منتدى مدينة أرمناز العام
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 26

اذهب الى الأسفل

الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية:  26 Empty الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 26

مُساهمة من طرف عبد القادر الأسود الخميس فبراير 07, 2019 5:15 pm

وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26)

قولُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} أَيْ: أَعْطِ ذَا القَرابَةِ حَقَّهُ مِنْ البِرِّ، وصِلَةِ الرَّحِمِ، وحُسْنِ المُعَاشَرَةِ. وَالْإِيتَاءُ حَقِيقَتُهُ إِعْطَاءُ الْأَشْيَاءِ الحسِّيَّةِ، وَهو شَائِعٌ مَجَازًا فِي التَّمْكِين مِنَ الْأُمُورِ الْمَعْنَوِيَّةِ، كَحُسْنِ الْمُعَامَلَةِ وَالنُّصْرَةِ وغيرِ ذلكَ. وَمِنْهُ قَولُ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((... وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ الْحِكْمَةَ فَهُوَ يَقْضِي بِهَا)). أَخْرَجَهُ الأئمَّةُ: أَحمدُ: (1/385، رقم: 3651)، والبُخَاري: (2/510، رقم: 1343)، ومُسْلِم: (1/559، رقم: 816)، وابْنُ ماجَهْ: (2/1407، رقم: 4208)، وابْنُ حِبِّان: (1/292، رقم: 90)، مِنْ حديثِ عبدِ اللهِ بْنِ مسعودٍ ـ رضِيَ اللهُ عنْهُ. وَإِطْلَاقُ الْإِيتَاءِ هَنَا صَالِحٌ لِلْمَعْنَيَيْنِ الحقيقي والمَجازي، كَمَا هِيَ طَرِيقَةُ الْقُرْآنِ الكريمِ فِي تَوْفِيرِ الْمَعَانِي وَإِيجَازِ الْأَلْفَاظِ. والْقَرَابَةُ كُلُّهَا مُتَشَعِّبَةٌ عَنِ الْأُبُوَّةِ فَلَا جَرَمَ انْتَقَلَ مِنَ الْكَلَامِ عَلَى حُقُوقِ الْأَبَوَيْنِ إِلَى الْكَلَامِ عَلَى حُقُوقِ الْقَرَابَةِ. وَالْعُدُولُ عَنِ الْخِطَابِ بِالْجَمْعِ فِي قَوْلِهِ مِنَ الآيةِ: 25، الَّتِي قَبْلَها: {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ}. إِلَى الْخِطَابِ بِالْإِفْرَادِ بِقَوْلِهِ: "وَآتِ ذَا الْقُرْبى" تَفَنُّنٌ في الخطابِ لِتَجَنُّبِ كَرَاهَةِ إِعَادَةِ الصِّيغَةِ الْوَاحِدَةِ عِدَّةَ مَرَّاتٍ، وَالْجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ قولِهِ في الآية: 23، مِنْ هَذِهِ السُّورةَ المباركةِ: {أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ مَا قَضَى اللهُ بِهِ.
وَالْخِطَابُ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ مِثْلِ قَوْلِهِ من الآيةِ: 23، السابقةِ: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ}. فَالْمُخَاطَبُ غَيْرُ مُعَيَّنٍ، وَهُوَ فِي مَعْنَى الْجَمْعِ. وقِيلَ: الخِطَابُ للرَّسُولِ ـ صَلَّى اللهُ عَليْهِ وسَلَّمَ، أَنْ يُؤْتِيَ قَرَابَتَهُ مِنْ بَيْتِ المَالِ. فَعَنْ عَلِيٍّ زَيْنِ الْعَابِدِينَ ـ رضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّهَا تَشْمَلُ قرَابَةَ النَبِّيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَالتَّعْرِيفُ فِي "الْقُرْبى" للْجِنْسِ، أَيِ الْقُرْبَى مِنْكَ، وَهُوَ الَّذِي يُعَبَّرُ عَنْهُ بِأَنَّ (أَلْ) عِوَضٌ عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جريرٍ، عَنْ عَليِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، أَنَّهْ قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ: أَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ؟. قَالَ: نَعَم. قَالَ: أَفَمَا قَرَأْتَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ: "وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ"؟. قَالَ: وَإِنَّكُمْ لِلْقَرَابَةِ الَّذِي أَمَرَ اللهُ أَنْ يُؤْتَى حَقَّهُ؟. قَالَ: نَعَمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي الْآيَةِ، قَالَ: كَانَ نَاسٌ مِنْ بَني عبْدِ الْمُطَّلِبِ يَأْتُونَ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَسْأَلُونَهُ، فَإِذا صَادَفُوا عِنْدَهُ شَيْئًا أَعْطَاهُم، وَإِنْ لَمْ يُصادِفُوا عِنْدَهُ شَيْئًا سَكَتَ، لَمْ يَقُلْ لَهُمْ نَعَم، وَلَا لَا، والقُرْبَى قُرْبَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ، وَأَبُو يَعْلَى، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، عَنْ أَبي سَعيدٍ الْخُدْرِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: "وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ" دَعَا رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاطِمَةَ ـ رضِيَ اللهُ عنها، فَأَعْطَاهَا فَدَكَ. وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: "وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ" أَقْطَعَ رَسُولُ اللهِ فَاطِمَةَ فَدَكًا. وَفَدَكُ: اسْمُ قريةٍ في خَيْبَرَ.
وَالأَرْجَحُ أَنَّهُ لَيْسَ لِهَاتِهِ الآيَةِ تَعَلُّقٌ بِحُقُوقِ قرَابَةِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّ حُقُوقَهُمْ فِي الْمَالِ تَقَرَّرَتْ بَعْدَ الْهِجْرَةِ، وذَلِكَ لَمَّا فُرِضَتِ الزَّكَاةُ وَشُرِعَتِ الْمَغَانِمُ وَالْأَفْيَاءُ وَقِسْمَتُهَا. وَلِذَلِكَ حَمَلَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى حُقُوقِ قَرَابَةِ النَّسَبِ بَيْنَ النَّاسِ عامَّةً. قالَ ابْنُ زَيْدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: بَدَأَ اللهُ تَعَالى بِالْوَالِدَيْنِ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الوَالِدَيْنِ وحَقِّهِمَا ذَكَرَ هؤلاءِ. أخرجه الطَبَريُّ: (15/74). وقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رضِيَ اللهُ عَنْهُما: هَذِهِ الآيَةُ حَضٌّ عَلَى صِلَةِ القَرَابَةِ، بَدَأَ بِحَقِّ القَرَابَةِ لِمَا جَعَلَ في الأَرْحامِ مِنَ الصَّلَةِ، ونَحْوَ هَذا قالَ الحَسَنُ البَصْريُّ ـ رضِيَ اللهُ عَنْهُ: إِنَّ هَذِهِ الآيَةَ فِي بِرِّ الأَقَارِبِ وَصِلَةِ رَحِمِهمْ بالإحْسَانِ إِلَيْهِم. وَقَدْ فَسَّرَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيِهِ وسَلَّمَ، هذِهِ الآيَةَ فِيمَا رَوَى عَنْهُ أَنَسٌ ـ رضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ رَجُلًا قالَ: يَا رَسُولَ اللهِ: إِنِّي ذو مَالٍ كَثِيرٍ، وَذُو أَهْلٍ وَوَلَدٍ، فَكَيْفَ تُحِبُّ لِي أَنْ أَصْنَعَ، أَوْ أُنْفِقَ؟. قالَ: ((أَدِّ الزَّكاةَ طُهْرَةً يُطَهِّرُكَ، وآتِ صِلَةَ الرَّحِمِ، واعْرِفْ حَقَّ السّائلِ، والجارِ، والمِسْكِينِ، وابْنِ السَّبيلِ، وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا)) أَخْرَجَهُ الحَاكِمُ: (2/360)، بِنَحْوِهِ عَنْ أَنَسٍ، وَقالَ: صَحيحٌ عَلى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخْرِجاهُ، وأَقَرَّهُ الذَهَبِيُّ. وأَخْرَجَ البُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فِي قَوْلِهِ: "وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ" قَالَ: أَمَرَهُ بِأَحَقِّ الْحُقُوقِ وَعَلَّمَهُ كَيفَ يَصْنَعُ إِذا كَانَ عِنْدَهُ، وَكَيْفَ يَصْنَعُ إِذا لَمْ يَكُنْ فَقَالَ بعدَ ذلك في الآيةِ: 28، مِنْ هذهِ السُورَةِ المُبَارَكَةِ: {وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ}، إِذا سَأَلُوكَ، وَلَيْسَ عنْدَكَ شَيْءٌ، انْتَظَرْتَ رِزْقًا مِنَ اللهِ {فَقلْ لَهُم قَوْلًا مَيْسُورًا} نَفْسُ الآيَةِ، يَقُولُ: إِنْ شَاءَ اللهُ يَكونُ شِبْهُ الْعِدَةِ، قَالَ: سُفْيَانٌ الثوريُّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: وَالْعِدَةُ مِنَ النَّبِيِّ ـ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دَيْنٌ. وَقالَ أَبُو حَنيفَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: إذا كانوا مَحاويج فُقَرَاءَ: أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِمِ. وَلِلْقَرَابَةِ حَقَّانِ: حُقُّ الصِّلَةِ، وَحَقُّ الْمُوَاسَاةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جريرٍ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: "وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ" الْآيَةَ، قَالَ: هُوَ أَنْ تَصِلَ ذَا الْقَرَابَةِ، وَتُطْعِمَ الْمِسْكِينَ، وتُحْسِنَ إِلَى ابْنِ السَّبِيلِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، عَنِ الْحَسَنِ البَصْريِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ تَعَالى: "وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ والمِسْكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ" قَالَ: هُوَ أَنْ تُوَفِّيهِمْ حَقَّهمْ إِنْ كَانَ يَسِيرًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَكَ {فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا}. وَقُلْ لَّهُمُ الْخَيْرَ. وَأَخْرَجَ البُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ المُفردِ عَنْ كُلَيْبِ بْنِ مَنْفَعَة ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ جَدِّي: يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ أَبُرُّ؟ قَالَ: ((أُمَّكَ وأَبَاكَ، وأُخْتَكَ وأَخَاكَ، ومَوْلاكَ الَّذِي يَلِي ذَاكَ، حَقٌّ وَاجِبٌ ورَحِمٌ مَوْصُولَةٌ)). وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الإِيمانِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ أَعْرَابِيًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي رَجُلٌ مُوسِرٌ وَإِنَّ لِي أُمًّا وَأَبًا، وأُخْتًا وأَخًا، وَعَمًّا وعَمَّةً، وخالًا وَخَالَةً، فَأَيُّهمْ أَوْلَى بِصِلَتِي؟. قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أُمُّكَ وأَباكَ، وأُخْتُكَ وَأَخَاكَ، وأَدْنَاكَ أَدْنَاكَ)). وَأَخْرَجَ الأئمَّةُ: أَحْمَدُ، وَالْحَاكِم، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبي رَمْثَةَ التَّيْمِيِّ، تَيْمِ الرَّبَابِ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يَخْطُبُ وَيَقُولُ: ((يَدُ الْمُعْطِي الْعُلْيا، أُمُّكَ وَأَبَاكَ، وأُخْتُكُ وأَخَاكَ، ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ)). وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ زَهْدَمٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يَخْطُبُ: ((يَدُ الْمُعْطِي الْعُلْيا، وَيَدُ السَّائِلِ السُّفْلَى، وابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ: أُمَّكَ وَأَباكَ، وأُخْتَكَ وأَخَاكَ، وأَدْنَاكَ فَأَدْنَاكَ)). وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ المُفْرَدِ، وَابْنُ مَاجَةَ، وَالْحَاكِمُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الإِيمانِ، عَنَ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يَكْرِبَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: ((إِنَّ اللهَ يُوصِيكُم بِأُمَّهَاتِكُمْ، ثمَّ يُوصِيكُم بِآبَائِكُمْ، ثُمَّ يُوصِيكُمْ بِالأَقْرَبِ فَالْأَقْرَب)). وَأَخْرَجَ البُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ المفردِ أيضًا، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: مَا أَنْفَقَ الرَّجُلُ نَفَقَةً عَلى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ يَحْتَسِبُهَا، إِلَّا آجَرَهُ اللهُ فِيهَا، وابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، فَإِنْ كَانَ فَضْلٌ فَالْأَقْرَبُ الْأَقْرَبُ، وَإِنْ كَانَ فَضْلٌ فَنَاوِلْ. وَأَخْرَجَ البُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُعَبِ لَهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((تَعَلَّمُوا مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ ـ وفي رِوَايَةٍ: احْفَظُوا أَنْسَابَكُمْ، تَصَلُوا أَرْحَامَكُمْ، فَإِنَّهُ لَا قُرْبَ لِرَحِمٍ إِذَا قُطِعَتْ، وَإِنْ كَانَتْ قَرِيبَةً، وَلَا بُعْدَ لَهَا إِذَا وُصِلَتْ، وَإِنْ كَانَتْ بَعِيدَةً، وَكُلُّ رَحِمٍ آتِيَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمَامَ صَاحِبِهَا، تَشْهَدُ لَهُ بِصِلَةٍ، إِنْ كَانَ وَصَلَهَا، وَعَلَيْهِ بِقَطِيعَةٍ، إِنْ كَانَ قَطَعَهَا)). وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ، وَالْحَاكِم، والشِيرازِيُّ فِي الأَلْقابِ، وَالْبَيْهَقِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَال: قَالَ رَسُول الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ اللهَ ـ عَزَّ وَجَلَّ، لِيَعْمُرُ للْقَوْمِ الدِّيارَ، ويُكْثِرُ لَهُم الْأَمْوَالَ، وَمَا نَظَرَ إِلَيْهِم مُنْذُ خَلَقَهُمْ بُغْضًا)). قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهُ، وَبِمَ ذَلِك؟: قَالَ: بِصِلَتِهِمْ أَرْحامَهمْ. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ عَدِيٍّ، وَابْنُ لاَلٍ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ الهَمَذَانِي فِي مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَابْنُ عَسَاكِرَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((إِنَّ أَهْلَ الْبَيْتِ إِذا تَوَاصَلوا أَجْرَى اللهُ عَلَيْهِمُ الرِّزْقَ وَكَانُوا فِي كَنَفِ الرَّحْمَنِ ـ عَزَّ وَجَلَّ)). وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ، وَابْنُ جريرٍ، والخَرَائِطِيُّ فِي مَكَارِم الْأَخْلَاق، مِنْ طَرِيقِ أَبي سَلَمَةَ ابْنِ عبدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِنَّ أَعْجَلَ الطَّاعَةِ ثَوابًا صِلَةُ الرَّحِمِ، حَتَّى إِنَّ أَهْلَ الْبَيْتِ لَيَكونونَ فُجَّارًا فَتَنْمُو أَمْوَالُهم، وَيَكْثُرُ عَدَدُهمْ إِذا وَصَلُوا الرَّحِمَ، وَإِنَّ أَعْجَلَ الْمَعْصِيَةِ عِقَابًا الْبَغِيُ، وَالْيَمِينُ الْفَاجِرَةُ تُذْهِبُ المَالَ، وتُعْقِمُ الرَّحِمَ، وَتَدَعُ الدِّيَارَ بَلَاقِعَ)). وَأَخْرَجَ ابْنُ مِرْدُوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: أُمِرَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَنْ يُعْطي، وَكَيْفَ يُعْطي، وبِمَنْ يَبْدَأُ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالى: "وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ والمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ" فَأَمَرَ اللهُ أَنْ يُبْدَأَ بِذِي الْقُرْبَى، ثُمَّ بِالْمِسْكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ، وَمِنْ بَعْدِهمْ قَالَ: "وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذيرًا" يَقُولُ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ: وَلَا تُعْطِ مَالَكَ كُلَّهُ، فَتَقْعُدَ بِغَيْرِ شَيْءٍ.
قولُهُ: {وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ} أَيْ: وَآتِ الْمِسْكِينَ حَقَّهُ، وَابْنَ السَّبِيلِ الغَريبِ، مِنْ بِرِّهِمَا والإِحْسَانِ إِلَيْهِما. و "المِسْكِينُ" هو مَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ مَا يَكْفِي عِيالَهُ، أَوِ الفَقِيرُ والخاضِعُ الذَليلُ الضَّعيفُ، وهي مِسْكِينَةٌ والجمعُ مَساكين، وَابْنُ السَّبِيلِ هُوَ الْمُسَافِرُ يَمُرُّ بِبلدةٍ مِنَ الْبُلْدانِ، فَلَهُ عَلَى الْبلْدةِ الَّذِي يَمُرُّ بِها حَقُّ ضِيَافَتِهِ. وَحَقُّ الْمِسْكِينِ هُوَ الصَّدَقَةُ. قَالَ تَعَالَى مِنْ سُورَةِ الفجْرِ: {وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ} الآيَةَ: 18، وَقَال مِنْ سُورَةِ البَلَدِ: {أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} الآيات: (14 ــ 16). وَقَدْ بَيَّنَتْ آيَاتٌ وَأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ حُقُوقَ الْمَسَاكِينِ، وَأَعْظَمُهَا آيَةُ الزَّكَاةِ وَمَرَاتِبَ الصَّدَقَاتِ الْوَاجِبَةِ وَغَيْرَهَا.
أَمَّا حُقُوقُ الأَضْيافِ فَقَدْ جَاءَتْ فِي كَلَامِ النبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَقَوْلِهِ: ((مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَليُكْرِمْ ضَيْفَهُ)). فقد أخرجَ الأَئِمَّةُ، والنَّصُّ للبُخاريُّ، عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْعَدَوِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ، قَالَ: سَمِعَتْ أُذُنَايَ وَأَبْصَرَتْ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلَّمَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: ((مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتَهُ))، قَالَوا: وَمَا جَائِزَتُهُ يَا رَسُولَ اللهِ؟. قَالَ: ((يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَالضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، فَمَا كَانَ وَرَاءَ ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ عَلَيْهِ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أَوْ لِيَصْمُتْ)). وَكَانَتْ ضِيَافَةُ ابْنِ السَّبِيلِ مِنْ أُصُولِ الْحَنِيفِيَّةِ مِمَّا سَنَّهُ إِبْرَاهِيمُ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقَدْ جُعِلَ لِابْنِ السَّبِيلِ نَصِيبٌ مِنَ الزَّكَاةِ.
قوْلُهُ: {وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا} بِصَرْفِ المالِ فِيما لَا يَنْبَغِي، وإِنْفَاقِهِ عَلى وَجْهِ السَرَفِ. ومَعْنَى التَبْذيرِ فِي اللُّغَةِ: إِفْسَادُ المَالِ وإِنْفَاقِهِ فِي السَّرَفِ. فَالتَبْذيرُ في النَفَقَةِ: الإِسْرافُ فِيها، وتَفْريقُها فِي غَيْرِ مَا أَحَلَّ اللهُ، وَمِنْهُ: البَذْرُ، لأَنَّهُ يُفَرَّقُ في الأَرْضِ للزِّراعَةِ. قَالَ النابغةُ الذُبيانيُّ:
ترائبُ يَسْتَضِيءُ الحَلْيُ فيها ................. كجَمْر النارِ بُذِّرَ بالظَّلامِ
ثُمَّ غَلَبَ في الإِسْرافِ فِي النَفَقَةِ. رُوِيَ عَنِ النَبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قالَ لِسَعْدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، وَهُوَ يَتَوَضَّأُ: ((مَا هَذَا السَّرَفُ؟)) فقال: أَوَ فِي الوُضُوءِ سَرَفٌ؟. فقال: ((نَعَمْ، وإِنْ كنْتَ عَلَى نَهَرٍ جَارٍ)). أَخْرَجَهُ الإِمَامُ أَحْمَدٌ في المُسْنَدِ: (2/221)، وابْنُ مَاجَةَ مِنْ حَديثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو ـ رضِيَ اللهُ عنهُما. وقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ ـ رضِيَ اللهُ عنْهُ: التَبْذيرُ: النَفَقَةُ فِي غَيْرِ حَقٍّ. أَخْرَجَهٌ الطَبَرِيُّ: (15/73).
قولُهُ تَعَالَى: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} الوَاوُ: استئنافيَةٌ، وَ "آتِ" فعلُ أَمرٍ مَبْنِيٌّ عَلَى حَذْفِ حرْفِ العلَّةِ مِنْ آخِرِهِ، لأَنَّهُ مُعْتَلُّ الآخِرِ بالياءِ، وفاعِلُهُ ضَميرٌ مُسْتَتِرٌ فِيهِ وُجوبًا تقديرُهُ (أَنْتَ) يَعودُ عَلى المُكَلِّفِ. وَ "ذَا" مَفعولٌ بِهِ أَوَّلٌ مِنْصوبٌ وعلامَةُ نصبِهِ الأَلِف لأَنَّهُ مِنَ الأسماءِ الخَمْسَةِ، وهو مُضافٌ. و "الْقُرْبى" مَجْرورٌ بالإضافةِ إِليهِ وعَلامَةُ الجَرِّ الكَسْرَةُ المُقَدَّرَةُ عَلَى آخِرِهِ لتعذُّرِ ظهورها على الألِفِ. و "حَقَّهُ" مَفْعولٌ بِهِ ثانٍ منصوبٌ، وهوَ مُضافٌ، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجرِّ بالإضافةِ إليْهِ. والجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
قولُهُ: {وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ} الواوُ: للعطْفِ، و "الْمِسْكِينَ" معطوفٌ عَلَى "ذَا" منْصوبٌ مثلُهُ. و "وَابْنَ" الواوُ: للعَطْفِ، و "ابنَ" معطوفٌ عَلَى "ذا" منصوبٌ مثلُه، وهو مُضافٌ. و "السَّبِيلِ" مجرورٌ بالإضافةِ إلَيْهِ.
قوْلُهُ: {وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا} الوَاو: للعطْفِ، وَ "لا" ناهيةٌ جازمةٌ، وَ "تُبَذِّرْ" فعلٌ مُضارعٌ مَجْزُومٌ بها، وفاعِلُهُ ضَميرٌ مُسْتَتِرٌ فِيهِ وُجوبًا تقديرُهُ (أَنْتَ) يَعودُ عَلى المُكَلِّفِ. و "تَبْذِيرًا" مَنْصوبٌ عَلَى المَفْعُولِيَّةِ المُطْلَقَةِ، والجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ قَوْلِهِ: "آتِ" على كونِها مُسْتَأْنفةً لا محلَّ لها منَ الإعرابِ.

عبد القادر الأسود
عبد القادر الأسود
أرمنازي - عضو شرف
أرمنازي - عضو شرف

عدد المساهمات : 932
نقاط : 2771
السٌّمعَة : 15
تاريخ التسجيل : 08/06/2010
العمر : 76
الموقع : http://abdalkaderaswad.spaces.live.com

http://abdalkaderaswad.wordpress.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى