منتدى مدينة أرمناز العام
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

فيض العليم ... سورة المائدة، الآية: 69

اذهب الى الأسفل

فيض العليم ... سورة المائدة، الآية: 69 Empty فيض العليم ... سورة المائدة، الآية: 69

مُساهمة من طرف عبد القادر الأسود السبت سبتمبر 21, 2013 7:23 pm

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحًا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ. (69)
قولُه ـ تعالى شأنُه: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى} كلامٌ مُسْتًأْنَفٌ مَسُوقٌ للتَرغيبِ في الإيمانِ والعملِ الصالحِ، يُبَيِّنُ لنا أنَّ أَساسَ النَجاةِ وذَريعةَ الثَوابِ، ومَنْعِ العِقابِ الإيمانُ باللهِ واليومِ الآخِرِ والعملُ الصالحُ واستِشعارُ خَشيةِ اللهِ واتِّقاءُ عذابِه، وإطاعةُ ما أَمَرَ، والانْتِهاءُ عمَّا نَهى عنْه وزَجرَ. ولا يَنْظُرُ في ذلك إلى سابِقِ ما كانوا يَتَدَيَّنون، ولا إلى ما كانوا يَنْتَحلون مِنْ نِحَلٍ، فكَما أَنَّه لَا تَفْرِقَةَ أمَامَ اللهِ تعالى بالجِنْسِيَّةِ لَا تفْرِقَة أيضًا بالنِحْلَة والمِلَّةِ إذا آمنوا باللهِ واليومِ الآخِرِ،
فقد ذكرَ هنا أربعةَ أصنافٍ هُمُ الذين آمنوا واليهودُ والصابئون والنَصارى.
فالذين آمنوا هم الذين أَذعَنوا للحَقِّ، وآمنوا بما جاءَ بِه مُحمَّدٌ ـ صلى الله عليه وسلَّمَ ـ وصَدَّقوهُ، وأَطاعوه وهمُ المسلمون. وقد ابتدأَ القرآنُ الكريمُ بهم لِشرَفِهم وعُلُوِّ مَنزِلَتِهم ولِلإِشعارِ بأنَّ دينَ الإِسلامِ دِينٌ قائمٌ على أنَّ الفوزَ برضا اللهِ ـ سبحانه وتعالى ـ لا يُنالُ إلَّا بالإِيمانِ الصادِقِ والعَمَلِ الصالحِ، ولا فَضْلَ لأُمَّةٍ على أُمَّةٍ إلَّا بِذلك.
واليهودُ همُ بَنُو إسرائيلَ، سُمُّوا يَهودًا نِسْبَةً إلى يَهوذا أَكْبَرِ أَوْلادِ يعقوبَ ـ عليِه السَلامُ ـ وقد قُلِبَتْ الذالُ في كلِمةَ يَهوذا دالًا في التَعريب. أوْ أنهم سُمُّوا بذلك حينَ تابوا مِنْ عِبادَةِ العِجْلِ مِنْ هاد يَهُودُ هَوْدًا بمَعنى تابَ، ومنْه قولُه ـ تعالى: {إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} أيْ: إنّا تُبْنا إليك ورَجَعْنا. وهُمْ شَرُّ البَرِيَّةِ أَعمالًا فإذا أَقلعوا عنها، فبابُ الرَّحمةِ مفتوحٌ يَدخُلُهُ كلُّ عِبادِ اللهِ تَعالى، كما نصَّت هذه الآيةُ الكريمةُ.
والصابئون أوِ الصابِئَةُ من صَبَا الظَلْفُ والنابُ والنَّجْمُ ـ ك "مَنَعَ" و"كَرُمَ" ـ إذا طَلَعَ، وهم طائفةٌ ظهرتْ في بلادِ المَشْرِقِ، يَزعمونَ أنَّهم على دينِ صابئٍ بْنِ شِيثَ بْنِ آدمَ، قيلَ إنَّهم يعبُدونَ الكَواكِبَ، وبعضُهم قال: إنَّهم يُقدِّسُونَها مِنْ غيرِ عِبادةٍ، ولا يُخرِجُهم ذلك عن الشَرْكِ؛ لأنَّ تقديسَ ما لَا سَبَبَ لِتَقديسِهِ نوعٌ مِنَ العِبادَةِ، وإنْ لم يَكنْ بالصلاةِ لها. وَقَيلِ بَلْ إنَّهُمْ يعبُدون الملائِكَةَ وَيقرؤُونَ الزَّبورَ. وقد ادَّعوا النصرانيَّةَ في عهدِ المأمون، فإنَّه التَقى بهم في إحدى الغزوات، فسألهم من أيِّ أهلِ الذِمَّةِ أنتم؟ قالوا: صابئةٌ، فقال: لَا بُدَّ أنْ تَدخلوا في دِينٍ مِنَ الأدْيانِ السَماويَّةِ أوْ أُخْرِجَكمْ مِنْ ديارِ الإسْلامِ، لأنَّه لا عَقْدَ ذِمَّةٍ إلَّا مَعَ أَهْلِ دِينٍ سَمَاوِيٍّ، (وهو أشهرُ الآراءِ الفقهيَّةِ) فاختارَ الأَكثَرونَ مِنْهم أَنْ يَنْتَحِلوا اسْمَ النَصرانِيَّةِ، ومنهم مَنْ بَقِيَ على عِبادَةِ الكَواكِبِ، وإنْ أَظْهَروا غيرَ ما يَعتقِدون، ومِنهمْ مَنْ خَلَطَ بيْنَ النَصْرانِيَّةِ، وما بَقِيَ لهم مِنْ بَقايا تَقديسِ الكَواكِبِ، وهُمْ الأَكْثَرُ كتمًا إليك لِعَقائدِهم ولا تَزالُ بَقيَّةٌ باقيةٌ مِنهم في تُخُومِ العِراقِ، ولا يَستَطيعُ أَحَدٌ أنْ يَجْزِمَ بحقيقةِ اعتقادِهم.
ثمَّ الفِئةُ الرابعةُ والأخيرةُ مِنَ الفِئاتِ التي ذَكَرَها الله تعالى في هذه الآيةِ الكريمةِ أيْ فئةُ النَصارى، وهُمْ طوائفُ مُختلِفَةٌ، تَجْمَعُهم أُلُوهِيَّةُ المَسيحِ ـ عليه السلامُ ـ والتثليثُ، وهم مُتَفَرِّقون فيما وراءَ ذلك ما بَيْنَ كاثوليكَ ومَلْكانيَّةِ، وأقباط، وأَرثوذُكس، وطوائفَ غربيَّةٍ، ونَساطِرَةِ ومارون، وغيرهم.
قولُه: {مَنْ آمَنَ بالله واليوم الآخِرِ وعمل صالحًا} فسَّرَهُ بعضُ العُلماءِ بالنِسبَةِ لليهودِ والنَّصارى والصابئينَ بِمَعْنى صُدُورِ الإِيمانِ منهم على النحوِ الذي قرَّرَهُ الإِسلامُ. فمَن لم تَبْلُغُه مِنهمْ دَعْوَةُ الإِسلامِ، وكان يَنتَمي إلى دينٍ صحيحٍ في أَصْلِهِ بِحَيْثُ يُؤمِنُ باللهِ واليومِ الآخرِ ويأتي صالِحَ الأعمال على الوَجْهِ الذي يُرْشِدُهُ إليْه دينُه، فلَهُ أَجْرُهُ على ذَلك عندَ رَبِّه. أما الذين بلغتهم دعوة الإِسلام من تلك الفرق ولكنهم لم يَقبَلوها؛ فإنَّهم لا يكونون ناجين مِنْ عذابِ اللهِ مهما ادَّعوا أنَّهم يُؤمنون بغيرِها؛ لأنَّ شريعةَ الإِسلامِ قد نَسَخَتْ ما قبلَها، والرسولُ ـ صلى الله عليه
وسلَّم ـ قال: ((لو كانَ موسى حيًّا ما وَسِعَهُ إلَّا اتِّباعي)).
قوله تعالى: {والصابئون} الجمهورُ على قراءتِه بالواوِ، وكذلك هو في مَصاحِفِ الأَمْصارِ. وفي رَفعِهِ تسعةُ أَوْجُهٍ، أَحَدُها: وهو قولُ جُمهورِ أهلِ البَصْرَةِ: (الخليلُ وسِيبويْهِ وأَتباعُهما) أنَّه مَرْفوعٌ بالابْتِداءِ وخبرُه محذوفٌ لدَلالةِ خبرِ الأوَّلِ عليْه، والنيةُ بِهِ التَأْخيرُ، والتقدير: إنَّ الذين آمنوا والذين هادُوا مَنْ آمنَ بهم إلى آخرِه والصابئون كذلك، ونحوه: "إنَّ زيدًا وعمروٌ قائمٌ" أي: إنَّ زيدًا قائمٌ وعمرُو قائمٌ، فإذا فَعَلْنا ذلك فهل الحذفُ مِنَ الأوَّلِ أيْ: يكونُ خبرُ الثاني مُثْبَتًا، والتَقديرُ: إنَّ زيدًا قائمٌ وعمروٌ قائمٌ، فحذف "قائم" الأوَّلُ أو بالعكس؟ قولان مَشهوران، وقد وَرَدَ كلٌّ منهُما: قال قيس بْنُ الخَطيمِ:
نحنُ بما عِنْدنا وأنتَ بما ................... عندَك راضٍ والرأيُ مختلفُ
أي: نحنُ رضوان، وعَكْسُه قولُ ضابئٍ بْنِ الحارثِ البَرجَمي:
فمن يكُ أمسى بالمدينة رَحْلهُ .................... فإني وقَيَّار بها لَغَريبُ
التقدير: وقيارٌ بها كذلك، فإن قيل: لِمَ لا يجوزُ أَنْ يكونَ الحذفُ من الأول أيضاً؟ فالجوابُ أنه يلزم من ذلك دخولُ اللام في خبر المبتدأ غيرِ المنسوخِ بـ "إنَّ" وهو قليلٌ لا يقع إلا في ضرورة شعر، فالآية يجوزُ فيها هذان التقديران على التخريج. قال الزمخشري: "والصابئون" رفعٌ على الابتداء، وخبرُه محذوفٌ، والنيَّةُ بِهِ التأخيرُ عَمَّا في حَيِّزِ "إنَّ" مِنِ اسْمِها وخَبَرِها، كأنَّه قيل: إنَّ الذين آمنوا والذين هادوا والنَصارى حُكمُهم كذلك والصابئون كذلك، وأَنْشَدَ سيبويْهِ شاهدًا على ذلك فولَ بِشْرٍ بْنِ أبي خازِمٍ الأَسَديِّ:
وإلاَّ فاعلَمُوا أنَّا وأنتمْ ........................... بُغاةٌ ما بَقِينا في شِقاقِ
أي: فاعلموا أنَّا بُغاةٌ وأَنتم كذلك. ثمَّ قالَ بعدَ كلامٍ، فإنْ قلتَ: فقولُه "والصابئون" معطوفٌ لا بُدَّ لَه مِن معطوفٍ عليه فما هو؟ قلت: هو معَ خبرِه المَحذوفِ جُملةٌ مَعطوفةٌ على جُملةِ قوله: "إِنَّ الذين آمَنُواْ" إلى آخره، ولا محلَّ لها كما لا مَحَلَّ للَّتي عُطِفَتْ عليها. فإن قلتَ: فالتقديمُ والتأخيرُ لا يَكون إلَّا لِفائدةٍ فما هي؟ قلتُ: فائدتُه التنبيهُ على أنَّ الصابئين يُتابُ عليهم إنْ صَحَّ مِنْهُمُ الإِيمانُ والعملُ الصالحُ فما الظنُّ بغيرِهِم؟ وذلك أنَّ الصابئين أبَيَنُ ضلالًا من هؤلاءِ المَعدودينَ وأشدُّهم عِتِيًّا، وما سُمُّوا صابئين إلَّا أَنَّهم صَبَؤوا على الأديان كلِّها أَيْ: خَرَجوا، كما أنَّ الشاعرَ قدَّمَ قولَهُ: "وأنتم" تنبيهًا على أنَّ المُخاطَبين أَوْغَلُ في الوصف بالبَغْيِ مِنْ قومِهِ، حيثُ عجَلَ بِه قبلَ الخَبَرِ الذي هو "بُغاةٌ"؛ لِئَلَّا يدخُلَ قومُه في البَغْيِ قبلَهم مَعَ كونِهم أَوْغَلَ فيه مِنْهم وأَثبت قدَمًاً. فإنْ قلتَ: فلو قيل: "والصابئين وإياكم" لكانَ التقديمُ حاصِلًا. قلتُ: لو قيل هكذا لم يَكُنْ مِنَ التَقديمِ في شيءٍ لأنَّه لا إزالةَ فيه عن مَوضِعِهِ، وإنَّما يُقالُ مُقَدَّمٌ ومُؤخَّرٌ للمُزالِ لا للقارِّ في مَكانِه، وتجري هذه الجُملةُ مَجْرى الاعتِراضِ.
عبد القادر الأسود
عبد القادر الأسود
أرمنازي - عضو شرف
أرمنازي - عضو شرف

عدد المساهمات : 932
نقاط : 2771
السٌّمعَة : 15
تاريخ التسجيل : 08/06/2010
العمر : 76
الموقع : http://abdalkaderaswad.spaces.live.com

http://abdalkaderaswad.wordpress.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى