الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 9
منتدى مدينة أرمناز العام :: المنتدى الخاص بشاعر أرمناز الكبير الأستاذ عبدالقادر الأسود :: البحوث والدراسات والمقالات النثرية
صفحة 1 من اصل 1
الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 9
أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَبًا
(9)
قَوْلُهُ ـ تَعَالى شَأْنُهُ: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنَا عَجَبًا} خِطَابٌ لِسَيِّدِ المُخَاطَبِينَ ـ صَلَواتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ أَجْمَعِينَ، خِطَابَ تَشْريفٍ، والمَقْصودُ بِهِ غَيْرُهُ، كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَالاسْتِفْهَامُ المُسْتَفَادُ مِنْ "أَمْ" التي هِيَ للإِنْكارِ، والنَّفْيِ، مُرَادٌ لِنَفْيِ العَجَبِ عَنْ قِصَّةِ أَهْلِ الكَهْفِ، فَهِيَ عَجَبٌ عُجابٌ، وَالقَصْدُ نَفْيُ كَوْنِهَا أَعْجَبَ الآيَاتِ. يَقُولُ اللهُ تعالى لِنَبِيِّهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ قِصَّةَ أَصْحَابِ الْكَهْفِ لَيْسَتْ شَيْئًا عَجَبًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى قُدْرَتِنَا وَعَظِيمِ صُنْعِنَا، وَإِنِ عَجِبَ مِنْهَا النَّاسُ وَاسْتَعْظَمَوَهَا، فَإِنَّ خَلْقَنَا لِلسَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَمَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ زِينَةٍ لَهَا، ثُمَّ جعلَنا ذَلِكَ كُلَّهُ صَعِيدًا جُرُزًا، هوَ أَعْظَمُ وَأَعْجَبُ مِمَّا فَعَلْنَا بِأَصْحَابِ الْكَهْفِ، بِجَعَلِهم يَنَامُونَ كلَّ هَذِهِ الفترةِ الطَّوِيلَةِ مِنَ الزَّمَنِ، وَبَعْثِهِمْ بعدَها.
وَيَكْثُرُ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ تَنْبِيهُ النَّاسِ عَلَى أَنَّ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ أَعْظَمُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ، وَمَنْ خَلَقَ الْأَعْظَمَ فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْأَصْغَرِ بِلَا شَكٍّ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى مِنْ سُورَةِ غافر: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} الْآيَةَ: 57، وَكَقَوْلِهِ في الآياتِ: (27 ـ 33) مِنْ سورةِ النازِعات: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا} إِلَى قَوْلِهِ: {مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ}. وَمَنْ خَلَقَ هَذِهِ الْمَخْلُوقَاتِ الْعِظَامَ: كَالسَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِمَا فَلَا عَجَبَ فِي أَنْ يجْعَلَ أَهْلَ الْكَهْفِ ينامونَ كلَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ، ثُمَّ يَبْعَثُهُمْ.
وَالْكَهْفُ: النَّقْبُ الْمُتَّسِعُ فِي الْجَبَلِ، فَإِنْ لَمْ يَكُ وَاسِعًا فَهُوَ غَارٌ. وَقِيلَ: كُلُّ غَارٍ فِي جَبَلٍ: كَهْفٌ.
والرَّقِيمُ: قِيلَ هُوَ اسْمُ كَلْبِهِمْ، وَعَلَيْهِ قولُ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ:
وَلَيْسَ بِهَا إِلَّا الرَّقِيمُ مُجَاوِرًا ......... وَصَيْدُهُمْ وَالْقَوْمُ فِي الْكَهْفِ هُمَّدُ
وَرُويَ عَنِ الضَّحَّاكِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ الرَّقِيمَ: بَلْدَةٌ بِالرُّومِ. وَقِيلَ: اسْمُ الْجَبَلِ الَّذِي فِيهِ الْكَهْفُ. وَقِيلَ: اسْمٌ لِلْوَادِي الَّذِي فِيهِ الْكَهْفُ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، أَنَّهُ قَالَ: لَا أَدْرِي مَا الرَّقِيمُ أَكِتَابٌ أَمْ بُنْيَانٌ؟. وَالأَظْهَرُ أَنَّ الرَّقِيمَ: هُوَ الْمَرْقُومُ، فَهُوَ "فَعِيلٌ" بِمَعْنَى "مَفْعُولٍ" مِنْ: رَقَمْتُ الْكِتَابَ: إِذَا كَتَبْتُهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى في الآيَتَيْنِ: (9 و 20) منْ سُورةِ المُطَفِّفينَ: {كِتَابٌ مَرْقُومٌ}، وَهوَ مَا تَدلُ عَلَيْهِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ إضافةً إلى ما قدّمنا مِنْ آيَاتِ الْقُرْآنِ الكَريمِ.
قالَ العلامَةُ الشَّنقِيطيُّ صاحبُ تفسيرِ (أَضْواءُ البيان): وَسَوَاءٌ قُلْنَا: إِنَّ الرَّقِيمَ كِتَابٌ كَانَ عِنْدَهُمْ فِيهِ شَرْعُهُمُ الَّذِي تَمَسَّكُوا بِهِ، أَوْ لَوْحٌ مِنْ ذَهَبٍ كُتِبَتْ فِيهِ أَسْمَاؤُهُمْ وَأَنْسَابُهُمْ وَقِصَّتُهُمْ، وَسَبَبُ خُرُوجِهِمْ، أَوْ صَخْرَةٌ نُقِشَتْ فِيهَا أَسْمَاؤُهُمْ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ: طَائِفَةٌ وَاحِدَةٌ أُضِيفَتْ إِلَى شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا مَعْطُوفٌ عَلَى الْآخَرِ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: إِنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ طَائِفَةٌ، وَأَصْحَابَ الرَّقِيمِ طَائِفَةٌ أُخْرَى، وَأَنَّ اللهَ قَصَّ عَلَى نَبِيِّهِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ الْكَرِيمَةِ قِصَّةَ أَصْحَابِ الْكَهْفِ وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ شَيْئًا عَنْ أَصْحَابِ الرَّقِيمِ، وَخِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ هُمُ الثَّلَاثَةُ الَّذِينَ سَقَطَتْ عَلَيْهِمْ صَخْرَةٌ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمْ بَابَ الْكَهْفِ الَّذِي هُمْ فِيهِ، فَدَعَوُا اللهَ بِأَعْمَالِهِمُ الصَّالِحَةِ، وَهُمُ الْبَارُّ بِوَالِدَيْهِ، وَالْعَفِيفُ، وَالْمُسْتَأْجِرُ، وَقِصَّتُهُمْ مَشْهُورَةٌ ثَابِتَةٌ فِي الصَّحِيحِ، إِلَّا أَنَّ تَفْسِيرَ الْآيَةِ بِأَنَّهُمْ هُمُ الْمُرَادُ، بَعِيدٌ كَمَا تَرَى.
وَقِصَّةُ أَصْحَابِ الْكَهْفِ، وَأَسْمَائهُمْ، وَفِي أَيِّ مَكانٍ مِنَ الْأَرْضِ حَدَثَتْ، في جنوبِ الأُرْدُنِّ أَمْ في (طَرْسُوسَ) التُرْكِيَةِ، كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، شَيْءٌ زِيادَةً عَمَّا ذَكَرَهُ الْقُرْآنُ الكريمُ، وَلِلْمُفَسِّرِينَ فِي ذَلِكَ أَخْبَارٌ كَثِيرَةٌ وَإِسْرَائِيلِيَّاتٌ أَعْرَضْنَا عَنْ ذِكْرِهَا لِعَدَمِ ثِقَتِنَا بِهَا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَبًا} أَمْ: هِيَ هُنَا الْمُنْقَطِعَةُ عَنِ التَّحْقِيقِ، وَمَعْنَاهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ بمعنى "بَلْ وَالْهَمْزَةِ"، وَعِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ هي بِمَعْنَى "بَلْ" فَقَطْ، فَالْمَعْنَى عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: بَلْ أَحَسِبْتَ، فَهِيَ جَامِعَةٌ بَيْنَ الْإِضْرَابِ وَالْإِنْكَارِ. وَالْمَعْنَى عَلَى القَوْلِ الثَّانِي: بَلْ حَسِبْتَ، فَهِيَ لِلْإِضْرَابِ الِانْتِقَالِيِّ فَقَطْ. وَ "حَسِبْتَ" فِعْلٌ مَاضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكُونِ لاتِّصالِهِ بِضَمِيرِ رَفْعٍ مُتَحَرِّكٍ هُوَ تَاءُ الفاعِلِ، وَهِيَ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ فَاعِلُهُ. و "أَنَّ" حَرْفٌ ناصِبٌ ناسِخٌ مُشَبَّهٌ بِالفِعْلِ. و "أَصْحابَ" اسْمُهَا مَنْصُوبٌ بِها، وهوَ مُضافٌ. و "الْكَهْفِ" مَجرورٌ بالإضِافَةِ إِلَيْهِ. و "وَالرَّقِيمِ" عاطِفٌ ومَعْطُوفٌ عَلَى "الْكَهْفِ" مَجْرُورٌ مِثْلُهُ. و "كَانُوا" فِعْلٌ ماضٍ ناقِصٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّمِّ لاتِّصالِهِ بواوِ الجَماعةِ، وواوُ الجماعةِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ اسْمُهُ، والأَلِفُ الفارقَةُ. و "مِنْ" حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِحَالٍ مِنْ "عَجَبًا"، و "آياتِنَا" مجرورٌ بحرفِ الجَرِّ مُضافٌ، و "نَا" ضَميرُ التَّعْظيمِ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ فِي مَحَلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إلَيْهِ. و "عَجَبًا" خَبَرُ "كانَ" مَنْصُوبٌ بِهَا، والجُمْلَةُ مِنْ "كانَ" وأخواتِها فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ خَبَرُ "أَنَّ"، وَجُمْلَةُ "أَنَّ" فِي تَأْويلِ مَصْدَرٍ سَادٍّ مَسَدَّ مَفْعُولَيْ "حَسِبَ"، وَجُمْلَةُ "حَسِبَ" مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرابِ.
(9)
قَوْلُهُ ـ تَعَالى شَأْنُهُ: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنَا عَجَبًا} خِطَابٌ لِسَيِّدِ المُخَاطَبِينَ ـ صَلَواتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ أَجْمَعِينَ، خِطَابَ تَشْريفٍ، والمَقْصودُ بِهِ غَيْرُهُ، كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَالاسْتِفْهَامُ المُسْتَفَادُ مِنْ "أَمْ" التي هِيَ للإِنْكارِ، والنَّفْيِ، مُرَادٌ لِنَفْيِ العَجَبِ عَنْ قِصَّةِ أَهْلِ الكَهْفِ، فَهِيَ عَجَبٌ عُجابٌ، وَالقَصْدُ نَفْيُ كَوْنِهَا أَعْجَبَ الآيَاتِ. يَقُولُ اللهُ تعالى لِنَبِيِّهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ قِصَّةَ أَصْحَابِ الْكَهْفِ لَيْسَتْ شَيْئًا عَجَبًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى قُدْرَتِنَا وَعَظِيمِ صُنْعِنَا، وَإِنِ عَجِبَ مِنْهَا النَّاسُ وَاسْتَعْظَمَوَهَا، فَإِنَّ خَلْقَنَا لِلسَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَمَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ زِينَةٍ لَهَا، ثُمَّ جعلَنا ذَلِكَ كُلَّهُ صَعِيدًا جُرُزًا، هوَ أَعْظَمُ وَأَعْجَبُ مِمَّا فَعَلْنَا بِأَصْحَابِ الْكَهْفِ، بِجَعَلِهم يَنَامُونَ كلَّ هَذِهِ الفترةِ الطَّوِيلَةِ مِنَ الزَّمَنِ، وَبَعْثِهِمْ بعدَها.
وَيَكْثُرُ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ تَنْبِيهُ النَّاسِ عَلَى أَنَّ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ أَعْظَمُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ، وَمَنْ خَلَقَ الْأَعْظَمَ فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْأَصْغَرِ بِلَا شَكٍّ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى مِنْ سُورَةِ غافر: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} الْآيَةَ: 57، وَكَقَوْلِهِ في الآياتِ: (27 ـ 33) مِنْ سورةِ النازِعات: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا} إِلَى قَوْلِهِ: {مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ}. وَمَنْ خَلَقَ هَذِهِ الْمَخْلُوقَاتِ الْعِظَامَ: كَالسَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِمَا فَلَا عَجَبَ فِي أَنْ يجْعَلَ أَهْلَ الْكَهْفِ ينامونَ كلَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ، ثُمَّ يَبْعَثُهُمْ.
وَالْكَهْفُ: النَّقْبُ الْمُتَّسِعُ فِي الْجَبَلِ، فَإِنْ لَمْ يَكُ وَاسِعًا فَهُوَ غَارٌ. وَقِيلَ: كُلُّ غَارٍ فِي جَبَلٍ: كَهْفٌ.
والرَّقِيمُ: قِيلَ هُوَ اسْمُ كَلْبِهِمْ، وَعَلَيْهِ قولُ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ:
وَلَيْسَ بِهَا إِلَّا الرَّقِيمُ مُجَاوِرًا ......... وَصَيْدُهُمْ وَالْقَوْمُ فِي الْكَهْفِ هُمَّدُ
وَرُويَ عَنِ الضَّحَّاكِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ الرَّقِيمَ: بَلْدَةٌ بِالرُّومِ. وَقِيلَ: اسْمُ الْجَبَلِ الَّذِي فِيهِ الْكَهْفُ. وَقِيلَ: اسْمٌ لِلْوَادِي الَّذِي فِيهِ الْكَهْفُ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، أَنَّهُ قَالَ: لَا أَدْرِي مَا الرَّقِيمُ أَكِتَابٌ أَمْ بُنْيَانٌ؟. وَالأَظْهَرُ أَنَّ الرَّقِيمَ: هُوَ الْمَرْقُومُ، فَهُوَ "فَعِيلٌ" بِمَعْنَى "مَفْعُولٍ" مِنْ: رَقَمْتُ الْكِتَابَ: إِذَا كَتَبْتُهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى في الآيَتَيْنِ: (9 و 20) منْ سُورةِ المُطَفِّفينَ: {كِتَابٌ مَرْقُومٌ}، وَهوَ مَا تَدلُ عَلَيْهِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ إضافةً إلى ما قدّمنا مِنْ آيَاتِ الْقُرْآنِ الكَريمِ.
قالَ العلامَةُ الشَّنقِيطيُّ صاحبُ تفسيرِ (أَضْواءُ البيان): وَسَوَاءٌ قُلْنَا: إِنَّ الرَّقِيمَ كِتَابٌ كَانَ عِنْدَهُمْ فِيهِ شَرْعُهُمُ الَّذِي تَمَسَّكُوا بِهِ، أَوْ لَوْحٌ مِنْ ذَهَبٍ كُتِبَتْ فِيهِ أَسْمَاؤُهُمْ وَأَنْسَابُهُمْ وَقِصَّتُهُمْ، وَسَبَبُ خُرُوجِهِمْ، أَوْ صَخْرَةٌ نُقِشَتْ فِيهَا أَسْمَاؤُهُمْ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ: طَائِفَةٌ وَاحِدَةٌ أُضِيفَتْ إِلَى شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا مَعْطُوفٌ عَلَى الْآخَرِ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: إِنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ طَائِفَةٌ، وَأَصْحَابَ الرَّقِيمِ طَائِفَةٌ أُخْرَى، وَأَنَّ اللهَ قَصَّ عَلَى نَبِيِّهِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ الْكَرِيمَةِ قِصَّةَ أَصْحَابِ الْكَهْفِ وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ شَيْئًا عَنْ أَصْحَابِ الرَّقِيمِ، وَخِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ هُمُ الثَّلَاثَةُ الَّذِينَ سَقَطَتْ عَلَيْهِمْ صَخْرَةٌ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمْ بَابَ الْكَهْفِ الَّذِي هُمْ فِيهِ، فَدَعَوُا اللهَ بِأَعْمَالِهِمُ الصَّالِحَةِ، وَهُمُ الْبَارُّ بِوَالِدَيْهِ، وَالْعَفِيفُ، وَالْمُسْتَأْجِرُ، وَقِصَّتُهُمْ مَشْهُورَةٌ ثَابِتَةٌ فِي الصَّحِيحِ، إِلَّا أَنَّ تَفْسِيرَ الْآيَةِ بِأَنَّهُمْ هُمُ الْمُرَادُ، بَعِيدٌ كَمَا تَرَى.
وَقِصَّةُ أَصْحَابِ الْكَهْفِ، وَأَسْمَائهُمْ، وَفِي أَيِّ مَكانٍ مِنَ الْأَرْضِ حَدَثَتْ، في جنوبِ الأُرْدُنِّ أَمْ في (طَرْسُوسَ) التُرْكِيَةِ، كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، شَيْءٌ زِيادَةً عَمَّا ذَكَرَهُ الْقُرْآنُ الكريمُ، وَلِلْمُفَسِّرِينَ فِي ذَلِكَ أَخْبَارٌ كَثِيرَةٌ وَإِسْرَائِيلِيَّاتٌ أَعْرَضْنَا عَنْ ذِكْرِهَا لِعَدَمِ ثِقَتِنَا بِهَا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَبًا} أَمْ: هِيَ هُنَا الْمُنْقَطِعَةُ عَنِ التَّحْقِيقِ، وَمَعْنَاهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ بمعنى "بَلْ وَالْهَمْزَةِ"، وَعِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ هي بِمَعْنَى "بَلْ" فَقَطْ، فَالْمَعْنَى عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: بَلْ أَحَسِبْتَ، فَهِيَ جَامِعَةٌ بَيْنَ الْإِضْرَابِ وَالْإِنْكَارِ. وَالْمَعْنَى عَلَى القَوْلِ الثَّانِي: بَلْ حَسِبْتَ، فَهِيَ لِلْإِضْرَابِ الِانْتِقَالِيِّ فَقَطْ. وَ "حَسِبْتَ" فِعْلٌ مَاضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكُونِ لاتِّصالِهِ بِضَمِيرِ رَفْعٍ مُتَحَرِّكٍ هُوَ تَاءُ الفاعِلِ، وَهِيَ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ فَاعِلُهُ. و "أَنَّ" حَرْفٌ ناصِبٌ ناسِخٌ مُشَبَّهٌ بِالفِعْلِ. و "أَصْحابَ" اسْمُهَا مَنْصُوبٌ بِها، وهوَ مُضافٌ. و "الْكَهْفِ" مَجرورٌ بالإضِافَةِ إِلَيْهِ. و "وَالرَّقِيمِ" عاطِفٌ ومَعْطُوفٌ عَلَى "الْكَهْفِ" مَجْرُورٌ مِثْلُهُ. و "كَانُوا" فِعْلٌ ماضٍ ناقِصٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّمِّ لاتِّصالِهِ بواوِ الجَماعةِ، وواوُ الجماعةِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ اسْمُهُ، والأَلِفُ الفارقَةُ. و "مِنْ" حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِحَالٍ مِنْ "عَجَبًا"، و "آياتِنَا" مجرورٌ بحرفِ الجَرِّ مُضافٌ، و "نَا" ضَميرُ التَّعْظيمِ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ فِي مَحَلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إلَيْهِ. و "عَجَبًا" خَبَرُ "كانَ" مَنْصُوبٌ بِهَا، والجُمْلَةُ مِنْ "كانَ" وأخواتِها فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ خَبَرُ "أَنَّ"، وَجُمْلَةُ "أَنَّ" فِي تَأْويلِ مَصْدَرٍ سَادٍّ مَسَدَّ مَفْعُولَيْ "حَسِبَ"، وَجُمْلَةُ "حَسِبَ" مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرابِ.
مواضيع مماثلة
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 5
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 6
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 8
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 10
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 12
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 6
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 8
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 10
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 12
منتدى مدينة أرمناز العام :: المنتدى الخاص بشاعر أرمناز الكبير الأستاذ عبدالقادر الأسود :: البحوث والدراسات والمقالات النثرية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء أكتوبر 01, 2019 11:34 am من طرف bassam1972
» شهادة الشاعر الكبير الأستاذ عبد القادر دياب مدير عام الملتقى الثقافي العربي
الجمعة سبتمبر 13, 2019 7:15 pm من طرف bassam1972
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 12
الجمعة يوليو 12, 2019 10:33 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 10
الخميس يوليو 11, 2019 10:54 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 9
الأربعاء يوليو 10, 2019 1:29 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 8
الأربعاء يوليو 10, 2019 10:41 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 6
الثلاثاء يوليو 09, 2019 4:24 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 5
الأحد يوليو 07, 2019 10:10 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 3
السبت يوليو 06, 2019 10:14 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 2
الجمعة يوليو 05, 2019 10:54 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكه، الآية: 1
الأربعاء يوليو 03, 2019 3:27 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف: تعريف
الثلاثاء يوليو 02, 2019 7:01 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 111
السبت يونيو 29, 2019 7:26 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 110
الخميس يونيو 27, 2019 10:38 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 109
الخميس يونيو 27, 2019 6:45 am من طرف عبد القادر الأسود