الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 56
منتدى مدينة أرمناز العام :: المنتدى الخاص بشاعر أرمناز الكبير الأستاذ عبدالقادر الأسود :: البحوث والدراسات والمقالات النثرية
صفحة 1 من اصل 1
الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 56
قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا (56)
قولُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ} قالَ أَبُو إِسْحاق الزَجَّاجُ: أَيْ ادْعُوا الذينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ آلِهَتُكُمْ. مَعَاني القُرْآنِ وإِعْرَابُهُ: (3/245). وقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما: كُلُّ شَيْءٍ (زَعَمَ) في كِتَابِ اللهِ فَهُوَ كَذَبَ. التَفْسِيرُ الكبيرُ للإمامِ فَخْرِ الدينِ الرَّازِيِّ: (20/231)، والإمامُ الأَلُوسِيُّ في تَفْسِيرِهِ: (5/97). وعَلى هَذَا فَنَظْمُ الآيَةِ يَكونُ: الذينَ ادَّعَيْتُمْ كَذِبًا مِنْ دُونِهِ تَعَالَى، أَيْ ادَّعَيْتُمْ أَنَّهُمْ آلِهَةٌ.
ويَكونُ مَعْنَى الجُمْلَةِ: يَا رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، قُلْ لِهَؤُلاَءِ المُشْرِكِينَ، الذِينَ عَبَدُوا غَيْرَ اللهِ تَعَالَى: أَيُّها المُشْرِكُونُ، ادْعُوا الأَصْنَامَ، وَكلَّ ما تَدَّعُونَهُ نِدًا للهِ تَعَالى، مِنَ الذِينَ ادَّعَيْتُمْ كَذِبًا أَنَّهُمْ أَرْبَابٌ لَكُمْ، وَآلِهَةٌ مِنْ دُونِ اللهِ تَعَالى، ادعوهمْ حِينَ يَنْزِلُ بِكُم الضُّرُّ، إِلَى مَعَوْنَتِكُمْ، وَاسْأَلُوهُمْ رَفْعَ الضُّرِّ عَنْكُمْ، إِنْ كانُوا يَسْتَطِيعونَ القيامَ بشَيْءٍ مِنْ هذا القَبيلِ.
فإنَّهُ لَمَّا جَرَى ذِكْرُ الْمُقَرَّبِينَ حَقًّا في الآيَةِ: 55، السَّابِقَةِ، انْتُهِزَتْ مُنَاسَبَةُ ذِكْرِهِمْ لِلرَدِّ عَلَى مَقَالَةٍ أُخْرَى مِنْ مَقَالَاتِهِمُ الْبَاطِلَةِ وَهِيَ اعْتِذَارُهُمْ عَنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ بِأَنَّهُمْ مَا يَعْبُدُونَهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُوهُمْ إِلَى اللهِ زُلْفَى، فَجَعَلُوهُمْ عِبَادًا مُقَرَّبِينَ، وَوَسَائِلَ لَهُمْ إِلَى اللهِ ـ تَعَالَى، وذَلِكَ لِيَكُونَ مَخْلَصًا إِلَى إِبْطَالِ مَا ادَّعَوْهُ مِنْ وَسِيلَةِ أَصْنَامِهِمْ عَلَى عَادَةِ إِرْشَادِ الْقُرْآنِ مِنِ اغْتِنَامِ فُرَصِ الْمَوْعِظَةِ وَمُنَاسَبَاتِها، وَهوَ مِنْ أُسْلُوبِ الْخُطَبَاءِ.
فَهَذِهِ الْآيَةُ مُتَّصِلَةُ الْمَعْنَى بِالآيَةِ: 42، السابقةِ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ المُباركةِ: {قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا}. فَبَعْدَ أَنْ أَبْطَلَ أَنْ يَكُونَ مَعَ اللهِ آلِهَةٌ بِبُرْهَانِ الْعَقْلِ، عَادَ إِلَى إِبْطَالِ إِلَهِيَّتِهِمُ الْمَزْعُومَةِ بِبُرْهَانٍ حِسِّيٍّ مَلْمُوسٍ. وَهُوَ مُشَاهَدَةُ أَنَّهَا لَا تُغْنِي عَنْهُمْ شيئًا فيما يتعلَّقُ بِكَشْفِ الضُّرِّ عنهمْ أَوْ تَحْوَيلِهِ، فَأَصْلُ ارْتِبَاطِ الْكَلَامِ الثَّنَاءُ عَلَى المُؤمِنِينَ بِابْتِهَالِهِمْ إِلَى رَبِّهِمْ، فَنَاسَبَهُ ذَكَرُ ضِدِّهِ وَهُوَ دُعَاءِ الْمُشْرِكِينَ آلِهَتَهُمْ.
قولُهُ: {فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا} فَإِنَّهُمْ لاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ، مِنْ مَرَضٍ، وفَقْرٍ، وقَحْطٍ، وغَيْرِ ذَلِكَ، وَلاَ يَمْلِكُونَ تَحْوِيلَهُ إِلَى غَيْرِكُمْ، مِمَّنْ لَمْ يَعْبُدْهُمْ، وَالذِي يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ هُوَ اللهُ وَحْدَهُ، لاَ شَرِيكَ لَهُ. فَواضِحٌ أَنَّ أُولئكَ الشُرَكاءَ المَزْعُومِينَ لَا يَسْتَطِيعُونَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا أَبَدًا.
فقدْ بَيَّنَ ـ جَلَّ وَعَلَا، فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ الْمَعْبُودِينَ مِنْ دُونِ اللهِ الَّذِينَ زَعَمَ الْكَفَرةُ أَنَّهُمْ يُقَرِّبُونَهُمْ إِلَى اللهِ زُلْفَى، وَيَشْفَعُونَ لَهُمْ عِنْدَهُ، لَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْ عَابِدِيهِمْ، أَيْ إِزَالَةَ الْمَكْرُوهِ عَنْهُمْ، ولا عَنْ أَنْفُسِهمْ، وَلا تَحْوِيلَهُ مِنْ إِنْسَانٍ إِلَى آخَرَ، أَوْ تَحْوِيلَ الْمَرَضِ إِلَى الصِّحَّةِ، وَالْفَقْرِ إِلَى الْغِنَى، وَالْقَحْطِ إِلَى الْجَدْبِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ. فإِنَّ كُلَّ مَعْبُودٍ مِنْ دُونِ اللهِ لَا يَنْفَعُ عَابِدَهُ، وَإِنَّ كُلَّ مَعْبُودٍ مِنْ دُونِهِ مُفْتَقِرٌ إِلَيْهِ، وَمُحْتَاجٌ لَهُ ـ جَلَّ وَعَلَا.
وقد بَيَّنَ هذا المعنى أَيْضًا فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ مِنْ كتابِهِ العَزيزِ، كَقَوْلِهِ فِي سورةِ سَبَأٍ: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ * وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} الآيتانِ: (22 و 23، وَكَقَوْلِهِ فِي الآية: 38، مِنْ سُورَةِ الزُّمَرِ: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ المُبَارَكَاتِ.
قَالَ المُفَسَّرونَ: ابْتَلَى اللهُ قُرَيْشًا وَأَهْلَ مَكَّةَ بِالقَحْطِ سِنِينَ، فَشَكَوْا إِلَى رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: "قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ". أوردَهُ الثَعْلَبِيُّ في تفسيرِهِ: (7/111 ب). والبَغَوِيُّ: (5/100)، وغيرُهُما. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَتْ قَبَائلُ مِنَ الْعَرَبِ يَعْبُدُونَ صَنْفًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ يُقَالُ لَهُمُ الْجِنُّ، وَيَقُولُونَ هُمْ بَنَاتُ اللهِ فَأَنْزَلَ اللهُ "أُولَئِكَ الَّذينَ يَدْعُونَ" الْآيَةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فِي الْآيَةِ قَالَ: كَانَ أَهْلُ الشِّرْكِ يَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَةَ والمَسيحَ وَعُزَيْرًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فِي قَوْلِهِ: "فَلَا يَمْلُكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ" قَالَ: عِيسَى وَأُمُّهُ وَعُزُيْرٌ. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: "أُولَئِكَ الَّذينَ يَدْعونَ" قَالَ: هُمْ عِيسَى، وعُزَيْر، وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ.
وَلَعَلَّ هَذِهِ الْآيَةَ الكريمةَ نَزَلَتْ فِي مُدَّةِ إِصَابَةِ الْقَحْطِ قُرَيْشًا بِمَكَّةَ المُكَرَّمةَ، وَهِيَ السَّبْعُ السُّنُونَ الَّتِي هِيَ دَعْوَةُ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَيْهِمْ: ((اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطَأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِينَ يُوسُفَ))، فَقَدْ أَخْرَجَ الإِمامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا قَالَ (سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ) فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ مِنْ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ، قَنَتَ، وَقَالَ: ((اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، اللَّهُمَّ أَنْجِ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، اللَّهُمَّ أَنْجِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، اللَّهُمَّ أَنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا سِنِينَ كَسِنِينَ يُوسُفَ)). مُسْنَدُ أَحْمَد: (10764). فَأَصَابَتْهُمْ سَنَةٌ أَذْهَبَتْ كُلَّ شَيْءٍ، حَتَّى أَكَلُوا الْجِيفَ وَالْعَلْهَزَ (وَهُوَ وَبَرُ الْبَعِيرِ يُخْلَطُ بِدَمِهِ إِذَا نَحَرُوهُ)، وَأَصَابَهُمُ الْخَوْفُ الشَّدِيدُ بَعْدَ الْأَمْنِ، وَذَلِكَ الْخَوْفُ مِنْ جُيُوشِ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَغَزَوَاتِهِ وَبُعُوثِهِ وَسَرَايَاهُ. قَالُوا: وَلَا يُعدُّ هَذَا سَبَبًا للنُّزُولِ.
قولُهُ تَعَالَى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ} قُلِ: فِعْلُ أَمْرٍ مبنيٌّ عَلى السُّكونِ، وحُرِّكَ بالكَسْرَةِ لالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ. وَفاعِلُهُ ضَميرٌ مُسْتترٌ فيهِ وُجوبًا تقديرُهُ (أَنْتَ) يَعُودُ عَلَى سيِّدِنا مُحَمَّدٍ ـ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، والجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا محلَّ لها مِنَ الإعْرابِ. و "ادْعُوا" فِعْلُ أَمْرٍ مَبْنِيٌّ عَلى حَذْفِ النُّونِ مِنْ آخِرِهِ لأَنَّهُ مِنَ الأفعالِ الخَمْسَةِ، وواوُ الجَمَاعَةِ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ فاعِلُهُ، والأَلِفُ للتَفريقِ. وَ "الَّذِينَ" اسمٌ موصولٌ مبنيٌّ على الفتحِ في محلِّ النَّصْبِ مَفْعولٌ بِهِ، والجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ مَقولُ القولِ لِـ "قُلِ". و "زَعَمْتُمْ" فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ عَلى السُّكونِ لاتِّصالِهِ بضميرِ رَفْعٍ مُتَحَرِّكٌ هُوَ تاءُ الفاعِلِ وتاءُ الفاعِلِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الرَّفعِ فاعلُهُ، والميمُ علامةُ الجمعِ المُذَكَّرِ، ومَفْعُولَا "زَعَمَ" مَحْذوفَانِ للعِلْمِ بِهِمَا، والتَقديرُ؛ زَعَمْتُمُوهُمْ آلِهَةً، وحَذْفُهُمَا اخْتِصَارًا جائزٌ، واقْتِصارًا فِيهِ خِلافٌ. وَجُمْلَةُ "زَعَمَ" صِلَةُ المَوْصُولِ لا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ. و "مِنْ" حرفُ جَرٍّ متعلِّقٌ بِحالٍ مِنَ الاسمِ المَوْصُولِ "الذينَ"، لأَنَّ في الكلامِ تَقْديمًا وتَأْخِيرًا، والتَقْديرُ: قُلِ ادْعُوا الذينَ مِنْ دُونِهِ، زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ شُرَكاءُ للهِ تَعَالَى، فَلَا يَرِدُ السُّؤالُ: كَيْفَ قالَ "مِنْ دُونِهِ" مَعَ أَنَّ المُشْرِكِينَ، مَا زَعَمُوا غَيْرَ اللهِ إِلَهًا دُونَ اللهِ، بَلْ زَعموا أَنَّ ثَمَّةَ شَرَكاءُ مَعَ اللهِ ـ تَعَالَى، وذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الشِرْكَةِ. وَ "دُونِهِ" مجرورٌ بحرفِ الجرِّ، مُضافٌ، والهاءُ: ضميرٌ متَّصِلٌ في محلِّ الجرِّ بالإِضَافَةِ إِلَيْهِ.
قولُهُ: {فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا} فَلا: الفاءُ، اسْتِئْنَافِيَّةٌ، و "لا" نَافِيَةٌ. و "يَمْلِكُونَ" فِعْلٌ مُضارعٌ مَرْفُوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ والجَازمِ، وعلامَةُ رَفعِهِ ثَباتُ النُّونِ في آخِرِهِ لأَنَّهُ مِنَ الأَفْعَالِ الخَمْسَةِ، وواوُ الجَمَاعَةِ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ فاعِلُهُ. وَ "كَشْفَ" مفعولٌ بِهِ منصوبٌ، وهو مُضافٌ. و "الضُّرِّ" مجرورٌ بالإضافةِ إليْهِ. و "عَنْكُمْ" عَنْ: حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "كَشْفَ"، وكافُ الخَطابِ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجَرِّ بحرفِ الجَرِّ، والميمُ للجمعِ المُذكَّرِ. وَ "وَلا" الواوُ: للعَطْفِ، و "لا" نَافِيَةٌ. و "تَحْوِيلًا" مَعْطُوفٌ عَلَى "كَشْفَ" مَنْصُوبٌ مِثْلُهُ. والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإعرابِ.
قولُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ} قالَ أَبُو إِسْحاق الزَجَّاجُ: أَيْ ادْعُوا الذينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ آلِهَتُكُمْ. مَعَاني القُرْآنِ وإِعْرَابُهُ: (3/245). وقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما: كُلُّ شَيْءٍ (زَعَمَ) في كِتَابِ اللهِ فَهُوَ كَذَبَ. التَفْسِيرُ الكبيرُ للإمامِ فَخْرِ الدينِ الرَّازِيِّ: (20/231)، والإمامُ الأَلُوسِيُّ في تَفْسِيرِهِ: (5/97). وعَلى هَذَا فَنَظْمُ الآيَةِ يَكونُ: الذينَ ادَّعَيْتُمْ كَذِبًا مِنْ دُونِهِ تَعَالَى، أَيْ ادَّعَيْتُمْ أَنَّهُمْ آلِهَةٌ.
ويَكونُ مَعْنَى الجُمْلَةِ: يَا رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، قُلْ لِهَؤُلاَءِ المُشْرِكِينَ، الذِينَ عَبَدُوا غَيْرَ اللهِ تَعَالَى: أَيُّها المُشْرِكُونُ، ادْعُوا الأَصْنَامَ، وَكلَّ ما تَدَّعُونَهُ نِدًا للهِ تَعَالى، مِنَ الذِينَ ادَّعَيْتُمْ كَذِبًا أَنَّهُمْ أَرْبَابٌ لَكُمْ، وَآلِهَةٌ مِنْ دُونِ اللهِ تَعَالى، ادعوهمْ حِينَ يَنْزِلُ بِكُم الضُّرُّ، إِلَى مَعَوْنَتِكُمْ، وَاسْأَلُوهُمْ رَفْعَ الضُّرِّ عَنْكُمْ، إِنْ كانُوا يَسْتَطِيعونَ القيامَ بشَيْءٍ مِنْ هذا القَبيلِ.
فإنَّهُ لَمَّا جَرَى ذِكْرُ الْمُقَرَّبِينَ حَقًّا في الآيَةِ: 55، السَّابِقَةِ، انْتُهِزَتْ مُنَاسَبَةُ ذِكْرِهِمْ لِلرَدِّ عَلَى مَقَالَةٍ أُخْرَى مِنْ مَقَالَاتِهِمُ الْبَاطِلَةِ وَهِيَ اعْتِذَارُهُمْ عَنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ بِأَنَّهُمْ مَا يَعْبُدُونَهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُوهُمْ إِلَى اللهِ زُلْفَى، فَجَعَلُوهُمْ عِبَادًا مُقَرَّبِينَ، وَوَسَائِلَ لَهُمْ إِلَى اللهِ ـ تَعَالَى، وذَلِكَ لِيَكُونَ مَخْلَصًا إِلَى إِبْطَالِ مَا ادَّعَوْهُ مِنْ وَسِيلَةِ أَصْنَامِهِمْ عَلَى عَادَةِ إِرْشَادِ الْقُرْآنِ مِنِ اغْتِنَامِ فُرَصِ الْمَوْعِظَةِ وَمُنَاسَبَاتِها، وَهوَ مِنْ أُسْلُوبِ الْخُطَبَاءِ.
فَهَذِهِ الْآيَةُ مُتَّصِلَةُ الْمَعْنَى بِالآيَةِ: 42، السابقةِ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ المُباركةِ: {قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا}. فَبَعْدَ أَنْ أَبْطَلَ أَنْ يَكُونَ مَعَ اللهِ آلِهَةٌ بِبُرْهَانِ الْعَقْلِ، عَادَ إِلَى إِبْطَالِ إِلَهِيَّتِهِمُ الْمَزْعُومَةِ بِبُرْهَانٍ حِسِّيٍّ مَلْمُوسٍ. وَهُوَ مُشَاهَدَةُ أَنَّهَا لَا تُغْنِي عَنْهُمْ شيئًا فيما يتعلَّقُ بِكَشْفِ الضُّرِّ عنهمْ أَوْ تَحْوَيلِهِ، فَأَصْلُ ارْتِبَاطِ الْكَلَامِ الثَّنَاءُ عَلَى المُؤمِنِينَ بِابْتِهَالِهِمْ إِلَى رَبِّهِمْ، فَنَاسَبَهُ ذَكَرُ ضِدِّهِ وَهُوَ دُعَاءِ الْمُشْرِكِينَ آلِهَتَهُمْ.
قولُهُ: {فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا} فَإِنَّهُمْ لاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ، مِنْ مَرَضٍ، وفَقْرٍ، وقَحْطٍ، وغَيْرِ ذَلِكَ، وَلاَ يَمْلِكُونَ تَحْوِيلَهُ إِلَى غَيْرِكُمْ، مِمَّنْ لَمْ يَعْبُدْهُمْ، وَالذِي يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ هُوَ اللهُ وَحْدَهُ، لاَ شَرِيكَ لَهُ. فَواضِحٌ أَنَّ أُولئكَ الشُرَكاءَ المَزْعُومِينَ لَا يَسْتَطِيعُونَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا أَبَدًا.
فقدْ بَيَّنَ ـ جَلَّ وَعَلَا، فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ الْمَعْبُودِينَ مِنْ دُونِ اللهِ الَّذِينَ زَعَمَ الْكَفَرةُ أَنَّهُمْ يُقَرِّبُونَهُمْ إِلَى اللهِ زُلْفَى، وَيَشْفَعُونَ لَهُمْ عِنْدَهُ، لَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْ عَابِدِيهِمْ، أَيْ إِزَالَةَ الْمَكْرُوهِ عَنْهُمْ، ولا عَنْ أَنْفُسِهمْ، وَلا تَحْوِيلَهُ مِنْ إِنْسَانٍ إِلَى آخَرَ، أَوْ تَحْوِيلَ الْمَرَضِ إِلَى الصِّحَّةِ، وَالْفَقْرِ إِلَى الْغِنَى، وَالْقَحْطِ إِلَى الْجَدْبِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ. فإِنَّ كُلَّ مَعْبُودٍ مِنْ دُونِ اللهِ لَا يَنْفَعُ عَابِدَهُ، وَإِنَّ كُلَّ مَعْبُودٍ مِنْ دُونِهِ مُفْتَقِرٌ إِلَيْهِ، وَمُحْتَاجٌ لَهُ ـ جَلَّ وَعَلَا.
وقد بَيَّنَ هذا المعنى أَيْضًا فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ مِنْ كتابِهِ العَزيزِ، كَقَوْلِهِ فِي سورةِ سَبَأٍ: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ * وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} الآيتانِ: (22 و 23، وَكَقَوْلِهِ فِي الآية: 38، مِنْ سُورَةِ الزُّمَرِ: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ المُبَارَكَاتِ.
قَالَ المُفَسَّرونَ: ابْتَلَى اللهُ قُرَيْشًا وَأَهْلَ مَكَّةَ بِالقَحْطِ سِنِينَ، فَشَكَوْا إِلَى رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: "قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ". أوردَهُ الثَعْلَبِيُّ في تفسيرِهِ: (7/111 ب). والبَغَوِيُّ: (5/100)، وغيرُهُما. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَتْ قَبَائلُ مِنَ الْعَرَبِ يَعْبُدُونَ صَنْفًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ يُقَالُ لَهُمُ الْجِنُّ، وَيَقُولُونَ هُمْ بَنَاتُ اللهِ فَأَنْزَلَ اللهُ "أُولَئِكَ الَّذينَ يَدْعُونَ" الْآيَةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فِي الْآيَةِ قَالَ: كَانَ أَهْلُ الشِّرْكِ يَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَةَ والمَسيحَ وَعُزَيْرًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فِي قَوْلِهِ: "فَلَا يَمْلُكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ" قَالَ: عِيسَى وَأُمُّهُ وَعُزُيْرٌ. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: "أُولَئِكَ الَّذينَ يَدْعونَ" قَالَ: هُمْ عِيسَى، وعُزَيْر، وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ.
وَلَعَلَّ هَذِهِ الْآيَةَ الكريمةَ نَزَلَتْ فِي مُدَّةِ إِصَابَةِ الْقَحْطِ قُرَيْشًا بِمَكَّةَ المُكَرَّمةَ، وَهِيَ السَّبْعُ السُّنُونَ الَّتِي هِيَ دَعْوَةُ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَيْهِمْ: ((اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطَأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِينَ يُوسُفَ))، فَقَدْ أَخْرَجَ الإِمامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا قَالَ (سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ) فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ مِنْ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ، قَنَتَ، وَقَالَ: ((اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، اللَّهُمَّ أَنْجِ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، اللَّهُمَّ أَنْجِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، اللَّهُمَّ أَنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا سِنِينَ كَسِنِينَ يُوسُفَ)). مُسْنَدُ أَحْمَد: (10764). فَأَصَابَتْهُمْ سَنَةٌ أَذْهَبَتْ كُلَّ شَيْءٍ، حَتَّى أَكَلُوا الْجِيفَ وَالْعَلْهَزَ (وَهُوَ وَبَرُ الْبَعِيرِ يُخْلَطُ بِدَمِهِ إِذَا نَحَرُوهُ)، وَأَصَابَهُمُ الْخَوْفُ الشَّدِيدُ بَعْدَ الْأَمْنِ، وَذَلِكَ الْخَوْفُ مِنْ جُيُوشِ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَغَزَوَاتِهِ وَبُعُوثِهِ وَسَرَايَاهُ. قَالُوا: وَلَا يُعدُّ هَذَا سَبَبًا للنُّزُولِ.
قولُهُ تَعَالَى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ} قُلِ: فِعْلُ أَمْرٍ مبنيٌّ عَلى السُّكونِ، وحُرِّكَ بالكَسْرَةِ لالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ. وَفاعِلُهُ ضَميرٌ مُسْتترٌ فيهِ وُجوبًا تقديرُهُ (أَنْتَ) يَعُودُ عَلَى سيِّدِنا مُحَمَّدٍ ـ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، والجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا محلَّ لها مِنَ الإعْرابِ. و "ادْعُوا" فِعْلُ أَمْرٍ مَبْنِيٌّ عَلى حَذْفِ النُّونِ مِنْ آخِرِهِ لأَنَّهُ مِنَ الأفعالِ الخَمْسَةِ، وواوُ الجَمَاعَةِ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ فاعِلُهُ، والأَلِفُ للتَفريقِ. وَ "الَّذِينَ" اسمٌ موصولٌ مبنيٌّ على الفتحِ في محلِّ النَّصْبِ مَفْعولٌ بِهِ، والجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ مَقولُ القولِ لِـ "قُلِ". و "زَعَمْتُمْ" فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ عَلى السُّكونِ لاتِّصالِهِ بضميرِ رَفْعٍ مُتَحَرِّكٌ هُوَ تاءُ الفاعِلِ وتاءُ الفاعِلِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الرَّفعِ فاعلُهُ، والميمُ علامةُ الجمعِ المُذَكَّرِ، ومَفْعُولَا "زَعَمَ" مَحْذوفَانِ للعِلْمِ بِهِمَا، والتَقديرُ؛ زَعَمْتُمُوهُمْ آلِهَةً، وحَذْفُهُمَا اخْتِصَارًا جائزٌ، واقْتِصارًا فِيهِ خِلافٌ. وَجُمْلَةُ "زَعَمَ" صِلَةُ المَوْصُولِ لا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ. و "مِنْ" حرفُ جَرٍّ متعلِّقٌ بِحالٍ مِنَ الاسمِ المَوْصُولِ "الذينَ"، لأَنَّ في الكلامِ تَقْديمًا وتَأْخِيرًا، والتَقْديرُ: قُلِ ادْعُوا الذينَ مِنْ دُونِهِ، زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ شُرَكاءُ للهِ تَعَالَى، فَلَا يَرِدُ السُّؤالُ: كَيْفَ قالَ "مِنْ دُونِهِ" مَعَ أَنَّ المُشْرِكِينَ، مَا زَعَمُوا غَيْرَ اللهِ إِلَهًا دُونَ اللهِ، بَلْ زَعموا أَنَّ ثَمَّةَ شَرَكاءُ مَعَ اللهِ ـ تَعَالَى، وذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الشِرْكَةِ. وَ "دُونِهِ" مجرورٌ بحرفِ الجرِّ، مُضافٌ، والهاءُ: ضميرٌ متَّصِلٌ في محلِّ الجرِّ بالإِضَافَةِ إِلَيْهِ.
قولُهُ: {فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا} فَلا: الفاءُ، اسْتِئْنَافِيَّةٌ، و "لا" نَافِيَةٌ. و "يَمْلِكُونَ" فِعْلٌ مُضارعٌ مَرْفُوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ والجَازمِ، وعلامَةُ رَفعِهِ ثَباتُ النُّونِ في آخِرِهِ لأَنَّهُ مِنَ الأَفْعَالِ الخَمْسَةِ، وواوُ الجَمَاعَةِ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ فاعِلُهُ. وَ "كَشْفَ" مفعولٌ بِهِ منصوبٌ، وهو مُضافٌ. و "الضُّرِّ" مجرورٌ بالإضافةِ إليْهِ. و "عَنْكُمْ" عَنْ: حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "كَشْفَ"، وكافُ الخَطابِ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجَرِّ بحرفِ الجَرِّ، والميمُ للجمعِ المُذكَّرِ. وَ "وَلا" الواوُ: للعَطْفِ، و "لا" نَافِيَةٌ. و "تَحْوِيلًا" مَعْطُوفٌ عَلَى "كَشْفَ" مَنْصُوبٌ مِثْلُهُ. والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإعرابِ.
مواضيع مماثلة
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 78
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 95
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 110
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 4
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 18
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 95
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 110
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 4
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 18
منتدى مدينة أرمناز العام :: المنتدى الخاص بشاعر أرمناز الكبير الأستاذ عبدالقادر الأسود :: البحوث والدراسات والمقالات النثرية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء أكتوبر 01, 2019 11:34 am من طرف bassam1972
» شهادة الشاعر الكبير الأستاذ عبد القادر دياب مدير عام الملتقى الثقافي العربي
الجمعة سبتمبر 13, 2019 7:15 pm من طرف bassam1972
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 12
الجمعة يوليو 12, 2019 10:33 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 10
الخميس يوليو 11, 2019 10:54 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 9
الأربعاء يوليو 10, 2019 1:29 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 8
الأربعاء يوليو 10, 2019 10:41 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 6
الثلاثاء يوليو 09, 2019 4:24 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 5
الأحد يوليو 07, 2019 10:10 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 3
السبت يوليو 06, 2019 10:14 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 2
الجمعة يوليو 05, 2019 10:54 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكه، الآية: 1
الأربعاء يوليو 03, 2019 3:27 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف: تعريف
الثلاثاء يوليو 02, 2019 7:01 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 111
السبت يونيو 29, 2019 7:26 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 110
الخميس يونيو 27, 2019 10:38 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 109
الخميس يونيو 27, 2019 6:45 am من طرف عبد القادر الأسود