منتدى مدينة أرمناز العام
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الدر النظيم ... سورة البقرة ، الآية :66 ـ 70

اذهب الى الأسفل

الدر النظيم ... سورة البقرة ، الآية :66 ـ 70 Empty الدر النظيم ... سورة البقرة ، الآية :66 ـ 70

مُساهمة من طرف عبد القادر الأسود الأحد أبريل 29, 2012 6:18 pm

فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ
(66)
{ نَكَالاً } مفعولٌ ثانٍ لجَعَلَ التي بمعنى صَيَّر والأولُ هو الضميرُ وفيه أقوالٌ، أحدُها: يعود على المَسْخَة . وقيل: على القريةِ لأنَّ الكلامَ يقتضيها كقولِه: فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً} العاديات:4 أي بالمكانِ . وقيل على العقوبة ، وقيل على الأمَّة . والنَّكالُ : المَنْعُ، ومنه النِّكْلُ اسمٌ للقيد من الحديد واللِّجام لأنه يُمْنَعُ به ، وسُمِّي العِقابُ نكالاً لأنه يُمْنَعُ به غيرُ المعاقب أن يفعلَ فِعْلَه ، ويَمْنَعُ المُعاقَبَ أن يعودَ إلى فِعْلِه الأولِ . والتنكيلُ : إصابةُ الغيرِ بالنَّكالِ ليُرْدَعَ غيرُه ، ونَكَلَ عن كَذا يَنْكُل نُكولاً امتنع ، وفي الحديثِ : (( إنَّ الله يحبُ الرجلَ النَّكَل)) أي : القوي على الفرس . والمَنْكَلُ ما يُنَكَّل به الإِنسان قال :
فارمِ على أَقْفائِهم بِمَنْكَلِ ... . . . . . . . . . . . . . . . . . .
والضميرُ في يديهَا وخلفها كالضميرِ في { جَعَلْنَاهَا } .
قوله: {وَمَوْعِظَةً} عطفٌ على {نَكَالاً} وهي على وزن " مَفْعِلَة "
من الوعظ وهو التخويف ، وقيل: "التذكيرُ بالخيرِ فيما يَرِقُّ له القَلْبُ،
والاسمُ : العِظَةُ كالعِدَة والزِنَة .
و"للمتقين" متعلقٌ بِمَوْعِظة . واللامُ للعلة، وخُصَّ المتقين بالذِّكْرِ، وإن كانَتْ موعظةً لجميعِ العالَم : البَرِّ منهم والفاجِرِ ، لأن المنتفعَ بها هم هؤلاء دونَ مَنْ عَدَاهم ، ويجوزُ أَنْ تكونَ اللامُ مقويّةً ، لأنَّ "موعظة " فَرْعٌ على الفِعْلِ في العملِ فهو نظيرٌ {فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} هود : 107، فلا تعلُّق لها لزيادتها ، ويجوز أَنْ تكونَ متعلقةً بمحذوفٍ لأنها صفةٌ لموعظةً ، أي : موعظةً كائنةً للمتقين .
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67)
{ يَأْمُرُكُمْ} الجمهور على ضمِّ الراء لأنه مضارعٌ مُعْرَبٌ مجرَّدٌ من ناصبٍ وجازمٍ . ورُوِيَ عن أبي عمرو سكونُها سكوناً مَحْضاً واختلاسُ الحركةِ ، وذلك لتوالي الحركات ، ولأنَّ الراءَ حرفُ تكريرٍ فكأنها حرفان ، وحركتُها حركتان ، وقيل: شبَّهها بعَضْد، فسُكِّن أَوْسَطُه إجراءً للمنفصلِ مجرى المتصلِ ، ويجوز في همز"يَأْمركم" إبدالُه ألفاً وهذا مطَّرِدٌ .
و"يَأْمركم" هذه الجملةُ في محلِّ رفعٍ خبراً لإِنَّ،وإنَّ وما في حَيِّزها
في مَحلِّ نصب مفعولاً بالقول، والقولُ وما في حَيِّزِه في محلِّ جرٍّ بإضافة الظرف إليه ، والظرفُ معمولٌ لفعل محذوفٍ أي: اذكُرْ .
قوله: {أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً} أَنْ وما في حَيِّزِها مفعولٌ ثانٍ ليَأْمركم ، فموضِعُها يجوزُ أن يكونَ نصباً وإن يكونَ جرَّاً،لأنَّ الأصلَ على إسقاطِ حرفِ الجرّ أي: بأَنْ تَذْبَحوا، لأنَّ هذا الفعلَ يجوز حذفُ الباءِ معه، ولو لم تكنِ الباءُ في "أَنْ" نحو: أمرتُكَ الخيرَ .
والبقرةُ واحدة البَقَر ، تقعُ على الذكَرِ والأنثى نحو حَمامة ، والصفةُ تُمَيِّزُ الذكر من الأنثى ، تقول : بقرةٌ ذكرٌ وبقرةٌ أنثى ، وقيل: بقرةٌ اسمٌ للأنثى خاصةً من هذا الجِنس مقابلةً لثور ، نحو: ناقةٌ وجَمَل، وأَتان وحمار ، وسُمِّي هذا الجنسُ بذلك لأنه يَبْقُر الأرض أي يَِشُقُّها بالحرث ، ومنه: بَقَر بطنَه ، والجمع : بَقَر وباقِر وبَيْقُور وبَقِيرِ .
قوله:{هُزُواً} مفعول ثان لـ {أَتَتَّخِذُنَا}وفي وقوعِ "هُزُوا" مفعولاً ثانياً ثلاثةُ أقوالٍ . أوّلها: أنه على حَذْفِ مضافٍ أي ذوي هُزْء . الثاني: أنه مصدرٌ واقعٌ موقعَ المفعولِ به أي مَهْزُوءاً بنا . الثالث: أنهم جُعِلوا نفس الهُزْءِ مبالغةً . وهذا أولى .
وفي {هُزُواً} قراءاتٌ سِتٌّ ، المشهورُ منها ثلاثٌ : هُزُؤاً بضمتين مع الهمز ، وهُزْءاً بسكونِ العين مع الهمز وَصْلاً وهي قراءة حمزة رحمه الله ، فإذا وَقَفَ أبدلَها واواً ، وليس قياسَ تخفيفها ، وإنما قياسُه إلقاءُ حركتِها على الساكنِ قبلَها . وإنما اتَّبع رسمَ المصحف فإنها رُسِمَتْ فيه واواً ، ولذلك لم يُبْدلها في " جزءاً " واواً عند الوقف ، لأنها لم تُرْسَمْ فيه واواً ، وقراءتُه أصلُها الضمُّ كقراءةِ الجماعةِ إلا أنه خُفِّفَ كقولِهم في عُنُق : عُنْق . وقيل : بل هي أصلٌ بنفسِها ، ليست مخففةً من ضم ، وكلُّ اسمٍ ثلاثي أولُه مضمومٌ يجوزُ فيه لغتان : التثقيل والتخفيفُ .
و" هُزُواً " بضمتين مع الواوِ وَصْلاً وَوَقْفاً وهي قراءةُ حَفْص عن
عاصم ، كأنه أَبْدَلَ الهمزةَ واواً تخفيفاً ، وهو قياسٌ مطَّرد في كلِّ همزة
مفتوحةٍ مضمومٍ ما قبلَها نحو جُوَن في جُؤَن ، وحكمُ "كُفُواً" في قوله تعالى: { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } الإخلاص: 4 ، حكمُ " هُزُواً " في جميع ما تقدم قراءةً وتوجيهاً . و" هُزَا ً" بإلقاء حركة الهمزة على الزاي وحذفها وهو أيضاً قياسٌ مطرد ، وهُزْواً بسكون العين مع الواو ، وهُزَّاً بتشديد الزاي من غيرِ همزةٍ ، كما روي عن أبي جعفر ، وتقدَّم معنى الهُزْء أول السورة .
قوله: { أَعُوذُ بالله } تقدَّم إعرابُه في الاستعاذَةِ ، وهذا جوابٌ لاستفهامِهم في المعنى كأنه قال: لا أَهْزَأُ مستعيذاً باللهِ من ذلك فإنَّ الهازِئَ جاهِلٌ .
وقوله: { أَنْ أَكُونَ } أي : مِن أَنْ أكونَ ، فيجيءُ فيه الخلافُ المعروف .
و{مِن الجاهلين} خبرُها ، وهو أَبْلَغُ من قولِك: أن أكونَ جاهِلاً ، فإنَّ المعنى : أن أنتظمَ في سلكِ قَوْمٍ اتَّصفوا بالجهل .
قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (68)
{قَالُواْ ادع لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنَ لَّنَا} كقوله:{فادع لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا} البقرة:61، وقد تقدَّم .
قوله:{ما هي}؟ ما استفهاميةٌ في محلِّ رفعٍ بالابتداءِ تقديرُه: أيُّ
شيءٍ هي و"ما" الاستفهاميّةُ يُطْلَبُ بها شَرْحُ الاسم تارةً نحو:ما العنقاءُ؟ وماهيَّةُ المُسَمَّى أخرى نحو: ما الحركةُ . ويَسْأَلُ بـ "ما" عن الجنسِ ، تقولُ: ما عندك؟ أي:أيُّ أجناسِ الأشياءِ عندك، وجوابُه: كتابٌ ونحوه، أو عن الوصف ، تقول: ما زيدٌ؟ وجوابه:كريمٌ وهذا هو المرادُ في الآية. و" هي " ضميرٌ مرفوعٌ منفصلٌ في محلِّ رفع خبراً لـ "ما" ، والجملةُ في محلِّ نصب بـ "يُبيِّن" ، لأنه مُعَلَّقٌ عن الجملةِ بعده ، وجاز ذلك لأنَّه شبيهٌ بأفعالِ القلوبِ .
قوله: { لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ } "لا" نافيةٌ ، و"فارضٌ" صفةٌ لبقرة ، واعترض بـ " لا " بين الصفةِ والموصوفِ ، نحوٍ : مَرَرْتُ برجلٍ لا طويلٍ ولا قصيرٍ . ويجوز أن يكونَ خبراً لمبتدأ محذوفٍ أي : لا هي فارضٌ . وقولُه: { وَلاَ بِكْرٌ } مثلُ ما تقدَّم ، وتكرَّرت " لا " لأنها متى وقعت قبل خبرٍ أو نعتٍ أو حالٍ وَجَب تكريرُها ، تقول : زيدٌ لا قائمٌ ولا قاعدٌ ، ومررت به لا ضاحكاً ولا باكياً ، ولا يجوز عدمُ التكرارِ إلا في ضرورةٍ ومن ذلك قول الشاعر :
وأنتَ امرؤٌ مِنَّا خُلِقْتَ لغيرِنا ............ حياتُك لا نفعٌ وموتُك فاجِعُ
أي ولا موتك فاجع ، وقد حذفت لضرورة الشعر .
و{الفارضُ} : المُسِنَّةُ الهَرِمة ، كأنَّها سُمِّيَتْ بذلك لأنها فَرَضَتْ
سِنَّها ، أي قَطَعَتْها وبَلَغَتْ آخرَها ، قال الشاعر :
لَعَمْرِي لقد أَعْطَيْتَ جارَك فارِضاً ....... تُساقُ إليه ما تقومُ على رِجْلِ
ويقال لكلِّ ما قَدُم : فارضٌ ، قال :
شَيَّبَ أصداغِي فرأسي أبيضُ ................. محامِلٌ فيها رجالٌ فُرَّضُ
والفارِض التي تقطعُ الأرضَ ، أيضاً ، والفَرْضُ في الأصل :
القَطْع وقيل : لأنها تحملُ الأحمَالَ الشاقةَ . ويقال فَرَضَتْ تفرِضُ بالفتح فُروضاً وقيل : فَرُضَتْ بالضمِّ أيضاً .
و { البِكْرُ } ما لم تَحْمِل ، وقيل : مَا وَلَدَتْ بطناً واحداً ، ويقال لذلك المولود بِكْرٌ أيضاً ، قال الشاعر:
يا بِكْرَ بَكْرَيْنِ ويا خِلْبَ الكَبِدْ ....... أصبحْتَ مني كذراعٍ من عَضُدْ
والبِكْرُ من الحيوان : مَنْ لم يَطْرُقْه فَحْل ، والبَكْر بالفتح : الفَتِيُّ من الإِبل ، والبَكارة بالفتح : المصدر .
قوله : { عَوَانٌ } صفةٌ لبقرة ، ويجوز أن يكونَ خبراً لمبتدأ محذوفٍ أي : هي عَوانٌ ، كما تقدَّم في { لا فَارِضٌ } والعَوانُ ، النَّصَفُ ، وهو التوسُّطُ بين الشيئينِ ، وذلك أقوى ما يكونُ وأحسنُه ، قال الشاعر : .......... نواعِمُ بين أبكارٍ وعُونِ
وقيل : هي التي وَلَدَت مرةً بعد أخرى ، ومنه الحَرْبُ العَوانُ ، أي : التي جاءت بعدَ حربٍ أخرى ، قال زهير :
إذا لَقِحَتْ حربٌ عَوانٌ مُضِرَّةٌ ....... ضَروسٌ تُهِرُّ الناسَ أنيابُها عُصْلُ
والعُون بسكونِ الواو : الجمعُ ، وقد تُضَمُّ ضرورةً " عوُن "كقوله :
. . . . في الأكُفِّ اللامِعاتِ سُوُرْ
بضمِّ الواو . ونظيرُه في الصحيح : قَذَال وقُذُل ، وحِمار وحُمُر .
قوله:{بَيْنَ ذلك} صِفةٌ لعَوان ، فهو في محلِّ رفعٍ ويتعلَّقُ بمحذوفٍ أي: كائنٌ بين ذلك و"بين" إنما تُضاف لشيئين فصاعداً، وجاز أن تضافَ هنا إلى مفرد ، لأنه يُشارُ بِهِ إلى المثنى والمجموع ، كقوله :
إنَّ للخيرِ وللشَّرِّ مَدَى ........................ وكِلا ذلك وَجْهٌ وقَبَلْ
كأنه قيل : بين ما ذُكِر من الفارضِ والبِكْر . فإن قلت : كيف جازَ أن يُشارَ به إلى مؤنَّثَيْن وإنما هو لإِشارةِ المذكر؟ قلت : لأنه في تأويلِ ما ذُكر وما تقدَّم ، وقد يَجْري الضمير مَجْرى اسم الإِشارةِ في هذا ، قال أبو عبيدة : قلت لرؤبة في قوله :
فيها خطوطٌ من سَوادٍ وبَلَقْ ............... كأنَّهُ في الجِلْدِ تَوْلِيعُ البَهَقْ
إن أردْتَ الخطوطَ فقل: كأنها ، وإن أردْتَ السوادَ والبَلَق فقل: كأنهما فقال: أردْتُ: كأنَّ ذاكَ . وَيْلَك . والذي حَسَّنَ منه أنَّ أسماءَ الإِشارةِ تَثْنِيتُها وجَمْعُها وتأنيثُها ليسَتْ على الحقيقة ، وكذلك الموصولاتُ ، ولذلك جاء الذي بمعنى الجمع .
قوله: { مَا تُؤْمَرونَ } " ما " موصولةٌ بمعنى الذي ، والعائدُ محذوفٌ تقديره : تُؤْمَرون بِه ، فحُذِفَت الباءُ وهو حذفٌ مطَّردٌ، فاتصل بالضميرِ فحُذِفَ . وليس هو نظيرَ {كالذي خاضوا } التوبة : 69 فإنَّ الحذف هناك غيرُ مَقيسٍ ، ويضعُف أن تكونَ "ما" نكرةً موصوفةً ، لأنَّ المعنى على العُمومِ وهو بالذي أَشْبَهُ ، ويجوزُ أن تكونَ مصدريةً أي :
أَمَرَكم بمعنى مأمورَكم ، تسميةً للمفعولِ بالمصدرِ كضَرْبِ الأمير .
و" تُؤْمَرون " مبنيٌّ للمفعول والواوُ قائمٌ مقامَ الفاعلِ ، ولا محلَّ
لهذه الجملةِ لوقوعِها صلةً .
قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69)
{مَا لَوْنُهَا}كقولِه"هي"واللونُ عبارةٌ عن الحمرةِ والسوادِ ونحوِهما واللونُ أيضاً النوعُ ، وفلان يَتَلَوَّن أي: لا يثبُتُ على حالٍ .
{صَفْرَآءُ فَاقِعٌ لَّوْنُهَا}بجوز أن يكونَ "فاقعٌ" صفةً و"لونُها"فاعلٌ به وأن يكونَ خبراً مقدماً و"لونُها" مبتدأ مؤخرٌ والجملةُ صفةٌ ، ويجوز أن يكونَ "لونُها" مبتدأً و"تَسُرُّ" خبرَه، وإنما أَنَّث الفعلَ لاكتسابِه بالإِضافةِ معنى التأنيث كقوله:
مَشَيْنَ كما اهتَزَّتْ رماحٌ تَسَفَّهَتْ ......... أعاليهَا مَرُّ الرياحِ النَّواسِمِ
وقول الآخر :
وتَشْرَقُ بالقولِ الذي قد أَذَعْتَه ... كما شَرِقَتْ صدرُ القناةِ من الدمِ
أنَّث فعلَ المَرِّ والصدرِ لَمَّا أُضيفا لمؤنثٍ ، وقُرئ {تَلْتَقِطْهُ بَعْضُالسيارة} يوسف:10، وقيل : لأنَّ المرادَ باللونِ هنا الصفرةُ ، وهي مؤنثةٌ فَحُمِل على المعنى في ذلك ، ويقال: أصفرُ فاقعٌ ، وأبيضُ ناصعٌ وأخضرُ ناصعٌ وأحمرُ قانئٌ وأسودُ حالِكٌ وحائِك وحَلَكُوك وحُلْكُوك ودَجُوجيّ وغِرْبيب وبهيم ، وقيل: "البهيم الخالصُ من كل لون " .
وبهذا يَظْهر أن صفراء على بابها من اللون المعروفِ لا سوداء
كما قاله بعضهم ، فإنَّ المفقوعَ من صفةِ الأصفرِ خاصةً ، وأيضاً فإنه مجازٌ بعيدٌ ، ولا يُسْتَعمل ذلك إلا في الإِبِلِ لقُرْب سوادها من الصفرةِ كقوله تعالى:{كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ} المرسلات: 33.وقال:
تلك خَيْلِيْ منه وتلكَ رِكابي .............. هُنَّ صُفْرٌ أولادُها كالزَّبيبِ
{تَسُرُّ الناظرين} جملةٌ في محلِّ رفعٍ صفةً لـ "بقرة" أيضاً ، وقد تقدَّم أنه يجوز أن تكونَ خبراً عن "لونها" بالتأويلين المذكورين .
والسرورُ لَذَّةٌ في القلب عند حصولِ نَفْعِ أو توقُّعِه،ومنه "السريرُ" الذي يُجْلَسُ عليه إذا كان لأولي النِّعمةِ ، وسريرُ الميِّت تشبيهاً به في الصورة وتفاؤلاً بذلك .
قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70)
{مَا هِيَ}مرةً ثانيةً تكريرٌ للسؤال عن حالِها وصفتِها واستكشافٌ زائدٌ ليزدادوا بياناً لوَصْفِها .
{إِنَّ البقر تَشَابَهَ عَلَيْنَا} البقر:اسمُ إنَّ وهو اسمُ جنسٍ كما تقدَّم. وقرئ "الباقِرُ" وهو بمعناه.و"تَشَابه"جملةٌ فعلية في محلِّ رفعٍ خبراً لـ"إِنَّ" وقرئ: "تَشَّابَهُ" مشدَّداً ومخففاً وهو مضارعٌ ، فالأصلُ: تَتَشابهُ بتاءين ، فَأُدْغِمَ وحُذِفَ منه أخرى ، وكِلا الوجهين مقيس .
وقُرئ أيضاً : يَشَّابَهُ بالياء من تحت وأصله يتشابه فَأُدغم أيضاً ، وتذكيرُ الفعل وتأنيثُه جائزان لأن فاعلَه اسمُ جنس وفيه لغتان: التذكيرُ والتأنيثُ ، قال تعالى: {أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} الحافة: 7 فَأَنَّث و{ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ} القمر:20 فذكَّر، ولهذا موضعٌ نستقصي منه،يأتي إن شاء الله تعالى .
وتَتَشَابَهُ بتاءين على الأصل، وتَشَّبَّهُ بتشديد الشين والباء من غير ألف ، والأصلُ : تَتَشَبَّهُ . وتَشَّابَهَتْ ، ومُتَشَابِهَة ، ومُتَشَابِه ، ومُتَشَبِّه على اسم الفاعل من تشابه وتَشَبَّه ، وقُرئ : تَشَبَّهَ ماضياً .
وفي مصحف أُبَيّ: "تَشَّابَهَتْ" بتشديد الشين . وقرئ : تَشَّابَهَ كذلك .
{إِن شَاءَ الله} هذا شرطٌ جوابُه محذوفٌ لدلالةِ إنْ وما في حَيِّزها عليه،والتقدير: إن شاء اللهُ هدايتَنا للبقرة اهتدَيْنا ، ولكنهم أَخرجُوه في جملةٍ اسميةٍ مؤكَّدة بحرفَيْ تأكيدٍ مبالغةً في طَلَب الهداية ، واعترضوا بالشرطِ تيمُّناً بمشيئةِ الله تعالى .
و{ لمهتدونَ } اللامُ لامُ الابتداءِ داخلةٌ على خبرِ " إنَّ " وأصلُ "مُهْتَدُون " مُهْتَدِيُون ، فأُعِلَّ بالحَذْفِ ، وهو واضحٌ مما تقدَّم .
عبد القادر الأسود
عبد القادر الأسود
أرمنازي - عضو شرف
أرمنازي - عضو شرف

عدد المساهمات : 932
نقاط : 2771
السٌّمعَة : 15
تاريخ التسجيل : 08/06/2010
العمر : 76
الموقع : http://abdalkaderaswad.spaces.live.com

http://abdalkaderaswad.wordpress.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى