فيض العليم من معاني الذكر الحكيم، سورة البقرة ، الآية: 205
منتدى مدينة أرمناز العام :: المنتدى الخاص بشاعر أرمناز الكبير الأستاذ عبدالقادر الأسود :: البحوث والدراسات والمقالات النثرية
صفحة 1 من اصل 1
فيض العليم من معاني الذكر الحكيم، سورة البقرة ، الآية: 205
وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205)
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها} قِيلَ: "تَوَلَّى وسَعى" مِنْ فِعْلِ الْقَلْبِ، فَيَجِيءُ "تَوَلَّى" بِمَعْنَى ضَلَّ وَغَضِبَ وَأَنِفَ فِي نَفْسِهِ. و"سَعى" أَيْ سَعَى بِحِيلَتِهِ وإرادته. وَقِيلَ: هُمَا فِعْلُ الشَّخْصِ، فَيَجِيءُ "تَوَلَّى" بِمَعْنَى أَدْبَرَ وَذَهَبَ عَنْكَ يَا مُحَمَّدُ. وَ"سَعى" أَيْ بِقَدَمَيْهِ فَقَطَعَ الطَّرِيقَ وَأَفْسَدَهَا. وَكِلَا السَّعْيَيْنِ فَسَادٌ. يُقَالُ: سَعَى الرَّجُلُ يَسْعَى سَعْيًا، أَيْ عَدَا، وَكَذَلِكَ إِذَا عَمِلَ وَكَسَبَ. وَفُلَانٌ يَسْعَى عَلَى عِيَالِهِ أَيْ يَعْمَلُ فِي نَفْعِهِمْ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيُهْلِكَ} عُطِفَ عَلَى لِيُفْسِدَ. وَالْمَعْنِيُّ فِي الْآيَةِ الْأَخْنَسُ فِي إِحْرَاقِهِ الزَّرْعَ وَقَتْلِهِ الْحُمُرَ، قَالَهُ الطَّبَرِيُّ. وقَالَ غَيْرُهُ: وَلَكِنَّهَا صَارَتْ عَامَّةً لِجَمِيعِ النَّاسِ، فَمَنْ عَمِلَ مِثْلَ عَمَلِهِ اسْتَوْجَبَ تِلْكَ اللَّعْنَةَ وَالْعُقُوبَةَ. قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إِنَّ مَنْ يَقْتُلُ حِمَارًا أَوْ يُحْرِقُ كُدْسًا اسْتَوْجَبَ الْمَلَامَةَ، وَلَحِقَهُ الشَّيْنُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. والكَدْسُ العرمة من الطعام والتمر والدراهم. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْمُرَادُ أَنَّ الظَّالِمَ يُفْسِدُ فِي الْأَرْضِ فَيُمْسِكُ اللَّهُ الْمَطَرَ فَيُهْلِكُ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ. وَقِيلَ: الْحَرْثُ النِّسَاءُ، وَالنَّسْلُ الْأَوْلَادُ، وَهَذَا لِأَنَّ النِّفَاقَ يُؤَدِّي إِلَى تَفْرِيقِ الْكَلِمَةِ وَوُقُوعِ الْقِتَالِ، وَفِيهِ هَلَاكُ الْخَلْق. وَالسَّعْيُ فِي الْأَرْضِ الْمَشْيُ بِسُرْعَةٍ، وَهَذِهِ عِبَارَةٌ عَنْ إِيقَاعِ الْفِتْنَةِ وَالتَّضْرِيبِ بَيْنَ النَّاسِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي الْحَدِيثِ: ((إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ وَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ مِنْ عِنْدِهِ)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: {الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ } الْحَرْثُ: فِي اللُّغَةِ: الشَّقُّ، وَمِنْهُ
الْمِحْرَاثُ لِمَا يُشَقُّ بِهِ الْأَرْضُ. وَالْحَرْثُ: كَسْبُ الْمَالِ وَجَمْعُهُ، وَفَي الْحَدِيثِ: ((احْرُثْ لدنياك كأنك تَعِيشُ أَبَدًا)).
وَالْحَرْثُ الزَّرْعُ. وَالْحَرَّاثُ الزَّرَّاعُ. وَقَدْ حَرَثَ وَاحْتَرَثَ، مِثْلَ زَرَعَ وَازْدَرَعَ وَيُقَالُ: احْرُثِ الْقُرْآنَ، أَيِ ادْرُسْهُ. وَحَرَثْتُ النَّاقَةَ وَأَحْرَثْتُهَا، أَيْ سِرْتُ عَلَيْهَا حَتَّى هَزَلَتْ وَحَرَثْتُ النَّارَ حَرَّكْتُهَا. وَالْمِحْرَاثُ: مَا يُحَرَّكُ بِهِ نَارُ التَّنُّورِ. وَالنَّسْلُ: مَا خَرَجَ مِنْ كُلِّ أُنْثَى مِنْ وَلَدٍ. وَأَصْلُهُ الْخُرُوجُ وَالسُّقُوطُ، وَمِنْهُ نَسْلُ الشَّعْرِ، وَرِيشُ الطَّائِرِ، وَالْمُسْتَقْبَلُ يَنْسِلُ، وَمِنْهُ "إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ"، "مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ". وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
وإنْ تَكُ قَدْ سَاءَتْكِ مني خليقَةٌ ..........فَسُلِّي ثِيَابِي مِنْ ثِيَابِكِ تَنْسُلِ
وَدَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى الْحَرْثِ وَزِرَاعَةِ الْأَرْضِ، وَغَرْسِهَا بِالْأَشْجَارِ حَمْلًا عَلَى الزَّرْعِ، وَطَلَبِ النَّسْلِ، وَهُوَ. نَمَاءُ الْحَيَوَانِ، وَبِذَلِكَ يَتِمُّ قِوَامُ الْإِنْسَانِ. وَهُوَ يَرُدُّ عَلَى مَنْ قَالَ بِتَرْكِ الْأَسْبَابِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسادَ} قَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ: الْفَسَادُ هُوَ الْخَرَابُ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: قَطْعُ الدَّرَاهِمِ مِنَ الْفَسَادِ في الأرض. وقال عطاء: إن رجلًا كان يُقَالُ لَهُ عَطَاءُ بْنُ مُنَبِّهٍ أَحْرَمَ فِي جُبَّةٍ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَنْزِعَهَا. قَالَ قَتَادَةُ قُلْتُ لِعَطَاءٍ: إِنَّا كُنَّا نَسْمَعُ أَنْ يَشُقَّهَا، فَقَالَ عَطَاءٌ: إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ.
وَالْآيَةُ بِعُمُومِهَا تَعُمُّ كُلَّ فَسَادٍ كَانَ فِي أَرْضٍ أَوْ مَالٍ أَوْ دِينٍ. قِيلَ: مَعْنَى لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ أَيْ لَا يُحِبُّهُ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ، أَوْ لَا يُحِبُّهُ دِينًا. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى لا يأمر به، والله أعلم.
قوله تعالى: {وَإِذَا تولى سعى} سَعَى: جوابُ إذا الشرطية وهذه الجملةُ الشرطيةُ تحتملُ وَجْهَيْنِ، أحدُهما: أن تكونَ عطفاً على ما قبلَها وهو "يُعْجِبُكَ" فتكون: إمَّا صلةً أو صفةً حسب ما تقدَّم في "مَنْ"، والثاني أن تكونَ مستأنفةً لمجردِ الاخبارِ بحالِهِ، وقد تَمَّ الكلامُ عند قولِهِ: "ألدُّ الخصام".
والتولِّي والسَّعْيُ يحتملان الحقيقةَ أي: تولَّى ببدنِهِ عنكَ وسعى بِقَدَمَيْهِ، والمجازَ بأن يريدَ بالتولِّي الرجوعَ عن القولِ الأولِ، وبالسعي العملَ والكَسْبَ من السَّعاية، وهو مجازٌ شائعٌ، ومنه: {وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سعى} النجم: 39 وقال امرؤُ القيس:
فلو أنَّ ما أسْعى لأدنى معيشةٍ ....... كفاني ولم أَطْلُبْ قليلٌ من المالِ
ولكنَّمَـــــــــــــــا أسعى لمجدٍ مُؤثَّلٍ ....... وقــــد يُدْرِكُ المجدَ المؤثَّلَ أَمْثَالي
وقال آخر :
أسعى على حَيِّ بني مــــــــــــالِكِ ........ كلُّ امرىءٍ في شَأْنِهِ ســــــــــــــــــــاعي
والسَّعايَةُ بالقولِ ما يقتضي التفريقَ بين الأخِلاَّءِ، قال :
ما قلتُ ما قال وشاةٌ سَعَوْا ................... سَعْيَ عَدُوٍ بَيْنَنَا يَرْجُفُ
قوله: {فِي الأرض} متعلِّقٌ بـ "سَعَىَ"، فإنْ قيل: معلومٌ أنَّ السَّعْيَ لا يكونُ إلاَّ في الأرضِ قيل: لأنه يُفيدُ العمومَ، كأنّه قيل: أيَّ مكانٍ حَلَّ فيه من الأرضِ أفسدَ فيه، فَيَدُلُّ لفظُ الأرضِ على كثرة فسادِهِ، إذ يلزَمُ مِنْ عمومِ الظَّرفِ عمومُ المظروفِ، و"ليفسِدَ" متعلقٌ بـ "سعى" علةً له.
قوله: {وَيُهْلِكَ الحرث} الجمهورُ على: "يُهْلِكَ" بضم الياء
وكسر اللامِ ونصبِ الكافِ. "الحَرْثَ" مفعولٌ به، وهي قراءةٌ واضحةٌ من: أَهْلَكَ يُهْلك، والنصبُ عطفٌ على الفعِل قبلَهُ، وهذا شبيهٌ بقولِهِ تعالى: {وملائكته وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ} البقرة: 98 فإنَّ قولَه: "ليفسدَ" يشتملُ على أنّه يُهْلكُ الحرثَ والنسلَ، فخصَّهُما بالذكر لذلك.
وقرأ أُبيّ: "وليُهْلِكَ" بإظهارِ لامِ العلة وهي معنى قراءةِ الجمهور، وقرأ أبو حيوة وابنُ كثير وأبو عمرو "وَيَهْلِكَ الحرثُ والنَّسْلُ" بفتح الياء وكسرِ اللام من هَلَك الثلاثي، و"الحرثُ" فاعل، و"النسلُ" عطفٌ عليه. وقرأ قوم: "ويُهْلِكُ الحرثَ" من أَهْلَكَ، و"الحرث" مفعولٌ به إلّا أنهم رفعوا الكافَ. وخُرِّجتْ على أربعةِ أوجهٍ: أن تكونَ عطفاً على "يُعْجِبُك" أو على "سَعَى" لأنّه في معنى المستقبل، أو على خبرِ مبتدأٍ محذوفٍ أي: وهو يُهْلِكُ، أو على الاستئنافِ.
وقرأ الحسن: "ويُهْلَكَ" مبنياً للمفعول، "الحَرْثُ" رفعاً، وقرأ أيضاً: "ويَهَلَكُ" بفتح الياء واللامِ ورفعِ الكافِ، "الحرثُ" رفعاً على الفاعلية، وفتحُ عينِ المضارعِ هنا شاذٌّ لفَتْحِ عينِ ماضِيهِ، وليس عينُهُ ولا لامُهُ حرفَ حلقٍ فهو مثلُ رَكَنَ يَرْكَنُ بالفتحِ فيهما.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها} قِيلَ: "تَوَلَّى وسَعى" مِنْ فِعْلِ الْقَلْبِ، فَيَجِيءُ "تَوَلَّى" بِمَعْنَى ضَلَّ وَغَضِبَ وَأَنِفَ فِي نَفْسِهِ. و"سَعى" أَيْ سَعَى بِحِيلَتِهِ وإرادته. وَقِيلَ: هُمَا فِعْلُ الشَّخْصِ، فَيَجِيءُ "تَوَلَّى" بِمَعْنَى أَدْبَرَ وَذَهَبَ عَنْكَ يَا مُحَمَّدُ. وَ"سَعى" أَيْ بِقَدَمَيْهِ فَقَطَعَ الطَّرِيقَ وَأَفْسَدَهَا. وَكِلَا السَّعْيَيْنِ فَسَادٌ. يُقَالُ: سَعَى الرَّجُلُ يَسْعَى سَعْيًا، أَيْ عَدَا، وَكَذَلِكَ إِذَا عَمِلَ وَكَسَبَ. وَفُلَانٌ يَسْعَى عَلَى عِيَالِهِ أَيْ يَعْمَلُ فِي نَفْعِهِمْ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيُهْلِكَ} عُطِفَ عَلَى لِيُفْسِدَ. وَالْمَعْنِيُّ فِي الْآيَةِ الْأَخْنَسُ فِي إِحْرَاقِهِ الزَّرْعَ وَقَتْلِهِ الْحُمُرَ، قَالَهُ الطَّبَرِيُّ. وقَالَ غَيْرُهُ: وَلَكِنَّهَا صَارَتْ عَامَّةً لِجَمِيعِ النَّاسِ، فَمَنْ عَمِلَ مِثْلَ عَمَلِهِ اسْتَوْجَبَ تِلْكَ اللَّعْنَةَ وَالْعُقُوبَةَ. قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إِنَّ مَنْ يَقْتُلُ حِمَارًا أَوْ يُحْرِقُ كُدْسًا اسْتَوْجَبَ الْمَلَامَةَ، وَلَحِقَهُ الشَّيْنُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. والكَدْسُ العرمة من الطعام والتمر والدراهم. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْمُرَادُ أَنَّ الظَّالِمَ يُفْسِدُ فِي الْأَرْضِ فَيُمْسِكُ اللَّهُ الْمَطَرَ فَيُهْلِكُ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ. وَقِيلَ: الْحَرْثُ النِّسَاءُ، وَالنَّسْلُ الْأَوْلَادُ، وَهَذَا لِأَنَّ النِّفَاقَ يُؤَدِّي إِلَى تَفْرِيقِ الْكَلِمَةِ وَوُقُوعِ الْقِتَالِ، وَفِيهِ هَلَاكُ الْخَلْق. وَالسَّعْيُ فِي الْأَرْضِ الْمَشْيُ بِسُرْعَةٍ، وَهَذِهِ عِبَارَةٌ عَنْ إِيقَاعِ الْفِتْنَةِ وَالتَّضْرِيبِ بَيْنَ النَّاسِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي الْحَدِيثِ: ((إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ وَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ مِنْ عِنْدِهِ)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: {الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ } الْحَرْثُ: فِي اللُّغَةِ: الشَّقُّ، وَمِنْهُ
الْمِحْرَاثُ لِمَا يُشَقُّ بِهِ الْأَرْضُ. وَالْحَرْثُ: كَسْبُ الْمَالِ وَجَمْعُهُ، وَفَي الْحَدِيثِ: ((احْرُثْ لدنياك كأنك تَعِيشُ أَبَدًا)).
وَالْحَرْثُ الزَّرْعُ. وَالْحَرَّاثُ الزَّرَّاعُ. وَقَدْ حَرَثَ وَاحْتَرَثَ، مِثْلَ زَرَعَ وَازْدَرَعَ وَيُقَالُ: احْرُثِ الْقُرْآنَ، أَيِ ادْرُسْهُ. وَحَرَثْتُ النَّاقَةَ وَأَحْرَثْتُهَا، أَيْ سِرْتُ عَلَيْهَا حَتَّى هَزَلَتْ وَحَرَثْتُ النَّارَ حَرَّكْتُهَا. وَالْمِحْرَاثُ: مَا يُحَرَّكُ بِهِ نَارُ التَّنُّورِ. وَالنَّسْلُ: مَا خَرَجَ مِنْ كُلِّ أُنْثَى مِنْ وَلَدٍ. وَأَصْلُهُ الْخُرُوجُ وَالسُّقُوطُ، وَمِنْهُ نَسْلُ الشَّعْرِ، وَرِيشُ الطَّائِرِ، وَالْمُسْتَقْبَلُ يَنْسِلُ، وَمِنْهُ "إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ"، "مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ". وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
وإنْ تَكُ قَدْ سَاءَتْكِ مني خليقَةٌ ..........فَسُلِّي ثِيَابِي مِنْ ثِيَابِكِ تَنْسُلِ
وَدَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى الْحَرْثِ وَزِرَاعَةِ الْأَرْضِ، وَغَرْسِهَا بِالْأَشْجَارِ حَمْلًا عَلَى الزَّرْعِ، وَطَلَبِ النَّسْلِ، وَهُوَ. نَمَاءُ الْحَيَوَانِ، وَبِذَلِكَ يَتِمُّ قِوَامُ الْإِنْسَانِ. وَهُوَ يَرُدُّ عَلَى مَنْ قَالَ بِتَرْكِ الْأَسْبَابِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسادَ} قَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ: الْفَسَادُ هُوَ الْخَرَابُ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: قَطْعُ الدَّرَاهِمِ مِنَ الْفَسَادِ في الأرض. وقال عطاء: إن رجلًا كان يُقَالُ لَهُ عَطَاءُ بْنُ مُنَبِّهٍ أَحْرَمَ فِي جُبَّةٍ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَنْزِعَهَا. قَالَ قَتَادَةُ قُلْتُ لِعَطَاءٍ: إِنَّا كُنَّا نَسْمَعُ أَنْ يَشُقَّهَا، فَقَالَ عَطَاءٌ: إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ.
وَالْآيَةُ بِعُمُومِهَا تَعُمُّ كُلَّ فَسَادٍ كَانَ فِي أَرْضٍ أَوْ مَالٍ أَوْ دِينٍ. قِيلَ: مَعْنَى لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ أَيْ لَا يُحِبُّهُ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ، أَوْ لَا يُحِبُّهُ دِينًا. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى لا يأمر به، والله أعلم.
قوله تعالى: {وَإِذَا تولى سعى} سَعَى: جوابُ إذا الشرطية وهذه الجملةُ الشرطيةُ تحتملُ وَجْهَيْنِ، أحدُهما: أن تكونَ عطفاً على ما قبلَها وهو "يُعْجِبُكَ" فتكون: إمَّا صلةً أو صفةً حسب ما تقدَّم في "مَنْ"، والثاني أن تكونَ مستأنفةً لمجردِ الاخبارِ بحالِهِ، وقد تَمَّ الكلامُ عند قولِهِ: "ألدُّ الخصام".
والتولِّي والسَّعْيُ يحتملان الحقيقةَ أي: تولَّى ببدنِهِ عنكَ وسعى بِقَدَمَيْهِ، والمجازَ بأن يريدَ بالتولِّي الرجوعَ عن القولِ الأولِ، وبالسعي العملَ والكَسْبَ من السَّعاية، وهو مجازٌ شائعٌ، ومنه: {وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سعى} النجم: 39 وقال امرؤُ القيس:
فلو أنَّ ما أسْعى لأدنى معيشةٍ ....... كفاني ولم أَطْلُبْ قليلٌ من المالِ
ولكنَّمَـــــــــــــــا أسعى لمجدٍ مُؤثَّلٍ ....... وقــــد يُدْرِكُ المجدَ المؤثَّلَ أَمْثَالي
وقال آخر :
أسعى على حَيِّ بني مــــــــــــالِكِ ........ كلُّ امرىءٍ في شَأْنِهِ ســــــــــــــــــــاعي
والسَّعايَةُ بالقولِ ما يقتضي التفريقَ بين الأخِلاَّءِ، قال :
ما قلتُ ما قال وشاةٌ سَعَوْا ................... سَعْيَ عَدُوٍ بَيْنَنَا يَرْجُفُ
قوله: {فِي الأرض} متعلِّقٌ بـ "سَعَىَ"، فإنْ قيل: معلومٌ أنَّ السَّعْيَ لا يكونُ إلاَّ في الأرضِ قيل: لأنه يُفيدُ العمومَ، كأنّه قيل: أيَّ مكانٍ حَلَّ فيه من الأرضِ أفسدَ فيه، فَيَدُلُّ لفظُ الأرضِ على كثرة فسادِهِ، إذ يلزَمُ مِنْ عمومِ الظَّرفِ عمومُ المظروفِ، و"ليفسِدَ" متعلقٌ بـ "سعى" علةً له.
قوله: {وَيُهْلِكَ الحرث} الجمهورُ على: "يُهْلِكَ" بضم الياء
وكسر اللامِ ونصبِ الكافِ. "الحَرْثَ" مفعولٌ به، وهي قراءةٌ واضحةٌ من: أَهْلَكَ يُهْلك، والنصبُ عطفٌ على الفعِل قبلَهُ، وهذا شبيهٌ بقولِهِ تعالى: {وملائكته وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ} البقرة: 98 فإنَّ قولَه: "ليفسدَ" يشتملُ على أنّه يُهْلكُ الحرثَ والنسلَ، فخصَّهُما بالذكر لذلك.
وقرأ أُبيّ: "وليُهْلِكَ" بإظهارِ لامِ العلة وهي معنى قراءةِ الجمهور، وقرأ أبو حيوة وابنُ كثير وأبو عمرو "وَيَهْلِكَ الحرثُ والنَّسْلُ" بفتح الياء وكسرِ اللام من هَلَك الثلاثي، و"الحرثُ" فاعل، و"النسلُ" عطفٌ عليه. وقرأ قوم: "ويُهْلِكُ الحرثَ" من أَهْلَكَ، و"الحرث" مفعولٌ به إلّا أنهم رفعوا الكافَ. وخُرِّجتْ على أربعةِ أوجهٍ: أن تكونَ عطفاً على "يُعْجِبُك" أو على "سَعَى" لأنّه في معنى المستقبل، أو على خبرِ مبتدأٍ محذوفٍ أي: وهو يُهْلِكُ، أو على الاستئنافِ.
وقرأ الحسن: "ويُهْلَكَ" مبنياً للمفعول، "الحَرْثُ" رفعاً، وقرأ أيضاً: "ويَهَلَكُ" بفتح الياء واللامِ ورفعِ الكافِ، "الحرثُ" رفعاً على الفاعلية، وفتحُ عينِ المضارعِ هنا شاذٌّ لفَتْحِ عينِ ماضِيهِ، وليس عينُهُ ولا لامُهُ حرفَ حلقٍ فهو مثلُ رَكَنَ يَرْكَنُ بالفتحِ فيهما.
مواضيع مماثلة
» فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة البقرة ، :الآية: 32
» فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة البقرة ، الآية: 211
» فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة البقرة ، الآية: 234
» فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة البقرة ، :الآية: 10
» فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة البقرة ، :الآية: 47
» فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة البقرة ، الآية: 211
» فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة البقرة ، الآية: 234
» فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة البقرة ، :الآية: 10
» فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة البقرة ، :الآية: 47
منتدى مدينة أرمناز العام :: المنتدى الخاص بشاعر أرمناز الكبير الأستاذ عبدالقادر الأسود :: البحوث والدراسات والمقالات النثرية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء أكتوبر 01, 2019 11:34 am من طرف bassam1972
» شهادة الشاعر الكبير الأستاذ عبد القادر دياب مدير عام الملتقى الثقافي العربي
الجمعة سبتمبر 13, 2019 7:15 pm من طرف bassam1972
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 12
الجمعة يوليو 12, 2019 10:33 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 10
الخميس يوليو 11, 2019 10:54 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 9
الأربعاء يوليو 10, 2019 1:29 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 8
الأربعاء يوليو 10, 2019 10:41 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 6
الثلاثاء يوليو 09, 2019 4:24 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 5
الأحد يوليو 07, 2019 10:10 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 3
السبت يوليو 06, 2019 10:14 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 2
الجمعة يوليو 05, 2019 10:54 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكه، الآية: 1
الأربعاء يوليو 03, 2019 3:27 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف: تعريف
الثلاثاء يوليو 02, 2019 7:01 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 111
السبت يونيو 29, 2019 7:26 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 110
الخميس يونيو 27, 2019 10:38 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 109
الخميس يونيو 27, 2019 6:45 am من طرف عبد القادر الأسود