرٌ له، وكثيراً ما تُقَدَّمُ صفةُ العِلْم عليها، والحكيمُ صفةُ ذاتٍ إنْ فُسِّر بذي الحكمةِ، وصفةُ فِعْلٍ إنْ فُسِّر بأنّه المُحْكِمُ لصَنْعَتِه.
عبد القادر الأسود
عبد القادر الأسود
أرمنازي - عضو شرف
أرمنازي - عضو شرف

عدد المساهمات : 932
نقاط : 2771
السٌّمعَة : 15
تاريخ التسجيل : 08/06/2010
العمر : 76
الموقع : http://abdalkaderaswad.spaces.live.com

http://abdalkaderaswad.wordpress.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى