منتدى مدينة أرمناز العام
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الدر النظيم ... سورة البقرة ، الآية : 54

اذهب الى الأسفل

الدر النظيم ... سورة البقرة ، الآية : 54 Empty الدر النظيم ... سورة البقرة ، الآية : 54

مُساهمة من طرف عبد القادر الأسود الخميس فبراير 16, 2012 7:31 am

وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (54)

واذكروا يوم قال لكم رسولكم موسى : يا قوم ، لقد ظلمتم أنفسكم باتخاذكم عجل السامرى معبوداً ، فتوبوا إلى ربكم الذي خلقكم من العدم ، وفي نداء موسى ـ عليه السلام ـ لهم بقوله : " يا قوم " تلطف في الخطاب ليجذب قلوبهم إلى سماعه ، وليحملهم على تلقي أوامره بحسن الطاعة ، وليشعرهم بأنهم قومه فهو منهم وهم منه ، وإنما يريد لهم الخير .
والبارئ أخصُّ من الخالق ، ولذا قال تعالى : { هُوَ الله الخالق البارىء المصور } ، وقد فَرَّق بعضُهم بين الخالق والبارئ بأنَّ البارئَ هو المُبْدِعُ المُحْدِثُ ، والخالِقُ هو المُقَدِّرُ الناقلُ من حالٍ إلى حال . وأصَلُ هذه المادةِ يَدُلُ على الانفصالِ والتميُّزِ ، ومنه : بَرَأَ المريضُ بُرْءاً وبَرْءاً وبَرِئْتُ وَبَرَأْتُ أيضاً من الدَّيْن بَراءةً ، والبَرِيَّةُ الخَلْق ، لأنهم انفصلوا من العَدَمِ إلى الوجودِ ، إلا أنَّه لا يُهْمَزُ .
وفي هذا التعبير الحكيم ، تحريض لهم على التوبة والاستجابة للبارئ الذي أحسن كل شيء خلقه ، وفيه أيضاً تقريع لهم على غباوتهم ، حيث تركوا عبادة بديع السموات والأرض ، وعبدوا عجلاً ضُرب به المثل في الغباوة فقالوا " أبلد من ثور " فكأنه ـ سبحانه ـ يقول لهم : لقد اتخذتم هذا العجل إلهاً لتشابهكم معه في البلادة وضيق الأفق .
{ يَا قَوْمِ } منادى مضافِ إلى ياء المتكلم وفيه ستُّ لغاتٍ أفصحُها : حَذْفُها مُجْتَزَأً منها بالكسرةِ وهي لغةُ القرآن ، الثانية : ثبوتُ الياءِ ساكنةً " يا قومي " ، الثالثة : ثبوتُها مفتوحةً " يا قوميَ " ، الرابعةُ : قَلْبُهَا ألفاً " يا قوما" ، الخامسةُ : حَذْفُ هذهِ الألفِ والاجتزاءُ عنها بالفتحةِ كقولِه :
ولَسْتُ بِراجعٍ ما فاتَ مِنِّي ...................... بِلَهْفَ ولا بِلَيْتَ ولا لَوَنِّي
أي : بقولي يا لَهْفا ، السادسة : بناءُ المضاف إليها على الضمِّ تشبيهاً بالمفرد ، نحو قراءةِ مَنْ قَرَأ : { قَالَ رَبُّ احكم بالحق } الأنبياء : 112 .
والقومُ : اسمُ جمعٍ ، لأنَّه دالٌّ على أكثرَ مِن اثنين ، وليس له واحدٌ من لفظِهِ ولا هو على صيغةٍ مختصَّةٍ بالتكسيرِ ، ومفردُه رَجُل ، واشتقاقُه من قام بالأمرِ يَقُوم به ، قال تعالى : { الرجال قَوَّامُونَ عَلَى النسآء } النساء : 34 ، والأصلُ في إطلاقِه على الرجال ، ولذلك قُوبل بالنساءِ في قولهِ : { لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ . . . وَلاَ نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ } الحجرات : 11 وفي قولِ زهير :
وما أَدْرِي وسوفُ إخالُ أَدْرِي .................... أقومٌ آلُ حِصْنٍ أم نِساءُ
وأما قوله تعالى:{ كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ } الشعراء:105و{ كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ } الشعراء: 160، والمكذِّبون رجالٌ ونساء فإنما ذلك من باب التغليب، ولا يجوزُ أن يُطْلَقَ على النساءِ وَحْدَهُنَّ البتةَ .
{ باتخاذكم العجل } الباءُ للسببيةِ ، متعلِّقَةٌ بـ " ظَلَمْتُم " و" العجل " مفعولٌ أولُ والثاني محذوفٌ أي : إلهاً . والمصدرُ هنا مضافٌ للفاعِلِ وهو أحسنُ الوجهينِ ، فإنَّ المصدَرَ إذا اجتمع فاعلُه ومفعولُه فالأَوْلَى إضافتُه إلى الفاعل لأنَّ رُتْبَته التقديمُ ، وهذا من الصورِ التي يَجِبُ فيها تقديمُ الفاعل . فأمَّا : { قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ } الأنعام : 137 فسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى .
والعِجْلُ معروفٌ وهو وَلَدُ البقرة . قالوا: سمّي عِجلاً لِتَصوُّرِ عَجَلَتِها
التي تَعْدَمُ منه إذا صارَ ثَوْراً . وقيل : إنما سُمِيَّ عِجْلاً لأنهم تَعَجَّلُوا عبادتَه قبل
مجيء موسى ، والجمع عَجاجِيل وعُجُول .
قوله : " إلى بارِئِكم " متعلِّقٌ بـ " تُوبوا " والمشهورُ كَسْرُ الهمزة ، لأنها حركةُ إعرابٍ ، ورُوي عن أبي عمرو ثلاثةُ أوجهٍ أُخَرَ : الاختلاسُ ، وهو الإِتيانُ بحركةٍ خفيَّة ، والسكونُ المَحْضُ ، وهذه قد طَعَنَ عليها جماعةٌ من النحويين ، ونسبوا راويَها إلى الغَلَطِ على أبي عمرو .
وقراءةُ أبي عمرو صحيحةٌ ، وذلك أنَّ الهمزةَ حرفٌ ثقيل ، ولذلك اجْتُرِئَ عليها بجميع أنواعِ التخفيفِ ، فاسْتُثْقِلَتْ عليها الحركةُ فقُدِّرَت . وقد وَرَدَ مثل ذلك في الشعرِ كثيراً ، ومنه قولُ امرئِ القيس :
فاليومَ أشربْ غيرَ مُسْتَحْقِبٍ ....................... إثْماً مِن اللهِ ولا واغِلِ
فسكَّن " أَشْرَبْ " ، وقال جرير : ... ونهرُ تيرى فما تَعْرِفْكُمُ العَرَبُ
وجميعُ روايةِ أبي عمروٍ دائرةٌ على التخفيفِ ، ولذلك يُدْغِمُ المِثْلَيْن والمتقارِبَيْن ويُسَهِّلُ الهمزة ويُسكِّنُ .
وروي عن الزهري " بارِيِِكم " بكسر الياء من غيرِ هَمْزٍ ، ورُوِيَتْ عن نافع بسُكون الياء لأنَّ الكسرةَ ثقيلةٌ عليهَا ، ولا يجوزُ ظهورُها إلا في ضرورةِ شعرٍ كقول أبي طالب :
كَذَبْتُمْ وبَيْتِ اللهِ نُبْزِي مُحَمَّداً ............ ولم تَخْتَضِبْ سُمْرُ العَوالِيِّ بالدَّمِ
" فاقتلوا " روي أنه أُمِرَ مَن لم يعبد العجل أن يُقتل من عبده ، والمعنى عليه أسلموا أنفسكم للقتل ، وسمى الاستسلام للقتل قتلاً على سبيل المجاز ، والقاتل إما غير معين ، أو الذين اعتزلوا مع هارون عليه السلام ، والذين كانوا مع موسى عليه السلام ، وجملة القتلى سبعون ألفاً ، وبتمامها نزلت التوبة وسقطت الشفار من أيديهم ، ذلك لأن لنفوسنا خالقاً بأمره نستبقيها ؛ وبأمره نفنيها وأن لها بعد هذه الحياة التي هي " لعب ولهو" ، حياة سرمديّة وبهجة أبديّة ، وأن الدار الآخرة لهي الحيوان ، وأن قتلها بأمره يوصلها إلى حياة خير منها ، وهذا واضح لمن تصور حالتي الدنيا والآخرة ، وعرف قدر الحياتين والميتتين فيهما ، وقيل : معنى { فاقتلوا أَنفُسَكُمْ } ذللوا أنفسكم .
ونقل عن قتادة أنه قرأ : " فأقيلوا أنفسكم " والمعنى أن أنفسكم قد تورطت في عذاب الله تعالى بهذا الفعل العظيم الذي تعاطيتموه ، وقد هلكت فأقيلوها بالتوبة والتزام الطاعة ، وأزيلوا آثار تلك المعاصي بإظهار الطاعات .
ونقل عنه أنه قرأ أيضاً : " فاقْتالوا " وقال : هي من الاستقالةِ ، قال ابن جني : اقتال : افْتَعَل ، ويُحَتمل أنْ تكونَ عينُها واواً كاقتادوا أو ياءً كاقتاس (( من القياس )) والتصريفُ يُضْعِفُ أن تكونَ من الاستقالة ، ولكن قتادةَ ينبغِي أن يُحْسَنَ الظَّنُّ به في أنه لم يُوْرِدْ إلا بحُجَّةٍ عنده .
{ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ } جملة معترضة للتحريض على التوبة أو معلِّلة . وقال بعضُهم : " ذلكم " مفردٌ واقعٌ موقعَ " ذانكم " المثنَّى ، لأنه قد تقدَّم اثنان : التوبة والقتلُ .
و" خَيْر " تفضيل على وزن أفعلُ وأصلُه : أًَخْيَرُ ، وإنما حُذِفَتْ همزتُه تخفيفاً ولا تَرْجِعُ هذه الهمزةُ إلا في ضرورةٍ ، قال :
بلالُ خيرُ الناسِ وابنُ الأَخْيَرِ ...
ومثلُه شَرّ ، لا يجوز أَشَرّ ، إلا في ندور ، وقد قُرىء : { مَن الكّذَّابُ الأَشَرُّ } القمر: 26 وإذا بُني من هذه المادةِ فعلُ تعجُّبٍ على أَفْعَل فلا تُحْذَفُ همزتُه إلا في ندورٍ كقولِهم : " ما خَيْرَ اللبنِ للصحيحِ ، وما شَرَّه للمبطونِ " فخيرٌ وشَرٌّ قد خَرَجَا عن نظائرهما في بابِ التفضيل والتعجُّب ،و" خَيْر " أيضاً مخفَّفَةٌ من خَيَّر على فَيْعِل ولا يكونُ من هذا البابِ ، ومنه : " فيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ " قال بعضهم : " مُخَفَّف من خَيِّرات " . والمفضَّلُ عليه محذوفٌ للعلمِ
به ، أي : خيرٌ لكم من عدم التوبة .
وقد تأتي ولا تفضيل والمعنى : أن ذلكم خير لكم من العصيان والإصرار على الذنب أو خير من ثمرة العصيان ، وهو الهلاك الدائم . والعنديّة هنا مجاز ، وكرر البارىء اعتناءً بالحث على التسليم له في كل حال ، وتلقى ما يرد من قِبَلِه بالقبول والامتثال فإنه كما رأى الإنشاءَ راجحاً فأنشأ رأي الإعدام راجحاً ، فأمر به وهو العليم الحكيم .
{ فَتَابَ عَلَيْكُمْ } جواب شرط محذوف بتقدير " قد " إن كان من كلام موسى عليه السلام لهم ، تقديره إن فعلتم ما أُمرتم به فقد تاب عليكم ، ومعطوفٌ على محذوفٍ إن كان خطاباً من الله تعالى لهم ، كأنه قال : ففعلتم ما أُمرتم فتاب عليكم بارئُكم ، وفيه التفات لتقدم التعبير عنهم في كلام موسى عليه السلام بلفظ الـ " قوم " وهو من قبيل الغيبة ، أو من التكلم إلى الغيبة في { فَتَابَ } حيث لم يقل : فتبنا ، ورجح العطف لسلامته من حذف الأداة والشرط وإبقاء الجواب في الكلامِ حَذْفٌ ، وهو : " فَفَعَلْتُم ما أُمِرْتُمْ به من القتلِ فتابَ عليكم . والفاءُ الأولى في قوله : " فتوبوا " للسببية ، لأن الظلمَ سَببُ التوبةِ ، والثانيةُ للتعقيبِ ، لأنَّ المعنى : فاعْزِموا على التوبة ، فاقتلوا أنفسَكم ، والثالثةُ متعلقةٌ بمحذوفٍِ ، ولا يخلو : إمَّا أن ينتظمَ في قول موسى لهم فيتعلَّقَ بشرطٍ محذوفٍ كأنه : وإنْ فَعَلْتُم فقد تابَ عليكم ، وإمَّا أَنْ يكونَ خطاباً من الله لهم على طريقةِ الالتفاتِ ، فيكونُ التقديرُ : فَفَعَلْتُم ما أَمركم به موسى فتابَ عليكُم .
{ إِنَّهُ هُوَ التواب الرحيم } تذييل لقوله تعالى : { فَتُوبُواْ } فإن التوبة بالقتل لما كانت شاقة على النفس هوّنها سبحانه بأنه هو الذي يوفق إليها ويسهلها ويبالغ في الإنعام على من أتى بها ، أو تذييل لقوله تعالى : { فَتَابَ عَلَيْكُمْ } وتفسَّرُ التوبة منه تعالى حينئذ بالقبول لتوبة المذنبين ، والضمير المنصوب إن كان ضمير الشأن فالضمير المرفوع مبتدأ ، وهو الأنسب لدلالته على كمال الإعتناء بمضمون الجملة ، وإن كان راجعاً إلى البارىء سبحان فالضمير المرفوع إما فصل أو مبتدأ .
وحظ العارف من هذه القصة أن يعرف أن هواه بمنزلة عجل بني إسرائيل فلا يتخذ منه إلهاً { أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتخذ إلهه هَوَاهُ } الجاثية :3 2 وأن الله سبحانه قد خلق نفسه في أصل الفطرة مستعدة لقبول فيض الله تعالى والدين القويم ، ومتهيئة لسلوك المنهج المستقيم ، والترقي إلى جناب القدس وحضرة الأنس ، وهذا هو الكتاب الذي أوتيه موسى القلبِ ، والفرقان الذي يُهتدى بنوره في ليالي السلوك إلى حضرة الرب ، فمتى أخلدتْ النفسُ إلى الأرض واتبعت هواها ، وآثرت شهواتها على مولاها ، أُمِرتَ بقتلِها بأن تكسر شهواتها وتقلع مشتهياتها ليصح لها البقاء بعد الفناء ، والصحو بعد المحو، وليست التوبة الحقيقيّة سوى محو البشريّة بإثبات الأُلوهيّة ، وهذا هو الجهاد الأكبر :
ليس من مات فاستراح بميت ...................... إنما الميْت ميِّت الأحياء
وهذا صعب لا يتيسر إلا لخواصِّ الحقِّ ورجالِ الصِدْق ، وإليه الإشارة " بموتوا قبل أن تموتوا " . وقيل أول قدم في العبودية إتلاف النفس وقتلها بترك الشهوات ، وقطعها عن الملاذّ ، فكيف الوصول إلى شيء من منازل الصدِّيقين ومعارج المقرَّبين ؟ .
عبد القادر الأسود
عبد القادر الأسود
أرمنازي - عضو شرف
أرمنازي - عضو شرف

عدد المساهمات : 932
نقاط : 2771
السٌّمعَة : 15
تاريخ التسجيل : 08/06/2010
العمر : 76
الموقع : http://abdalkaderaswad.spaces.live.com

http://abdalkaderaswad.wordpress.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى