منتدى مدينة أرمناز العام
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 83

اذهب الى الأسفل

فيض العليم ... سورة النساء، الآية:  83 Empty فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 83

مُساهمة من طرف عبد القادر الأسود السبت يونيو 01, 2013 11:45 am

وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلاَّ قَلِيلاً (83)
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ} إِنْكَارٌ عَلَى مَنْ يُبَادِرُ إِلَى الْأُمُورِ قَبْلَ تَحَقُّقِهَا فَيُخْبِرُ بِهَا وَيُفْشِيهَا وَيَنْشُرُهَا، وَقَدْ لَا يَكُونُ لَهَا صِحَّةٌ، وَقَدْ قَالَ مُسْلِمٌ فِي مُقَدِّمَةِ صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم ـ قال: ((كفى بالمَرْءِ كَذِبًا أنْ يُحدِّثَ بِكُلِّ ما سَمِعَ)) وَفِي الصَّحِيحِ: ((مَنْ حَدَّثَ بِحَدِيثٍ وَهُوَ يَرَى أنَّه كَذِبٌ فهو أحدُ الكاذبين)). والْمَعْنَى أَنَّهُمْ إِذَا سَمِعُوا شَيْئًا مِنَ الْأُمُورِ فِيهِ أَمْنٌ نَحْوَ ظَفَرِ الْمُسْلِمِينَ وَقَتْلِ عَدُوِّهِمْ "أَوِ الْخَوْفِ" وَهُوَ ضِدُّ هَذَا "أَذاعُوا بِهِ} أَيْ أَفْشَوْهُ وَأَظْهَرُوهُ وَتَحَدَّثُوا بِهِ قَبْلَ أَنْ يَقِفُوا عَلَى حَقِيقَتِهِ. فَقِيلَ: كَانَ هَذَا مِنْ ضَعَفَةِ الْمُسْلِمِينَ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُفْشُونَ أَمْرَ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ ويظنّون أنَّهم لا شيءَ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ.
فقد جاء في الحديثِ المُتَّفقِ على صحتِه أنَّ عمرَ بنَ الخَطّابِ ـ
رضي الله عنه ـ حِينَ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ـ طلَّقَ نساءَهُ جاءَ مِنْ مَنْزِلِهِ حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَوَجَدَ النَّاسَ يَقُولُونَ ذَلِكَ فَلَمْ يَصْبِرْ حَتَّى اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَاسْتَفْهَمَهُ، أَطَلَّقْتَ نِسَاءَكَ؟ فقال: ((لَا))، فَقُمْتُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَنَادَيْتُ بِأَعْلَى صَوْتِي: لَمْ يُطَلِّقْ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ نِسَاءَهُ، وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: "وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ .."
وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَابْنُ زَيْدٍ: هي فِي الْمُنَافِقِينَ فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ لِمَا يَلْحَقُهُمْ مِنَ الْكَذِبِ فِي الْإِرْجَافِ.
قَوْلُهُ: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} أَيْ لَمْ يُحَدِّثُوا بِهِ وَلَمْ يُفْشُوهُ حَتَّى يَكُونَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ هُوَ الَّذِي يُحَدِّثُ بِهِ وَيُفْشِيهِ. أَوْ أُولُوا الْأَمْرِ وَهُمْ أَهْلُ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ والْوُلَاةُ. وَقِيلَ: أُمَرَاءُ السَّرَايَا. "لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ" أَيْ يَسْتَخْرِجُونَهُ، أَيْ لَعَلِمُوا مَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْشَى مِنْهُ وَمَا يَنْبَغِي أَنْ يُكْتَمَ. وَالِاسْتِنْبَاطُ فِي اللُّغَةِ الِاسْتِخْرَاجُ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى الِاجْتِهَادِ إِذَا عُدِمَ النصُّ والإجْماعُ.
قولُه: {لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلًا} فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَقْوَالٌ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: الْمَعْنَى أَذَاعُوا بِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ لَمْ يَذِعْ وَلَمْ يُفْشِ. لِأَنَّ عِلْمَ السَّرَايَا إِذَا ظَهَرَ عَلِمَهُ الْمُسْتَنْبِطُ وَغَيْرُهُ، وَالْإِذَاعَةُ تَكُونُ فِي بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ، لِأَنَّ هَذَا الِاسْتِنْبَاطَ الْأَكْثَرُ يَعْرِفُهُ، لِأَنَّهُ اسْتِعْلَامُ خَبَرٍ. فَهَذَانَ قَوْلَانِ عَلَى الْمَجَازِ، لأَنَّ فِي الْكَلَامِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا. وَقَوْلٌ ثَالِثٌ بِغَيْرِ مَجَازٍ: يَكُونُ الْمَعْنَى وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ بِأَنْ بَعَثَ فِيكُمْ رَسُولًا أَقَامَ فِيكُمُ الْحُجَّةَ لَكَفَرْتُمْ وَأَشْرَكْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ فَإِنَّهُ كَانَ يُوَحِّدُ. وَفِيهِا قَوْلٌ رَابِعٌ: قَالَه الضَّحَّاكُ: الْمَعْنَى لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا، أَيْ إِنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ حَدَّثُوا أَنْفُسَهُمْ بِأَمْرٍ مِنَ الشَّيْطَانِ إِلَّا قَلِيلًا، يَعْنِي الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى. وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَكُونُ قَوْلُهُ "إِلَّا قَلِيلًا" مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ: "لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ". قَالَ الْمَهْدَوِيُّ: أَنْكَرَ هَذَا الْقَوْلَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، إِذْ لَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعَ النَّاسُ كلُّهُمُ الشيطانَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أو الخوف أَذَاعُواْ بِهِ} فِي "إِذا" مَعْنَى الشَّرْطِ وَلَا يُجَازَى بِهَا وَإِنْ زِيدَتْ عَلَيْهَا "مَا" وَهِيَ قَلِيلَةُ الِاسْتِعْمَالِ. قَالَ سِيبَوَيْهِ. وَالْجَيِّدُ مَا قَالَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ:
وَإِذَا مَا تَشَاءُ تَبْعَثُ مِنْهَا ................. مَغْرِبَ الشَّمْسِ نَاشِطًا مَذْعُورًا
يَعْنِي أَنَّ الْجَيِّدَ لَا يُجْزَمُ بِإِذَا مَا كَمَا لَمْ يُجْزَمْ فِي هَذَا الْبَيْتِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ (الْبَقَرَةِ). و"أَذَاعُواْ بِهِ" جوابُ "إذا"، وعَيْنُ الفعلِ في "أذاع" أصلُها ياءٌ لقولِهم: ذاعَ الشيءَ يُذِيع، ويُقال: أَذاع الشيءَ أيْضاً بِمعنى المُجرَّدِ، ويكونُ متعدِّيًا بنفسِه وبالباء، وعليْه الآيةُ الكريمة، وقيل: ضَمَّنَ "أذاع" معنى "تَحَدَّثَ" فَعدَّاه تعديتَه أي: تحدَّثوا به مُذيعين له. والإِذاعة الإِشاعةُ،
قال أبو الأسود:
أذاعُوا بِه في النّاسِ حتّى كأنَّهُ ................. بِعَلْياءِ نارٍ أُوقِدَتْ بثَقُوبِ
والضميرُ في "به" يجوزُ أن يعودَ على الأمرِ، ويجوزُ أنْ يعودَ على "الأمنِ أو "الخوفِ"؛ لأنَّ العطفَ بـ "أو"، والضميرَ في "رَدُّوه" للأمرِ فقط. والاستنباطُ والإِنباط: الاسْتِخراجُ، قال:
نَعَمْ صادقاً والفاعلُ القائلُ الذي ... إذا قال قَوْلاً أنبطَ الماءَ في الثَّرى
ويُقالُ: نَبَطَ الماءُ يَنْبطُ بفتحِ الباءِ وضَمِّها، والنَّبَطُ: الماءُ الذي يَخْرُجُ مِنَ البِئْرِ أوَّلَ حَفْرِها. والنَّبَطُ أيضاً جِيلٌ مِنَ الناسِ سُمُّوا بذلك لأنَّهم كانوا يَستخرجون المِياه والنَباتَ. ويُقالُ في الرجل الذي يَكون بعيدَ العِزِّ والمَنَعةِ: ما يَجِدُ عدوُّهُ لَهُ نَبَطاً. قال كعب:
قريبٌ ثَراه ما يَنالُ عدوُّهُ .................... لَه نَبَطاً، آبي الهوانِ قَطُوبُ
وقولُه: {منهم} حالٌ: إمَّا مِن الذينَ، أو مِنَ الضميرِ في "يستنبطونه" فيتعلَّق بمحذوفٍ. وقرأ أبو السَمَّالِ: "لَعَلْمه" بسُكونِ اللامِ، ومثلُ تسْكينِ "لَعَلْمه" قوله:
فإنْ تَبْلُه يَضْجَرْ كما ضَجْرَ بازِلٌ ....... مِنَ الأُدْمِ دُبْرَتْ صَفْحَتاه وغارِبُه
أيْ: دَبِرتْ، فَسَكَّنَ.
قولُه: {إِلاَّ قَلِيلاً} مُسْتَثنى مِنْ فاعِلِ "اتَّبعتم" أي: لاتَّبَعْتُمُ الشيطانَ إلَّا قليلاً منكم، فإنَّ هذا القليلَ لَمْ يَتَّبِعِ الشَيْطانَ، كقِسِّ بْنِ ساعدةَ الإياديِّ وزَيْدٍ بْنِ عَمْرٍو بْنِ نُفيْلٍ وورَقَةَ بْنِ نَوْفَلَ، مِمَّن كان على دينِ المسيح ـ عليه السلامُ ـ قبل بعثة الرسولِ محمدٍ ـ عليه الصلاةُ والسلامُ ـ على تقديرِ كونِ فَضْلِ اللهِ لمْ يَأتِهِ، ويَكونُ الفضلُ هو إرسالُ محمَّدٍ ـ صلى اللع عليْه وسلَّمَ. وقيل: المرادُ مَنْ لم يَبلغِ التَكليفَ، وعلى هذا التأويلِ قيل: فالاستِثناءُ مُنْقطعٌ؛ لأنَّ المُستَثنى لم يَدخُلْ تحتَ الخِطابِ، وفيه نَظَرٌ. وثمّةَ وجهٌ ثانٍ في "إلاّ قليلًا" بأن يكون مستثنًى مِنْ فاعلِ "أذاعوا" أي: أَظهَروا أمْرَ الأمْنِ أو الخوفِ إلَّا قليلاً. ووجهٌ ثالثٌ: بأنّه مُستَثْنًى مِنْ فاعلِ "عَلِمه" أي: لَعَلِمَهُ المُستنبِطون إلّا قليلاً منهم. وقولٌ رابع: أنَّه مُستَثنًى مِن فاعلِ "لوجدوا" أيْ لَوَجَدوا فيما هو مِنْ غيرِ اللهِ التَنَاقُضَ "إلَّا قليلاً" منهم وهمُ الذين لمْ يُمْعِنوا النَظرَ، فيَظُنَّ الباطلَ حقًّا والمُتَناقِضَ مُوافِقاً. أو أنَّه مُستثنًى مِنَ الضميرِ المَجرورِ في "عليكم" وتأويلُه كَما هو في الوجْه الأوَّل. أو يكون مُستَنثًى مِن فاعلِ "يستنبطونه" وتأويلُه كتأويلِ الوجهِ الثالث. أو يكون مُستَثنًى مِن المَصدَرِ الدالِّ عليه الفعلُ، وتقديرُ ذلك: لاتَبَعْتُمْ الشيطانَ إلَّا اتِّباعاً قليلاً. ويمكن أن يكون مُستثنًى مِنَ المُتَّبَعِ فيه، تقديره: لاتَّبَعتمُ الشيطانَ في كلِّ شيءٍ إلَّا في قليلٍ مِنَ الأُمورِ، وعلى هذا فهو استثناءٌ مُفرَّغٌ، ويمكنُ أنْ يكونَ المُرادُ بالقِلَّة هنا العدمَ، أيْ لاتَّبعتُمُ الشيطانَ كلُّكم ولم يتخلَّفْ أحدٌ منكم، وهذا كلامٌ قلِقٌ ولا يُشبِهُ ما حكى سِيبويْهِ مِنْ قولِهم: هذه أرضٌ قَلَّ ما تُنْبِتُ، أيْ لا تُنْبِتُ شيئاً. ووجهٌ أخيرٌ في هذا الاستثناءِ وهو أنَّ المُخاطَبَ بقولِه: "لاتبعتم" جميعُ الناسِ، فيكونُ "إلّا قليلًا: هم أُمَّةُ سيِّدِنا مُحمَّدٍ ـ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ ـ خاصَّةً، ويؤيِّد هذا قولُه ـ عليْه الصلاةُ والسلامُ: ((ما أنتم في سِواكم مِنَ الأُمَمِ إلَّا كَالرَّقْمَةِ البَيضاء في الثَّوْرِ الأَسْودِ)).
عبد القادر الأسود
عبد القادر الأسود
أرمنازي - عضو شرف
أرمنازي - عضو شرف

عدد المساهمات : 932
نقاط : 2771
السٌّمعَة : 15
تاريخ التسجيل : 08/06/2010
العمر : 75
الموقع : http://abdalkaderaswad.spaces.live.com

http://abdalkaderaswad.wordpress.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى