منتدى مدينة أرمناز العام
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 23 (2)

اذهب الى الأسفل

الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية:  23 (2) Empty الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 23 (2)

مُساهمة من طرف عبد القادر الأسود الإثنين يناير 14, 2019 5:36 pm


قولُهُ تَعَالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} الواوُ: استئنافيَّةٌ، (أَوْ عاطفةٌ لغَرَضٍ عَلَى غَرَضٍ). وَ "قَضى" فِعْلٌ مَاضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الفَتْحِ المُقَدَّرِ على آخِرِهِ، لِتَعَذُّرِ ظهورِهِ عَلَى الألِفِ. و "رَبُّكَ" فاعلُهُ مرفوعٌ بِهِ، وهو مُضافٌ، وكافُ الخطافِ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجَرِّ بالإضافَةِ إِلَيْهِ، والجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ مَسُوقَةٌ لِبَيانِ مَنْزِلَةِ الوَالِدَيْنِ. و "أَلَّا" هي "أَنْ" إِمَّا مَصْدَرِيَّةٌ، وَعَلَيْهَا فَـ "لا" نَافِيَةٌ. وَ "تَعْبُدُوا" فِعْلٌ مُضارعٌ مَنْصوبٌ بِـ "أَنْ" وعَلامَةُ نَصْبِهِ حَذْفُ النُّونِ، مِنْ آخِرِهِ لأَنَّهُ مِنَ الأفعالِ الخَمْسَةِ، وواوُ الجماعةِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في محلِّ الرَّفعِ فاعِلُهُ، والألفُ فارقةٌ. و "إِلَّا" أَدَاةُ اسْتِثْنَاءٍ مُفَرَّغٍ (أَداةُ حَصْرٍ). و "إِيَّاهُ" ضميرٌ منفصِلٌ مبنيٌّ في محلِّ النَّصْبِ مَفْعُولٌ بـ "تَعْبُدُوا"، وَالجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ فِي تَأْويلِ مَصْدَرٍ مَجْرُورٍ بِحَرْفِ جَرٍّ مَحْذوفٍ، و "قَضَى" بِمَعْنَى أَمَرَ كَمَا تقدَّمَ؛ والتَقْديرُ: وَقَضَى رَبُّكَ بِعَدَمِ عِبَادَةِ غَيْرِهِ ـ سُبْحَانَهُ وتَعالى، وإِمَّا مُفَسِّرَةٌ؛ لأَنَّ "قَضى" فِيهِ مَعْنَى القَوْلِ، دُونَ حُرُوفِهِ، ويجوزُ أَنْ نُعْرِبَ "أَنْ" مِنْ "أَلَّا" هِيَ المُخَفَّفَةُ مِنَ الثَقِيلَةِ، وعليْهِ فَـ "لا" ناهِيَةٌ جَازِمَةٌ، و "تَعْبُدُوا" مَجْزومٌ بِهَا، وَعَلامَةُ جَزْمِهِ حَذْفُ النُّونِ، والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ إِمَّا مُسْتَأْنَفَةٌ مُفَسِّرَةٌ لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرابِ، أَوْ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ خَبَرُ "أَنَّ" المُخَفَّفَةِ واسمُ "أَنْ" هُوَ ضَمِيرُ الشَّأْنِ.
قولُهُ: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} الوَاوُ: للعَطْفِ، و "بِالْوالِدَيْنِ" الباءُ: حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ جَوَازًا تَقْديرُهُ: وَأَحْسِنُوا بِالْوَالِدَيْنِ، وَإِنَّمَا عَلَّقْنَا الجارَّ بِالفِعْلِ المَحْذوفِ دُونَ المَصْدَرِ لِأَنَّ المَصْدَرَ لَا تَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ صِلَتُهُ. وقالَ الحُوفِيُّ: الباءُ مُتَعَلِّقَةٌ بـ "قَضَى"، وَيَجُوزُ أَنْ تَكونَ مُتَعَلِّقَةً بِفِعْلٍ مَحْذوفٍ تَقْديرُهُ: وَاَوْصَى بِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا، وإِحْسَانًا مَصْدَرٌ، أَيْ: يُحْسِنون بِالوالِدَيْنِ إِحْسَانًا. وَقَالَ الوَاحِدِيُّ: الباءُ مِنْ صِلَةِ الإِحْسَانِ، فَقُدِّمَتْ عَلَيْهِ كَمَا تَقُولُ: بِزَيْدٍ فَانْزِلْ. وَقَدْ مَنَعَ هَذَا الوَجْهَ الزَّمَخْشَرِيُّ، قالَ: لِأَنَّ المَصْدَرَ لا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ مَعْمُولُهُ. قالَ السمينُ الحَلَبِيُّ: وَالذي يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إِنَّ هَذَا المَصْدَرَ، إِنْ عَنَى بِهِ أَنَّهُ يَنْحَلُّ لِحَرْفٍ مَصْدَرِيٍّ وفِعْلٍ فَالْأَمْرُ عَلَى مَا ذَكَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ، وإِنْ كانَ بَدَلًا مِنَ اللَّفْظِ بِالفِعْلِ، فالأَمْرُ عَلَى مَا قَالَ الوَاحِدِيُّ، فَالجَوَازُ وَالمَنْعُ بِهَاذَيْنِ الاعْتِبَارَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: قَوْلُهُ "وبِالْوالدَيْنِ إِحْسَانًا" عَطْفٌ عَلَى "أَنْ" الأُولَى، أَيْ: أَمَرَ اللهُ أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ، وَأَنْ تُحْسِنُوا بِالْوَالدَيْنِ إِحْسَانًا. وقد اخْتَارَ الشَّيْخُ أَبُو حيَّان الأَنْدَلُسِيُّ في تفسيرِهِ (البَحْرُ المُحيطُ): أَنْ يَكُونَ قولُهُ: "إِحْسَانًا" مَصْدَرًا وَاقِعًا مَوْقِعَ الفِعْلِ، وَأَنَّ "أَنْ" هي المُفَسِّرَةُ، وَ "لا" هي النَاهِيَةُ الجازمةُ. قَالَ: فَيَكُونُ قَدْ عَطَفَ مَا هُوَ بِمَعْنَى الأَمْرِ عَلَى نَهْيٍ كما هُوَ قَوْلُ امْرِئِ القَيْسِ:
وقُوفًا بِهَا صَحْبِي عَليَّ مَطِيُّهُمْ ......... يقولون: لا تَهْلِكْ أَسَىً وتَجَمَّلِ
وَ "أَحْسَنَ" و "أَساءَ" يَتَعَدَّيانِ بِـ "إلى" وَبِالبَاءِ. قَالَ تَعَالَى مِنْ سورةِ يوسُفَ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ: {وَقَدْ أَحْسَنَ بي} الآيةَ: 100، وَقَالَ كُثِّيرُ عَزِّةَ:
أَسِيْئي بِنَا أَوْ أَحْسِنِي لا مَلومَةٌ ................ لَدينا ولا مَقْلِيَّةً إن تَقَلَّتِ
وكأَنَّهُ ضُمِّنَ "أَحْسَن" لِمَعْنَى "لَطُفَ" ولذلكَ فَقد تَعَدَّى تَعْدِيَتَهُ. وَ "الْوالِدَيْنِ" مَجْرُورٌ بِحَرْفِ الجَرِّ، وعَلامَةُ جرِّهِ الياءُ لأَنَّهُ مُثَنَّى، والنَّونُ عِوَضٌ ممِنَ التنوينِ في الاسْمِ المُفْرَدِ. "إِحْسانًا" مَنْصُوبٌ عَلَى المَفْعُولِيَّةِ المُطْلَقَةِ بِذَلِكَ الفِعْلِ المَحْذُوفِ.
قوْلُهُ: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ} إِمَّا: "إنْ" حَرْفُ شَرْطٍ جازِمٍ زِيدَتْ عَلَيْها "ما" تَأْكِيدًا لَهَا. و "يَبْلُغَنَّ" فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الفَتْحِ لاتِّصالِهِ بنونُ التوكيدِ الثَقيلةِ فِي مَحَلِّ الجَزْمِ بِـ "إِنْ" الشَرْطِيَّةِ عَلَى كَوْنِهِ فِعْلَ شَرْطٍ لَهَا والنُّونُ الثَقيلَةُ للتَوْكِيدِ. و "عِنْدَكَ" مَنْصُوبٌ عَلَى الظَرفِيَّةِ الاعتباريَّةِ لِـ "يَبْلُغَنَّ"، مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفِ حَالٍ مِنَ الفَاعِلِ، وهوَ مُضافٌ، وكافُ الخِطابِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى الفَتْحِ في مَحَلِّ الجَرِّ، مُضَافٌ إِلَيْهِ. و "الْكِبَرَ" مَفْعُولٌ بِهِ مَنْصُوبٌ.
قولُهُ: {أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا} أَحَدُ: فَاعِلُهُ مرفوعٌ بِهِ، مُضافٌ، و "هُما" الهاءُ: ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجرِّ بالإضافةِ إليهِ، والميمُ، للتذكيرِ، والألِفُ للتَثْنيةِ. و "أَوْ" حرفُ عَطْفٍ. و "كِلاهُما" مَعْطُوفٌ عَلَى "أَحَدُهُمَا" وعلامةُ رَفْعِهِ الأَلِفُ، لأَنَّهُ مُلْحَقٌ بِالمُثَنَّى أُسْنِدَ للضَميرِ، والتَقْديرُ: إِنْ يَبْلُغْ أَحَدُهُمَا، أَوْ كِلاهُمَا الكِبَرَ حَالَةَ كَوْنِهِ أَوْ كَوْنِهِمَا كَائِنَيْنِ عِنْدَكَ؛ أَيْ: فِي مَنْزِلِكَ، أَوْ كَفَالَتِكَ.
قولُهُ: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} فَلَا: الفاءُ: هيَ الرَابِطةُ لِجَوابِ "إِنْ" الشَرْطيَّةِ وُجوبًا، وَ "لا" هي الناهِيَةُ الجازِمَةُ. وَ "تَقُلْ" فِعْلٌ مُضارعٌ مَجْزومٌ بـ "لا" الناهيةِ الجازِمةِ، وفاعِلُهُ ضَميرٌ مُسْتترٌ فيهِ وُجوبًا تقديرُهُ (أنتَ) يَعُودُ عَلَى الوَلَدِ. وَ "لَهُما" اللامُ حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "تَقُلْ" وَ "هما" الهاءُ: ضَميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجَرِّ بِحَرْفِ الجَرِّ، والميمُ للتذكيرِ، والألِفُ للتَثْنيةِ. و "أُفٍّ" اسْمُ فِعْلٍ مُضَارِعٍ بِمَعْنَى أَتَضَجَّرُ، مَبْنِيٌّ عَلَى الجَرِّ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ بالقَوْلِ، وَفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فِيهِ وُجُوبًا تَقْديرُهُ "أَنَا" يَعُودُ عَلَى المُتَكَلِّمِ، وَجُمْلَةُ اسْمِ الفِعْلِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ مَقولُ "تَقُلْ"، وَجُمْلَةُ "لا تَقُلْ" فِي مَحَلِّ الجَزْمِ بِـ "إنْ" الشَرْطِيَّةِ عَلَى كَوْنِها جَوَابًا لَهَا، وَجُمْلَةُ "إِنْ" الشَرْطِيَّةِ مُسْتَأْنَفَةٌ لا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
قولُهُ: {وَلَا تَنْهَرْهُمَا} الوَاوُ: حرفٌ للعَطْفِ، و "لا" ناهيةٌ جازمةٌ، و "تَنْهَرْهُما" فعلٌ مُضارعٌ مَجْزومٌ بها، وفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتترٌ فيهِ وُجوبًا تقديرُهُ (أنت) يَعُودُ عَلَى الوَلَدِ، وَ "هما" الهاءُ: ضَميرٌ مُتَّصِلٌ بهِ في محلِّ النَّصْبِ مَفْعُولٌ بِهِ، والمِيمُ للتَذْكيرِ، والأَلِفُ للتَثْنيةِ. والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هذِهِ في مَحَلِّ الجَزْمِ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ "لا تَقُلْ" عَلَى كَوْنِها جَوَابًا لِـ "إِنْ" الشَرْطِيَّةِ.
قوْلُهُ: {وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} الوَاوُ: للعطفِ، و "قُلْ" فِعْلُ أَمْرٍ مبنيٌّ على السكونِ، وفَاعِلُهُ مُسْتترٌ فيهِ وُجوبًا تقديرُهُ (أنتَ) يَعُودُ عَلَى الوَلَدِ. و "لَهُما" اللامُ حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِهِ، و "هما" ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجرِّ بحرفِ الجرِّ. و "قَوْلًا" مَنْصُوبٌ عَلَى المَفْعُولِيَّةِ المُطْلَقَةِ و "كَرِيمًا" صِفَةٌ لهُ منصوبةٌ مثلُهُ. وهذهِ الجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ فِي مَحَلِّ الجَزْمِ عَطْفًا عَلى جُمْلَةِ "لا تَقُلْ".
قَرَأَ الجُمْهُورُ: {قَضَى} فِعْلًا مَاضِيًا، عَلَى مَوْضُوعِهَا الأَصْلِيِّ: قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَيَكونُ الضَمِيرُ في "تَعْبُدوا" للمُؤْمِنِينَ مِنَ النَّاسِ إِلَى يَوْمِ القِيامَةِ. وَقِيلَ: هِيَ بِمَعْنَى "أَمَر". وَقِيلَ: بِمَعْنَى "أَوْحَى"، وَقِيلَ: بِمَعْنَى "حَكَمَ"، وَقِيلَ: بِمَعْنًى "أَوْجَبَ" أَوْ "أَلْزَمَ". وقَرَأُ بَعْضُ وَلَدِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ـ رَضِي اللهُ عَنْهُ، "قَضَاءُ" اسْمًا مَصْدَرًا مَرْفُوعًا بِالابْتِدَاءِ، خبرُهُ "أَلاَّ تعبدوا".
قَرَأَ الجمهورُ: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ}. وَقَرَأَ الأَخَوانِ (حمزةُ والكِسائيُّ): "يَبْلُغانِّ" بِأَلِفِ التَثْنِيَةِ قَبْلَ نُونِ التَوْكِيدِ المُشَدَّدَةِ المَكْسُورَةِ، فأَمَّا قِراءَتُهما فَفيها أَوْجُهٌ، أَحَدُهَا: أَنَّ الأَلِفَ ضَمِيرُ الوالِدَيْنِ لِتَقَدُّمِ ذِكْرِهِمَا، وَ "أَحَدُهما" بَدَلٌ مِنْهُ، و "أَوْ كِلاهُما" عَطْفٌ عَلَيْهِ. وإِلَيْهِ نَحَا الزَّمَخْشَرِيُّ وغَيْرُهُ. وَاسْتَشْكَلَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ قولَهُ: "أَحَدُهُمَا" بَدَلُ بَعْضٍ مِنْ كُلِّ، لَا كُلٍّ مِنْ كُلٍّ، لِأَنَّهُ غَيْرُ وافٍ بِمَعْنَى الأَوِّلِ، وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ "أَوْ كِلاهُما" عَطْفٌ عَلى البَدَلِ، فَيَكونُ بَدَلًا، وَهوَ مِنْ بَدَلِ الكُلِّ مِنَ الكُلِّ؛ لِأَنَّهُ مُرادفٌ لِأَلِفِ التَثْنِيَةِ. لكنَّهُ لا يَجوزُ أَنْ يَكونَ بَدَلًا لِعُرُوِّهِ عَنِ الفائدَةِ؛ إِذِ المُسْتَفادُ مِنْ أَلِفِ التَثْنِيَةِ هُوَ المُسْتَفَادُ مِنْ "كِلاهُما" فَلَمْ يُفِدِ البَدَلُ زِيادَةً عَلى المُبْدَلِ مِنْهُ. وهَذا مَعنَى قولِ أبي حيَّان الأندَلُسِيِّ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ إِذْ لِقائلٍ أَنْ يَقولَ: مُسَلَّمٌ أَنَّهُ لَمْ يُفِدِ البَدَلُ زِيادَةً عَلى المُبْدَلِ مِنْهُ، لَكِنِّهُ لا يَضُرُّ، لأَنَّهُ شَأْنُ التَأْكِيدِ، وَلَو أَفادَ زِيادَةً أُخْرَى غَيْرَ مَفْهومَةٍ مِنَ الأَوَّلِ كانَ تَأْسيسًا لا تَأْكِيدًا. وَعَلى تَقْديرِ تَسْليمِ ذَلِكَ فَالإجابةُ عَنْهُ بِمَا قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ فإِنَّهُ قالَ: بَعْدَ ذِكْرِهِ لهَذَا الوَجْهِ: وَهُوَ بَدَلٌ مُقَسَّمٌ، كَقَوْلِ كُثَيِّرِ عَزَّةَ مِنَ الطَويلِ:
وَكُنْتُ كَذِي رِجْلَيْن رِجْلٍ صَحِيحَةٍ ....... وَرِجْلٍ رَمَى فِيْهَا الزَّمَانُ فَشَلَّتِ
وَقَدْ تَعَقَّبَهُ أَبُو حَيَّان الأندلُسيُّ فَقالَ: أَمَّا قَوْلُهُ بَدَلٌ مُقَسِّمٌ كَقَوْلِهِ: "وَكُنْتُ ..."، فَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لأَنَّ شَرطَهُ العَطْفُ بِالوَاوِ، وأَيْضًا فَشَرْطُهُ: أَنْ لا يَصْدُقَ المُبْدَلُ مِنْهُ عَلَى أَحَدِ قِسْمَيْهِ، لَكِنْ هُنَا يَصْدُقُ عَلَى أَحَدِ قِسْمَيْهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الأَلِفَ ـ وَهِيَ المُبْدَلُ مِنْهُ، يَصْدُقُ عَلَى أَحَدِ قِسْمَيْها وَهوَ "كِلاهُمُا" فَلَيْسَ مِنَ البَدَلِ المُقَسِّمِ. وَمَتَى سُلِّمَ لَهُ الشَّرْطانِ هذانِ لَزِمَ مَا قَالَهُ. وثانِيهُمَا: أَنَّ الأَلِفَ لَيْسَتْ ضَمِيرًا بَلْ عَلامَةُ تَثْنِيَةٍ و "أَحَدُهًما" فاعِلٌ بِالفِعْلِ قَبْلَهُ، و "أَوْ كِلاهُما" عَطْفٌ عَلَيْهِ. وَقَدْ رُدَّ هَذَا الوَجْهُ: بِأَنَّ شَرْطَ الفِعْلِ المُلْحَقِ بِهِ عَلامَةُ تَثْنِيَةٍ أَنْ يَكونَ مُسْنَدًا لِمُثَنَّى نَحْوَ: قَامَا أَخَواكَ، أَوْ إِلَى مُفَرَّقٍ بِالعَطْفِ بالواوِ خَاصَّةً عَلَى خِلافٍ فِيهِ نَحْوَ: قامَا زَيْدٌ وَعَمْرٌو، لَكِنَّ الصَّحِيحَ جَوَازُهُ لِوُرُودِهِ سَمَاعًا كَقَوْلِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ قَيْسِ الرَّقِيَّاتِ يَرْثي مُصْعَبَ بْنِ الزُّبَيْرِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، وكانَ مُصْعَب جَمَعَ الشَجَاعَةَ وَالجُودَ وَالجَمَالَ وَبَذَلَ لَهُ عَبْدُ المَلِكِ الأَمَانَ، فقالَ: لا وَاللهِ، لا تَتَحَدَّث عَنِّي نِساءُ قُرَيْشٍ عَلَى مَغَازِلِهَا أَنِّي هِبْتُ المَوْتَ:
لقد أَوْرَثَ المِصْرَيْنِ خِزْيًا وَذِلَّةً ................ قَتِيلٌ بِدَيْرِ الجاثَليق مُقيمُ
تَوَلَّى قِتالُ المارِقِينَ بِنَفْسِهِ .................. وَقَدْ أَسْلَماهُ مُبْعَدٌ وَحَمِيمُ
فَمَا قَاتَلَتْ في اللهِ بَكْرُ بْنُ وائلٍ ........... وَلَا صَبَرَتْ عِنْدَ اللِّقاءِ تَمِيمُ
فقولُهُ: "أَسْلَمَاهُ مُبْعَدٌ وَحَمِيمُ": الأَلِفُ هَذِهِ أَلِفُ التَثْنِيَةِ حَرْفٌ، و "مُبْعَدٌ" وَ "حَمِيمُ"، مُبْعَدٌ: هَذَا فَاعِلٌ. والأَصْلُ أَنْ يَقُولَ: وَقَدْ أَسْلَمَهُ "مُبْعَدٌ"، فَهَذِهِ اللُّغَةُ لا تُمْنَعُ مَعَ المُفَرَدَيْنِ أَوِ المُفْرَداتِ المُخَاطَبَةِ. وَالفِعْلُ هُنَا مُسْنَدٌ إِلَى "أَحَدُهُمَا" وَلَيْسَ مُثَنّى وَلَا مُفَرَّقًا بِالعَطْفِ بالواوِ.
الثالث: نُقِلَ عَنِ الفَارِسِيِّ أَنَّ "كلاهما" تَوْكِيدٌ، وَهَذَا لا بُدَّ مِنْ إِصْلاحِهِ بِزِيادَةٍ، وَهوَ أَنْ يُجْعَلَ "أَحَدُهُمَا" بَدَلَ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ، وَيُضْمَرَ بعدَهُ فِعْلٌ رافعٌ لِضَميرِ تَثْنِيَةٍ، ويَقَعُ "كِلاهُما" تَوْكِيدًا لِذَلِكَ الضَمِيرِ والتَقديرُ: أَوْ يَبْلُغَا كِلاهُما، إِلَّا أَنَّ فِيهِ حَذْفَ المُؤَكَّدِ وَإِبْقاءَ التَوْكيدِ، وَفِيهَا خَلافٌ، فقد أَجازَهَا الخَليلُ وسِيبَوَيْهِ نَحْوَ: مَرَرْتُ بِزَيْدٍ، وَرَأَيْتُ أَخَاكَ أَنْفُسُهُمَا، وأَنْفُسَهُما. بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ، فالرَّفعُ عَلَى تَقْديرِ: هُمَا أَنْفُسُهُمَا، والنَّصْبُ عَلَى تَقديرِ: أَعْنِيهِمَا أَنْفُسَهُما، وفيهِ نَظرٌ: مِنْ حَيْثُ إِنَّ المَنْقولَ عَنِ الفَارِسِيِّ مَنَعَ حَذْفَ المُؤَكَّدِ وإِبْقاءَ تَوْكِيدِهِ، فَكَيْفَ يُخَرَّجُ قولُهُ عَلَى أَصْلٍ لَا يُجِيزُهُ هوَ؟!.
وَقَدْ نَصَّ الزَّمَخْشَرِيُّ عَلَى مَنْعِ التَوْكِيدِ فَقالَ: فَإِنْ قُلْتَ: لَوْ قِيلَ: "إِمَّا يَبْلُغانِّ كِلاهُما" كانَ "كِلاهُمَا" تَوْكيدًا لا بَدَلًا، فَمَا لَكَ زَعَمْتَ أَنَّهُ بَدَلٌ؟ قُلْتُ: لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا لَا يَصِحُّ أَنْ يَكونَ تَوْكِيدًا للاثْنَيْنِ، فانْتَظَمَ فِي حُكْمِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ. قالَ السَّمينُ الحلَبيُّ: (يَعْني أَنَّ "أَحَدُهُمَا": لَا يَصْلُحُ أَنْ يَقَعَ تَوْكِيدًا للمُثَنَّى وَلَا لِغَيْرِهِمَا، فَكَذَا مَا عُطِفَ عَلَيْهِ لأَنَّهُ شَريكُهُ). ثُمَّ قَالَ: فإِنْ قُلْتَ: مَا ضَرَّكَ لَوْ جَعَلْتُهُ تَوْكِيدًا مَعَ كَوْنِ المَعْطوفِ عَلَيْهِ بَدَلًا، وَعَطَفْتَ التَوْكِيدَ عَلَى البَدَلِ؟. قُلْتُ: لَوْ أُريدَ تَوْكِيدُ التَثْنِيَةِ لَقِيلَ: "كِلاهُما" فَحَسْبُ، فَلَمَّا قِيل: "أَحَدُهُمَا أَوْ كَلاهُما" عُلِمَ أَنَّ التَوْكِيدَ غَيْرُ مُرَادٍ، فَكَانَ بَدَلًا مِثْلَ الأَوَّلِ.
الرابعُ: أَنْ يَرْتَفِعَ "كلاهما" بِفِعْلٍ تَقْديرُهُ: أَوْ يَبْلُغُ كِلاهُما، ويَكونُ "إِحْداهُما" بَدَلًا مِنْ أَلِفِ الضَميرِ، بَدَلَ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ. وَالمَعْنَى: إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ أَحَدُ الوالدَيْنِ أَوْ يَبْلُغُ كِلاهُمَا. وَأَمَّا قِراءَةُ الجمهورِ فَواضِحَةٌ، و "إنَّما": هِي "إنْ" الشَرْطِيَّةُ زِيْدَتْ عَلَيْهَا "مَا" تَوْكِيدًا لها، كما تقدَّمَ في الإعْرابِ، فَأُدْغِم أَحَدُ المُتَقَارِبَيْنِ فِي الآخِرِ بَعْدَ أَنْ قُلِبَ إِلَيْهِ، وَهُوَ إِدْغَامٌ واجِبٌ. قَالَ الزَمَخْشَرِيُّ:» هِيَ إِنْ الشَرْطِيَّةُ زِيْدَتْ عَلَيْهَا "ما" تَوْكِيدًا لَهَا وَلِذَلِكَ دَخَلَتِ النُّونُ، وَلَوْ أُفْرِدَتْ "إِنْ" لَمْ يَصِحُّ دُخُولُها، لا تَقُولُ: إِنْ تُكْرِمَنَّ زَيْدًا يُكْرِمْكَ، وَلَكِنْ: إِمَّا تُكْرِمَنَّهُ. وما قالَهُ الزمخشَريُّ نَصَّ عَلَى خِلافِهِ سِيبَوَيْهِ، قالَ: وَإِنْ شِئْتَ لَمْ تُقْحِمِ النُّونَ، كَمَا أَنَّكَ إِنْ شِئْتَ لَمْ تَجِيءْ بِـ "ما". قالَ أَبو حيَّان الأندلُسيُّ: يَعْنِي مَعَ النُّونِ وَعَدَمِها. وَفِي هَذَا نَظَرٌ؛ لأَنَّ سِيبَوَيْهِ إِنَّمَا نَصَّ عَلَى أَنَّ نُونَ التَوْكِيدَ لَا يَجِبُ الإِتْيانُ بِهَا بَعْدَ "أَمَّا"، وَإِنْ كانَ أَبُو إِسْحاقَ الزَجَّاجُ قَالَ بِوُجوبِ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ (كَمَا أَنَّكَ إِنْ شِئْتَ لَمْ تَجِيءْ بـ "ما")، لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَوكيدِ الشَّرْطِ مَعِ "إِنْ" وَحَدَهَا.
قرأَ العَامَّةُ: {أُفِّ} بِكَسْرِ الْفَاءِ مِنْ غَيْرِ تَنْوِينٍ. وَفِيهَا لُغَاتٌ كَثِيرَةٌ، قَالَ الزَّجَّاجُ: فِيهِ سَبْعُ لُغَاتٍ: كَسْرُ الْفَاءِ، وَضَمِّهَا، وَفَتْحِهَا، وَكُلُّ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ بِتَنْوِينٍ وَبِغَيْرِ تَنْوِينٍ، فَهَذِهِ سِتَّةٌ، وَاللُّغَةُ السَّابِعَةُ "أُفِّي" بِالْيَاءِ. قَالَ الْأَخْفَشُ: كَأَنَّهُ أَضَافَ هَذَا الْقَوْلَ إِلَى نَفْسِهِ فَقَالَ: (قَوْلِي هَذَا). وَذَكَرَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ مِنْ لُغَاتِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ ثَلَاثَةً زَائِدَةً عَلَى مَا ذَكَرَهُ الزَّجَّاجُ: "إِفَّ" بِكَسْرِ الْأَلِفِ وَفَتْحِ الْفَاءِ، وَ "أُفَّهْ" بِضَمِّ الأَلِفِ وَإِدْخَالِ الهاءِ، وَ "أُفْ" بِضَمِّ الْأَلْفِ وَتَسْكِينِ الْفَاءِ. وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ {أُفٍّ لَكُمْ} الآيةَ: 67، مِنْ سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ. وَفِي الْأَحْقَافِ: "أُفٍّ لَكُما" الآيةَ: 17، مِنْ سورةِ الْأَحْقَافِ. وأَوْصَلَها الرُّمَّانيُّ إِلَى تِسْعٍ وَثلاثينَ، وَذَكَرَ ابْنُ عَطِيَّةَ لَفْظَةً، بِهَا تَمَّتِ الأَرْبَعُون، وَهِي اثْنانِ وَعِشْرونَ مَعَ الهَمْزَةِ المَضْمَومَةِ: "أُفُّ"، "أُفَّ"، "أُفِّ"، بالتَّشْديدِ مَعَ التنْوينِ وَعَدَمِهِ، و "أُفُ"، "أُفَ"، "أُفِ"، بالتَّخْفيفِ مَعَ التَنْوِينِ وَعَدَمِهِ، "أُفْ" بالسُّكونِ والتَخْفيفِ؛ "أُفّْ" بالسُّكونِ والتَشْديدِ، "أُفُّه" "أَفَّه" "أُفِّه"، "أُفَّا" مِنْ غَيْرِ إِمَالَةٍ، وبِالإِمَالَةِ المَحْضَةِ، وبِالإِمَالَةِ بَيْنَ بَيْنَ، "أُفُّو" بالواوِ، و "أُفِّي" بالياءِ، وإِحْدَى عَشَرَةَ مَعَ كَسْرِ الهَمْزَةِ "إفَّ"، "إفِّ": بِالتَشْديدِ مَعَ التَنْوِينِ وَعَدِمِهِ، "إِفُ"، "إِفَ"، "إِفِ" بِالتَخْفِيفِ مَعَ التَنْوينِ وَعَدَمِهِ، "إِفَّا" بِالإِمَالَةِ. وَسِتٌّ مَعَ فَتْحِ الهَمْزَةِ: و "أَفَّ"، "أَفِّ"، بِالتَشْديدِ مَعَ التَنْوينِ وعدِمِهِ، "أَفْ" بِالسُّكونِ، "أَفا" بِالأَلِفِ. فَهَذِهِ تِسْعٌ وَثَلاثونَ لُغَةً، وَتَمَامُ الأَرْبَعِينَ "أَفاهْ" بِهَاءِ السَّكْتِ.
وقَدْ قُرِئَ مِنْ هَذِهِ اللُّغاتِ بِسَبْعٍ: ثَلاثٍ فِي المُتَوَاتِرِ، وَأَرْبَعٍ فِي الشَاذِّ، فَقَرَأَ نَافِعٌ وَحَفْصٌ بالكَسْرِ وَالتَنْوينِ، وقرَأَ ابْنُ كَثيرٍ، وَابْنُ عَامِرٍ بالفَتْحِ دُونَ تَنْوِينٍ، والباقونَ بِالكَسْرِ دُونَ تَنْوينٍ، وَلَا خِلافَ بَيْنَهُمْ فِي تَشْدِيدِ الفَاءِ. وَقَرَأَ نَافِعٌ فِي رِوَايةٍ: "أُفٌ" بِالرَّفْعِ والتَنْوينِ، وَقَرَأَ أَبُو السَّمَّالِ بالضَمِّ مِنْ غَيْرِ تَنْوينٍ، وقَرَأَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ بِالنَّصْبِ وَالتَنْوِينِ، وقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رضِيَ اللهُ عنْهُم جميعًا: "أُفْ" بِالسُّكونِ.

عبد القادر الأسود
عبد القادر الأسود
أرمنازي - عضو شرف
أرمنازي - عضو شرف

عدد المساهمات : 932
نقاط : 2771
السٌّمعَة : 15
تاريخ التسجيل : 08/06/2010
العمر : 75
الموقع : http://abdalkaderaswad.spaces.live.com

http://abdalkaderaswad.wordpress.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى