الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 41
منتدى مدينة أرمناز العام :: المنتدى الخاص بشاعر أرمناز الكبير الأستاذ عبدالقادر الأسود :: البحوث والدراسات والمقالات النثرية
صفحة 1 من اصل 1
الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 41
وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا (41)
قولُهُ ـ تَعَالى شَأْنُهُ: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا} أَيْ: أَنَّهُ ـ سُبحانَهُ، قد صَرَّفَ فِي القُرآنِ الكريمِ مَسْأَلَةَ ادِّعائِهم الأَبْنَاءَ لَهُ ـ تعالى، وعَالَجَهَا فِي كَثيرٍ مِنَ المَسائلِ والمَوَاضِعِ والمَقاماتِ المُخْتَلِفَةِ؛ لأَنَّها قضيَّةٌ على درجةٍ عَالِيَةٍ مِنَ الأَهَمِيَّةِ، فَتَكَرَّرَ ذِكْرُ هَذِهِ المَسْأَلَةِ في سُوَرِ القرآنِ المُكرَّمِ.
والتَصْريفُ: قِيلَ: التَبْيينُ. وَقِيلَ: التَكْريرُ. و "فِي" هنا زَائِدَةٌ، كهيَ في قولِهِ تَعَالَى مِنْ سُورَةِ الأَحْقاف: {وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي} الآية: 15، أَيْ: أَصْلِحْ لي ذُرِّيَّتي. وَالتَّصْرِيفُ أَيضًا: صَرْفُ الشَّيْءِ مِنْ جِهَةٍ إِلَى جِهَةٍ. وتَحْويلُهُ وتَقْلِيبُهُ مِنْ حَالٍ إِلى حَالٍ، كَمَا قَالَ مِنْ سُورةِ البَقَرَة: {وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ} الآية: 164. يَعْني: تَغْييرها مِنْ حَالٍ إِلى حالٍ، فتَرَاهَا عَليلَةً هادئِةً حينًا، ورُخَاءً، (قَوِيَّةً) حينًا، وتَكونُ إِعْصَارًا مُدَمِّرًا أَحيانًا أُخْرَى. وَقَدْ تَكونُ لَوَاقِحَ مُحَمَّلَةً بالماءِ والخَيْرِ والنَمَاءِ، وَقَدْ تَكُونُ عَقِيمًا لا خَيْرَ فِيها ولا مَاءَ.
قولُهُ: {وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا} فإِنَّهم يَزْدادونَ نُفورًا وإِعْراضًا. بَدَلَ أَنْ يَرْعَوُوا عَنْ غيهم وضلالهم، ويَتَفَكَّرُوا باللهِ وآياتِهِ، وَيَذَّكَرُوا تَعَاليمَهُ وإرشاداتِهِ، ويَعُودُوا إِلَى جَادَّةِ الصَّوَابِ، ذَلِكَ لأَنَّهم لاهمَّ لهمْ سِوَى تَسَلُّطِهِمْ ومَكاسِبِهم، والاحْتِفَاظِ بأَمْوَالِهم وجاهِهِم ومَرَاتبِهِم.
ولهَذَا تَنَكَّرَ اليَهُودُ لِرِسَالَةِ سيِّدِنا مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَعَ أَنَّهُمْ كانوا عَلَى يَقِينٍ مِنْ صِدْقِهِ؛ لأَنَّ إيمانَهم بهذِهِ الرِّسالَةِ كانَ سَيَحْرِمُهم السُلْطَةَ الزَمَنِيَّةَ التي كانوا يتمتعونَ بها، وَسَتَقْضِي عَلَى نفوذِهم وسِيَادَتهم العِلْمِيَّةِ المعنويةِ، والاقْتِصَادِيَّةِ الماديَّةِ التي كَانَتْ لَهُمْ قَبْلَ الإِسْلامِ. ولذلكَ قالَ تَعَالَى في سُورَةِ البَقَرَة: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ الله مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الذين كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ الله عَلَى الكافِرينَ} الآيةَ: 89، وقالَ في الآية: 146، منها: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}، وَقَالَ مِنْ سُورَةِ الأَنْعَامِ: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} الآية: 20.
قولُهُ تَعَالى: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ} الواوُ: للاسْتِئْنافِ، وَاللامُ: مُوَطِّئَةٌ للقَسَمِ. و "قد" للتَحْقيقِ. و "صَرَّفْنا" فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ لاتِّصالِهِ بضميرِ رفعٍ متحرِّكٍ هو "نا" المُعَظِّمِ نفسَهُ، و "نا" التعظيمِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ عَلى السُّكونِ في محلِّ الرفعِ فاعِلُهُ. و "فِي" حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بـ "صَرَّفْنا، وَ "هَذَا" الهاءُ: للتنبيهِ، و "ذا" اسمُ إشارةٍ مبنيٌّ على السُّكونِ في محلِّ الجرِّ بحرفِ الجرِّ. و "الْقُرْآنِ" بَدَلٌ مِنِ اسْمِ الإِشَارَةِ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ مِنْهُ، والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هذهِ جَوابُ القَسَمِ، لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرابِ.
قولهُ: {لِيَذَّكَّرُوا} اللامُ: حَرْفُ جَرٍّ، للتَعْلِيلِ، مُتَعَلِّقٌ بـ "صَرَّفْنا"، و "يَذَّكَّرُوا" فِعْلٌ مضارعٌ مَنْصُوبٌ بـ "أَنْ" مُضْمَرَةٍ جَوَازًا بَعْدَ لامِ التَعْلِيلِ، وعلامَةُ نَصْبِهِ حذفُ النونِ مِنْ آخرِهِ لأنَّهُ مِنَ الأفعالِ الخمسةِ، وواوُ الجماعةِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ على السُّكونِ في محلِّ الرفعِ فاعِلُهُ، والألِفُ للتفريقِ، والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ مَعَ "أَنْ" المُضْمَرَةِ فِي تَأْويلِ مَصْدَرٍ مَجْرورٍ بِـ "لامِ التَعْليلِ"، والتَقديرُ: لِتَذْكُرَهُمْ.
قولُهُ: {وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا} الواوُ: حَالِيَّةٌ، و "ما" نافِيَةٌ لا عَمَلَ لها. و "يَزِيدُهُمْ" فِعْلٌ مُضارعٌ مرفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازِمِ، وفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتترٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ "هو" يَعُودُ التصْريفِ، والهاءُ: ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ النَّصْبِ مَفْعُولٌ بِهِ أَوَّلُ، والميمُ للجمعِ المُذكَّرِ. و "إِلَّا" أَداةُ اسْتِثْناءٍ مُفَرَّغٍ (أَوْ أَداةُ حصرٍ). و "نُفُورًا" مَفْعُولٌ بِهِ ثانٍ لِـ "يَزيدُ"، والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هذهِ في مَحَلِّ النَّصْبِ حَالٌ مِنَ القُرْآنِ الكريم.
قرأَ العامَّةُ: {صَرَّفْنا} بِتَشْدِيدِ الراءِ عَلَى التَّكْثِيرِ حَيْثُ وَقَعَ. وفِي مَفْعُولِ "صَرَّفْنا" وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مَذْكُورٌ، و "في" مَزيدَةٌ فِيهِ، أَيْ: وَلَقَدُ صَرَّفْنا هَذَا القُرْآنَ، كقَوْلِهِ تَعَالَى مِنْ سُورَةِ الأَحْقافِ: {وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتي} الآيَةَ: 15، أيْ: وأَصْلح لي ذُرِّيَّتي، ومِثْلُهُ قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ:
وَإِنْ تَعْتَذِرْ بالمَحلِّ عَنْ ذِي ضُرُوعِهَا
إِلَى الضَيْفِ يَجْرَحُ فِي عَرَاقِيبهَا نَصْلي
أي: يَجْرَحْ عراقيبَها، وَرُدَّ هَذَا بِأَنَّ "في" لا تُزادُ، ومَا ذُكِرَ مُتَأَوَّلٌ، وسَيَأْتي إِنْ شَاءَ اللهُ.
الثاني: أَنَّه مَحْذُوفٌ تَقْديرُهُ: وَلَقَدْ صَرَّفْنَا أَمْثَالَهُ ومَوَاعِظَهُ وقِصَصَهُ وأَخْبَارَهُ وأَوَامِرَهُ. وقالَ الزَمَخْشَرِيُّ في تقديرِ ذَلِكَ: وَيَجُوزُ أَنْ يُرادَ بـ "هذا القرآن" إِبْطالُ إِضَافَتِهم إِلَى اللهِ البَنَاتِ؛ لأَنَّهُ مِمَّا صَرَّفَهُ وَكَرَّرَ ذِكْرَهُ، والمَعْنَى: وَلَقَدْ صَرَّفْنا القَوْلَ فِي هَذَا المَعْنَى، وأَوْقَعْنا التَصْريفَ فِيهِ، وجَعَلْناهُ مَكانًا للتَكْريرِ، ويَجُوزُ أَنْ يُريدَ بـ "هَذَا القُرْآن" التَنْزيلَ، ويُريدَ: ولَقَدْ صَرَّفناهُ، يَعْنِي هَذَا المَعْنَى فِي مَوَاضِعَ مِنَ التَنْزيلِ، فَتَرَكَ الضَميرَ لِأَنَّهُ مَعْلومٌ. قال السمينُ الحلَبيُّ: وهَذَا التَقْديرُ الذي قَدَّرَهُ الزَمَخْشَرِيُّ أَحْسَنُ؛ لأَنَّهُ مُناسِبٌ لِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الآيةُ، وَسِيْقَتْ لأَجْلِهِ، فَقَدَّرَ المَفْعُولَ خاصَّا، وَهُوَ: إِمَّا القَوْلُ، وَإِمَّا المَعْنَى، وَهُوَ الضَميرُ الذي قَدَّرَهُ فِي "صَرَّفْناه" بِخِلافِ تَقْديرِ غَيْرِهِ، فإِنَّهُ جَعَلَهُ عامَّا.
وقيلَ: المَعْنَى: لَمْ نُنَزِّلْهُ مَرَّةً وَاحِدَةً بَلْ نُجُومًا، والمَعْنَى: أَكْثَرْنا صَرْفَ جِبْريلَ إِلَيْكَ، فالمَفْعُولُ جِبْريلُ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ.
وَقَرَأَ الْحَسَنُ بِتَخْفيفِ الراءِ فَقيلَ: هِيَ بِمَعْنَى القِراءَةِ الأُولى، وفَعَل وفَعَّلَ قَدْ يَشْتَرِكانِ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: أَيْ: صَرَفْنا النَّاسَ فِيهِ إِلَى الهُدَى.
قرأَ العامَّةُ: {لِيَذَّكَّرُوا} بتشْديدِ الذالِ والكافِ، والأصلُ: يتذكَّروا، فأدغم التاءَ في الذال، وهو من الاعتبار والتدبُّر. وَقَرَأَ حَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ، وَخَلَفٌ "لِيَذْكُرُوا" بِسُكُونِ الذَّالِ وَضَمِّ الْكَافِ مُخَفَّفَةً، وهي مُضَارِعُ "ذَكَرَ" الَّذِي مَصْدَرُهُ الذُّكْرُ ـ بِضَمِّ الذَّالِ.
قولُهُ ـ تَعَالى شَأْنُهُ: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا} أَيْ: أَنَّهُ ـ سُبحانَهُ، قد صَرَّفَ فِي القُرآنِ الكريمِ مَسْأَلَةَ ادِّعائِهم الأَبْنَاءَ لَهُ ـ تعالى، وعَالَجَهَا فِي كَثيرٍ مِنَ المَسائلِ والمَوَاضِعِ والمَقاماتِ المُخْتَلِفَةِ؛ لأَنَّها قضيَّةٌ على درجةٍ عَالِيَةٍ مِنَ الأَهَمِيَّةِ، فَتَكَرَّرَ ذِكْرُ هَذِهِ المَسْأَلَةِ في سُوَرِ القرآنِ المُكرَّمِ.
والتَصْريفُ: قِيلَ: التَبْيينُ. وَقِيلَ: التَكْريرُ. و "فِي" هنا زَائِدَةٌ، كهيَ في قولِهِ تَعَالَى مِنْ سُورَةِ الأَحْقاف: {وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي} الآية: 15، أَيْ: أَصْلِحْ لي ذُرِّيَّتي. وَالتَّصْرِيفُ أَيضًا: صَرْفُ الشَّيْءِ مِنْ جِهَةٍ إِلَى جِهَةٍ. وتَحْويلُهُ وتَقْلِيبُهُ مِنْ حَالٍ إِلى حَالٍ، كَمَا قَالَ مِنْ سُورةِ البَقَرَة: {وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ} الآية: 164. يَعْني: تَغْييرها مِنْ حَالٍ إِلى حالٍ، فتَرَاهَا عَليلَةً هادئِةً حينًا، ورُخَاءً، (قَوِيَّةً) حينًا، وتَكونُ إِعْصَارًا مُدَمِّرًا أَحيانًا أُخْرَى. وَقَدْ تَكونُ لَوَاقِحَ مُحَمَّلَةً بالماءِ والخَيْرِ والنَمَاءِ، وَقَدْ تَكُونُ عَقِيمًا لا خَيْرَ فِيها ولا مَاءَ.
قولُهُ: {وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا} فإِنَّهم يَزْدادونَ نُفورًا وإِعْراضًا. بَدَلَ أَنْ يَرْعَوُوا عَنْ غيهم وضلالهم، ويَتَفَكَّرُوا باللهِ وآياتِهِ، وَيَذَّكَرُوا تَعَاليمَهُ وإرشاداتِهِ، ويَعُودُوا إِلَى جَادَّةِ الصَّوَابِ، ذَلِكَ لأَنَّهم لاهمَّ لهمْ سِوَى تَسَلُّطِهِمْ ومَكاسِبِهم، والاحْتِفَاظِ بأَمْوَالِهم وجاهِهِم ومَرَاتبِهِم.
ولهَذَا تَنَكَّرَ اليَهُودُ لِرِسَالَةِ سيِّدِنا مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَعَ أَنَّهُمْ كانوا عَلَى يَقِينٍ مِنْ صِدْقِهِ؛ لأَنَّ إيمانَهم بهذِهِ الرِّسالَةِ كانَ سَيَحْرِمُهم السُلْطَةَ الزَمَنِيَّةَ التي كانوا يتمتعونَ بها، وَسَتَقْضِي عَلَى نفوذِهم وسِيَادَتهم العِلْمِيَّةِ المعنويةِ، والاقْتِصَادِيَّةِ الماديَّةِ التي كَانَتْ لَهُمْ قَبْلَ الإِسْلامِ. ولذلكَ قالَ تَعَالَى في سُورَةِ البَقَرَة: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ الله مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الذين كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ الله عَلَى الكافِرينَ} الآيةَ: 89، وقالَ في الآية: 146، منها: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}، وَقَالَ مِنْ سُورَةِ الأَنْعَامِ: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} الآية: 20.
قولُهُ تَعَالى: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ} الواوُ: للاسْتِئْنافِ، وَاللامُ: مُوَطِّئَةٌ للقَسَمِ. و "قد" للتَحْقيقِ. و "صَرَّفْنا" فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ لاتِّصالِهِ بضميرِ رفعٍ متحرِّكٍ هو "نا" المُعَظِّمِ نفسَهُ، و "نا" التعظيمِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ عَلى السُّكونِ في محلِّ الرفعِ فاعِلُهُ. و "فِي" حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بـ "صَرَّفْنا، وَ "هَذَا" الهاءُ: للتنبيهِ، و "ذا" اسمُ إشارةٍ مبنيٌّ على السُّكونِ في محلِّ الجرِّ بحرفِ الجرِّ. و "الْقُرْآنِ" بَدَلٌ مِنِ اسْمِ الإِشَارَةِ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ مِنْهُ، والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هذهِ جَوابُ القَسَمِ، لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرابِ.
قولهُ: {لِيَذَّكَّرُوا} اللامُ: حَرْفُ جَرٍّ، للتَعْلِيلِ، مُتَعَلِّقٌ بـ "صَرَّفْنا"، و "يَذَّكَّرُوا" فِعْلٌ مضارعٌ مَنْصُوبٌ بـ "أَنْ" مُضْمَرَةٍ جَوَازًا بَعْدَ لامِ التَعْلِيلِ، وعلامَةُ نَصْبِهِ حذفُ النونِ مِنْ آخرِهِ لأنَّهُ مِنَ الأفعالِ الخمسةِ، وواوُ الجماعةِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ على السُّكونِ في محلِّ الرفعِ فاعِلُهُ، والألِفُ للتفريقِ، والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ مَعَ "أَنْ" المُضْمَرَةِ فِي تَأْويلِ مَصْدَرٍ مَجْرورٍ بِـ "لامِ التَعْليلِ"، والتَقديرُ: لِتَذْكُرَهُمْ.
قولُهُ: {وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا} الواوُ: حَالِيَّةٌ، و "ما" نافِيَةٌ لا عَمَلَ لها. و "يَزِيدُهُمْ" فِعْلٌ مُضارعٌ مرفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازِمِ، وفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتترٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ "هو" يَعُودُ التصْريفِ، والهاءُ: ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ النَّصْبِ مَفْعُولٌ بِهِ أَوَّلُ، والميمُ للجمعِ المُذكَّرِ. و "إِلَّا" أَداةُ اسْتِثْناءٍ مُفَرَّغٍ (أَوْ أَداةُ حصرٍ). و "نُفُورًا" مَفْعُولٌ بِهِ ثانٍ لِـ "يَزيدُ"، والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هذهِ في مَحَلِّ النَّصْبِ حَالٌ مِنَ القُرْآنِ الكريم.
قرأَ العامَّةُ: {صَرَّفْنا} بِتَشْدِيدِ الراءِ عَلَى التَّكْثِيرِ حَيْثُ وَقَعَ. وفِي مَفْعُولِ "صَرَّفْنا" وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مَذْكُورٌ، و "في" مَزيدَةٌ فِيهِ، أَيْ: وَلَقَدُ صَرَّفْنا هَذَا القُرْآنَ، كقَوْلِهِ تَعَالَى مِنْ سُورَةِ الأَحْقافِ: {وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتي} الآيَةَ: 15، أيْ: وأَصْلح لي ذُرِّيَّتي، ومِثْلُهُ قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ:
وَإِنْ تَعْتَذِرْ بالمَحلِّ عَنْ ذِي ضُرُوعِهَا
إِلَى الضَيْفِ يَجْرَحُ فِي عَرَاقِيبهَا نَصْلي
أي: يَجْرَحْ عراقيبَها، وَرُدَّ هَذَا بِأَنَّ "في" لا تُزادُ، ومَا ذُكِرَ مُتَأَوَّلٌ، وسَيَأْتي إِنْ شَاءَ اللهُ.
الثاني: أَنَّه مَحْذُوفٌ تَقْديرُهُ: وَلَقَدْ صَرَّفْنَا أَمْثَالَهُ ومَوَاعِظَهُ وقِصَصَهُ وأَخْبَارَهُ وأَوَامِرَهُ. وقالَ الزَمَخْشَرِيُّ في تقديرِ ذَلِكَ: وَيَجُوزُ أَنْ يُرادَ بـ "هذا القرآن" إِبْطالُ إِضَافَتِهم إِلَى اللهِ البَنَاتِ؛ لأَنَّهُ مِمَّا صَرَّفَهُ وَكَرَّرَ ذِكْرَهُ، والمَعْنَى: وَلَقَدْ صَرَّفْنا القَوْلَ فِي هَذَا المَعْنَى، وأَوْقَعْنا التَصْريفَ فِيهِ، وجَعَلْناهُ مَكانًا للتَكْريرِ، ويَجُوزُ أَنْ يُريدَ بـ "هَذَا القُرْآن" التَنْزيلَ، ويُريدَ: ولَقَدْ صَرَّفناهُ، يَعْنِي هَذَا المَعْنَى فِي مَوَاضِعَ مِنَ التَنْزيلِ، فَتَرَكَ الضَميرَ لِأَنَّهُ مَعْلومٌ. قال السمينُ الحلَبيُّ: وهَذَا التَقْديرُ الذي قَدَّرَهُ الزَمَخْشَرِيُّ أَحْسَنُ؛ لأَنَّهُ مُناسِبٌ لِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الآيةُ، وَسِيْقَتْ لأَجْلِهِ، فَقَدَّرَ المَفْعُولَ خاصَّا، وَهُوَ: إِمَّا القَوْلُ، وَإِمَّا المَعْنَى، وَهُوَ الضَميرُ الذي قَدَّرَهُ فِي "صَرَّفْناه" بِخِلافِ تَقْديرِ غَيْرِهِ، فإِنَّهُ جَعَلَهُ عامَّا.
وقيلَ: المَعْنَى: لَمْ نُنَزِّلْهُ مَرَّةً وَاحِدَةً بَلْ نُجُومًا، والمَعْنَى: أَكْثَرْنا صَرْفَ جِبْريلَ إِلَيْكَ، فالمَفْعُولُ جِبْريلُ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ.
وَقَرَأَ الْحَسَنُ بِتَخْفيفِ الراءِ فَقيلَ: هِيَ بِمَعْنَى القِراءَةِ الأُولى، وفَعَل وفَعَّلَ قَدْ يَشْتَرِكانِ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: أَيْ: صَرَفْنا النَّاسَ فِيهِ إِلَى الهُدَى.
قرأَ العامَّةُ: {لِيَذَّكَّرُوا} بتشْديدِ الذالِ والكافِ، والأصلُ: يتذكَّروا، فأدغم التاءَ في الذال، وهو من الاعتبار والتدبُّر. وَقَرَأَ حَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ، وَخَلَفٌ "لِيَذْكُرُوا" بِسُكُونِ الذَّالِ وَضَمِّ الْكَافِ مُخَفَّفَةً، وهي مُضَارِعُ "ذَكَرَ" الَّذِي مَصْدَرُهُ الذُّكْرُ ـ بِضَمِّ الذَّالِ.
مواضيع مماثلة
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 64
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 10
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 23 (2)
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 34
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 51
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 10
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 23 (2)
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 34
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 51
منتدى مدينة أرمناز العام :: المنتدى الخاص بشاعر أرمناز الكبير الأستاذ عبدالقادر الأسود :: البحوث والدراسات والمقالات النثرية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء أكتوبر 01, 2019 11:34 am من طرف bassam1972
» شهادة الشاعر الكبير الأستاذ عبد القادر دياب مدير عام الملتقى الثقافي العربي
الجمعة سبتمبر 13, 2019 7:15 pm من طرف bassam1972
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 12
الجمعة يوليو 12, 2019 10:33 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 10
الخميس يوليو 11, 2019 10:54 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 9
الأربعاء يوليو 10, 2019 1:29 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 8
الأربعاء يوليو 10, 2019 10:41 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 6
الثلاثاء يوليو 09, 2019 4:24 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 5
الأحد يوليو 07, 2019 10:10 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 3
السبت يوليو 06, 2019 10:14 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 2
الجمعة يوليو 05, 2019 10:54 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكه، الآية: 1
الأربعاء يوليو 03, 2019 3:27 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف: تعريف
الثلاثاء يوليو 02, 2019 7:01 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 111
السبت يونيو 29, 2019 7:26 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 110
الخميس يونيو 27, 2019 10:38 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 109
الخميس يونيو 27, 2019 6:45 am من طرف عبد القادر الأسود