منتدى مدينة أرمناز العام
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الدر النظيم ... سورة البقرة ، الآية :128

اذهب الى الأسفل

الدر النظيم ... سورة البقرة ، الآية :128 Empty الدر النظيم ... سورة البقرة ، الآية :128

مُساهمة من طرف عبد القادر الأسود الخميس مايو 10, 2012 11:17 am

رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا
مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
(128)
{مسلمين} منقادين لحكمك حتى لا يترك مِنّا عرْق بغير رضاك ، واجعل من ذريتنا أمة مسلمة لك لتقوم بعدنا مقامنا في القيام بحقوقك ، وشتان بين من يطلب وارثاً لماله، وبين من يطلب نائباً بعده يقوم بطاعته في أحواله .
فمسلمين إمّا من استسلم إذا انقاد ، أو من أسلم وجهه إذا أخلص نفسه أو قصده ، والأول أولى نظراً إلى منصبهما وإن كان الثاني أولى بالنظر إلى أنه أتم في إظهار الانقطاع إليه جل جلاله . وقرأ ابن عباس رضي الله تعالى عنه { مُسْلِمِينَ } بصيغة الجمع على أن المراد أنفسهما والموجود من أهلهما كهاجر وهذا أولى من جعل لفظ الجمع مراداً به التثنية ، وقد قيل به هنا .
{وأرنا مناسكنا} إذ لا سبيل إلى معرفة الموافقات إلا بطريق التوفيق والإعلام . وقال قتادة: المناسك هي مَعالِمُ الحج ، وقال عطاء وجريج: مواضع الذبح ، وقيل: أعمالنا التي نعملها إذا حججنا فالمنسك بفتح السين والكسر شاذ ، وأصل النُسُكِ بضمّتين غاية العبادة ، وشاع في الحج لما فيه من الكلفة غالباً والبعد عن العادة .
{وتب علينا} بعد قيامنا بجميع ما أَمَرْتَنَا حتى لا نلاحظ حركاتِنا وسكناتِنا ، ونرجع إليه عن شهود أفعالنا لئلا يكونَ خطرُ الشِّرْك الخفيِّ في توهُّمِ شيءِ مِنّا بِنَا . أي وفقنا للتوبة أو اقبلها منا والتوبة تختلف باختلاف التائبين فتوبة سائر المسلمين الندم والعزم على عدم العود ورد المظالم إذا أمكن ، ونية الرد إذا لم يمكن ، وتوبة الخواص الرجوع عن المكروهات من خواطر السوء ، والفتور في الأعمال ، والإتيان بالعبادة على غير وجه الكمال، وتوبة خواص الخواص لرفع الدرجات، والترقي في المقامات ، فإن كان إبراهيم وإسمعيل عليهما السلام طلبا التوبة لأنفسهما خاصة ، فالمراد بها ما هو من توبة القسم الأخير ، وإن كان الضمير شاملاً لهما وللذرية كان الدعاء بها منصرفاً لمن هو من أهلها ممن يصح صدور الذنب المخل بمرتبة النبوة منه ، وإن قيل: إن الطلب للذرية فقط وارتكب التجوز في النسبة إجراءاً للولد مجرى النفس بعلاقة البعضية ليكون أقرب إلى الإجابة ، أو في الطرف حيث عبر عن الفرع باسم الأصل ، أو قيل : بحذف المضاف أي على عصاتنا زال الإشكال كما إذا قلنا: إن ذلك عما فرط منهما من الصغائر سهواً، والقول بأنهما لم يقصدا الطلب حقيقة ، وإنما ذكرا ذلك للتشريع وتعليم الناس . وقرأ عبد الله {وَتَبَّ عَلَيْهِمْ} بضمير جمع الغيبة أيضاً .
{إِنَّكَ أَنتَ التواب الرحيم} تعليل للدعاء ومزيد استدعاء للإجابة ، وتقديم التوبة للمجاورة ، وتأخير الرحمة لعمومها ولكونها أنسب بالفواصل .
والمراد من الأمة الجماعة أو الجيل ، وخصّها بعضهم بأمّة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وحمَلَ التنكيرَ على التنويع ، واستدلّ على ذلك بقوله تعالى : { وابعث..} ولا يخفى أنّه صَرْفٌ للفظ عن ظاهره ، واستدلالٌ بما لا يدل .
قوله: {مُسْلِمَيْنِ} مفعولٌ ثان للجَعْل لأنَّه بمعنى التصيير، والمفعولُ الأولُ هو "نا"وقرأ ابن عباس « مسلمِين » بصيغةِ الجمع ، وفي ذلك تأويلان أحدُهما: أنهما أَجْرَيَا التثنية مُجْرَى الجمعِ ، وبه استدلَّ مَنْ يَجْعَلُ التثنيةَ جمعاً . والثاني: أنهما أرادا أنفسهما وأهلَهما كهاجر .
قوله: {لَّكَ} فيه وجهان ، أحدُهما: أن يتعلَّق بمُسْلِمَيْن ، لأنه بمعنى نُخْلِصُ لك أوجهَنَا نحو: {أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ للَّهِ} فيكونَ المفعولُ محذوفاً لفَهْمِ المعنى . والثاني: أنه نعتٌ لِمُسْلِمَيْن ، أي: مُسْلِمَيْن مستقرَّيْنِ لك أي : مستسلمَيْن ، والأولُ أقوى معنىً .
قوله: {وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً} فيه قولان ، أحدهُما - وهو الظاهر - أنَّ "مِنْ ذريتنا" صفةٌ لموصوفٍ محذوفٍ هو مفعولٌ أولُ ، و"أمة مسلمة" مفعولٌ ثان تقديرُه: واجْعَلْ فريقاً من ذريتنا أمةً مسلمةً.
وفي "من" حينئذ ثلاثة أقوالٍ ، أحدُها: أنها للتبعيض ، والثاني أن تكونَ لتبيين . الثالث : أن تكون لابتداءِ غايةِ الجَعْل .
الثاني من القولَيْن: أن يكونَ "أمَّةً" هو المفعولَ الأولَ ، و"مِنْ ذريتنا" حالٌ منها؛ لأنه في الأصل صفةٌ نكرةٍ فلمَّا قُدِّم عليها انتصَبَ حالاً ، و"مُسْلِمَةً" هو المفعولُ الثاني ، والأصل: "واجعَلْ أمةً من ذريتنا مسلمةً" ، فالواو داخلةٌ في الأصلِ على "أمة" وإنما فَصَلَ بينهما بقولِه: "مِنْ ذرِّيَّتنا" وهو جائزٌ لأنَّه من جملةِ الكلام المعطوفِ ، وفي إجازتِه ذلك نظرٌ ، فإنَّ النحويين كأبي علي وغيره منعوا الفصلَ بالظرفِ بين حرفِ العطفِ إذا كان على حرفٍ واحدٍ وبين المعطوفِ، وجَعَلوا قولَه:
يوماً تَراها كشِبْه أَرْدِيَةِ الـ ............... ـعَصْبِ ويوماً أَديمَها نَغِلاً
ضرورةً فالفصلُ بالحالِ أبعدُ ، وصار ما أجازه نظيرَ قولِك: "ضَرَبَ الرجلَ ومتجردةً المرأةَ زيدٌ " وهذا غيرُ فصيحٍ ، ولا يجوزُ أن يكونَ "اجعَلْ" المقدرةُ بمعنى اخلُقْ وأوجِدْ، فيتعدَّى لواحدٍ ويتعلَّقَ "من ذريتنا" به ، ويكونُ "أمةً" مفعولاً به ؛ لأنه إنْ كان مِنْ عطفِ المفردات لَزِمَ التشريكُ في العاملِ الأولِ والعاملُ الأولُ ليس معناه "اخلُقْ" إنما معناه صيِّر ، وإن كان من عطفِ الجملِ فلا يُحْذَفُ إلا ما دَلَّ عليه المنطوقُ ، والمنطوقُ ليس بمعنى الخَلْقَ فكذلك المحذوفُ ، ألا تراهم مَنَعوا في قولِه: {هُوَ الذي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ} الأحزاب: 43 أن يكونَ التقديرُ : وملائكتُه يُصَلُّون لاختلافِ مدلولِ الصلاتين ، وتأوَّلوا ذلك على قَدْرٍ مشتركٍ بينهما ، وقوله "لكَ" فيه الوجهان المتقدمان بعد "مسلِمَيْنِ" .
قوله: {وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا} الظاهرُ أن الرؤيةَ هنا بَصَرِيَّة ، فرأى في الأصلِ يتعدَّى لواحدٍ ، فلمّا دَخَلَتْ همزةُ النقلِ أَكْسبتها مفعولاً ثانياً ، فـ "ن" مفعولٌ أولُ ، و"مناسِكَنا" مفعولٌ ثانٍ .
وأجاز الزمخشري أن تكون منقولةً من "رأى" بمعنى عَرَفَ فتتعدَّى أيضاً لاثنينِ كما تقدَّم ، وأجاز قومٌ فيما حكاه ابن عطية أنها هنا قلبيَّةٌ ، والقلبيةُ قبلَ النقلِ تتعدَّى لاثنين ، كقوله :
وإنَّا لَقومٌ ما نرى القَتْلَ سُبَّةً ................ إذا ما رَأَتْه عامرٌ وسَلُولُ
وقال الكميت :
بأيِّ كتابٍ أم بأيَّةِ سُنَّةٍ ............... ترى حُبَّهم عاراً عليَّ وتَحسِبُ
وقال ابن عطية: "ويلزَمُ قائلَه أَنْ يتعدَّى الفعلُ منه إلى ثلاثةٍ: وينفصلُ عنه بأنّه يوجدُ مُعَدَّىً بالهمزةِ من رؤيةِ القلب كغيرِ المُعَدَّى وأنشد قولَ حطائط بن يعفر :
أَريني جواداً مات هَزْلاً لأَنني ............ أرى ما تَرَيْنَ أَوْ بخيلاً مُخَلَّدا
يعني: أنه قد تَعدَّت "عَلِم" القلبيةُ إلى اثنين سواءً كانت مجردةً من الهمزةِ أم لا ، وحينئذٍ يُشْبه أن يكونَ ما جاء فيه فَعِل وأَفْعل بمعنىً وهو غريبٌ ، ولكنَّ جَعْلَه بيتَ حطائط من رؤيةِ القلبِ ممنوعٌ بل معناه من رؤيةِ البصرِ ، ألا ترى أن قولَه "جواداً ماتَ" من متعلِّقات البصر ، فيَحْتاجُ في إثباتِ تعدِّي "أعلَم" القلبية إلى اثنين إلى دليلٍ .
وقال بعضهم: "هي هنا بَصَريَّةٌ قلبيةٌ معاً لأنّ الحَجَّ لا يَتِمُّ إلا بأمورٍ منها ما هو معلومٌ ومنها ما هو مُبْصَر" ، ويلزَمُه على هذا الجمعُ بين الحقيقةِ والمجاز أو استعمالُ المشتركِ في معنييه معاً .
وقرأ الجمهور: "أَرِنَا" بإشباعِ كسرِ الراءِ هنا وفي النساء وفي الأعرافِ . "أَرِني أنظرْ" ، وفي فُصّلت: "أَرِنَا الذين" فصلت: 29 ، وقرأ ابن كثير بالإِسكان في الجميعِ ووافقه في فصلت ابنُ عامر وأبو بكر عن عاصم ، واختُلِف عن أبي عمرو فروى عنه السوسي موافقةَ ابنِ كثير في الجميع ، وروى عنه الدوري اختلاسَ الكسرِ فيها . أمَّا الكسرُ فهو الأصلُ ، وأمَّا الاختلاسُ فَحَسَنٌ مشهور ، وأما الإِسكان فللتخفيفِ ، شَبَّهوا المتصلَ بالمنفصلِ فسكَّنوا كسره ، كما قالوا في فَخِذ: فَخْذ وكتِف: كتْف .
وقد غَلَّط قومٌ راويَ هذه القراءةِ وقالوا: صار كسرُ الراءِ دليلاً عَلى الهمزةِ المحذوفةِ فإنَّ أصلَه: "أَرْءِنا" ثم نُقِل . قال الفارسي: "التغليطُ ليس بشيءٍ لأنَّها قراءةُ متواترةٌ ، وأمّا كسرةُ الراءِ فصارَتْ كالأصلِ لأنَّ الهمزةَ مرفوضةُ الاستعمالِ" وقال أيضاً: "ألا تراهم أَدْغموا في {لَّكِنَّ هُوَ الله رَبِّي} الكهف: 38 ، والأصل: "لكنْ أنا" "نَقَلوا الحركةَ وحذفوا ثم أدغموا ، فذهابُ الحركةَ في" أَرِنا "ليس بدونِ ذهابِها في الإِدغامِ ، وأيضاً فقد سُمِع الإِسكانُ في هذا الحرفِ نَصَّاً عن العرب قال :
أَرْنا إدواةَ عبْدِ الله نَمْلَؤُها ........... من ماءِ زمزمَ إن القومَ قد ظَمِئوا
وأصل أَرِنَا: أَرْءِنا ، فنُقِلَتْ حركةُ الهمزةِ إلى الراء وحُذِفَتْ هي ، وقد تقدّم الكلامُ بأشبع مِنْ هذا عند قولِه: "حتى نَرَى الله" البقرة: 55.
والمناسِكُ واحدُها: مَنْسَك بفتح العين وكسرِها ، وقد قرىء بهما والمفتوحُ هو المقيسُ لانضمامِ عينِ مضارعه . والمنسَكُ: موضعُ النسُك وهو العبادة .
قوله: {فِيهِمْ} في هذا الضميرِ قولان: أحدُهما: أنه عائدٌ على معنى الأمة ، إذ لو عادَ على لفظِها لقال: "فيها" ، والثاني: أنه يعودُ على الذريةِ بالتأويلِ . المتقدِّم . وقيل: يعودُ على أهل مكة ، ويؤيده: {الذي بَعَثَ فِي الأميين رَسُولاً} الجمعة: 2. رَبَّنَا قوله تعالى: {مِّنْهُمْ }: في محلِّ نصبٍ لأنه صفةٌ لرسولاً فيتعلَّقُ بمحذوفٍ أي: رسولاً كائناً منهم .
قوله: {يَتْلُواْ} في محلِّ هذه الجملة ثلاثةُ أوجه ، أحدها: أنها في محلِّ نصبٍ صفةً ثانيةً لرسولاً ، وجاء هذا على الترتيبِ الأحْسَنِ إذ تقدَّم ما هو شبيهٌ بالمفردِ وهو المجرورُ على الجملةِ . والثاني: أنها في محلِّ نَصْبٍ على الحالِ من "رسولا" لأنه لَمَّا وُصِفَ تخصَّصَ . الثالث: أنها حالٌ من الضميرِ في "مِنْهم" والعاملُ فيها الاستقرارُ الذي تعلَّق به "منهم" لوقوعِه صفةً .
وتقدَّم قولُه: "العزيزُ" لأنها صفةُ ذاتٍ وتأخَّر "الحكيمُ" لأنها صفةُ فِعْل .
ويقال: عَزَّ يَعُزَّ ، وَيَعَزُّ ، ويَعِزُّ ، ولكنْ باختلافِ معنىً ، فالمضمومُ بمعنى غَلَب ومنه: {وَعَزَّنِي فِي الخطاب} ص: 23 والمفتوحُ بمعنى الشدةِ ، ومنه: عَزَّ لحمُ الناقة أي: اشتدَّ ، وعَزَّ عليَّ هذا الأمرُ ، والمكسورُ بمعنى النَّفاسةِ وقلةِ النظير .
عبد القادر الأسود
عبد القادر الأسود
أرمنازي - عضو شرف
أرمنازي - عضو شرف

عدد المساهمات : 932
نقاط : 2771
السٌّمعَة : 15
تاريخ التسجيل : 08/06/2010
العمر : 76
الموقع : http://abdalkaderaswad.spaces.live.com

http://abdalkaderaswad.wordpress.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى