منتدى مدينة أرمناز العام
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 57

اذهب الى الأسفل

الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية:  57 Empty الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 57

مُساهمة من طرف عبد القادر الأسود السبت مارس 23, 2019 11:12 am

أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا (57)

قولُهُ ـ تَعَالى شَأْنُهُ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ} الْمَعْنَى: أُولَئِكَ الَّذِينَ إِنْ دَعَوْا يُسْتَجَبْ لَهُمْ، وَيُكْشَفْ عَنْهُمُ الضُّرُّ، وَلَيْسُوا كَالَّذِينَ تَدْعُونَهُمْ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ بِأَنْفُسِهِمْ، وَلَا بِشَفَاعَتِهِمْ عِنْدَ اللهِ كَمَا رَأَيْتُمْ مِنْ أَنَّهُمْ لَمْ يُغْنُوا عَنْكُمْ مِنَ الضُّرِّ كَشْفًا وَلَا صَرْفًا. فَالْإِشَارَةُ بِـ "أُولئِكَ" إِلَى النَّبِيِّينَ ـ عليهِمُ السَّلامُ، لِزِيَادَةِ تَمْيِيزِهِمْ. فقَد أَخْرَجَ سَعيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فِي قَوْلِهِ تَعَالى: "أُولَئِكَ الَّذين يدعونَ" قَالَ: هُمْ عِيسَى وَعُزيْر، وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ. وقِيلَ: أُولئِكَ الذينَ يَدْعُونَهُمْ المُشْرُكونَ، واخْتَلَفُوا فِيهِمْ؛ مَنْ هُمْ؟. فَرُوِيَ بِطُرُقٍ مُخْتَلِفَةٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: كانَ نَفَرٌ مِنَ الإِنْسِ ـ قَالَ المُفَسِّرونَ: وَهُمْ خُزاعَةُ، يَعْبُدونَ نَفَرًا مِنَ الجِنِّ، فَأَسْلَمَ النَّفَرُ مِنَ الجِنِّ، واسْتَمْسَكَ الإِنْسُ بِعِبادَتِهِمْ، فَنَزَلَتْ: "أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ" الآيَة. أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ الصنعانيُّ: (2/379)، بِنَحْوِهِ مِنْ طَريقَيْنِ، والبُخَارِيُّ أَيْضًا في كِتَابِ: التَفْسِيرِ: (4715)، بِنَحْوِهِ من طريق الأعمش، ومُسْلِمٌ في كتاب: التفسيرِ: (3030) بِنَصِّهِ مِنْ طَريقِ الأَعْمَشِ، وَالنَّسَائِيُّ فِي تفسيرِهِ: (1/652)، بِنَحْوِهِ، والطَبَرِيُّ بتفسيرِهِ: (15/104)، بِنَصِّهِ وبِنَحْوِهِ مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ وَرَجَّحَهُ، والحِاكِمُ في التَفْسيرِ: (2/362)، بِنَحْوِهِ مِنْ طَريقِ الأَعْمَشِ، والنَّحاسُ في (مَعَاني القُرآنِ وإعرابُهُ): (4/165) بنحوِهِ. ورَوَاهُ قَتَادَةُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَعْبَدِ الزِّمَّانيِّ البَصْرِيُّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ـ رضِيَ اللهُ عنْهُ. وأَخْرَجَ الطَبَرِيُّ: (15/105) عَنْ أَبي صالحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قالَ: هُمْ عِيسَى، وعُزَيْر، والمَلائِكَةُ ـ عَلَيْهِمُ السَّلامُ. وما كانَ عُبِدَ مِنْ دُونِ اللهِ وَهُوَ للهِ مُطِيعٌ. وفِي روايةٍ ثانيةٍ عَنْ أَبي صالحٍ، قالَ: هُمْ عِيسَى، وَأُمُّهُـ وعُزَيْرٌ، وورَدَ أَيْضًا في (مَعَاني القُرآنِ وإعرابُهُ) لأَبي جعفرٍ النَّحَّاسِ: (4/166)، وفي: (1/364) مِنْ تَفْسِيرِ مُجاهِدٍ، قَالَ مُجَاهِدٌ، والسُّدِّيُّ، والحَسَنُ البَصْرِيُّ ـ رَضيَ اللهُ عَنْهُمْ نَحْوَ هَذَا، وأَخْرَجَهُ الطبريُّ أَيضًا في: (15/106) منْ تَفْسيرِهِ، عَنِ السُّدِّيِّ ومَجاهِدٍ ـ رَضِي اللهُ عنُما، مِنْ طَريقَيْنِ، وَوَرَدَ فِي تَفْسيرِ هُودٍ الهَوارِيِّ: (2/426)، عَنِ الحَسَنِ البَصْرِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ، وفي (7/111 ب) مِنْ تفسيرِ الثَعْلَبِيِّ: (3/251) مِنْ تَفْسيرِ المَاوَرْدِيِّ، عَنْ مُجاهِدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ، ووردَ في: (6/491) منْ تفسيرِ الطُوسِيِّ عَنِ الحَسَنِ البَصْرِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. وقالَ الفَرَّاءُ في (2/125) مِنْ (مَعَاني القُرْآنِ) لَهُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: "يَدْعُونَ" فِعْلُ الآدَمِيِّينَ العابِدِينَ، وَقولُهُ: "يَبْتَغُونَ" فِعلٌ للمَعْبُودِينَ الذينَ عبَدُوهُمْ.
قوْلُهُ: {يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} يَبْتَغُونَ: يَطْلُبُونَ بالطَاعَةِ والعِبادَةِ القُرْبَ لِأَنْفُسِهِمْ مِنْ رَبِّهم ومَليكِهِمْ ومَوْلاهُمْ. والْوَسِيلَةُ: الْمَرْتَبَةُ الْعَالِيَةُ الْقَرِيبَةُ مِنْ عَظِيمٍ كَالْمَلِكِ. وقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما: يَتَضَرَّعُونَ إِلَى اللهِ فِي طَلَبِ الجَنَّةِ، والوَسِيلَةُ: هِيَ الدَرَجَةُ العُلْيَا. وَمِنْ ذَلِكَ مَا وَرَدَ في حَديثِ الأَذانِ: عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، قَال: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي أَنْتَ وَعَدْتَهُ إِلَّا حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ (3/354، برقم: 14877)، والنَّصُّ لَهُ. والبُخَارِي: (614 و 4719) مِنْ صحيحهِ. وأَبو دَاودَ برقم: (529). وابْنُ ماجَةَ: (722). والتِّرْمِذِيُّ: (211)، وقالَ: حَديثٌ حسَنٌ صحيحٌ. والنَّسَائيُّ: (2/26)، وفي سُنَنِهِ الكُبْرَى: (1656)، وفي (عَمَلُ اليَوْمِ واللَّيْلَةِ) لَهُ، برقم: (46). وابْنُ خُزَيْمَةَ برقم: (420) مِنْ صحيحِهِ. وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مرْدَوَيْه وَاللَّفْظ لَهُ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((سَلُوا اللهَ لِي الْوَسِيلَةَ)) قَالُوا: وَمَا الْوَسِيلَةُ؟. قَالَ: ((الْقُرْبُ مِنَ اللهِ))، ثُمَّ قَرَأَ "يَبْتَغُونَ إِلَى رَبهم الْوَسِيلَة أَيهمْ أقرب". وَقَالَ أَبو إِسْحاق الزَّجَاجُ في (معاني القُرْآنِ وإِعْرابِهِ) لَهُ: (3/246)، لَهُ: الوَسِيلةُ والسُّؤالُ والطِّلْبَةُ فِي مَعْنًى واحِدٍ.
قولُهُ: {أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ "أَيُّهُمْ أَقْرَبُ" بَدَلًا مِنْ ضَمِيرِ "يَبْتَغُونَ" بَدَلَ بَعْضٍ، وَ "أَي" مَوْصُولَة. وَالْمَعْنَى: الَّذِي هُوَ أَقْرَبُ مِنْ رِضَى اللهِ يَبْتَغِي زِيَادَةَ الْوَسِيلَةِ إِلَيْهِ، أَيْ يَزْدَادُ عَمَلًا لِلِازْدِيَادِ مِنْ رِضَى اللهِ عَنْهُ وَاصْطِفَائِهِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ "أَيُّهُمْ أَقْرَبُ" بَدَلًا مِنْ جُمْلَةِ "يَبْتَغُونَ"، و "أَيُّ" اسمُ اسْتِفْهَامٍ، أَيْ: يَبْتَغُونَ مَعْرِفَةَ جَوَابِ: أَيُّهُمْ أَقْرَبُ عِنْدَ اللهِ. وَ "أَقْرَبُ": اسْمُ تَفْضِيلٍ، وَمُتَعَلِّقُهُ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ. وَالتَّقْدِيرُ: أَيُّهُمْ أَقْرَبُ إِلَى رَبِّهِمْ. فقدْ رُويَ عنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما، قولُهُ: يَتَقَرَّبونَ إِلى اللهِ بِصَالِحِ الأَعْمالِ؛ فَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ، ويُريدونَ جَنَّتَهُ، ويَخَافُونَ عَذابَهُ. ونَحْوُ هَذَا ما قَالَهُ أَبو إِسْحاق الزَّجَّاجُ في (مَعَانِي القُرآنِ وإِعْرابُهُ) لَهُ: (3/246) قالَ: أَيْ: يَبْتَغِي أَيُّهمْ هوَ أَقْرَبُ الوَسِيلَةِ إِلَى اللهِ ـ تَعَالى؛ أَيْ: يَتَقَرَّبُ إِلَيْهِ بِالعَمَلِ الصَّالِحِ.
قولُهُ: {وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} رَوَى عَطاءُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما، فَي هَذِهِ الآيَةِ، قوْلَهُ: ثُمَّ ذَكَرَ أَوْلِياءَهُ، فَقَالَ: "أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ" الآيَةَ. وَعَلَى هَذَا القَوْلِ فالآيَةُ صِفَةُ المُؤْمِنينَ. وذَكَرَ خَوْفَ الْعَذَابِ بَعْدَ رَجَاءِ الرَّحْمَةِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّهُمْ فِي مَوْقِفِ الْأَدَبِ مَعَ رَبِّهِمْ، فَلَا يَزِيدُهُمُ الْقُرْبُ مِنْ رِضَاهُ إِلَّا إِجْلَالًا لَهُ، وَخَوْفًا مِنْ غَضَبِهِ. وَهُوَ تَعْرِيضٌ بِالْمُشْرِكِينَ الَّذين تَمَادَوْا فِي غُرُورِهم، وكِبُوا رُؤوسَهم، فَزَعَمُوا أَنَّ شُرَكَاءَهُمْ هم شُفَعَاؤُهُمْ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى. وقالَ أَبو إِسْحَاق الزَّجَّاجُ: أَيْ: الذينَ يَزْعُمونَ أَنَّهم آلِهَةٌ، يَرْجُونَ ويَخَافُونَ. مَعَاني القُرْآنِ وإِعْرابُهُ: (3/246). وذَهَبَ بَعْضُ المُفَسِّرينَ إِلى أَنَّ هَذِهِ الآيَةِ مِنْ صِفَةِ الأَنْبِياءِ ـ عَلَيْهِمُ السَّلامُ، الذينَ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ.
قولُهُ: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} المَعْنَى: أَنَّ حَقِيقَتَهُ تَقْتَضِي حَذَرَ الْمُوَفَّقِينَ إِذْ هُوَ جَديرٌ بِذَلِكَ. وهوَ تَذْيِيلٌ لِمَا تقدَّمَ.
قولُهُ تَعَالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ} أُولئِكَ: اسْمُ إشارةٍ مبنيٌّ على الكسْرِ في محلِّ الرفعِ بالابْتِداءِ، والكافُ للخِطَابِ. والأَظْهَرُ أَنَّ خَبَرَهُ هوَ جُمْلَةُ "يَبْتَغُونَ" والمَوْصُولُ نَعْتٌ أَوْ بَيَانٌ أَوْ بَدَلٌ، والمُرادُ بِاسْمِ الإِشَارَةِ الأَنْبِياءُ الذينَ عُبِدوا مِنْ دُونِ اللهِ تعالى، كالعُزيْرِ وعَيسى ـ عليْهِمُ السَّلامُ. والمُرَادُ بالواوِ مَنْ عَبَدَهمْ مِنَ المُشْرِكِينَ. ويَكون العائدُ عَلَى "الذين" مَحْذوفًا، والمَعْنَى: أُولئكَ الأَنْبِيَاءُ الذين يَدْعُونَهُمْ المُشْرِكونَ لِكَشْفِ الضُرِّ عنْهم ـ أَوْ يَدْعُونَهُمْ المُشْرِكُونَ آلِهَةً، يَبْتَغونَ. فَمَفْعُولُهَا محذوفٌ، أَوْ مَفْعُولاهَا مَحْذوفَانِ. ويَجُوزُ أَنْ يَكُونَ المُرادُ بِالوَاوِ مَا أُريدَ بِأُولئكَ، أَيْ: أُولئكَ الأَنْبِياءُ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُمْ، أَوِ أُولئكَ الأَنْبِياءُ الذين يَدْعُونَ النَّاسَ إِلِى الهُدَى يَبْتَغُونَ، فمَفْعُولُ "يَدْعُون" مَحْذُوفٌ. ويَجُوزُ أَنْ يكونَ الخَبَرُ المَوْصُولَ نَفْسَهُ، وقدْ قَرَأَ العامَّةُ "يَدْعُون" بياءِ الغَيْبةِ، وَعَلَيْهِ فـ "يَبْتَغُون" حالٌ مِنْ فاعِلِ "يَدْعُونَ" أَوْ بَدَلٌ مِنْهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الخلافُ في الواوِ: هَلْ تَعُودُ عَلَى الأَنْبِياءِ، أَوْ عَلى عابِدِيْهم. وقَرَأَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ "يُدْعُون" بِيَاءِ الغَيْبةِ أَيْضًا، إِلَّا أَنَّهُ بَنَاهُ للمَفْعُولِ. وقَرَأَ قَتَادَةُ، وابْنُ مَسْعُودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ جَميعًا، "تَدْعُونِ" بِتَاءِ الخِطابِ. وهاتانِ القِراءَتَانِ تُقَويَّانِ أَنَّ الوَاوَ تعودُ عَلَى المُشْرِكينَ لا على الأَنْبِياءِ فِي قِراءَةِ العَامَّةِ. و "الَّذِينَ" اسمٌ موصولٌ مبنيٌّ على الفحِ في محلِّ الرَّفعِ بَدَلٌ مِنْ "أُولئِكَ"، أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ عَلَيْهِ. و "يَدْعُونَ" فِعْلٌ مُضارعٌ مَرْفُوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ والجَازمِ، وعلامَةُ رَفعِهِ ثَباتُ النُّونِ في آخِرِهِ لأَنَّهُ مِنَ الأَفْعَالِ الخَمْسَةِ، وواوُ الجَمَاعَةِ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ فاعِلُهُ. والجملةُ صِلَةُ المَوْصولِ لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرابِ، والعائدُ مَحْذوفٌ تَقديرُهُ: يَدْعُونَهُمْ.
قولُهُ: {يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} يَبْتَغُونَ: فِعْلٌ مُضارعٌ مَرْفُوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ والجَازمِ، وعلامَةُ رَفعِهِ ثَباتُ النُّونِ في آخِرِهِ لأَنَّهُ مِنَ الأَفْعَالِ الخَمْسَةِ، وواوُ الجَمَاعَةِ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ فاعِلُهُ. و "إِلى" حرفُ جرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "الْوَسِيلَةَ"، و "رَبِّهِمُ" اسْمٌ مجرورٌ بحرفِ الجَرِّ، مُضافٌ، والهاء: ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إلَيْهِ، والميمُ للجمعِ المُذكَّرِ. و "الْوَسِيلَةَ" مَفْعُولٌ بِهِ منصوبٌ، والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ خَبَرُ المُبْتَدَأِ، والجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا محلَّ لها مِنَ الإِعْرابِ، ويَجُوزُ أَنْ نُعْرِبَ "الذين" خَبَرًا للمُبْتَدَأِ، وجَمْلَةَ "يَبْتَغُونَ" حَالًا مِنْ فَاعِلِ "يَدْعُونَ"، أَوْ بَيَانًا لَهَا.
قوْلُهُ: {أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} أَيُّهم: أَيُّ: اسْمٌ مَوْصُولٌ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ فاعِلِ "يَبْتَغُونَ"، وَالهاءُ: ضميرٌ متَّصِلٌ بهِ في مَحلِّ الجرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ، والميمُ للجمعِ المُذكَّرِ. وَ "أَقْرَبُ" خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، تَقديرُهُ: هُوَ أَقْرَبُ، والجُمْلَةُ صِلَةُ المَوْصُولِ لا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ. ويَجُوزُ أَنْ نُعْرِبَ "أَيُّ" اسْم اسْتِفْهُامٍ في محلِّ الرفعِ عَلى الابْتِداءِ، وَ "أَقْرَبُ" خَبَرُهُ مرفوعٌ، والجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ بِنَزْعِ الخَافِضِ عَلى إِضْمَارِ فِعْلِ التَعْلِيقِ، والتقديرُ: يَنْظُرونَ فِي أَيُّهُمْ أَقْرَبُ، وجُمْلَةُ الفِعْلِ المُعَلِّقِ في محلِّ النَّصِبِ على الحالِ مِنْ فَاعِلِ "يَبْتَغُونَ".
وإِنَّمَا كَثُرَ كلامُ المُعْرِبينَ فِيها مِنْ حَيْثُ التَقْديرُ. فَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: و "أَيُّهم" بَدَلٌ مِنْ وَاوِ "يَبْتغون"، و "أَيُّ" مَوْصُولَةٌ، أَيْ: يَبْتَغِي مَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُمْ وَأَزْلَفُ، أَوْ ضُمِّنَ "يَبْتَغُونَ الوسيلةَ" مَعْنَى يَحْرِصُونَ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: يَحْرِصُونَ أَيُّهم يَكُونُ أَقْرَبَ. فَقَدْ جَعَلَها فِي الوَجْهِ الأَوَّلِ مَوْصُولَةً، وَصِلَتُها جُمْلَةٌ مِنْ مُبْتَدَأٍ وَخَبَرٍ، حُذِفَ المُبْتَدَأُ وهوَ عائدُها، وَ "أَقْرَبُ" خَبَرُ "هوَ". وَاحْتَمَلَتْ "أَيُّ" حِينَئِذٍ أَنْ تَكونَ مَبْنِيَّةً، وَهوَ الأَكْثَرُ فِيها، وأَنْ تَكونَ مُعْرَبةً. وَفي الثاني جَعَلَهَا اسْتِفْهامِيَّةً بِدَلِيلِ أَنَّهُ ضَمَّنَ الابْتِغاءَ مَعْنَى شَيْءٍ يُعَلِّقُ، وهوَ "يَحْرُصون"، فَيَكونُ "أيُّهم" مُبْتَدَأً، و "أَقْرَبُ" خبَرَهُ، والجُمْلَةُ في مَحَلِّ النَصْبِ عَلى إِسْقَاطِ الخافِضِ؛ لأَنَّ "يَحْرِص" يَتَعَدَّى بـ "عَلَى"، كما في قولِهِ تَعَالَى مِنْ سُورَةِ البَقَرة: {وَلَتَجِدَنَّهمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} الآيَة: 96، وكقولِهِ مِنْ سُورَةِ النَّحْلِ: {إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ} الآية: 37.
وقالَ أَبُو البَقَاءِ العُكْبُريُّ: "أَيُّ" مُبْتَدَأٌ، وَ "أَقْرَبُ" خبرُهُ، وَهُوَ اسْتِفْهامٌ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بـ "يَدْعُونَ"، ويَجُوزُ أَنْ يَكونَ "أَيُّ" بِمَعْنَى "الذي"، وَهُوَ بَدَلٌ مِنَ الضَّميرِ فِي "يَدْعُوْن". قالَ الشَّيْخُ أبو حيَّان في (البحرِ): عَلَّقَ "يَدْعُون" وهوَ لَيْسَ فِعْلًا قَلْبِيًّا، وَفِي الثاني فَصَلَ بَيْنَ الصِّلَةِ ومَعْمُولِها بالجُمْلَةِ الحَالِيَّةِ، وَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ لأَنَّهَا مَعْمُولَةٌ لِلصِّلَةِ.
وكونُ "يَدْعُون" لا يُعَلِّقُ هوَ مَذْهَبَ الجُمْهورِ، وَقَدْ جوَّزَ يُونُسُ بْنُ حَبيبٍ تَعْلِيقَ الأَفْعَالِ مُطْلَقًا، القَلْبِيَّةِ منها وغَيْر القلبيّةِ. وأَمَّا قولُ العُكْبُرِيِّ "فَصَلَ بالجُمْلَةِ الحَالِيَّةِ" يَعْنِي بِهَا "يَبْتَغُون" فَصَل بِهَا بَيْنَ "يَدْعون" الذي هوَ صِلَةُ "الذينَ" وبَيْنَ مَعْمُولِهِ، وهوَ "أَيُّهُمْ أَقْرَبُ" لأَنَّهُ مُعَلَّقٌ عَنْهُ، كَمَا عَرَفْتَهُ، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمَ في كلامِ الشَّيْخِ أَبي حَيَّانٍ إِعْرابُ "يَبْتَغُونَ" حالًا، بَلْ لَمْ يُعْرِبْها إِلَّا خَبَرًا للمَوْصُولِ، وَهَذَا قَريبٌ. وجَعَلَ أَبو البَقَاءِ "أَيُّ" المَوْصُولَةَ بَدَلًا مِنْ واوِ "يَدْعُون" وَلَمْ يوافِقْهُ أَحَدٌ عَلَى ذَلِكَ، بَلْ كُلُّهم يَجْعَلُونَها بدلًا مِنْ واوِ "يَبْتَغون" وَهُوَ الظاهِرُ.
وقالَ الحُوفِيُّ: "أَيُّهُمْ أَقْرَبُ" ابْتِداءٌ وخَبَرٌ، والمَعْنَى: يَنْظُرونَ أَيُّهم أَقْرَبُ فَيَتَوَسَّلُونَ بِهِ، وَيَجوزُ أَنْ يَكونَ "أَيُّهُمْ أَقْرَبُ" بَدَلًا مِنْ واوِ "يَبْتغون". قالَ السَّمِينُ الحَلَبيُّ: فَقَدْ أَضْمَرَ فِعْلًا مُعَلَّقًا وَهوَ "يَنْظُرونَ"، فإِنْ كانَ مِنْ نَظَرِ البَصَرِ تَعَدَّى بـ "إِلى"، وإِنْ كانَ مِنْ نَظَرِ الفِكْرِ تَعَدَّى بـ "فِي"، فَعَلَى التَقْديرَيْنِ الجُمْلَةُ الاسْتِفْهَامِيَّةُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِإِسْقَاطِ الخافِضِ، وَهَذَا إِضْمَارُ مَا لَا حاجَةَ إِلَيْهِ.
وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: و "أَيُّهم" ابْتِداءٌ، و "أَقْرَبُ" خَبَرُهُ، والتَقْديرُ: نَظَرُهُمْ ووَكْدُهُمْ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ، وَمِنْهُ قوْلُ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكون أَيُّهم يُعْطاهَا، أَيْ: يَتَبَارَوْنَ في القُرْبِ. قالَ أَبُو حيَّان: فَجَعَلَ المَحْذوفَ "نَظَرُهم ووَكْدُهم" وهَذَا مُبْتَدَأٌ، فإنْ جَعَلْتَ "أَيُّهُمْ أَقْرَبُ" في مَوْضِعِ نَصْبٍ بـ "نَظَرُهم" بَقِيَ المُبْتَدَأُ بِلا خَبَرٍ، فَيَحْتاجُ إِلَى إِضْمارِ خَبَرٍ، وَإِنْ جَعَلْتَ "أَيُّهُمْ أَقْرَبُ" هوَ الخَبَر لِمْ يَصِحَّ؛ لأَنَّ نَظَرَهُم لَيْسَ هُوَ "أَيْهُمْ أَقْرَبُ"، وإِنْ جَعَلْتَ التَقْديرَ: نَظَرُهم فِي أَيِّهمْ أَقْرَبُ، أَيْ: كائنٌ، أَوْ حاصِلٌ، لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ؛ لأَنَّ كائنًا وحاصِلًا لَيْسَ مِمَّا يُعَلِّق. فَقَدْ تَحَصَّلَ في هذِهِ الآيَةِ الكَريمَةِ سِتَّةُ أَوْجُهٍ، أَرْبَعَةٌ منها حالُ جَعْلِ "أيُّ" اسْتِفْهامًا. الأَوَّلُ أَنَّهَا مُعَلِّقةٌ للوَسِيلَةِ، كَمَا قرَّرَهُ الزَمَخْشَرِيُّ. والثاني: أَنَّها مُعَلِّقَةٌ لـ "يَدْعُون" كما قالَ أَبو العُكْبُريُّ. والثالثُ: أَنَّها مُعَلِّقَةٌ لـ "يَنْظرون" مُقَدَّرًا، وهو قولُ الحُوفِيِّ. والرابعُ: أَنَّهَا مُعَلِّقَةٌ لـ "نَظَرُهُمْ" كَمَا قَدَّرَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ. واثْنَانِ حَالَ جَعْلِهَا مَوْصُولَةً، الأَوَّلُ: أَنَّهَا بَدَلٌ مِنْ واوِ "يَبْتَغون" كَمَا قَالَ الجُمْهورُ. والثاني: البَدَلُ مِنْ واوِ "يَدْعُون" وهوَ قولُ العُكْبُريِّ.
قولُهُ: {وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} وَيَرْجُونَ: مَعْطوفٌ عَلَى "يَبْتَغُونَ" ولهُ مثلُ إعرابِهِ. و "رَحْمَتَهُ" مفعولٌ بِهِ منصوبٌ، وهو مُضافٌ، والهاء: ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجرِّ بحرفِ الجَرِّ. و "وَيَخافُونَ عَذابَهُ" مثْلُ "يَرْجُونَ رَحْمَتَهُ" مَعْطُوفٌ عَلَيهِ.
قولُهُ: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} إِنَّ: حرفٌ ناصِبٌ ناسِخٌ مُشَبَّهٌ بالفعلِ للتوكيدِ. و "عَذابَ" اسْمُهُ مَنْصوبٌ بِهِ، وهوَ مُضافٌ، و "رَبِّكَ" مجرورٌ بالإضافةِ إلَيْهِ مُضافٌ، وكافُ الخطابِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ. و "كانَ" فعلٌ ماضٍ ناقصٌ مبنيٌّ على الفتحِ، واسْمُهُ ضميرٌ مُسْتترٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ "هو" يعودُ على "عَذابَ"، و "مَحْذُورًا" خَبَرُهُ منصوبٌ بِهِ، وَالجُمْلَةُ في مَحَلِّ الرَّفْعِ خَبَرًا لـ "إِنَّ"، وَجُمْلَةُ "إِنَّ" مُسْتَأْنَفَةٌ مَسُوقَةٌ لِتَعْليلِ جُمْلَةِ الخَوْفِ لا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
قَرَأَ العامَّةُ "يَدْعُون" بياءِ الغَيْبةِ، وَعَلَيْهِ فـ "يَبْتَغُون" حالٌ مِنْ فاعِلِ "يَدْعُونَ" أَوْ بَدَلٌ مِنْهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الخلافُ في الواوِ: هَلْ تَعُودُ عَلَى الأَنْبِياءِ، أَوْ عَلى عابِدِيْهم. وقَرَأَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ "يُدْعُون" بِيَاءِ الغَيْبةِ أَيْضًا، إِلَّا أَنَّهُ بَنَاهُ للمَفْعُولِ. وقَرَأَ قَتَادَةُ، وابْنُ مَسْعُودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ جَميعًا، "تَدْعُونِ" بِتَاءِ الخِطابِ. فقد ذَكَرَ أَبُو جَعْفَر النَّحَّاسُ فِي كتابِهِ (إِعْرابُ القُرْآنِ): (2/245)، أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ ـ رضِيَ اللهُ عنْهُ، قَرَأَ في هَذِهِ الآيَةِ المُباركةِ: "أُولَئِكَ الَّذِينَ تَدْعُونَ" بالتَاءِ. وقَدْ تَقَدَّمَ ذلكَ فِي مَبْحَثِ الإِعْرَابِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: ولولا كَرَاهَةُ الخِلافِ كَانَتْ هَذِهِ القِراءَةُ آثَرُ عِنْدِي؛ للخِطابِ الذي قَبْلَهَا. أَمَّا "يَبْتَغُونَ" بِالياءِ فلمْ يختلفوا عليها.

عبد القادر الأسود
عبد القادر الأسود
أرمنازي - عضو شرف
أرمنازي - عضو شرف

عدد المساهمات : 932
نقاط : 2771
السٌّمعَة : 15
تاريخ التسجيل : 08/06/2010
العمر : 76
الموقع : http://abdalkaderaswad.spaces.live.com

http://abdalkaderaswad.wordpress.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى