منتدى مدينة أرمناز العام
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الدر النظيم ... سورة البقرة ، الآية :137 ـ 140

اذهب الى الأسفل

الدر النظيم ... سورة البقرة ، الآية :137 ـ 140 Empty الدر النظيم ... سورة البقرة ، الآية :137 ـ 140

مُساهمة من طرف عبد القادر الأسود الثلاثاء مايو 22, 2012 11:02 am

فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137)
يقول الله ـ تباركت أسماؤه ـ : فإن سلكوا طريقتكم ، وأخذوا بسبيلكم ، أُكرِموا بما أُكْرمتم ، ووصلوا إلى ما وصلتم ، وإنْ أبَوْا إلا امتيازاً أبَيْنَا إلا هوانهم .
قوله تعالى: {بِمِثْلِ مَآ آمَنْتُمْ بِهِ} في الباءِ أقوالٌ ، أحدُها: أنها زائدةٌ كما هي في قولِه: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ} البقرة: 195 وقوله: {وهزّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ} مريم: 25 وقول الشاعر:
. . . . . . . . . . . . . . . .... ... سُودُ المَحاجِرِ لا يَقْرَأْنَ بالسُّوَرِ
والثاني: أنها بمعنى "على" ، أي: فإنْ آمَنوا على مثلِ إيمانكم بالله . والثالث: أنَّها للاستعانةِ كما هي في "نَجَرْتُ بالقَدُوم" و"كَتَبْتُ بالقلم" والمعنى: فإنْ دَخَلوا في الإِيمانِ بشهادةٍ مثلِ شهادتِكم .
وعلى هذه الأوجهِ فيكونُ المؤمَنُ به محذوفاً، و"ما" مصدريةً والضميرُ في "به" عائداً على الله تعالى ، والتقديرُ: فإنْ آمنوا باللهِ إيماناً مثلَ إيمانِكم به ، و"مثل"هنا فيها قولان ، أحدُهما: أنَّها زائدةٌ والتقديرُ: بما آمنْتُم به ، وهي قراءة عبدِ الله بنِ مسعودٍ وابن عباس ـ رضي الله عنهم ـ ، وذكر البيهقي عن ابن عباس: "لا تقولوا بمثلِ ما آمنتم به فإنَّ اللهَ لَيس لَه مِثْلٌ ولكن قولوا بالذين آمنتم به} وهذه تُرْوَى قراءةً عن أُبَيّ ، ونظيرُها في الزيادةِ قولُ الشاعرِ:
فَصُيِّروا مثلَ كعصفٍ مَأْكُولْ ...
وقال بعضهم:هذا من مجازِ الكلام تقولُ: هذا أمرٌ لا يَفْعَلُه مثلُك، أي لا تَفْعَلُه أنت ، والمعنى: فإن آمنوا بالذي آمنتم به ، وهو يَؤُول إلى إلغاءِ "مثل" وزيادتِها ، والثاني: أنها ليست بزائدةٍ ، والمثليةُ متعلقةٌ بالاعتقادِ ، أي: فإن اعتقدوا بمثلِ اعتقادكم ، أو متعلقةٌ بالكتابِ أي: فإنْ آمنوا بكتاب مثلِ الكتابِ الذي آمنتُمْ به ، والمعنى: فإنْ آمَنوا بالقرآنِ الذي هو مُصَدَّقٌ لِما في التوراةِ والإِنجيلِ ، وهذا التأويلُ ينفي زيادةَ الباء . و"ما" في قولِه: { بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ } فيها وجهان ، أحدُهما: أنَّها بمعنى الذي والمرادُ بها حينئذٍ: إمَّا اللهُ تعالى بالتأوِيل المتقدِّمِ عِندَ مَنْ يُجيز وقوعَ "ما" على أولي العلمِ نحو: {والسمآء وَمَا بَنَاهَا} الشمس:5 وإمَّا الكتابُ المنزَّلُ .
والثاني: أنَّها مصدريةٌ وقد تقدَّم ذلك . والضميرُ في "به" فيه أيضاً وجهان ، أحدُهما: أنَّه يعودُ على اللهِ تعالى كما تقدَّم . والثاني: أن يعودَ على "ما" إذا قيل: إنَّها بمعنى الذي .
قوله: {فَقَدِ اهتدوا} جوابُ الشرط في قوله: "فإنْ آمنوا"، وليس
الجوابُ محذوفاً،كهو في قوله:{وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ} فاطر:4 لأنَّ تكذيبَ الرسلِ ماضٍ محقَّقُ هناك فاحتجْنا إلى تقديرِ جوابٍ ، وأمَّا هنا فالهدايةُ منهم لم تقعْ بعدُ فهي مستقبلةٌ معنىً وإن أُبْرِزَتْ في لفظِ المُضِيّ .
قوله: {فِي شِقَاقٍ} خبرٌ لقوله: "هم" وجَعَلَ الشِّقاقَ ظرفاً لهم وهم مظروفون له مبالَغَةً في الإِخبارِ باستعلائِه عليهم ، وهو أَبْلَغُ مِنْ قولِك هم مُشاقُّون ، ومثلُه: {إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ} الأعراف: 66 ونحوُه: والشِّقاقُ مصدرٌ من شاقَّه يُشاقُّه نحو: ضاربه ضِراباً ، ومعناه المخالَفَةُ والمُعَادَاةُ ، وفي اشتقاقِه ثلاثةُ أقوالٍ ، أحدُها: أنه من الشِّقِّ وهو الجانبُ .
وذلك أن أحد المُشاقِّين يَصير في شِقِّ صاحبِه أي: جانبِه ، قال امرؤ القيس:
إذا ما بَكَى مِنْ خَلْفِها انْصَرَفَتْ له ......... بشِقًّ وشِقٌّ عندَنا لم يُحَوَّلِ
أي: بجانبٍ .
الثاني: أنه من المَشَقَّة فإنَّ كلاً منهما يَحْرِصُ على ما يَشُقُّ على صاحبِه .
الثالث: أنَّه من قولهم: "شَقَقْتُ العَصا بيني وبينك" وكانوا يفعلون ذلك عند تَعادِيهم، والفاءُ في قولهِ:"فَسَيَكْفِيكَهُم" تُشْعِرُ بتعقيبِ الكفاية عَقِبَ شِقاقهم . وجيءَ بالسينِ دونَ سوف لأنها أقربُ منها زماناً بوَضْعِها ، ولا بُدَّ من حذفِ مضافٍ أي: فسيكفيكَ شِقاقَهم؛ لأنَّ الذواتِ لا تُكْفى إنما تُكْفَى أفعالُها ، والمَكْفِيُّ به هنا محذوفٌ أي: بمَنْ يَهْدِيه الله أو بتفريق كلمتِهم .
وقوله: {فسيكفيكم الله وهو السميع العليم} كفاية الله متحققة لأنّ عناية الله بكم متعلقة ، فمن نابذكم قصمته أيادي النصرة ، ومن خالفكم قهرته قضايا القسمة ، وهو السميع لمناجاة أسراركم معنا على وصف الدوام، العليم باستحقاقكم "منّا" خصائص اللطف والإكرام .
صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (138)
الصبغة هي الملة التي اختارها الله تعالى، وهي ملة إبراهيم ، وهي دين الله الحق الذي اصطفاه واختاره وصح أن يكون دينه .
قوله تعالى: {صِبْغَةَ الله} قرأ الجمهورُ "صبغةَ" بالنصبِ ، ومَنْ قَرَأَ مِلَّةُ إبراهيمَ بالرفع قرأ صبغةُ بالرفع وقد تقدَّم أنها قراءةُ ابنِ هرمز وابن أبي عبلة . فأمَّا قراءةُ الجمهورِ ففيها أربعةُ أوجهٍ أحدُها: أنَّ انتصابَها انتصابُ المصدرِ المؤكِّد ، والعامل في نصبه قولِه: {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} أو قوله: {فَقَدِ اهتدوا} .
الثاني: أنَّ انتصابَها على الإِغراء أي: الزَمُوا صبغةَ الله . الثالث: أنها بدلٌ من "مِلَّةَ" وهذا ضعيف إذ قد وَقَعَ الفصلُ بينهما بجُملٍ كثيرة.
الرابع انتصابُها بإضمار فعلٍ أي: اتِّبِعوا صبغةَ الله .
والصبغةُ: مِنْ صَبَغَ كالجِلْسَة من جَلَسَ ، وهي الحالَةُ التي يقع عليها الصَّبْغُ ، والمعنى تطهيرُ الله ، لأنَّ الإِيمانَ يُطَهِّرُ النفوسَ ، والأصلُ فيه أنَّ النصارى كانوا يَغْمِسون أولادَهم في ماء المَعْمودِيَّةِ ويقولون هو تطهيرٌ لهم ، فَأُمِرَ المسلمون أَنْ يقولوا: آمنَّا وصَبَغَنا الله صِبْغَةً لا مثلَ صِبْغَتِكم ، وإنَّما جيء بلفظِ الصِّبْغَةِ على طريقِ المُشاكلةِ كما تقول لِمَنْ يَغْرِسُ الأشجار: اغْرِسْ كما يَغْرِسُ فلانٌ ، تريدُ رجلاً يصطنعُ الكلامَ .
وأمَّا قراءةُ الرفعِ فتحتملُ وَجْهين أحدُهما: أنَّها خبرُ مبتدأ محذوفٍ أي: ذلك الإِيمانُ صبغةُ الله . والثاني: أن تكونَ بدلاً مِنْ "مِلَّة" لأنَّ مَنْ رَفَعَ "صِبْغَة" رفع "مِلَّة" كما تقدَّم فتكونَ بدلاً منها كما قيل بذلك في قراءةِ النصبِ .
قولِه:{وَمَنْ أَحْسَنُ} مبتدأٌ وخبرٌ ، وهذا استفهامٌ معناه النَّفْيُ أي: لا أحدَ ، و"أَحْسَنُ" هنا فيها احتمالان ، أحدُهما: أنها ليست للتفضيل إذ صبغةُ غيرِ الله منتفٍ عنها الحُسْنُ . والثاني: أنْ يُراد التفضيلُ باعتبارِ مَنْ يظنُّ أنَّ في صِبْغةِ غيرِ الله حُسْناً لا أنَّ ذلكَ بالنسبةِ إلى حقيقةِ الشيءِ . و"مِنَ الله" متعلِّقٌ بَحْسَنُ فهو في محلِّ نَصْبٍ . و"صبغةً" نصبٌ على التمييز مِنْ أَحْسَنُ ، وهو من التمييز المنقولِ من المبتدأ والتقديرُ: ومَنْ صِبْغَتُه أحسنُ مِنْ صبغةِ الله .
قولُه: {وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ} جملةٌ من مبتدأٍ وخبرٍ معطوفةٌ على قَوْلِهِ: {قولوا آمَنَّا بالله} فهي في محلِّ نصبٍ بالقول ، وهذا العطفُ يَرُدُّ قولَ مَنْ زَعَمَ أنَّ "صبغة الله" بدلٌ مِنْ "مِلَّةَ" أو نصبٌ على الإِغراءِ بمعنى عليكم صبغةَ الله لما فيه مِنْ فَكِّ النَّظْم وإخراجِ الكلامِ عن التئامِهِ واتِّساقِه ، وتقديرُه في الإِغراءِ: عليكم صبغةَ ليس بجيدٍ ؛ لأنَّ الإِغراءَ إذَا كانَ بالظروفِ والمجروراتِ لا يجوزُ حَذْفُ ذلك الظرفِ ولا المجرورِ ولذلك حينَ ذَكَرْنا وجهَ الإِغراءِ قدَّرْنا بالزموا صبغةَ الله .
قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (139)
قوله تعالى: {أَتُحَآجُّونَنَا} المحاجّةُ: المجادلة ودعوى الحقّ وإقامةُ الحجّة على ذلك من كل طرف على الطرف الآخر ، والاستفهامُ هنا للإِنكار والتوبيخِ . وقرأ الجمهورُ: "أتحاجُّوننا" بنونين الأولى للرفعِ والثانيةُ ضمير متصل في محل نصب مفعول ، وقرأ ابنُ محيصن وزيدٌ والحسنُ والأعمشُ بالإدغام ، وأجاز بعضُهم حَذْفَ النونِ الأولى ، فأمَّا قراءةُ الجمهورِ فواضحةٌ ، وأمّا قراءةُ الإِدغامِ فلاجتماعِ مِثْلَيْن ، وسَوَّغَ الإِدغام وجودُ حرفِ المَدِّ واللين قبلَه القائمِ مقام الحركةِ ، وأما من حَذَفَ فبالحَمْلِ على نونِ الوقايةِ كقراءة: {فَبِمَ تُبَشِّرُونَ} الحجر: 54 وقولِه:
تَراه كالثَّغام يُعَلُّ مِسْكاً ..................... يَسُوءُ الفالياتِ إذا فَلَيْني
يريد: فلينني ، وهذه الآيةُ مثلُ قولِه سبحانه: {أَفَغَيْرَ الله تأمروني أَعْبُدُ} الزمر: 64 فإنه قُرِئَتْ بالأوجهِ الثلاثةِ: الفَكِّ والإِدغامِ والحَذْفِ ، ولكن في المتواتِر ، وهنا لم يُقْرَأْ في المشهورِ كما تقدَّم إلا بالفك . ومَحَلُّ هذه الجملةِ النصبُ بالقولِ قَبْلها . والضميرُ في "قل" يَحْتَمِلُ أن يكونَ للنبي عليه السلام أو لكلِّ مَنْ يَصْلُح للخطابِ ، والضميرُ المرفوعُ في "أتحاجُّوننا" لليهودِ والنصارى أو لمشركي العَرَبِ . والمُحَاجَّةُ مُفَاعَلة من حَجَّه يَحُجُّه . وقولُه "في الله" لا بدَّ من حَذْفِ مضافٍ أي: في شأنِ الله أو دينِ الله .
قوله: {وَهُوَ رَبُّنَا} مبتدأٌ وخبرٌ في محلِّ نصبٍ على الحالِ ، وكذا ما عُطِفَ عليه من قولِه: "ولنا أعمالُنا" ولا بُدَّ من حَذْفِ مضافٍ أي: جَزَاءُ أعمالِنا ولكم جزاءُ أعمالِكم .
أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (140)
وهذه دعوى أخرى منهم، ومحاجة في رسل الله، زعموا أنهم أولى بهؤلاء الرسل المذكورين من المسلمين ، فرد الله ـ سبحانه ـ عليهم .
قوله تعالى: {أَمْ تَقُولُونَ } قرأ حمزة والكسائي وحفص وابن عامر بتاءِ الخطابِ فمن قرأ كذلك ، فتأويله: قل يا محمد للقائلين لَك من اليهود والنصارى: "كونوا هودًا أو نصارى تهتدوا": أتجادلوننا في الله ، أم تقولون إن إبراهيم؟ فيكون ذلك معطوفًا على قوله: "أتحاجوننا في الله".
وقرأ الباقون بالياء ، ومن قرأ ذلك كذلك وجَّه قولَه: "أم يقولون" إلى أنه استفهام مُستأنَف، كقوله: "أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ"سورة السجدة: 3، وكما يقال: "إنها لإبل أم شَاءٌ".
فأمّا قراءةُ الخِطابِ ففي "أم" وَجْهان، أحدُهما: أن تكونَ المتصلةَ، والتعادلُ بين هذه الجملةِ وبين قوله: "أتحاجُّوننا" . والثاني: أن تكونَ المنقطعةَ فتتقدَّرَ بـ "بل" والهمزةِ ، والتقدير: بل أتقولون: والاستفهامُ للإنكار والتوبيخِ أيضاً فيكونُ قد انتقل عن قولِه: أتحاجُّوننا وأَخَذَ في الاستفهام عن قضيةٍ أخرى ، والمعنى على إنكارِ نسبةِ اليهوديةِ والنصرانيةِ إلى إبراهيمَ ومَنْ ذُكِرَ معه . وأمَّا قراءةُ "يقولون" فالظاهرُ أنَّ "أم" فيها منقطعةٌ على المعنى المتقدَّم . ويمكن الاتصالُ مع قراءةِ الياءِ ، ويكون ذلك من الالتفاتِ إذ صارَ فيه خروجٌ من خطابٍ إلى غَيْبةِ ، والضميرُ لناسٍ مخصوصين .
والأحسنُ في القراءتين أن تكونَ "أم" منقطعةً وكأنه أنكرَ عليهم
مُحاجَّتَهم في الله ونسبة أنبيائِه لليهودية والنصرانية ، وقد وَقَع منهم ما
أَنْكَرَ عليهم .
و"أو" في قولِه: "هوداً أو نصارى"كهي في قولِه: {لَن يَدْخُلَ الجنة إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نصارى} البقرة: 111وقد تقدَّم تحقيقُه .
قوله: { أَمِ الله } أم متصلةٌ ، ولفظ الجلاَلةُ عَطْفٌ على " أنتم " ، ولكنه فَصَل بين المتعاطِفينَ بالمسؤولِ عنه ، وهو أحسنُ الاستعمالاتِ الثلاثةِ ، وذلك أنه يَجوزُ في مثلِ هذا التركيبِ ثلاثةُ أوجهٍ: تقدُّمُ المسؤولِ عنه نحو: أأعلم أنتم أم اللهُ ، وتوسُّطُه نحو: أأنتم أعلمُ أم اللهُ ، وتأخيرُه نحو: أأنتم أم الله أعلمُ ، و"أم الله" مبتدأ والخبرُ محذوفٌ ، أي : أم الله أعلمُ ، و"أم" هنا المتصلةُ أي: أيُّكم أعلم ، والتفضيلُ في قوله: "أعلمُ" على سبيلِ الاستهزاءِ وعلى تقديرِ أن يُظَنَّ بهم عِلْمٌ من الجَهَلَةِ وإلاّ فلا مشاركةَ ، ونظيرُه قولُ حسان رضي الله عنه:
أتَهْجوه ولَسْتَ له بكُفْءٍ ................. فَشَرُّكما لخيرِ كما الفِداءُ
وقد عُلِم أنَّ الرسولَ خيرٌ كلُّه .
قوله: {مِنَ الله} مِنْ: إما أن تكون متعلِّقةً بـ "كَتَم" وذلك على حَذْفِ مضافٍ أي: كَتَم مِنْ عبادِ الله شهادةً عندَه . أو تتعلَّق بمحذوفٍ على أنَّها صفةٌ لشهادة بعد صفةٍ ، لأنَّ "عنده" صفةٌ "لشهادة" و" مِنْ " ـ هنا ـ كهي في قولِك: هذه شهادةٌ مني لفلان ، ومثلُه: { بَرَآءَةٌ مِّنَ الله وَرَسُولِهِ} براءة: (1) كما يمكن أن نقول هي في محلِّ نصبٍ على الحالِ من المضمرِ في "عنده" ، يعني مِن الضميرِ المرفوعِ بالظرفِ لوقوعِه صفةً . أخيراً يمكن أن يتعلَّقَ بذلك المحذوفِ الذي تعلَّق به الظرفُ وهو "عنده" لوقوعِه صفةً ، والفرقُ بينه وبين الوجهِ الثاني أنَّ ذاك له عاملٌ مستقلٌ غيرُ العاملِ في الظرف .
و"كَتَمَ" يتعدَّى لاثنين فأولُهما في الآيةِ الكريمة محذوفٌ تقديرُه : كَتَمَ الناسُ شهادةً ، والأحسنُ من هذه الوجوهِ أن تكونَ "من الله" صفةً لشهادة أو متعلقةً بعامل الظرفِ لا متعلقةً بكتم ، وذلك أنَّ كتمانَ الشهادةِ مع كونِها مستودعةً مِنَ الله عندَه أبلغُ في الأظلميَّةِ مِنْ كتمانِ شهادةٍ مطلقةٍ من عبادِ الله .
قوله: "مِمَّن كتم" متعلِّقٌ إمَّا بأظلم ، فيكونُ ذلك على طريق البدليَّةِ ، ويكون إذ ذاك بدلَ عامٍ من خاص ، أو تكونُ "مِنْ" متعلقةً بمحذوف فتكونُ في موضعِ الحال أي: كائناً من الكاتمين .
عبد القادر الأسود
عبد القادر الأسود
أرمنازي - عضو شرف
أرمنازي - عضو شرف

عدد المساهمات : 932
نقاط : 2771
السٌّمعَة : 15
تاريخ التسجيل : 08/06/2010
العمر : 76
الموقع : http://abdalkaderaswad.spaces.live.com

http://abdalkaderaswad.wordpress.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى