منتدى مدينة أرمناز العام
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة البقرة ، :الآية: 50

اذهب الى الأسفل

فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة البقرة ، :الآية: 50 Empty فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة البقرة ، :الآية: 50

مُساهمة من طرف عبد القادر الأسود الإثنين سبتمبر 24, 2012 8:53 am

وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (50)
تَقاصَرتْ بَصائرُ بَني إسرائيلَ فأَراهم المُعجِزاتِ عياناً، ونَفَذتْ بصائرُ هذه الأُمَّةِ فكاشَفَهم بآياتِه سِرًّا، وبذلك جَرَتْ سُنَّتُهُ ـ سبحانَه ـ وكلُّ مَن كان أَشْحَذَ بصيرةً كان الأمرُ عليه أَغْمَضَ، والإشارات معَه أَوْفَرَ، قال صلى الله عليه وسلم: ((أُوتيتُ جَوامِعَ الكَلِمِ واخْتُصِر لي الكَلامُ اختصاراً)).
وحين شاهد بنوا إسرائيلَ ظاهرَ تلك الآياتِ مِنْ فَلْقِ البحرِ وإغراقِ آلِ فِرعونَ ـ دَاخَلَهُمْ ريبٌ؛ فقالوا: إنّه لمْ يَغْرَقْ حتّى قَذَفَهم البحرُ، فنظر بنو إسرائيلَ إليهم وهم مُغرَقون. وهذه الأمَّةُ لَفْظُ تَصديقِهم لِرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وعلى آله، وقُوَّةُ بَصائرهم أنْ قالَ واحدٌ مِن أفتاءِ الناسِ وهو حارثةُ ـ رضي الله عنه: ((كأنِّي بأهلِ الجنّةِ يَتزاورون، وكأنّي بأهلِ النّارِ يَتعاوُون، وكأنّي أَنظُرُ عَرشَ ربّي بارِزاً)) فشتَّان بين مَنْ يُعايِنُ فَيرتابُ معَ عيانِه، وبين مَنْ يَسمَعُ فكالعيانِ حالُه من قوَّةِ إيمانه.
قولُه تبارك وتعالى: {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ} فَرَقْنَا: فَلَقْنَا فَكانَ
كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ أَيِ الْجَبَلِ الْعَظِيمِ. وَأَصْلُ الْفَرْقِ الْفَصْلُ وَمِنْهُ فَرْقُ الشَّعْرِ وَمِنْهُ الْفُرْقَانُ لِأَنَّهُ يَفْرُقُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، أَيْ يَفْصِلُ، وَمِنْهُ {فَالْفارِقاتِ فَرْقاً} المُرسَلات: 4. يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ تَنْزِلُ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ ومنه {يَوْمَ الْفُرْقانِ} الأنفال: 41. يَعْنِي يَوْمَ بَدْرٍ كَانَ فِيهِ فَرْقٌ بَيْنَ الحقِّ والباطلِ ومنه {وَقُرْآناً فَرَقْناهُ} الإسراء: 106. أَيْ فَصَّلْنَاهُ وَأَحْكَمْنَاهُ وَقَرَأَ الزُّهْرِيُّ: "فَرَّقْنَا" بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ أَيْ جَعَلْنَاهُ فِرَقًا وَمَعْنَى "بِكُمُ" أَيْ لَكُمْ فَالْبَاءُ بِمَعْنَى اللَّامِ وَقِيلَ الْبَاءُ فِي مَكَانِهَا أَيْ فَرَقْنَا الْبَحْرَ بِدُخُولِكُمْ إِيَّاهُ أَيْ صَارُوا بَيْنَ الْمَاءَيْنِ فَصَارَ الْفَرْقُ بِهِمْ وَهَذَا أولى يبينه "فَانْفَلَقَ"
قَوْلُهُ تَعَالَى: {الْبَحْرَ} الْبَحْرُ مَعْرُوفٌ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِاتِّسَاعِهِ. وَيُقَالُ: فَرَسٌ بَحْرٌ إِذَا كَانَ وَاسِعَ الْجَرْيِ أَيْ كَثِيرُهُ. وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَنْدُوب فَرَسِ أَبِي طَلْحَةَ: ((وَإِنْ وَجَدْنَاهُ لَبَحْرًا)). وَالْبَحْرُ: الْمَاءُ الْمَالِحُ. وَيُقَالُ: أَبْحَرَ الْمَاءُ: مَلُحَ قَالَ نُصَيْبٌ:
وَقَدْ عَادَ مَاءُ الْأَرْضِ بَحْرًا فَزَادَنِي
إِلَى مَرَضِي أَنْ أَبْحَرَ الْمَشْرَبُ الْعَذْبُ
وَالْبَحْرُ: الْبَلْدَةُ يُقَالُ: هَذِهِ بَحْرَتُنَا أَيْ بَلْدَتُنَا. قَالَهُ الْأُمَوِيُّ. وَالْبَحْرُ: السُّلَالُ(داء في الرئة) يُصِيبُ الْإِنْسَانَ. وَيَقُولُونَ: لَقِيتُهُ صَحْرَةً بَحْرَةً أَيْ بَارِزًا مَكْشُوفًا. وَفِي الْخَبَرِ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ قَالَ: إِنَّ لِلَّهِ مَلَكًا يُقَالُ لَهُ: "صَنْدَفَايِيلُ" الْبِحَارُ كُلُّهَا فِي نَقْرَةِ إبهامه. ذَكَرَهُ أبو نُعَيْمٍ
بسنده عَنْ كَعْبٍ ـ رضي الله عنه.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَأَنْجَيْناكُمْ} أَيْ أَخْرَجْنَاكُمْ مِنْهُ يُقَالُ نَجَوْتُ مِنْ كَذَا نِجَاءً، مَمْدُودٌ، وَنَجَاةً، مَقْصُورٌ، والصِدق مَنجاٌة، وأَنجيت غيري ونجّيْتُه، وقرئ بِهِمَا "وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ" و"فَأَنْجَيْناكُمْ".
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ} يُقَالُ: غَرِقَ فِي الْمَاءِ غَرَقًا فَهُوَ غَرِقٌ وَغَارِقٌ أَيْضًا وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي النَّجْمِ:
فأصبحوا في الماء والخنادق ............ مِنْ بَيْنِ مَقْتُولٍ وَطَافٍ غَارِقِ
وَأَغْرَقَهُ غَيْرُهُ وَغَرَّقَهُ فَهُوَ مُغْرَّقٌ وَغَرِيقٌ. وَلِجَامٌ مُغَرَّقٌ بِالْفِضَّةِ أَيْ مُحَلًّى. وَالتَّغْرِيقُ: الْقَتْلُ قَالَ الْأَعْشَى:
أطورين في عام غزاة ورحلة.............. ألا ليت قيسًا غرَّقتْه الْقَوَابِلُ
المُرادُ بِه قيس بن مسعود الشيباني. وَذَلِكَ أَنَّ الْقَابِلَةَ كَانَتْ تُغَرِّقُ الْمَوْلُودَ فِي مَاءِ السَّلَى عَامَ الْقَحْطِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى حَتَّى يَمُوتَ ثُمَّ جُعِلَ كُلُّ قتْلٍ تَغْريقًا ومنه قولُ ذي الرِّمَّة:
إِذَا غَرَّقَتْ أَرْبَاضُهَا ثِنْيَ بَكْرَةٍ .......... بِتَيْهَاءَ لَمْ تُصْبِحْ رَؤومًا سَلُوبُهَا
وَالْأَرْبَاضُ: الْحِبَالُ. وَالْبَكْرَةُ: النَّاقَةُ الْفَتِيَّةُ وَثِنْيُهَا: بَطْنُهَا الثَّانِي وَإِنَّمَا لَمْ تَعْطِفْ عَلَى وَلَدِهَا لِمَا لَحِقَهَا مِنَ التَّعَبِ.
ذَكَرَ الطَّبَرِيُّ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أُوحِيَ إِلَيْهِ أَنْ يُسْرِيَ مِنْ مِصْرَ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ فَأَمَرَهُمْ مُوسَى أَنْ يَسْتَعِيرُوا الْحُلِيَّ وَالْمَتَاعَ مِنَ الْقِبْطِ وَأَحَلَّ اللَّهُ ذَلِكَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ فَسَرَى بِهِمْ مُوسَى مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ فَأُعْلِمَ فِرْعَوْنُ فَقَالَ: لَا يَتْبَعُهُمْ أَحَدٌ حَتَّى تَصِيحَ الدِّيَكَةُ فَلَمْ يَصِحْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ بِمِصْرَ دِيكٌ وَأَمَاتَ اللَّهُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ كَثِيرًا مِنْ أَبْنَاءِ الْقِبْطِ فَاشْتَغَلُوا فِي الدَّفْنِ وَخَرَجُوا فِي الْأَتْبَاعِ مُشْرِقين كما قال تعالى: {فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ} الشعراء: 60. وَذَهَبَ مُوسَى إِلَى نَاحِيَةِ الْبَحْرِ حَتَّى بَلَغَهُ. وَكَانَتْ عِدَّةُ بَنِي إِسْرَائِيلَ نَيِّفًا عَلَى سِتِّمِائَةِ أَلْفٍ وَكَانَتْ عِدَّةُ فِرْعَوْنَ أَلْفَ أَلْفٍ وَمِائَتَيْ أَلْفٍ. وَقِيلَ: إِنَّ فِرْعَوْنَ اتَّبَعَهُ فِي أَلْفِ أَلْفِ حِصَانٍ سِوَى الْإِنَاثِ وَقِيلَ دَخَلَ إِسْرَائِيلُ ـ وَهُوَ يَعْقُوبُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ـ مِصْرَ فِي سِتَّةٍ وَسَبْعِينَ نَفْسًا مِنْ وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ فَأَنْمَى اللَّهُ عَدَدَهُمْ وَبَارَكَ فِي ذُرِّيَّتِهِ حَتَّى خَرَجُوا إِلَى الْبَحْرِ يَوْمَ فِرْعَوْنَ وَهُمْ سِتُّمِائَةِ أَلْفٍ مِنَ الْمُقَاتِلَةِ سِوَى الشُّيُوخِ وَالذُّرِّيَّةِ وَالنِّسَاءِ وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ بسنده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ حين أسرى إِسْرَائِيلَ بَلَغَ فِرْعَوْنَ فَأَمَرَ بِشَاةٍ فَذُبِحَتْ ثُمَّ قَالَ: لَا وَاللَّهِ لَا يُفْرَغُ مِنْ سَلْخِهَا حَتَّى تَجْتَمِعَ لِي سِتُّمِائَةِ أَلْفٍ مِنَ الْقِبْطِ قَالَ: فَانْطَلَقَ مُوسَى حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْبَحْرِ فَقَالَ لَهُ افْرُقْ فَقَالَ لَهُ الْبَحْرُ: لَقَدِ اسْتَكْبَرْتَ يَا مُوسَى! وَهَلْ فَرَقْتُ لِأَحَدٍ مِنْ وَلَدِ آدَمَ فَأَفْرُقَ لَكَ! قَالَ: وَمَعَ مُوسَى رَجُلٌ عَلَى حِصَانٍ لَهُ قَالَ فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ الرَّجُلُ أَيْنَ أُمِرْتَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ قال ما أمرتُ إِلَّا بِهَذَا الْوَجْهِ قَالَ: فَأَقْحَمَ فَرَسَهُ فَسَبَحَ فَخَرَجَ. فَقَالَ أَيْنَ أُمِرْتَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ قَالَ مَا أُمِرْتُ إِلَّا بِهَذَا الْوَجْهِ قَالَ: وَاللَّهِ مَا كَذَبْتَ وَلَا كُذِبْتَ ثُمَّ اقْتَحَمَ الثَّانِيَةَ فَسَبَحَ بِهِ حَتَّى خَرَجَ فَقَالَ أَيْنَ أُمِرْتَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ فَقَالَ مَا أُمِرْتُ إِلَّا بِهَذَا الْوَجْهِ قَالَ: وَاللَّهِ مَا كَذَبْتَ وَلَا كُذِبْتَ قَالَ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: {أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ} الأعراف 160. فَضَرَبَهُ مُوسَى بِعَصَاهُ {فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} الشعراء 63. فَكَانَ فِيهِ اثْنَا عَشَرَ فَضرْقًا لِاثْنَيْ عَشَرَ سِبْطًا لِكُلِّ سِبْطٍ طَرِيقٌ يَتَرَاءَوْنَ، وَذَلِكَ أَنَّ أَطْوَادَ الْمَاءِ صَارَ فِيهَا طِيقَانًا وَشَبَابِيكَ يَرَى مِنْهَا بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَلَمَّا خَرَجَ أَصْحَابُ مُوسَى وَقَامَ أَصْحَابُ فِرْعَوْنَ الْتَطَمَ الْبَحْرُ عَلَيْهِمْ فَأَغْرَقَهُمْ وَيُذْكَرُ أَنَّ الْبَحْرَ هُوَ بَحْرُ الْقُلْزُمِ وَأَنَّ الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ مَعَ مُوسَى عَلَى الْفَرَسِ هُوَ فَتَاهُ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ. وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْحَى إِلَى الْبَحْرِ أَنَ انْفَرِقْ لِمُوسَى إِذَا ضَرَبَكَ فَبَاتَ الْبَحْرُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ يَضْطَرِبُ فَحِينَ أَصْبَحَ ضَرَبَ الْبَحْرَ وَكَنَّاهُ أَبَا خَالِدٍ. ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا.
ذَكَرَ بعضَ المُفَسِّرين أنَّه لمَّا دَنا هَلاكُ فِرعونُ أمَرَ اللهُ تعالى موسى عليه السلامُ أنْ يَسريَ ببني إسرائيلَ مِن مِصرَ ليْلًا فأَمَر موسى قومَه أنْ يُسرِجوا في بيوتَهم إلى الصُبحِ، وأَخرجَ اللهُ تعالى كلَّ وَلَدِ زِنا في القُبْطِ مِن بني إسرائيلَ إليهم، وكلَّ ولَدِ زِنا في بني إسرائيلَ مِن القُبط إلى القُبطِ حتّى رَجَعَ كلٌّ إلى أبيه، وأَلقى الله الموت على القبط فمات كلُّ بِكْرٍ لهم واشْتَغَلوا بِدَفْنِهم حتى أصبحوا وطلعت الشمسُ، وخرج موسى عليه السلام في بني إسرائيل. فلمّا أَرادوا السيرَ ضُرِبَ عليهم التِيهُ فلم يَدْروا أين يذهبون فدعا موسى مشيخةَ بني إسرائيلَ وسألهم عن ذلك فقالوا: إنَّ يوسفَ ـ عليه السلام ـ لمّا حَضَرَهُ الموتُ أَخَذَ على إِخوتِه عَهْداً أنْ لا يَخرجوا مِن مِصرَ حتى يُخرِجوهُ معهم فلِذلك انْسَدَّ علينا الطريق، فسألهم عن موضع قبرِه فلم يَعلموا، فقام موسى يُنادي : أَنشُدُ اللهَ كلَّ مَنْ يَعلَمُ أين مَوْضِعُ قبرِ يُوسُفَ عليه السلامُ إلّا أَخبرني به؟ حتّى سمعتْه عجوزٌ فقالت: أرأيتَك إنْ دَلَلْتُك على قبرِه أَتُعطيني كلَّ ما سَأَلْتُك؟ فأبى عليها وقال: حتّى أسألَ ربّي، فأَمرَه اللهُ تعالى بإيتائها سُؤلَها فقالت: إنّي عَجوزٌ كبيرةٌ لا أستطيعُ المَشْيَ فاحْمِلْني وأَخرجْني مِن مِصْرَ، هذا في الدنيا وأمّا في الآخرة فأسألك أنْ لا تَنزِلَ غُرفَةً مِن الجنّة إلّا نزلتُها معك قال: نَعم قالتْ: إنَّه في جَوفِ الماءِ في النيلِ فادْعُ اللهَ حتّى يَحْسرَ عنه الماءَ، فدعا اللهَ تعالى فحَسَرَ عنه الماءَ، ودعا أنْ يُؤخَّرَ طُلوعُ الفَجرِ إلى أنْ يَفرُغ من أمرِ يوسُفَ ـ عليه السلام ـ فحفرَ موسى ـ عليه السلامُ ـ ذلك المَوضِعَ واستخرَجَه في صُندوقٍ مِن مَرْمَرٍ، وحَمَلَه حتّى دَفَنَه بالشام، ففُتِحَ لهم الطريقُ فساروا وموسى عليه السلام يَسيرُ آخِرًا تَواضُعا منه ـ عليه السلام ـ وهارون على مُقدَّمتهم، أمّا فِرعَوْنُ فجَمع قومَه وأَمَرَهم أنْ لا يخرُجوا في طَلَبِ بني إسرائيلَ حتّى يَصيحَ الدّيكُ، فلمّا صاحَ دِيكُ تلكَ الليلةِ، خرجَ فِرعونُ في طلَبِ بَني إسرائيلَ وعلى مقدَّمتهم هامانُ، فسارت بَنو إسرائيلَ حتّى وَصَلوا إلى البحر، وهو بحرُ فارس، فنظروا فإذا هُمْ بِفِرْعَونَ حين أَشْرَقَتِ الشمسُ فبَقوا مُتحيِّرين فقالوا: يا موسى كيف نَصنَعُ؟ وأين ما وعدتَنا؟ هذا فرعونُ خَلْفَنا إنْ أدرَكَنا قَتَلَنا! والبحرُ أمامَنا إنْ دخلناه غَرِقْنا؟ قال الله تعالى: {فلمّا تَراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون * قال موسى كلّا إنَّ معيَ ربي سيُهدين". فأوحى اللهُ إليه أَنْ اضْرِبْ بعصاكَ البحرَ فضَرَبَه فانْفَلَقَ فكان كلُّ فِرْقٍ كالطَّوْدِ العظيم، وظهرَ فيه اثنا عشر طريقاً لكلِّ سِبْطٍ طريقٌ وارتَفَعَ الماءُ بين كلِّ طريقين كالجبلِ وأرسل اللهُ الريحَ والشمسَ على قعْرِ البحرِ حتّى صارَ يَبَساً فخاضت بنو إسرائيل البحرَ، كلُّ سِبْطٍ في طريق، وعنْ جانِبَيْهم الماءُ كالجَبَلِ الضَّخْمِ ولا يَرى بعضُهم بعضاً، فخافوا وقال كلُّ سِبط: قد قُتِلَ إخْوانُنا فأَوحى اللهُ تعالى إلى جِبالِ الماءِ: أنْ تَشَبَّكي، فصار الماءُ شَبَكاتٍ كالطبقاتِ يَرى بعضُهم بعضاً ويسمَعُ بعضُهم كلامَ بعضٍ حتّى عَبَروا البحرَ سالمين. فذلك قولُه تعالى {وإذ فرقنا بكم البحر فَأَنْجَيْنَاكُم وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ} وذلك أنَّ فِرعَوْنَ لمّا وصلَ إلى البَحرِ رآه مُنفلِقاً فقال لقومه: انظروا إلى البحر انفلق من هَيبَتي حتّى أُدرِك عَبِيدِي الذين أَبَقُوا، اُدْخُلوا البحرَ فهابَ قومُه أنْ يدخلوه وقيل: قالوا له إن كنتَ ربّاً فادخلِ البحرَ كما دَخَلَ موسى، وكان فرعوْنُ على حصانٍ أَدْهَمٍ ولم يكن في خيلِ فِرعون فرسٌ أُنثى فجاءَ جِبريلُ على فَرَسٍ أُنثى فتقدَّمهم وخاضَ البحرَ فلمّا شمَّ حصانُ فِرْعوْنَ ريحَها اقْتَحَمَ البحرَ في أَثَرِها وهم لا يَرونَه ولم يَملك فرعونُ مِن أمرِهِ شيئًا وهو لا يَرى فرسَ جِبريل، واقتَحَمَتْ الخيولُ جُملةً خلفَه، وجاء مِيكائيلُ على فَرَسٍ خَلفَ القومِ يَشحذًهم ويَسوقُهم حتّى لا يَشذَّ رجلٌ منهم، ويقول لهم: الحقوا بأصحابِكم حتّى خاضوا كلُّهم البحر، وخرج جبريل من البحر، وهم أوَّلُهم بالخروج فأمرَ اللهُ تعالى البحرَ أنْ يأخذَهم، فالتطَمَ عليهم وغَرَّقهم أجمعين، وذلك بِمَرأى مِن بَني إسرائيلَ فذلك قولُه تعالى: {وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} إلى مَصارِعِهم.
ورَوَى مُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَوَجَدَ الْيَهُودَ صِيَامًا يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي تَصُومُونَهُ)). فَقَالُوا هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ أَنْجَى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ وَغَرَّقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا فَنَحْنُ نَصُومُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ)). فَصَامَهُ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: ((أَنْتُمْ أَحَقُّ بِمُوسَى منهم فصوموا)).
وظَاهِرُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا صَامَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ اقْتِدَاءً بِمُوسَى ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ ـ عَلَى ما أخبرَ بِهِ الْيَهُودُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا رَوَتْهُ السيدة عَائِشَةُ أمُّ المؤمنين ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وأرضاها ـ قَالَتْ: كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يَصُومُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تَرَكَ صِيَامَ يَوْمِ عَاشُورَاءَ فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم.
واخْتُلِفَ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ هَلْ هُوَ التَّاسِعُ مِنَ الْمُحَرَّمِ أَوِ الْعَاشِرُ؟
فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّهُ التَّاسِعُ لِحَدِيثِ الْحَكَمِ بْنِ الْأَعْرَجِ قَالَ:
انْتَهَيْتُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ رِدَاءَهُ فِي زَمْزَمَ فَقُلْتُ لَهُ: أَخْبِرْنِي عَنْ صَوْمِ عَاشُورَاءَ فَقَالَ إِذَا رَأَيْتَ هِلَالَ الْمُحَرَّمِ فَاعْدُدْ وَأَصْبِحْ يَوْمَ التَّاسِعِ صَائِمًا. قُلْتُ: هَكَذَا كَانَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ؟ قَالَ نَعَمْ خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ. وَذَهَبَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ إِلَى أَنَّهُ الْعَاشِرُ. وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَوْمِ عَاشُورَاءَ يَوْمَ الْعَاشِرِ. وحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: صُومُوا التَّاسِعَ وَالْعَاشِرَ وَخَالِفُوا الْيَهُودَ. وَبِهَذَا الْحَدِيثِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ. قَالَ غَيْرُهُ وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ لِلسَّائِلِ: (فَاعْدُدْ وَأَصْبِحْ يَوْمَ التَّاسِعِ صَائِمًا) لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَرْكِ صَوْمِ الْعَاشِرِ بَلْ وَعَدَ أَنْ يَصُومَ التَّاسِعَ مُضَافًا إِلَى الْعَاشِرِ. قَالُوا: فَصِيَامُ الْيَوْمَيْنِ جَمْعٌ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ. وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ لِلْحَكَمِ لَمَّا قَالَ لَهُ: هَكَذَا كَانَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ؟ قَالَ نَعَمْ مَعْنَاهُ أَنْ لَوْ عَاشَ وَإِلَّا فَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَامَ التَّاسِعَ قَطُّ. يُبَيِّنُهُ مَا خَرَّجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ اليوم التاسع)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} مَعْنَاهُ بِأَبْصَارِكُمْ فَيُقَالُ إِنَّ آلَ فِرْعَوْنَ طَفَوْا عَلَى الْمَاءِ فَنَظَرُوا إِلَيْهِمْ يَغْرَقُونَ وَإِلَى أَنْفُسِهِمْ يَنْجُونَ فَفِي
هَذَا أَعْظَمُ الْمِنَّةِ وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُمْ أُخْرِجُوا لَهُمْ حَتَّى رَأَوْهُمْ فَهَذِهِ مِنَّةٌ بَعْدَ مِنَّةٍ. وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَنْجَاهُمْ وَغَرَّقَ عَدُوَّهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ قُلُوبَنَا لَا تَطْمَئِنُّ إِنَّ فِرْعَوْنَ قَدْ غَرِقَ! حَتَّى أَمَرَ اللَّهُ الْبَحْرَ فَلَفَظَهُ فَنَظَرُوا إِلَيْهِ. ذَكَرَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَالَتْ: مَا مَاتَ فِرْعَوْنُ وَمَا كَانَ لِيَمُوتَ أَبَدًا! قَالَ فَلَمَّا أَنْ سَمِعَ اللَّهُ تَكْذِيبَهُمْ نَبِيَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَمَى بِهِ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ كَأَنَّهُ ثَوْرٌ أَحْمَرُ يَتَرَاءَاهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ فَلَمَّا اطْمَأَنُّوا وَبُعِثُوا مِنْ طَرِيقِ الْبَرِّ إِلَى مَدَائِنِ فِرْعَوْنَ حَتَّى نَقَلُوا كُنُوزَهُ وَغَرِقُوا فِي النِّعْمَةِ، ورَأَوْا قَوْمًا يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ حَتَّى زَجَرَهُمْ مُوسَى وَقَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ أَيْ عَالَمِي زَمَانِهِ. ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَسِيرُوا إِلَى الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ الَّتِي كَانَتْ مَسَاكِنَ آبَائِهِمْ وَيَتَطَهَّرُوا مِنْ أَرْضِ فِرْعَوْنَ. وَكَانَتِ الْأَرْضُ الْمُقَدَّسَةُ فِي أَيْدِي الْجَبَّارِينَ قَدْ غُلِبُوا عَلَيْهَا فَاحْتَاجُوا إِلَى دَفْعِهِمْ عَنْهَا بِالْقِتَالِ فَقَالُوا أَتُرِيدُ أَنْ تَجْعَلَنَا لُحْمَةً لِلْجَبَّارِينَ! فَلَوْ أَنَّكَ تَرَكْتَنَا فِي يَدِ فرعون كان خيرًا لنا قال: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} المائدة: 21. إِلَى قَوْلِهِ: {قاعِدُونَ} حَتَّى دَعَا عَلَيْهِمْ وَسَمَّاهُمْ فَاسْقِينَ فَبَقُوا فِي التِّيهِ أَرْبَعِينَ سَنَةً عُقُوبَةً ثُمَّ رَحِمَهُمْ فَمَنَّ عَلَيْهِمْ بِالسَّلْوَى وَبِالْغَمَامِ، ثُمَّ لَمَّا مَاتَ هَارُونُ قَالُوا لَهُ: أَنْتَ قَتَلْتَ هَارُونَ وَحَسَدْتَهُ حَتَّى نَزَلَتِ الْمَلَائِكَةُ بِسَرِيرِهِ وَهَارُونُ مَيِّتٌ عَلَيْهِ. ثُمَّ سَأَلُوهُ أَنْ يَعْلَمُوا أية في قبول قربانهم فجعلت نار تجئ مِنَ السَّمَاءِ فَتَقْبَلُ قُرْبَانَهُمْ ثُمَّ سَأَلُوهُ أَنْ بَيِّنْ لَنَا كَفَّارَاتِ ذُنُوبِنَا فِي الدُّنْيَا فَكَانَ مَنْ أَذْنَبَ ذَنْبًا أَصْبَحَ عَلَى بَابِهِ مَكْتُوبٌ ((عَمِلْتَ كَذَا وَكَفَّارَتُهُ قَطْعُ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِكَ)). يُسَمِّيهِ لَهُ وَمَنْ أَصَابَهُ بَوْلٌ لَمْ يَطْهُرْ حَتَّى يَقْرِضَهُ وَيُزِيلَ جِلْدَتَهُ مِنْ بَدَنِهِ ثُمَّ بَدَّلُوا التَّوْرَاةَ وَافْتَرَوْا عَلَى اللَّهِ وَكَتَبُوا بِأَيْدِيهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ عَرَضًا ثُمَّ صَارَ أَمْرُهُمْ إِلَى أَنْ قَتَلُوا أَنْبِيَاءَهُمْ وَرُسُلَهُمْ. فَهَذِهِ مُعَامَلَتُهُمْ مَعَ رَبِّهِمْ وَسِيرَتُهُمْ فِي دِينِهِمْ وَسُوءُ أَخْلَاقِهِمْ. وَسَيَأْتِي بَيَانُ كُلِّ فَصْلٍ مِنْ هَذِهِ الْفُصُولِ مُسْتَوْفًى فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَفِي إخْبَارِ الْقُرْآنِ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِهَذِهِ الْمُغَيَّبَاتِ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مِنْ عِلْمِ الْعَرَبِ وَلَا وَقَعَتْ إِلَّا فِي حَقِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عِنْدَ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَائِمٌ عَلَيْهِمْ بِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قوله: {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ البحر} إِذْ: فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ "بكم" الظاهرُ أنَّ الباءَ على بابها مِنْ كونِها داخِلةً على الآلةِ فكأنّه فَرَق بهم كما يُفْرَقُ بين الشيئين بما تَوَسَّطَ بينَهما. ويجوزُ أنْ تَكونَ المُعَدِّيةَ كقولِك: ذهبتُ بزيدٍ، فيكونُ التقديرُ: أَفْرَقْناكم البحرَ، ويكونُ بمعنى: {وَجَاوَزْنَا ببني إِسْرَآئِيلَ البحر} الأعراف: 138 وهذا قريبٌ من الأولِ. ويحوزُ أن تكونَ الباءُ للسببيَّة، أي: بسببِكم، ويجوزُ أنْ تَكونَ للحالِ مِنَ "البحر" أَيْ: فَرَقْناهُ مُلْتَبِساً بكم، وهو كقولِ المتنبي:
فمَرَّتْ غيرَ نافِرَةٍ عليهمْ ........... . . ... تَدُوس بنا الجماجِمَ والتَّريبا
أي: تدوسُها ونحن راكبوها. والبيت من قصيدة يمدح بها علي بن
محمد بن سيار بن مكرم التميمي، أَوَّلها:
ضُروبُ النَّاسِ..عُشَّاقٌ ضُرُوباً ................. فأَعْذَرُهُمْ أَشَفَّهمُ حَبيبَا
وما سَكني سِوَى قَتْلِ الأَعادِي ............ فهلْ من زَوْرَةٍ تَشْفي القُلُوبَا
تظلُّ الطَّيْرُ منها في حَديثٍ .................. تردُّ به الصَّرَاصِرَ والنعيبَا
وقد لبسَتْ دِماؤُهُمُ عليهمْ ................. حِداداً ما تَشُقُّ لها جُيوبَا
كأَنَّ خُيولَنا كانتْ قَديماً .................. تُسَقَّى في قُحوفِهِمُ الحَليبَا
فمَرَّتْ غيرَ نافِرَةٍ عليهمْ .................. تَدوسُ بِنا الجَماجِمَ والتّريبَا
قوله: {وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ} جملةٌ من مبتدأٍ وخَبرٍ في محلِّ نصبٍ على الحال من "آلِ فرعوْن" والعاملُ "أَغْرقنا"، ويجوزُ أنْ يكونَ حالاً من مفعولِ "أنْجَيْناكم".
عبد القادر الأسود
عبد القادر الأسود
أرمنازي - عضو شرف
أرمنازي - عضو شرف

عدد المساهمات : 932
نقاط : 2771
السٌّمعَة : 15
تاريخ التسجيل : 08/06/2010
العمر : 76
الموقع : http://abdalkaderaswad.spaces.live.com

http://abdalkaderaswad.wordpress.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى