الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 17
منتدى مدينة أرمناز العام :: المنتدى الخاص بشاعر أرمناز الكبير الأستاذ عبدالقادر الأسود :: البحوث والدراسات والمقالات النثرية
صفحة 1 من اصل 1
الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 17
وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (17)
قوْلُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ} أَيْ: وَكَثيرًا مَا أَهْلَكْنَا. فَـ "كَمْ" خَبَرِيَّةٌ، مَعْنَاهَا الْإِخْبَارُ بِعَدَدٍ كَثِيرٍ، وَهِيَ فِي الْأَصْلِ اسْتِفْهَامٌ عَنِ الْعَدَدِ، وَتُسْتَعْمَلُ خَبَرِيَّةً دَالَّةً عَلَى عَدَدٍ كَثِيرٍ مُبْهَمِ النَّوْعِ، فَلِذَلِكَ تَحْتَاجُ إِلَى تَمْيِيزٍ لِنَوْعِ الْعَدَدِ، وَ تَمْيِيزُها هو "مِنَ الْقُرُونِ" لِلْإِبْهَامِ الَّذِي اقْتَضَتْهُ. وَهِيَ هُنَا خَبَرِيَّةٌ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ بِالْفِعْلِ الْوَاقِعِ بَعْدَهَا، لِأَنَّهَا الْتُزِمَ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْفِعْلِ نَظَرًا لِكَوْنِ أَصْلِهَا الِاسْتِفْهَامَ، وَالِاسْتِفْهَامُ لَهُ صَدْرُ الْكَلَامِ. وَ "الْقُرُون" جَمْعُ قَرْنٍ، وَهُوَ فِي الْأَصْلِ الْمُدَّةُ الطَّوِيلَةُ مِنَ الزَّمَنِ، فَقَدْ يُقَدَّرُ بِمِئَةِ سَنَةٍ وَقد يُقَدَّرُ بِأَرْبَعِينَ سَنَةً، وَيُطْلَقُ عَلَى النَّاسِ الَّذِينَ يَكُونُونَ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ كَمَا هُوَ هُنَا. وَكمَا هُوَ فِي الْحَدِيثِ الشَريفِ: ((خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ)) أَخْرَجَهُ الإمامُ أَحْمَدُ والشَيْخَانِ وغَيْرُهُم، مِنْ حَديثِ عُمْرانَ بْنِ الحُصينِ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، فقد أَرَادَ ـ عَلَيْهِ صلاةُ اللهِ وسلامُهُ، "أَهْلَ قَرْنِي"، أَيْ أَهْلَ الْقَرْنِ الَّذِي كانَ فِيهِ. وَقَالَ اللهُ تَعَالَى منْ سُورةِ الفُرقانِ: {وَعادًا وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا} الْآية: 38. أَيْ: أَجيالًا وأُمَمًا كَثيرَةً. وقد ذَكَرَ اللهُ تَعَالى سُنَّتَهُ في إِهْلاكِ القُرُونِ المَاضِيَةِ تَخْويفًا لِكُفَّارِ مَكَّةَ، فَضُرِبَ مثالًا لِإِهْلَاكِ الْقُرَى الَّذِي وَصَفَ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ سَبَبُهُ وَكَيْفِيَّتُهُ، فَعَقَّبَ ذَلِكَ بِتَمْثِيلِهِ هُنَا، لِأَنَّ التَمْثيلَ أَشَدُّ فِي الْكَشْفِ، وَأَدْخَلُ فِي التَّحْذِيرِ الْمَقْصُودِ. وَفِي ذَلِكَ تَحْقِيقٌ لِكَوْنِ حُلُولِ الْعَذَابِ بِالْقُرَى مُقَدَّمًا بِإِرْسَالِ رَسُولٍ إِلَيهم، ثُمَّ بِتَوْجِيهِ الْأَوَامِرِ إِلَى الْمُتْرَفِينَ، ثُمَّ فِسْقِهِمْ عَنْهَا، وَقد كَانَ زُعَمَاءُ الْكَفَرَةِ مِنْ قَوْمِ نَبِيِّ اللهِ نُوحٍ ـ عليهِ السَّلامُ، مُتْرَفِينَ أَيْضًا، وَهُمُ الَّذِينَ قَالُوا لِسَيِّدِنَا نُوحٍ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ: {وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ} الآية: 27، مِنْ سُورةِ هُودٍ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ. وَقَالَ لَهُمْ نُوحٌ ـ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلَامُ: {وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْرًا} الآيَةَ: 31، مِنْ سُورَةِ هُودٍ. فَكَانَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ عَطْفَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ بِالْفَاءِ لِأَنَّهَا كَالْفَرْعِ عَلَى الْجُمْلَةِ قَبْلَهَا وَلَكِنَّهَا عُطِفَتْ بِالْوَاوِ إِظْهَارًا لِاسْتِقْلَالِهَا بِوَقْعِ التَّحْذِيرِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى فَكَانَ ذَلِك تَخْريجًا عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ لِهَذَا الِاعْتِبَارِ الْمُنَاسِبِ.
وَكانَ مَبْدَأُ قَصَصِ الْأُمَمِ هوَ زَمَنَ نُوحٍ لِأَنَّهُ أَوَّلُ رَسُولٍ، وَاعْتُبِرَ الْقَصَصُ مِنْ بَعْدِهِ لِأَنَّ زَمَنَ نُوحٍ صَارَ كَالْمُنْقَطِعِ بِسَبَبِ تَجْدِيدِ عُمْرَانِ الْأَرْضِ بَعْدَ الطُّوفَانِ العظيمِ الذي دَمَّرَ الأَرضَ وأهلك كلَّ مَنْ عليها إلَّا مَنْ كانَ معَ نوحٍ في السَّفِينَةِ، وَلِأَنَّ الْعَذَابَ الَّذِي حَلَّ بِقَوْمِهِ عَذَابٌ مَهُولٌ، وَهُوَ الْغَرَقُ الَّذِي أَحَاطَ بِالْعَالَمِ. ونظيرُ هَذَهِ الآيةِ قولُهُ تعالى مِنْ سورةِ الأَنعامِ: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ} الآية: 6. وَأَنَّهُ جَلَّ وَعَلَا خَبِيرٌ بَصِيرٌ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ، وَأَكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: "وَكَفَى بِرَبِّكَ". وَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ أَوْضَحَتْهُ آيَاتٌ أُخَرُ مِنْ أَرْبَعِ جِهَاتٍ:
أُولَاها: أَنَّ فِي الْآيَةِ تَهْدِيدًا لِكُفَّارِ مَكَّةَ، وَتَخْوِيفًا لَهُمْ مِنْ أَنْ يَنْزِلَ بِهِمْ مِنَ العذابِ والهلاكِ بسببِ تكذيبِهم رَسولَهُ محمَّدًا ـ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، مَا نَزَلَ بِغَيْرِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ الَّتِي كَذَّبَتْ رُسُلَهَا، أَيْ أَهْلَكْنَا قُرُونًا كَثِيرَةً مِنْ بَعْدِ نُوحٍ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، بِسَبَبِ تَكْذِيبِهِمُ الرُّسُلَ، فَلَا تُكَذِّبُوا رَسُولَنَا لِئَلَّا نَفْعَلَ بِكُمْ مِثْلَ مَا فَعَلْنَا بِهِمْ. وَالْآيَاتُ الَّتِي أَوْضَحَتْ هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ، كقولِهِ تَعَالى مِنْ سُورَةِ الحِجْرِ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ * وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ} الآيَتَانِ: (75 و 76)، وَقَوْلِهِ مِنْ سُورةِ العَنْكَبُوتِ في قومِ لَوْطٍ: {وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} الآيةَ: 35، وكَقَوْلِهِ فِيهم أَيْضًا: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} الآيتانِ: (137 ـ 138)، مِنْ سُورةِ الصافَّاتِ. وَقَوْلِهِ مِنْ سُورةِ محمَّدٍ ـ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا} الآية: 10.
قولُهُ: {وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} خِطَابٌ للنَبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خاصَّةً، لِأَنَّ كُلَّ مَا سَبَقَ مِنَ الْوَعِيدِ وَالتَّهْدِيدِ إِنَّمَا مَآلُهُ إِلَى حَمْلِ النَّاسِ عَلَى تَصْدِيهِ ـ عَلَيْهِ صَلَاةُ اللهِ وَسَلامُهُ، فِيمَا جَاءَ بِهِ مِنَ الْقُرْآنِ بَعْدَ أَنْ لَجُّوا فِي الْكُفْرِ وَتَفَنَّنُوا فِي التَّكْذِيبِ، فَلَا جَرَمَ خَتَمَ ذَلِكَ بِتَطْمِينِ النَّبِيِّ بِأَنَّ اللهَ مُطَّلِعٌ عَلَى ذُنُوبِ الْكافرينَ والمشركينَ. وَفي هذا تَعْرِيضٌ بِأَنَّهُ مُجَازِيهِمْ بِذُنُوبِهِمْ بِمَا يُنَاسِبُ فَظَاعَةَ هَذهِ الذُنُوبِ، وَلِذَلِكَ جَاءَ بِفِعْلِ "كَفَى" وَبِوَصْفَيْ: "خَبِيرًا" و "بَصِيرًا" الْمُكَنَّى بِذِكْرِهِمَا عَنْ عَدَمِ إِفْلَاتِ شَيْءٍ مِنْ ذُنُوبِهِمُ الْمَرْئِيَّةِ وَالْمَعْلُومَةِ مِنْ ضَمَائِرِهِمْ أَعْنِي أَعْمَالَهُمْ وَنَوَايَاهُمْ. وَقَدَّمَ مَا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالضَّمَائِرِ وَالنَّوَايَا لِأَنَّ الْعَقَائِدَ هيَ أَصْلُ الْأَعْمَالِ فِي الْفَسَادِ وَالصَّلَاحِ. وَفِي الْحَدِيثِ الشريف: ((أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْعَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ)) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَديثِ النُعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. وَفِي ذِكْرِ فِعْلِ (كَفَى) إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ النَّبِيَّ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إِلَى مَنْ يَنْتَصِرُ لَهُ غَيْرِ رَبِّهِ فَهُوَ كَافِيَةِ وَحَسْبُهُ، قَالَ تعالى في الآيةِ 137، مِنْ سورةِ البَقَرَةِ: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}، أَوْ إِلَى أَنَّهُ فِي غُنْيَةٍ عَنِ الْهَمِّ فِي شَأْنِهِمْ كَقَوْلِهِ لِنُوحٍ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ: {فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} الآيةَ: 46، مِنْ سورةِ هودٍ ـ عَلَيْهِ السلامُ. فَهَذَا إِمَّا تَسْلِيَةٌ لَهُ عَنْ أَذَاهُمْ وَإِمَّا صَرْفٌ لَهُ عَنِ التَّوَجُّعِ لَهُمْ.
قوْلُهُ تَعَالَى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ} الواوُ: اسْتِئْنَافِيَّةٌ، و "كَمْ" خَبَرِيَّةٌ بِمَعْنَى "عَدَد كَثِير" وهو كِنايةٌ عنْ عَدَدٍ، مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ مَفْعُولٌ بِهِ مقدَّمٌ لِـ "أَهْلَكْنا". وَ "أَهْلَكْنا" فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ لاتِّصالِهِ بِضَمِيرِ رَفْعٍ مُتَحَرِّكٍ هوَ "نا" المُعظِّمِ نَفْسَهُ ـ سُبْحانَهُ، و "نا" التعظيمِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ الرَّفْعِ فَاعِلُهُ، والجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإعْرابِ. و "مِنَ" حَرْفُ جَرٍّ وَبَيَانٍ لَكِنَّها زَائِدَةٌ فِي تَمْييزِ "كَمْ" الخَبَرِيَّةِ، مُتَعَلِّقٌ بِـ "أَهْلَكْنا". وَ "الْقُرُونِ" مَجْرورٌ بِحرْفِ الجَرِّ. و "مِنْ" حرفُ جرٍّ متعلِّقٌ بِحَالٍ مِنَ "الْقُرُونِ"، أو مُتَعَلِّقٌ بِـ "أَهْلَكْنا"، وَجَازَ تَعَلُّقُ حَرْفَيْ جَرٍّ مُتَّحِدَيِ اللَّفْظِ بِعَامِلٍ وَاحِدٍ، لاخْتِلافِ مَعْنَاهُمَا؛ فإنَّ الأُولَى، للبَيَانِ، والثانيةُ: لابْتِداءِ الغَايَةِ. وَقَالَ الحوفيُّ: "مِنْ" الثانِيَةُ بَدَلٌ مِنَ الأُولَى، وَلَيْسَ الأَمْرُ كَذَلِكَ، لِاخْتِلافِ مَعْنَيَيْهِمَا. وَ "بَعْدِ" مَجْرُورٌ بِحَرْفِ الجَرِّ، وهو مُضافٌ. وَ "نُوحٍ" مَجْرُورٌ بِالإضافَةِ إِلَيْهِ.
قولُهُ: {وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} الوَاوُ: للاسْتِئنافِ، وَ "كَفَى" فِعْلٌ مَاضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الفَتْحِ المُقَدَّرِ عَلَى آخِرِهِ لِتَعَذُّرِ ظُهُورِهِ عَلَى الأَلِفِ. وَ "بِرَبِّكَ" الباءُ: حرفُ جرٍّ زائدٍ فِي فَاعِلِ "كَفى"، قالَ الفَرَّاءُ: لَوْ أُلْقِيَتِ الباءُ كانَ الحَرْفُ مَرْفُوعًا، وَإِنَّمَا يَجُوزُ دُخُولُ الباءِ فِي المَرْفُوعِ إِذَا كانَ يُمْدَحُ بِهِ صَاحِبُهُ أَوْ يُذَمُّ؛ كَقَوْلِكَ: كَفَاكَ بِهِ، ونَهَاكَ بِهِ، وَأَكْرِمْ بِهِ رَجُلًا، وبِئْسَ بِهِ رَجُلًا، وَنِعْمَ بِهِ رَجُلًا، وطابَ بِطَعَامِكَ طَعَامًا، وَجادَ بِثَوْبِكَ ثَوْبًا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَدْحًا أَوْ ذَمًّا لَمْ يَجُزْ دُخُولُها، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لا يَجُوزُ: قَامَ بِأَخِيكَ، وأَنْتَ تُريدُ: قامَ أَخُوكَ، وَلَا قَعَدَ بِهِ، وَأَنْتَ تُريدُ: قَعَدَ هُوَ. و "ربِّكَ" مجرورٌ بحرفِ الجرِّ الزائدِ لفظًا، مرفوعٌ محلًّا على كونِهِ فاعلَ "كفى"، وهوَ مُضافٌ، وكافُ الخطابِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجَرِّ بحرفِ الجَرِّ. و "بِذُنُوبِ" الباءُ: حرفُ جرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِمَا بَعْدَهُ عَلَى سَبيلِ التَنَازُعِ، و "ذُنُوبِ" مجرورٌ بحرفِ الجرِّ مضافٌ. و "عِبادِهِ" مَجرورٌ بالإضافةِ إليهِ ومُضَافٌ، و الهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ. و "خَبِيرًا بَصِيرًا" تَمْييزَانِ لِنِسْبَةِ "كَفَى" مَنْصُوبانِ. والجملةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرابِ.
قوْلُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ} أَيْ: وَكَثيرًا مَا أَهْلَكْنَا. فَـ "كَمْ" خَبَرِيَّةٌ، مَعْنَاهَا الْإِخْبَارُ بِعَدَدٍ كَثِيرٍ، وَهِيَ فِي الْأَصْلِ اسْتِفْهَامٌ عَنِ الْعَدَدِ، وَتُسْتَعْمَلُ خَبَرِيَّةً دَالَّةً عَلَى عَدَدٍ كَثِيرٍ مُبْهَمِ النَّوْعِ، فَلِذَلِكَ تَحْتَاجُ إِلَى تَمْيِيزٍ لِنَوْعِ الْعَدَدِ، وَ تَمْيِيزُها هو "مِنَ الْقُرُونِ" لِلْإِبْهَامِ الَّذِي اقْتَضَتْهُ. وَهِيَ هُنَا خَبَرِيَّةٌ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ بِالْفِعْلِ الْوَاقِعِ بَعْدَهَا، لِأَنَّهَا الْتُزِمَ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْفِعْلِ نَظَرًا لِكَوْنِ أَصْلِهَا الِاسْتِفْهَامَ، وَالِاسْتِفْهَامُ لَهُ صَدْرُ الْكَلَامِ. وَ "الْقُرُون" جَمْعُ قَرْنٍ، وَهُوَ فِي الْأَصْلِ الْمُدَّةُ الطَّوِيلَةُ مِنَ الزَّمَنِ، فَقَدْ يُقَدَّرُ بِمِئَةِ سَنَةٍ وَقد يُقَدَّرُ بِأَرْبَعِينَ سَنَةً، وَيُطْلَقُ عَلَى النَّاسِ الَّذِينَ يَكُونُونَ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ كَمَا هُوَ هُنَا. وَكمَا هُوَ فِي الْحَدِيثِ الشَريفِ: ((خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ)) أَخْرَجَهُ الإمامُ أَحْمَدُ والشَيْخَانِ وغَيْرُهُم، مِنْ حَديثِ عُمْرانَ بْنِ الحُصينِ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، فقد أَرَادَ ـ عَلَيْهِ صلاةُ اللهِ وسلامُهُ، "أَهْلَ قَرْنِي"، أَيْ أَهْلَ الْقَرْنِ الَّذِي كانَ فِيهِ. وَقَالَ اللهُ تَعَالَى منْ سُورةِ الفُرقانِ: {وَعادًا وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا} الْآية: 38. أَيْ: أَجيالًا وأُمَمًا كَثيرَةً. وقد ذَكَرَ اللهُ تَعَالى سُنَّتَهُ في إِهْلاكِ القُرُونِ المَاضِيَةِ تَخْويفًا لِكُفَّارِ مَكَّةَ، فَضُرِبَ مثالًا لِإِهْلَاكِ الْقُرَى الَّذِي وَصَفَ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ سَبَبُهُ وَكَيْفِيَّتُهُ، فَعَقَّبَ ذَلِكَ بِتَمْثِيلِهِ هُنَا، لِأَنَّ التَمْثيلَ أَشَدُّ فِي الْكَشْفِ، وَأَدْخَلُ فِي التَّحْذِيرِ الْمَقْصُودِ. وَفِي ذَلِكَ تَحْقِيقٌ لِكَوْنِ حُلُولِ الْعَذَابِ بِالْقُرَى مُقَدَّمًا بِإِرْسَالِ رَسُولٍ إِلَيهم، ثُمَّ بِتَوْجِيهِ الْأَوَامِرِ إِلَى الْمُتْرَفِينَ، ثُمَّ فِسْقِهِمْ عَنْهَا، وَقد كَانَ زُعَمَاءُ الْكَفَرَةِ مِنْ قَوْمِ نَبِيِّ اللهِ نُوحٍ ـ عليهِ السَّلامُ، مُتْرَفِينَ أَيْضًا، وَهُمُ الَّذِينَ قَالُوا لِسَيِّدِنَا نُوحٍ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ: {وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ} الآية: 27، مِنْ سُورةِ هُودٍ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ. وَقَالَ لَهُمْ نُوحٌ ـ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلَامُ: {وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْرًا} الآيَةَ: 31، مِنْ سُورَةِ هُودٍ. فَكَانَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ عَطْفَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ بِالْفَاءِ لِأَنَّهَا كَالْفَرْعِ عَلَى الْجُمْلَةِ قَبْلَهَا وَلَكِنَّهَا عُطِفَتْ بِالْوَاوِ إِظْهَارًا لِاسْتِقْلَالِهَا بِوَقْعِ التَّحْذِيرِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى فَكَانَ ذَلِك تَخْريجًا عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ لِهَذَا الِاعْتِبَارِ الْمُنَاسِبِ.
وَكانَ مَبْدَأُ قَصَصِ الْأُمَمِ هوَ زَمَنَ نُوحٍ لِأَنَّهُ أَوَّلُ رَسُولٍ، وَاعْتُبِرَ الْقَصَصُ مِنْ بَعْدِهِ لِأَنَّ زَمَنَ نُوحٍ صَارَ كَالْمُنْقَطِعِ بِسَبَبِ تَجْدِيدِ عُمْرَانِ الْأَرْضِ بَعْدَ الطُّوفَانِ العظيمِ الذي دَمَّرَ الأَرضَ وأهلك كلَّ مَنْ عليها إلَّا مَنْ كانَ معَ نوحٍ في السَّفِينَةِ، وَلِأَنَّ الْعَذَابَ الَّذِي حَلَّ بِقَوْمِهِ عَذَابٌ مَهُولٌ، وَهُوَ الْغَرَقُ الَّذِي أَحَاطَ بِالْعَالَمِ. ونظيرُ هَذَهِ الآيةِ قولُهُ تعالى مِنْ سورةِ الأَنعامِ: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ} الآية: 6. وَأَنَّهُ جَلَّ وَعَلَا خَبِيرٌ بَصِيرٌ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ، وَأَكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: "وَكَفَى بِرَبِّكَ". وَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ أَوْضَحَتْهُ آيَاتٌ أُخَرُ مِنْ أَرْبَعِ جِهَاتٍ:
أُولَاها: أَنَّ فِي الْآيَةِ تَهْدِيدًا لِكُفَّارِ مَكَّةَ، وَتَخْوِيفًا لَهُمْ مِنْ أَنْ يَنْزِلَ بِهِمْ مِنَ العذابِ والهلاكِ بسببِ تكذيبِهم رَسولَهُ محمَّدًا ـ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، مَا نَزَلَ بِغَيْرِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ الَّتِي كَذَّبَتْ رُسُلَهَا، أَيْ أَهْلَكْنَا قُرُونًا كَثِيرَةً مِنْ بَعْدِ نُوحٍ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، بِسَبَبِ تَكْذِيبِهِمُ الرُّسُلَ، فَلَا تُكَذِّبُوا رَسُولَنَا لِئَلَّا نَفْعَلَ بِكُمْ مِثْلَ مَا فَعَلْنَا بِهِمْ. وَالْآيَاتُ الَّتِي أَوْضَحَتْ هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ، كقولِهِ تَعَالى مِنْ سُورَةِ الحِجْرِ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ * وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ} الآيَتَانِ: (75 و 76)، وَقَوْلِهِ مِنْ سُورةِ العَنْكَبُوتِ في قومِ لَوْطٍ: {وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} الآيةَ: 35، وكَقَوْلِهِ فِيهم أَيْضًا: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} الآيتانِ: (137 ـ 138)، مِنْ سُورةِ الصافَّاتِ. وَقَوْلِهِ مِنْ سُورةِ محمَّدٍ ـ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا} الآية: 10.
قولُهُ: {وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} خِطَابٌ للنَبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خاصَّةً، لِأَنَّ كُلَّ مَا سَبَقَ مِنَ الْوَعِيدِ وَالتَّهْدِيدِ إِنَّمَا مَآلُهُ إِلَى حَمْلِ النَّاسِ عَلَى تَصْدِيهِ ـ عَلَيْهِ صَلَاةُ اللهِ وَسَلامُهُ، فِيمَا جَاءَ بِهِ مِنَ الْقُرْآنِ بَعْدَ أَنْ لَجُّوا فِي الْكُفْرِ وَتَفَنَّنُوا فِي التَّكْذِيبِ، فَلَا جَرَمَ خَتَمَ ذَلِكَ بِتَطْمِينِ النَّبِيِّ بِأَنَّ اللهَ مُطَّلِعٌ عَلَى ذُنُوبِ الْكافرينَ والمشركينَ. وَفي هذا تَعْرِيضٌ بِأَنَّهُ مُجَازِيهِمْ بِذُنُوبِهِمْ بِمَا يُنَاسِبُ فَظَاعَةَ هَذهِ الذُنُوبِ، وَلِذَلِكَ جَاءَ بِفِعْلِ "كَفَى" وَبِوَصْفَيْ: "خَبِيرًا" و "بَصِيرًا" الْمُكَنَّى بِذِكْرِهِمَا عَنْ عَدَمِ إِفْلَاتِ شَيْءٍ مِنْ ذُنُوبِهِمُ الْمَرْئِيَّةِ وَالْمَعْلُومَةِ مِنْ ضَمَائِرِهِمْ أَعْنِي أَعْمَالَهُمْ وَنَوَايَاهُمْ. وَقَدَّمَ مَا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالضَّمَائِرِ وَالنَّوَايَا لِأَنَّ الْعَقَائِدَ هيَ أَصْلُ الْأَعْمَالِ فِي الْفَسَادِ وَالصَّلَاحِ. وَفِي الْحَدِيثِ الشريف: ((أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْعَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ)) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَديثِ النُعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. وَفِي ذِكْرِ فِعْلِ (كَفَى) إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ النَّبِيَّ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إِلَى مَنْ يَنْتَصِرُ لَهُ غَيْرِ رَبِّهِ فَهُوَ كَافِيَةِ وَحَسْبُهُ، قَالَ تعالى في الآيةِ 137، مِنْ سورةِ البَقَرَةِ: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}، أَوْ إِلَى أَنَّهُ فِي غُنْيَةٍ عَنِ الْهَمِّ فِي شَأْنِهِمْ كَقَوْلِهِ لِنُوحٍ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ: {فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} الآيةَ: 46، مِنْ سورةِ هودٍ ـ عَلَيْهِ السلامُ. فَهَذَا إِمَّا تَسْلِيَةٌ لَهُ عَنْ أَذَاهُمْ وَإِمَّا صَرْفٌ لَهُ عَنِ التَّوَجُّعِ لَهُمْ.
قوْلُهُ تَعَالَى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ} الواوُ: اسْتِئْنَافِيَّةٌ، و "كَمْ" خَبَرِيَّةٌ بِمَعْنَى "عَدَد كَثِير" وهو كِنايةٌ عنْ عَدَدٍ، مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ مَفْعُولٌ بِهِ مقدَّمٌ لِـ "أَهْلَكْنا". وَ "أَهْلَكْنا" فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ لاتِّصالِهِ بِضَمِيرِ رَفْعٍ مُتَحَرِّكٍ هوَ "نا" المُعظِّمِ نَفْسَهُ ـ سُبْحانَهُ، و "نا" التعظيمِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ الرَّفْعِ فَاعِلُهُ، والجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإعْرابِ. و "مِنَ" حَرْفُ جَرٍّ وَبَيَانٍ لَكِنَّها زَائِدَةٌ فِي تَمْييزِ "كَمْ" الخَبَرِيَّةِ، مُتَعَلِّقٌ بِـ "أَهْلَكْنا". وَ "الْقُرُونِ" مَجْرورٌ بِحرْفِ الجَرِّ. و "مِنْ" حرفُ جرٍّ متعلِّقٌ بِحَالٍ مِنَ "الْقُرُونِ"، أو مُتَعَلِّقٌ بِـ "أَهْلَكْنا"، وَجَازَ تَعَلُّقُ حَرْفَيْ جَرٍّ مُتَّحِدَيِ اللَّفْظِ بِعَامِلٍ وَاحِدٍ، لاخْتِلافِ مَعْنَاهُمَا؛ فإنَّ الأُولَى، للبَيَانِ، والثانيةُ: لابْتِداءِ الغَايَةِ. وَقَالَ الحوفيُّ: "مِنْ" الثانِيَةُ بَدَلٌ مِنَ الأُولَى، وَلَيْسَ الأَمْرُ كَذَلِكَ، لِاخْتِلافِ مَعْنَيَيْهِمَا. وَ "بَعْدِ" مَجْرُورٌ بِحَرْفِ الجَرِّ، وهو مُضافٌ. وَ "نُوحٍ" مَجْرُورٌ بِالإضافَةِ إِلَيْهِ.
قولُهُ: {وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} الوَاوُ: للاسْتِئنافِ، وَ "كَفَى" فِعْلٌ مَاضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الفَتْحِ المُقَدَّرِ عَلَى آخِرِهِ لِتَعَذُّرِ ظُهُورِهِ عَلَى الأَلِفِ. وَ "بِرَبِّكَ" الباءُ: حرفُ جرٍّ زائدٍ فِي فَاعِلِ "كَفى"، قالَ الفَرَّاءُ: لَوْ أُلْقِيَتِ الباءُ كانَ الحَرْفُ مَرْفُوعًا، وَإِنَّمَا يَجُوزُ دُخُولُ الباءِ فِي المَرْفُوعِ إِذَا كانَ يُمْدَحُ بِهِ صَاحِبُهُ أَوْ يُذَمُّ؛ كَقَوْلِكَ: كَفَاكَ بِهِ، ونَهَاكَ بِهِ، وَأَكْرِمْ بِهِ رَجُلًا، وبِئْسَ بِهِ رَجُلًا، وَنِعْمَ بِهِ رَجُلًا، وطابَ بِطَعَامِكَ طَعَامًا، وَجادَ بِثَوْبِكَ ثَوْبًا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَدْحًا أَوْ ذَمًّا لَمْ يَجُزْ دُخُولُها، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لا يَجُوزُ: قَامَ بِأَخِيكَ، وأَنْتَ تُريدُ: قامَ أَخُوكَ، وَلَا قَعَدَ بِهِ، وَأَنْتَ تُريدُ: قَعَدَ هُوَ. و "ربِّكَ" مجرورٌ بحرفِ الجرِّ الزائدِ لفظًا، مرفوعٌ محلًّا على كونِهِ فاعلَ "كفى"، وهوَ مُضافٌ، وكافُ الخطابِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجَرِّ بحرفِ الجَرِّ. و "بِذُنُوبِ" الباءُ: حرفُ جرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِمَا بَعْدَهُ عَلَى سَبيلِ التَنَازُعِ، و "ذُنُوبِ" مجرورٌ بحرفِ الجرِّ مضافٌ. و "عِبادِهِ" مَجرورٌ بالإضافةِ إليهِ ومُضَافٌ، و الهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ. و "خَبِيرًا بَصِيرًا" تَمْييزَانِ لِنِسْبَةِ "كَفَى" مَنْصُوبانِ. والجملةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرابِ.
مواضيع مماثلة
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية 104
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 35
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 53
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 70
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 86
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 35
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 53
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 70
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 86
منتدى مدينة أرمناز العام :: المنتدى الخاص بشاعر أرمناز الكبير الأستاذ عبدالقادر الأسود :: البحوث والدراسات والمقالات النثرية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء أكتوبر 01, 2019 11:34 am من طرف bassam1972
» شهادة الشاعر الكبير الأستاذ عبد القادر دياب مدير عام الملتقى الثقافي العربي
الجمعة سبتمبر 13, 2019 7:15 pm من طرف bassam1972
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 12
الجمعة يوليو 12, 2019 10:33 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 10
الخميس يوليو 11, 2019 10:54 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 9
الأربعاء يوليو 10, 2019 1:29 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 8
الأربعاء يوليو 10, 2019 10:41 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 6
الثلاثاء يوليو 09, 2019 4:24 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 5
الأحد يوليو 07, 2019 10:10 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 3
السبت يوليو 06, 2019 10:14 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 2
الجمعة يوليو 05, 2019 10:54 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكه، الآية: 1
الأربعاء يوليو 03, 2019 3:27 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف: تعريف
الثلاثاء يوليو 02, 2019 7:01 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 111
السبت يونيو 29, 2019 7:26 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 110
الخميس يونيو 27, 2019 10:38 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 109
الخميس يونيو 27, 2019 6:45 am من طرف عبد القادر الأسود