منتدى مدينة أرمناز العام
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة البقرة ، :الآية: 38

اذهب الى الأسفل

فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة البقرة ، :الآية: 38 Empty فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة البقرة ، :الآية: 38

مُساهمة من طرف عبد القادر الأسود الأربعاء سبتمبر 19, 2012 10:44 am

قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38)
سوءُ الأَدَبِ لدى الأحباب يُوجِبُ الرّدَّ إلى الباب، فلمّا أَساءَ آدمُ ـ عليه السلامُ ـ الأدبَ على بساطِ القُربِ قال الله ـ تعالى: {اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِى الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ}. بَعد أنْ كان لَكم في مَحَلِّ القُرْبَةِ قَرارٌ ومَتاعٌ إلى حِين.
يَستمتِعون يَسيرًا ولكنْ (في) آخرهم يعودون إلى الفقر، وأنشدوا:
إذا افتقروا عادوا إلى الفَقْرِ حُسْبَةً .. وإنْ أَيْسَروا عادوا سِراعاً إلى الفَقَرِ
وحين أَخرَجه مِن الجَنَّةِ وأَنزلَه إلى الأرضِ بَشَّرَهُ بأنَّه يَرُدَّه إلى حالِه لو جَنَحَ بِقلبِه إلى الرُّجوعِ فقال: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِّنِّى هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَاىَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْنَا اهْبِطُوا} كَرَّرَ الْأَمْرَ عَلَى جِهَةِ التَّغْلِيظِ وَتَأْكِيدِهِ، كَمَا تَقُولُ لِرَجُلٍ: قُمْ قُمْ. وَقِيلَ: كَرَّرَ الْأَمْرَ لَمَّا عَلَّقَ بِكُلِ أَمْرِ مِنْهُمَا حُكْمًا غَيْرَ حُكْمِ الْآخَرِ فَعَلَّقَ بِالْأَوَّلِ الْعَدَاوَةَ وَبِالثَّانِي إِتْيَانَ الْهُدَى. وَقِيلَ: الْهُبُوطُ الْأَوَّلُ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَى السَّمَاءِ وَالثَّانِي مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ. وَعَلَى هَذَا يَكُونُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْجَنَّةَ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْإِسْرَاءِ. {جَمِيعاً} قَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: لَمَّا هَبَطَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى الْأَرْضِ قَالَ إِبْلِيسُ لِلسِّبَاعِ: إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكُمْ فَأَهْلِكُوهُ فَاجْتَمَعُوا وولّوا أمرَهم إلى الكلبِ وَقَالُوا: أَنْتَ أَشْجَعُنَا وَجَعَلُوهُ رَئِيسًا فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ تَحَيَّرَ فِي ذَلِكَ فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَالَ لَهُ: امْسَحْ يَدَكَ عَلَى رَأْسِ الْكَلْبِ فَفَعَلَ فَلَمَّا رَأَتِ السِّبَاعُ أَنَّ الْكَلْبَ أَلِفَ آدَمَ تَفَرَّقُوا. وَاسْتَأْمَنَهُ الْكَلْبُ فَأَمِنَهُ آدَمُ فَبَقِي مَعَهُ وَمَعَ أَوْلَادِهِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ نَحْوَ هَذَا. وَنَزَلَتْ عَلَيْهِ تِلْكَ الْعَصَا الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ آيَةً لِمُوسَى فَكَانَ يَطْرُدُ بِهَا السِّبَاعَ عَنْ نَفْسِهِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً} اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: "هُدىً" فَقِيلَ: كِتَابُ اللَّهِ. وَقِيلَ: التَّوْفِيقُ لِلْهِدَايَةِ. وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: الْهُدَى الرُّسُلُ وَهِيَ إِلَى آدَمَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَإِلَى بَنِيهِ مِنَ الْبَشَرِ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ وَخَرَّجَهُ الْآجُرِّيُّ. وَفِي قَوْلِهِ: "مِنِّي" إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ خَلْقٌ لِلَّهِ تَعَالَى خِلَافًا لِلْقَدَرِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَقَرَأَ الْجَحْدَرِيُّ "هُدَيَّ" وَهُوَ لُغَةُ هُذَيْلٍ يَقُولُونَ: هُدَيَّ وَعَصَيَّ وَمَحْيَيَّ. وَأَنْشَدَ النَّحْوِيُّونَ لِأَبِي ذُؤَيْبٍ يَرْثِي بَنِيهِ:
سَبَقُوا هَوَيَّ وَأَعْنَقُوا لِهَوَاهُمُ ............. فَتُخُرِّمُوا وَلِكُلِ جنب مصرع
(هُوَيَّ): يُريدُ هَواي أيْ ماتوا قبلي وكنتُ أُحِبُّ أنْ أَموتِ قبلَهم.
(وأعنقوا لهواهم) جعلهم كأنّهم هَوَوُا الذَّهاب إلى المَنيَّةِ لِسُرعتِهم إليها وهم لم يهووها. (فتُخُرِّموا) أيْ أُخِذوا واحدًا واحدًا.
قَالَ النَّحَّاسُ: وَعِلَّةُ هَذِهِ اللُّغَةِ عِنْدَ الْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ أَنَّ سَبِيلَ يَاءِ الْإِضَافَةِ أَنْ يُكْسَرَ مَا قَبْلَهَا فَلَمَّا لَمْ يَجُزْ أَنْ تَتَحَرَّكَ الْأَلِفُ أُبْدِلَتْ يَاءً وَأُدْغِمَتْ وَ"مَا" فِي قَوْلِهِ: "إِمَّا" زَائِدَةٌ عَلَى "إِنْ" الَّتِي لِلشَّرْطِ وَجَوَابُ الشَّرْطِ الْفَاءُ مَعَ الشَّرْطِ الثَّانِي فِي قَوْلِهِ: "فَمَنْ تَبِعَ". وَ"مَنْ" فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ وَ"تَبِعَ" فِي مَوْضِعِ جَزْمٍ بِالشَّرْطِ. "فَلا خَوْفٌ" جَوَابُهُ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: الشَّرْطُ الثَّانِي وَجَوَابُهُ هُمَا جَوَابُ الْأَوَّلِ. وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: "فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ" جَوَابُ الشَّرْطَيْنِ جَمِيعًا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} الْخَوْفُ هُوَ الذُّعْرُ وَلَا يَكُونُ إِلَّا فِي الْمُسْتَقْبَلِ. وَخَاوَفَنِي فُلَانٌ فَخُفْتُهُ أَيْ كُنْتُ أَشَدَّ خَوْفًا مِنْهُ وَالتَّخَوُّفُ: التَّنَقُّصُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ} النحل: 47. وَالْحُزْنُ وَالْحَزَنُ: ضِدُّ السُّرُورِ وَلَا يَكُونُ إِلَّا عَلَى مَاضٍ. وَحَزِنَ الرَّجُلُ (بِالْكَسْرِ) فَهُوَ حَزِنٌ وَحَزِينٌ وَأَحْزَنَهُ غَيْرُهُ وَحَزَنَهُ أَيْضًا مِثْلُ أَسْلَكَهُ وَسَلَكَهُ وَمَحْزُونٌ بُنِيَ عَلَيْهِ. قَالَ الْيَزِيدِيُّ: حَزَنَهُ لُغَةُ قُرَيْشٍ وَأَحْزَنَهُ لُغَةْ تَمِيمٍ وَقَدْ قُرِئَ بِهِمَا. وَاحْتَزَنَ وَتَحَزَّنَ بِمَعْنًى. وَالْمَعْنَى فِي الْآيَةِ: فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ فِيمَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ مِنَ الْآخِرَةِ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ عَلَى مَا فَاتَهُمْ مِنَ الدُّنْيَا. وَقِيلَ: لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى نَفْيِ أَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَخَوْفِهَا عَلَى الْمُطِيعِينَ لِمَا وَصَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ مِنْ شَدَائِدِ الْقِيَامَةِ إِلَّا أَنَّهُ يُخَفِّفُهُ عَنِ الْمُطِيعِينَ وَإِذَا صَارُوا إِلَى رَحْمَتِهِ فكأنهم لم
يخافوا. والله أعلم.
وهو خطابٌ لآدمَ ومن في ظهرِه من ذريَّتِه إلى قيامِ الساعة، فنحن مَخلوقون مِن عَالَمِ الذّرِّ، قال سبحانَه وتعالى في سورة الأعراف: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا للملائكة اسجدوا لأَدَمَ}. الآية 11. وإنّما كرَّر قولَه: "قُلْنا" لأنَّ الهبوطَيْنِ مُخْتَلِفان باعتبارِ مُتَعَلَّقَيْهما، فالهُبوطُ الأوّلُ عَلَّقَ بِه العَداوةَ، والثاني عَلَّقَ به إتيانَ الهُدى. وقيل: لأنَّ الهبوطَ الأوّلَ مِن الجنَّةِ إلى السماءِ، والثاني من السماءِ إلى الأرض. وقيل: كُرِّرَ على سبيلِ التأكيدِ نحو قولِك: قُمْ قُمْ، والضمير في "منها" يَعُودُ على الجنّةِ أو السّماءِ.
وقيل في الثاني أنّه مَقرونٌ بوَعدِ إيتاءِ الهُدى المُؤدّي إلى النَّجاةِ والنَّجاحِ، وما فيه مِنْ وَعيدِ العِقابِ فليس بِمقصودٍ مِن التكليفِ قصدًا أوّليًّا بل إنّما هو دائرٌ على سُوءِ اخْتِيارِ المُكَلَّفين.
ثمَّ إنّ في الآيةِ دليلًا على أنّ المعصيةَ تُزيلُ النِّعمةَ عن صاحِبِها لأنَّ آدمَ قد أُخْرِجَ مِنَ الجَنَّةِ بِمعصيَةٍ واحدةٍ وهذا كما قالَ القائل:
إذا تَمَّ أمرٌ دَنا نَقصُهُ، ......................... توقَّعْ زَوالًا إذا قِيلَ تَمّْ
إذا كنتَ في نِعمةٍ فارْعَها ................... فانَّ المَعاصي تُزيلُ النِّعَمْ
{قلنا} استئنافٌ مَبْنيٌّ على سُؤالٍ يَنسَحِبُ عليه الكلامُ، كأنّه قِيلَ فما ذا وَقَعَ بعدَ قَبولِ تَوبتِه؟ فقِيلَ {قلنا اهبطوا منهاجميعاً}. وقولُه: "جميعاً" حالٌ من فاعلِ "اهبِطوا" أي: مجتمِعِين: إمَّا في زمانٍ واحدٍ أو في أزمنةٍ متفرِّقةٍ لأَنَّ المُرادَ الاشْتِراكُ في أَصلِ الفِعلِ، وهذا هو الفرقُ بين: جاؤوا جميعاً، وجاؤوا معاً، فإنَّ قولَك "معاً" يستلزمُ مجيئَهم جميعاً في زمنٍ واحدٍ لِما دَلَّتْ عليه "مع" مِن الاصْطِحابِ، بخِلاف "جميعاً" فإنّها تُفيدُ أنَّه لمْ يَتخلَّفْ أحدٌ منهمْ عن المجيءِ، من غيرِ تعرُّضٍ لاتحادِ الزمانِ. و"جميع" في الأصل من ألفاظِ التوكيد، نحو: "كُلّ".
{فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِع}. الآية. الفاءُ مُرَتَّبَةٌ معقِّبةٌ. و"إمَّا" أصلُها: "إنْ" الشرطيّةُ زِيدَتْ عليها "ما" تأكيداً، و"يأتينَّكم" في محلِّ جَزمٍ بالشرطِ، لأنّه بُنيَ لاتّصالِه بنونِ التوكيدِ. و"مني" متعلِّقٌ بـ "يَأْتِيَنَّ"، وهي لابتداءِ الغاية مَجازاً، و"هُدى" فاعلٌ، والفاءُ مع ما بعدها مِنْ قولِه: {فَمَن تَبِعَ} جوابُ الشرطِ الأولِ، والفاءُ في قوله تعالى: {فَلاَ خَوْفٌ} جوابُ الثاني، وقد وقع الشرطُ الثاني وجوابُه جوابَ الأول.
و"مَنْ" يجوزُ أَنْ تكونَ شرطيَّةً وهو الظاهرُ، ويجوزُ أَنْ تكونَ موصولةً، ودَخَلَت الفاءُ في خبرِها تشبيهاً لها بالشرطِ، ولا حاجةَ إلى هذا. فإن كانتْ شرطيةً كان "تَبِعَ" في محلِّ جَزْمٍ، وكذا: "فلا خَوْفٌ" لكونِهِما شَرْطاً وجَزاءً، وإنْ كانت موصولةً فلا محلَّ لـ "تَبِعَ". وإذا قيل اعْتُبِرت شَرطيّةً فهي مبتدأٌ أيضًا، وخبرُها فعلُ الشرطِ.
والمشهورُ: "هُدَايَ"، وقُرئ: هُدَيَّ، بقلبِ الألفِ ياءً، وإدغامِها في ياءِ المُتكلِّمِ، وهي لغةُ هُذَيْل، يقولون في عَصاي: عَصَيَّ، قال شاعرُهم يَرثي بَنيه :
سَبَقوا هَوَيَّ وأَعْنَقُوا لِهَوَاهُمُ ............. فَتُخُرِّمُوا ولكلِّ جَنْبٍ مَصْرَعُ
كأنّهم لمَّا لم يَصِلوا إلى ما تستحقُّه ياءُ المُتكلِّمِ مِنْ كسرِ ما قبلها
لكونِه ألفاً أتَوا بما يُجَانِسُ الكسرةَ، فقلبوا الألفَ ياءً، وهذه لغةٌ مطردةٌ عندهم، إلّا أَنْ تكونَ الألفُ للتثنية فإنّهم يُثْبِتُونها نحو: جاء مُسلمايَ وغلامايَ.
قولُه: {فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} يجوزُ أن يكونَ جواباً للشرطِ، فيكونَ في محلِّ جزم، وأن يكونَ خبراً لـ "مَنْ" إذا قيل بأنها موصولةٌ، فيكونَ في محل رفع و"لا" يجوزُ أَنْ تكونَ عاملةً عملَ ليس فيكونَ "خوفٌ" اسْمُها و"عليهم" في محلِّ نصبٍ خبرُها، ويجوز أن تكونَ غيرَ عاملةٍ فيكونَ "خوفٌ" مبتدأ، و"عليهم" في محلِّ رفعِ خبرِه. وهذا أَوْلَى مِمَّا قَبْله لوجهين، أحدُهما: أنَّ عملَها عملَ ليس قليلٌ، والثاني: أنَّ الجملةَ التي بعدها وهي: {وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} تُعَيِّنُ أنْ تَكونَ "لا" فيها غيرَ عاملةٍ لأنّها لا تَعمَلُ في المعارفِ، فَجَعْلُها غيرَ عاملةٍ فيه مشاكلةٌ لِما بعدها.
وقُرِئَ: "فلا خَوْفُ" بالرفعِ مِنْ غيرِ تنوين، على تقدير إضافة أي: خوفُ شيءٍ، وقيل: حُذِفَ التنوينُ تخفيفاً. وقُرئ: "فلا خوفَ" مبنيًّا على الفتح، لأنّها "لا" التبرِئةِ وهي أبلغُ في النفي، ولكنَّ الأرجحَ قراءةُ الرفعِ لوَجهَيْنِ، أحدُهما: أنَّه عُطِفَ عليه ما لا يجوزُ فيه إلّا الرفعُ وهو قولُه: "ولا هم" لأنّه معرفةٌ، و"لا" لا تعملُ في المعارِفِ، فالأَوْلى أن يُجْعَلَ المعطوفُ عليه كذلك لِتَتَشاكلَ الجُملتان.
قولُه تعالى: {وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} "لا" نافية "ه " مبتدأ وجملة "يَحْزنون" في محلِّ رفعٍ خبراً للمبتدأ، وجملةُ "هم يحزنون" ابتدائية ٌمَنْفِيَّةٌ لا مَحَلَّ لها من الإعراب.
والخوفُ: الذُّعْرُ والفَزَع، يُقالُ: خافَ يخاف فهو خائِفٌ والأصل: خَوِفَ بِوزْنِ عَلِمَ، ويَتعدَّى بالهمزةِ والتضعيف. قال تعالى: {وَنُخَوِّفُهُمْ}، ولا يكونُ إلّا في الأمرِ المُسْتقْبَلِ. وخَوفُ المَكروهِ مَنْفِيٌّ عنهم مُطلَقاً. أمّا خوفُ الجَلالِ ففي غايةِ الكَمالِ والمُخلِصون على خطرٍ عظيمٍ، والحُزْنُ ضِدُّ السرورِ، وهو مأخوذٌ من الحَزْنِ، وهو ما غَلُظَ مِنَ الأرضِ فكأنّه ما غَلُظ مِنَ الهمِّ، ولا يَكونُ إلّا في الأمرِ الماضي، يُقالُ: حَزِنَ يَحْزَنُ حُزْناً وحَزَنًا. ويَتعدَّى بالهمزةِ نحو: أَحْزَنْتُه، وحَزَّنْتُه، بمعناه، فيكون فَعَّلَ وأَفْعَلَ بمعنى. وقيلَ: أَحْزَنَه حَصَّلَ لَه حُزْناً.
وكَرّرَ {قُلْنَا اهبطوا مِنْهَا جَمِيعًا} ليتعلَّقَ عليه معنًى آخَرُ غيرُ الأوَّلِ، إذْ ذَكَرَ إهْباطَهم أوّلاً: للتعادي وعدمِ الخُلودِ، والأَمرُ فيه تكوينيٌّ. وثانياً: ليَهتَديَ مَنْ يَهتدي، ويَضِلَّ مَنْ يَضِلُ، والأَمْرُ فيه تكليفيٌّ، ويُسمّى هذا الأُسلوبُ في البَديعِ الترَديدُ، ويُحتَمَلُ أنْ تَكونَ فائدةُ التَكْرارِ التَنبيهُ على أنَّه تعالى هو الذي أراد ذلك، ولولا إرادتُه لما كان ما كان؛ ولذلك أَسْنَدَ الإهْباطَ إلى نَفْسِه ـ سبحانه ـ مُجَرَّدًا عن التعليقِ بالسَبَبِ بَعدَ إسْنادِ إخراجِهِما إلى الشيطان.
عبد القادر الأسود
عبد القادر الأسود
أرمنازي - عضو شرف
أرمنازي - عضو شرف

عدد المساهمات : 932
نقاط : 2771
السٌّمعَة : 15
تاريخ التسجيل : 08/06/2010
العمر : 76
الموقع : http://abdalkaderaswad.spaces.live.com

http://abdalkaderaswad.wordpress.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى