منتدى مدينة أرمناز العام
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة البقرة ، :الآية: 1

اذهب الى الأسفل

فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة البقرة ، :الآية: 1 Empty فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة البقرة ، :الآية: 1

مُساهمة من طرف عبد القادر الأسود الجمعة أغسطس 31, 2012 5:16 pm

سورة البقرة
فضلها والتعريف بها:
سورة البقرة مدنية وهي مائتان وثمانون وسبع آيات، نَزَلَتْ فِي مُدَدٍ شَتَّى. وَقِيلَ: هِيَ أَوَّلُ سُورَةٍ نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ، إِلَّا قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ}. البقرة: 281. فَإِنَّهُ آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ مِنَ السَّمَاءِ، وَنَزَلَتْ يَوْمَ النَّحْرِ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ بِمِنًى، وَآيَاتُ الرِّبَا أَيْضًا مِنْ أَوَاخِرِ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ. وَهَذِهِ السُّورَةُ فَضْلُهَا عَظِيمٌ وَثَوَابُهَا جَسِيمٌ. وَيُقَالُ لَهَا: فُسْطَاطُ الْقُرْآنِ، قَالَهُ خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ. وَذَلِكَ لِعِظَمِهَا وَبِهَائِهَا، وَكَثْرَةِ أَحْكَامِهَا وَمَوَاعِظِهَا. وَتَعَلَّمَهَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِفِقْهِهَا وَمَا تَحْتَوِي عَلَيْهِ فِي اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، وَابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ فِي ثَمَانِي سِنِينَ. فِيهَا أَلْفُ أَمْرٍ وَأَلْفُ نَهْيٍ وَأَلْفُ حُكْمٍ وَأَلْفُ خَبَرٍ. وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْثًا وَهُمْ ذَوُو عَدَدٍ وَقَدَّمَ عَلَيْهِمْ أَحْدَثَهُمْ سِنًّا لِحِفْظِهِ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، وَقَالَ لَهُ: ((اذْهَبْ فَأَنْتَ أَمِيرُهُمْ)) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَصَحَّحَهُ. وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ وَلَا يَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ)) والْبَطَلَةَ: السَّحَرَةُ. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ)). وَرَوَى الدَّارِمِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: مَا مِنْ بَيْتٍ يُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ إِلَّا خَرَجَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ. وَقَالَ: إِنَّ لِكُلِ شيءٍ سَنَامًا وَإِنَّ سَنَامَ الْقُرْآنِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ، وَإِنَّ لكلِّ شيءٍ لُبَابًا وَإِنَّ لُبَابَ الْقُرْآنِ الْمُفَصَّلُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ. اللُّبَابُ: الْخَالِصُ. وَفِي صَحِيحِ الْبَسْتِيِّ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ لِكُلِ شيءٍ سَنَامًا وَإِنَّ سَنَامَ الْقُرْآنِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَمَنْ قَرَأَهَا فِي بَيْتِهِ لَيْلًا لَمْ يَدْخُلِ الشَّيْطَانُ بَيْتَهُ ثَلَاثَ لَيَالٍ وَمَنْ قَرَأَهَا نَهَارًا لَمْ يَدْخُلِ الشَّيْطَانُ بَيْتَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ)). قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الْبَسْتِيُّ: قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَمْ يَدْخُلِ الشَّيْطَانُ بَيْتَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) أَرَادَ: مَرَدَةَ الشَّيَاطِينِ. وَرَوَى الدَّارِمِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: مَنْ قَرَأَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ لَمْ يَدْخُلْ ذَلِكَ الْبَيْتَ شَيْطَانٌ تِلْكَ اللَّيْلَةَ حَتَّى يُصْبِحَ، أَرْبَعًا مِنْ أَوَّلِهَا وَآيَةَ الْكُرْسِيِّ وَآيَتَيْنِ بَعْدَهَا وَثَلَاثًا خَوَاتِيمَهَا، أَوَّلُهَا: {لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ} البقرة: 284. وَعَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْهُ: لَمْ يَقْرَبْهُ وَلَا أَهْلَهُ يومئذٍ شيطانٌ ولا شيء يَكْرَهُهُ، وَلَا يُقْرَأْنَ عَلَى مَجْنُونٍ إِلَّا أَفَاقَ. وَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ سُبَيْعٍ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ: لَمْ يَنْسَ الْقُرْآنَ. وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى: لَمْ يَنْسَ مَا قَدْ حَفِظَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ: مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: الْمُغِيرَةُ بْنُ سُمَيْعٍ. وَفِي كِتَابِ الِاسْتِيعَابِ لِابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ: وَكَانَ لَبِيَدُ مِنْ شُعَرَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ، أَدْرَكَ الْإِسْلَامَ فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ وَتَرَكَ قَوْلَ الشِّعْرِ فِي الْإِسْلَامِ، وَسَأَلَهُ عُمَرُ فِي خِلَافَتِهِ عَنْ شِعْرِهِ وَاسْتَنْشَدَهُ، فَقَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، فَقَالَ: إِنَّمَا سَأَلْتُكَ عَنْ شِعْرِكَ، فَقَالَ: مَا كُنْتُ لِأَقُولَ بَيْتًا مِنَ الشِّعْرِ بَعْدَ إِذْ عَلَّمَنِي اللَّهُ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ، فَأَعْجَبَ عُمَرَ قَوْلُهُ، وَكَانَ عَطَاؤُهُ أَلْفَيْنِ فَزَادَهُ خَمْسَمِائَةٍ. وَقَدْ قَالَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْأَخْبَارِ: إِنَّ لَبِيدًا لَمْ يَقُلْ شِعْرًا مُنْذُ أَسْلَمَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمْ يَقُلْ فِي الْإِسْلَامِ إِلَّا قَوْلَهُ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ إِذْ لَمْ يَأْتِنِي أَجَلِي ....... حَتَّى اكْتَسَيْتُ مِنَ الْإِسْلَامِ سِرْبَالَا
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَقَدْ قِيلَ إِنَّ هَذَا الْبَيْتَ لِقَرَدَةَ بْنِ نُفَاثَةَ السَّلُولِيِّ، وَقَالَ غَيْرُهُ: بَلِ الْبَيْتُ الَّذِي قَالَهُ فِي الْإِسْلَامِ:
مَا عَاتَبَ الْمَرْءَ الْكَرِيمَ كَنَفْسِهِ ......... وَالْمَرْءُ يُصْلِحُهُ الْقَرِينُ الصَّالِحُ
وَسَيَأْتِي مَا وَرَدَ فِي آيَةِ الْكُرْسِيِّ وَخَوَاتِيمِ الْبَقَرَة، وَيَأْتِي فِي أَوَّلِ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ زِيَادَةُ بَيَانٍ لِفَضْلِ هَذِهِ السُّورَةِ، إن شاء الله تعالى.

الم (1)

في القرآن الكريم تسعٌ وعشرون سورةً افتُتحت بهذه الأحرفِ المُقَطَّعةِ، وجعل ذلك تنبيهاً على عدد حروف التهجي، إذا عُدَّ فيها الألف. وقد ذكر هذه الحروفُ مفردةً وثنائيةً إلى الخماسيّةِ تنبيهاً إلى أنّ الكتابَ المنزَّلَ على رسولِه مركَّبٌ من كلماتهم التي هي أصولها.
منها ما افتُتحَ بحرفٍ ومنها ما افتُتحَ باثنينِ أو ثلاثةٍ أو أكثر، وهذه الأحرفُ من الآياتِ المتشابهاتِ التي استأثرَ اللهُ بعِلْمِها، فنحنُ نؤمنُ بها ونَكِلُ أمرَ تأويلِها إلى اللهِ. وهو مَذهَبُ السَلَفِ الصالِحِ رضي الله عنهم.
يقول سيِّدُنا أبو بكرٍ الصِدِّيقُ ـ رضي الله عنه: "في كلِّ كتابٍ سِرٌّ،
وسِرُّ القرآنِ أَوائلُ السُوَرِ" . وقال سيِّدُنا عليٌّ بنُ أبي طالبٍ ـ رضي الله عنه: "إنَّ لكُلِّ كتابٍ صَفْوةٌ ، وصَفوةُ هذا الكتابِ حروفُ التَهجّي".
وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُمْ
قَالُوا: الْحُرُوفُ الْمُقَطَّعَةُ مِنَ الْمَكْتُومِ الَّذِي لَا يُفَسَّرُ.
وقَالَ عَامِرٌ الشَّعْبِيُّ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ: هِيَ سِرُّ اللَّهِ فِي الْقُرْآنِ، وَلِلَّهِ فِي كُلِّ كِتَابٍ مِنْ كُتُبِهِ سِرٌّ. فَهِيَ مِنَ الْمُتَشَابِهِ الَّذِي انْفَرَدَ اللَّهُ تَعَالَى بِعِلْمِهِ، وَلَا يَجِبُ أَنْ يُتَكَلَّمَ فِيهَا، وَلَكِنْ نُؤْمِنُ بِهَا وَنَقْرَأُ كَمَا جَاءَتْ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَمْ نَجِدِ الْحُرُوفَ الْمُقَطَّعَةَ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا فِي أَوَائِلِ السور، ولا ندري ما أراد اللهُ عزَّ وجلَّ بِهَا. وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَا ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ الْأَنْبَارِيُّ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ هَذَا الْقُرْآنَ فَاسْتَأْثَرَ مِنْهُ بِعِلْمِ مَا شَاءَ، وَأَطْلَعَكُمْ عَلَى مَا شَاءَ، فَأَمَّا مَا اسْتَأْثَرَ بِهِ لِنَفْسِهِ فَلَسْتُمْ بِنَائِلِيهِ فَلَا تَسْأَلُوا عَنْهُ، وَأَمَّا الَّذِي أَطْلَعَكُمْ عَلَيْهِ فَهُوَ الَّذِي تَسْأَلُونَ عَنْهُ وَتُخْبَرُونَ بِهِ، وَمَا بِكُلِ الْقُرْآنِ تَعْلَمُونَ، وَلَا بِكُلِ مَا تَعْلَمُونَ تَعْمَلُونَ. وهَذَا يُوَضِّحُ أَنَّ حُرُوفًا مِنَ الْقُرْآنِ سُتِرَتْ مَعَانِيهَا عَنْ جَمِيعِ الْعَالَمِ، اخْتِبَارًا مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَامْتِحَانًا، فَمَنْ آمَنَ بِهَا أُثِيبَ وَسَعِدَ، وَمَنْ كَفَرَ وَشَكَّ أَثِمَ وَبَعُدَ. ومَا آمَنَ مُؤْمِنٌ أَفْضَلُ مِنْ إِيمَانٍ بغيب، {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} البقرة: 3.
وقيل: إنَّ في الحروفِ المقطَّعةِ من أوائلِ السُوَر إعلامُ العربِ بأنّ
هذا القرآنَ مُنْتَظِمٌ مِنْ جِنسِ ما تَنْظِمون منه كلامَكم وأنّ اللهَ سبحانَه
يتحدّاكُم بأنْ تأتوا ولو بآيةٍ مِنْ مِثْلِه.
وَقَالَ جَمْعٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ كَبِيرٌ: بَلْ يَجِبُ أَنْ نَتَكَلَّمَ فِيهَا، وَنَلْتَمِسَ
الْفَوَائِدَ الَّتِي تَحْتَهَا، وَالْمَعَانِيَ الَّتِي تَتَخَرَّجُ عَلَيْهَا، وَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ
عَلَى أَقْوَالٍ عَدِيدَةٍ، فَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَلِيٍّ أَيْضًا: أَنَّ الْحُرُوفَ الْمُقَطَّعَةَ فِي الْقُرْآنِ اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمِ، إِلَّا أَنَّا لَا نَعْرِفُ تَأْلِيفَهُ مِنْهَا. وَقَالَ قُطْرُبٌ وَالْفَرَّاءُ وَغَيْرُهُمَا: هِيَ إِشَارَةٌ إِلَى حُرُوفِ الْهِجَاءِ أَعْلَمَ اللَّهُ بِهَا الْعَرَبَ حِينَ تَحَدَّاهُمْ بِالْقُرْآنِ أَنَّهُ مُؤْتَلَفٌ مِنْ حُرُوفٍ هِيَ الَّتِي مِنْهَا بِنَاءُ كَلَامِهِمْ، لِيَكُونَ عَجْزُهُمْ عَنْهُ أَبْلَغَ فِي الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ إِذْ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَلَامِهِمْ. قَالَ قُطْرُبٌ: كَانُوا يَنْفِرُونَ عِنْدَ اسْتِمَاعِ الْقُرْآنِ، فَلَمَّا سَمِعُوا: "الم" وَ"المص" اسْتَنْكَرُوا هَذَا اللَّفْظَ، فَلَمَّا أَنْصَتُوا لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ بِالْقُرْآنِ الْمُؤْتَلَفِ لِيُثَبِّتَهُ فِي أَسْمَاعِهِمْ وَآذَانِهِمْ وَيُقِيمَ الْحُجَّةَ عَلَيْهِمْ. وَقَالَ قَوْمٌ: رُوِيَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا أَعْرَضُوا عَنْ سَمَاعِ الْقُرْآنِ بِمَكَّةَ وَقَالُوا: {لَا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ} سورة فُصِّلت: 26. نَزَلَتْ لِيَسْتَغْرِبُوهَا فَيَفْتَحُونَ لَهَا أَسْمَاعَهُمْ فَيَسْمَعُونَ الْقُرْآنَ بَعْدَهَا فَتَجِبُ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةُ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ: هِيَ حُرُوفٌ دَالَّةٌ عَلَى أَسْمَاءٍ أُخِذَتْ مِنْهَا وَحُذِفَتْ بَقِيَّتُهَا، كَقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ: الْأَلِفُ مِنَ اللَّهِ، وَاللَّامُ مِنْ جِبْرِيلَ، وَالْمِيمُ مِنْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فدلَّ بذلك على أنَّ القرآنَ مِنَ اللهِ ـ عَزَّ وجَلَّ ـ مبدؤه، وأنّ الواسطةَ: جبريل، ومنتهاه إلى محمد.
فهذا صحيحٌ ودالٌّ على ما تقدَّمَ، وفيه نَبَّه بمخرج "الألف" ـ
الذي هو مبدأ مخارج الحروف ـ على المبدأ، وهو الله تعالى، وبمخرج اللّامِ الذي هو أوسطُ المَخارِجِ على جبريل، وبمخرج الميم الذي هو منتهى المخارِجِ على المنتهى الذي هو النبي عليه الصلاة والسلام.
وَقِيلَ: الْأَلِفُ مِفْتَاح اسْمِهِ اللَّهِ، وَاللَّامُ مِفْتَاح اسْمِهِ لَطِيفٍ، وَالْمِيمُ مِفْتَاح اسْمِهِ مَجِيدٍ. وَرَوَى أَبُو الضُّحَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ:"الم" قَالَ: أَنَا اللَّهُ أَعْلَمُ، "الر" أَنَا اللَّهُ أَرَى، "المص" أَنَا اللَّهُ أَفْصِلُ. فَالْأَلِفُ تُؤَدِّي عَنْ مَعْنَى أَنَا، وَاللَّامُ تُؤَدِّي عَنِ اسْمِ اللَّهِ، وَالْمِيمُ تُؤَدِّي عَنْ مَعْنَى أَعْلَمَ. وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ الزَّجَّاجُ وَقَالَ: أَذْهَبُ إِلَى أَنَّ كُلَّ حَرْفٍ مِنْهَا يُؤَدِّي عَنْ مَعْنًى، وَقَدْ تَكَلَّمَتِ الْعَرَبُ بِالْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ نَظْمًا لَهَا وَوَضْعًا بَدَلَ الْكَلِمَاتِ الَّتِي الْحُرُوفُ مِنْهَا، كَقَوْلِهِ:
قُلْتُ لَهَا قِفِي فَقَالَتْ قَافْ ........................................
أَرَادَ: قَالَتْ وَقَفْتُ. وَقَالَ زُهَيْرٌ:
بِالْخَيْرِ خَيْرَاتٍ وَإِنْ شَرًّا فَا .................. وَلَا أُرِيدُ الشَّرَّ إِلَّا أَنْ تَا
أَرَادَ: وَإِنْ شَرًّا فشر. وأراد: إلّا أنْ تشاء. وَقَالَ آخَرُ:
نَادَوْهُمْ أَلَا الْجِمُوا أَلَا تَا .................... قَالُوا جَمِيعًا كُلُّهُمْ أَلَا فَا
أَرَادَ: أَلَا تَرْكَبُونَ، قَالُوا: أَلَا فَارْكَبُوا. وَفِي الْحَدِيثِ: ((مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ مُسْلِمٍ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ)). قَالَ شَقِيقٌ البلخي: هُوَ أَنْ يَقُولَ فِي اقْتُلْ: اقْ، كَمَا قَالَ عَلَيْهِ الصلاة والسَّلَامُ: ((كَفَى بِالسَّيْفِ شَا)). مَعْنَاهُ: شَافِيًا. وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: هِيَ أَسْمَاءٌ لِلسُّوَرِ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: هِيَ أَقْسَامٌ أَقْسَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا لِشَرَفِهَا وَفَضْلِهَا، وَهِيَ مِنْ أَسْمَائِهِ، وروي مثله عن ابن عباس رضي الله عنهما. فقوله: {ألم* ذلك الكتاب} جملة في تقدير مقسم بها. وقوله: {لا ريب فيه} جوابها، ويكون إقسامه بها تنبيهاً على عظم موقعها، وعلى عجزنا عن معارضة كتابه المؤلف منها. فإن قيل: لو كان قسماً لكان فيه حرف القسم. قيل: إن حرف القسم يحتاج إليه إذا كان المُقسَم به مجروراً. فأما إذا كان مرفوعاً نحو "أيمُ الله" أو منصوباً، نحو "يَمينَ الله" فليس بمحتاج إلى ذلك.
وَرَدَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ هَذَا الْقَوْلَ فَقَالَ: لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ قَسَمًا لِأَنَّ الْقَسَمَ مَعْقُودٌ عَلَى حُرُوفٍ مِثْلَ: إِنَّ وَقَدْ وَلَقَدْ وَمَا، وَلَمْ يُوجَدْ ها هنا حَرْفٌ مِنْ هَذِهِ الْحُرُوفِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ يَمِينًا. وَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ: مَوْضِعُ الْقَسَمِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا رَيْبَ فِيهِ} فَلَوْ أَنَّ إِنْسَانًا حَلَفَ فَقَالَ: وَاللَّهِ هَذَا الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ، لَكَانَ الْكَلَامُ سَدِيدًا، وَتَكُونُ "لَا" جَوَابَ الْقَسَمِ. فَثَبَتَ أَنَّ قَوْلَ الْكَلْبِيِّ وَمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ سَدِيدٌ صَحِيحٌ. فَإِنْ قِيلَ: مَا الْحِكْمَةُ فِي الْقَسَمِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَانَ الْقَوْمُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ عَلَى صِنْفَيْنِ: مُصَدِّقٌ، وَمُكَذِّبٌ، فَالْمُصَدِّقُ يُصَدِّقُ بِغَيْرِ قَسَمٍ، وَالْمُكَذِّبُ لَا يُصَدِّقُ مَعَ الْقَسَمِ؟. قِيلَ لَهُ: الْقُرْآنُ نَزَلَ بِلُغَةِ الْعَرَبِ، وَالْعَرَبُ إِذَا أَرَادَ بَعْضُهُمْ أَنْ يُؤَكِّدَ كَلَامَهُ أَقْسَمَ عَلَى كَلَامِهِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَرَادَ أَنْ يُؤَكِّدَ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةَ فَأَقْسَمَ أَنَّ الْقُرْآنَ مِنْ عِنْدِهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: "الم" أَيْ أَنْزَلْتُ عَلَيْكَ هَذَا الْكِتَابَ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ. وَقَالَ قَتَادَةُ فِي قَوْلِهِ: "الم" قَالَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْقُرْآنِ. وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ التِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْدَعَ جَمِيعَ مَا فِي تِلْكَ السُّورَةِ مِنَ الْأَحْكَامِ وَالْقَصَصِ فِي الْحُرُوفِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي أَوَّلِ السُّورَةِ، وَلَا يَعْرِفُ ذَلِكَ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ وَلِيٌّ، ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ السُّورَةِ لِيُفَقِّهَ النَّاسَ. وَقِيلَ غَيْرُ هَذَا مِنَ الْأَقْوَالِ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: آخرُ حرفٍ عارضَ به جبريلُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم {الم * ذلك الكتاب لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لّلْمُتَّقِينَ} البقرة: 1 ، 2.
لطيفة: قال ابنُ جِنّي: جُعِلَ المُسَمَّى صَدْرَ كلِّ اسْمٍ له ليكون تأديتُه بالمُسمّى أوّلَ ما يَقرعُ السمعَ، فإذا قلتَ: جيم كان أوّلُ ما تلفظه هو "ج" وهكذا.
والألِف ـ التي هي رمز الذات الإلهية فبها ومنها الابتداء ـ من بين سائر الحروف انفردت عن أشكالها بأنّها لا تتصل بحرف في الخطّ، وسائرُ الحروفِ يُتّصَلُ بها إلّا حروفٌ يسيرة، فينتبه العبد عند تأمل هذه الصفة إلى احتياج الخلق بجملتهم إليه، واستغنائه ـ سبحانه ـ عن الجميع.
وحالةُ الألفِ تُفيدُ تَقَدُّسَ الحقِّ سبحانَه وتعالى عن التخصُّصِ بالمَكان؛ فإنّ سائرَ الحُروفِ لها محلٌّ من الحَلقْ أو الشَفَةِ أو اللّسانِ.. إلى غيرِه من المَدارِجِ غيرَ الألفِ فإنّها هُويَّتُه، لا تُضاف إلى محل.
وكما اننا لا نستطيع أن نلفظ الألف إلا مهموزة أو مضاف إليها حرف آخر فإننا لا نستطيع إدراك الحق سبحانه إلّا بإضافة خلقه إليه فبالنظر فيما خلق نتعرف عليه، ألم تَرَ أنه قال في محكم كتابه:{أفلا ينظرون إلى الإبِلِ كيف خلقت * وإلى السماء كيف رفعت * وإلى الجبال كيف نصبت * وإلى الأرض كيف سُطحت}. وقال:{ويتفكّرون في خلق السماوات والأرض}. ولذلك قال نبيه عليه الصلاة والسلام: ((تفكُّر ساعةٍ خيرٌ من عبادة سبعين سنة)). أي خيرٌ من عبادة العمر كله لأن في التفكر في خلق الله التعرف على عظمته سبحانه، والتعرف عليه تبارك وتعالى هو الغاية من خلق الخلق. قال تعالى: {وما خلقت الجنَّ والإنسَ إلّا ليعبدون} قال المفسرون: أي ليعرفون.
ويُقال: اختُصَّ كلُّ حرفٍ بصيغةٍ مخصوصةٍ وانفردت الألفُ باستواء القامة، والتميُّز عن الاتصال بشيءٍ من الحروف، فجُعِل لها صدرُ الكتابِ وفي ذلك إشارةٌ إلى أنَّ مَنْ تَجَرَّدَ عن الاتْصالِ بالأمثالِ والأشغالِ حَظِي بالرُتبةِ العُليا، وفاز بالدَّرَجَةِ القُصوى، وصَلُحَ للتَخاطُبِ بالحروفِ المُنفردةِ التي هي غيرُ مُركَّبةٍ، على سُنّةِ الأَحبابِ في سَتْرِ الحالِ، وإخفاءِ الأمرِ على الأجنبيِّ. قال الشاعر:
قلت لها قفي قالت قاف ..........................................
ولم يقل وقفت ستراً على الرقيب، ولم يقل لا أقف مراعاةً لقلب الحبيب.
ويقال تكثُرُ العباراتُ للعمومِ، والرُموزُ والإشاراتُ للخُصوصِ، أَسْمَعَ موسى كلامَه في ألف موطن، وقال لنبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم: "أَلِفْ" وقال عليه الصلاةُ والسلامُ: ((أوتيتُ جوامْع الكلِم فاختُصِرَ لي الكلامُ اختصاراً)). وقال بعضهم: قال لي مولاي: ما هذا
الدنَفُ؟ قلتُ: تهواني؟ قال: "لام الف".
وما قاله الربيع بن أنس أن هذه الحروف حروف الجمل، وأن ذلك من علوم خاصَّتِهم، وقد نَبَّه بها على مُدَدٍ، فذلك غيرُ ممتَنِعٍ أن يكونَ مراداً، بدَلالةِ أنّ النبيَّ ـ عليه الصلاةُ والسلام ـ لمّا أتاه اليهودُ فسألوه عمّا أُنزِلَ عليه، تَلا عليهم "الم"، فحسبوه، وقالوا: إنَّ مُلْكاً يبقى إحدى وسبعين سنةً لَقَصيرُ المُدَّةِ فَهَلْ غَيْرُه؟ فقال: "آلر"، و"آلمر" و"آلمص" فقالوا: خَلَطْتَ علينا، فإنّا لا نَدري بأيِّها نأخُذُ.
فتِلاوةُ النبيِّ ـ عليه الصلاة والسلام ـ ذلك عليهم، وتقريرُهم على استنباطهم دَلالةٌ على أنّه لا يَمْتَنِعُ أنْ يكون في كلِّ واحدةٍ دَلالةٌ على مُدَّةٍ لأمرٍ ما.
وقد اكتُشِفَ حديثاً أنَّ مجموعَ عَدَدِ أحرُفِ كلٍّ مِنَ السُوَرِ التي استفتُحتْ بهذه الحُروفِ المُتقطِّعةِ هو من مُضاعَفات مجموعِ الأحرفِ التي استُفْتِحتْ بها في حسابِ الجُمَّل.
وأما ما حُكي عن الزبيريِّ أنّ هذه الحروفَ ذُكِرتْ عِلماً منه تعالى أنْ يكونَ في هذه الأمّةِ مَنْ يَزعُمُ أنَّ القرآنَ ليس بكلامِ اللهِ، وإنِّما هو حِكايَةُ كلامِه، فأرادَ أنْ يُبيِّنَ أنَّ القرآنَ ممّا يُكتَب ويخبِرُ عن أبعاضِه وأجزائه بالحروف التي هي معلومةٌ إنِّها مُحْدَثَةٌ، فإنَّ هذا القولَ من الوَهْيِ بحيثُ يُسْتَغنَى عن إظهارِ بُطْلانِه، إذْ لا يَقولُ أحدٌ إنّ الكتابَ بما هو كتابٌ ليس بمؤلَّفٍ من هذه الحروف وإن كانوا قد اختلفوا في القرآن. بل هو مقصورٌ على الكتاب، أو المرادُ بِه هو
غيرُه.
وَالْوَقْفُ عَلَى هَذِهِ الْحُرُوفِ عَلَى السُّكُونِ لِنُقْصَانِهَا إِلَّا إِذَا أَخْبَرْتَ عَنْهَا أَوْ عَطَفْتَهَا فَإِنَّكَ تُعْرِبُهَا. وَاخْتُلِفَ: هَلْ لَهَا مَحَلٌّ مِنَ الْإِعْرَابِ؟ فَقِيلَ: لَا، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَسْمَاءً مُتَمَكِّنَةً، وَلَا أَفْعَالًا مُضَارِعَةً، وَإِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ حُرُوفِ التَّهَجِّي فَهِيَ مَحْكِيَّةٌ. هَذَا مَذْهَبُ الْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ.
وَمَنْ قَالَ: إِنَّهَا أَسْمَاءُ السُّوَرِ فَمَوْضِعُهَا عِنْدَهُ الرَّفْعُ عَلَى أَنَّهَا عِنْدَهُ خَبَرُ ابْتِدَاءٍ مُضْمَرٍ، أَيْ هَذِهِ "الم"، كَمَا تَقُولُ: هَذِهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ. أَوْ تَكُونُ رَفْعًا عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرِ ذَلِكَ، كَمَا تَقُولُ: زَيْدٌ ذَلِكَ الرَّجُلُ. وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ النَّحْوِيُّ: "الم" فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، كَمَا تَقُولُ: اقْرَأْ "الم". وَقِيلَ: هي فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ بِالْقَسَمِ، لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّهَا أَقْسَامٌ أَقْسَمَ اللَّهُ بِهَا.
عبد القادر الأسود
عبد القادر الأسود
أرمنازي - عضو شرف
أرمنازي - عضو شرف

عدد المساهمات : 932
نقاط : 2771
السٌّمعَة : 15
تاريخ التسجيل : 08/06/2010
العمر : 76
الموقع : http://abdalkaderaswad.spaces.live.com

http://abdalkaderaswad.wordpress.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى