منتدى مدينة أرمناز العام
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الدر النظيم من معاني الذكر الحكيم المقدمات

اذهب الى الأسفل

الدر النظيم من معاني الذكر الحكيم المقدمات Empty الدر النظيم من معاني الذكر الحكيم المقدمات

مُساهمة من طرف عبد القادر الأسود الأحد يناير 08, 2012 12:54 am

تفسير
إعراب وتحليل لغوي


الدُرُّ النظيم من معاني الذكر الحكيم



اختيار وتأليف :
عبد القادر الأسود

بين يدي الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم ، وبه نستعين ، ولا حول ولا قوّةَ إلا بالله العظيم . اللهم صلِّ على سيّدنا محمّد في الأولين ، وصلِّ على سيّدنا محمّد في الآخرين ، وصلِّ على سيّدنا محمد إلى يوم الدين ، وعلى آله وصحبه أجمعين إلى يوم الدين بحقِّ قدرِهِ ومقداره العظيم ، وبعد .
فهذه دُرَرٌ تصيّدتُها من تفاسير الأئمَّةِ الأعلامِ من كبار المفسرين المشهود لهم بسَعة العلم ودقّة الفهم والموثوق بدينهم وورعهم وتقواهم ، وما كان لي فيها سوى أني تشوّفت إلى شرفٍ يَرفع إليه هذا الكتابُ الكريمُ مَن اشتغل به ونظر فيه ، وإنما هو طيبٌ مَسَسْتُهُ تَطيُّباً بذاكي نَشْرِهِ ، وفائدةٌ لي وللمؤمنين تشوّقتُ إليها . ذلك أنّي نظرتُ في تفاسير هؤلاء السادة الكبار، فرأيتُ بعضَهم قد توسّع ما قد تَقصُرُ عنه هِمَمُ الضُعفاءِ ، من أمثالي ، وبعضَهم قد أوجز بحيث بِتنا نتطلّع إلى المزيد ، فاعتمدتُ منهاجاً وسطاً بين الفريقين ، بحيثُ تَطمئنُّ النفسُ وترتاح العين ، فيروّي ظمأ المبتدئين من طلبة العلم ، والله الكريم أسأل أن يتقبّل مني هذا العمل ويجزل لي الثوابَ وأنْ ينفع به المؤمنين ويجعله لي خيراً جارياً إلى يوم الحساب ، إكراماً لمن أَنزله عليه وشرّفه به وأمَّتَه ، وأثنى فيه عليه فقال : (( وإنك لعلى خلق عظيم )) . وآخرُ دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
كفر زبد ، لبنان ، في : الثاني عشر من المحرم عام 1432 للهجرة .
الموافق للثامن من كانون الأول 11 20 للميلاد
عبد القادر الأسود
فضل القرآن الكريم وتلاوته :

القرآن الكريم هو كلامُ الله المنزل على رسوله محمد ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ المتعَبَّد بتلاوته ، والمنقول إلينا نقلا متواترًا .
وهو الكتابُ الْمُبِين الذي لا يأتيه الباطلُ من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ، وهو المعجزةُ الخالدة الباقية المستمرة على تعاقبِ الأزمان والدهورِ إلى أن يَرِثَ الله الأرض ومن عليها .
وهو حبلُ الله المتينُ والصراطُ المستقيمُ والنورُ الهادي إلى الحقِّ وإلى الطريقِ المستقيم ، فيه نبأُ ما قبلَكم وحكمُ ما بينكم وخيرُ ما بعدَكم ، هو الفصلُ ليسَ بالهَزْل ، مَن تَرَكَهُ من جبّارٍ قصَمَه الله ، ومن ابتغى الهدى في غيره أضلَّه الله ، مَن قال به صدق ، ومن حَكَم به عَدَل ، ومن دعا إليه فقد هدى إلى صراطٍ مستقيم .
وهو وثيقة النبوَّة الخاتمة ، ولسانُ الدين الحنيف ، وقانونُ الشريعةِ الإسلاميّة ، وقاموسُ اللّغة العربيّة ، هو قدوتُنا وإمامُنا في حياتنا ، به نهتدي ، وإليه نحتكمُ ، وبأوامرِه ونواهيه نَعملُ ، وعند حدودِه نقف ونلتزم ، وسعادتنا في سلوكِ سُننه واتّباعِ مِنهجِه ، وشقاوتُنا في تَنَكُّبِ طريقِه والبُعد عن تعاليمه .
وهو رباطٌ بين السماء والأرضِ ، وعهدٌ بين الله وبين عباده، وهو منهاجُ اللهِ الخالد ، وميثاقُ السماء الصالحُ لكلِّ زمان ومكان ، وهو أشرفُ الكتب السماويّة ، وأعظمُ وحيٍ نَزَل من السماء .
ولقد رفع اللهُ شأنَ القرآنِ ونوَّهَ بعلوِّ منزلتِه فقال سبحانه : { تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ الْعُلَى } 1 ، ووصفه ـ سبحانه وتعالى ـ بعدّة أوصاف مبيّنًا فيها خصائصَه التي مَيَّزَه بها عن سائرِ الكتب فقال : { قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ، يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} 2
وقال أيضًا : { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ } 3 .
وقد بين لنا رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ أن الإنسان بقدر ما يحفظ من آي القرآن وسوره بقدر ما يرتقي في دَرَجِ الجنة ، وذلك فيما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : "يقال لصاحب القرآن : اقرأ وارقَ ورتِّلْ كما كنت ترتِّل في دار الدنيا فإن منزلتَك عند آخرِ آيةٍ تقرأُ بها " 4 .
كما وضح لنا صلى الله عليه وآله وسلم أن قراءة القرآن يطيب بها الْمَخْبَرُ والْمَظْهر فيكون المؤمن القارئ للقرآن طيبَ الباطن والظاهر، إن خبرت باطنه وجدته صافيًا نقيًّا، وإن شاهدت سلوكَه وجدتَه حسَنًا طيّبًا. فعن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه – قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم : " مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأَتْرُجَّةِ : ريحُها طيبٌ وطعمُها طيبٌ ، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة : لا ريح لها وطعمها حلو ، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الرَّيحَانَةِ : ريحها طيب وطعمها مر ، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة : لا ريح لها وطعمها مر " 5 .
ويخبرنا عبد الله بن مسعود أن من أحب القرآن يحبه الله ورسوله فيقول: " من أحب أن يحبه الله ورسوله فلينظر : فإن كان يحب القرآن فهو يحب الله ورسوله " 6 .
وإن من أجلِّ العبادات وأعظم القربات إلى الله - سبحانه وتعالى –
تلاوة القرآن الكريم ، فقد أمر بها سبحانه وتعالى في قوله : { فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ } 7 ، كما أمر بها النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ فيما رواه أبو أمامة ـ الله عنه ـ حيث قال سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ يقول:"اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه"8 .
وقد أخبر صلى الله عليه وآله وسلم بما أعدَّه الله لقارئ القرآن الكريم من أجرٍ كبير ، وثواب عظيم وذلك فيما رواه عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم : " من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول " الم " حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف " 9.
كما بين صلوات الله وسلامه عليه أن من جوَّد القرآن وأحسن قراءته ، وصار متقنًا له ماهرًا به عاملا بأحكامه فإنه في مرتبة الملائكة المقربين، وذلك فيما روته أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها – قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم : " الماهر بالقرآن مع
السَّفَرة الكرام البررة ، والذي يقرأ القرآن ويَتَتَعْتَعُ فيه وهو عليه شاقٌ له أجران " 10 .
كما أن الله ـ عز وجل ـ يوضح لنا في محكم كتابه أن الذين يداومون على تلاوة القرآن آناء الليل وأطراف النهار ويعملون بأحكامه ، ويحذرون مخالفته أولئك يوفيهم الله ما يستحقونه من الثواب ويضاعف لهم الأجر من فضله .
يقول سبحانه : {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ ، لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} 11.
والرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ يبين لنا أن خير َالناس وأفضلهم الذي يشتغل بتعلُّم القرآن الكريم أو تعليمه وذلك فيما ثبت عن عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ قال : " خيركم من تعلم القرآن وعلمه " 12.
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال رسول الله ـ صلى
الله عليه وآله وسلم ـ : " إن الذي ليس في جَوْفِهِ شيءٌ من القرآنِ كالبيتِ الْخَرِبِ " 13 .
......................................................
1 ـ سورة طه: 4.
2 ـ سورة المائدة: 15، 16.
3 ـ سورة النحل: 89.
4 ـ رواه الترمذي، رقم: 2915 في ثواب القرآن، وأبو داود رقم: 1464 في الصلاة، باب استحباب الترتيل في القراءة، ورواه أيضًا أحمد في المسند "2/ 192"، وإسناده حسن، انظر جامع الأصول "ج: 8، ص502".
5 ـ أخرجه البخاري "9/ 58" في فضائل القرآن، ومسلم رقم : 797، باب فضيلة حافظ القرآن، والترمذي 2869، باب ما جاء في مثل المؤمن القارئ للقرآن وغير القارئ، وأبو داود 4830، والنسائي "8/ 124، 125"، وابن ماجه 214، انظر جامع الأصول "ج: 2، ص453".
6 ـ قال الهيثمي في مجمع الزوائد "ج: 7، ص165" باب فضل القرآن، رواه الطبراني ورجاله ثقات.
7 ـ سورة النحل: 89.
8 ـ رواه الترمذي، رقم: 2915 في ثواب القرآن، وأبو داود رقم: 1464 في الصلاة،
باب استحباب الترتيل في القراءة، ورواه أيضًا أحمد في المسند "2/ 192"، وإسناده حسن ،
انظر جامع الأصول "ج: 8، ص502".
9 ـ سورة المزمل: 20.
10 ـ جزء من حديث ، أخرجه مسلم في باب: فضل قراءة القرآن.
11 ـ سورة فاطر: 29، 30.
13 ـ غاية المريد في علم التجويد (ص: 13)
12ـ أخرجه البخاري في فضائل القرآن "9/ 66، 67"، وأبو داود رقم 1452، باب ثواب قراءة القرآن، والترمذي رقم 2909، 2910 في ثواب القرآن، انظر جامع الأصول "ج: 8، ص508.
13 ـ أخرجه الترمذي ح رقم 2914 في ثواب القرآن، ورواه أيضًا أحمد في المسند رقم 1947، ورواه الحاكم "1/ 554" وصححه .


آدابُ التلاوة

لتلاوة القرآن الكريم آدابٌ كثيرة وعديدة ينبغي على قارئ القرآن أن يتأدب بها وهي :
1 ـ أن ينوي العبادة والتقرب إلى الله تعالى بتلاوة قرآنه ، وتطبيق ما يرد فيه من أحكام .
2- أن يستقبل القبلة ما أمكنه ذلك .
3- أن يَسْتَاكَ تطهيرًا وتعظيمًا للقرآن .
4- أن يكون طاهرًا من الحدثين .
5- أن يكون نظيف الثوب والبدن .
6- أن يقرأ في خشوع وتفكر وتدبر .
7- أن يكون قلبُه حاضرًا؛ فيتأثر بما يقرأ تاركًا حديث النفس وأهواءها.
8- يستحب له أن يبكي مع القراءة فإن لم يبكِ يتباكى .
9- أن يزين قراءته ويُحَسِّنَ صوتَه بها ، وإن لم يكن حسن الصوت حسنه ما استطاع بحيث لا يخرج به إلى حد التمطيط.
10- أن يتأدب عند تلاوة القرآن الكريم، فلا يضحك ، ولا يعبث ولا ينظر إلى ما يلهي بل يتدبر ويتذكر كما قال سبحانه وتعالى : {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ } .
كما أن على سامع القرآن الكريم أن يقبل عليه بقلب خاشع ويتفكر في معانيه، ويتدبر في آياته، ويتعظ بما فيه من حكم ومواعظ، وأن يحسن الاستماع والإنصات لما يتلى من قرآن حتى يفرغ القارئ من قراءته ، قال تعالى : { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } .
كيفيةُ تلاوةِ القرآنِ الكريمِ:

لقد شرع الله ـ سبحانه وتعالى ـ لقراءة القرآن صفة معينة وكيفية ثابتة، قد أمر بها نبيه عليه الصلاة والسلام فقال : { وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً}، أي اقرأه بتؤدة وطمأنينة وتدبر ، وذلك برياضة اللسان ، والمداومة على القراءة بترقيق المرقق وتفخيم المفخم وقَصْرِ المقصور ومدِّ الممدود وإظهارِ المُظهَر وإدغامِ المُدغَم وإخفاءِ المَخفيِّ وغَنِّ الحرف الذي فيه غُنّة وإخراجُ الحروف من مخارجها ، وعدم الخلط بينها ، كل ذلك دون تكلُّف أو تمطيط .
ولقد أكد الله ـ عز وجل ـ الفعل وهو " رتِّل " بالمصدر وهو "ترتيلا" تعظيمًا لشأنه واهتمامًا بأمره .
كما قال سبحانه : { وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً } ، أي لتقرأه على الناس بترَسُّلٍ وتمهُّل فإن ذلك أقرب إلى الفَهمِ وأسهل للحفظ ، والواقع أن هذه الصفة لا تتحقق إلا بالمحافظة على أحكام التجويد المستمدة من قراءة رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ والتي ثبتت عنه بالتواتر والأحاديث الصحيحة ، فلقد ثبت أن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ سئل كيف كانت قراءة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟ فقال : " كانت قراءته مدًّا، ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم ، يمدُّ ببسم الله ، ويمدُّ بالرحمن ، ويمدُّ بالرحيم " 1.
وقد نقلت إلينا هذه الصفة بأعلى درجات الرواية وهي المشافهة حيث يتلقى القارئ عن المقرئ ، والمقرئ قد تلقاه عن شيخه ، وشيخه عن شيخه وهكذا حتى تنتهي السلسلة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
ومن المؤكد أن النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ قد علَّم أصحابه
القرآن الكريم كما تلقَّاه عن أمين الوحي جبريل ـ عليه السلام ـ ولقَّنهم إيّاه بنفس الصفة ، وحثّهم على تعلُّمها والقراءةِ بها ، فلقد ثَبَتَ أنَّ النبيَّ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ سمع عبد الله بن مسعود يقرأ في صلاته فقال : " من سرَّه أن يقرأ القرآن غضًّا كما أنزل فليقرأ على قراءة ابن أم عَبْدٍ " 2.
ولعل المقصد ـ والله أعلم ـ أن يقرأه على الصفة التي قرأ بها عبد الله بن مسعود من حسن الصوت وجودة الترتيل ودقة الأداء .
ولقد خصَّ رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ نفراً من الصحابة أتقنوا القراءة حتى صاروا أعلامًا فيها منهم : أُبَي بن كعب ، وعبد الله بن مسعود ، وزيد بن ثابت ، وأبو موسى الأشعري ، وعثمان بن عفان ، وعلي بن أبي طالب ، وأبو الدرداء ، ومعاذ بن جبل ، وغيرهم .
فكان ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ يتعاهدهم بالاستماع لهم أحيانًا، وبإسماعهم القراءة أحيانا أخرى كما ثبت ذلك بالأحاديث الصحيحة.
فلقد ثبت عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ لأبيّ بن كعب : " إنّ الله أمرني أن أقرأ عليك " قال : آلله سَمَّاني لك ؟ قال : " الله سمَّاك لي"قال أنس:فجعل أُبيّ يبكي" 3 .
كما ثبت عن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال : قال لي النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ : " اقرأ علي القرآن " قلت : أأقرأ عليك وعليك أنزل ؟ قال : " إني أحِبُّ أن أسمعه من غيري " فافتتحت سورة النساء فلما بلغتُ : { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا } 4 قال : " حسبُك " فالتفتُّ إليه فإذا عيناه تذرفان " 5 .
ويحتمل أن يكون الرسول ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ قد أحب أن يسمعه من غيره ؛ ليكون عرض القرآن سنة يحتذى بها ، كما يحتمل أن يكون لكي يتدبره ويتفهمه وذلك لأن المستمع أقوى على التدبر ونفسه أخلى وأنشط من القارئ لاشتغاله بالقراءة وأحكامها 6 .
وقال صلى الله عليه وآله وسلم آمرًا الناس بتعلم قراءة القرآن وبتحري الإتقان فيها ، بتلقيها عن المتقنين الماهرين : " خذوا القرآن من أربعة : من عبد الله بن مسعود ، وسالم ، ومعاذ ، وأبي بن كعب " 7
وكلُّ هذا يدلُّ على أنّ هناك صفةٌ معيّنة ، وكيفيّة ثابتة لقراءة القرآن لا بد من تحقيقها ، وهي الصفة المأخوذة عنه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وبها أنزل القرآن ، فمن خالفها أو أهملها فقد خالف السنة وقرأ القرآن بغير ما أنزل الله .
وصفة القراءة هذه هي التي اصطلحوا على تسميتها بعد ذلك بالتجويد
...........................................................
1 ـ أخرجه البخاري، انظر فتح الباري شرح صحيح البخاري "ج: 9، ص91، كتاب فضائل القرآن .
2 ـ رواه أحمد والبزار والطبراني، وفيه عاصم بن أبي النجود وهو على ضعفه حسن الحديث، وبقية رجال أحمد رجال الصحيح، ورجال الطبراني رجال الصحيح، انظر مجمع الزوائد للهيثمي "ج: 9، ص287..
3 ـ رواه مسلم في باب استحباب قراءة القرآن على أهل الفضل ج: 2 ص 195 .
4 ـ النساء: الآية: 41.
5 ـ أخرجه البخاري، في باب: من أحب أن يستمع القرآن من غيره، ح رقم 5049، وله فيه ألفاظٌ أخرى، كما رواه مسلم في باب : فضل استماع القرآن وطلب القراءة من حافظه للاستماع، "ج: 2، ص195".
6 ـ انظر فتح الباري "ج: 9، ص94".
7 ـ أخرجه البخاري في باب: القرَّاء من أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ح رقم 4999، "ج: 9، ص46".
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

أمرَ الله تعالى بالاستعاذة عند أوّلِ كلِّ قراءة فقال تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم ِ} .
ويجوز فيها الإسرارُ والإعلان . أمّا في مجالس القرآن فإنّها تقرأ في البدء، ولا يكون بعدها ثمّةَ حاجةٌ لترديدها من باقي القراء ، إلاّ إذا كان هناك فاصل من حديث في أمر الدنيا . أمّا إذا كان الحديثُ متعلِّقاً بالتلاوة ، كبيان حكمٍ أو تصحيح تلاوةٍ ، فإنه يتعوَّذُ سِرّاً عند المتابعة .
ويحمل هذا الأمر" بالتعوذ "على النَدْبِ في كلِّ قراءة في غير الصلاة . واختلفوا في التعوُّذِ أثناء الصلاة . فمنهم من قال إنها واجبة . وتعوَّذَ الإمامان الجليلان أبو حنيفةَ النعمان والشافعي ـ رحمهما الله ـ في الركعة الأولى وحسب ، لأن قراءةَ الصلاة كلَّها واحدةٌ عندهما؛ بينما رأى الإمام مالك ـ رحمه الله تعالى ـ أنْ لا تعوُّذَ في الصلاة المفروضة وإنما في صلاة قيام رمضان فقط .
وقد أجمع العلماء على أنّ التعوُّذَ ليس من القرآن ولا آية منه ، وأنّ
لفظه هو كما جاء في كتاب الله تعالى .
رُوي عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه أنّه قال : قلت أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ؛ فقال النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( يا بنَ أمِّ عبْدٍ ، أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم ، هكذا أقرأني جبريل عن اللوح المحفوظ عن القلم )) .
وجاء في فضل التعوُّذِ : أنَّ رجلان اسْتَبّا عند النبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فجعل أحدُهما يَغضَبُ ويحمَرُّ وجهُهُ وتَنتفخُ أوداجُه ؛ فنظرَ إليه النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: ((إني لأَعلمُ كلمةً لو قالها لَذَهبَ ذا عنه ، أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم .....)) أخرجه البخاري .
ورُويَ عن ابنِ عمرَ رضيَ الله عنهما أنّه قال :كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا سافر فأقبل عليه الليلُ قال :
(( يا أرضُ ربّي وربُّك اللهُ ، أعوذُ باللهِ مِنْ شَرِّكِ ومِنْ شَرِّ ما خُلِقَ فيك، ومِن شَرِّ ما يَدبُّ عليك ، ومِنْ أَسَدٍ وأَسْود ، ومِن الحيّةِ والعقربِ ومِن ساكنيِّ البَلَدِ ووالدٍ وما ولد )) .
ورَوتْ خولةُ بنتُ حكيمٍ قالت : سمعتُ رسولَ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : (( ما نَزَل منزلاً ثم قال أعوذُ بكلمات اللهِ التامّاتِ مِن شَرِّ ما خَلَقَ ، لم يَضُرُّهُ شيءٌ حتّى يرتحل )) . أخرجه مسلمٌ والتِرمِذيُّ ومالكٌ في الموطَّأِ .
أما في معناها فإنها في كلام : الاستجارةُ والتحيّزُ إلى الشيء امتناعاً به من مكروه يخشى ؛ يُقال : عُذتُ بفلان واستعذت به ؛ أي لجأت إليه . وهو عياذي ، أي ملجأي . وأَعذتُ غيري به وعوَّذتُه بمعنى .
والشيطانُ واحدُ الشياطين ؛ على التكسير ، والنون أصلية، لأنّ الشيطان من فعل شَطَنَ إذا بَعُدَ عن الخير . وشَطَنَتْ دارُه "كشطّت " أي بَعُدت ؛ وبئرٌ شَطونٌ أي بعيدةُ القَعْر . والشَطنُ: الحبْلُ ، أيضاً ؛ سمّيَ بذلك لبُعدِ طَرَفيْه وامتدادِه . وسمّي الشيطانُ شيطاناً لبُعدِه عن الحقِّ وتمرُّده؛ وكلُّ عاتٍ متمرِّدٍ ، من الجِنِّ والإنسِ والدوابِّ شيطان . والعرب تقول : تشيطن فلان إذا فعل أفعال الشياطين .
والرَجيمُ أي المبعَدُ من الخيرِ المُهانُ . وأصلُ الرجمِ : الرميُ بالحجارة ،
وقد رَجمتُه أرجمُه ، فهو رجيم ومرجوم . والرجم : القتلُ ، واللّعنُ ، والطردُ ،
والشتم أيضاً.
والشيطان: إبليسُ ـ لَعَنَهُ الله ـ والرجيمُ : المرجوم المبعد المطرودُ مِن كلِّ رحمةٍ وخير .

بسم الله الرحمن الرحيم

قال بعضُ العلماءِ : هو قَسَمٌ من ربِّنا ـ تبارك وتعالى ـ أَنزلَه أَوَّلَ كلِّ سورةٍ ، ليُقسم لعبادِه بأنَّ هذا الذي وضعتُ لكم في هذه السورةِ حقٌّ ، وإنّي أَفي لكم بجميعِ ما ضَمِنتُ في هذه السُورةِ من وعْدي ولُطفي وبِرّي .
وقال آخرون : إنها تَضَمَّنتْ جميعَ الشرع ، لأنها تَدُلُّ على الذات العليَّةِ وعلى الصفات السنيّة .
وهي عند الشافعيِّ الآيةُ الأُولى من سورة الفاتحة ، بينما لم يعدّها الإمام مالك كذلك ، رحمهما الله . واتّفقَ العلماءُ على أنّها بعضُ آيةٍ من سورَةِ النملِ، ثمّ اختلفوا : فمنهم مَنْ عدّها آيةً مُستقلَّةً في أوَّلِ كلِّ سورةٍ ، ما عَدا سورةِ التوبة (( براءة )) ذلك لأنّ بدايتَها تَبرُّؤُ الله ـ تباركت أسماؤه ـ من المشركين والمنافقين وتقريعٌ لهم ووعيدٌ ، وهو أمرٌ فيه من اسمِه الجبار والمنتقم والشديد ، و ليس فيه من اسمِه الرحمن الرحيم .
ومنهم مَنْ قال : إنّ بسم الله الرحمن الرحيم بعضُ آيةٍ من أوّلِ كلِّ سورةٍ ، ومنهم مَن قال إنّها في الفاتحة دون غيرِها ، ومنهم مَنْ قال إنّها كُتِبتْ للفصلِ ، بين سورِ القرآن الكريم ليس إلاّ .
والباءُ فيها زائدةٌ لأنّها أتت للخفض ، وهي تُسمّى باءَ التَضمين أو باءَ الإلصاق كقولك : كتبتُ بالقلم ، فالكتابةُ لاصقةٌ بالقلم . وهي مكسورةٌ أبداً ، وخافضةٌ لما بَعدَها فلذلك كَسَرتْ ميمَ " اسمِ " وفي إعرابها نقول : الباءُ حرفُ جرٍّ زائد .
وكان عمر بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ يقول فيها لكُتّابِهِ:(طَوِّلوا الباء وأظهِروا السين ، وفرِّجوا بينهما ، ودَوِّروا الميم تعظيماً لكلامِ اللهِ تعالى) .
وقد أسقطوا الألف بعدها للتخفيف ، إذ الأصلُ أن تقول باِسم الله ... وفي الكلام إضمارٌ واختصارٌ تقديرُه : قل ، أو ابدأ بسم الله . والمعنى: بالله تكوّنت الموجوداتُ ، وبه قامت المخلوقات .
فأمّا معنى الاسم ، فهو عينُ المسمّى وحقيقةُ الموجود ، وذاتُ الشيءِ وعينُه ونفسُه واسمُه ، وكلُّها تُفيد معنىً واحداً . والدليلُ على أنّ الاسمَ عينُ المسمّى قولُه تعالى : { إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ اسمُه يحيى } فأخبر أنّ اسمَه يحيى، ثمّ نادى الاسمَ وخاطبَه فقال : { يا يحيى } فيحيى هو الاسم ، والاسم هو يحيى .
وقوله تعالى : {مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا..} وأراد الأشخاص المعبودة ؛ لأنّهم كانوا يعبدون المسمّيات .
وقوله تعالى : { سَبِّحِ اسمَ رَبِّكَ الأعلى } و{ تَبَارَكَ اسمُ رَبِّكَ } .
وقوله صلى الله عليه وسلم : (( لَتَضْرِبَنَّ مُضَرُ عِبادَ اللهِ حتّى لا يُعبَدَ له اسمٌ )) أي حتى لا يعبد هو .
وأصله سِمْو " من السُمُوِّ " وجمعُه : أسماء ، مثلُ قِنْوٍ وأَقْناء وحِنْوٌ وأحْناء ، فحُذفت الواو للاستثقال ، ونقلت حركة الواو إلى الميم فأُعربت الميم بحسب محلها في الإعراب ، ونقل سكونُ الميمِ إلى السين فسكنت ، ثم أُدخلتْ ألفٌ مهموزةٌ لسكون السين " اسم " ؛ لأجل الابتداء يدلّك عليه التصغير والتصريف يقال : سُمَيّ " في التذكير " وسُمَيَّة " في التأنيث " لأنّ كلَّ ما سَقط في التصغير والتصريف فهو غيرُ أصلي .
وكلمةُ بِسْمِ : جارٌّ ومجرورٌ ، والباء ـ هنا ـ للاستعانة لأنَّ المعنى : أَقرأُ مستعيناً بالله ، أو باسم الله ، ولها معانٍ أُخَرُ وهي :
ـ الإِلصاقُ حقيقةً أو مجازاً ، نحو : مَسَحْتُ برأسي ((على الحقيقة))
ومررْتُ بزيدٍ (( على سبيل المجاز )) .
ـ والسببيّةُ : نحو { فَبِظُلْمٍ مِّنَ الذين هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ .. } أي بسببِ ظلمهم .
ـ والمُصاحَبَةُ نحو : خَرَجَ المجاهدُ في سبيل الله بماله ، أي مُصاحِبَاً له ، ويقال كذلك خرج المهزوم بثيابه .
ـ والبَدَلُ (( أو العِوض )) كقوله عليه الصلاة والسلام : ((ما يَسُرُّنِي بها حُمْرُ النَّعَم)) أيْ بَدَلها . كما لو قلتَ هذا بذاك .
ـ والقَسَمُ : أي أحلفُ باللهِ لأفعلنَّ كذا ، أو بالله عليك إلاّ فعلتَ كذا وكذا .
ـ والظَرْفيَّةُ نحو : نحو قوله تعالى (( إنّ أوّلَ بيتٍ وضعَ للناسِ للذي ببكّةَ )) أي فيها ، وكذلك قولك : نهرُ بردى بالشام .
ـ والتَعْدِيَةُ نحو : {ذَهَبَ الله بِنُورِهِمْ } . لأنّ هذا الفعل ((ذهب )) فعلٌ لازمٌ في مثل قولك : ذهب فلان ، فالجملة هنا فعل وفاعل فقط دون مفعول به ، فإذا أردنا أن نعدَّيَه ليتَّخذ مفعولاً به وجب أن نقول : ذهب فلانٌ بفلانٍ .
ـ والتَبعيضُ كقول عنترة:
شَرِبَتْ بِمَاءِ الدُّحْرُ ضَيْنِ فأصْبَحَتْ ........... زَوْرَاءَ تَنْفِرُ عنْ حِيَاضِ الدَّيْلَمِ
أي بعضاً من مائه . ولذلك قال بعضُ الفقهاء في (( فامسحوا برؤوسكم )) أي ببعضها .
ـ والمقابلة: " اشتريتهُ بألف " أي : قابلتُه بهذا الثمنِ .
ـ والمجاوزة مثلُ قولِه تعالى: { وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السمآء بالغمام} أي عن الغمام ، ونحو قوله سبحانه : { الرحمنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً } أي عنه .
ـ والاستعلاء كقوله تعالى : { ومنهم إن مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ} أي على قنطار .
وقد تُزادُ مُطَّرِدةً وغيرَ مطَّرِدةٍ ، فالمطَّردةُ في فاعل " كفى " نحو : {وكفى بالله شهيداً } وفي خبرِ ليس و " ما " أختِها ، كقوله تعالى: { أَلَيْسَ الله بِكَافٍ عَبْدَهُ }و{ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عما يعمل الظالمون } وفي: بحَسْبِك زيدٌ .
وغيرَ مطَّردةٍ في مفعولِ " كفَى " كقول أحدهم :
فكفى بنا فَضْلاً على مَنْ غيرُنا ....................... حُبُّ النبيِّ محمدٍ إيانا
أي : كَفانا فضلاً .
وفي المبتدأ غيرَ " حَسْب " أوفي خبر " لا " أختِ ليس ، كقول أحدهم:
فكُنْ لي شفيعاً يومَ لا ذو شفاعةٍ ............ بمُغْنٍ فتيلاً عن سَوادِ بنِ قاربِ
أي : مُغْنياً ، وفى خبرِ كان مَنْفِيَّةً نحو:
وإنْ مُدَّتِ الأيدي إلى الزادِ لم أكنْ ....... بأعجلِهم ، إذْ أَجْشَعُ القومِ أَعْجَلُ
أي: لم أكنْ أعجلَهم.
وفي الحال وثاني مفعولَيْ ظنَّ منفيَّيْنِ أيضاً كقوله :
دعاني أخي والخيلُ بيني وبينه .................. فلمَّا دعاني لم يَجِدْني بقُعْدَدِ
أي : لم يَجِدْني قُعْدَداً .
وفي خبر " إنَّ " كقول امرئ القيس :
فإنْ تَنْأَ عنها حِقْبَةً لا تُلاقِها .................... فإنك ممَّا أَحْدَثَتْ بالمُجَرِّبِ
أي: فإنك المجرِّب .
والاسمُ لغةً : ما أبانَ عن مُسَمَّى ، واصطلاحاً : ما دلَّ على معنىً في نفسه فقط غيرَ متعرِّضٍ بِبُنْيَتِهِ لزمانٍ ، بعكس الفعل فهو متعلق بزمان ما، الماضي " الفعل ماض " أو الحاضر " الفعل المضارع " أو المستقبل " فعل الأمر والمضارع إذا سبق بالسين أو سوف " والتسميةُ : جَعْلُ ذلك اللفظِ دالاًّ على ذلك المعنى .
واختُلِف : هل الاسمُ عينُ المُسَمَّى أو غيرُه ؟ وقد بسَطْنا في ذلك آنفاً ، وما يَعنينا من ذلك : أنَّ الاسمَ ـ هنا ـ بمعنى التسمية ، والتسميةُ غيرُ الاسم، لأنَّ التَسْمِيةَ هي اللفظُ بالاسم والاسمَ هو اللازمُ للمُسَمَّى .
ثم إنَّ في الكلامِ حَذْفُ مضافٍ ، تقديرُه : باسم مُسَمَّى اللهِ. و الاسم مشتقٌ من السُّمُوِّ وهو الارتِفاعُ ، لأنه يَدُلُّ على مُسَمَّاه فيرفعُه ويُظْهِرُهُ ، وذهب بعضهم إلى أنّه مشتقٌّ من الوَسْمِ ، والوَسْمُ العلامةُ لأنّ الاسمَ علامةٌ على مُسَمَّاه .
وقيل في " بسم " : أنّ الباءَ بَهاءُ اللهِ عزَّ وجلَّ ، والسينَ سناءُ اللهُ عزَّ وجلَّ ، والميمَ مجدُ الله عزَّ وجلَّ ، فقد جاء في الحديث الشريف عن أبي سعيدٍ الخِدريِّ رضي الله عنه أنّه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن عيسى بنَ مريمَ أسلمَتْهُ أمُّه إلى الكُتّابِ ليتعلّم ، فقال له المعلّم : قل باسمِ الله . قال عيسى : وما باسم الله ؟ فقال له المعلّم : ما أدري . قال "أي عيسى عليه السلام " الباءُ : بهاءُ الله ، والسينُ : سناءُ اللهِ ، والميمُ: مملكةُ اللهِ )) . فاعْجَبْ لمتعلِّمٍ يُعلِّمُ أستاذَه .
ولفظُ الجلالةِ " الله " عَلَمٌ على ذاتِ الخالقِ ـ عزَّ وجلَّ ـ تفرَّدَ به ـ سبحانه ـ ولا يُطلَق على غيرِه ، ولا يُشارِكُه فيه أحد .
وأصلُ هذه الكَلِمَةِ " إله " فأُدخلت الألفُ واللام فيها تفخيماً وتعظيماً لمّا كانَ اسمَ اللهِ عزَّ وجَلَّ ، فصار "الإله"فحُذفت الهمزةُ استثقالاً لِكَثرَةِ جَرَيانها على الألسُنِ ، وحُوِّلتْ هُوِيّتُها إلى لامِ التعظيم فالتقى لامان ، فأُدغِمتْ اللامُ الأولى في الثانية ، فقالوا " الله " .
وهو اسمٌ عَلَمٌ غيرُ مشتقٍّ من صفةٍ . قال الله تعالى : { هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً } .
و" اللهُ " أكبرُ أسمائه ـ سبحانَه ـ وأجمعُها ، وهو اسمُ اللهِ الأعظمُ ـ عندَ أهلِ التحقيق ـ الذي حوى الأسماءَ كلَّها ، وبين الألفِ واللامِ منه حرفٌ مُكنّى غيبٌ من غيبٍ إلى غيبٍ ، وسِرٌّ من سِرٍّ إلى سِرٍّ ، وحقيقةٌ من حقيقةٍ إلى حقيقةٍ . لا ينال فهمه إلاَّ الطاهرُ من الأدناس ، كما قالوا .
ومن العلماء مَن عَدّه مشتقاً ؛ واختلفوا في اشتقاقه ، فقال بعضُهم هو من التألُّهِ ، وهو التنسُّكُ والتَعَبُّدُ ، يُقالُ : أَلَهَ إلاهَةً ، أي عَبَدَ عِبادة . فقد قرأَ سيّدُنا عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : " ويَذَرَكَ وإلهَتَكَ " أي عبادتك .
وقيل هو من " الإلْهِ " وهو الاعتمادُ ، يُقالُ : أَلَهْتُ إلى فلانٍ ، آلَهُ إلْهاً، أي فَزِعتُ إليه واعتمدتُ عليه .
وقيل هو من قولهم " أَلِهْتُ في الشيء " إذا تحيّرتَ فيه فلم تَهْتَدِ إليه . وقيل هو من " أَلُهْتُ إلى فلان " أي سكنتُ إليه .
وقيل أصلُه مِن " الوَلَهِ " وهو ذهاب العقل لفقدان من يعزّ عليك . وأصلُه " أَلُهَ " ـ بالهمزة ـ فأُبدل من الألف واوٌ فقيل الوَلَهُ ، مثل ذلك ((إشاحٌ ، ووشاحٌ )) و ((وكاف ، وإكاف )) و (( أرّختُ الكتابَ ، وورّخته )) و (( وُقِّتَتْ ، وأُقِّتَتْ )) .
فكأنه سمّيَ بذلك ؛ لأنّ القلوبَ تَوَلَّهُ لمحبَّتِهِ وتَضْطَرِبُ وتَشتاقُ عند ذكره .
وقيل : معناه محتجبٌ ؛ لأن العرب إذا عَرَفَتْ شيئاً ، ثم حُجِبَ عن أبصارِها سمّتْه إلهاً ، قيل : لاهتْ العروس تَلُوهُ لَوهاً ، إذ حُجِبت .
والله تعالى هو الظاهر بالربوبيّة ـ بالدلائل والأعلام ـ المحتجبُ من جهةِ الكيْفيَّةِ عن الأوهام .
وقيل : معناه المتعالي ، يقال : " لاه " أي ارتفع . وقيل : هو مأخوذٌ من قولِ العربِ : أَلِهْتُ بالمكان ، إذا أقمتُ فيه .وقيل من " أَلَهَهُمْ " أي أحوجهم فالعبادُ مَوْلوهون إلى بارئهم أي محتاجون إليه في المنافع والمضارِّ ، كالواله المضطرّ المغلوب .
وغلَّظَ بعضٌ بقراءة اللام من قوله : " الله " حتى طبقوا اللسان به الحنك لفخامة ذكره .
ولم يتسمّ به غيرُه ـ سبحانه ـ ولذلك لم يُثنَّ ولم يجمع : فاللهُ اسمٌ للموجودِ الحقِّ الجامعِ لصفات الإِلهيّة ، المنعوت بنعوت الربوبيّة ، المنفرد بالوجود الحقيقيّ ، لا إله إلا هو ، سبحانه وتعالى .
و" الرحمن " : اسم فيه خاصيّةٌ من الحرف المكنّى بين الألف واللام الذي سلف ذكره آنفاً .
و " الرحيم " : هو العاطف على عباده بالرزق في الفرع والابتداء في الأصل رحمة لسابق علمه القديم وفضله .
أي بنسيم روح الله اخترعَ من مُلكِه ما شاء ، رحمةً لأنه رحيم . وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه { الرحمن الرحيم } اسمان رقيقان أحدهما أرقُّ من الآخر ، فنفى الله تعالى بهما القنوط عن المؤمنين من عباده .
{ الرحمن الرَّحِيمِ } قيل هما بمعنىً واحد مثل { نَدْمان ، ونَديم } و {سَلمان ، وسَليم } و { هَوان وهَوين } ومعناهما : ذو الرحمة ، والرحمة : إرادة الله الخير بأهله ، وهي على هذا القول تكون صفةَ ذات . وقيل : هي ترك عقوبة من يستحق العقوبة " وفعل " الخير إلى من لم يستحق ، وعلى هذا
القول تكون صفةَ فعل ، يُجمَع بينهما للاتّساع .
وفرَّقَ الآخرون بينهما فقال : بعضهم الرَّحْمن على زِنَةِ فَعْلان ، وهو لا يقع إلاّ على مبالغة القول . وقولك : رجلٌ غضبان ، للمُمتلئِ غَضَباً ، وسكران لمن غلب عليه الشراب .
فمعنى " الرَّحْمن " : الذي وسِعت رحمتُه كلَّ شيءٍ . وقال بعضُهم : "الرَّحْمنُ " العاطف على جميع خلقه ؛ كافرِهم ومؤمنِهم ، بَرِّهم وفاجرِهم ، بأنْ خَلَقَهم ورَزَقَهم . قال الله تعالى : {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ } .
و" الرحيم " بالمؤمنين خاصّةً بالهداية والتوفيق في الدنيا ، والجنَّةِ والرؤيةِ في الآخرة . قال تعالى : { وَكَانَ بالمؤمنين رَحِيماً}.
فـ " الرَّحْمنُ " خاصُّ اللفظِ عامُّ المعنى و " الرحيم " عامُّ اللفظِ خاصُّ المعنى . و " الرَّحْمن " خاص من حيث إنّه لا يجوزُ أنْ يُسمّى به أحدٌ إلاّ اللهُ تعالى ، عامٌّ من حيث إنّه يشمَل الموجودات من طريق الخلق والرزق والنفع والدفع . و" الرحيم" عامٌّ من حيث اشتراكُ المخلوقين في المسمّى به ، خاصٌّ من طريق المعنى ؛ لأنّه يَرجِعُ إلى اللطف والتوفيق .
و" الرَّحْمنُ " اسمٌ خاصٌّ بصفةٍ عامّةٍ ، و " الرحيم " اسمٌ عامٌّ بصفةٍ
خاصَّةٍ .
وقيل : الرَّحْمنُ بأهل الدنيا ، والرحيمُ بأهل الآخرة . وجاء في الدعاء: يا رحمنَ الدنيا ورحيمَ الآخرة .
و" الرحمن الرحيم " : صفتان مشتقّتان من الرحمة ، وقيل : الرحمنُ ليس مشتقاً لأن العربَ لم تَعْرِفْه في قولهم : {وَمَا الرحمن} وأجيب عنه بأنهم جَهِلوا الصفةَ دونَ الموصوفِ ، ولذلك لم يقولوا : وَمَنْ الرحمن ؟
وذهب بعضهم إلى أن " الرحمن " بدلٌ من اسمِ الله لا نعتٌ له ، وذلك
مبنيٌّ على مذهبه من أنَّ الرحمن عنده عَلَمٌ بالغلَبة . واستدَلَّ على ذلك بأنّه قد جاء غيرَ تابعٍ لموصوفٍ ، كقوله تعالى: { الرحمن عَلَّمَ القرآن } و { الرحمن عَلَى العرش استوى } .
وقد رُدَّ عليه بأنّه لو كان بدلاً لكان مبيَّناً لِما قبله، وما قبلُه ـ وهو الجَلالةُ ـ لا يفتقرُ إلى تبيينٍ لأنها أعرفُ الأعلامِ ، ألا تراهم قالوا : { وَمَا الرحمن} ولم يقولوا : وما اللهُ .
أمَّا قوله : " جاء غيرَ تابع " فذلك لا يمنعُ كونَه صفةً ، لأنه إذا عُلم الموصوفُ جاز حَذْفُه وبقاءُ صفتِه ، كقولِه تعالى : { وَمِنَ الناس والدوابِّ والأنعام مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ } أي نوع مختلف ، وكقول الشاعر :
كناطحٍ صخرةً يوماً لِيُوْهِنَها ................ فلم يَضِرْها وأَوْهَى قرنَه الوَعِلُ
أي : كوعلٍ ناطح .
و" الرحمةُ " لغةً : الرِقّةُ والانعطافُ ، ومنه اشتقاقُ الرَّحِم ، وهي البطنُ لانعطافِها على الجَنين ، فعلى هذا يكون وصفُه تعالى بالرحمة مجازاً عن إنعامِه على عبادِه كالمَلِك إذا عَطَف على رعيَّته أصابَهم خيرُه . ويكونُ على هذا التقدير صفةَ فعلٍ لا صفةَ ذاتٍ.
وقيل : الرحمةُ إرادةُ الخيرِ لمَنْ أرادَ اللهُ به ذلك ، ووَصْفُه بها على هذا القولِ حقيقةٌ ، وهي حينئذٍ صفةُ ذاتٍ ، وهذا القولُ هو الظاهرُ .
وقيل : الرحمةُ رِقَّةٌ تقتضي الإِحسانَ إلى المرحومِ ، وقد تُستعملُ تارةً في الرقّة المجرّدة وتارةً في الإِحسان المجرَّد ، وإذا وُصِف به الباري تعالى فليس يُراد به إلاّ الإِحسانُ المجرّدُ دونَ الرقّةِ ، وعلى هذا رُوي : " الرحمةُ من الله إنعامٌ وإفضالٌ ، ومن الآدميين رقةٌ وتعطُّف " .
وقال ابن عباس رضي الله عنهما : " وهما اسمان رقيقان أحدهما أرقُّ
من الآخر أي : أكثرُ رحمة " .
وقال عليه الصلاة والسلام : (( إن الله رفيقٌ يحبُّ الرِفقَ ، ويُعطي عليه ما لا يُعْطي على العنف )) ، وأمَّا الرحيمُ فالرفيق بالمؤمنين خاصة .
واختلف أهلُ العلمِ في (( الرحمن الرحيم )) بالنسبة إلى كونِهما بمعنىً واحدٍ أو مختلفين .
ومنهم مَنْ قال : لكلِّ واحد فائدةٌ غيرُ فائدةِ الآخر ، وجَعَل ذلك بالنسبة إلى تغايُرِ متعلِّقِهما إذ يقال : (( رَحْمنُ الدنيا ورحيمُ الآخرة )) يُروى ذلك عن النبي صلَى الله عليه وسلم . وذلك لأنَّ رحمتَه في الدنيا تَعُمُّ المؤمنَ والكافرَ ، وفي الآخرة تَخُصُّ المؤمنين فقط . ويُروَى : رحيمُ الدنيا ورحمنُ الآخرة ، وفي المغايَرة بينهما بهذا القَدْر وحدَه نظرٌ لا يَخْفى .
وذهب بعضُهم إلى أنهما مختلفان ، ثم اختلف هؤلاء أيضاً : فمنهم مَنْ قال : الرحمنُ أبلغُ ، ولذلك لا يُطلق على غيرِ الباري تعالى ، واختاره الزمخشري ، وجعلَه من باب غَضْبان وسَكْران للممتلىءِ غَضَباً وسُكْراً ، ولذلك يقال : رحمن الدنيا والآخرة ورحيم الآخرة فقط " فكان القياسُ الترقِّيَ من الأدنى ، إلى الأعلى ، كما يُقال : شُجاعٌ باسلٌ ، ولا يقال : باسِلٌ شجاع .
ثم أجاب بأنه أَرْدَفَ الرحمنَ الذي يتناول جلائلَ النِّعَمِ وأصولَها بالرحيمِ ليكونَ كالتتمَّةِ والرديف ليتناولَ ما دَقَّ منها ولَطَف .
ومنهم مَنْ عَكَس فجعلَ الرحيمَ أبلغَ ، ويؤيده روايةُ مَنْ قال : رحيم الدنيا ورحمان الآخرة لأنّه في الدنيا يَرْحم المؤمن والكافرَ ، وفي الآخرة لا يَرْحم إلا المؤمن . لكن الصحيح أنَّ الرحمنَ أبلغُ ، وأمَّا هذه الروايةُ فليس فيها دليلٌ ، بل هي دالَّةٌ على أنَّ الرحمنَ أبلغُ ، وذلك لأنَّ الرحمةَ في القيامة أكثرُ بأضعافٍ، وأثرُها فيها أظهرُ ، على ما يُروى أنه خَبَّأ لعباده تسعاً وتسعينَ رحمةً ليوم القيامة ووضع لهم رحمة واحدة في الدنيا فبها يتراحم الخلق كلّهم .
يُروى أن سيدنا موسى عليه السلام سأل ربّه كيف أن الخلق كلّهم يتراحمون برحمة واحدة ، فقال انظر يا موسى ، فنظر فرأى أمّاً جالسةً أمام التنور والعجين عن يمينها والحطب عن شمالها وابنها في حجرها منحنية عليه وهو يرضع ، وهي تغالب الدخان واللهب فقال : سبحانك يا ربِّ ما أعظم رحمتك ، أكلُّ هذا برحمة واحدة ؟ ! ماذا لو لم تكن هذه الرحمة ؟؟ فقال الله ـ سبحانه ـ : انظر يا موسى ، ونزع الرحمة من قلب هذه الأم ، ولفحت النار وجهها وغلبها الدخانُ فأبعدت عن النار وجهها ، فخرجت حَلمةُ ثديها من فم الطفل فبكى ، فقالت : أنا أتحمل كلَّ هذا من أجلك؟ وقذفت به في التنّورِ قائلة : أنت أولى بها مني ، فاستغاث موسى بالله ، فأعاد الرحمة إلى قلب الأمّ فسحبت الطفل من التنور ولم يتأذى بالنار بإذن الله .
والظاهر أن جهةَ المبالَغَةِ فيهما (( الرحمن ، الرحيم )) مختلفةٌ ، فمبالغةُ "فَعْلان " من حيث الامتلاءُ والغَلَبَةُ ومبالغةُ " فَعيل " من حيثُ التَكرارُ والوقوعُ بمَحَالِّ الرحمة .
وقيل أنَّ بناءَ " فَعْلان " ليس كبناءِ " فَعِيل " ، فإنَّ بناءَ " فَعْلان " لا يقع إلاّ على مبالغةِ الفِعْل ، نحو : رجل غَضْبانُ للمتلئ غضباً ، وفعيل يكون بمعنى الفاعلِ والمفعول ، قال :
فأمَّا إذا عَضَّتْ بك الحربُ عَضَّةً ............... فإنك مَعْطوفٌ عليك رحيمُ
فالرحمنُ خاصُّ الاسمِ عامُّ الفعل . والرحيمُ عامُّ الاسمِ خاصُّ الفعلِ ، ولذلك لا يَتَعَدَّى فَعْلان ويتعدَّى فعيل . قال ابنُ سِيده : " زيدٌ حفيظٌ علمَك
وعلمَ غيرك " .
والألفُ واللام في " الرحمن " للغلَبة ، ولا يُطلق على غير الباري تعالى عند أكثر العلماء ، لقوله تعالى : {قُلِ ادعوا الله أَوِ ادعوا الرحمن } فعادَلَ به ما لا شِرْكَةَ فيه ، بخلاف " رحيم " فإنه يُطلق على غيره تعالى أيضاً ، قال تعالى في حَقَّه عليه الصلاة والسلام :{ بالمؤمنين رؤوف رحيم } .
وفي وصل الرحيم بالحمد ثلاثةُ أوجهٍ ، الذي عليه الجمهور : الرحيمِ بكسر الميم موصولةً بالحمد . وفي هذه الكسرة احتمالان : أحدهما ـ وهو الأصحُّ ـ أنها حركةُ إعرابٍ، وقيل : يُحتمل أنَّ الميم سَكَنَت على نية الوقف، فلمَّا وقع بعدها ساكن حُرِّكت بالكسر . والثاني من وَجْهَي الوصل : سكونُ الميمِ والوقفُ عليها ، والابتداءُ بقطع ألف « الحمد » رَوَتْ ذلك أم سلمة عنه عليه الصلاة والسلام . وقرأ بعضهم : الرحيمَ الحمدُ "بفتح الميم" ووصلِ ألفِ الحمد ، كأنه سكَّن للوقف وقطعَ الألفَ ، ثم أَجْرى الوقفَ مُجرى الوصلِ ، فألقى حركة همزة الوصل على الميم الساكنة .










عبد القادر الأسود
عبد القادر الأسود
أرمنازي - عضو شرف
أرمنازي - عضو شرف

عدد المساهمات : 932
نقاط : 2771
السٌّمعَة : 15
تاريخ التسجيل : 08/06/2010
العمر : 76
الموقع : http://abdalkaderaswad.spaces.live.com

http://abdalkaderaswad.wordpress.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى