منتدى مدينة أرمناز العام
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

من الذاكرة

اذهب الى الأسفل

من الذاكرة Empty من الذاكرة

مُساهمة من طرف عبد القادر الأسود الثلاثاء سبتمبر 07, 2010 4:28 pm

من الـذاكــــرة :



أذكر أنني دُعيتُ يوماً إلى سهرةٍ مع ضيفٍ يهوديٍ أمريكي عٍالمٍ بالآثارِ فكُنّا ثلاثةً على الطاولة : مديرُ مُتْحَفِ حلبَ { صــــاحبُ الــدعوة } وعالمُ الآثار { الضيفُ } وأنا{العبدُ الفقير}0

وأذكر أنني كلما وقفتُ- يومَها- لسبب ما، أنَّ العالمَ اليهوديَّ الأمريكيَّ الضيفَ كان يقف – هو الآخرُ- أيضاً، ولا يجلس إلاّ بعد أن أجلسَ ( أنا )0

لم آبَهُ – في البداية – لذلك ، لكنني لاحظتُ بعدَها ، لمّا تكرّر منه الوقوفُ في كلّ مرّة كنتُ أقفُ فيها، فرجوتُه الجلوسَ إلاّ أنه أبى قائلاً : كيف أجلس وهناك شاعرٌ واقفٌ!

خجلتُ حينَها كثيراً ، وما وقفتُ بعدَها حتّى نهاية السهرة ، وعندما استلقيتُ على سريري ، وكانت النشوة – عـشـيّـَتَـئـذٍ ــ لا تزال تغمر ني ، عادت بي الذاكرةُ إلى تاريخنا المجيدِ ، يوم كنّا نحن قادةَ هذا العالم وسادتَه ، ورُوّادَ حضارته وتقدُّمه ، وطافتْ بي الذاكرةُ على واحاتٍ نَضِرَةٍ ، ومواقفَ مشرِّفةٍ ، في تقدير الشعرِ واحترامِ الشعراءِ مما يتعذَّر حصره 0

ذكرتُ يومَ دخل أحدُهم على الخليفةِ الأمويِّ الأوّل معاويةَ بنَْ أبي سفيانَ { رض } ، وكان معه صبيٌّ له ، فقال له الخليفةُ : ما أدَّبتَ غلامَك هذا؟ 0

قال الرجل : علَّمتُه كتابَ ربِّه وسنَّةَ نبيِّه {ص}0فقال له الخليفةُ : رَوِّهِ من الشعرِ، أيضاً ، فإنه يهذِّب الطبعَ ويصقُلُ النفسَ ويسمو بالروح ، فو الله ما مَلَكْتُ إلاّ بِه 0

وذكرتُ – فيما ذكرتُ – يوم كان الخليفةُ الأمويُّ ، مروانُ بنُ الحكمِ واقفاً بديرِ مُرَّانَ مشرفاً على دمشقَ ، الشامِ ، وغوطتِها ، وقال له أحدُ مرافقيه : أرأيتَ لِحُسْنِها شبيهاً يا أميرَ المؤمنين؟0
فأجابه الخليفةُ قائلاً: بلى ، كتابٌ فيه أدبٌ أحسن ُمنها0

وتذكّرتُ الخليفةَ العبّاسيَّ { أبوالعبّاس السفّاح} يوم كان حزيناً لفقده أحدَ أبنائه ، حين أمر وزيرَه بأن ينظرَ فيمن هم حوله من بني هاشمٍ يحفظُ قصيدةَ أبي ذُؤيبٍ الهُذليِّ التي مطلعها :

أَمنَ المَنونِورَيـْبِها تتوجَّعُ 0000000؟!

يريد أن يتسلّى بسماعها عن حزنه على فقدِِه ولدَه – ولمّا لم يجدْ بُغيتَه قال : { واللهِ لَمُصيبتي في أهلي ، لا أجدُ بينهم من يحفظ هذه القصيدةَ ، زهداً منهم بالشعرِ، أشدُّ عليَّ من مصيبتي في ولدي0

البارحةَ ، بعدَ نحوٍ من عشرينَ سنةً ، رَجَعتْ بي الذاكرةُ إلى كلِّ تلك المواقفِ ، حين رنَّ جرص الهاتف ، وإذ بأحدِ رجالِ السيِّدِ الـ 00يعتبُ عليَّ لأنني دعوتُ { المُعلِّمَ }إلى مهرجانٍ شعريٍٍّ بعنوان : المجابهةُ الفكريَّةُ ، الثقافيَّةُ ، السياسيَّة ، للعدوان الإسرائيليِّ الأمريكيِّ على لبنانَ والأمَّةِ العربيَّة ، في حين أنني لم أدعُهُ إلى المحاضرةِ، أمسِ ، حيث كان من الممكن أن يحضُرها المعلِّمُ ، أمّا الشعرُ، فإنَّ { المعلّمَ } لا يحضُرُ مثـلَ هذه المهرجانات0

حاولتُ – ما استطعت- التخفيفَ من آثار الصدمة ِعلى نفسي ، باحثاً للسيِّدِ الـ 00عن أعذارَ ، فـ { السيِّدُ } كثيرُ المشاغل ِوالمتاعبِ ، وهو بحاجةٍٍٍ إلى ساعةٍ يرفّه بها عن نفسه وليس محتاجاً إلى ساعةٍ تَزيدُه همّاً وغمّاً0

لكنني لم أستطعْ أن أتحمّلَ الصدمةَ الأخرى ، حين رأيتُ التأفُّفَ والتضجُّرَ على وجه المسؤول الآخر في النقابةِ المستضيفة التي أقمنا النشاطَ بالتعاونِ معها ، بغية استقطاب ِأكبر عدد ممكن من جمهورها المثقّف
– الذين لم يحضرْ منهم أحدٌ – ووجدتُ هذا المضيفَ كمن ابتُلي بضيفٍ ثقيلٍ لا يعرف كيف يتخلّص منه ، فهو-في اليوم الأول - يودُّ إقامةََ المحاضرة في غرفة ِالمكتبِ ، بدلاً من الصالةِ المحجوزةِ لإقامةِ حفلٍ فنيٍّ بعد ساعتين ، وقــد أكّــدت له بأنّ المحاضرةَ ستنتهي قبل ذلك بكثير0

وما إن انتهت المحاضرةُ حتى بادر بدعوة ِ مَن يريدُ الحوارَ إلى غرفةِ المكتب – سالفةِ الذكر – ولمّا وجد الحضورُ بأنها لا تتسع لهم جميعاً انصرف معظمهم ، ثمّ انصرفنا جميعاً وهولا يزال يذكّرني بالوقتِ ، وانشغال الصالةِ غداً – أيضاً – 0

وفكرت بتحويل المهرجان الشعريِّ إلى قاعتنا، في فرع الاتحاد ، إلاّ أنّ بطاقات الدعوة كانت قد وجّهت وانتهى0

وفي اليوم الثاني ، وقبل أن أجلس في مقعدي بادر بتذكيري بالوقت ، وكأنني لم أفهم – بعدُ– كلَّ تلك الملاحظات التي وجّهها إليَّ – أمسِ – أو كأنه لم يقتنعُ بتأكيدي المتكرِّر ، بأننا سوف لن نَشْغَلَ الصالةَ أكثر َمِن ساعةٍ وبأننا سنُخليها قبل موعدِ الحفلةِ بوقتٍ كاف0
تذكّرت كلّ تلك المواقف ، البارحةَ ، وتذكّرتُ كيف أنّ نبيَّنا – عليه الصلاةُ والسلامُ – كان يستنشدُ الخنساء َ{ رض } في المسجد ، وتذكّرت تشجيعَه حسّانَ ابنَ ثابتٍ {رض} ، قائلاً : اُهْجُهم حسّانُ ، فإنّ هجاءك أشدُّ عليهم مِن وقعِ السيوف0

وذكرتُ – أيضاً – حديث رسول الله {ص} : ( لا تَدَعُ العربُ الشعرَ الاّ أَنْ تَدَعَ الإبلُ الحِداءَ ) ، فهل تركت الإبلُ الحداءَ أم عَرَبٌ ولا عَرَب ؟0

والشعرُ00ماللشعرِ أمسى لعنــــةًً
يا ليتني كنتُ البليــــــدَ الأبكَــمـــــا
كان الأديـبُ معظَّـماً في قـومِــــــــهِ
بــل رائــداً في النائبـاتِ مُقَـدَّمـــــا
مات الذيــن تُهِمُّهــــم أعراضُهــــم
يحمونَهــا ألاّ تُـــذَمَّ وتُــثْــلَـمـــــــــا
فتنـكَّر اليومَ الزمــانُ لــذي الحِجــا
وأَشــاحَ وجهـاً كالحـــــاً وتجهَّـمـــا

إدلب،في: 12/8/2006

رئيس فرع اتحاد الكتاب العرب بــإدلب
عبد القادر الأسود

عبد القادر الأسود
عبد القادر الأسود
أرمنازي - عضو شرف
أرمنازي - عضو شرف

عدد المساهمات : 932
نقاط : 2771
السٌّمعَة : 15
تاريخ التسجيل : 08/06/2010
العمر : 76
الموقع : http://abdalkaderaswad.spaces.live.com

http://abdalkaderaswad.wordpress.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى