الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 79
منتدى مدينة أرمناز العام :: المنتدى الخاص بشاعر أرمناز الكبير الأستاذ عبدالقادر الأسود :: البحوث والدراسات والمقالات النثرية
صفحة 1 من اصل 1
الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 79
وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79)
قولُهُ ـ تَعالى شَأْنُهُ: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} هوَ عَطْفٌ
عَلَى قولِهِ: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} منَ الآيَةِ التي قَبْلَها، وهو مُقَدَّرٌ بِجُمْلَةٍ لكَوْنِهِ مَعْمُولًا لِفِعْلِ {أَقِمِ}. وَقُدِّمَ هَذَا الجَارُّ والْمَجْرُورُ عَلَى مُتَعَلَّقِهِ "تَهَجَّدْ" للتَحْرِيضِ عَلَيْهِ، والاهْتِمَامِ بِهِ. وَبِهذا اكْتَسَبَ مَعْنَى الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ، فَجُعِلَ مُتَعَلَّقُهُ بِمَنْزِلَةِ الْجَزَاءِ، فَأُدْخِلَتْ عَلَيْهِ فَاءُ الْجَزَاءِ. وَهَذَا مُسْتَعْمَلٌ فِي الظُّرُوفِ وَالْمَجْرُورَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى مُتَعَلِّقَاتِهَا، وَهُوَ اسْتِعْمَالٌ فَصِيحٌ. وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى مِنْ سُورَةِ المُطَفِّفينَ: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنافِسُونَ} الآيَةَ: 26. وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ)). وَجَعَلَ أَبُوْ إِسْحَقٍ الزَّجَّاجُ، وَأَبو القاسِمِ الزَّمَخْشَرِيُّ، قَوْلَهُ: "وَمِنَ اللَّيْلِ" فِي مَعْنَى الْإِغْرَاءِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} نَصْبٌ عَلَى الْإِغْرَاءِ، فَيَكُونُ "فَتَهَجَّدْ" تَفْرِيعًا عَلَى الْإِغْرَاءِ، تَفْرِيعَ مُفَصَّلٍ عَلَى مُجْمَلٍ، وَتَكُونُ "مِنْ" اسْمًا بِمَعْنَى (بَعْضٍ) فهي كَالَّتِي فِي قَوْلِهِ مِنْ سُورةِ النِّسَاءِ: {مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ} الآيةَ: 46، وَهُوَ أَيْضًا حَسَنٌ. وَالتَّهَجُّدُ: الصَّلَاةُ فِي أَثْنَاءِ اللَّيْلِ، وَهُوَ اسْمٌ مُشْتَقٌّ مِنَ الْهُجُودِ، الذي هُوَ النَّوْمُ. والتهَجُّدُ: تَرْكُ الهُجُودِ أَيْ: النَّوْمُ، قالَ طَرَفَةُ بْنُ العَبْدِ:
وَبَرْكٍ هُجُودٍ قَدْ أَثَارَتْ مَخَافَتِي ........... نَوَادِيَهَا أَسْعَى بِعَضْبٍ مُجَرَّد
وقالَ ذو الرُّمَّةِ:
أَلا طَرَقَتْنَا والرِّفَاقُ هُجُودُ ................. فَبَاتَتْ بِعُلَّاتِ النَّوَالِ تَجُودُ
وقالَ الحُطَيْئَةُ:
أَلَا طَرَقَتْ هِنْدُ الهُنُودِ وَصُحْبَتِي ......... بِحَوْرَانَ حَورَانِ الجُنُودِ هُجُودُ
وقالَ جرير:
أَلَا طَرَقَتْ وأَهْلُ مِنًى هُجُودُ ................... وَلَيْتَ خَيالَهَا بِمِنًى يَعودُ
فَهُجُودٌ: نِيَامٌ، جَمْعُ "هاجِدٍ" كَ "سُجُودٍ" جمعُ "سَاجِدٍ". وَقِيلَ: الهُجُودُ: مُشْتَرَكٌ بَيْنَ النّائِمِ والمُصَلِّي. قالَ ابْنُ الأَعْرابيِّ: تَهَجَّدَ: صَلَّى مِنَ اللَّيْلِ، وتَهَجَّدَ: نامَ، وهوَ قَوْلُ أَبي عُبَيْدَةَ واللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. فَمَادَّةُ "التَّفَعُّلِ" فِيهِ لِلْإِزَالَةِـ مِثْلُ: "التَحَرُّجِ" وَ "التَأَثُّمِ". وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ، فِي كِتابِ الصَّلَاةِ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَبُو شِبْلٍ النَّخَعِيِّ، والأَسْوَدُ بنُ يَزِيْدَ بنِ قَيْسٍ أَبُو عَمْرٍو النَّخَعِي ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: التَّهَجُّدُ بَعْدَ نَوْمَةٍ. وَالنَّافِلَةُ: الزِّيَادَةُ مِنَ الْأَمْرِ الْمَحْبُوبِ. وَاللَّامُ فِي "لَكَ" مُتَعَلِّقَةٌ بِـ "نافِلَةً" وَهِيَ لَامُ الْعِلَّةِ، أَيْ نَافِلَةً لِأَجْلِكَ. وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالتَّهَجُّدِ خَاصٌّ بِالنَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ. وَبِذَلِكَ انْتَظَمَ فِي عِدَادِ الصَّلَوَاتِ الْوَاجِبَةِ، فَبَعْضُهَا وَاجِبٌ عَلَيْهِ ـ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وَعَلَى أُمَّتِهِ، وَبَعْضُهَا وَاجِبٌ عَلَيْهِ خَاصَّةً، لِقَوْلِهِ ـ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، فِيمَا أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، عَنْ أُمِّ المُؤْمِنِينَ السيِّدةِ عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وأَرْضَاهَا، أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ثَلَاثٌ هُنَّ عَلَيَّ فَرَائضُ، وَهُنَّ لَكُمْ سُنَّةٌ: الْوِتْرُ، والسِّواكُ وَقِيامُ اللَّيْلِ)).
وأَخْرَجَ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، والبيهقيُّ في سُنَنِهِ الكُبْرى، والبَزَّارُ، وابْنُ عديٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: ((ثَلَاثٌ هُنَّ عَلَيَّ فَرَائِضُ وَهُنَّ لَكُمْ تَطَوُّعٌ الْوَتْرُ وَالنَّحْرُ وَصَلَاةُ الضُّحَى)). مُسْنَدُ الإمامِ أَحْمَدِ بْنِ حَنْبَل: (1/231 برقم،2050)، وسُنَنُ الدارقطني: (2/21)، والسُنَنُ الكُبْرَى للبَيْهَقِيُّ: (2/468)، والكامِل لابْنِ عديٍّ: (7/213).
وأَخْرَجَ الحَاكِمُ فِي مُسْتَدْركِهَ، والدارقطنيُّ في سُنَنِهِ، والخطيبُ البَغداديُّ في المُتَّفِقِ والمُفْتَرِقِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالَ: ((ثلاثٌ هُنَّ عَلَيَّ فَرَائِضُ وَلَكُمْ تَطَوُّعٌ: النَّحْرُ، والوِتْرُ، وَرَكْعَتَا الفَجْرِ)).
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنِ الضَّحَّاكِ ـ رضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: نُسِخَ قِيامُ اللَّيْلِ إِلَّا عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فِي قَوْلِهِ: "نَافِلَة لَكَ" يَعْنِي خَاصَّةً للنَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أُمِرَ بِقِيَامِ اللَّيْلِ وَكُتِبَ عَلَيْهِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي دَلَائِلِ النُّبوَّةِ، عَنْ مُجَاهِدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: "نَافِلَةً لَكَ" قَالَ: لَمْ تَكُنْ النَّافِلَةُ لأَحَدٍ إِلَّا للنَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خَاصَّةً مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، فَمَا عَمِلَ مِنْ عَمَلٍ مَعَ الْمَكْتُوبِ فَهُوَ نَافِلَةٌ لَهُ سِوَى الْمَكْتُوبِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ لَا يَعْمَلُ ذَلِكَ فِي كَفَّارَةِ الذُّنُوبِ، فَهِيَ نَوافِلُ لَهُ وَزِيَادَةٌ، وَالنَّاسُ يَعْمَلُونَ مَا سِوَى الْمَكْتُوبِ فِي كَفَّارَةِ ذُنُوبِهم، فَلَيْسَ للنَّاسِ نَوَافِلُ، إِنَّمَا هِيَ للنَّبِيِّ ـ صَلِّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلِّمَ، خَاصَّةً.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ الْحَسَنِ البَصْريِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، مِثْلَهُ.
وَأَخْرَجَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ، عَنِ الْحَسَنِ البَصْريِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: "وَمِنَ اللَّيْل فتهجد بِهِ نَافِلَةً لَكَ" قَالَ: لَا تَكونُ نَافِلَةُ اللَّيْلِ إِلَّا للنَّبِيِّ ـ صَلِّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَأَخْرَجَ أَحْمدُ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، عَنْ أَبي أُمَامَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: "نَافِلَةً لَكَ" قَالَ: كَانَتْ للنَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَافِلَةً وَلَكُمْ فَضِيلَةً، وَفِي لَفْظٍ: إِنَّمَا كَانَتِ النَّافِلَةُ خَاصَّةً لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَأَخْرَجَ الطَّيَالِسِيُّ، وَابْنُ نَصْرٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ، ابْنُ مِرْدُوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ، والخَطِيبُ البغداديُّ فِي تَارِيخِهِ، عَنْ أَبي أُمَامَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: إِذَا تَوَضَّأَ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، فَإِنْ قَعَدَ قَعَدَ مَغْفُورًا لَهُ، وَإِنْ قَامَ يُصَلِّي كَانَتْ لَهُ فَضِيلَةً، قِيلَ لَهُ: نَافِلَةً؟ قَالَ: إِنَّمَا النَّافِلَةُ للنَّبِيِّ ـ صَلِّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَيْفَ يَكونُ لَهُ نَافِلَةً وَهُوَ يَسْعَى فِي الْخَطَايَا والذنُوبِ، وَلَكِنْ فَضِيلَةً. وَيُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ مُرَغَّبٌ فِيهِ كَمَا صَرَّحَتْ بِهِ الآيَةُ: 20، مِنْ سُورَةِ الْمُزَّمِّلِ: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ} إِلَى قَوْلِهِ مِنْها: {مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ}. وَفِي هَذَا زِيَادَةُ تَشْرِيفٍ لَهُ، وَلِهَذَا أُعْقِبَ بِوَعْدِ أَنْ يَبْعَثَهُ اللهُ مَقَامًا مَحْمُودًا. فَالْمَعْنَى: لِيَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا.
وَأَخْرَجَ عبْدُ الرَّزَّاقِ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَمُحَمَّدُ ابْنُ نَصْرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، "نَافِلَةً لَكَ" قَالَ: تَطَوُّعًا، وَفَضِيلَةً لَكَ.
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَديثِ ابْنِ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، أَنَّ النَّاسَ يَصِيرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جُثًا (بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَخْفِيفِ الْمُثَلَّثَةِ)، أَيْ جَمَاعَاتٍ كُلُّ أُمَّةٍ تَتَّبِعُ نَبِيَّها، يَقُولُونَ: يَا فُلَانُ اشْفَعْ! حَتَّى تَنْتَهِيَ الشَّفَاعَةُ إِلَى النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَلِكَ يَوْمَ يَبْعَثُهُ اللهُ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ.
قوْلُهُ: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} تَعْلِيلٌ لِإِيجَابِ التَّهَجُّدِ عَلَيْهِ ـ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ، خاصَّةً، وَالرَّجَاءُ إِذا كانَ مِنَ اللهِ تَعَالَى فهوَ وَعْدٌ. وَالْمَقَامُ: هو مَحَلُّ الْقِيَامِ. وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَكَانُ الْمَعْدُودُ لِأَمْرٍ عَظِيمٍ، لِأَنَّهُ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَقُومَ النَّاسُ فِيهِ وَلَا يَجْلِسُوا، لأنَّهُ يُسمَّى حينئذٍ مَجْلِسٌ. وَانْتَصَابُهُ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ المكانيَّةِ لِـ "يَبْعَثَكَ". وَقدْ وُصِفَ بِالْمَحْمُودِ وَصْفًا مَجَازِيًّا. إِنَّمَا الْمَحْمُودُ هو مَنْ يَقُومُ فِيهِ، أَيْ: يُحْمَدُ أَثَرُهُ فِيهِ، وَذَلِكَ لِغَنَاهُ عَنْ أَصْحَابِ ذَلِكَ الْمَقَامِ ولإِدْلالِهِ عَلَيْهم بما هو محمودٌ مِنَ الفِعَالِ، فَإِنَّ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ هُنَا هوَ الشَّفَاعَةُ الْعُظْمَى لِجَميعِ مَنْ في ذَلِكَ المَوْقِفِ، لِبِدْءِ الحِسَابِ، وإِنْهاءِ مَا هُمْ فِيهِ مِنْ عَذابِ. فَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي دَلَائِلِ النُبُوَّةِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: "عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا" وَسُئِلَ عَنْهُ، قَالَ: ((هُوَ الْمقَام الَّذِي أَشْفَعُ فِيهِ لأُمَّتي)). مُسْندُ أَحْمَد: (2/441، 444، 528)، والترمذيُّ: (3137).
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الإِيمانِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الشَّفَاعَةُ.
وأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَالْبُخَارِيُّ، والنَّصُّ لَهُ وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: (إِنَّ النَّاسَ يَصِيرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جُثًا كُلُّ أُمَّةٍ تَتْبَعُ نَبِيَّهَا يَقُولُونَ يَا فُلَانُ اشْفَعْ يَا فُلَانُ اشْفَعْ حَتَّى تَنْتَهِيَ الشَّفَاعَةُ إِلَى النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَلِكَ يَوْمَ يَبْعَثُهُ اللهُ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ). صحيحُ البُخارِيِّ: (4/1748، برقم: 4441)، و (السُنَنُ الكُبْرَى) للنَّسَائيُّ: (6/381، بِرقم: 11295).
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((يُبْعَثُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَكُونُ أَنَا وَأُمَّتِي عَلَى تَلٍّ، وَيَكْسُونِي رَبِّي حُلَّةً خَضْرَاءَ، ثُمَّ يُؤْذَنُ لِي فَأَقُولُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ أَقُولَ، فَذَلِكَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ)). مُسْنَدُ الإمامِ أَحْمَد: (3/456، رقم: 15821)، قالَ ابنُ حَجَرٍ الهَيْثَمِيُ: (7/51): رِجَالُه رِجالُ الصَّحيحِ. والطَبَرانيُّ: (19/72، رقم: 142)، والحاكِمُ: (2/395، رقم: 3383)، وقال: صَحيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ.
وَأخرج البُخَارِيّ وَابْن جَريرٍ والنصُّ لَهُ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ـ رضِيَ اللهُ عنْهُما، يَقُولُ: ((إِنَّ الشَّمْسَ لَتَدْنُو حَتَّى يَبْلُغَ الْعَرَقُ نِصْفَ الْأُذُنِ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ اسْتَغَاثُوا بِآدَمَ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَيَقُولُ: لَسْتُ صَاحِبَ ذَلِكَ، ثُمَّ بِمُوسَى ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَيَقُولُ كَذَلِكَ، ثُمَّ بِمُحَمَّدٍ فَيَشْفَعُ بَيْنَ الْخَلْقِ فَيَمْشِي حَتَّى يَأْخُذَ بِحَلْقَةِ الْجَنَّةِ، فَيَوْمَئِذٍ يَبْعَثُهُ اللهُ مَقَامًا مَحْمُودًا)). جامِعُ البَيَانِ عَنْ تَأْويلِ آيِ القُرْآنِ: (15/146).
وَأَخْرَجَ عبْدُ الرَّزَّاقِ والنَصُّ لَهُ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مِرْدُوَيْه، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الإِيمانِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ مَدَّ اللهُ الْأَرْضَ مَدَّ الْأَدِيمِ، حَتَّى لَا يَكُونَ لِبَشَرٍ مِنَ النَّاسِ إِلَّا مَوْضِعَ قَدَمَيْهِ))، قَالَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُدْعَى، وَجِبْرِيلُ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ، وَاللهِ مَا رَآهُ قَبْلَهَا، قَالَ: فَأَقُولُ: يَا رَبِّ إِنَّ هَذَا أَخْبَرَنِي أَنَّكُ أَرْسَلْتَهُ إِلَيَّ فَيَقُولُ اللهُ: صَدَقَ ثُمَّ أَشْفَعَ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ عِبَادُكَ عَبَدُوكَ فِي أَطْرَافِ الْأَرْضِ، قَالَ: وَهُوَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ)). تَفْسيرُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: (1/328).
وَأَخْرَجَ ابْنُ مِرْدُوَيْهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبي وَقَّاصٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِ الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ فَقَالَ: هُوَ الشَّفَاعَةُ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ مِنْ طُرُقٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: "عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا" قَالَ: مَقَامُ الشَّفَاعَةِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْثِ، والخَطِيبُ فِي الْمُتَّفِقِ وَالمُفْتَرِقِ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ اليمانِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: (يُجْمَعُ النَّاسُ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، يُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي وَيَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ، حُفَاةً عُراةً كَمَا خُلِقُوا قِيَامًا، لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ، يُنَادَى: يَا مُحَمَّدُ، فَيَقُولُ: "لَبَّيْكَ وسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ، وَالْمَهْدِيُّ مَنْ هَدَيْتَ، وَعَبْدُكَ بَيْنَ يَدَيْكَ، وَبِكَ وَإِلَيْكَ، لَا مَنْجَى وَلَا مَلْجَأَ مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، سُبْحَانَكَ رَبَّ الْبَيْتِ). فَهَذَا الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ. تَفْسيرُ الطَبَرِيِّ: (15/97).
وَأَخْرَجَ أَحْمد وَابْنُ جَريرٍ والنَصُّ لَهُ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالْحَاكِمُ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنِّي لَأَقُومُ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ)). فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا ذَلِكَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((ذَاكَ إِذَا جِيءَ بِكُمْ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا، فَيَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُكْسَى إِبْرَاهِيمُ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَيُؤْتَى بِرَيْطَتَيْنِ بَيْضَاوَيْنِ، فَيَلْبَسُهُمَا، ثُمَّ يَقْعُدُ مُسْتَقْبِلَ الْعَرْشِ، ثُمَّ أُوتَى بِكِسْوَتِي فَأَلْبَسُهَا، فَأَقُومُ عَنْ يَمِينِهِ مَقَامًا لَا يَقُومُهُ غَيْرِي، يَغْبِطُنِي فِيهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ، ثُمَّ يُفْتَحُ نَهْرٌ مِنَ الْكَوْثَرِ إِلَى الْحَوْضِ)). وأَخْرَجَهُ أَحمدُ: (1/398، رقم: 3787)، والبَزَّارُ: (4/339، رقم: 1534)، والطَبَرانيُّ: (10/80، رقم: 10017)، وأَخْرجَهُ أَيْضًا: الدارِميُ: (2/419، رقم: 2800)، والحاكمُ: (2/396، رقم: 3385) وَقَالَ: صَحيحُ الإِسْنَادِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ مِرْدُوَيْهِ، مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سُئِلَ: مَا الْمقَامُ الْمَحْمُودُ الَّذِي ذَكَرَ لَكَ رَبُّكَ؟ قَالَ: ((يَحْشُرُ اللهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، عُرَاةً غُرْلًا، كَهَيْئَتِكُمْ يَوْمَ وُلِدْتُمْ، هَالَهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وكَظَمَهُمُ الكَرْبُ الْعَظِيمُ، وَبَلَغَ الرَّشْحُ أَفْوَاهَهُمْ، وَبَلَغَ بِهِمُ الْجُهْدُ والشِدَّةُ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مُدْعَى، وَأَوَّلَ مُعْطَى، ثُمَّ يُدْعَى إِبْرَاهِيمُ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَدْ كُسِيَ ثَوْبَيْنِ أَبْيَضَيْنِ مِنْ ثِيَابِ الْجَنَّةِ، ثُمَّ يُؤْمَرُ فَيُجْلَسُ فِي قِبَلِ الْكُرْسِيِّ، ثُمَّ أَقُومُ عَنْ يَمِينِ الْعَرْشِ، فَمَا مِنَ الْخَلَائقِ قَائِمٌ غَيْرِي، فَأَتَكَلَّمُ فَيَسْمَعُونَ، وَأَشْهَدُ فَيُصَدِّقونَ)).
وَأَخْرَجَ ابْنُ مِرْدُوَيْهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَرَأَ "عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا" قَالَ: يُجْلِسُهُ عَلَى السَّريرِ.
وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا فَخْرُ، وَبِيَدِي لِوَاءُ الْحَمْدِ، وَلَا فَخْرُ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ يَوْمئِذٍ ـ آدَمُ فَمَنْ سِوَاهُ، إِلَّا تَحْتَ لِوَائِي، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ، وَلَا فَخْرُ، فَيَفْزَعُ النَّاسُ ثَلَاثَ فَزْعَاتٍ، فَيَأْتُونَ آدَمَ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَيَقُولُونَ: أَنْت أَبونَا فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ فَيَقُولُ: إِنِّي أَذْنَبْتُ ذَنْبًا أُهْبِطْتُ مِنْهُ إِلَى الأَرْضِ، وَلَكِنِ ائْتُوا نُوحًا، فَيَأْتُونَ نُوحًا، فَيَقُولُ: إِنِّي دَعَوْتُ عَلى أَهْلِ الأَرْضِ دَعْوَةً فَأُهْلِكُوا، وَلَكِنِ اذْهَبُوا إِلَى إِبْرَاهِيمَ، فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ ـ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَيَقُولُ: ائْتُوا مُوسَى، فَيَأْتُونَ مُوسَى ـ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ، فَيَقُولُ: إِنِّي قَتَلْتُ نَفْسًا، وَلَكِنِ ائْتُوا عِيسَى، فَيَأْتُونَ عِيسَى ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَيَقُولُ: إِنِّي عُبِدْتُ مِنْ دُونَ اللهِ، وَلَكِنِ ائْتُوا مُحَمَّدًا ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَأْتُوني، فَأَنْطَلِقُ مَعَهُمْ، فَآخُذُ بِحَلْقَةِ بَابِ الْجَنَّةِ، فَأُقَعْقِعُهَا، فَيُقَالُ: مَنْ هَذَا فَأَقُولُ: مُحَمَّد، فَيَفْتَحُونَ لِي، وَيَقُولُونَ: مَرْحَبًا، فَأَخِرُّ سَاجِدًا، فَيُلْهِمُني اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ، مِنَ الثَّنَاءِ وَالْحَمْدِ وَالْمَجْدِ، فَيُقَالُ: ارْفَعْ رَأْسَكَ، سَلْ تُعْطَ، وَاشْفَعْ تُشَفّعْ، وَقُلْ يُسْمَعْ لِقَوْلِكَ، فَهُوَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الَّذِي قَالَ اللهُ: "عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا" كِتَابُ التَفْسِيرِ مِنْ سُنَنِ التِرْمِذِيِّ، حَديث: (3148).
وَأَخْرَجَ ابْنُ مِرْدُوَيْهِ عَنْ أَبي سَعيدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: "عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا"، قَالَ: يُخْرِجُ اللهُ قَوْمًا مِنَ النَّارِ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ والقِبْلَةِ، بِشَفَاعَةِ مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَلِكَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ.
وَأَخْرَجَ البُخَارِيُّ عَنْ جَابِرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّداءَ: اللهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ، آتٍ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ والفَضِيلَةَ، وابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ)).
وَأَخْرَجَ ابْنُ مِرْدُوَيْهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ ذَكَرَ حَدِيثَ الجَهَنَّمِيِّينَ فَقيل لَهُ: مَا هَذَا الَّذِي تُحَدِّثُ وَاللهُ تَعَالَى يَقُولُ: {إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلُ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} الآيَة: 192، مِنْ سُورةِ آلِ عُمْرَانَ، و {وَكُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدوا فِيهَا} الآيَةَ: 20، مِنْ سورةِ السَّجْدَة، فَقَالَ: هَلْ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قَالَ: نَعَم. قَالَ: فَهَلْ سَمِعْتَ فِيهِ بِالْمَقَامِ الْمَحْمُودِ؟ قَالَ: نَعَم. قَالَ: فَإِنَّهُ مَقَامُ مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الَّذِي يُخْرِجُ اللهُ بِهِ مَنْ يُخْرِجُ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: يَأْذَنُ اللهُ تَعَالَى فِي الشَّفَاعَةِ، فَيَقُومُ رُوحُ الْقُدْسِ جِبْرِيلُ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ يَقُومُ إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ اللهِ ـ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، ثُمَّ يَقومُ عِيسَى أَوْ مُوسَى ـ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، ثُمَّ يَقومُ نَبِيُّكُم ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاقِفًا لِيَشْفَعَ، لَا يَشْفَعُ أَحَدٌ بَعْدَهُ أَكْثَرَ مِمَّا شَفِعَ، وَهُوَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الَّذِي قَالَ اللهُ: "عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا".
وَأَخْرَجَ ابْنُ مِرْدُوَيْهِ عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخِدْريِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِذَا سَأَلْتُمُ اللهَ فَاسْأَلُوهُ أَنْ يَبْعَثَنِي الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ الَّذِي وَعَدَني)).
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ، عَنْ سَلْمَان الفارسيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: يُقَالُ لَهُ: سَلْ تُعْطَهُ ـ يَعْنِي النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، وادْعُ تُجَبْ، فيَرْفَعُ رَأْسَهُ، فَيَقُولُ: أُمَّتِي. (مَرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا). فَقَالَ سَلْمَانُ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: يَشْفَعُ فِي كُلِّ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ حِنْطَةٍ مِنْ إِيمَانٍ، أَوْ مِثْقَالُ شَعِيرَةٍ، مِنْ إِيمَانٍ، أَوْ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ. قَالَ سَلْمَان ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: فَذَلِكُمُ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ.
قولُهُ تَعَالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} الواوُ: للعطْفِ، و "مِنَ" حرفُ جَرٍّ للتَبْعِيضِ، معطوفٌ عَلَى {أَقِمْ} مِنَ الآيَةِ التي قَبْلَها، مُتَعَلِّقٌ بـ "تَهَجَّدْ"، أَيْ: تَهَجَّدْ بالقُرْآنِ بَعْضَ اللَّيْلِ، ويَجُوزُ: أَنْ يَتَعَلَّقَ بِمَحْذوفٍ قَدَّرَهُ الحُوفيُّ: وَقُمْ قَوْمَةً مِنَ اللَّيْلِ، أَوْ: واسْهَرْ مِنَ اللَّيْلِ. وَقدَّرَهُ الزَمَخْشَرِيُّ: وَعَلَيْكَ بَعْضَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ. فإنْ كانَ أَرادَ تَفْسِيرَ المَعْنَى فَقَريبٌ، وإِنْ أَرَادَ تَفْسِيرَ الإِعْرابِ فَلَا يَصِحُّ، لأَنَّ المُغْرَى بِهِ لَا يَكونُ حَرْفًا، وجَعْلُهُ "مِن" بِمَعْنَى "بَعْض" لا يَقْتَضي اسْمِيَّتَها، بِدَليلِ أَنَّ واوَ المَعِيَّةِ "وَمَعَ" لَيْسَتْ اسْمًا بإِجْماعٍ، وإِنْ كانَتْ بِمَعْنَى اسْمٍ صَريحٍ وهوَ "مَعَ". و "الليلِ" مجرورٌ بحرفِ الجرِّ. و "فَتَهَجَّدْ" الفاءُ: عاطِفَةٌ، و "تَهَجَّدْ" فِعْلُ أَمْرٍ مبنِيٌّ على السُّكونِ، وفاعِلُهُ ضَميرٌ مُسْتترٌ فيهِ وجوبًا تقديرُهُ (أنتَ) يَعُودُ عَلَى سيِّدِنا مُحَمَّدٍ ـ صلى اللهُ عليهِ وسلمُ، و "به" الباءُ حرُفُ جرٍّ متَعلِّقٌ بـ ""تَهَجَّدْ"، والهاءُ: ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ ي محلِّ الجرِّ بحرفِ الجرِّ والظاهرُ عَوْدُ هُذا الضميرِ عَلى القُرْآنِ مِنْ حَيْثُ هُوَ، لَا بِقَيْدِ إِضَافَتِهِ إِلَى الفَجْرِ. ويجوزُ أَنْ يعودُ عَلَى الوَقْتِ المُقَدَّرِ، أَيْ: وَقُمْ وقْتًا مِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِذَلِكَ الوَقْتِ، فَتَكونُ الباءُ بِمَعْنَى "في". و "نافِلَةً" منصوبٌ عَلَى المَصْدَريَّةِ، أَيْ: تَتَنَفَّلُ نافِلَةً لَكَ عَلى الصَلَواتِ المَفْروضَةِ. أوْ أَنَّهُ مَنْصوبٌ بـ "تَهَجَّدْ" لأَنَّهُ في مَعْنَى "تَنَفَّلْ"، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: تَنَفَّلْ نَافْلَةً. والنَّافِلَةُ، مَصْدَرٌ كالعاقِبَةِ والعافِيَةِ. وقالَ العُكْبُريُّ أَبُو البَقَاءِ: هُو نَصْبٌ عَلَى الحالِ مِنَ الهاءِ فِي "به"، أَيْ: صَلاةَ نافِلَةٍ، وَذلكَ إِذَا جَعَلْتَها عائدَةً عَلَى القُرْآنِ لا عَلَى وَقْتٍ مُقَدَّرٍ. وظاهِرُ قَوْلِ الحُوفِيِّ أَنَّهُ مَنْصُوبٌ عَلَى المَفْعُولِيَّةِ، فإِنَّهُ قالَ: وَيَجُوزُ أَنْ يَنْتَصِبَ "نافلةً" بِـ "تَهَجَّدْ"، إِذَا ذَهَبْتَ بِذَلِكَ عَلَى مَعْنَى: صَلِّ بِهِ نَافِلَةً، أَيْ: صَلِّ نافِلَةً لَكَ. و "لَكَ" اللامُ: حرفُ جَرٍّ متعلِّقٌ بِصِفَةٍ لِـ "نافِلَةً"، أَيْ: صَلِّ بِهِ الصَّلاةَ حَالَةَ كَوْنِ الصَّلاةِ "نافِلَةً لَكَ". وَكافُ الخِطابِ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ فِي مَحَلِّ الجَرِّ بِحَرْفِ الجَرِّ. والجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى تِلْكَ الجُمْلَةِ المَحْذوفَةِ، أَعْنِي: وَقُمْ قَوْمَةً مِنَ اللَّيْلِ، أَوْ: واسْهَرْ مِنَ اللَّيْلِ.
قولُهُ: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} عَسَى: فِعْلٌ مَاضٍ جامدٌ تَامٌّ بِمَعْنَى "حَقَّ"، وَ "وَجَبَ"، و "ثَبتَ" مَبْنيٌّ على الفتحِ المقدَّرِ على آخرهِ لتعذُّرِ ظهورِهِ على الأَلِفِ. و "أَنْ" حرفٌ مصدريٌ ناصِبٌ، و "يَبْعَثَكَ" فعلٌ مُضارعٌ منصوبٌ بـ "أَنْ"، وكافُ الخطابِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ النَّصِبِ مفعولٌ بِهِ. و "رَبُّكَ" فاعِلٌ مَرْفوعٌ، وهوَ مُضافٌ، وكافُ الخطابِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ فيمحلِّ الجرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ. و "مَقَامًا" مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ مَعْنَوِيٌ لِـ "يَبْعَثَكَ" لِأَنَّهُ بِمَعْنَى "يُقيمُكَ". أَوْ أَنَّهُ مَنْصوبٌ عَلَى الظَرْفِيَّةِ، أَيْ: يَبْعَثكَ في مَقَامٍ محمودٍ. أَوْ أَنَّهُ مَنْصُوبٌ عَلَى الحَالِ، أَيْ: يَبْعَثُكَ ذَا مَقَامٍ مَحْمُودٍ. أَوْ أَنَّهُ مَنْصوبٌ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ مُؤكِّدٌ، ونَاصِبُهُ مُقَدَّرٌ، أَيْ: فَيَقُومُ مَقَامًا محمودًا. وَ يَتَعَيَّنُ أنْ تكونَ "عَسَى" عَلَى الأَوْجُهِ الثلاثَةِ ـ دُونَ الرَّابِعِ، فعْلًا تامًا، فَتَكونُ مُسْنَدَةً إِلَى "أَنْ" ومَا فِي حَيِّزِهَا، إِذْ لَوْ كانَتْ نَاقِصَةً عَلَى أَنْ يَكونَ "أَنْ يَبْعَثَكَ" خَبَرًا مُقَدَّمًا، وَ "ربُّكَ" اسْمًا لَهَا مُؤَخَّرًا، لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ مَحْذُورٌ: وهوَ الفَصْلُ بِأَجْنَبِيٍ بَيْنَ صِلَةِ المَوْصُولِ وَمَعْمُولِها، فَإِنَّ "مَقامًا" عَلَى الأَوْجُهِ الثَلاثَةِ الأُوَلِ مَنْصُوبٌ بـ "يَبْعَثُكَ" وَهوَ صِلَةٌ لـ "أَنْ" فَإِذَا جَعَلْتَ "رَبُّ" اسْمًا لهَا كانَ أَجْنَبِيًّا مِنَ الصَلَةِ، فَلَا يُفْصَلُ بِهِ، وَإِذَا جَعَلْتَهُ فَاعِلًا لَمْ يَكُنْ أَجْنَبِيًّا، فَلا يُبَالَى بِالفَصْلِ بِهِ. وأَمَّا عَلَى الوَجْهِ الرَّابِعِ فَيَجُوزُ أَنْ تَكونَ "عَسَى" التامَّةَ والنَّاقِصَةَ بالتَقْديمِ وَالتَأْخِيرِ لِعَدَمِ المَحْذُورِ؛ لِأَنَّ "مَقَامًا" مَعْمُولٌ لِغَيْرِ الصِّلَةِ، وَهَذَا مِنْ مَحَاسِنِ صِنَاعَةِ النَّحْوِ، وَتَقَدَّمَ لَكَ قَريبٌ مِنْ هَذَا في سُورَةِ إِبْراهِيمَ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، في قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفِي اللهِ شَكٌّ فَاطِرِ} الآيةَ: 10. وَ "مَحْمُودًا" صِفَةٌ لِـ "مَقَامًا" منصوبةٌ مثلُهُ. وَجُمْلَةُ "يَبْعَثَ" صِلَةُ "أَنْ" المَصْدَرِيَّةِ و "أَنْ" مَعَ صِلَتِهَا فِي تَأْويلِ مَصْدَرٍ مَرْفُوعٌ عَلَى الفَاعِلِيَّةِ، لِـ "عَسَى" والتقديرُ: عَسَى بَعْثُ رَبِّكَ إِيَّاكَ مَقَامًا مَحْمُودًا؛ أَيْ: إِقَامَتُهُ إِيَّاكَ مِنَ القَبْرِ، أَوْ فِي الآخِرَةِ قِيَامًا مَحْمُودًا.
قولُهُ ـ تَعالى شَأْنُهُ: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} هوَ عَطْفٌ
عَلَى قولِهِ: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} منَ الآيَةِ التي قَبْلَها، وهو مُقَدَّرٌ بِجُمْلَةٍ لكَوْنِهِ مَعْمُولًا لِفِعْلِ {أَقِمِ}. وَقُدِّمَ هَذَا الجَارُّ والْمَجْرُورُ عَلَى مُتَعَلَّقِهِ "تَهَجَّدْ" للتَحْرِيضِ عَلَيْهِ، والاهْتِمَامِ بِهِ. وَبِهذا اكْتَسَبَ مَعْنَى الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ، فَجُعِلَ مُتَعَلَّقُهُ بِمَنْزِلَةِ الْجَزَاءِ، فَأُدْخِلَتْ عَلَيْهِ فَاءُ الْجَزَاءِ. وَهَذَا مُسْتَعْمَلٌ فِي الظُّرُوفِ وَالْمَجْرُورَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى مُتَعَلِّقَاتِهَا، وَهُوَ اسْتِعْمَالٌ فَصِيحٌ. وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى مِنْ سُورَةِ المُطَفِّفينَ: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنافِسُونَ} الآيَةَ: 26. وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ)). وَجَعَلَ أَبُوْ إِسْحَقٍ الزَّجَّاجُ، وَأَبو القاسِمِ الزَّمَخْشَرِيُّ، قَوْلَهُ: "وَمِنَ اللَّيْلِ" فِي مَعْنَى الْإِغْرَاءِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} نَصْبٌ عَلَى الْإِغْرَاءِ، فَيَكُونُ "فَتَهَجَّدْ" تَفْرِيعًا عَلَى الْإِغْرَاءِ، تَفْرِيعَ مُفَصَّلٍ عَلَى مُجْمَلٍ، وَتَكُونُ "مِنْ" اسْمًا بِمَعْنَى (بَعْضٍ) فهي كَالَّتِي فِي قَوْلِهِ مِنْ سُورةِ النِّسَاءِ: {مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ} الآيةَ: 46، وَهُوَ أَيْضًا حَسَنٌ. وَالتَّهَجُّدُ: الصَّلَاةُ فِي أَثْنَاءِ اللَّيْلِ، وَهُوَ اسْمٌ مُشْتَقٌّ مِنَ الْهُجُودِ، الذي هُوَ النَّوْمُ. والتهَجُّدُ: تَرْكُ الهُجُودِ أَيْ: النَّوْمُ، قالَ طَرَفَةُ بْنُ العَبْدِ:
وَبَرْكٍ هُجُودٍ قَدْ أَثَارَتْ مَخَافَتِي ........... نَوَادِيَهَا أَسْعَى بِعَضْبٍ مُجَرَّد
وقالَ ذو الرُّمَّةِ:
أَلا طَرَقَتْنَا والرِّفَاقُ هُجُودُ ................. فَبَاتَتْ بِعُلَّاتِ النَّوَالِ تَجُودُ
وقالَ الحُطَيْئَةُ:
أَلَا طَرَقَتْ هِنْدُ الهُنُودِ وَصُحْبَتِي ......... بِحَوْرَانَ حَورَانِ الجُنُودِ هُجُودُ
وقالَ جرير:
أَلَا طَرَقَتْ وأَهْلُ مِنًى هُجُودُ ................... وَلَيْتَ خَيالَهَا بِمِنًى يَعودُ
فَهُجُودٌ: نِيَامٌ، جَمْعُ "هاجِدٍ" كَ "سُجُودٍ" جمعُ "سَاجِدٍ". وَقِيلَ: الهُجُودُ: مُشْتَرَكٌ بَيْنَ النّائِمِ والمُصَلِّي. قالَ ابْنُ الأَعْرابيِّ: تَهَجَّدَ: صَلَّى مِنَ اللَّيْلِ، وتَهَجَّدَ: نامَ، وهوَ قَوْلُ أَبي عُبَيْدَةَ واللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. فَمَادَّةُ "التَّفَعُّلِ" فِيهِ لِلْإِزَالَةِـ مِثْلُ: "التَحَرُّجِ" وَ "التَأَثُّمِ". وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ، فِي كِتابِ الصَّلَاةِ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَبُو شِبْلٍ النَّخَعِيِّ، والأَسْوَدُ بنُ يَزِيْدَ بنِ قَيْسٍ أَبُو عَمْرٍو النَّخَعِي ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: التَّهَجُّدُ بَعْدَ نَوْمَةٍ. وَالنَّافِلَةُ: الزِّيَادَةُ مِنَ الْأَمْرِ الْمَحْبُوبِ. وَاللَّامُ فِي "لَكَ" مُتَعَلِّقَةٌ بِـ "نافِلَةً" وَهِيَ لَامُ الْعِلَّةِ، أَيْ نَافِلَةً لِأَجْلِكَ. وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالتَّهَجُّدِ خَاصٌّ بِالنَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ. وَبِذَلِكَ انْتَظَمَ فِي عِدَادِ الصَّلَوَاتِ الْوَاجِبَةِ، فَبَعْضُهَا وَاجِبٌ عَلَيْهِ ـ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وَعَلَى أُمَّتِهِ، وَبَعْضُهَا وَاجِبٌ عَلَيْهِ خَاصَّةً، لِقَوْلِهِ ـ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، فِيمَا أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، عَنْ أُمِّ المُؤْمِنِينَ السيِّدةِ عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وأَرْضَاهَا، أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ثَلَاثٌ هُنَّ عَلَيَّ فَرَائضُ، وَهُنَّ لَكُمْ سُنَّةٌ: الْوِتْرُ، والسِّواكُ وَقِيامُ اللَّيْلِ)).
وأَخْرَجَ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، والبيهقيُّ في سُنَنِهِ الكُبْرى، والبَزَّارُ، وابْنُ عديٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: ((ثَلَاثٌ هُنَّ عَلَيَّ فَرَائِضُ وَهُنَّ لَكُمْ تَطَوُّعٌ الْوَتْرُ وَالنَّحْرُ وَصَلَاةُ الضُّحَى)). مُسْنَدُ الإمامِ أَحْمَدِ بْنِ حَنْبَل: (1/231 برقم،2050)، وسُنَنُ الدارقطني: (2/21)، والسُنَنُ الكُبْرَى للبَيْهَقِيُّ: (2/468)، والكامِل لابْنِ عديٍّ: (7/213).
وأَخْرَجَ الحَاكِمُ فِي مُسْتَدْركِهَ، والدارقطنيُّ في سُنَنِهِ، والخطيبُ البَغداديُّ في المُتَّفِقِ والمُفْتَرِقِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالَ: ((ثلاثٌ هُنَّ عَلَيَّ فَرَائِضُ وَلَكُمْ تَطَوُّعٌ: النَّحْرُ، والوِتْرُ، وَرَكْعَتَا الفَجْرِ)).
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنِ الضَّحَّاكِ ـ رضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: نُسِخَ قِيامُ اللَّيْلِ إِلَّا عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فِي قَوْلِهِ: "نَافِلَة لَكَ" يَعْنِي خَاصَّةً للنَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أُمِرَ بِقِيَامِ اللَّيْلِ وَكُتِبَ عَلَيْهِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي دَلَائِلِ النُّبوَّةِ، عَنْ مُجَاهِدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: "نَافِلَةً لَكَ" قَالَ: لَمْ تَكُنْ النَّافِلَةُ لأَحَدٍ إِلَّا للنَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خَاصَّةً مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، فَمَا عَمِلَ مِنْ عَمَلٍ مَعَ الْمَكْتُوبِ فَهُوَ نَافِلَةٌ لَهُ سِوَى الْمَكْتُوبِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ لَا يَعْمَلُ ذَلِكَ فِي كَفَّارَةِ الذُّنُوبِ، فَهِيَ نَوافِلُ لَهُ وَزِيَادَةٌ، وَالنَّاسُ يَعْمَلُونَ مَا سِوَى الْمَكْتُوبِ فِي كَفَّارَةِ ذُنُوبِهم، فَلَيْسَ للنَّاسِ نَوَافِلُ، إِنَّمَا هِيَ للنَّبِيِّ ـ صَلِّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلِّمَ، خَاصَّةً.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ الْحَسَنِ البَصْريِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، مِثْلَهُ.
وَأَخْرَجَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ، عَنِ الْحَسَنِ البَصْريِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: "وَمِنَ اللَّيْل فتهجد بِهِ نَافِلَةً لَكَ" قَالَ: لَا تَكونُ نَافِلَةُ اللَّيْلِ إِلَّا للنَّبِيِّ ـ صَلِّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَأَخْرَجَ أَحْمدُ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، عَنْ أَبي أُمَامَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: "نَافِلَةً لَكَ" قَالَ: كَانَتْ للنَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَافِلَةً وَلَكُمْ فَضِيلَةً، وَفِي لَفْظٍ: إِنَّمَا كَانَتِ النَّافِلَةُ خَاصَّةً لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَأَخْرَجَ الطَّيَالِسِيُّ، وَابْنُ نَصْرٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ، ابْنُ مِرْدُوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ، والخَطِيبُ البغداديُّ فِي تَارِيخِهِ، عَنْ أَبي أُمَامَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: إِذَا تَوَضَّأَ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، فَإِنْ قَعَدَ قَعَدَ مَغْفُورًا لَهُ، وَإِنْ قَامَ يُصَلِّي كَانَتْ لَهُ فَضِيلَةً، قِيلَ لَهُ: نَافِلَةً؟ قَالَ: إِنَّمَا النَّافِلَةُ للنَّبِيِّ ـ صَلِّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَيْفَ يَكونُ لَهُ نَافِلَةً وَهُوَ يَسْعَى فِي الْخَطَايَا والذنُوبِ، وَلَكِنْ فَضِيلَةً. وَيُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ مُرَغَّبٌ فِيهِ كَمَا صَرَّحَتْ بِهِ الآيَةُ: 20، مِنْ سُورَةِ الْمُزَّمِّلِ: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ} إِلَى قَوْلِهِ مِنْها: {مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ}. وَفِي هَذَا زِيَادَةُ تَشْرِيفٍ لَهُ، وَلِهَذَا أُعْقِبَ بِوَعْدِ أَنْ يَبْعَثَهُ اللهُ مَقَامًا مَحْمُودًا. فَالْمَعْنَى: لِيَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا.
وَأَخْرَجَ عبْدُ الرَّزَّاقِ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَمُحَمَّدُ ابْنُ نَصْرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، "نَافِلَةً لَكَ" قَالَ: تَطَوُّعًا، وَفَضِيلَةً لَكَ.
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَديثِ ابْنِ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، أَنَّ النَّاسَ يَصِيرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جُثًا (بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَخْفِيفِ الْمُثَلَّثَةِ)، أَيْ جَمَاعَاتٍ كُلُّ أُمَّةٍ تَتَّبِعُ نَبِيَّها، يَقُولُونَ: يَا فُلَانُ اشْفَعْ! حَتَّى تَنْتَهِيَ الشَّفَاعَةُ إِلَى النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَلِكَ يَوْمَ يَبْعَثُهُ اللهُ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ.
قوْلُهُ: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} تَعْلِيلٌ لِإِيجَابِ التَّهَجُّدِ عَلَيْهِ ـ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ، خاصَّةً، وَالرَّجَاءُ إِذا كانَ مِنَ اللهِ تَعَالَى فهوَ وَعْدٌ. وَالْمَقَامُ: هو مَحَلُّ الْقِيَامِ. وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَكَانُ الْمَعْدُودُ لِأَمْرٍ عَظِيمٍ، لِأَنَّهُ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَقُومَ النَّاسُ فِيهِ وَلَا يَجْلِسُوا، لأنَّهُ يُسمَّى حينئذٍ مَجْلِسٌ. وَانْتَصَابُهُ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ المكانيَّةِ لِـ "يَبْعَثَكَ". وَقدْ وُصِفَ بِالْمَحْمُودِ وَصْفًا مَجَازِيًّا. إِنَّمَا الْمَحْمُودُ هو مَنْ يَقُومُ فِيهِ، أَيْ: يُحْمَدُ أَثَرُهُ فِيهِ، وَذَلِكَ لِغَنَاهُ عَنْ أَصْحَابِ ذَلِكَ الْمَقَامِ ولإِدْلالِهِ عَلَيْهم بما هو محمودٌ مِنَ الفِعَالِ، فَإِنَّ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ هُنَا هوَ الشَّفَاعَةُ الْعُظْمَى لِجَميعِ مَنْ في ذَلِكَ المَوْقِفِ، لِبِدْءِ الحِسَابِ، وإِنْهاءِ مَا هُمْ فِيهِ مِنْ عَذابِ. فَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي دَلَائِلِ النُبُوَّةِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: "عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا" وَسُئِلَ عَنْهُ، قَالَ: ((هُوَ الْمقَام الَّذِي أَشْفَعُ فِيهِ لأُمَّتي)). مُسْندُ أَحْمَد: (2/441، 444، 528)، والترمذيُّ: (3137).
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الإِيمانِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الشَّفَاعَةُ.
وأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَالْبُخَارِيُّ، والنَّصُّ لَهُ وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: (إِنَّ النَّاسَ يَصِيرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جُثًا كُلُّ أُمَّةٍ تَتْبَعُ نَبِيَّهَا يَقُولُونَ يَا فُلَانُ اشْفَعْ يَا فُلَانُ اشْفَعْ حَتَّى تَنْتَهِيَ الشَّفَاعَةُ إِلَى النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَلِكَ يَوْمَ يَبْعَثُهُ اللهُ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ). صحيحُ البُخارِيِّ: (4/1748، برقم: 4441)، و (السُنَنُ الكُبْرَى) للنَّسَائيُّ: (6/381، بِرقم: 11295).
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((يُبْعَثُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَكُونُ أَنَا وَأُمَّتِي عَلَى تَلٍّ، وَيَكْسُونِي رَبِّي حُلَّةً خَضْرَاءَ، ثُمَّ يُؤْذَنُ لِي فَأَقُولُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ أَقُولَ، فَذَلِكَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ)). مُسْنَدُ الإمامِ أَحْمَد: (3/456، رقم: 15821)، قالَ ابنُ حَجَرٍ الهَيْثَمِيُ: (7/51): رِجَالُه رِجالُ الصَّحيحِ. والطَبَرانيُّ: (19/72، رقم: 142)، والحاكِمُ: (2/395، رقم: 3383)، وقال: صَحيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ.
وَأخرج البُخَارِيّ وَابْن جَريرٍ والنصُّ لَهُ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ـ رضِيَ اللهُ عنْهُما، يَقُولُ: ((إِنَّ الشَّمْسَ لَتَدْنُو حَتَّى يَبْلُغَ الْعَرَقُ نِصْفَ الْأُذُنِ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ اسْتَغَاثُوا بِآدَمَ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَيَقُولُ: لَسْتُ صَاحِبَ ذَلِكَ، ثُمَّ بِمُوسَى ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَيَقُولُ كَذَلِكَ، ثُمَّ بِمُحَمَّدٍ فَيَشْفَعُ بَيْنَ الْخَلْقِ فَيَمْشِي حَتَّى يَأْخُذَ بِحَلْقَةِ الْجَنَّةِ، فَيَوْمَئِذٍ يَبْعَثُهُ اللهُ مَقَامًا مَحْمُودًا)). جامِعُ البَيَانِ عَنْ تَأْويلِ آيِ القُرْآنِ: (15/146).
وَأَخْرَجَ عبْدُ الرَّزَّاقِ والنَصُّ لَهُ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مِرْدُوَيْه، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الإِيمانِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ مَدَّ اللهُ الْأَرْضَ مَدَّ الْأَدِيمِ، حَتَّى لَا يَكُونَ لِبَشَرٍ مِنَ النَّاسِ إِلَّا مَوْضِعَ قَدَمَيْهِ))، قَالَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُدْعَى، وَجِبْرِيلُ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ، وَاللهِ مَا رَآهُ قَبْلَهَا، قَالَ: فَأَقُولُ: يَا رَبِّ إِنَّ هَذَا أَخْبَرَنِي أَنَّكُ أَرْسَلْتَهُ إِلَيَّ فَيَقُولُ اللهُ: صَدَقَ ثُمَّ أَشْفَعَ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ عِبَادُكَ عَبَدُوكَ فِي أَطْرَافِ الْأَرْضِ، قَالَ: وَهُوَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ)). تَفْسيرُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: (1/328).
وَأَخْرَجَ ابْنُ مِرْدُوَيْهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبي وَقَّاصٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِ الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ فَقَالَ: هُوَ الشَّفَاعَةُ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ مِنْ طُرُقٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: "عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا" قَالَ: مَقَامُ الشَّفَاعَةِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْثِ، والخَطِيبُ فِي الْمُتَّفِقِ وَالمُفْتَرِقِ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ اليمانِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: (يُجْمَعُ النَّاسُ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، يُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي وَيَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ، حُفَاةً عُراةً كَمَا خُلِقُوا قِيَامًا، لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ، يُنَادَى: يَا مُحَمَّدُ، فَيَقُولُ: "لَبَّيْكَ وسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ، وَالْمَهْدِيُّ مَنْ هَدَيْتَ، وَعَبْدُكَ بَيْنَ يَدَيْكَ، وَبِكَ وَإِلَيْكَ، لَا مَنْجَى وَلَا مَلْجَأَ مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، سُبْحَانَكَ رَبَّ الْبَيْتِ). فَهَذَا الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ. تَفْسيرُ الطَبَرِيِّ: (15/97).
وَأَخْرَجَ أَحْمد وَابْنُ جَريرٍ والنَصُّ لَهُ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالْحَاكِمُ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنِّي لَأَقُومُ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ)). فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا ذَلِكَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((ذَاكَ إِذَا جِيءَ بِكُمْ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا، فَيَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُكْسَى إِبْرَاهِيمُ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَيُؤْتَى بِرَيْطَتَيْنِ بَيْضَاوَيْنِ، فَيَلْبَسُهُمَا، ثُمَّ يَقْعُدُ مُسْتَقْبِلَ الْعَرْشِ، ثُمَّ أُوتَى بِكِسْوَتِي فَأَلْبَسُهَا، فَأَقُومُ عَنْ يَمِينِهِ مَقَامًا لَا يَقُومُهُ غَيْرِي، يَغْبِطُنِي فِيهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ، ثُمَّ يُفْتَحُ نَهْرٌ مِنَ الْكَوْثَرِ إِلَى الْحَوْضِ)). وأَخْرَجَهُ أَحمدُ: (1/398، رقم: 3787)، والبَزَّارُ: (4/339، رقم: 1534)، والطَبَرانيُّ: (10/80، رقم: 10017)، وأَخْرجَهُ أَيْضًا: الدارِميُ: (2/419، رقم: 2800)، والحاكمُ: (2/396، رقم: 3385) وَقَالَ: صَحيحُ الإِسْنَادِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ مِرْدُوَيْهِ، مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سُئِلَ: مَا الْمقَامُ الْمَحْمُودُ الَّذِي ذَكَرَ لَكَ رَبُّكَ؟ قَالَ: ((يَحْشُرُ اللهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، عُرَاةً غُرْلًا، كَهَيْئَتِكُمْ يَوْمَ وُلِدْتُمْ، هَالَهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وكَظَمَهُمُ الكَرْبُ الْعَظِيمُ، وَبَلَغَ الرَّشْحُ أَفْوَاهَهُمْ، وَبَلَغَ بِهِمُ الْجُهْدُ والشِدَّةُ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مُدْعَى، وَأَوَّلَ مُعْطَى، ثُمَّ يُدْعَى إِبْرَاهِيمُ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَدْ كُسِيَ ثَوْبَيْنِ أَبْيَضَيْنِ مِنْ ثِيَابِ الْجَنَّةِ، ثُمَّ يُؤْمَرُ فَيُجْلَسُ فِي قِبَلِ الْكُرْسِيِّ، ثُمَّ أَقُومُ عَنْ يَمِينِ الْعَرْشِ، فَمَا مِنَ الْخَلَائقِ قَائِمٌ غَيْرِي، فَأَتَكَلَّمُ فَيَسْمَعُونَ، وَأَشْهَدُ فَيُصَدِّقونَ)).
وَأَخْرَجَ ابْنُ مِرْدُوَيْهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَرَأَ "عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا" قَالَ: يُجْلِسُهُ عَلَى السَّريرِ.
وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا فَخْرُ، وَبِيَدِي لِوَاءُ الْحَمْدِ، وَلَا فَخْرُ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ يَوْمئِذٍ ـ آدَمُ فَمَنْ سِوَاهُ، إِلَّا تَحْتَ لِوَائِي، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ، وَلَا فَخْرُ، فَيَفْزَعُ النَّاسُ ثَلَاثَ فَزْعَاتٍ، فَيَأْتُونَ آدَمَ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَيَقُولُونَ: أَنْت أَبونَا فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ فَيَقُولُ: إِنِّي أَذْنَبْتُ ذَنْبًا أُهْبِطْتُ مِنْهُ إِلَى الأَرْضِ، وَلَكِنِ ائْتُوا نُوحًا، فَيَأْتُونَ نُوحًا، فَيَقُولُ: إِنِّي دَعَوْتُ عَلى أَهْلِ الأَرْضِ دَعْوَةً فَأُهْلِكُوا، وَلَكِنِ اذْهَبُوا إِلَى إِبْرَاهِيمَ، فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ ـ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَيَقُولُ: ائْتُوا مُوسَى، فَيَأْتُونَ مُوسَى ـ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ، فَيَقُولُ: إِنِّي قَتَلْتُ نَفْسًا، وَلَكِنِ ائْتُوا عِيسَى، فَيَأْتُونَ عِيسَى ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَيَقُولُ: إِنِّي عُبِدْتُ مِنْ دُونَ اللهِ، وَلَكِنِ ائْتُوا مُحَمَّدًا ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَأْتُوني، فَأَنْطَلِقُ مَعَهُمْ، فَآخُذُ بِحَلْقَةِ بَابِ الْجَنَّةِ، فَأُقَعْقِعُهَا، فَيُقَالُ: مَنْ هَذَا فَأَقُولُ: مُحَمَّد، فَيَفْتَحُونَ لِي، وَيَقُولُونَ: مَرْحَبًا، فَأَخِرُّ سَاجِدًا، فَيُلْهِمُني اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ، مِنَ الثَّنَاءِ وَالْحَمْدِ وَالْمَجْدِ، فَيُقَالُ: ارْفَعْ رَأْسَكَ، سَلْ تُعْطَ، وَاشْفَعْ تُشَفّعْ، وَقُلْ يُسْمَعْ لِقَوْلِكَ، فَهُوَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الَّذِي قَالَ اللهُ: "عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا" كِتَابُ التَفْسِيرِ مِنْ سُنَنِ التِرْمِذِيِّ، حَديث: (3148).
وَأَخْرَجَ ابْنُ مِرْدُوَيْهِ عَنْ أَبي سَعيدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: "عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا"، قَالَ: يُخْرِجُ اللهُ قَوْمًا مِنَ النَّارِ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ والقِبْلَةِ، بِشَفَاعَةِ مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَلِكَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ.
وَأَخْرَجَ البُخَارِيُّ عَنْ جَابِرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّداءَ: اللهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ، آتٍ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ والفَضِيلَةَ، وابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ)).
وَأَخْرَجَ ابْنُ مِرْدُوَيْهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ ذَكَرَ حَدِيثَ الجَهَنَّمِيِّينَ فَقيل لَهُ: مَا هَذَا الَّذِي تُحَدِّثُ وَاللهُ تَعَالَى يَقُولُ: {إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلُ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} الآيَة: 192، مِنْ سُورةِ آلِ عُمْرَانَ، و {وَكُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدوا فِيهَا} الآيَةَ: 20، مِنْ سورةِ السَّجْدَة، فَقَالَ: هَلْ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قَالَ: نَعَم. قَالَ: فَهَلْ سَمِعْتَ فِيهِ بِالْمَقَامِ الْمَحْمُودِ؟ قَالَ: نَعَم. قَالَ: فَإِنَّهُ مَقَامُ مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الَّذِي يُخْرِجُ اللهُ بِهِ مَنْ يُخْرِجُ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: يَأْذَنُ اللهُ تَعَالَى فِي الشَّفَاعَةِ، فَيَقُومُ رُوحُ الْقُدْسِ جِبْرِيلُ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ يَقُومُ إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ اللهِ ـ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، ثُمَّ يَقومُ عِيسَى أَوْ مُوسَى ـ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، ثُمَّ يَقومُ نَبِيُّكُم ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاقِفًا لِيَشْفَعَ، لَا يَشْفَعُ أَحَدٌ بَعْدَهُ أَكْثَرَ مِمَّا شَفِعَ، وَهُوَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الَّذِي قَالَ اللهُ: "عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا".
وَأَخْرَجَ ابْنُ مِرْدُوَيْهِ عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخِدْريِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِذَا سَأَلْتُمُ اللهَ فَاسْأَلُوهُ أَنْ يَبْعَثَنِي الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ الَّذِي وَعَدَني)).
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ، عَنْ سَلْمَان الفارسيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: يُقَالُ لَهُ: سَلْ تُعْطَهُ ـ يَعْنِي النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، وادْعُ تُجَبْ، فيَرْفَعُ رَأْسَهُ، فَيَقُولُ: أُمَّتِي. (مَرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا). فَقَالَ سَلْمَانُ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: يَشْفَعُ فِي كُلِّ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ حِنْطَةٍ مِنْ إِيمَانٍ، أَوْ مِثْقَالُ شَعِيرَةٍ، مِنْ إِيمَانٍ، أَوْ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ. قَالَ سَلْمَان ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: فَذَلِكُمُ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ.
قولُهُ تَعَالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} الواوُ: للعطْفِ، و "مِنَ" حرفُ جَرٍّ للتَبْعِيضِ، معطوفٌ عَلَى {أَقِمْ} مِنَ الآيَةِ التي قَبْلَها، مُتَعَلِّقٌ بـ "تَهَجَّدْ"، أَيْ: تَهَجَّدْ بالقُرْآنِ بَعْضَ اللَّيْلِ، ويَجُوزُ: أَنْ يَتَعَلَّقَ بِمَحْذوفٍ قَدَّرَهُ الحُوفيُّ: وَقُمْ قَوْمَةً مِنَ اللَّيْلِ، أَوْ: واسْهَرْ مِنَ اللَّيْلِ. وَقدَّرَهُ الزَمَخْشَرِيُّ: وَعَلَيْكَ بَعْضَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ. فإنْ كانَ أَرادَ تَفْسِيرَ المَعْنَى فَقَريبٌ، وإِنْ أَرَادَ تَفْسِيرَ الإِعْرابِ فَلَا يَصِحُّ، لأَنَّ المُغْرَى بِهِ لَا يَكونُ حَرْفًا، وجَعْلُهُ "مِن" بِمَعْنَى "بَعْض" لا يَقْتَضي اسْمِيَّتَها، بِدَليلِ أَنَّ واوَ المَعِيَّةِ "وَمَعَ" لَيْسَتْ اسْمًا بإِجْماعٍ، وإِنْ كانَتْ بِمَعْنَى اسْمٍ صَريحٍ وهوَ "مَعَ". و "الليلِ" مجرورٌ بحرفِ الجرِّ. و "فَتَهَجَّدْ" الفاءُ: عاطِفَةٌ، و "تَهَجَّدْ" فِعْلُ أَمْرٍ مبنِيٌّ على السُّكونِ، وفاعِلُهُ ضَميرٌ مُسْتترٌ فيهِ وجوبًا تقديرُهُ (أنتَ) يَعُودُ عَلَى سيِّدِنا مُحَمَّدٍ ـ صلى اللهُ عليهِ وسلمُ، و "به" الباءُ حرُفُ جرٍّ متَعلِّقٌ بـ ""تَهَجَّدْ"، والهاءُ: ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ ي محلِّ الجرِّ بحرفِ الجرِّ والظاهرُ عَوْدُ هُذا الضميرِ عَلى القُرْآنِ مِنْ حَيْثُ هُوَ، لَا بِقَيْدِ إِضَافَتِهِ إِلَى الفَجْرِ. ويجوزُ أَنْ يعودُ عَلَى الوَقْتِ المُقَدَّرِ، أَيْ: وَقُمْ وقْتًا مِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِذَلِكَ الوَقْتِ، فَتَكونُ الباءُ بِمَعْنَى "في". و "نافِلَةً" منصوبٌ عَلَى المَصْدَريَّةِ، أَيْ: تَتَنَفَّلُ نافِلَةً لَكَ عَلى الصَلَواتِ المَفْروضَةِ. أوْ أَنَّهُ مَنْصوبٌ بـ "تَهَجَّدْ" لأَنَّهُ في مَعْنَى "تَنَفَّلْ"، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: تَنَفَّلْ نَافْلَةً. والنَّافِلَةُ، مَصْدَرٌ كالعاقِبَةِ والعافِيَةِ. وقالَ العُكْبُريُّ أَبُو البَقَاءِ: هُو نَصْبٌ عَلَى الحالِ مِنَ الهاءِ فِي "به"، أَيْ: صَلاةَ نافِلَةٍ، وَذلكَ إِذَا جَعَلْتَها عائدَةً عَلَى القُرْآنِ لا عَلَى وَقْتٍ مُقَدَّرٍ. وظاهِرُ قَوْلِ الحُوفِيِّ أَنَّهُ مَنْصُوبٌ عَلَى المَفْعُولِيَّةِ، فإِنَّهُ قالَ: وَيَجُوزُ أَنْ يَنْتَصِبَ "نافلةً" بِـ "تَهَجَّدْ"، إِذَا ذَهَبْتَ بِذَلِكَ عَلَى مَعْنَى: صَلِّ بِهِ نَافِلَةً، أَيْ: صَلِّ نافِلَةً لَكَ. و "لَكَ" اللامُ: حرفُ جَرٍّ متعلِّقٌ بِصِفَةٍ لِـ "نافِلَةً"، أَيْ: صَلِّ بِهِ الصَّلاةَ حَالَةَ كَوْنِ الصَّلاةِ "نافِلَةً لَكَ". وَكافُ الخِطابِ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ فِي مَحَلِّ الجَرِّ بِحَرْفِ الجَرِّ. والجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى تِلْكَ الجُمْلَةِ المَحْذوفَةِ، أَعْنِي: وَقُمْ قَوْمَةً مِنَ اللَّيْلِ، أَوْ: واسْهَرْ مِنَ اللَّيْلِ.
قولُهُ: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} عَسَى: فِعْلٌ مَاضٍ جامدٌ تَامٌّ بِمَعْنَى "حَقَّ"، وَ "وَجَبَ"، و "ثَبتَ" مَبْنيٌّ على الفتحِ المقدَّرِ على آخرهِ لتعذُّرِ ظهورِهِ على الأَلِفِ. و "أَنْ" حرفٌ مصدريٌ ناصِبٌ، و "يَبْعَثَكَ" فعلٌ مُضارعٌ منصوبٌ بـ "أَنْ"، وكافُ الخطابِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ النَّصِبِ مفعولٌ بِهِ. و "رَبُّكَ" فاعِلٌ مَرْفوعٌ، وهوَ مُضافٌ، وكافُ الخطابِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ فيمحلِّ الجرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ. و "مَقَامًا" مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ مَعْنَوِيٌ لِـ "يَبْعَثَكَ" لِأَنَّهُ بِمَعْنَى "يُقيمُكَ". أَوْ أَنَّهُ مَنْصوبٌ عَلَى الظَرْفِيَّةِ، أَيْ: يَبْعَثكَ في مَقَامٍ محمودٍ. أَوْ أَنَّهُ مَنْصُوبٌ عَلَى الحَالِ، أَيْ: يَبْعَثُكَ ذَا مَقَامٍ مَحْمُودٍ. أَوْ أَنَّهُ مَنْصوبٌ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ مُؤكِّدٌ، ونَاصِبُهُ مُقَدَّرٌ، أَيْ: فَيَقُومُ مَقَامًا محمودًا. وَ يَتَعَيَّنُ أنْ تكونَ "عَسَى" عَلَى الأَوْجُهِ الثلاثَةِ ـ دُونَ الرَّابِعِ، فعْلًا تامًا، فَتَكونُ مُسْنَدَةً إِلَى "أَنْ" ومَا فِي حَيِّزِهَا، إِذْ لَوْ كانَتْ نَاقِصَةً عَلَى أَنْ يَكونَ "أَنْ يَبْعَثَكَ" خَبَرًا مُقَدَّمًا، وَ "ربُّكَ" اسْمًا لَهَا مُؤَخَّرًا، لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ مَحْذُورٌ: وهوَ الفَصْلُ بِأَجْنَبِيٍ بَيْنَ صِلَةِ المَوْصُولِ وَمَعْمُولِها، فَإِنَّ "مَقامًا" عَلَى الأَوْجُهِ الثَلاثَةِ الأُوَلِ مَنْصُوبٌ بـ "يَبْعَثُكَ" وَهوَ صِلَةٌ لـ "أَنْ" فَإِذَا جَعَلْتَ "رَبُّ" اسْمًا لهَا كانَ أَجْنَبِيًّا مِنَ الصَلَةِ، فَلَا يُفْصَلُ بِهِ، وَإِذَا جَعَلْتَهُ فَاعِلًا لَمْ يَكُنْ أَجْنَبِيًّا، فَلا يُبَالَى بِالفَصْلِ بِهِ. وأَمَّا عَلَى الوَجْهِ الرَّابِعِ فَيَجُوزُ أَنْ تَكونَ "عَسَى" التامَّةَ والنَّاقِصَةَ بالتَقْديمِ وَالتَأْخِيرِ لِعَدَمِ المَحْذُورِ؛ لِأَنَّ "مَقَامًا" مَعْمُولٌ لِغَيْرِ الصِّلَةِ، وَهَذَا مِنْ مَحَاسِنِ صِنَاعَةِ النَّحْوِ، وَتَقَدَّمَ لَكَ قَريبٌ مِنْ هَذَا في سُورَةِ إِبْراهِيمَ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، في قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفِي اللهِ شَكٌّ فَاطِرِ} الآيةَ: 10. وَ "مَحْمُودًا" صِفَةٌ لِـ "مَقَامًا" منصوبةٌ مثلُهُ. وَجُمْلَةُ "يَبْعَثَ" صِلَةُ "أَنْ" المَصْدَرِيَّةِ و "أَنْ" مَعَ صِلَتِهَا فِي تَأْويلِ مَصْدَرٍ مَرْفُوعٌ عَلَى الفَاعِلِيَّةِ، لِـ "عَسَى" والتقديرُ: عَسَى بَعْثُ رَبِّكَ إِيَّاكَ مَقَامًا مَحْمُودًا؛ أَيْ: إِقَامَتُهُ إِيَّاكَ مِنَ القَبْرِ، أَوْ فِي الآخِرَةِ قِيَامًا مَحْمُودًا.
مواضيع مماثلة
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 2
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 16 (2)
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 31
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 43
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 59
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 16 (2)
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 31
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 43
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 59
منتدى مدينة أرمناز العام :: المنتدى الخاص بشاعر أرمناز الكبير الأستاذ عبدالقادر الأسود :: البحوث والدراسات والمقالات النثرية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء أكتوبر 01, 2019 11:34 am من طرف bassam1972
» شهادة الشاعر الكبير الأستاذ عبد القادر دياب مدير عام الملتقى الثقافي العربي
الجمعة سبتمبر 13, 2019 7:15 pm من طرف bassam1972
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 12
الجمعة يوليو 12, 2019 10:33 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 10
الخميس يوليو 11, 2019 10:54 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 9
الأربعاء يوليو 10, 2019 1:29 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 8
الأربعاء يوليو 10, 2019 10:41 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 6
الثلاثاء يوليو 09, 2019 4:24 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 5
الأحد يوليو 07, 2019 10:10 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 3
السبت يوليو 06, 2019 10:14 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 2
الجمعة يوليو 05, 2019 10:54 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكه، الآية: 1
الأربعاء يوليو 03, 2019 3:27 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف: تعريف
الثلاثاء يوليو 02, 2019 7:01 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 111
السبت يونيو 29, 2019 7:26 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 110
الخميس يونيو 27, 2019 10:38 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 109
الخميس يونيو 27, 2019 6:45 am من طرف عبد القادر الأسود