الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 67
منتدى مدينة أرمناز العام :: المنتدى الخاص بشاعر أرمناز الكبير الأستاذ عبدالقادر الأسود :: البحوث والدراسات والمقالات النثرية
صفحة 1 من اصل 1
الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 67
وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا (67)
قولُهُ ـ تَعَالى شَأْنُهُ: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ} وَإِذَا مَسَّكُمُ: قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رضِيَ اللهُ عنهُما: يُريدُ يَا مَعْشَرَ المُشْرِكِينَ، يَعْنِي أَنَّ الخِطَابَ للمُشْرِكينَ، وَفُسِّرَ الضُرُّ هَهُنَا بِالغَرَقِ. وَضُرُّ الْبَحْرِ: هُوَ الْإِشْرَافُ عَلَى الْغَرَقِ لِأَنَّهُ يُزْعِجُ النُّفُوسَ خَوْفًا، فَهُوَ ضُرٌّ لَهَا. وهذا دَلِيلٌ آخَرُ مِنْ أَحْوَالِهِمُ الْمُتَضَمِّنَةِ إِقْرَارَهُمْ بِانْفِرَادِهِ بِالتَّصَرُّفِ ثُمَّ بِالتَّعْجِيبِ مِنْ مُنَاقَضَةِ أَنْفُسِهِمْ عِنْدَ زَوَالِ اضْطِرَارِهِمْ.
قولُهُ: {ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ} ضَلَّ: أَيْ: زَالَ، وَبَطَلَ، وَتَلِفَ، وَفُقِدَ، كلُّ مَنْ تَدْعُونَ مِنْ الآلِهَةِ المزيَّفةِ التي تَجْعَلونَها شُرَكاءَ للهِ ـ تَعَالى في العبادةِ. وَذَهَبَ عَنْ خَوَاطِرِكم مَا كُنْتُمْ تَدَّعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ، مِنَ المَلائِكَةِ ـ عَلَيْهِمُ السَّلامُ، أَوِ المَسيحِ ـ عليهِ الصلاةُ والسَّلامُ، أَوْ غَيْرِهِم. وَهِيَ عِبَارَةُ تَحْقِيرٍ لِمَنْ يَدَّعِي أَنَّ لَهُ إِلَهًا مِنْ دُونِ اللهِ. قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، المعنى: نَسيتُمُ اتَّخاذَ الأَنْدَادِ والشُرَكاءِ وتَرَكْتُمُوهم، وأَخْلَصْتُمْ للهِ ـ تَعَالَى.
قولُهُ: {إِلَّا إِيَّاهُ} أَيْ: إِلَّا اللهَ تَعَالى، وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخْطُرَ بِبَالِكُمْ أَحَدٌ مِنْهُمْ، وَتدْعُوهُ لِكَشْفِهِ اسْتِقْلالًا، أَوِ اشْتِرَاكًا، أَوْ ضَلَّ كُلُّ مَنْ تَدْعُونَهُ ليُغِيثَكمْ ويُنْقِذَكم ممَّا أنتمْ فيهِ، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ أحدٌ غيرُ اللهِ ـ تَعالى، عَلَى الاسْتِثْنَاءِ المُنْقَطِعِ، وَ "إِيَّاهُ" اسْتِثْناءٌ بَعْدَ الإِيجابِ، فَيَكُونُ مَوْضِعُهُ النَّصْبَ، كَمَا تَقُولُ: بَطَلَتِ الآلِهَةُ إِلَّا اللهُ، فإِنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْدَرِجْ فِيمَا ذُكِرَ، إِذِ المُرادُ بِهِ آلِهَتُهم مِنْ دُونِ اللهِ. أَوْ أَنَّهُ استثْناءٌ مُتَّصِلٌ؛ لأَنَّهمْ كانُوا يَلْجَؤونَ إِلَى آلِهَتِهم وَإِلَى اللهِ تَعَالَى.
قولُهُ: {فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ} أيْ: فلما نجَّاكم مِنَ الغَرَقِ فِي البَحْرِ وأَخْرَجَكمْ إِلى البَرِّ، وأَصْبَحْتُمْ في مَأْمَنٍ "أَعْرَضْتُمْ" أَيْ: عَنِ الإيمانِ والتَوْحِيدِ وَالإِخْلاصِ للهِ ـ تَعَالى، ورَجَعْتُمْ إِلى عِبَادَةِ الأَوْثانِ. وَتَرَكْتُمُ الدُّعاءَ والتَّضَرُّعَ إلى اللهَ، واتَّسَعْتُمْ في كُفْرانِ نِعَمِهِ ـ جَلَّ وَعَزَّ. وَالْإِعْرَاضُ: معناهُ التَّرْكُ، أَيْ تَرَكْتُمْ دُعَاءَ اللهِ، بِقَرِينَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ مُقْتَضَى الْمُضَارِعِ مِنْ إِفَادَةِ التَّجَدُّدِ، وَبَيْنَ مُقْتَضَى الِاسْتِثْنَاءِ مِنِ انْحِصَارِ الدُّعَاءِ فِي الْكَوْنِ بِاسْمِهِ تَعَالَى.
قولُهُ: {وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا} اعْتِرَاضٌ وَتَذْيِيلٌ لِزِيَادَةِ التَّعَجُّبِ مِنْهُمْ وَمِنْ أَمْثَالِهِمْ. أَيْ: وكانَ الإنْسَانُ كافرًا كَفُورًا بِأَنْعُمِ اللهِ. فَقَدْ جُبِلَ الإِنْسانُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا أَصَابَتْهُ نِقْمَةٌ، أَوْ نَزَلَتْ بِهِ مِحْنَةٌ فَزِعَ إِلى اللهِ لِيَدْفَعَهَا عَنْهُ، حَتَّى يَعْتَقِدَ مَنْ رآهُ في ضَرَاعَتِهِ وخُضُوعِهِ، وتَذَلُّلِهِ وخُشُوعِهِ أَنَّهُ لَنْ يَعُودَ بَعْدَها إِلَى مَا يُغْضِبُ اللهَ البتَّةَ، فإِذا أَزَاحَ اللهُ عَنْهُ تَلْكَ النّازلَةِ، وكَشَفَ تِلْكَ المِحْنَةِ، عادَ إِلَى مَا عَنْهُ تَابَ، كَأَنَّهُ لَمْ يَمْسَسْهُ ضُرٌّ أَبَدًا، وَقَدْ أَنْشَدُوا فِي هَذَا المَعْنَى قولَ الشاعِرِ:
فَكَمْ قدْ جَهِلْتُمْ، ثمَّ عُدْنا بِحِلْمِنَا، ......... أَحِبَّاءَنَا: كَمْ تَجْهَلُونَ وَنَحْلُمُ
وَ "الْكَفُورُ" صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ، أَيْ كَثِيرُ الْكُفْرِ. وَالْكُفْرُ ضِدُّ الشُّكْرِ. قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رضِيَ اللهُ عنهما: يُريدُ أَهْلَ مَكَّةَ. تَنْوير المِقْبَاسِ تفسيرِ ابْنِ عبَّاسٍ: (ص: 303). وَقَالَ أَبُو إِسْحاقٍ الزَّجَّاجُ: الإنْسانُ هَهُنَا يَعْني بِهِ الكُفَّارَ خَاصَّةً. مَعاني القُرْآنِ وَإِعْرابُه لَهُ: (3/251).
قولُهُ تَعَالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ} الواوُ: عَاطِفَةٌ. و "إِذا" ظَرْفٌ لِمَا يُسْتَقْبَلُ مِنَ الزَّمانِ خافضٌ لِشَرْطِهِ مُتَعَلِّقٌ بجوابِهِ، مَبْنِيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ النَّصْبِ مُتَعَلِّقٌ بِـ "ضَلَّ"، وَ "مَسَّكُمُ" فِعْلٌ ماضٍ مَبْنيٌّ على الفتْحِ، وكافُ الخطابِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ النَّصْبِ مَفْعُولٌ بِهِ، والميمُ للجمعِ المُذكَّرِ، و "الضُّرُّ" فَاعِلُهُ مرفوعٌ بِهِ، والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هذهِ فِي مَحَلِّ الخَفْضِ بِإِضَافَةِ "إِذا" إِلَيْهَا عَلَى كَوْنِهَا فِعْلَ شَرْطٍ لَهَا. وَ "فِي" حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِحَالٍ مِنْ كافِ المُخاطَبِينَ، والتقديرُ: حَالَةَ كَوْنِكِمْ فِي البَحْرِ. وَ "الْبَحْرِ" مَجْرورٌ بِحَرْفِ الجَرِّ.
قولُهُ: {ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ} ضَلَّ: فِعْلٌ مَاضٍ مبنيٌّ على الفتْحِ. و "مَنْ" اسْمٌ مَوْصُولٌ بمعنى "الذي" مبنيٌّ على السُّكونِ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ فاعِلُ "ضَلَّ"، وَ "تَدْعُونَ" فعلٌ مُضارعٌ مرفوعٌ لتجرُّدِهِ منَ الناصِبِ والجازِمِ، وعلامةُ رفعِهِ ثباتُ النونِ في آخرِهِ لأنَّهُ مِنَ الأَفعالِ الخمسَةِ، وواوُ الجماعةِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ الرفعِ فاعلُهُ. والجُمْلَةُ صِلَةُ "مَنْ" المَوْصُولَةِ، والعائدُ مَحْذوفٌ والتَقْديرُ: مَنْ تَدْعُونَهُ. و "إِلَّا" أَدَاةُ اسْتِثْنَاءٍ. و "إِيَّاهُ" ضَمِيرٌ مُنْفَصِلٌ مَبْنِيٌّ عَلى الضَمِّ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى الاسْتِثْنَاءِ مِنْ "مَنْ" المَوْصُولَةِ، وجُمْلَةُ "ضَلَّ" جَوَابُ "إِذا" لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرابِ، وَجُمْلَةُ "إِذَا" مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ قَوْلِهِ: {رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ} عَلَى كونِها مُسْتَأْنَفَةً لا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
قولُهُ: {فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ} الفاءُ: عَاطِفَةٌ عَلَى مَحْذوفٍ، والتَقديرُ: وَلَمَّا دَعَوْتُمُوهُ تَعَالى نَجَّاكُمْ إِلَى البَرِّ. و "لمَّا" ظرفيَّةٌ بمعنى حِينَ شَرْطيَّةٌ غَيْرُ جَازِمَةِ مُتَعَلِّقَةٌ بـ "أَعْرَضْتُمْ". و "نَجَّاكُمْ" فِعْلٌ ماضٍ مَبْنيٌّ عَلىِ الفتحِ المُقدَّرِ عَلَى آخرِهِ لِتَعَذُّرِ ظُهورِهِ على الأَلِفِ، وفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتترٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ (هو) يَعُودُ عَلَى اللهِ ـ تَعَالَى، وكافُ الخِطَابِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ النَّصْبِ مَفْعُولٌ بِهِ. والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ فِعْلُ شَرْطِ لِـ "لَمَّا" لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرَابِ. و "إِلَى" حرفُ جَرٍّ متعَلِّقٌ بِحالٍ مِنْ ضَميرِ المُخَاطَبِينَ؛ أَيٍ: حَالَة كَوْنِكُمْ، وَاصِلِينَ إِلَى البَرِّ، أَوْ يَتَعَلَّقُ بِـ "نَجَّاكُمْ"، و "الْبَرِّ" مَجْرُورٌ بحرفِ الجَرِّ. و "أَعْرَضْتُمْ" فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ لاتِّصالِهِ بضميرِ رَفْعٍ مُتَحَرِّكٍ هوَ تاءُ الفَاعِلِ، وتاءُ الفاعِلِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ عَلَى الضمِّ في محلِّ الرَّفْعِ بالفاعِليَّةِ، والميمُ للجمعِ المُذكَّرِ، والجُمْلَةُ جَوَابُ "لَمَّا" لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرابِ، وجُمْلَةُ "لَمَّا" مَعْطُوفَةٌ عَلَى تِلْكَ الجُمْلَةِ المَحْذوفَةِ.
قولُهُ: {وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا} الواوُ: اسْتِئْنَافِيَّةٌ. و "كانَ" فعلٌ ماضٍ ناقصٌ مبنيٌّ على الفتحِ. و "الْإِنْسانُ" اسْمُ "كانَ" مرفوعٌ بها. و "كَفُورًا" خَبَرُها منصوبٌ بها، والجملةُ مُسْتَأْنَفَةٌ مَسُوقَةٌ لِتَعْلِيلِ جملةَ قَوْلِهِ: "أَعْرَضْتُمْ" فلا محلَّ لها مِنَ الإِعْرابِ.
قولُهُ ـ تَعَالى شَأْنُهُ: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ} وَإِذَا مَسَّكُمُ: قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رضِيَ اللهُ عنهُما: يُريدُ يَا مَعْشَرَ المُشْرِكِينَ، يَعْنِي أَنَّ الخِطَابَ للمُشْرِكينَ، وَفُسِّرَ الضُرُّ هَهُنَا بِالغَرَقِ. وَضُرُّ الْبَحْرِ: هُوَ الْإِشْرَافُ عَلَى الْغَرَقِ لِأَنَّهُ يُزْعِجُ النُّفُوسَ خَوْفًا، فَهُوَ ضُرٌّ لَهَا. وهذا دَلِيلٌ آخَرُ مِنْ أَحْوَالِهِمُ الْمُتَضَمِّنَةِ إِقْرَارَهُمْ بِانْفِرَادِهِ بِالتَّصَرُّفِ ثُمَّ بِالتَّعْجِيبِ مِنْ مُنَاقَضَةِ أَنْفُسِهِمْ عِنْدَ زَوَالِ اضْطِرَارِهِمْ.
قولُهُ: {ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ} ضَلَّ: أَيْ: زَالَ، وَبَطَلَ، وَتَلِفَ، وَفُقِدَ، كلُّ مَنْ تَدْعُونَ مِنْ الآلِهَةِ المزيَّفةِ التي تَجْعَلونَها شُرَكاءَ للهِ ـ تَعَالى في العبادةِ. وَذَهَبَ عَنْ خَوَاطِرِكم مَا كُنْتُمْ تَدَّعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ، مِنَ المَلائِكَةِ ـ عَلَيْهِمُ السَّلامُ، أَوِ المَسيحِ ـ عليهِ الصلاةُ والسَّلامُ، أَوْ غَيْرِهِم. وَهِيَ عِبَارَةُ تَحْقِيرٍ لِمَنْ يَدَّعِي أَنَّ لَهُ إِلَهًا مِنْ دُونِ اللهِ. قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، المعنى: نَسيتُمُ اتَّخاذَ الأَنْدَادِ والشُرَكاءِ وتَرَكْتُمُوهم، وأَخْلَصْتُمْ للهِ ـ تَعَالَى.
قولُهُ: {إِلَّا إِيَّاهُ} أَيْ: إِلَّا اللهَ تَعَالى، وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخْطُرَ بِبَالِكُمْ أَحَدٌ مِنْهُمْ، وَتدْعُوهُ لِكَشْفِهِ اسْتِقْلالًا، أَوِ اشْتِرَاكًا، أَوْ ضَلَّ كُلُّ مَنْ تَدْعُونَهُ ليُغِيثَكمْ ويُنْقِذَكم ممَّا أنتمْ فيهِ، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ أحدٌ غيرُ اللهِ ـ تَعالى، عَلَى الاسْتِثْنَاءِ المُنْقَطِعِ، وَ "إِيَّاهُ" اسْتِثْناءٌ بَعْدَ الإِيجابِ، فَيَكُونُ مَوْضِعُهُ النَّصْبَ، كَمَا تَقُولُ: بَطَلَتِ الآلِهَةُ إِلَّا اللهُ، فإِنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْدَرِجْ فِيمَا ذُكِرَ، إِذِ المُرادُ بِهِ آلِهَتُهم مِنْ دُونِ اللهِ. أَوْ أَنَّهُ استثْناءٌ مُتَّصِلٌ؛ لأَنَّهمْ كانُوا يَلْجَؤونَ إِلَى آلِهَتِهم وَإِلَى اللهِ تَعَالَى.
قولُهُ: {فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ} أيْ: فلما نجَّاكم مِنَ الغَرَقِ فِي البَحْرِ وأَخْرَجَكمْ إِلى البَرِّ، وأَصْبَحْتُمْ في مَأْمَنٍ "أَعْرَضْتُمْ" أَيْ: عَنِ الإيمانِ والتَوْحِيدِ وَالإِخْلاصِ للهِ ـ تَعَالى، ورَجَعْتُمْ إِلى عِبَادَةِ الأَوْثانِ. وَتَرَكْتُمُ الدُّعاءَ والتَّضَرُّعَ إلى اللهَ، واتَّسَعْتُمْ في كُفْرانِ نِعَمِهِ ـ جَلَّ وَعَزَّ. وَالْإِعْرَاضُ: معناهُ التَّرْكُ، أَيْ تَرَكْتُمْ دُعَاءَ اللهِ، بِقَرِينَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ مُقْتَضَى الْمُضَارِعِ مِنْ إِفَادَةِ التَّجَدُّدِ، وَبَيْنَ مُقْتَضَى الِاسْتِثْنَاءِ مِنِ انْحِصَارِ الدُّعَاءِ فِي الْكَوْنِ بِاسْمِهِ تَعَالَى.
قولُهُ: {وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا} اعْتِرَاضٌ وَتَذْيِيلٌ لِزِيَادَةِ التَّعَجُّبِ مِنْهُمْ وَمِنْ أَمْثَالِهِمْ. أَيْ: وكانَ الإنْسَانُ كافرًا كَفُورًا بِأَنْعُمِ اللهِ. فَقَدْ جُبِلَ الإِنْسانُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا أَصَابَتْهُ نِقْمَةٌ، أَوْ نَزَلَتْ بِهِ مِحْنَةٌ فَزِعَ إِلى اللهِ لِيَدْفَعَهَا عَنْهُ، حَتَّى يَعْتَقِدَ مَنْ رآهُ في ضَرَاعَتِهِ وخُضُوعِهِ، وتَذَلُّلِهِ وخُشُوعِهِ أَنَّهُ لَنْ يَعُودَ بَعْدَها إِلَى مَا يُغْضِبُ اللهَ البتَّةَ، فإِذا أَزَاحَ اللهُ عَنْهُ تَلْكَ النّازلَةِ، وكَشَفَ تِلْكَ المِحْنَةِ، عادَ إِلَى مَا عَنْهُ تَابَ، كَأَنَّهُ لَمْ يَمْسَسْهُ ضُرٌّ أَبَدًا، وَقَدْ أَنْشَدُوا فِي هَذَا المَعْنَى قولَ الشاعِرِ:
فَكَمْ قدْ جَهِلْتُمْ، ثمَّ عُدْنا بِحِلْمِنَا، ......... أَحِبَّاءَنَا: كَمْ تَجْهَلُونَ وَنَحْلُمُ
وَ "الْكَفُورُ" صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ، أَيْ كَثِيرُ الْكُفْرِ. وَالْكُفْرُ ضِدُّ الشُّكْرِ. قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رضِيَ اللهُ عنهما: يُريدُ أَهْلَ مَكَّةَ. تَنْوير المِقْبَاسِ تفسيرِ ابْنِ عبَّاسٍ: (ص: 303). وَقَالَ أَبُو إِسْحاقٍ الزَّجَّاجُ: الإنْسانُ هَهُنَا يَعْني بِهِ الكُفَّارَ خَاصَّةً. مَعاني القُرْآنِ وَإِعْرابُه لَهُ: (3/251).
قولُهُ تَعَالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ} الواوُ: عَاطِفَةٌ. و "إِذا" ظَرْفٌ لِمَا يُسْتَقْبَلُ مِنَ الزَّمانِ خافضٌ لِشَرْطِهِ مُتَعَلِّقٌ بجوابِهِ، مَبْنِيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ النَّصْبِ مُتَعَلِّقٌ بِـ "ضَلَّ"، وَ "مَسَّكُمُ" فِعْلٌ ماضٍ مَبْنيٌّ على الفتْحِ، وكافُ الخطابِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ النَّصْبِ مَفْعُولٌ بِهِ، والميمُ للجمعِ المُذكَّرِ، و "الضُّرُّ" فَاعِلُهُ مرفوعٌ بِهِ، والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هذهِ فِي مَحَلِّ الخَفْضِ بِإِضَافَةِ "إِذا" إِلَيْهَا عَلَى كَوْنِهَا فِعْلَ شَرْطٍ لَهَا. وَ "فِي" حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِحَالٍ مِنْ كافِ المُخاطَبِينَ، والتقديرُ: حَالَةَ كَوْنِكِمْ فِي البَحْرِ. وَ "الْبَحْرِ" مَجْرورٌ بِحَرْفِ الجَرِّ.
قولُهُ: {ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ} ضَلَّ: فِعْلٌ مَاضٍ مبنيٌّ على الفتْحِ. و "مَنْ" اسْمٌ مَوْصُولٌ بمعنى "الذي" مبنيٌّ على السُّكونِ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ فاعِلُ "ضَلَّ"، وَ "تَدْعُونَ" فعلٌ مُضارعٌ مرفوعٌ لتجرُّدِهِ منَ الناصِبِ والجازِمِ، وعلامةُ رفعِهِ ثباتُ النونِ في آخرِهِ لأنَّهُ مِنَ الأَفعالِ الخمسَةِ، وواوُ الجماعةِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ الرفعِ فاعلُهُ. والجُمْلَةُ صِلَةُ "مَنْ" المَوْصُولَةِ، والعائدُ مَحْذوفٌ والتَقْديرُ: مَنْ تَدْعُونَهُ. و "إِلَّا" أَدَاةُ اسْتِثْنَاءٍ. و "إِيَّاهُ" ضَمِيرٌ مُنْفَصِلٌ مَبْنِيٌّ عَلى الضَمِّ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى الاسْتِثْنَاءِ مِنْ "مَنْ" المَوْصُولَةِ، وجُمْلَةُ "ضَلَّ" جَوَابُ "إِذا" لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرابِ، وَجُمْلَةُ "إِذَا" مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ قَوْلِهِ: {رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ} عَلَى كونِها مُسْتَأْنَفَةً لا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
قولُهُ: {فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ} الفاءُ: عَاطِفَةٌ عَلَى مَحْذوفٍ، والتَقديرُ: وَلَمَّا دَعَوْتُمُوهُ تَعَالى نَجَّاكُمْ إِلَى البَرِّ. و "لمَّا" ظرفيَّةٌ بمعنى حِينَ شَرْطيَّةٌ غَيْرُ جَازِمَةِ مُتَعَلِّقَةٌ بـ "أَعْرَضْتُمْ". و "نَجَّاكُمْ" فِعْلٌ ماضٍ مَبْنيٌّ عَلىِ الفتحِ المُقدَّرِ عَلَى آخرِهِ لِتَعَذُّرِ ظُهورِهِ على الأَلِفِ، وفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتترٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ (هو) يَعُودُ عَلَى اللهِ ـ تَعَالَى، وكافُ الخِطَابِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ النَّصْبِ مَفْعُولٌ بِهِ. والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ فِعْلُ شَرْطِ لِـ "لَمَّا" لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرَابِ. و "إِلَى" حرفُ جَرٍّ متعَلِّقٌ بِحالٍ مِنْ ضَميرِ المُخَاطَبِينَ؛ أَيٍ: حَالَة كَوْنِكُمْ، وَاصِلِينَ إِلَى البَرِّ، أَوْ يَتَعَلَّقُ بِـ "نَجَّاكُمْ"، و "الْبَرِّ" مَجْرُورٌ بحرفِ الجَرِّ. و "أَعْرَضْتُمْ" فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ لاتِّصالِهِ بضميرِ رَفْعٍ مُتَحَرِّكٍ هوَ تاءُ الفَاعِلِ، وتاءُ الفاعِلِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ عَلَى الضمِّ في محلِّ الرَّفْعِ بالفاعِليَّةِ، والميمُ للجمعِ المُذكَّرِ، والجُمْلَةُ جَوَابُ "لَمَّا" لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرابِ، وجُمْلَةُ "لَمَّا" مَعْطُوفَةٌ عَلَى تِلْكَ الجُمْلَةِ المَحْذوفَةِ.
قولُهُ: {وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا} الواوُ: اسْتِئْنَافِيَّةٌ. و "كانَ" فعلٌ ماضٍ ناقصٌ مبنيٌّ على الفتحِ. و "الْإِنْسانُ" اسْمُ "كانَ" مرفوعٌ بها. و "كَفُورًا" خَبَرُها منصوبٌ بها، والجملةُ مُسْتَأْنَفَةٌ مَسُوقَةٌ لِتَعْلِيلِ جملةَ قَوْلِهِ: "أَعْرَضْتُمْ" فلا محلَّ لها مِنَ الإِعْرابِ.
مواضيع مماثلة
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 4
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 18
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 33 / 1
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 45
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 61
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 18
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 33 / 1
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 45
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 61
منتدى مدينة أرمناز العام :: المنتدى الخاص بشاعر أرمناز الكبير الأستاذ عبدالقادر الأسود :: البحوث والدراسات والمقالات النثرية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء أكتوبر 01, 2019 11:34 am من طرف bassam1972
» شهادة الشاعر الكبير الأستاذ عبد القادر دياب مدير عام الملتقى الثقافي العربي
الجمعة سبتمبر 13, 2019 7:15 pm من طرف bassam1972
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 12
الجمعة يوليو 12, 2019 10:33 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 10
الخميس يوليو 11, 2019 10:54 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 9
الأربعاء يوليو 10, 2019 1:29 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 8
الأربعاء يوليو 10, 2019 10:41 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 6
الثلاثاء يوليو 09, 2019 4:24 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 5
الأحد يوليو 07, 2019 10:10 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 3
السبت يوليو 06, 2019 10:14 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 2
الجمعة يوليو 05, 2019 10:54 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكه، الآية: 1
الأربعاء يوليو 03, 2019 3:27 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف: تعريف
الثلاثاء يوليو 02, 2019 7:01 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 111
السبت يونيو 29, 2019 7:26 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 110
الخميس يونيو 27, 2019 10:38 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 109
الخميس يونيو 27, 2019 6:45 am من طرف عبد القادر الأسود