منتدى مدينة أرمناز العام
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 85

اذهب الى الأسفل

الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية:  85 Empty الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 85

مُساهمة من طرف عبد القادر الأسود الأربعاء مايو 01, 2019 7:38 am

وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85)

قَوْلُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ} أَيْ: إِنَّ الرُوحَ مِنْ شَأْنِهِ تَعَالَى، وَهِيَ مَا اسْتَأْثَرَ بِعِلْمِهِ اللهُ تَعَالَى دُونَ غَيْرِهِ، وَلَمْ يُطْلِعِ الخَلْقَ إِلَّا عَلَى القَلِيلِ مِنْ عِلْمِهِ، فَإِنَّهُ ـ تَعَالى لاَ يُحِيطُ أَحَدٌ بِشَيءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ. وإِنَّهُ لَمَّا خَتَمَ اللهُ ـ تَعَالَى، الآيَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ بِقَوْلِهِ: {كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شَاكِلَتِهِ}، وَالْمُرَادُ مِنْهُ مُشَاكَلَةُ الْأَرْوَاحِ لِلْأَفْعَالِ الصَّادِرةِ عَنْهَا، جَاءَتْ هَذِهِ الآيةُ لِتَتَحَدَّثَ عَنْ مَاهِيَّةِ الرُّوحِ وَحَقِيقَتِهِ، رَدًّا عنْ سُؤالِهم عَنِ الرُّوحِ. فقَالَ بَعْضُ المُفَسِّرينَ: إِنَّ المُرَادَ بِالرُّوحِ هُنَا جِبْرِيلُ ـ عَلَيْهِ السَّلاَمُ. وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّ المَقْصُودَ بِالرُّوحِ هُنَا مَلَكٌ عَظِيمٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: المَقْصُودُ بِالرُّوحِ هُنَا، رُوحُ الإِنْسَانِ، فَإِنَّ اليَهُودَ سَأَلُوا النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ رُوحِ البَشَرِ، وَكَيْفَ تُعَذَّبُ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ الآيَةَ، فَالأَرْجَحُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الرُّوحُ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْحَيَاةِ. وروَى الواحديُّ في تَفْسيرِهِ (الوَسِيطُ) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا ـ رَضِي اللهُ عنهُما، قَالَ: إِنَّ الرُّوحَ إِذَا خَرَجَ مِنَ الإِنْسَانِ؛ مَاتَ الْجَسَدُ، وَصَارَ الرُّوحُ صُورَةً أُخْرَى، فَلا يُطِيقُ الْكَلامَ؛ لأَنَّ الْجَسَدَ جِرْمٌ، وَالرُّوحُ يُصَوِّتُ مِنْ جَوْفِهِ وَيَتَكَلَّمُ، فَإِذَا فَارَقَ الرُّوحُ الْجَسَدَ؛ صَارَ الْجَسَدُ صُفْرًا، وَصَارَ الرُّوحُ صُورَةً أُخْرَى، يَنْظُرُ إِلَى النَّاسِ، يَبْكُونَهُ، وَيُغَسِّلُونَهُ وَيَدْفِنُونَهُ، وَلا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَكَلَّمَ، كَمَا أَنَّ الرِّيحَ إِذَا دَخَلَ فِي مَكَانٍ ضَيِّقٍ سَمِعْتَ لَهُ دَوِيًّا، فَإِذَا خَرَجَ مِنْهُ لَمْ تَسْمَعْ لَهُ صَوْتًا، وَكَذَلِكَ الْمَزَامِيرُ، فَأَرْوَاحُ الْمُؤْمِنِينَ يَنْظُرُونَ إِلَى الْجَنَّةِ وَيَجِدُونَ رِيحَهَا، وَأَرْوَاحُ الْكُفَّارِ يُعَذَّبُونَ فِي قُبُورِهِمْ، حَتَّى إِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ النَّفْخَةُ الأُولَى؛ رُفِعَ الْعَذَابُ وَكَانَتِ الأَرْوَاحُ عِنْدَ ذَلِكَ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَرْوَاحَ الْكَافِرِينَ، وَرُفِعَ الْعَذَابُ عَنِ الْكُفَّارِ فِيمَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ، تَعَالَى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} الآية: 88، مِنْ سُورةِ القَصَصِ، فَأَشْيَاءُ تَفْنَى وَيَبْقَى وَجْهُ اللهِ الْكَرِيمِ، هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا كُلَّهُ عِنْدَ التَّحْقِيقِ ضَرْبٌ مِنَ التَّكَلُّفِ؛ لأَنَّ اللهَ، تَعَالَى، أَبْهَمَ عِلْمَ ذَلِكَ.
وقالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ بُرَيْدَةَ ـ رَحمَهُ اللهُ: مَا يَبْلُغُ الجِنُّ والإِنْسُ والمَلائكةُ والشَيَاطِينُ عِلْمَ الرُّوحِ، وَلَقَدْ مَاتَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومَا يَدْرِي الرُّوحَ. وقالَ الفَرَّاءُ: الرُّوحُ الذي يَعِيشُ بِهِ الإِنْسانُ لَمْ يُخْبِرِ اللهُ بِهِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِهِ، وَلَمْ يُعْطِ عِلْمَهُ أَحَدًا مِنْ عِبَادِهِ، فَقَالَ: "قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي" أَيْ: مِنْ عِلْمِ رَبِّي، أَيْ أَنَّكمْ لا تَعْلَمُونَهُ، وَقَوْلُهُ: "وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا" أَيْ: بِالإِضافَةِ إِلَى عِلْمِ اللهِ ـ تَعَالى.
قولُهُ: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} فَإِنَّ للرُّوحِ إِطْلاقاتٌ مُتَعَدِّدَةٌ ـ كَمَا تَقَدَّمَ، مِنْهَا: الرُّوحُ الَّتي تُمَدُّ الجِسْمُ بالحَيَاةِ إِنِ اتَّصَلَتْ بِهِ، كَمَا في قوْلِهِ تَعَالَى مِنْ سُورَةِ الحِجْرِ: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ} الآيةَ: 29، فإذَا فارَقَتْ هَذِهِ الرُّوحُ الجَسَدَ فَارَقَ الحَيَاةَ، وتَحَوَّلَ إِلَى جِثَّةٍ هامِدَةِ، قالَ تَعَالَى في الآيَتَيْنِ: (83 و 84)، مِنْ سُورَةِ الواقعَةِ: {فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ الحلقوم * وَهُمْ حِينَئِذٍ يَنْظُرُونَ} والضَمِيرُ فِي "بَلَغَتْ". وَقَدْ تُطْلَقُ الرُّوحُ عَلَى أَمِينِ الوَحْيِ جِبْرِيلَ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، قالَ تَعَالَى مِنْ سورةِ الشُّعَرَاءِ: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ} الآيةَ: 193. وَقَدْ تُطْلَقُ عَلَى الوَحْيِ ذاتِهِ، كَمَا في قَوْلِهِ مِنْ سُورةِ الشُّورَى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا} الآيةَ: 52. وقَدْ تَأْتِي الرُّوحُ بِمَعْنَى التَثْبيتِ والقُوَّةِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ مِنْ سُورةِ المُجَادلَةِ: {أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ} الآيَةَ: 22. وأُطْلِقَتِ الرُّوحُ أَيْضًا عَلَى سيدِنا عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، وذلكَ بِقَوْلِهِ في الآيَةِ: 171، مِنْ سُورةِ النِّسَاءِ: {إِنَّمَا المَسيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ}. إِذًا: فَإِنَّ لِهَذِهِ الكَلِمَةِ إِطْلاقاتٌ مُتَعَدِّدَةٌ، فَمَا العَلاقَةُ بَيْنَها؟.
قالُوا: الرُّوحُ هِيَ الَّتي بِهَا حَرَكَةُ الحَيَاةِ، إِذَا حَلَّتْ فِي الإِنْسَانِ أَعْطَتُهُ الحياةَ المَادِيَّةَ، ومَاديَّةُ الحَيَاةِ شَيْءٌ، وقيَمُ الحَيَاةِ شَيْءٌ آخَرُ، فإِذَا مَا نَزَلَ مِنْهَجٌ سَمَاوِيٌّ يَعْدِلُ قِيَمَ الحَيَاةِ فهُوَ رُوحُ الرُّوحِ؛ لأَنَّ هَذِهِ الرُّوحَ النَّازِلَةَ مِنَ السَّمَاءِ خَالِدَةٌ فِي الآخِرَةِ: {وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الحَيَوانُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} الآيةَ: 64، مِنْ سُورَةِ العَنْكَبُوتِ.
والرُّوحُ التي تَعيشُ بِها في الدُّنْيا عُرْضَةٌ لأَنْ تُؤْخَذَ، وَتُسْلَبَ. أَمَّا رُوحُ القِيَمِ والمِنْهَجِ الرَّبَّانيِّ، فهي الأَقْوَى والأَبْقَى؛ لأَنَّ المَوْتَ لا يَعْتَريها. ولِذَلِكَ فقد سُمِّيَ القرآنُ الكريمُ، والمَلَكُ الذي نَزَلَ بِهِ رُوحًا؛ لأَنَّهُ أَعْطَى المؤمنينَ بِهِ، العاملينَ بما فِيهِ حَيَاةً أَطْوَلَ، وهيَ حيَاة الآخِرَةِ. ولِهَذَا قالَ تَعَالَى: "قُلِ الرُّوحِ مِنْ أَمْرِ رَبِّي"، أَيْ: مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ ـ تَبَارَكَ وتَعَالَى، ولذلكَ فَلَنْ يَطَّلِعَ أَحَدٌ عَلَى سِرِّها. وسَيَظَلُّ عِلْمُ الإِنْسَانِ قَاصِرًا عَنْ إِدْرَاكِ هَذِهِ الحَقِيقَةِ، ولِذَلِكَ قاَلَ: "وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ العلم إِلاَّ قَلِيلًا".
قولُهُ: {وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} ذَكَرَ ـ جَلَّ وَعَلَا، فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّهُ مَا أَعْطَى خَلْقَهُ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى عِلْمِهِ جَلَّ وَعَلَا، لِأَنَّ مَا أُعْطِيَهُ الْخَلْقُ مِنَ الْعِلْمِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عِلْمِ الْخَالِقِ شيءٌ يسيرٌ وقَلِيلٌ جِدًّا جِدًا.
وَمِنَ الْآيَاتِ الَّتِي فِيهَا الْإِشَارَةُ إِلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} الآية: 109، مِنْ سورةِ الكهفِ، وَقَوْلُهُ منْ سُورةِ لُقْمانَ: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} الآيةَ: 27.
واخْتُلِفَ فِيمَنْ هو مُخَاطَبٌ بِذَلِكَ، فَقِيلَ: السَّائلونَ فَقَطْ. وَقِيلَ: المُرَادُ اليَهُودُ بِجُمْلَتِهِمْ، فهوَ خِطابٌ لَهُمْ بِأَنَّ اللهَ ـ تَعَالَى، لَمْ يؤْتِهم في توراتِهِم إِلَّا القليلَ مِنْ عِلْمِهِ. فَقَدْ رَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما؛ أَنَّ أَحْبَارَ يَهُودَ قَالُوا لِرَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ، بِالمَدينَةِ: يَا مُحَمَّدُ، أَرَأَيْتَ قَوْلَكَ: "وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ العِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا"؟، إِيَّانَا تُريدُ أَمْ قَوْمَكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((كُلًّا قدْ عَنَيْتُ)). فَقَالُوا: أَلَسْتَ تَتْلُو فِيمَا جَاءَكَ أَنَّا قَدْ أُوتِينَا التَوْراةَ فِيها تِبْيَانٌ لِكُلِّ شَيْءٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّهَا فِي عِلْمِ اللهِ قَلِيلٌ، وَعِنْدَكُمْ مِنْ ذَلِكَ مَا يَكْفِيكُمْ". وأَنْزَلَ اللهُ فِيمَا سَأَلُوهُ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ} الآيةَ: 27، منْ سُورةِ لُقمانَ. وهو ما رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ، وعَطاء بْنِ يَسَارٍ. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ مَدَنِيَّةٌ لَا مَكِّيَةٌ، والمَشْهُورُ أَنَّها مَكِيَّةٌ، واللهُ أَعْلَمُ. وَعَلى هَذَا قِراءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ ـ رضِيَ اللهُ ـ تَعَالَى عَنْهُ، رِوَايةً عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ: "وَمَا أُوتُوا". وقالَ بعضُهُم: المُرادُ العَالَمُ كُلُّهُ. وهوَ الصَّحيحُ الذي عَلَيْهِ قِراءَةُ الجُمْهُورِ "وَمَا أُوتِيتُم" لأنَّ كلَّ ما أُوتِيهِ الخلقُ جميعًا لا يعدلُ شيئًا في جانب علمِ الله ـ تباركَ وتَعَالَى، فالعلمُ صفةٌ منْ صفاتِهِ ـ جلَّ جلالُهُ، وصفاتُهُ كذاتِهِ غيرُ محدودةٍ.
وممَّا جاءَ في سَبَبِ نُزُولِ هذِهِ الآيةِ الكَريمَةِ: مَا أَخْرَجَ الأَئِمَّةُ ـ رَحِمَهُمُ اللهُ: أَحْمَدُ، والبُخَارِيُّ ـ وَالنَصُّ لَهُ، ومُسْلِمٌ، والتِرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: (بَيْنَا أَنَا أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي خَرِبِ الْمَدِينَةِ، وَهُوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَسِيبٍ مَعَهُ، فَمَرَّ بِنَفَرٍ مِنْ الْيَهُودِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، سَلُوهُ عَنْ الرُّوحِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَسْأَلُوهُ، لَا يَجِيءُ فِيهِ بِشَيْءٍ تَكْرَهُونَهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَنَسْأَلَنَّهُ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَالَ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، مَا الرُّوحُ؟ فَسَكَتَ. فَقُلْتُ: إِنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ، فَقُمْتُ، فَلَمَّا انْجَلَى عَنْهُ قَالَ: "وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا". مُسْنَدُ الإمامِ أَحْمَد: (1/389، برقم: 3688)، و(1/444، برقم: 4248). وصحيحُ البُخاري: (1/43، برقم: 125)، و (6/108، برقم: 4721)، و (9/119، برقم: 7297)، و (9/166، برقم: 7456) ، و (9/167، برقم: 7462). وصحيحُ مُسْلِمٍ: (8/128، برقم: 7161 و 7162). وصحيح سُنَنِ التِّرمِذِي: (3141). والنَّسَائي في السُنَنِ الكُبْرَى: (11235). وأَخْرَجَ أَحْمَدُ ـ والنَصُّ لَهُ، والتِرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قالَ: قَالَتْ قُرَيْشٌ لِلْيَهُودِ: أَعْطُونَا شَيْئًا نَسْأَلُ عَنْهُ هَذَا الرَّجُلَ، فَقَالُوا سَلُوهُ عَنْ الرُّوحِ، فَسَأَلُوهُ، فَنَزَلَتْ: "وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا" قَالُوا: أُوتِينَا عِلْمًا كَثِيرًا، أُوتِينَا التَّوْرَاةَ، وَمَنْ أُوتِيَ التَّوْرَاةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا، قَالَ: فَأَنْزَلَ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ {قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} الآية: 109، مِنْ سُورةِ الكَهْفِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ} الوَاوُ: اسْتِئْنافيَّةٌ أَوْ اعْتِراضِيَّةٌ، و "يَسْئَلُونَكَ" فِعْلٌ مضارعٌ مرفوعٌ لتجرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازِمِ، وعلامةُ رفعِهِ ثَباتُ النُّونِ في آخِرِهِ لأنَّهُ مِنَ الأفعالِ الخمسَةِ، وواوُ الجماعةِ ضميرٌ متَّصلٌ بِهِ مبنيٌّ على السُّكونِ في محلِّ الرفعِ فاعلُهُ، وكافُ الخطابِ ضميرٌ متَّصِلٌ بهِ في محلِّ النَّصْبِ مَفْعولٌ بِهِ أَوَّل، والجُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ، أَوْ مُعْتَرِضَةٌ، وهيَ في الحَاليْنِ لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرابِ. وَ "عَنِ" حرفُ جرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "يَسْئَلُونَكَ"، وهوَ فِي مَحَلِّ المَفْعُولِ الثاني لِـ "يَسْئَلُونَ"، و "الرُّوحِ" مجرورٌ بحرْفِ الجَرِّ.
قولُهُ: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} قُلِ: فِعْلُ أَمْرٍ مَبْنِيٌّ عَلى السُّكونِ، وحرِّكَ بالكَسْرِ لالتقاءِ الساكنَيْنِ، وَفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتتِرٌ فيهِ وُجوبًا تقديرُهُ (أَنْتَ) يَعُودُ عَلَى سيِّدِنا مُحَمَّدٍ ـ صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلَّمَ، وَالجملةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ. و "الرُّوحُ" مَرْفوعٌ بالابْتِداءِ. و "مِنْ" حرفُ جَرٍّ متعلِّقٌ بِخَبَرِ المُبْتَدَأِ. و "أَمْرِ" مجرورٌ بحرفِ الجرِّ مُضافٌ، و "رَبِّي" مجرورٌ بالإضافةِ إليْهِ مُضافٌ، وياءُ المتكلِّمِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ أَيْضًا، والجُمْلَةُ الإسميَّةُ هذِهِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ مَقُولُ القولِ لِـ "قُلِ".
قولُهُ: {وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} الواوُ: عَاطِفَةٌ، و "ما" نافِيَةٌ، و "أُوتِيتُمْ" فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ للمجهولِ مبنيٌّ على السُّكونِ لاتِّصالِهِ بضميرِ رفعٍ متحرِّكِ هو تاءُ الفاعِلِ، وتاءُ الفاعِلِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الرفعِ نائبُ فاعِلٍ، والميمُ للجمعِ المُذكَّرِ. وَ "مِنَ" حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بـ "أُوتِيتُمْ"، ولا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِمَحْذوفٍ عَلى أَنَّهُ حَالٌ مِنْ "قَليلًا"؛ لأَنَّهُ لوْ تَأَخَّرَ لَكَانَ صِفَةً لَهُ؛ لأَنَّ مَا فِي حَيِّزِ "إلَّا" لا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهَا. و "الْعِلْمِ" مجرورٌ بِحَرْفِ الجَرِّ. و "إِلَّا" أَدَاةُ اسْتِثْنَاءٍ مُفَرَّغٍ (أَدَاةُ حَصْرٍ)، "قَلِيلًا" مَفْعولٌ ثَانٍ لِـ "أُوتِيتُمْ" منصوبٌ بِهِ، أَمَّا الأَوَّلُ فقد نابَ عنْ فاعِلِهِ، وهذهِ الجُملَةُ الفِعْلِيَّةُ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ "الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي" الاسْمِيِّةِ.
قرأَ الجمهورُ: {ومَا أُوتِيتُمْ}، عَلَى الخِطابِ، وَقَرَأَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مسعودٍ والأَعْمَشُ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما: "وَمَا أُوْتُوا" بِضَمِيرِ الغَيْبَةِ.

عبد القادر الأسود
عبد القادر الأسود
أرمنازي - عضو شرف
أرمنازي - عضو شرف

عدد المساهمات : 932
نقاط : 2771
السٌّمعَة : 15
تاريخ التسجيل : 08/06/2010
العمر : 75
الموقع : http://abdalkaderaswad.spaces.live.com

http://abdalkaderaswad.wordpress.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى