الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 21
منتدى مدينة أرمناز العام :: المنتدى الخاص بشاعر أرمناز الكبير الأستاذ عبدالقادر الأسود :: البحوث والدراسات والمقالات النثرية
صفحة 1 من اصل 1
الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 21
انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21)
قولُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} كَيْفَ: اسْمُ اسْتِفْهَامٍ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّنْبِيهِ، وَهُوَ هُنَا مُعَلِّقٌ فِعْلَ "انْظُرْ" عَنِ الْعَمَلِ فِي الْمَفْعُولَيْنِ بعدَهُ. و "انظُرْ" مِنَ النَظَرِ، وَحَقِيقَةُ النَّظَرِ تَوَجُّهُ آلَةِ الْحِسِّ الْبَصَرِيِّ إِلَى الْمُبْصَرِ وتَرْكِيزُ الفكرِ وتفعيلُهُ لإدْراكِ كُنْهِ هَذَا المُبْصِرِ. وَهذا الاسْتِعْمَالُ شَائعٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فِي النَّظَرِ الْمَصْحُوبِ بِالتفكُّرِ والتَّدَبُّرِ وَتَكْرِيرِ مُشَاهَدَةِ أَشْيَاءَ فِي غَرَضٍ مَّا، فَهٌوَ يَقُومُ مَقَامَ الظَّنِّ، وَيُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَهُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، وَقد شَاعَ إِطْلَاقُ هذَا الاسْمِ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ، عَلَى الْفِكْرِ الْمُؤَدِّي إِلَى عِلْمٍ أَوْ ظَنٍّ، وَهُوَ هُنَا كَذَلِكَ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي سُورَةِ النِّساءِ إِذْ أَمَرَ اللهُ بِالنَظَرِ فقَالَ: {انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ} الآية: 50.
وَالْمُرَادُ في هَذِهِ الآيَةِ التَّفْضِيلُ فِي عَطَاءِ الدُّنْيَا، لِأَنَّهُ الَّذِي يُدْرِكُهُ التَّأَمُّلُ وَالنَّظَرُ وَبِقَرِينَةِ مُقَابَلَتِهِ بِقَوْلِهِ: "وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ". وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا التَّنْظِيرِ التَّنْبِيهُ إِلَى أَنَّ عَطَاءَ الدُّنْيَا غَيْرُ مَنُوطٍ بِصَلَاحِ الْأَعْمَالِ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا فِيهِ مِنْ تَفَاضُلٍ بَيْنَ أَهْلِ الْعَمَلِ الْمُتَّحِدِ، وَقَدْ يَفْضُلُ الْمُسْلِمُ فِيهِ الْكَافِرَ، وَيَفْضُلُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ، وَيَفْضُلُ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ بَعْضًا، وَبَعْضُ الْكَفَرَةِ بَعْضًا، وَكَفَاكَ بِذَلِكَ هَادِيًا إِلَى أَنَّ مَنَاطَ عَطَاءِ الدُّنْيَا أَسْبَابٌ لَيْسَتْ مِنْ وَادِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ وَلَا مِمَّا يُسَاقُ إِلَى النُّفُوسِ الْخَيِّرَةِ.
قولُهُ: {وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا} تَقَدَّمَ أَنَّ الْعَطَاءُ الإلهيَّ مَبْذُولٌ لِلْفَرِيقَيْنِ في الحَيَاةِ الدُنْيا: الفَرِيقِ الذي رَغِبَ في الدُنْيا وَزِينَتِها، والفريقِ الذي رَغِبَ فِيمَا عِنْدَ اللهِ مِنْ أَجْرٍ وَثَوَابٍ في الآخرةِ، والنَّاسُ في هَذَا العطاءِ عَلَى دَرَجَاتٍ فموسَّعٌ عليهِ ومُقتَّرٌ بِحَسَبِ مَا قَسَمَ اللهُ لَهُمْ، فَنهم المُفضَّلُ والمُفَضَّلُ عَلَيْهِ، عَلَى وَجْهٍ يُدْرِكُونَ حِكْمَتَهُ، وفي هذِهِ الآيةِ يَلْفِتُ اللهُ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، نَظَرَ نَبِيِّهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلى الاعْتِبَارِ وَالتَدَبُّرٍ، للوقوفِ عَلَى حِكْمَةِ اللهِ تَعَالَى في تَدْبِيرِ أُمُورِ مَخْلُوقاتِهِ، وَذَلِكَ رَفْعًا فِي دَرَجَاتِ عِلْمِهِ ـ صلَّى اللهُ عليْهِ وسَلَّمَ، وَلتَوْجِيهِ غَيْرِهِ إلى إدراكِ الْعِبْرَةِ في ذَلِكَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنْ قَتَادَةَ ، رَضِي اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: "انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ" أَيْ فِي الدُّنْيَا. "وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا" وَإِنَّ للْمُؤْمِنِينَ فِي الْجَنَّةِ مَنَازِلَ، وَإِنَّ لَهُم فَضَائِلُ بِأَعْمَالِهِمْ، وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: بَيْنَ أَعْلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَسْفَلَهُمْ دَرَجَةٌ كَالنَجْمِ يُرَى فِي مَشَارِقِ الأَرْضِ وَمَغَارِبهَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: "وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا" قَالَ: إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ بَعْضُهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٌ، الْأَعْلَى يَرَى فَضْلَهُ عَلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ، والأَسْفَلُ لَا يَرَى أَنَّ فَوْقَهُ أَحَدًا. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، فِي الْحِلْيَةِ عَنْ سَلْمَانَ الفارسيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: مَا مِنْ عَبْدٍ يُرِيدُ أَنْ يَرْتَفِعَ فِي الدُّنْيَا دَرَجَةً فَارْتَفَعَ، إِلَّا وَضَعَهُ اللهُ فِي الْآخِرَةِ دَرَجَةً أَكْبَرَ مِنْهَا وَأَطْوَلَ ثُمَّ قَرَأَ: "وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا". وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَابْنُ أَبي شَيْبَةَ، وَأَحْمَدُ فِي الزُّهْدِ، وهَنَّادُ، وَابْنُ أَبي الدُّنْيَا فِي صِفَةِ الْجَنَّةِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الإِيمانِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: لَا يُصِيبُ عَبْدٌ مِنَ الدُّنْيَا شَيْئًا إِلَّا نَقُصَ مِنْ دَرَجَاتِهِ عِنْدَ اللهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى اللهِ كَرِيمًا.
قولُهُ تَعَالَى: {انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} انْظُرْ: فِعْلُ أَمْرٍ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ الظَاهِرِ، وَفَاعِلُهُ ضَميرٌ مُسْتَتِرٌ فِيهِ وُجُوبًا تَقْديرُهُ (أَنْتَ) يَعُودُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ عَلَى كُلِّ مَنْ هُوَ أَهْلٌ للخِطَابِ، والجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرابِ. وَ "كَيْفَ" اسْمُ اسْتِفْهَامٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الفَتْحِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى الحَالِ؛ أَيْ: انْظُرْ فَضْلنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ كائنًا عَلَى أَيِّ حَالَةٍ، أَوْ كَيْفِيَّةٍ، أَوْ عَلَى التَشْبيهِ بالظَّرْفِ مَنْصُوبٌ بِـ "فَضَّلْنا" وَهِيَ مُعَلِّقَةٌ لِـ "انْظُرْ" بِمَعْنَى تَفَكَّرْ، و "فَضَّلْنا" فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ على السُّكونِ لاتِّصَالِهِ بِضَمِيرِ رَفْعٍ متحرِّكٍ هوَ "نا" ضَمير المعظِّمِ نَفْسَهُ ـ سُبْحانَهُ وَتَعَالى، و "نَا" التَعْظيمِ ضَميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ فَاعِلُهُ، و "بَعْضَهُمْ" مَفْعُولٌ بِهِ مَنْصُوبٌ مُضَافٌ، والهاءُ: ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجَرِّ بِالإِضَافَةِ إِلَيْهِ، والميمُ لتذْكيرِ الجَمْعِ. و "عَلى" حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "فَضَّلْنا"، و "بَعْضٍ" مجرورٌ بحرفِ الجرِّ. وجُمْلَةُ "فَضَّلْنَا" في مَحَلِّ النَّصْبِ مَفْعُولُ "انْظُرْ".
قولُهُ: {وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا} الواوُ: اسْتِئْنافِيَّةٌ، وَاللامُ" حَرْفُ ابْتِداءٍ، أَوْ قَسَمٍ. و "الْآخِرَةُ" مَرفوعٌ بالابْتِداءِ، و "أَكْبَرُ" خَبَرُ المُبْتَدَأِ مرفوعٌ. و "دَرَجاتٍ" تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ عَنِ المُبْتَدَأِ، مَنْصُوبٌ باسْمِ التَفْضِيلِ "أَكْبَرُ" وعلامةُ نَصِبِهِ الكَسْرُ نيابةً عنِ الفتحِ لأنَّهُ جمعُ المُؤَنَّسِ السَّالمُ، والجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ هَذِهِ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإِعْرابِ، أَوْ جَوابٌ لِقَسَمٍ مَحْذُوفٍ. و "وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا" مثلُ قولِهِ: "أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ" مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ.
قولُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} كَيْفَ: اسْمُ اسْتِفْهَامٍ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّنْبِيهِ، وَهُوَ هُنَا مُعَلِّقٌ فِعْلَ "انْظُرْ" عَنِ الْعَمَلِ فِي الْمَفْعُولَيْنِ بعدَهُ. و "انظُرْ" مِنَ النَظَرِ، وَحَقِيقَةُ النَّظَرِ تَوَجُّهُ آلَةِ الْحِسِّ الْبَصَرِيِّ إِلَى الْمُبْصَرِ وتَرْكِيزُ الفكرِ وتفعيلُهُ لإدْراكِ كُنْهِ هَذَا المُبْصِرِ. وَهذا الاسْتِعْمَالُ شَائعٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فِي النَّظَرِ الْمَصْحُوبِ بِالتفكُّرِ والتَّدَبُّرِ وَتَكْرِيرِ مُشَاهَدَةِ أَشْيَاءَ فِي غَرَضٍ مَّا، فَهٌوَ يَقُومُ مَقَامَ الظَّنِّ، وَيُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَهُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، وَقد شَاعَ إِطْلَاقُ هذَا الاسْمِ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ، عَلَى الْفِكْرِ الْمُؤَدِّي إِلَى عِلْمٍ أَوْ ظَنٍّ، وَهُوَ هُنَا كَذَلِكَ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي سُورَةِ النِّساءِ إِذْ أَمَرَ اللهُ بِالنَظَرِ فقَالَ: {انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ} الآية: 50.
وَالْمُرَادُ في هَذِهِ الآيَةِ التَّفْضِيلُ فِي عَطَاءِ الدُّنْيَا، لِأَنَّهُ الَّذِي يُدْرِكُهُ التَّأَمُّلُ وَالنَّظَرُ وَبِقَرِينَةِ مُقَابَلَتِهِ بِقَوْلِهِ: "وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ". وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا التَّنْظِيرِ التَّنْبِيهُ إِلَى أَنَّ عَطَاءَ الدُّنْيَا غَيْرُ مَنُوطٍ بِصَلَاحِ الْأَعْمَالِ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا فِيهِ مِنْ تَفَاضُلٍ بَيْنَ أَهْلِ الْعَمَلِ الْمُتَّحِدِ، وَقَدْ يَفْضُلُ الْمُسْلِمُ فِيهِ الْكَافِرَ، وَيَفْضُلُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ، وَيَفْضُلُ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ بَعْضًا، وَبَعْضُ الْكَفَرَةِ بَعْضًا، وَكَفَاكَ بِذَلِكَ هَادِيًا إِلَى أَنَّ مَنَاطَ عَطَاءِ الدُّنْيَا أَسْبَابٌ لَيْسَتْ مِنْ وَادِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ وَلَا مِمَّا يُسَاقُ إِلَى النُّفُوسِ الْخَيِّرَةِ.
قولُهُ: {وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا} تَقَدَّمَ أَنَّ الْعَطَاءُ الإلهيَّ مَبْذُولٌ لِلْفَرِيقَيْنِ في الحَيَاةِ الدُنْيا: الفَرِيقِ الذي رَغِبَ في الدُنْيا وَزِينَتِها، والفريقِ الذي رَغِبَ فِيمَا عِنْدَ اللهِ مِنْ أَجْرٍ وَثَوَابٍ في الآخرةِ، والنَّاسُ في هَذَا العطاءِ عَلَى دَرَجَاتٍ فموسَّعٌ عليهِ ومُقتَّرٌ بِحَسَبِ مَا قَسَمَ اللهُ لَهُمْ، فَنهم المُفضَّلُ والمُفَضَّلُ عَلَيْهِ، عَلَى وَجْهٍ يُدْرِكُونَ حِكْمَتَهُ، وفي هذِهِ الآيةِ يَلْفِتُ اللهُ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، نَظَرَ نَبِيِّهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلى الاعْتِبَارِ وَالتَدَبُّرٍ، للوقوفِ عَلَى حِكْمَةِ اللهِ تَعَالَى في تَدْبِيرِ أُمُورِ مَخْلُوقاتِهِ، وَذَلِكَ رَفْعًا فِي دَرَجَاتِ عِلْمِهِ ـ صلَّى اللهُ عليْهِ وسَلَّمَ، وَلتَوْجِيهِ غَيْرِهِ إلى إدراكِ الْعِبْرَةِ في ذَلِكَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنْ قَتَادَةَ ، رَضِي اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: "انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ" أَيْ فِي الدُّنْيَا. "وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا" وَإِنَّ للْمُؤْمِنِينَ فِي الْجَنَّةِ مَنَازِلَ، وَإِنَّ لَهُم فَضَائِلُ بِأَعْمَالِهِمْ، وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: بَيْنَ أَعْلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَسْفَلَهُمْ دَرَجَةٌ كَالنَجْمِ يُرَى فِي مَشَارِقِ الأَرْضِ وَمَغَارِبهَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: "وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا" قَالَ: إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ بَعْضُهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٌ، الْأَعْلَى يَرَى فَضْلَهُ عَلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ، والأَسْفَلُ لَا يَرَى أَنَّ فَوْقَهُ أَحَدًا. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، فِي الْحِلْيَةِ عَنْ سَلْمَانَ الفارسيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: مَا مِنْ عَبْدٍ يُرِيدُ أَنْ يَرْتَفِعَ فِي الدُّنْيَا دَرَجَةً فَارْتَفَعَ، إِلَّا وَضَعَهُ اللهُ فِي الْآخِرَةِ دَرَجَةً أَكْبَرَ مِنْهَا وَأَطْوَلَ ثُمَّ قَرَأَ: "وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا". وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَابْنُ أَبي شَيْبَةَ، وَأَحْمَدُ فِي الزُّهْدِ، وهَنَّادُ، وَابْنُ أَبي الدُّنْيَا فِي صِفَةِ الْجَنَّةِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الإِيمانِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: لَا يُصِيبُ عَبْدٌ مِنَ الدُّنْيَا شَيْئًا إِلَّا نَقُصَ مِنْ دَرَجَاتِهِ عِنْدَ اللهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى اللهِ كَرِيمًا.
قولُهُ تَعَالَى: {انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} انْظُرْ: فِعْلُ أَمْرٍ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ الظَاهِرِ، وَفَاعِلُهُ ضَميرٌ مُسْتَتِرٌ فِيهِ وُجُوبًا تَقْديرُهُ (أَنْتَ) يَعُودُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ عَلَى كُلِّ مَنْ هُوَ أَهْلٌ للخِطَابِ، والجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرابِ. وَ "كَيْفَ" اسْمُ اسْتِفْهَامٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الفَتْحِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى الحَالِ؛ أَيْ: انْظُرْ فَضْلنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ كائنًا عَلَى أَيِّ حَالَةٍ، أَوْ كَيْفِيَّةٍ، أَوْ عَلَى التَشْبيهِ بالظَّرْفِ مَنْصُوبٌ بِـ "فَضَّلْنا" وَهِيَ مُعَلِّقَةٌ لِـ "انْظُرْ" بِمَعْنَى تَفَكَّرْ، و "فَضَّلْنا" فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ على السُّكونِ لاتِّصَالِهِ بِضَمِيرِ رَفْعٍ متحرِّكٍ هوَ "نا" ضَمير المعظِّمِ نَفْسَهُ ـ سُبْحانَهُ وَتَعَالى، و "نَا" التَعْظيمِ ضَميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ فَاعِلُهُ، و "بَعْضَهُمْ" مَفْعُولٌ بِهِ مَنْصُوبٌ مُضَافٌ، والهاءُ: ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجَرِّ بِالإِضَافَةِ إِلَيْهِ، والميمُ لتذْكيرِ الجَمْعِ. و "عَلى" حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "فَضَّلْنا"، و "بَعْضٍ" مجرورٌ بحرفِ الجرِّ. وجُمْلَةُ "فَضَّلْنَا" في مَحَلِّ النَّصْبِ مَفْعُولُ "انْظُرْ".
قولُهُ: {وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا} الواوُ: اسْتِئْنافِيَّةٌ، وَاللامُ" حَرْفُ ابْتِداءٍ، أَوْ قَسَمٍ. و "الْآخِرَةُ" مَرفوعٌ بالابْتِداءِ، و "أَكْبَرُ" خَبَرُ المُبْتَدَأِ مرفوعٌ. و "دَرَجاتٍ" تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ عَنِ المُبْتَدَأِ، مَنْصُوبٌ باسْمِ التَفْضِيلِ "أَكْبَرُ" وعلامةُ نَصِبِهِ الكَسْرُ نيابةً عنِ الفتحِ لأنَّهُ جمعُ المُؤَنَّسِ السَّالمُ، والجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ هَذِهِ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإِعْرابِ، أَوْ جَوابٌ لِقَسَمٍ مَحْذُوفٍ. و "وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا" مثلُ قولِهِ: "أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ" مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ.
مواضيع مماثلة
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 37
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 13
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 26
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 38
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 54
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 13
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 26
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 38
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 54
منتدى مدينة أرمناز العام :: المنتدى الخاص بشاعر أرمناز الكبير الأستاذ عبدالقادر الأسود :: البحوث والدراسات والمقالات النثرية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء أكتوبر 01, 2019 11:34 am من طرف bassam1972
» شهادة الشاعر الكبير الأستاذ عبد القادر دياب مدير عام الملتقى الثقافي العربي
الجمعة سبتمبر 13, 2019 7:15 pm من طرف bassam1972
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 12
الجمعة يوليو 12, 2019 10:33 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 10
الخميس يوليو 11, 2019 10:54 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 9
الأربعاء يوليو 10, 2019 1:29 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 8
الأربعاء يوليو 10, 2019 10:41 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 6
الثلاثاء يوليو 09, 2019 4:24 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 5
الأحد يوليو 07, 2019 10:10 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 3
السبت يوليو 06, 2019 10:14 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 2
الجمعة يوليو 05, 2019 10:54 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكه، الآية: 1
الأربعاء يوليو 03, 2019 3:27 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف: تعريف
الثلاثاء يوليو 02, 2019 7:01 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 111
السبت يونيو 29, 2019 7:26 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 110
الخميس يونيو 27, 2019 10:38 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 109
الخميس يونيو 27, 2019 6:45 am من طرف عبد القادر الأسود