فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 97
منتدى مدينة أرمناز العام :: المنتدى الخاص بشاعر أرمناز الكبير الأستاذ عبدالقادر الأسود :: البحوث والدراسات والمقالات النثرية
صفحة 1 من اصل 1
فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 97
إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا
(97)
قولُه تبارك وتعالى: { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} بيانٌ لِحالِ القاعدين عنِ الهِجرةِ إثْرَ بيانِ القاعدين عَنِ الجِهادِ، أو بيانٌ لِحالِ القاعدين عن نُصرَةِ رسولِ اللهِ ـ صلى اللهُ عليْه وسلَّمَ ـ والجهادِ معَه مِن المنافقين عَقِبَ بيانِ حالِ القاعدين مِنَ المؤمنين فقد عَدَّ اللهُ ـ سبحانَه وتعالى ـ هَؤُلاءِ الذينَ تَحْضُرُهُمُ الوَفَاةُ، وَهُمْ مُقِيمُونَ فِي أَرْضِ الشِّرْكِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ إِقَامَةِ شعَائِرِهم الدِّينِيَّةِ، وَلاَ إِظْهَارَهَا، عدَّهم ظَالِمِينَ لأَنْفُسِهُمْ بِتَرْكِهِمُ الهِجْرَةَ إلى دَارِ الأمْنِ وَالإسْلاَمِ. فَتَسْألُهُمُ المَلائِكَةُ الكِرَامُ: لِمَ لِبِثْتُمْ مُقِيمِينَ فِي أَرْضِ الكُفْرِ، وَتَرَكْتُمُ الهِجْرَةَ؟ فَيُجِيبُونَ: إِنَّهُم كُانُوا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ، لاَ يَقْدِرُونَ عَلَى الخُرُوجِ مِنَ البَلَدِ، وَلا الذَّهَابِ فِي الأَرْضِ. فَتَقُولُ لَهُمُ المَلاَئِكَةُ: أَلَيْسَتْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا إلى حَيْثُ الأَمْنِ وَالحُرِّيَّةُ، وَالقُدْرَةُ عَلَى إِظْهَارِ الإِيمَانِ؟ وَيَقَولُ تَعَالَى: إنَّ هَؤُلاءِ الظَّالِمِينَ لأَنْفُسِهِمْ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ، وَسَاءَتْ مَصِيراً.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رضي الهَ عنهما: كُنْتُ أَنَا وَأُمِّي مِمَّنْ عَنَى اللَّهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْوِلْدَانِ إِذْ ذَاكَ، وَأُمُّهُ هِيَ أُمُّ الْفَضْلِ بِنْتُ الْحَارِثِ وَاسْمُهَا لُبَابَةُ، وَهِيَ أُخْتُ مَيْمُونَةَ، وَأُخْتُهَا الْأُخْرَى لُبَابَةُ الصُّغْرَى، وَهُنَّ تِسْعُ أَخَوَاتٍ قَالَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِيهِنَّ: (الْأَخَوَاتُ مُؤْمِنَاتٌ) وَمِنْهُنَّ سَلْمَى وَالْعَصْمَاءُ وَحُفَيْدَةُ وَيُقَالُ فِي حُفَيْدَةَ: أُمُّ حُفَيْدٍ، وَاسْمُهَا هَزِيلَةُ. هُنَّ سِتُّ شَقَائِقَ وَثَلَاثٌ لِأُمٍّ، وَهُنَّ سَلْمَى، وَسَلَّامَةُ، وَأَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ الْخَثْعَمِيَّةُ امْرَأَةُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، ثُمَّ امْرَأَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، ثُمَّ امْرَأَةُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ.
فقد كَانَ فِي مَكَّةَ قَوْمٌ قَدْ أَسْلَمُوا، وَأَخْفُوا إِسْلاَمَهُمْ، فَأَخْرَجَهُمُ المُشْرِكُونَ يَوْمَ بَدْرٍ مَعَهُمْ إلى قِتَالِ المُسْلِمِينَ، فَأُصِيبَ بَعْضُهُمْ، وَقِيلَ: إِنَّهُمْ لَمَّا اسْتَحْقَرُوا عَدَدَ الْمُسْلِمِينَ دَخَلَهُمْ شَكٌّ فِي دِينِهِمْ فَارْتَدُّوا فَقُتِلُوا عَلَى الرِّدَّةِ، فَقَالَ المُسْلِمُونَ كَانَ أَصْحَابُنا هَؤُلاءِ مُسْلِمِينَ، وَأُكرْهُوا فَاسْتَغْفَرُوا لَهُمْ. فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ. فَكَتَبَ المُسْلِمُونَ إلى مَنْ بَقِيَ مِنَ المُسْلِمِينَ المُسْتَخْفِينَ فِي مَكَّةَ: أَنَّهُمْ لاَ عُذْرَ لَهُمْ، وَأَنَّ عَلَيْهِم الهِجْرَةَ.
أخرجَ البُخاري والنَّسائي وابنْ جريرٍ وابنُ المُنذِرِ وابنُ أبي حاتمٍ وابنُ مَرْدَوَيْهِ والطَبرانيُّ والبَيْهَقِيُّ في سُنَنِهِ عن ابنِ عبّاسٍ ـ رضي الله عنهما ـ قال: قُطِعَ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ بَعْثٌ كُتِبْتُ فِيهِ فَلَقِيتُ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَنَهَانِى أَشَدَّ النَّهْىِ ثُمَّ قَالَ أَخْبَرَنِى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ نَاسًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا مَعَ الْمُشْرِكِينَ يُكَثِّرُونَ سَوَادَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فَيَأْتِى السَّهْمُ يُرْمِى بِهِ فَيُصِيبُ أَحَدَهُمْ فَيَقْتُلُهُ أَوْ يُضْرَبُ فَيُقْتَلُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ فِيهِمْ "إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِى أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِى الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا" رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ فِى الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ. ورواه الليثُ عن أبي الأسود.
ورُوي عن عِكْرِمَةَ أنَّ الآيةَ نَزَلَتْ في قيسٍ بنِ الفاكِهِ بنِ المُغيرةِ والحَرْثِ بنِ زَمَعَةَ بنِ الأسودِ وقيسٍ بنِ الوَليدِ بنِ المُغيرةِ وأبي العاصِ بْنِ مُنَبِّهٍ بنِ الحَجّاجِ، وعليٍّ بنِ أُميَّةَ بنِ خَلَفٍ كانوا قد أَسلَموا واجْتَمعوا بِبَدْرٍ معَ المُشركينَ مِنْ قريشٍ فقُتِلوا هناكَ كفَّارًا. ورواهُ أبو الجارودِ عن أبي جعفرَ ـ رضيَ اللهُ تعالى عنه.
والآيَةَ عَامَّةٌ تَتَنَاوَلُ كُلَّ مَنْ أقَامَ بَيْنَ المُشْرِكِينَ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الهِجْرَةِ، وَلَيسَ مُتَمكِّناً فِي مَوطِنِهِ مِنْ إقَامَةِ أمُورِ دِينِهِ، فَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ، مُرْتَكِبٌ حَرَاماً بِالإجْمَاعِ. وَظُلْمُهُمْ لأَنْفُسِهِمْ هُوَ تَرْكُهُمُ العَمَلَ بِالحَقِّ خَوْفاً مِنَ الأَذَى، وَفَقْدِ الكَرَامَةِ عِنْدَ ذَوِي قُرْبَاهُمْ مِنَ المُبْطِلِينَ، وَهَذَا لا يُعْتَدُّ بِهِ، لأنَّ الوَاجِبَ يَقْضِي عَلَيهِمْ بِالهِجْرَةِ إلى حَيْثُ يَتَمَكَّنُونَ مِنْ إِقَامَةِ دِينِهِمْ. وهو مذهبُ الإمامِ مالكٍ، ونَقلَ ابنُ العربيِّ وُجوبَ الهجرةِ مِنَ البلادِ الوَبيئةِ أيْضاً، وفي كتاب "الناسخ والمنسوخ" أنَّها كانتْ فرضًا في صدرِ الإسلامِ فنُسِختْ وبقيَ نَدْبُها. وأخرج الثَّعلَبِيُّ مِنْ حديثِ الحَسَنِ مُرسَلًا: ((مَنْ فَرَّ بدينِهِ مِنْ أَرضٍ إلى أرضٍ، وإنْ كان شِبْرًا مِن الأرضِ اسْتُوجِبَتْ لَه الجَنَّةُ، وكان رفيقَ أَبيه إبراهيمَ ونَبيِّهِ مُحَمّد ـ صلى الله عليه وسلم)).
وقوله: {توفاهمُ الملائكةُ} المُرادُ مِنَ التوفّي قبضُ الرّوحِ، وهو الظاهرُ الذي ذَهَبَ إليْه ابْنُ عبّاسٍ ـ رضيَ اللهُ تعالى عنْه. وعن الحَسَنِ أنَّ المُرادَ بِه الحشرُ إلى النّارِ، والمُرادُ مِنَ المَلائكةِ مَلَكُ الموتِ وأعوانُه، وهم ستَّةٌ: ثلاثةٌ لأرواحِ المؤمنين، وثلاثةٌ لأرواحِ الكافرين. والجُمهورُ أنَّ المُرادَ بهم مَلَكُ الموتِ فقط، وهو مِنْ إطلاقِ الجمعِ مُرادًا بِه الواحدُ تَفخيمًا له وتعظيمًا لِشأنِه، ولا يَخفى أنَّ إطلاقَ الجمعِ على الواحِدِ فيه بُعْدٌ، والتحقيقُ أنَّه لا مانعَ مِن نِسبةِ التَوَفّي إلى اللهِ ـ تعالى ـ وإلى مَلَكِ المَوْتِ وإلى أَعوانِه، والوَجْهُ في ذلك أنَّ اللهَ هو الآمرُ بلْ هو الفاعلُ الحَقيقيُّ، والأعوانُ همُ المُزاوِلون لإخراجِ الرّوحِ مِنَ نَحوِ العُروقِ والشَرايينِ والعَصَبِ، والقاطعون لِتَعَلُّقِها بذلك، والمَلَكُ هو القابضُ المُباشِرُ لأَخذِها بَعدَ تَهيِئَتِها، وفي القرآنِ {الله يَتَوَفَّى الأنْفُسَ} الزُمر؛ 42. و{يتوفاكم مَّلَكُ الموت الذى وُكّلَ بِكُمْ} السجدة: 11. و{تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا} الأنعامُ: 61. ومثلُه "توفّاهمُ المَلئكة".
قولُه تعالى: {إِنَّ الذين تَوَفَّاهُمُ} يجوزُ في "توفَّاهم" أن يكونَ ماضياً، وإنَّما لم تلحقْ علامةُ التأنيثِ للفِعلِ لأنَّ التأنيثَ مَجازيٌّ، ويدُلُّ على كونِه فعلاً ماضيًا قراءةُ "توفَّتْهم" بتاءِ التأنيثِ، ويَجوزُ أنْ يكونَ مُضارِعًا حُذِفتْ منه إحدى التاءين، والأصلُ: تتوفاهم.
وقولُه: {ظالمي أنفُسِهم} حالٌ مِنْ ضميرِ "توفَّاهم" والإِضافةُ غيرُ محضةٍ، إذِ الأصلُ: ظالمين أنفسَهم، أي (صفةٌ مشبّهةٌ ومفعولُها). وفي خبرِ "إنَّ" هذه ثلاثةُ أوْجُهٍ، أَحدُها: أنَّهُ محذوفٌ تقديرُه: إنَّ الذين توفَّاهم الملائكةُ هَلَكوا، ويَكونُ قولُه: "قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ" مبيِّنًا لِتِلكَ الجُملةِ المحذوفةِ. الثاني: أنَّه "فأولئك مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ" ودخلتِ الفاءُ زائدةً في الخبرِ تشبيهًا للموصولِ باسمِ الشرطِ، ولم تَمْنَعْ "إنَّ" مِنْ ذلك، والأخفش يمنعُه، وعلى هذا فيكون قولُه: "قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ" إمَّا صفةً لـ "ظالمي" أو حالاً للملائكة، و"قد" معه مقدرةٌ عند مَنْ يشترطُ ذلك، وعلى القول بالصِفةِ فالعائدُ محذوفٌ، أي: ظالمين أنفسَهم قائلاً لهم المَلائكةُ. والثالث: أنَّه "قالوا فيم كنتم"، ولا بُدَّ مِن تقديرِ العائدِ أيضاً، أي: قالوا لهم كذا، و"فيمَ" خبرُ "كنتم" وهي "ما" الاستفهامية حُذِفت ألفُها حين جُرَّتْ، وقد تقدَّم تحقيق ذلك عند قوله: {فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ الله} البقرة: 91. والجملةُ من قولِه: "فيمَ كنتم" في محلِّ نصبٍ بالقولِ. و"وفي الأرض" متعلِّقٌ بـ "مستضعفين"، ولا يَجوزُ أنْ يَكونَ "في الأرض" هو الخبرَ، و"مستضعفين" حالاً، كما يَجوزُ ذلك في نحوِ: "إنَّ زيدٌ قائماً في الدار" لعدمِ الفائدةِ في هذا الخبر.
قولُه: {فَتُهَاجِرُواْ} منصوبٌ في جوابِ الاسْتِفهامِ، وقد تقدَّمَ تحقيقُ ذلك. وقال أبو البقاء: "ألم تكن" استفهامٌ بمعنى التوبيخِ، "فتهاجروا" منصوبٌ على جوابِ الاسْتِفهامِ، لأنَّ النفيَ صار إثباتاً بالاستفهام. وقولُ أبي البقاء: "لأنَّ النفيَ .." إلى آخرِه لا يَظْهر تعليلاً لقولِه "منصوبٌ على جواب الاستفهام" لأنَّ ذلك لا يَصِحُّ، وكذا لا يَصِحُّ جَعْلُه عِلَّةً لقولِه: "بمعنى التوبيخ".
وقولُه: {ساءت مصيراً} قد تقدَّمَ القولُ في "ساء"، وأنَّها تجري مَجْرى "بِئْس" فيُشْترطُ في فاعِلِها ما يُشتَرَطُ في فاعلِ تِيكَ. و"مصيراً" تمييز.
(97)
قولُه تبارك وتعالى: { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} بيانٌ لِحالِ القاعدين عنِ الهِجرةِ إثْرَ بيانِ القاعدين عَنِ الجِهادِ، أو بيانٌ لِحالِ القاعدين عن نُصرَةِ رسولِ اللهِ ـ صلى اللهُ عليْه وسلَّمَ ـ والجهادِ معَه مِن المنافقين عَقِبَ بيانِ حالِ القاعدين مِنَ المؤمنين فقد عَدَّ اللهُ ـ سبحانَه وتعالى ـ هَؤُلاءِ الذينَ تَحْضُرُهُمُ الوَفَاةُ، وَهُمْ مُقِيمُونَ فِي أَرْضِ الشِّرْكِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ إِقَامَةِ شعَائِرِهم الدِّينِيَّةِ، وَلاَ إِظْهَارَهَا، عدَّهم ظَالِمِينَ لأَنْفُسِهُمْ بِتَرْكِهِمُ الهِجْرَةَ إلى دَارِ الأمْنِ وَالإسْلاَمِ. فَتَسْألُهُمُ المَلائِكَةُ الكِرَامُ: لِمَ لِبِثْتُمْ مُقِيمِينَ فِي أَرْضِ الكُفْرِ، وَتَرَكْتُمُ الهِجْرَةَ؟ فَيُجِيبُونَ: إِنَّهُم كُانُوا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ، لاَ يَقْدِرُونَ عَلَى الخُرُوجِ مِنَ البَلَدِ، وَلا الذَّهَابِ فِي الأَرْضِ. فَتَقُولُ لَهُمُ المَلاَئِكَةُ: أَلَيْسَتْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا إلى حَيْثُ الأَمْنِ وَالحُرِّيَّةُ، وَالقُدْرَةُ عَلَى إِظْهَارِ الإِيمَانِ؟ وَيَقَولُ تَعَالَى: إنَّ هَؤُلاءِ الظَّالِمِينَ لأَنْفُسِهِمْ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ، وَسَاءَتْ مَصِيراً.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رضي الهَ عنهما: كُنْتُ أَنَا وَأُمِّي مِمَّنْ عَنَى اللَّهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْوِلْدَانِ إِذْ ذَاكَ، وَأُمُّهُ هِيَ أُمُّ الْفَضْلِ بِنْتُ الْحَارِثِ وَاسْمُهَا لُبَابَةُ، وَهِيَ أُخْتُ مَيْمُونَةَ، وَأُخْتُهَا الْأُخْرَى لُبَابَةُ الصُّغْرَى، وَهُنَّ تِسْعُ أَخَوَاتٍ قَالَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِيهِنَّ: (الْأَخَوَاتُ مُؤْمِنَاتٌ) وَمِنْهُنَّ سَلْمَى وَالْعَصْمَاءُ وَحُفَيْدَةُ وَيُقَالُ فِي حُفَيْدَةَ: أُمُّ حُفَيْدٍ، وَاسْمُهَا هَزِيلَةُ. هُنَّ سِتُّ شَقَائِقَ وَثَلَاثٌ لِأُمٍّ، وَهُنَّ سَلْمَى، وَسَلَّامَةُ، وَأَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ الْخَثْعَمِيَّةُ امْرَأَةُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، ثُمَّ امْرَأَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، ثُمَّ امْرَأَةُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ.
فقد كَانَ فِي مَكَّةَ قَوْمٌ قَدْ أَسْلَمُوا، وَأَخْفُوا إِسْلاَمَهُمْ، فَأَخْرَجَهُمُ المُشْرِكُونَ يَوْمَ بَدْرٍ مَعَهُمْ إلى قِتَالِ المُسْلِمِينَ، فَأُصِيبَ بَعْضُهُمْ، وَقِيلَ: إِنَّهُمْ لَمَّا اسْتَحْقَرُوا عَدَدَ الْمُسْلِمِينَ دَخَلَهُمْ شَكٌّ فِي دِينِهِمْ فَارْتَدُّوا فَقُتِلُوا عَلَى الرِّدَّةِ، فَقَالَ المُسْلِمُونَ كَانَ أَصْحَابُنا هَؤُلاءِ مُسْلِمِينَ، وَأُكرْهُوا فَاسْتَغْفَرُوا لَهُمْ. فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ. فَكَتَبَ المُسْلِمُونَ إلى مَنْ بَقِيَ مِنَ المُسْلِمِينَ المُسْتَخْفِينَ فِي مَكَّةَ: أَنَّهُمْ لاَ عُذْرَ لَهُمْ، وَأَنَّ عَلَيْهِم الهِجْرَةَ.
أخرجَ البُخاري والنَّسائي وابنْ جريرٍ وابنُ المُنذِرِ وابنُ أبي حاتمٍ وابنُ مَرْدَوَيْهِ والطَبرانيُّ والبَيْهَقِيُّ في سُنَنِهِ عن ابنِ عبّاسٍ ـ رضي الله عنهما ـ قال: قُطِعَ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ بَعْثٌ كُتِبْتُ فِيهِ فَلَقِيتُ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَنَهَانِى أَشَدَّ النَّهْىِ ثُمَّ قَالَ أَخْبَرَنِى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ نَاسًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا مَعَ الْمُشْرِكِينَ يُكَثِّرُونَ سَوَادَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فَيَأْتِى السَّهْمُ يُرْمِى بِهِ فَيُصِيبُ أَحَدَهُمْ فَيَقْتُلُهُ أَوْ يُضْرَبُ فَيُقْتَلُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ فِيهِمْ "إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِى أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِى الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا" رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ فِى الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ. ورواه الليثُ عن أبي الأسود.
ورُوي عن عِكْرِمَةَ أنَّ الآيةَ نَزَلَتْ في قيسٍ بنِ الفاكِهِ بنِ المُغيرةِ والحَرْثِ بنِ زَمَعَةَ بنِ الأسودِ وقيسٍ بنِ الوَليدِ بنِ المُغيرةِ وأبي العاصِ بْنِ مُنَبِّهٍ بنِ الحَجّاجِ، وعليٍّ بنِ أُميَّةَ بنِ خَلَفٍ كانوا قد أَسلَموا واجْتَمعوا بِبَدْرٍ معَ المُشركينَ مِنْ قريشٍ فقُتِلوا هناكَ كفَّارًا. ورواهُ أبو الجارودِ عن أبي جعفرَ ـ رضيَ اللهُ تعالى عنه.
والآيَةَ عَامَّةٌ تَتَنَاوَلُ كُلَّ مَنْ أقَامَ بَيْنَ المُشْرِكِينَ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الهِجْرَةِ، وَلَيسَ مُتَمكِّناً فِي مَوطِنِهِ مِنْ إقَامَةِ أمُورِ دِينِهِ، فَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ، مُرْتَكِبٌ حَرَاماً بِالإجْمَاعِ. وَظُلْمُهُمْ لأَنْفُسِهِمْ هُوَ تَرْكُهُمُ العَمَلَ بِالحَقِّ خَوْفاً مِنَ الأَذَى، وَفَقْدِ الكَرَامَةِ عِنْدَ ذَوِي قُرْبَاهُمْ مِنَ المُبْطِلِينَ، وَهَذَا لا يُعْتَدُّ بِهِ، لأنَّ الوَاجِبَ يَقْضِي عَلَيهِمْ بِالهِجْرَةِ إلى حَيْثُ يَتَمَكَّنُونَ مِنْ إِقَامَةِ دِينِهِمْ. وهو مذهبُ الإمامِ مالكٍ، ونَقلَ ابنُ العربيِّ وُجوبَ الهجرةِ مِنَ البلادِ الوَبيئةِ أيْضاً، وفي كتاب "الناسخ والمنسوخ" أنَّها كانتْ فرضًا في صدرِ الإسلامِ فنُسِختْ وبقيَ نَدْبُها. وأخرج الثَّعلَبِيُّ مِنْ حديثِ الحَسَنِ مُرسَلًا: ((مَنْ فَرَّ بدينِهِ مِنْ أَرضٍ إلى أرضٍ، وإنْ كان شِبْرًا مِن الأرضِ اسْتُوجِبَتْ لَه الجَنَّةُ، وكان رفيقَ أَبيه إبراهيمَ ونَبيِّهِ مُحَمّد ـ صلى الله عليه وسلم)).
وقوله: {توفاهمُ الملائكةُ} المُرادُ مِنَ التوفّي قبضُ الرّوحِ، وهو الظاهرُ الذي ذَهَبَ إليْه ابْنُ عبّاسٍ ـ رضيَ اللهُ تعالى عنْه. وعن الحَسَنِ أنَّ المُرادَ بِه الحشرُ إلى النّارِ، والمُرادُ مِنَ المَلائكةِ مَلَكُ الموتِ وأعوانُه، وهم ستَّةٌ: ثلاثةٌ لأرواحِ المؤمنين، وثلاثةٌ لأرواحِ الكافرين. والجُمهورُ أنَّ المُرادَ بهم مَلَكُ الموتِ فقط، وهو مِنْ إطلاقِ الجمعِ مُرادًا بِه الواحدُ تَفخيمًا له وتعظيمًا لِشأنِه، ولا يَخفى أنَّ إطلاقَ الجمعِ على الواحِدِ فيه بُعْدٌ، والتحقيقُ أنَّه لا مانعَ مِن نِسبةِ التَوَفّي إلى اللهِ ـ تعالى ـ وإلى مَلَكِ المَوْتِ وإلى أَعوانِه، والوَجْهُ في ذلك أنَّ اللهَ هو الآمرُ بلْ هو الفاعلُ الحَقيقيُّ، والأعوانُ همُ المُزاوِلون لإخراجِ الرّوحِ مِنَ نَحوِ العُروقِ والشَرايينِ والعَصَبِ، والقاطعون لِتَعَلُّقِها بذلك، والمَلَكُ هو القابضُ المُباشِرُ لأَخذِها بَعدَ تَهيِئَتِها، وفي القرآنِ {الله يَتَوَفَّى الأنْفُسَ} الزُمر؛ 42. و{يتوفاكم مَّلَكُ الموت الذى وُكّلَ بِكُمْ} السجدة: 11. و{تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا} الأنعامُ: 61. ومثلُه "توفّاهمُ المَلئكة".
قولُه تعالى: {إِنَّ الذين تَوَفَّاهُمُ} يجوزُ في "توفَّاهم" أن يكونَ ماضياً، وإنَّما لم تلحقْ علامةُ التأنيثِ للفِعلِ لأنَّ التأنيثَ مَجازيٌّ، ويدُلُّ على كونِه فعلاً ماضيًا قراءةُ "توفَّتْهم" بتاءِ التأنيثِ، ويَجوزُ أنْ يكونَ مُضارِعًا حُذِفتْ منه إحدى التاءين، والأصلُ: تتوفاهم.
وقولُه: {ظالمي أنفُسِهم} حالٌ مِنْ ضميرِ "توفَّاهم" والإِضافةُ غيرُ محضةٍ، إذِ الأصلُ: ظالمين أنفسَهم، أي (صفةٌ مشبّهةٌ ومفعولُها). وفي خبرِ "إنَّ" هذه ثلاثةُ أوْجُهٍ، أَحدُها: أنَّهُ محذوفٌ تقديرُه: إنَّ الذين توفَّاهم الملائكةُ هَلَكوا، ويَكونُ قولُه: "قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ" مبيِّنًا لِتِلكَ الجُملةِ المحذوفةِ. الثاني: أنَّه "فأولئك مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ" ودخلتِ الفاءُ زائدةً في الخبرِ تشبيهًا للموصولِ باسمِ الشرطِ، ولم تَمْنَعْ "إنَّ" مِنْ ذلك، والأخفش يمنعُه، وعلى هذا فيكون قولُه: "قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ" إمَّا صفةً لـ "ظالمي" أو حالاً للملائكة، و"قد" معه مقدرةٌ عند مَنْ يشترطُ ذلك، وعلى القول بالصِفةِ فالعائدُ محذوفٌ، أي: ظالمين أنفسَهم قائلاً لهم المَلائكةُ. والثالث: أنَّه "قالوا فيم كنتم"، ولا بُدَّ مِن تقديرِ العائدِ أيضاً، أي: قالوا لهم كذا، و"فيمَ" خبرُ "كنتم" وهي "ما" الاستفهامية حُذِفت ألفُها حين جُرَّتْ، وقد تقدَّم تحقيق ذلك عند قوله: {فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ الله} البقرة: 91. والجملةُ من قولِه: "فيمَ كنتم" في محلِّ نصبٍ بالقولِ. و"وفي الأرض" متعلِّقٌ بـ "مستضعفين"، ولا يَجوزُ أنْ يَكونَ "في الأرض" هو الخبرَ، و"مستضعفين" حالاً، كما يَجوزُ ذلك في نحوِ: "إنَّ زيدٌ قائماً في الدار" لعدمِ الفائدةِ في هذا الخبر.
قولُه: {فَتُهَاجِرُواْ} منصوبٌ في جوابِ الاسْتِفهامِ، وقد تقدَّمَ تحقيقُ ذلك. وقال أبو البقاء: "ألم تكن" استفهامٌ بمعنى التوبيخِ، "فتهاجروا" منصوبٌ على جوابِ الاسْتِفهامِ، لأنَّ النفيَ صار إثباتاً بالاستفهام. وقولُ أبي البقاء: "لأنَّ النفيَ .." إلى آخرِه لا يَظْهر تعليلاً لقولِه "منصوبٌ على جواب الاستفهام" لأنَّ ذلك لا يَصِحُّ، وكذا لا يَصِحُّ جَعْلُه عِلَّةً لقولِه: "بمعنى التوبيخ".
وقولُه: {ساءت مصيراً} قد تقدَّمَ القولُ في "ساء"، وأنَّها تجري مَجْرى "بِئْس" فيُشْترطُ في فاعِلِها ما يُشتَرَطُ في فاعلِ تِيكَ. و"مصيراً" تمييز.
مواضيع مماثلة
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 87
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 88
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 89
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 90
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 95
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 88
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 89
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 90
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 95
منتدى مدينة أرمناز العام :: المنتدى الخاص بشاعر أرمناز الكبير الأستاذ عبدالقادر الأسود :: البحوث والدراسات والمقالات النثرية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء أكتوبر 01, 2019 11:34 am من طرف bassam1972
» شهادة الشاعر الكبير الأستاذ عبد القادر دياب مدير عام الملتقى الثقافي العربي
الجمعة سبتمبر 13, 2019 7:15 pm من طرف bassam1972
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 12
الجمعة يوليو 12, 2019 10:33 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 10
الخميس يوليو 11, 2019 10:54 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 9
الأربعاء يوليو 10, 2019 1:29 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 8
الأربعاء يوليو 10, 2019 10:41 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 6
الثلاثاء يوليو 09, 2019 4:24 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 5
الأحد يوليو 07, 2019 10:10 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 3
السبت يوليو 06, 2019 10:14 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 2
الجمعة يوليو 05, 2019 10:54 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكه، الآية: 1
الأربعاء يوليو 03, 2019 3:27 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف: تعريف
الثلاثاء يوليو 02, 2019 7:01 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 111
السبت يونيو 29, 2019 7:26 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 110
الخميس يونيو 27, 2019 10:38 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 109
الخميس يونيو 27, 2019 6:45 am من طرف عبد القادر الأسود