منتدى مدينة أرمناز العام
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الدر النظيم ... سورة البقرة ، الآية: 189

اذهب الى الأسفل

الدر النظيم ... سورة البقرة ، الآية: 189 Empty الدر النظيم ... سورة البقرة ، الآية: 189

مُساهمة من طرف عبد القادر الأسود الإثنين يوليو 09, 2012 3:24 pm

يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا
الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189)

قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ} هَذَا مِمَّا سَأَلَ عَنْهُ الْيَهُودُ وَاعْتَرَضُوا بِهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ مُعَاذٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الْيَهُودَ تَغْشَانَا وَيُكْثِرُونَ مَسْأَلَتَنَا عَنِ الْأَهِلَّةِ، فَمَا بَالُ الْهِلَالِ يَبْدُو دَقِيقًا ثُمَّ يَزِيدُ حَتَّى يَسْتَوِيَ وَيَسْتَدِيرَ، ثُمَّ يُنْتَقَصُ حَتَّى يَعُودَ كَمَا كَانَ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ.
وَقِيلَ: إِنَّ سَبَبَ نُزُولِهَا سُؤَالُ قَوْمٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْهِلَالِ وَمَا سَبَبُ مِحَاقِهِ وَكَمَالِهِ وَمُخَالَفَتِهِ لِحَالِ الشَّمْسِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَالرَّبِيعُ وَغَيْرُهُمْ. والمحاق (بتثليث الميم): أن يستسرَ القمرُ ليلتين فلا يُرى غُدوة ولا عشيّة.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} تَبْيِينٌ لِوَجْهِ الْحِكْمَةِ فِي زِيَادَةِ الْقَمَرِ وَنُقْصَانِهِ، وَهُوَ زَوَالُ الْإِشْكَالِ فِي الْآجَالِ وَالْمُعَامَلَاتِ وَالْإِيمَانِ وَالْحَجِّ وَالْعَدَدِ وَالصَّوْمِ وَالْفِطْرِ وَمُدَّةِ الْحَمْلِ وَالْإِجَارَات، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَصَالِحِ الْعِبَادِ. وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ الْحَقُّ: "وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ" الاسراء: 12. وَقَوْلُهُ: "هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ" يونس: 5. وَإِحْصَاءُ الْأَهِلَّةِ أَيْسَرُ مِنْ إِحْصَاءِ الْأَيَّامِ.
قوله تعالى: {مَواقِيتُ} جميع الْمِيقَاتِ وَهُوَ الْوَقْتُ. وَقِيلَ: الْمِيقَاتُ مُنْتَهَى الْوَقْتِ. و"مَواقِيتُ" لَا تَنْصَرِفُ، لِأَنَّهُ جَمْعٌ لَا نَظِيرَ لَهُ فِي الْآحَادِ، فَهُوَ جَمْعٌ وَنِهَايَةُ جَمْعٍ، إِذْ لَيْسَ يُجْمَعُ فَصَارَ كَأَنَّ الْجَمْعَ تَكَرَّرَ فِيهَا. وصُرِّفتْ "قوارير" في قوله:" قَوارِيرَا" الإنسان: 16 لِأَنَّهَا وَقَعَتْ فِي رَأْسِ آيَةٍ فَنُوِّنَتْ كَمَا تُنَوَّنُ الْقَوَافِي، فَلَيْسَ هُوَ تَنْوِينُ الصَّرْفِ الَّذِي يدل على تمكن الاسم.
اسْتَدَلَّ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُمَا فِي أَنَّ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ يَصِحُّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ بِهَذِهِ الْآيَةِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْأَهِلَّةَ كُلَّهَا ظَرْفًا لِذَلِكَ، فَصَحَّ أَنْ يُحْرِمَ فِي جَمِيعِهَا بِالْحَجِّ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الشافعي، وظَاهِرَ قَوْلِهِ "هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ" يَقْتَضِي كَوْنَ جَمِيعِهَا مَوَاقِيتَ لِلنَّاسِ وَجَمِيعِهَا مَوَاقِيتَ لِلْحَجِّ، وَلَوْ أَرَادَ التَّبْعِيضَ لَقَالَ: بَعْضُهَا مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَبَعْضُهَا مَوَاقِيتُ لِلْحَجِّ. وَهَذَا كَمَا تَقُولُ: إِنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ مِيقَاتٌ لِصَوْمِ زَيْدٍ وَعَمْرٍو. وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ جَمِيعَهُ مِيقَاتٌ لِصَوْمِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. فَإِنَّ الزَّمَانَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِيقَاتًا لِزَيْدٍ وَمِيقَاتًا لِعَمْرٍو. ولَا خِلَافَ بَيْنِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ مَنْ بَاعَ مَعْلُومًا مِنَ السِّلَعِ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ مِنْ شُهُورِ الْعَرَبِ أَوْ إِلَى أَيَّامٍ مَعْرُوفَةِ الْعَدَدِ أَنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ. وَكَذَلِكَ قَالُوا فِي السَّلَمِ إِلَى الْأَجَلِ الْمَعْلُومِ. وَاخْتَلَفُوا فِي مَنْ بَاعَ إِلَى الْحَصَادِ أَوْ إِلَى الدِّيَاسِ أَوْ إِلَى الْعَطَاءِ وَشِبْهِ ذَلِكَ، فَقَالَ مَالِكٌ: ذَلِكَ جَائِزٌ لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ، وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ: أَرْجُو أَلَّا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ. وَكَذَلِكَ إِلَى قُدُومِ الْغُزَاةِ. وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَبْتَاعُ إِلَى الْعَطَاءِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ. ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَقَّتَ الْمَوَاقِيتَ وَجَعَلَهَا عَلَمًا لِآجَالِهِمْ فِي بِيَاعَاتِهِمْ وَمَصَالِحِهِمْ. كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالنُّعْمَانُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها} اتَّصَلَ هَذَا بِذِكْرِ مَوَاقِيتِ الْحَجِّ لِاتِّفَاقِ وُقُوعِ الْقَضِيَّتَيْنِ فِي وَقْتِ السُّؤَالِ عَنِ الْأَهِلَّةِ وَعَنْ دُخُولِ الْبُيُوتِ مِنْ ظُهُورِهَا، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ فِيهِمَا جَمِيعًا. وَكَانَ الْأَنْصَارُ إِذَا حَجُّوا وَعَادُوا لَا يَدْخُلُونَ مِنْ أَبْوَابِ بُيُوتِهِمْ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا أَهَلُّوا بِالْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ يَلْتَزِمُونَ شَرْعًا أَلَّا يَحُولَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّمَاءِ حَائِلٌ، فَإِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ، أَيْ مِنْ بَعْدِ إِحْرَامِهِ مِنْ بَيْتِهِ، فَرَجَعَ لِحَاجَةٍ لَا يَدْخُلُ مِنْ بَابِ الْحُجْرَةِ حتى لا يَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ سقفُ بيته، فَكَانُوا يَرَوْنَ هَذَا مِنَ النُّسُكِ وَالْبِرِّ، فَرَدَّ عَلَيْهِمْ فِيهَا، وَبَيَّنَ الله تَعَالَى أَنَّ الْبِرَّ فِي امْتِثَالِ أَمْرِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ النَّاسُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَفِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ إِذَا أَحْرَمَ رَجُلٌ مِنْهُمْ بِالْحَجِّ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمَدَرِ ـ يَعْنِي مِنْ أَهْلِ الْبُيُوتِ ـ نَقَّبَ فِي ظَهْرِ بَيْتِهِ فَمِنْهُ يَدْخُلُ وَمِنْهُ يَخْرُجُ، أَوْ يَضَعُ سُلَّمًا فَيَصْعَدُ مِنْهُ وَيَنْحَدِرُ عَلَيْهِ. وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْوَبَرِ- يَعْنِي أَهْلَ الْخِيَامِ- يَدْخُلُ مِنْ خَلْفِ الْخِيَامِ الْخَيْمَةَ، إِلَّا مَنْ كَانَ مِنَ الْحُمْسِ. وَرَوَى الزُّهْرِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهَلَّ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ بِالْعُمْرَةِ فَدَخَلَ حُجْرَتَهُ وَدَخَلَ خَلْفَهُ رَجُلٌ أَنْصَارِيٌّ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لِمَ دَخَلْتَ وَأَنْتَ قَدْ أَحْرَمْتَ)). فَقَالَ: دَخَلْتَ أَنْتَ فَدَخَلْتُ بِدُخُولِكَ. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنِّي أَحْمَسُ" أَيْ مِنْ قَوْمٍ لَا يَدِينُونَ بِذَلِكَ. فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: وأنا ديني دينك، فنزلت الآية.
وَقِيلَ: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ هُوَ قُطْبَةُ بْنُ عَامِرٍ الْأَنْصَارِيُّ. وَالْحُمْسُ: قُرَيْشٌ وَكِنَانَةُ وَخُزَاعَةُ وَثَقِيفٌ وَجُشَمٌ وَبَنُو عَامِرِ بن صعصعة وبنو نصر ابن مُعَاوِيَةَ. وَسُمُّوا حُمْسًا لِتَشْدِيدِهِمْ فِي دِينِهِمْ. وَالْحَمَاسَةُ الشِّدَّةُ.
وقيل إنَّ الْآيَةَ أَمْرٌ بِإِتْيَانِ النساء فِي الْقُبُلِ لَا مِنَ الدُّبُرِ. وَسُمِّيَ النِّسَاءُ بُيُوتًا لِلْإِيوَاءِ إِلَيْهِنَّ كَالْإِيوَاءِ إِلَى الْبُيُوتِ. والْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ، لِمَا رَوَاهُ الْبَرَاءُ قَالَ: كَانَ الْأَنْصَارُ إِذَا حَجُّوا فَرَجَعُوا لَمْ يَدْخُلُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا، قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَدَخَلَ مِنْ بَابِهِ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. وَهَذَا نَصٌّ فِي الْبُيُوتِ حَقِيقَةً. خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْآيَةَ خَرَجَتْ مَخْرَجَ التَّنْبِيهِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى أَنْ يَأْتُوا الْبِرَّ مِنْ وَجْهِهِ، وَهُوَ الْوَجْهُ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، فَذَكَرَ إِتْيَانَ الْبُيُوتِ مِنْ أَبْوَابِهَا مَثَلًا لِيُشِيرَ بِهِ إِلَى أَنْ نَأْتِيَ الْأُمُورَ مِنْ مَأْتَاهَا الَّذِي نَدَبَنَا اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ.
وفِي هَذِهِ الْآيَةِ بَيَانٌ أَنَّ مَا لَمْ يَشْرَعْهُ اللَّهُ قُرْبَةً وَلَا نَدَبَ إِلَيْهِ لَا يَصِيرُ قُرْبَةً بِأَنْ يَتَقَرَّبَ بِهِ مُتَقَرِّبٌ. فإِذَا أَشْكَلَ مَا هُوَ بِرٌّ وَقُرْبَةٌ بِمَا لَيْسَ هُوَ بِرٌّ وَقُرْبَةٌ على المرء أَنْ يُنْظَرَ فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ نَظِيرٌ فِي الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ فَيَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلَيْسَ بِبِرٍّ وَلَا قُرْبَةٍ. وَبِذَلِكَ جَاءَتِ الْآثَارُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال ابْنِ عَبَّاسٍ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ إذا هو برجل قائم فِي الشَّمْسِ فَسَأَلَ عَنْهُ، فَقَالُوا: هُوَ أَبُو إِسْرَائِيلَ ، نَذَرَ أَنْ يَقُومَ وَلَا يَقْعُدَ وَلَا يَسْتَظِلَّ وَلَا يَتَكَلَّمَ وَيَصُومَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مُرُوهُ فَلْيَتَكَلَّمْ وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيَقْعُدْ وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ)). فَأَبْطَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ غَيْرَ قُرْبَةٍ مِمَّا لَا أَصْلَ لَهُ فِي شَرِيعَتِهِ، وَصَحَّحَ مَا كَانَ قُرْبَةً مِمَّا لَهُ نَظِيرٌ فِي الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ.
قولُه تعالى: {عَنِ الأهلة} متعلِّقٌ بالسؤال قبلَه، ويُقال: سألَ به وعنه" بمعنىً. والضميرُ في "يَسْأَلُونك" ضميرُ جماعةٍ، وفي القصةِ أن السائل اثنان، فَيَحْتَمِلُ ذلك وجهين، أحدُهما: أنَّ ذلك لكونِ الاثنين جمعاً. والثاني: من نسبةِ الشيء إلى جمْعٍ وإنْ لم يَصْدُرْ إلاَّ من واحدٍ منهم أو اثنين، وهو كثيرٌ في كلامِهِم.
والجمهور على إظهار نونِ "عَنْ" قبل لام "الأهلَّة" وورش على أصِله من نقلِ حركةِ الهمزةِ إلى الساكنِ قبلَها، وقُرِىءَ شاذاً: "علَّ هِلَّة" وتوجيهُها أنه نَقَلَ حركةَ همزة "أهلة" إلى لامِ التَّعريفِ، وأدغم نونَ "عن" في لام التعريف لسقوطِ همزةِ الوصلِ في الدَّرْج، وفي ذلك اعتدادٌ بحركةِ الهمزةِ المنقولةِ وهي لغةُ مَنْ يقول: "لَحْمَر" من غيرِ همزةِ وصلٍ بدلاً من أن يقول "الأحمر".
وإنّما جُمِعَ الهلالُ وإنْ كان مفرداً اعتباراً باختلافِ أزْمَانِهِ، قالوا من حيث كونُهُ هلالاً في شهرٍ غيرُ كونِهِ هلالاً في آخرَ. والهلالُ هذا الكوكبُ المعروفُ. واختَلَفَ اللغويون: إلى متى يسمى هِلالاً؟ فقال الجمهورُ: يُقال له: هلالٌ لِلَيْلَتَيْنِ، وقيل: لثلاثٍ، ثم يكونُ قمراً. فيُقال له هلالٌ لليلَتْين من أول الشهر ولَيْلَتين من آخره وما بينهما قمرٌ. وقال الأصمعي: يقال له هلالٌ إلى أن يُحَجِّرَ، وتحجيرُه أن يستديرَ له كالخيطِ الرقيق، ويُقال له بَدْرٌ من الثانيةَ عشرةَ إلى الرابعةَ عشرةَ، وقيل: يُسَمَّى هلالاً إلى أن يَبْهَرَ ضَوءُه سوادَ الليل، وذلك إنَّما يكونُ في سبعِ ليالٍ، والهلالُ يكونُ اسماً لهذا الكوكبِ، ويكونُ مصدراً، يقال: هَلَّ الشهرُ هلالاً.
ويقال: أُهِلَّ الهلالُ واسْتُهِلَّ مبنياً للمفعولِ وأَهْلَلْنَاه واسْتَهْلَلْنَاهُ، ويقال: أَهَلَّ واسْتَهَلَّ مبنياً للفاعلِ وأنشد:
وشهرٌ مُسْتَهِلٌّ بعدَ شهرٍ .................... وحَوْلٌ بعدَهُ حولٌ جَدِيدُ
وسُمِّي هذا الكوكبُ هلالاً لارتفاعِ الأصواتِ عند رؤيتِه، وقيل: لأنه من البيان والظهورِ، أي: لظهورهِ وقتَ رؤيَتِهِ بعد خَفَائِهِ، ولذلك يُقال: تَهَلَّلَ وَجْهُهُ: ظَهَرَ فيه بِشْرٌ وسرورٌ وإنْ لم يَكُنْ رفَعَ صوتَه. ومنه قول تأبَّط شرّاً:
وإذا نَظَرْتَ إلى أَسِرَّةِ وَجْهِه ............ بَرَقَتْ كبَرْقِ العارضِ المُتَهَلِّلِ
وقد تقدَّم أنّ الإِهلالَ الصراخُ عند قولِه: {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ} البقرة: 173 وفِعال المضعَّفُ يَطَّردُ في تكسيرِه أَفْعِلة كأَهِلَّة، وشَذَّ فيه فِعَل كقولهم: عِنَن وحِجَج في: عِنَان وحِجاج.
وقَدَّر بعضُهم مضافاً قبلَ "الأهِلَّة" أي: عَنْ حكمِ اختلافِ الأهِلَّة
لأن السؤال عن ذاتِها غيرُ مفيدٍ، ولذلك أُجيبوا بقولِه: "قل هي مواقيتُ" وقيل: إنهم لَمَّا سألوا عن شيء قليلِ الجَدْوى أُجيبوا بما فيه فائدةٌ، وعَدَلَ عن سؤالِهم إذ لا فائدة فيه، وعلى هذا فلا يُحْتاجُ إلى تقديرِ مضافٍ.
و{للناسِ} متعلِّقٌ بمحذوفٌ، لأنه صفةٌ لـ "مواقيت" أي: مواقيتُ كائنةً للناسِ. والمواقيتُ: جَمْعُ ميقات، رَجَعِتِ الواوُ إلى أصلها إذا الأصلُ: مِوْقات من الوقت، وإنّما قُلِبت ياءً لكسرِ ما قبلها، فلمّا زَالَ موجبُه في الجمعِ رُدَّت واواً، ولا يَنْصَرِفُ لأنه بزنةِ مُنْتهى الجموعِ. والميقات منتهى الوقت.
قوله: {والحج} عطفٌ على "الناس"، تقديرُه: ومواقيتُ الحَجِّ، فحذف الثاني اكتفاءً بالأول، ولمَّا كانَ الحجُّ مِنْ أعظمِ ما تُطْلَبُ مواقيتهُ وأشهرُه بالأهِلَّة أُفْرِد بالذِّكر، وكأنه تخصَّص بعد تعميم، إذ قولُه "مواقيتُ للناسِ" ليس المعنى لذواتِ الناس، بل لا بُدَّ من مضافٍ أي: مواقيتُ لمقاصدِ الناسِ المحتاجِ فيها للتأقيتِ، ففي الحقيقة ليس معطوفاً على الناسِ، بل على المضافِ المحذوفِ الذي ناب "الناس" منابَه في الإِعراب.
وقرأ الجمهورُ: "الحج" بالفتح في جميعِ القرآنِ إلّا حمزةَ والكسائي وحفصاً عن عاصم فقرؤوا {حِجُّ البيت} آل عمران: 97 بالكسر، وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق بالكسر في جميع القرآن.
وهل هما بمعنىً واحدٍ أو مختلفان؟ قال سيبويه: هما مصدران.
فالمفتوحُ كالردِّ والشدِّ، والمكسورُ كالذِّكر، وقيل: بالفتحِ هو مصدرٌ، وبالكسرِ هو اسمٌ.
قوله: {وَلَيْسَ البر بِأَن تَأْتُواْ} كقوله: {لَّيْسَ البر أَن تُوَلُّواْ} البقرة: 177 وقد تقدَّم؛ إلا أنَّه لم يُخْتلف هنا في رفع "البر"، لأنَّ زيادةَ الباءِ في الثاني عَيَّنت كونَه خبراً، وقد تقدَّم لنا أنها قد تُزادُ في الاسم ولا حاجة إلى إعادة ما تقدَّم.
وقرأ أبو عمرو وحفص وورش "البُيوت" و"بُيوت" بضمِّ الباء وهو الأصلُ، وقرأ الباقون بالكسرِ لأجلِ الياء، وكذلك في تصغيره، ٌولا يُبالَى بالخروجِ من كسرٍ إلى ضمٍ لأنَّ الضمةَ في الياءِ، والياءُ بمنزلة كسرتين فكانت الكسرةُ التي في الباء كأنها وَلِيَتْ كسرةً.
و"مِنْ" في قولِه: "مِنْ ظهورِها" و"من أبوابها" متعلقةٌ بالإِتيان ومعناها ابتداءُ الغاية. والضميرُ في "ظهورها" و"أبوابِها" للبيوتِ، وجِيء به كضميرِ المؤنثةِ الواحدِ لأنه يجوزُ فيه ذلك.
وقوله: {ولكن البر مَنِ اتقى} كقوله: {ولكن البر مَنْ آمَنَ} البقرة: 177 سواءٌ بسواء ولمَّا تقدَّم جملتانِ خبريتان، وهما: "وليس البرّ" {ولكن البر مَنِ اتقى} عُطِف عليهما جملتان أمريّتان، الأولى للأولى، والثانية للثانية، وهما: "وَأْتُوا البيوت" و"واتَّقوا الله". وفي التصريح بالمفعول في قوله: "واتقوا الله" دلالةٌ على أنه محذوفٌ من اتقى، أي: اتقى الله.
عبد القادر الأسود
عبد القادر الأسود
أرمنازي - عضو شرف
أرمنازي - عضو شرف

عدد المساهمات : 932
نقاط : 2771
السٌّمعَة : 15
تاريخ التسجيل : 08/06/2010
العمر : 76
الموقع : http://abdalkaderaswad.spaces.live.com

http://abdalkaderaswad.wordpress.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى