منتدى مدينة أرمناز العام
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 60

اذهب الى الأسفل

الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية:  60 Empty الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 60

مُساهمة من طرف عبد القادر الأسود الأربعاء أبريل 03, 2019 6:26 am

وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا (60)

قوْلُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ} واذْكُرْ ـ يا مُحَمَّدُ، زَمَانَ " قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ"، فالخِطَابُ للنَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، ولكنَّ زَمَنَ هذا الخطابِ لا يعلمُهُ إِلَّا هوَ ـ سُبحانَهُ وتَعَالَى. والمَعْنَى: إِنَّ ربَّكَ ـ يا رَسُولَ اللهِ، قدْ أَحاطَ عِلْمُهُ بالنَّاسِ فَلا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَفْعَالِهِمُ الماضِيَةِ وَالمُسْتَقْبَلَةِ مِنَ الكُفْرِ والتَكْذِيبِ، أَيْ: أَحَاطَ بهِمْ عِلْمًا، نَقَلَهُ الإِمامُ الثَعْلَبِيُّ عَنِ أَبي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، وَبِهِ قالَ الكَلْبيُّ والرَّبيعُ بْنُ أَنَسٍ أَيْضًا ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُقاتِلٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ: أَنَّ "النَّاسِ"، هُنَا: أَهْلُ مَكَّةَ، وَإِحَاطَتُهُ بِهِمْ إِهْلَاكُهُ إِيَّاهُمْ، وعَدَ اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْ يُهْلِكَهُمْ، وَيَنْصُرَهُ عَلَيْهِمْ، وَيَفْتَحَهَا لَهُ.
وفي هَذا تَسْلِيَةٌ للنَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى حُزْنِهِ مِنْ تَكْذِيبِ قَوْمِهِ إِيَّاهُ، وَمِنْ إِمْهَالِ عُتَاةِ أَعْدَاءِ الدِّينِ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ، وَقَدْ أَوْمَأَ إلى ذَلِكَ جَعْلُ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ لَفْظَ الرَّبِّ ـ سُبْحانَهُ، مُضَافًا إِلَى ضَمِيرِ الرَّسُولِ ـ صلىَّ اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فَأَفَادَ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مَسُوقٌ مَسَاقَ التَّكْرِمَةِ لِلنَّبِيِّ ـ صَلَّ اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وَأَنَّهُ بِمَحَلِّ عِنَايَةِ اللهِ ـ تَبَارَكَ وتَعَالَى، بِهِ، إِذْ هُوَ رَبُّهُ وَهُوَ نَاصِرُهُ. فَقد ذَكَّرَهُ ربُّهُ بِوَعْدِهِ الذي قطَعَهُ على نفسِهِ المُقدَّسةِ أَنْ يَنَصْرَهُ طمأَنةً لقلبِهِ الشريفِ، وتَثْبيتًا لَهُ.
وَجاءَ هَذا التَذْكيرُ "أَحَاطَ" بِلَفْظِ الْمَاضِي لِإِفادَةِ تَحَقُّقِهِ وكَوْنِهِ. وَعَنَى بِهَذَهِ الإِحاطَةِ، والْإِهْلَاكِ الْمَوْعُودِ، مَا جَرَى يَوْمَ مَوْقِعَةِ بَدْرٍ، وَيَوْمَ فَتْحِ مكَّةَ المُكرَّمةَ.
وَقَالَ الحَسَنُ البَصْريُّ، وعُرْوَةُ، وَقَتَادَةُ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، المَعْنَى: حَالَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ النَّاسِ أَنْ يَقْتُلوكَ، لِتُبَلِّغَ رِسَالَتَهُ، فَـ "أَحَاطَ بِالنَّاسِ" أَيْ: هُمْ فِي قَبْضَتِهِ لَا يَقْدِرُونَ عَلى الخُرُوجِ عَنْ مَشِيئَتِهِ فهُوَ حَافِظُكَ مِنْهُمْ وهو مانِعُكَ، فَلا تَهَبْهُمْ وامْضِ إِلَى مَا أَمَرَكَ مَوْلَاكَ بِهِ، مِنْ تَبْلِيغِ رِسالَتِهِ، فهو كما قالَ مِنْ سُورةِ المائدَةِ: {وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} الآيَةَ: 67.
إِذًا فالآيةُ إِخْبَارٌ للنَبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِأَنَّهُ مَحْفُوظٌ مِنَ الكَفَرَةِ، آمِنٌ مِنْ شُرُورِهِمْ وأَذَاهُمْ. والمُرادُ: فَلْتُبْلِّغْ رِسَالَةَ رَبِّكَ أَيُّها النبيُّ ـ صَلَّ اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وَلَا تَتَهَيَّبْ أَحَدًا أَبَدًا مِنَ المَخْلُوقِينَ.
فَقدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنِ الْحَسَنِ البَصْرِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: "وَإِذْ قُلْنَا لَكَ أَنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ" قَالَ: عَصَمَكَ مِنَ النَّاسِ. رَوَاهُ ابنُ جَريرٍ الطَبَرِيُّ في تَفْسيرِهِ: (8/100). وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: "إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ" قَالَ: فَهُمْ فِي قَبْضَتِهِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنْ قَتَادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: "إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ" قَالَ: أَحَاطَ بِهِمْ، فَهُوَ مَانِعُكَ مِنْهُمْ، وعَاصِمُكَ حَتَّى تُبَلِّغَ رِسَالَتَهُ. وَنَحْوُ هَذَا مَا قَالَهُ الإمامُ السُّدِّيُّ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ. وَقَالَ أَيْضًا مُجاهِدٌ، وَابْنُ أَبِي نَجِيحٍ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عنْهُما: المَعْنَى: أَحاطَتْ قُدْرَتُهُ بِالنَّاسِ، فَهُمْ فِي قَبْضَتِهِ، لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ مَشِيئَتِهِ.
قوْلُهُ: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} في هَذِهِ الرُّؤْيَا ثَلاثَةُ أَقَاويلَ: أَحَدُهُا: أَنَّهَا رُؤْيَا عَيْنٍ كانتْ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ ـ عَلَيْهِ صَلاةُ اللهِ وسَلامُهُ، مِنْ مَكَّةَ إِلَى بَيْتِ المُقَدَّسِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، والحَسَنُ البَصْريُّ، وَمُجَاهِدٌ، وقَتاَدَةُ، وسَعيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وأَبُو صالحٍ، ومَسْرُوقٌ، وعِكْرِمةُ، والضَحَّاكُ، وابْنُ أَبي نَجِيحٍ، وابْنُ زَيدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، وهوَ قولُ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْها وأَرْضَاهَا، وَكَانَتِ الفِتْنَةُ ارْتَدادَ قَوْمٍ كانُوا أَسْلَمُوا حِينَ أَخْبَرَهمُ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ أُسْرِيَ بِهِ. فَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَأَحْمَدُ، وَالْبُخَارِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ ـ وصحَّحَهُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ جَريرٍ الطبَريُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَالْحَاكِمُ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ، فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فِي قَوْلِهِ: "وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً للنَّاسِ" قَالَ: هِيَ رُؤْيا عَيْنٍ، أُرِيها رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ إِلَى بَيْتِ الْمُقَدَّسِ، وَلَيْسَتْ بِرُؤْيَا مَنَامٍ، "والْشَجَرَةُ المَلْعُونَةُ فِي الْقُرْآنِ" قَالَ: هِيَ شَجَرَةُ الزَقُومِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ ـ أَيْضًا، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فِي الْآيَةِ قَالَ: هُوَ مَا رَأَى فِي بَيْتِ الْمُقَدَّسِ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ عَنْ قَتَادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: "وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فتْنَةً للنَّاسِ" يَقُولُ: أَرَاهُ مِنَ الْآيَاتِ والعِبَرِ فِي مَسِيرِهِ إِلَى بَيْتِ الْمُقَدَّسِ، ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَاسًا ارْتَدُّوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ حِينَ حَدَّثَهَمْ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمَسيرِهِ أَنْكَرُوا ذَلِكَ، وَكَذَّبُوا بِهِ، وَعَجِبُوا مِنْهُ، وَقَالُوا: أَتُحَدِّثُنا أَنَّكَ سِرْتَ مَسيرَةَ شَهْرَيْنِ فِي لَيْلَةِ وَاحِدَةٍ؟!.
الثاني: أَنَّهَا رُؤْيَا نَوْمٍ، رَأَى فِيها أَنَّهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ فِي سَنَةِ الْحُدَيْبِيَةِ، فَعَجَّلَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَبْلَ الوَقْتِ، فَرَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ فَرَجَعَ وَلَمْ يَدْخُلْهَا، فَافْتَتَنَ بَعْضُ مَنْ أَسْلَمُوا، وَقَالَ نَاسٌ قَدْ كانَ قالَ إِنَّهُ سَيَدْخُلُهَا، فَكانَتْ رَجْعَتُه فِتْنَتُهم، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ دَخَلَهَا. وهَذا مَرْوِيٌّ عَنِ العَوْفِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا. وهُوَ لا يُنَافي حَديثَ المِعْراجِ، لأَنَّ هَذَا كانَ بِالمَدينَةِ، والمِعْرَاجُ كانَ بِمَكَةَ: قالَ أَبُو سُلَيْمَان الدِّمَشْقِيِّ: وإِنَّمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رضِيَ اللهُ عَنْهُما، عَلَى وَجْهِ الزِّيادَةِ فِي الإِخْبَارِ لَنَا أَنَّ المُشْرِكِينَ بِمَكَةَ افْتُتِنُوا بِرُؤْيَا عَيْنِهِ، والمُنَافِقِينَ بِالمَدينَةِ افْتُتِنُوا بِرُؤْيَا نَوْمِهِ. وعَلَيْهِ فَيَكونُ مَعْنَى الفِتْنَةِ: الاخْتِبَارُ، فإِنَّ قَوْمًا آمَنُوا بِمَا قَالَ، وَقَوْمًا كفَرُوا. قَالَ ابْنُ الأَنْبَارِيِّ: المُخْتَارُ فِي هَذِهِ الرُّؤْيَةِ أَنْ تَكونَ يَقَظَةً، ولا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ القائلُ: رَأَيْتُ فُلانًا رُؤْيَةً، ورَأَيْتُهُ رُؤْيَا، إِلَّا أَنَّ الرُّؤْيَةَ يَقِلُّ اسْتِعْمَالُهَا فِي المَنَامِ، والرُّؤْيَا يَكْثُرُ اسْتِعْمَالُهَا فِي المَنَامِ، وَيَجُوزُ كُلُّ واحِدٍ مِنْهُمَا فِي المَعْنَيَيْنِ. وَقِيلَ: هِيَ رُؤْيَا مَصَارِعِ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ فِي بَدْرٍ أُرِيَهَا النَّبِي ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَبْلَ ذَلِكَ أَيْ بِمَكَّة. وعَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ فَهِيَ رُؤْيَا نَوْمٍ وَرُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ.
وَالْفِتْنَةُ: اضْطِرَابُ الرَّأْيِ وَاخْتِلَالُ نِظَامِ الْعَيْشِ، وَتُطْلَقُ عَلَى الْعَذَابِ الْمُكَرَّرِ الَّذِي لَا يُطَاقُ، قَالَ تَعَالَى مِنْ سُورَةِ البُرُوجِ: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ} الآيةَ: 10، وَقَالَ مِنْ سُورَةِ الذاريات: {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} الآيةَ: 13. فَيَكُونُ الْمَعْنَى عَلَى أَوَّلِ الْقَوْلَيْنِ فِي الرُّؤْيَا أَنَّهَا سَبَبَ فتْنَةِ الْمُشْرِكينَ بِازْدِيَادِ بُعْدِهِمْ عَنِ الْإِيمَانِ، وَيَكونُ عَلَى القَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْمَرْئِيُّ وَهُوَ عَذَابُهُمْ بِالسَّيْفِ فِتْنَةً لَهُمْ.
أَمَّا قَوْلَ مَنْ قَالَ: إِنَّ الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَاهُ اللهُ إِيَّاهَا هِيَ رُؤْيَاهُ فِي الْمَنَامِ بَنِي أُمَيَّةَ عَلَى مِنْبَرِهِ، وَإِنَّ الْمُرَادَ بِالشَّجَرَةِ الْمَلْعُونَةِ فِي الْقُرْآنِ بَنُو أُمَيَّةَ، فلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، إِذْ لَا أَسَاسَ لَهُ مِنَ الصِّحَّةِ، وَالْحَدِيثُ الْوَارِدُ بِذَلِكَ ضَعِيفٌ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، وَلَا إِخَالُهَا إِلَّا مِمَّا وَضَعَهُ الْوَضَّاعُونَ فِي زَمَنِ الدَّعْوَةِ الْعَبَّاسِيَّةِ لِإِكْثَارِ الْمُنَفِّرَاتِ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ، وَأَنَّ وَصْفَ الشَّجَرَةِ بِأَنَّهَا الْمَلْعُونَةُ فِي الْقُرْآنِ صَرِيحٌ فِي وُجُودِ آيَاتٍ فِي الْقُرْآنِ ذُكِرَتْ فِيهَا شَجَرَةٌ مَلْعُونَةٌ وَهِيَ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ كَمَا تقدَّمَ. وَإِنَّمَا وَصَفَ الشَّجَرَةَ بِاللَّعْنِ لِأَنَّهَا فِي أَصْلِ النَّارِ، وَأَصْلُ النَّارِ بَعِيدٌ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ، وَاللَّعْنُ: الْإِبْعَادُ عَنْ رَحْمَةِ اللهِ، أَوْ لِخُبْثِ صِفَاتِهَا الَّتِي وُصِفَتْ بِهَا فِي الْقُرْآنِ، أَوْ لِلَعْنِ الَّذِينَ يَطْعَمُونَهَا. وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى.
قولُهُ: {وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ} عَطْفٌ عَلَى الرُّؤْيَا، والشَّجَرَةُ الْمَلْعُونَةُ فِي الْقُرْآنِ، هِيَ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ. أَخْرَجَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُما، الإمامُ الْبُخَارِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ. وَالمُرَادُ بِلَعْنِهَا فِيهِ لَعْنُ طاعِمِها، عَلَى الإسْنَادِ المَجَازِيِّ، أَوْ إِبْعَادُهَا عَنِ الرَّحْمَةِ فَإِنَّها تَنْبُتُ فِي أَصْلِ الجَحِيمِ، في أَبْعَدِ مَكَانٍ مِنَ الرَّحْمَةِ أَيْ: وَمَا جَعَلْنَاهَا إِلَّا فِتْنَةً لَّهمْ حَيْثُ أَنْكَرُوا ذَلِكَ، وَقَالُوا إِنَّ مُحَمَّدًا يَزْعُمُ أَنَّ الجَحيمَ يُحْرِقُ الحِجَارَةَ، ثُمَّ يَقُولُ يَنْبُتُ فِيهَا الشَجَرُ. وَلَقَدْ ضَلُّوا فِي ذَلِكَ ضَلالًا بَعيدًا حَيْثُ كابَرُوا فَضَلَّتْ عُقُولُهم لِأَنَّها ضَاقَتْ عَنْ قَبُولِ ذَلِكَ، مُعْتَقِدَةً أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حَقًّا، قَالُوا: كَيْفَ يُصَلِّي بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَيَخْتَرِقُ السَّبْعَ الطِّبَاقَ، وَيَرَى مَا رَأَى فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَيُصْبِحُ فِي مَحِلِّهِ بِمَكَّةَ؟ هَذَا مُحَالٌ، فَكَانَ هَذَا الْأَمْرُ فِتْنَةً لَهُمْ لِعَدَمِ تَصْدِيقِهِمْ بِهِ، وَاعْتِقَادِهِمْ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ، وَأَنَّهُ ـ جَلَّ وَعَلَا، جَعَلَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ الَّتِي هِيَ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ فِتْنَةً لِلنَّاسِ، لِأَنَّهُمْ لَمَّا سَمِعُوهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقْرَأُ مِنْ سُورةِ الصَّافَّات: {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ} الْآيَةَ: 64، قَالُوا: ظَهَرَ كَذِبُهُ، لِأَنَّ الشَّجَرَ لَا يَنْبُتُ فِي الْأَرْضِ الْيَابِسَةِ، فَكَيْفَ يَنْبُتُ فِي أَصْلِ النَّارِ؟ فَصَارَ ذَلِكَ فِتْنَةً. وَبَيَّنَ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ كَوْنِ الشَّجَرَةِ الْمَذْكُورَةِ فِتْنَةً لَهُمْ بِقَوْلِهِ في الآيَاتِ: 62 ـ 64، مِنْ سورةِ الصافَّاتِ: {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ * إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ * إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ}. وَأَشَارَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إِلَى الرُّؤْيَا الَّتِي جَعَلَهَا فِتْنَةً لَهُمْ، وَهُوَ قَوْلُهُ مِنْ سُورةِ الطُّور: {أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} الآيات: 12 ـ 18. وَ "الشَّجَرَةَ" عَطْفٌ عَلَى "الرُّؤْيَا"، أَيْ مَا جَعَلْنَا ذِكْرَ الشَّجَرَةِ الْمَلْعُونَةِ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ. وَهَذَا إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى منْ سُورَةِ الصافَّاتِ: {إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ * طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّياطِينِ * فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها فَمَالِئونَ مِنْهَا الْبُطُونَ} الآياتِ: (64 ـ 66)، وَقَوْلِهِ مِنْ سُورَةِ الدُّخَانِ: {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ} الآيات: (43 ـ 46)، وَقَوْلِهِ مِنْ سُورَةِ الْوَاقِعَةِ: {إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ} الآيتانِ: (51 ـ 52). وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ الزِّبَعْرَى قَالَ: الزَّقُّومُ التَّمْرُ بِالزُّبْدِ بِلُغَةِ الْيَمَنِ، وَأَنَّ أَبَا جَهْلٍ أَمَرَ جَارِيَةً فَأَحْضَرَتْ تَمْرًا وَزُبْدًا وَقَالَ لأَصْحَابه: تَمَزْقَموا. فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ فَالْمَعْنَى: أَنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ سَبَبُ فتْنَةِ كُفْرِهِمْ وَانْصِرَافِهِمْ عَنِ الْإِيمَانِ. وَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى جَعْلِ شَجَرَةِ الزَّقُّومِ فِتْنَةً عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَنَّ ذِكْرَهَا كَانَ سَبَبَ فِتْنَةٍ بِحَذْفِ مُضَافٍ وَهُوَ ذِكْرٌ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: "الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ" لِأَنَّ مَا وُصِفَتْ بِهِ فِي آيَاتِ الْقُرْآنِ لَعْنٌ لَهَا. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: أَنَّ إِيجَادَهَا فِتْنَةٌ. أَيْ عَذَابٌ مُكَرَّرٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ} الآيَةَ: 63، مِنْ سُورَةِ الصَّافَّات.
وللعُلَمَاءِ في مَعْنَى "الملعونةَ" ثَلاثةُ أَقْوالٍ: أَحَدُهَا: المَذْمُومَةَ، قالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا. والثاني: المَلْعَون آكِلُها، ذَكَرَهُ الزَّجَّاجُ، وقالَ: إِنْ لَمْ يَكُنْ فِي القُرْآنِ ذِكْرُ لَعْنِهَا، فَفِيهِ لَعْنُ آكِليهَا، قالَ: والعَرَبُ تَقُولُ لِكُلِّ طَعَامٍ مَكْروهٍ وَضَارٍّ: مَلْعُون. فَأَمَّا قوْلُهُ تَعَالَى: "فِي الْقُرْآنِ" فالمَعْنَى: التي ذُكْرَتْ فِي القُرآنِ، وهِيَ مَذْكُورَةٌ في قَوْلِهِ تَعَالَى المُتقدِّمِ مِنْ سورةِ الدُخان: {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ * طَعامُ الْأَثِيمِ} الآيتان: (43 و 44). والثالثُ: أَنَّ مَعْنَى "المَلْعُونَةَ": المُبْعَدَةَ عَنْ مَنَازِلِ أَهْلِ الفَضْلِ، ذَكَرَهُ ابْنُ الأَنْبَارِيِّ. والقولُ الثاني: أَنَّ الشَجَرَةَ المَلْعُونَةَ هِي التي تَلْتَوي عَلَى الشَجَرِ، وهَذَا مَرْوِيٌّ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما.
قولُهُ: {وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا} عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ} [الْإِسْرَاء: 59] الدَّالُّ عَلَى أَنَّهُمْ مُتَصَلِّبُونَ فِي كُفْرِهِمْ مُكَابِرُونَ مُعَانِدُونَ. وَهَذِهِ زِيَادَةٌ فِي تَسْلِيَة النبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى لَا يَأْسَفَ مِنْ أَنَّ اللهَ لَمْ يُرِهِمْ آيَاتٍ، لِأَن النبيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَرِيصٌ عَلَى إِيمَانِهِمْ، كَمَا قَالَ مُوسَى ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، {فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ} الآية:88، مِنْ سورةِ يُونُس.
وَجِيء بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ فِي نُخَوِّفُهُمْ لِلْإِشَارَةِ إِلَى تَخْوِيفٍ حَاضِرٍ، فَإِنَّ اللَّهَ خَوَّفَهُمْ بِالْقَحْطِ وَالْجُوعِ حَتَّى رَأَوُا الدُّخَانَ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَسَأَلُوا اللهَ كَشْفَهُ فَقَالَ تَعَالَى في الآيةِ: 15، مِنْ سورةِ الدُّخان: {إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عائِدُونَ}. فَذَلِكَ وَغَيْرُهُ مِنَ التَّخْوِيفِ الَّذِي سُبِقَ فَلَمْ يَزِدْهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا. فَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي مُدَّةِ حُصُولِ بَعْضِ الْمُخَوِّفَاتِ. وَقَدِ اخْتِيرَ الْفِعْلُ الْمُضَارِعُ فِي نُخَوِّفُهُمْ ويَزِيدُهُمْ لِاقْتِضَائِهِ تَكَرُّرَ التَّخْوِيفِ وَتَجَدُّدَهُ، وَأَنَّهُ كُلَّمَا تَجَدَّدَ التَّخْوِيفُ تَجَدَّدَ طُغْيَانُهُمْ وَعَظُمَ.
وقالَ ابْنُ الأَنْبَارِيِّ: مَفْعُولُ "نُخوِّفهم" مَحْذوفٌ، والتقديرُ: وَنُخَوِّفُهُمُ العَذَابَ، فَمَا يَزِيدُهُمْ، أَيْ: فَمَا يَزيدُهُمُ التَّخْويفُ إِلَّا طُغْيانًا. والطُغيانُ: هو تَجَاوُزُ الحَدِّ. وَوصْفُهُ بِالْكَبِيرِ: مُسْتَعَارٌ لِمَعْنَى الْقَوِيِّ الشَّدِيدِ فِي نَوْعِ الطُّغْيَانِ.
وَفي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ المُباركةِ، أَخْرَجَ سَعيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبي مَالِكٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: "وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ" قَالَ: هو مَا أُرِيَهُ ـ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، فِي طَرِيقِهِ إِلَى بَيْتِ الْمُقَدَّسِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ إِسْحَقَ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، عَنِ الْحَسَنِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَصْبَحَ يُحَدِّثُ بِذَلِكَ، فَكَذَّبِ بِهِ أُنَاسٌ، فَأَنْزَلَ اللهُ تعالى فِي مَنِ ارْتَدَّ عنْ دينِهِ مِنْهمْ: "وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً للنَّاسِ". وَأَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ، وَأَبُو يَعْلَى، وَابْنُ عَسَاكِرَ، عَنْ أُمِّ هَانِئ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمَّا أُسْرِيَ بِهِ، أَصْبَحَ يُحَدِّثُ نَفَرًا مِنْ قُرَيْشٍ، وَهُمْ يَسْتَهْزِئونَ بِهِ، فَطَلَبُوا مِنْهُ آيَةً، فَوَصَفَ لَهُم بَيْتَ الْمُقَدَّسِ، وَذَكَرَ لَهُم قِصَّةَ العِيرِ. فَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغيرَةِ: هَذَا سَاحِرٌ. فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: "وَمَا جعلنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فتْنَةً للنَّاسِ".
قوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذْ قُلْنَا لَكَ} الواوُ: استئنافية، و "إِذْ" ظَرْفٌ لِمَا مَضَى مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذوفٍ، والتقديرُ: واذْكُرْ لِقَوْمِكَ قِصَّةَ إِذْ قُلْنَا لَكَ. وَ "قُلْنا" فِعْلٌ ماضٍ مَبْنيٌّ عَلى السُّكونِ لاتِّصالِهِ بضميرِ رفعٍ متحرِّكٌ هو "نا" المُعظِّمِ نفسَهُ ـ سُبحانَهُ، و "نا" التَعْظِيمِ ضميرٌ متَّصِلٌ بهِ مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ الرفعِ فاعِلُهُ. و "لَكَ" اللامُ: حَرْفُ جَرٍّ، مُتَعَلِّقٌ بِـ "قُلْنا". وكافُ الخطابِ ضميرٌ مُسْتتِرٌ بِهِ في محلِّ الجرِّ بحرفِ الجرِّ. والجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ الجَرِّ بإِضافةِ "إِذْ" إِلَيْها.
قولُهُ: {إِنَّ رَبَّكَ} إِنَّ: حرفٌ نَاصِبٌ ناسخٌ مُشَبَّهٌ بالفعلِ للتوكيدِ. و "رَبَّكَ" اسْمُ "إِنَّ" منصوبٌ بها، مُضافٌ، وكافُ الخطابِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجرِّ بالإضافةِ إلَيْهِ. والجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ بالقَوْلِ لـ "قُلْنا".
قولُهُ: {أَحَاطَ بِالنَّاسِ} أَحَاطَ: فِعْلٌ مَاضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الفتْحِ، وفاعِلُهُ مُسْتَتِرٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ (هوَ) يعودُ على "ربَّك" سُبْحانَهُ وتَعَالَى. و "بِالنَّاسِ" الباءُ: حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ " أَحَاطَ"، و "النَّاسِ" مجرورٌ بحرْفِ الجَرِّ. والجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ خَبَرًا لِـ "إِنَّ".
قوْلُهُ: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا} الواوُ: اسْتِئْنافِيَّةٌ، و "ما" نَافِيَةٌ. و "جَعَلْنَا" فِعْلٌ ماضٍ مَبْنيٌّ عَلى السُّكونِ لاتِّصالِهِ بضميرِ رفعٍ متحرِّكٌ هوَ "نَا" المُعَظِّمِ نَفْسَهُ ـ سُبْحانَهُ، وَ "نَا" التَعْظِيمِ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ فَاعِلُهُ. و "الرُّؤْيَا" مَفْعُولٌ بِهِ منصوبٌ أَوَّلُ، وعلامةُ نَصْبِهِ الفتْحةُ المُقدَّرةُ على آخِرِهِ لِتَعَذُّرِ ظهورها على الألِفِ. الَّتِي: اسْمٌ مَوْصُولٌ مبنيٌّ على السُّكونِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ صِفَةً لِـ "الرُّؤْيَا". والجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
قوْلُهُ: {أَرَيْنَاكَ} أَرَيْناكَ: فِعْلٌ ماضٍ مَبْنيٌّ عَلى السُّكونِ لاتِّصالِهِ بضميرِ رفعٍ متحرِّكٌ هوَ "نَا" المُعَظِّمِ نَفْسَهُ ـ سُبْحانَهُ، وَ "نَا" التَعْظِيمِ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ فَاعِلُهُ، وكافُ الخِطَابِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ النَّصْبِ مَفْعُولٌ بِهِ أَوَّلُ، والمَفْعُولُ الثاني مَحْذوفٌ، والتقديرُ: أَرَيْنَاكَهَا، وَهُوَ العائدُ عَلى الاسْمِ المَوْصُولِ "التي". وَجُمْلَةُ "أَرَيْناكَ" صِلَةُ المَوْصُولِ لا محلَّ لها مِنَ الإعراب.
قولُهُ: {إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} إِلَّا: أَداةُ اسْتِثْنَاءٍ مُفَرِّغٍ (أَداةُ حَصْرٍ) و "فِتْنَةً" مَفْعُولٌ بهِ ثانٍ لِـ "جَعَلْنَا" منصوبٌ بِهِ. وَ "لِلنَّاسِ" اللامُ: حرفُ جرٍّ متعلِّقٌ بِصِفَةٍ لِـ "فِتْنَةً"، و "الناسِ" مَجْرُورٌ بِحرفِ الجَرِّ.
قوْلُهُ: {وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ} الوَاوُ: حرفٌ للعَطْفِ، و "الشَّجَرَةَ" اسمٌ مَعْطُوفٌ عَلَى "الرُّؤْيَا"، مَنْصُوبٌ مِثْلُهُ. وَ "الْمَلْعُونَةَ" صِفَةٌ لِـ "الشَّجَرَةَ" مَنْصُوبٌ مثلَهُ. وَ "فِي" حرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِحَالٍ مِنَ "الشَّجَرَةَ"، والتقديرُ: والشَجَرَةَ المَلْعُونَةَ حَالَةَ كَوْنِهَا مَذْكُورَةً فِي القُرْآنِ، وَ "الْقُرْآنِ" لَفْظٌ مَجْرُورٌ بِحَرْفِ الجَرِّ.
قولُهُ: {وَنُخَوِّفُهُمْ} الواوُ: اسْتِئْنَافِيَّةٌ، و "نُخَوِّفُهُمْ" فِعْلٌ مُضارعٌ مرفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ والجازِمِ، وَفَاعِلُهُ ضَميرٌ مُسْتَتِرٌ فيهِ وُجوبًا تقديرُهُ (نحن) يَعُودُ عَلَى اللهِ ـ تَعَالى، والهاءُ: ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ النصْبِ، مَفْعُولٌ بِهِ، والميمُ: علامةُ تذْكيرِ الجمعِ، والجُمْلَةُ الفعليَّةُ هذِهِ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
قولُهُ: {فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا} الفاءُ: حرفَ عَطْفٍ وترتيبٍ، و "ما" نَافِيَةٌ. و "يَزِيدُهُمْ" فِعْلٌ مُضارعٌ مرفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ والجازِمِ، وَفَاعِلُهُ ضَميرٌ مُسْتَتِرٌ فيهِ جَوازًا تَقْديرُهُ (هو) يَعُودُ عَلَى التخويفِ، والهاءُ: ضَمِيرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ النصْبِ، مَفْعُولٌ بِهِ أوَّلُ، والميمُ: علامةُ تذْكيرِ الجمعِ. و "إِلَّا" أَداةُ اسْتِثْنَاءٍ مُفَرِّغٍ (أداةُ حَصْرٍ) و "طُغْيانًا" مَفْعُولُهُ الثاني منصوبٌ بِهِ. و "كَبِيرًا" صِفَتُهُ منصوبةٌ مثلُهُ، والجمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هذِهِ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ "نُخَوِّفُ" على كونِها مُسْتَأْنَفَةً لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعْرابِ.
قَرَأَ العَامَّةُ: {وَالشَجَرَةَ} بِنَصْبِها نَسَقًاً عًلَى "الرُّؤْيَا"، وَ "المَلْعُونَةَ" نَعْتٌ لها، قِيلَ: هوَ مَجَازٌ؛ إِذِ المُرادُ: المَلْعُونُ طاعِمُوها؛ لأَنَّ الشَجَرَةَ لَا ذَنْبَ لَهَا، وَهِيَ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ. وَقِيلَ: بَلْ هو نعتٌ لَهَا عَلَى الحَقِيقَةِ. ولَعْنُهُا: إِبْعَادُها مِنْ رَحْمَةِ اللهِ، لأَنَّهَا تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الجَحِيمِ. وَقَرأَ زَيدُ ابْنُ عَلِيٍّ "والشَجَرَةُ" بِرَفْعِها عَلَى الابْتِداءِ. وَفِي خَبَرِهِ احْتِمَالانِ، أَحَدُهُمَا: هوَ مَحْذُوفٌ، أَيْ: فِتْنَة. والثاني: أَنَّهُ قوْلُهُ "فِي القُرْآنِ"، قَالَهُ أَبُو البَقَاءِ العُكْبُريُّ، وَلَيْسَ بِذَاكَ.
قَرَأَ العامَّةِ: {ونُخَوِّفُهم} بِنُونِ العَظَمَةِ، وَقَرَأَ الأَعْمَشُ "ويُخَوِّفُهُمْ" بِيَاءِ الغَيْبَةِ.

عبد القادر الأسود
عبد القادر الأسود
أرمنازي - عضو شرف
أرمنازي - عضو شرف

عدد المساهمات : 932
نقاط : 2771
السٌّمعَة : 15
تاريخ التسجيل : 08/06/2010
العمر : 76
الموقع : http://abdalkaderaswad.spaces.live.com

http://abdalkaderaswad.wordpress.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى