منتدى مدينة أرمناز العام
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة البقرة ، :الآية: 28

اذهب الى الأسفل

فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة البقرة ، :الآية: 28 Empty فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة البقرة ، :الآية: 28

مُساهمة من طرف عبد القادر الأسود الخميس سبتمبر 13, 2012 6:04 pm


كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ
تُرْجَعُونَ (28)
{كيف} كلمةُ تعجُّيبٍ وتَعظيمٍ لِما فيه العبدُ، فلا ينبغي مع ظهورِ الآياتِ أنْ يَجنَحَ إلى الكفرِ قلبُه. فقد تعرَّفَ الحقُّ إلى الخلقِ بلوائِحِ دَلالاتِه، ولَوامِعِ آياتِه. فقال: {وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً} يَعني نُطفةً، أجزاؤها متساوية، {فَأَحْيَاكُمْ} بَشَراً اخْتَصَّ بعضُ أجزاءِ النطفةِ بكونِه عَظْمًا، وبعضُها بكونِه لحمًا، وبعضُها بكونه شَعْرًا، وبعضُها بكونِه جِلدًا . . إلى غير ذلك.
وفيه التفاتٌ من الغيبة إلى خطابِ أولئك بعد أنْ عدَّدَ قبائحَهم المُستدعيةَ لمزيدِ سَخَطِه تعالى عليهم. والإنكارُ إذا وُجِّه إلى المُخاطَبِ كان أَبلغَ من توجيهِه إلى الغائبِ وأَردعَ له لِجَوازِ أنْ لا يَصِلَه.
قوله تعالى: {كيف تكفرون بالله} يجوز أن يكون هذا الخطاب لأهل الكتاب لأنهم لمّا لم يُثبِتوا أمرَ محمّدٍ عليه الصلاةُ والسلام، ولم يُصدِّقوه فيما جاء به فقدأشركوا لأنّهم لم يُقِرّوا بأنَّ القرآنَ من عندِ اللهِ، ومَن زعمَ أنَّ القرآنَ كلامَ البَشَرِ فقد أشرك بالله وصار ناقضًا للعهد. وكيف لفظه لفظ الاستفهام وهو ـ هنا ـ تقريرٌ وتوبيخ أي كيف تكفرون نعمَه عليكم وقدرتَه هذه! فقد وبَّخَهم بهذا غايةَ التوبيخ لأنَّ المَواتَ والجمادَ لا يُنازِعُ صانِعَهُ في شيءٍ وإنّما المُنازعَة مِن الهَياكلِ الروحانيَّةِ.
قوله تعالى: {وكنتم أمواتًا فأحياكم ثم يميتكم} هذا وقف التمام. واختلَف أهلُ التأويلِ في ترتيب هاتين الموتتين والحياتين وكم مِن موتةٍ وحياةٍ للإنسان؟ فقال ابنُ عبّاسٍ وابنُ مسعودٍ: أي كنتم أمواتًا معدومين قبل أن تُخلَقوا فأحياكم ـ أي خلقكم ـ ثم يُميتُكم عند انقضاءِ آجالِكم ثمّ يُحييكم يومَ القيامةِ، وهذا القول هو المُرادُ بالآية، وهو الذي لا مَحيدَ للكفار عنه لإقرارِهم بهما إذا أَذعنت نفوسُ الكفّارِ لكونِهم أمواتًا معدومين ثمّ للإحياءِ في الدنيا ثمّ للإماتةِ فيها قَوِيَ عليهم لزومُ الإحياءِ الآخَرِ وجاء جَحْدُهم له دعوى لا حُجَّةَ عليها، والحياةُ التي تكون في القبرِ على هذا التأويلِ في حكم الدنيا وقيل: لم يُعْتَدَّ بها كما لم يُعْتَدَّ بموتِ مَن أماتَه في الدنيا ثمّ أحياه في الدنيا.
وقيل: كنتم أمواتًا في ظهرِ آدمَ ثم أخرجكم من ظهرِه كالذرِّ ثمّ يُميتُكم موتَ الدنيا ثمّ يَبعثُكم، وقيل: {كنتم أمواتًا} ـ أي نُطُفًا ـ في أصلابِ الرجال وأرحامِ النِساءِ ثمّ نقلَكم مِن الأرحام فأحياكم ثم يُميتُكم بعدَ هذه الحياةِ ثمّ يُحييكم في القبرِ للمَسْألةِ ثمّ يُميتُكم في القبرِ ثمّ يُحييكم حياةَ النَشْرِ إلى الحَشْرِ وهي الحياةُ التي ليس بعدها موت. فعلى هذا التأويل هي ثلاثُ موتاتٍ وثلاثُ إحياءاتٍ، وكونُهم موتى في ظهرِ آدمَ وإخراجُهم من ظهرِه والشهادةُ عليهم غيرُ كونِهم نُطَفًا في أصلابِ الرجالِ وأَرحامِ النِساءِ، فعلى هذا تَجيءُ أربعُ موتات وأربعُ إحياءات، وقد قيل: إنَّ اللهَ تعالى أوجدهم قبلَ خلقِ آدمَ عليه السلام كالهَباءِ ثمّ أماتَهم، فيكون على هذا خمس موتات وخمس إحياءات، وموتةٌ سادسةٌ للعُصاةِ من أمّة محمد صلى الله عليه و سلم إذا دخلوا النار لحديثِ أبي سعيدٍ الخِدْريِّ قال: ((قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ((أمّا أهلُ النّارِ الذين هم أهلُها فإنّهم لا يَموتون فيها ولا يَحْيَوْنَ ولكن ناسٌ أصابتْهُمُ النارُ بِذُنوبِهم ـ أو قال بخطاياهم ـ فأماتَهم اللهُ إماتةً حتّى إذا كانوا فحمًا أَذِنَ في الشفاعةِ فيَجيءُ بِهم ضبائرَ (جماعات متفرقة) فبُثّوا على أنْهارِ الجَنَّةِ ثمّ قِيلَ يا أهلَ الجَنَّةِ أَفيضوا عليهم، فيَنْبُتونَ نباتَ الحبَّةِ تكونُ في حَميلِ السيلِ))، فقال رجلٌ من القوم: كأنّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه و سلم قد كان بالبادية. أخرجه مسلم. فقولُه: "فأماتهم الله" حقيقة في الموت لأنّه أكَّدَهُ بالمصدر وذلك تكريمًا لهم وقيل: يجوز أنْ يكونَ أَماتَهم عبارة عن تَغييبِهم عن آلامِها بالنومِ، ولا يكون ذلك موتًا على الحقيقةِ، والأوّلُ أصَحُّ. وقد أجمَعَ النَحْوِيُّونَ على أنَّك إذا أكَّدْتَ الفِعلَ بالمَصْدَرِ لم يكن مَجازًا إنّما هو على الحقيقة، ومثله: {كلّمَ اللهُ موسى تَكْليمًا} وقيل: المعنى وكنتم أمواتًا بالخُمولِ فأحياكم بأنْ ذُكِرتم وشُرِّفْتُم بهذا الدين والنبي الذي جاءكم، ثمّ يُميتُكم فيَموتُ ذِكرُكم ثمَّ يُحييكُم للبعثِ.
قوله تعالى: {ثم إليه ترجعون} أي إلى عذابِه مَرجِعُكم لكُفرِكم، وقيل: إلى الحياةِ وإلى المَسْألَة كما قال تعالى: {كما بدأنا أوَّلَ خلقٍ نُعيدُه} فإعادتُهم كابتدائهم فهو رجوعٌ.
قوله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بالله} كيف: اسمُ استفهامٍ يُسْأَلُ بِهِ عن الأحوالِ، وبُنِيَ لتضمُّنِهِ معنى الهمزة، وبُنِيَ على أخفِّ الحركات، وشَذَّ دخولُ حرفِ الجرِّ عليها، قالوا: "على كيف تبيعُ الأَحْمَرَيْنِ"، وكونهُا شرطاً قليلٌ، ولا يُجزْم بها، خلافاً للكوفيين، وإذا أُبْدِل منها اسمٌ أو وَقَعَ جواباً لها فهو منصوبٌ إن كان بعدها فعلٌ متسلِّطٌ عليها نحو: كيف قمتَ؟ أصحيحاً أم سقيماً، وكيف سِرْت؟ فتقول: راشداً، وإلاَّ فمرفوعان: نحو: كيف زيدٌ؟ أصحيحٌ أم سقيمٌ. وإنْ وقعَ بعدَها اسمٌ مسؤولٌ عنه بها فهو مبتدأٌ وهي خبرٌ مقدَّمٌ، نحو: كيف زيدٌ؟ وقد يُحْذَفُ الفعلُ بعدَها، قال تعالى: {كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ} التوبة: 8. أي كيف تُوالونهم. و"كيفَ" في هذه الآيةِ منصوبةٌ على التشبيهِ بالظرف عند سِيبوَيْهِ، أي: في أيِّ حالةٍ تكفُرون، وعلى الحالِ عند الأخفشِ، أي: على أي حالٍ تكفُرون، والعاملُ فيها على القولين "تكفرون" وصاحبُ الحالِ الضميرُ في تكفرون، ولم يَذْكر أبو البقاء غيرَ مذهبِ الأخفشِ، ثم قال: والتقدير: مُعانِدين تكفرون. وفي هذا التقدير نظرٌ، إذ يذهبَ معه معنى الاستفهام المقصودِ به التعجبُ أو التوبيخُ أو الإِنكارُ، قال الزمخشري بعد أَنْ جَعَلَ الاستفهامَ للإِنكارِ: وتحريرهُ أنَّه إذا أنْكَرَ أن يكونَ لكفرهم حالٌ يُوجَدُ عليها، وقد عُلِمَ أنَّ كلَّ موجودٍ لا بُدَّ له من حالٍ، ومُحالٌ أن يُوجَدَ بغيرِ صفةٍ من الصفاتِ كان إنكاراً لوجودِه على الطريق البرهاني.
وفي الكلام التفاتٌ من الغَيْبَةِ في قولِه: "وأمَّا الذين كفروا" إلى آخره، إلى الخطاب في قولِهِ: "تَكْفُرون، وكُنْتُم". وفائدتُهُ أنَّ الإِنكارَ إذا توجَّه إلى المخاطبِ كان أبلغَ. وجاء "تكفرونَ" مضارعاً لا ماضياً لأنَّ المُنْكَرَ الدوامُ على الكفرِ، والمضارعُ هو المُشْعِرُ بذلك، ولئلّا يكونَ ذلك تَوْبيخاً لمَنْ آمَنَ بعد كُفْر.
و"كَفَرَ" يتعدَّى بحرف الجر نحو: {تَكْفُرُونَ بالله} {تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ الله} آل عمران: 70. {كَفَرُواْ بالذكر} فُصِّلت: 41، وقد تعدَّى بنفسه في قوله تعالى: {أَلاَ إِنَّ ثَمُودَ كَفرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْداً لِّثَمُودَ} هود: 68. وذلك لمَّا ضُمِّن معنى جَحَدوا.
قوله: {وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ} الواوُ واوُ الحالِ، وعلامتُها أن يَصْلُح موضِعَها "إذ"، وجملَةُ {كُنْتُمْ أَمْوَاتاً} في محلِّ نصبٍ على الحال، ولا بدَّ من إضمار "قد" ليصِحَّ وقوعُ الماضي حالاً. وقال الزمخشري: فإن قلت: كيف صَحَّ أن يكونَ حالاً وهو ماضٍ بها؟ قُلْتُ: لَمْ تَدْخُل الواوُ على {كُنْتُمْ أَمْوَاتاً} وحدَه، ولكنْ على جملة قوله: {كُنْتُمْ أَمْوَاتاً} إلى {تُرْجَعُونَ}، كأنّه قيل: كيف تكفرون بالله وقصَّتُكم هذه وحالُكم أنّكم كنتم أمواتاً نُطَفَاً في أصْلاَبِ آبائكم فَجَعَلَكم أحياءً، ثم يُميتكم بعد هذه الحياة، ثم يُحْييكم بعد الموتِ ثم يُحاسِبُكم.
عبد القادر الأسود
عبد القادر الأسود
أرمنازي - عضو شرف
أرمنازي - عضو شرف

عدد المساهمات : 932
نقاط : 2771
السٌّمعَة : 15
تاريخ التسجيل : 08/06/2010
العمر : 76
الموقع : http://abdalkaderaswad.spaces.live.com

http://abdalkaderaswad.wordpress.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى