منتدى مدينة أرمناز العام
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 1

اذهب الى الأسفل

الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 1 Empty الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 1

مُساهمة من طرف عبد القادر الأسود السبت ديسمبر 08, 2018 9:27 pm

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ
(1)
قولُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا} الِافْتِتَاحُ بِهذهِ الكَلِمَةِ مُؤْذِنٌ بِخَبَرٍ عَظيمٍ عَجِيبٍ، يَدُلُّ عَلَى عَظِيمِ قُدْرَةِ الْمُتَكَلِّمِ ـ سُبْحانَهُ وتَعَالى، وَرَفِيعِ مَنْزِلَةِ الْمُتَحَدَّثِ عَنْهُ، سَيُلْقَى هذا الخَبَرُ عَلى مَسامِعِ السَّامِعُينَ. فَإِنَّ جُمْلَةَ التَّسْبِيحِ فِي كَلَامٍ لَا يَكونُ فِيهِ مَا يُوهِمُ تَشْبِيهًا، أَوْ تَنْقِيصًا لَا يَلِيقَانِ بِجَلَالِ اللهِ تَعَالَى وعَظَمَتِه، كَقَوْلِهِ ـ جَلَّ وعَلَا، مِنْ سُورَةِ الصافَّاتِ: {سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ} الآيةَ: 180، يَتَعَيَّنُ أَنْ تَكُونَ مُسْتَعْمَلَةً فِي أَكْثَر مِنَ التَّنْزِيه، وَذَلِكَ هُوَ التَّعْجِيبُ مِنَ الْخَبَرِ الْمُتَحَدَّثِ بِهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالى في الآيةَ: 16، مِنْ سُورَةِ النُورِ: {قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ هَذَا بُهْتانٌ عَظِيمٌ}، وَمنهُ أَيْضًا قَوْلِ أَعْشَى بَنِي تَميمٍ:
قَدْ قُلْتُ لَمَّا جَاءَنِي فَخْرُهُ .................. سُبْحَانَ مِنْ عَلْقَمَةَ الْفَاخِرِ
وَلَمَّا كَانَ هَذَا الْكَلَامُ مِنْ جَانِبِ اللهِ تَعَالَى وَالتَّسْبِيحُ صَادِرًا مِنْهُ كَانَ الْمَعْنَى تَعْجِيبَ السَّامِعينَ، لِأَنَّ التَّعَجُّبَ مُسْتَحِيلَةٌ حَقِيقَتُهُ عَلَى اللهِ لَا لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ فِي مَحَامِلِ الْكَلَامِ الْبَلِيغِ لِإِمْكَانِ الرُّجُوعِ إِلَى التَّمْثِيلِ، مِثْلُ مَجِيءِ الرَّجَاءِ فِي كَلَامِهِ تَعَالَى نَحْوُ قولِهِ مِنْ سورةِ البقرةِ: {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} الْآية: 189، بَلْ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ تَعَجُّبُ الْمُتَكَلِّمِ مِنْ فِعْلِ نَفْسِهِ، فَيَكُونُ مَعْنَى التَّعْجِيبِ فِيهِ مِنْ قَبِيلِ قَوْلِكَ: أَتَعْجَبُ مِنْ قَوْلِ فُلَانٍ كَيْتَ وَكَيْتَ. وَوَجْهُ هَذَا الِاسْتِعْمَالِ أَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يَكُونَ التَّسْبِيحُ عِنْدَ ظُهُورِ مَا يَدُلُّ عَلَى إِبْطَالِ مَا لَا يَلِيقُ بِاللهِ تَعَالَى. وَلَمَّا كَانَ ظُهُورُ مَا يَدُلُّ عَلَى عَظِيمِ قُدْرَتِهِ تعالى مُزِيلًا لِلشَّكِّ فِي هذِهِ القُدْرَةِ. نافيًا الْإِشْرَاكَ بِهِ، كَانَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَنْطِقَ الْمُتَأَمِّلُ بِتَسْبِيحِهِ ـ جلَّ وعَلَا، أَيْ تَنْزِيهِهِ عَنِ الضَعفِ والْعَجْزِ والحاجَةِ إلى غَيْرِهِ. وَأَصْلُ صِيَغِ التَّسْبِيحِ هُوَ كَلِمَةُ "سُبْحَانَ اللهِ" الَّتِي نُحِتْ مِنْهَا (السَّبْحَلَةُ). وَوَقَعَ التَّصَرُّفُ فِي صِيَغِهَا بِالْإِضْمَارِ نَحْوُ: "سُبْحَانَكَ" وَ "سُبْحَانَهُ"، وَبِالْمَوْصُولِ نَحْوُ قولِهِ في هذهِ الآيةِ الكريمةِ: "سبحانَ الذي أَسُرَى بَعَبْدِهِ"، وقولِهِ تَعَالى مِنْ سُورةِ يَس: {سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها ممَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ} الآية: 36.
ومَعَ أَنَّ الإِسْراءَ لا يَكونُ إِلَّا لَيْلًا فَقَدْ قَالَ "لَيْلًا" بِالتَنْكيَرِ، لِتَقليلَ مُدَّةِ الإِسْرَاءِ، وأَنَّهُ ـ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، أُسْرِي بِهِ فِي بَعْضِ الليلِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى بلادِ الشَّامِ، وهي عَلى مَسِيَرَةِ أَرْبَعينَ لَيَلَةً؛ وَذلك لأَنَّ التنكيرَ دَلَّ عَلَى البَعْضِيَّةِ، وَيَشْهد لِذَلِكَ قِراءَةُ عَبْدِ اللهِ بنِ مسعودٍ، وحُذَيْفَةَ بْنِ اليَمَانِي ـ رَضيَ اللهُ عَنْهُما: "سُبْحانَ الذي أَسْرَى بِعَبْدِهِ مِنَ اللَّيْلِ مِنَ المَسْجِدِ الحَرامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى"، أَيْ: مِنْ بِعَضِهِ، كَقَولِهِ تَعَالى في الآيةِ: 79 مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ المُباركةِ: "وَمِنَ الليل فَتَهَجَّدْ بِهِ نافلةً لَكَ".
ويقالُ "سَرَى" وَ "أَسْرى، بمعنى كَ "سَقَى" وَ أَسْقَى"، والهمزَةُ هُنا لَيْسَتِ للتَعْدِيَةِ، وإِنَّما المُعَدَّي هو الباءُ في "بِعَبْدِهِ"، فَهي لا تَقْتضي مُصَاحَبَةَ الفاعِلِ للمَفْعولِ، خلافًا لِلْمُبَرِّدِ وَالسُهَيْلِيِّ، فإِنَّ لَهُمَا نُكْتَةٌ فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَ التَّعْدِيَةِ بِالْهَمْزَةِ وَالتَّعْدِيَةِ بِالْبَاءِ، بِأَنَّ الثَّانِيَةَ أَبْلَغُ لِأَنَّهَا فِي أَصْلِ الْوَضْعِ تَقْتَضِي مُشَارَكَةَ الْفَاعِلِ الْمَفْعُولَ فِي الْفِعْلِ، فَأَصْلُ (ذَهَبَ بِهِ) أَنَّهُ اسْتَصْحَبَهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى في الآية: 29، مِنْ سُورةِ الْقَصَص: {وَسارَ بِأَهْلِهِ}. وَقَالَتِ الْعَرَبُ أَشْبَعَ بِهُمْ شَتْمًا، وَرَاحُوا بِالْإِبِلِ. وَفِي هَذَا لَطِيفَةٌ تُنَاسِبُ الْمَقَامَ هُنَا، إِذْ قَالَ أَسْرَى بِعَبْدِهِ دُونَ سَرَى بِعَبْدِهِ، وَهِيَ الإشارةُ إِلَى أَنَّ اللهَ تَعَالَى كَانَ مَعَ رَسُولِهِ فِي إِسْرَائِهِ بِعِنَايَتِهِ وَتَوْفِيقِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى مِنْ سُورةِ الطُّور: {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} الآية: 48، وَقَالَ في الآية: 40، منْ سورةِ التَوْبَةِ: {إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا}. فَالْمَعْنَى: الَّذِي جَعَلَ عَبْدَهُ مُسْرَيًا، أَيْ سَارِيًا، وَهُوَ كَقَوْلِهِ مِنْ سورةِ هُودٍ: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ} الآية: 81. وزَعَمَ ابْنُ عطيَّةَ أَنَّ مَفْعولَ "أَسْرى" مَحذوفٌ، وأَنَّ التَعْدِيَةَ هُنَا بالهمزَةَ فقالَ: ويَظْهر أنَّ "أَسْرى" مُعَدَّاةٌ بالهمزةِ إلى مفعولٍ محذوف، أيْ: أَسْرَى الملائكةُ بِعَبْدِهِ، لأَنَّهُ يُقْلِقُ أَنْ يُسْنَدَ "أَسرى" وهوَ بِمَعْنَى "سَرَى" إِلَى اللهِ تَعَالَى؛ إِذْ هُوَ فِعْلٌ يَقْتَضي النَّقْلَةَ، كَ "مَشَى" و "جَرَى" و "أَحْضَرَ" و "انْتَقَلَ"، فلا يَحْسُنُ إِسْنَادُ شَيْءٍ مِنْ هَذَا إِلى اللهِ تَعَالى مَعَ وُجُودِ مَنْدوحةٍ عَنْهُ، فإِذا وَقَعَ فِي الشَّريعَةِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ تَأَوَّلْناهُ، نَحْوَ قولِهِ في الحديث القدسيِّ المعروفِ: (أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً) وغيْرِهِ. وَهَذَا كُلُّهُ إِنَّما بَنَاهُ اعْتِقادًا عَلَى أَنَّ التَعْدِيَةَ بالباءِ تَقْتَضِي مُصَاحَبَةَ الفاعِلِ للمُفْعُولِ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قولُ الجمهورِ في هَذَا بأَنَّ الباءُ في "بِعَبْدِهِ"، لا تَقْتضي مُصَاحَبَةَ الفاعِلِ للمَفْعولِ. ثمَّ جَوَزَّ أَنْ يَكونَ "أَسْرى" بمعنى "سَرَى" على حَذْفِ مضافٍ كقولِهِ تعالى مِنْ سورةِ البقرة: {ذَهَبَ الله بِنُورِهِمْ} الآيةَ: 17، يَعْني فيكون التقدير: الذي أَسْرَى مَلائكتُهُ بعبدِه، والحاملُ لَه عَلى ذَلِكَ ما تقدَّم مِنِ اعْتِقادِ المُصاحَبَةَ.
وَلمَّا كانَ السُّرَى خَاصًّا بِسَيْرِ اللَّيْلِ، كَانَ قَوْلُهُ: "لَيْلًا" إِيمَاءً إِلَى أَنَّهُ إِسْرَاءٌ خَارِقٌ لِلْعَادَةِ لِقَطْعِ الْمَسَافَةِ الَّتِي بَيْنَ مَبْدَأِ السَّيْرِ وَنِهَايَتِهِ فِي بَعْضِ لَيْلَةٍ، وَلِيَتَوَسَّلَ بِذِكْرِ اللَّيْلِ إِلَى تَنْكِيرِهِ الْمُفِيدِ لِلتَّعْظِيمِ. فَتَنْكِيرُ لَيْلًا لِلتَّعْظِيمِ، بِقَرِينَةِ الِاعْتِنَاءِ بِذِكْرِهِ مَعَ عِلْمِهِ مِنْ فِعْلِ أَسْرى، وَبِقَرِينَةِ عَدَمِ تَعْرِيفِهِ، أَيْ هُوَ لَيْلٌ عَظِيمٌ بِاعْتِبَارِ جَعْلِهِ زَمَنًا لِذَلِكَ السُّرَى الْعَظِيمِ، فَقَامَ التَّنْكِيرُ مَقَامَ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّعْظِيمِ. أَلَا تَرَى كَيْفَ احْتِيجَ إِلَى الدَّلَالَةِ عَلَى التَّعْظِيمِ بِصِيغَةٍ خَاصَّةٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى مِنْ ليلةِ القَدْرِ: {إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَما أَدْراكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ} الآيتان: (1 و 2)، إِذْ وَقَعَتْ لَيْلَةُ الْقَدْرِ غَيْرَ مُنَكَّرَةٍ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِين} الآيات: (4 و5 و6) مِنْ سورةِ المُطَفَّفينَ، فَذَلِكَ تَوْكِيدٌ لِأَنَّ المُتَحَدَّثَ عَنْهُم يُنْكِرُونَهُ وَلَا يَعْبَؤُونَ بِمَا أُعِدَّ لَهُم فِيهِ مِنَ الْأَهْوَال.
وَقالَ: "عَبْدِهِ" فأضافَ سيِّدَنا مُحَمَّدًا ـ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، إِلَى ضَمِيرِ الْجَلَالَةِ، كَمَا هُوَ المُصْطَلَحُ الْقُرْآنِيُّ، فَإِنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِيهِ لَفْظُ الْعَبْدِ مُضَافًا إِلَى ضَمِيرِ الْغَيْبَةِ الرَّاجِعِ إِلَى الله تَعَالَى إِلَّا مُرَادًا بِهِ النَّبِي ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تشريفًا لهُ ـ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، في أرفعِ مقامٍ مِنْ مقاماتِ القُرْبِ، للمُلاطَفَةِ والمُؤَانَسَةِ، وَلِأَنَّ خَبَرَ الْإِسْرَاءِ بِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَدْ شَاعَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَشَاعَ إِنْكَارُهُ بَيْنَ الْمُشْرِكِينَ، فَصَارَ الْمُرَادُ بِعَبْدِهِ مَعْلُومًا. فَالْإِضَافَةُ إِضَافَةُ تَشْرِيفٍ، لَا إِضَافَةُ تَعْرِيفٍ، لِأَنَّ وَصْفَ الْعُبُودِيَّةِ للهِ مُتَحَقِّقٌ لِسَائِرِ الْمَخْلُوقَاتِ، فَلَا تُفِيدُ إِضَافَتُهُ تَعْرِيفًا.
وزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ بِرُوحِهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دُونَ جَسَدِهِ، زَاعِمًا أَنَّهُ فِي الْمَنَامِ لَا الْيَقَظَةِ، لِأَنَّ رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ. وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ: أَنَّ الْإِسْرَاءَ بِالْجَسَدِ، وَالْمِعْرَاجَ بِالرُّوحِ دُونَ الْجَسَدِ، وَلَكِنَّ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ بِرُوحِهِ وَجَسَدِهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقَظَةً لَا مَنَامًا، لِأَنَّهُ قَالَ بِعَبْدِهِ وَالْعَبْدُ عِبَارَةٌ عَنْ مَجْمُوعِ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ، وَلِأَنَّهُ قَالَ "سُبْحَانَ" وَالتَّسْبِيحُ إِنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ الْأُمُورِ الْعِظَامِ، فَلَوْ كَانَ مَنَامًا لَمْ يَكُنْ لَهُ كَبِيرُ شَأْنٍ حَتَّى يُتَعَجَّبَ مِنْهُ. وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى في الآية: 17، مِنْ سورة النجم: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} لِأَنَّ الْبَصَرَ مِنْ آلَاتِ الذَّاتِ لَا الرُّوحِ، وَقَوْلُهُ هُنَا: "لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا".
وَمِنْ أَوْضَحِ الْأَدِلَّةِ الْقُرْآنِيَّةِ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ ـ جَلَّ وَعَلَا، في الآية: 60، مِنْ هذهِ السورة المباركةِ: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ}، فَإِنَّهَا رُؤْيَا عَيْنٍ يَقَظَةٍ، لَا رُؤْيَا مَنَامٍ، كَمَا صَحَّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ.
وَمِنَ الْأَدِلَّةِ الْوَاضِحَةِ عَلَى ذَلِكَ: أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ رُؤْيَا مَنَامٍ لَمَا كَانَتْ فِتْنَةً، وَلَا سَبَبًا لِتَكْذِيبِ قُرَيْشٍ، لَأَنَّ رُؤْيَا الْمَنَامِ لَيْسَتْ مَحَلَّ إِنْكَارٍ، لِأَنَّ الْمَنَامَ قَدْ يُرَى فِيهِ مَا لَا يَصِحُّ. فَالَّذِي جَعَلَهُ اللهُ فِتْنَةً هُوَ مَا رَآهُ بِعَيْنِهِ مِنَ الْغَرَائِبِ وَالْعَجَائِبِ.
فَزَعَمَ الْمُشْرِكُونَ أَنَّ مَنِ ادَّعَى رُؤْيَةَ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ فَهُوَ كَاذِبٌ لَا مَحَالَةَ، فَصَارَ فِتْنَةً لَهُمْ. وَكَوْنُ الشَّجَرَةِ الْمُعَلْوَنَةِ الَّتِي هِيَ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ عَلَى التَّحْقِيقِ فِتْنَةً لَهُمْ: "أَنَّ اللهَ لَمَّا أَنْزَلَ قَوْلَهُ مِنْ سُورةِ الصافَّاتِ: {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ} الآية: 64، قَالُوا ظَهَرَ كَذِبُهُ، لِأَنَّ الشَّجَرَ لَا يَنْبُتُ بِالْأَرْضِ الْيَابِسَةِ، فَكَيْفَ يَنْبُتُ فِي أَصْلِ النَّارِ!.
وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ كَوْنِهَا رُؤْيَا عَيْنٍ يَقَظَةٍ قَوْلُهُ تَعَالَى هُنَا: "لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا"، وَقَوْلُهُ مِنْ سُورةِ النَّجْمِ: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} الآيتان: (17 و 18). وَمَا زَعَمَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَنَّ الرُّؤْيَا لَا تُطْلَقُ بِهَذَا اللَّفْظِ لُغَةً إِلَّا عَلَى رُؤْيَا الْمَنَامِ مَرْدُودٌ. بَلِ التَّحْقِيقُ: أَنَّ لَفْظَ الرُّؤْيَا يُطْلَقُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ عَلَى رُؤْيَةِ الْعَيْنِ يَقَظَةً أَيْضًا. وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاعِي النُميري، وَهُوَ عَرَبِيٌّ قُحٌّ:
فَكَبَّرَ لِلرُّؤْيَا وَهَشَّ فُؤَادُهُ ................. وَبَشَّرَ نَفْسًا كَانَ قَبْلُ يَلُومُهَا
فَإِنَّهُ يَعْنِي رُؤْيَةَ صَائِدٍ بِعَيْنِهِ. وَمِنْهُ أَيْضًا قَوْلُ أَبِي الطَّيِّبِ المتنبِّي:
مَضَى اللَّيلُ والفَضْلُ الَّذِي لَكَ لاَ يَمْضِي
وَرُؤْيَاكَ أَحْلَى فِي الْعُيُونِ مِنَ الْغَمْضِ
قالَ ابنُ مَنْظورٍ صاحبُ لسانِ العرب: وَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالرُّؤْيَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ} الآية: 60، رُؤْيَا مَنَامٍ، وَأَنَّهَا هِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللهُ} الْآيَةَ: 27، مِنْ سورة: الفتح، وَالْحَقُّ الْأَوَّلُ. وَرُكُوبُهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى الْبُرَاقِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِسْرَاءَ بِجِسْمِهِ، لِأَنَّ الرُّوحَ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ الرُّكُوبُ عَلَى الدَّوَابِّ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَقَدْ تَوَاتَرَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ عَنْهُ: أَنَّهُ ـ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، أُسَرِيَ بِهِ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، وَأَنَّهُ عُرِجَ بِهِ مِنَ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى حَتَّى جَاوَزَ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ". وَقَدْ دَلَّتِ الْأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ عَلَى أَنَّ الْإِسْرَاءَ وَالْمِعْرَاجَ كِلَيْهِمَا بِجِسْمِهِ وَرُوحِهِ يَقَظَةً لَا مَنَامًا، كَمَا دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا الْآيَاتُ الَّتِي ذَكَرْنَا. وَعَلَى ذَلِكَ مِنْ يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، فَلَا عِبْرَةَ بِمَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ مِنَ الْمُلْحِدِينَ. وَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طَرِيقِ شَرِيكٍ عَنْ أَنَسٍ بْنِ مالكٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ الْإِسْرَاءَ الْمَذْكُورَ وَقَعَ مَنَامًا لَا يُنَافِي مَا ذَكَرْنَا مِمَّا عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَدَلَّتْ عَلَيْهِ نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ رَأَى الْإِسْرَاءَ الْمَذْكُورَ نَوْمًا، ثُمَّ جَاءَتْ تِلْكَ الرُّؤْيَا كَفَلَقِ الصُّبْحِ فَأُسَرِيَ بِهِ يَقَظَةً تَصْدِيقًا لِتِلْكَ الرُّؤْيَا الْمَنَامِيَّةِ. كَمَا رَأَى فِي النَّوْمِ أَنَّهُمْ دَخَلُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، فَجَاءَتْ تِلْكَ الرُّؤْيَا كَفَلَقِ الصُّبْحِ، فَدَخَلُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ عَامَ سَبْعٍ يَقَظَةً لَا مَنَامًا، تَصْدِيقًا لِتِلْكَ الرُّؤْيَا. كَمَا قَالَ تَعَالَى مِنْ سُورةِ الفَتْحِ: {لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللهُ آمِنِينَ} الْآيَةَ: 27، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ الحَدِيثُ الصَّحِيحُ للسيِّدةِ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ ـ رَضِيَ اللهُ عنها: (فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ) مَعَ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالُوا: إِنَّ شَرِيكَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ سَاءَ حِفْظُهُ فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ الْمَذْكُورَةِ عَنْ أَنَسٍ، وَزَادَ فِيهَا وَنَقَصَ، وَقَدَّمَ وَأَخَّرَ. وَرَوَاهَا عَنْ أَنَسٍ غَيْرُهُ مِنَ الْحُفَّاظِ عَلَى الصَّوَابِ، فَلَمْ يَذْكُرُوا الْمَنَامَ الَّذِي ذَكَرَهُ شَرِيكٌ الْمَذْكُورُ. وَانْظُرْ رِوَايَاتِهِمْ بِأَسَانِيدِهَا وَمُتُونِهَا فِي تَفْسِيرِ ابْنِ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى، فَقَدْ جَمَعَ طُرُقَ حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ جَمْعًا حَسَنًا بِإِتْقَانٍ. ثُمَّ قَالَ رَحِمَهُ اللهُ: (وَالْحَقُّ أَنَّهُ ـ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، أُسَرِيَ بِهِ يَقَظَةً لَا مَنَامًا مِنْ مَكَّةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ رَاكِبًا الْبُرَاقَ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى بَابِ الْمَسْجِدِ رَبَطَ الدَّابَّةَ عِنْدَ الْبَابِ وَدَخَلَهُ فَصَلَّى فِي قِبْلَتِهِ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أُتِيَ بِالْمِعْرَاجِ وَهُوَ كَالسُّلَّمِ ذُو دَرَجٍ يَرْقَى فِيهَا، فَصَعِدَ فِيهِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، ثُمَّ إِلَى بَقِيَّةِ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ، فَتَلَقَّاهُ مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ مُقَرَّبُوهَا، وَسَلَّمَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ فِي السَّمَاوَاتِ بِحَسْبِ مَنَازِلِهِمْ وَدَرَجَاتِهِمْ، حَتَّى مَرَّ بِمُوسَى الْكَلِيمِ فِي السَّادِسَةِ، وَإِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ فِي السَّابِعَةِ، ثُمَّ جَاوَزَ مَنْزِلَيْهِمَا ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِمَا وَعَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى مُسْتَوًى يَسْمَعُ فِيهِ صَرِيفَ الْأَقْلَامِ أَيْ: أَقْلَامِ الْقَدَرِ، بِمَا هُوَ كَائِنٌ، وَرَأَى سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى، وَغَشِيَهَا مِنْ أَمْرِ اللهِ تَعَالَى عَظَمَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ فَرَاشٍ مَنْ ذَهَبٍ وَأَلْوَانٍ مُتَعَدِّدَةٍ، وَغَشِيَتْهَا الْمَلَائِكَةُ، وَرَأَى هُنَاكَ جِبْرِيلَ عَلَى صُورَتِهِ وَلَهُ سِتُّمِئَةِ جَنَاحٍ، وَرَأَى رَفْرَفًا أَخْضَرَ قَدْ سَدَّ الْأُفُقَ، وَرَأَى الْبَيْتَ الْمَعْمُورَ، وَإِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ بَانِيَ الْكَعْبَةِ الْأَرْضِيَّةِ مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَيْهِ. لِأَنَّهُ الْكَعْبَةُ السَّمَاوِيَّةُ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ، يَتَعَبَّدُونَ فِيهِ ثُمَّ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَرَأَى الْجَنَّةَ وَالنَّارَ. وَفَرَضَ اللهُ عَلَيْهِ هُنَالِكَ الصَّلَوَاتِ خَمْسِينَ، ثُمَّ خَفَّفَهَا إِلَى خَمْسٍ، رَحْمَةً مِنْهُ وَلُطْفًا بِعِبَادِهِ. وَفِي هَذَا اعْتِنَاءٌ بِشَرَفِ الصَّلَاةِ وَعَظَمَتِهَا. ثُمَّ هَبَطَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَهَبَطَ مَعَهُ الْأَنْبِيَاءُ. فَصَلَّى بِهِمْ فِيهِ لَمَّا حَانَتِ الصَّلَاةُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا الصُّبْحُ مِنْ يَوْمَئِذٍ. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ أَمَّهُمْ فِي السَّمَاءِ، وَالَّذِي تَظَاهَرَتْ بِهِ الرِّوَايَاتُ أَنَّهُ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَلَكِنْ فِي بَعْضِهَا أَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ دُخُولِهِ إِلَيْهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بَعْدَ رُجُوعِهِ إِلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَمَّا مَرَّ بِهِمْ فِي مَنَازِلِهِمْ جَعَلَ يَسْأَلُ عَنْهُمْ جِبْرِيلَ وَاحِدًا وَاحِدًا وَهُوَ يُخْبِرُهُ بِهِمْ، وَهَذَا هُوَ اللَّائِقُ. لِأَنَّهُ كَانَ أَوَّلًا مَطْلُوبًا إِلَى الْجَنَابِ الْعُلْوِيِّ لِيَفْرِضَ عَلَيْهِ وَعَلَى أُمَّتِهِ مَا يَشَاءُ اللهُ تَعَالَى.
ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنَ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ اجْتَمَعَ بِهِ هُوَ وَإِخْوَانِهِ مِنَ النَّبِيِّينَ، ثُمَّ أَظْهَرَ شَرَفَهُ وَفَضْلَهُ عَلَيْهِمْ بِتَقْدِيمِهِ فِي الْإِمَامَةِ، وَذَلِكَ عَنْ إِشَارَةِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي ذَلِكَ. ثُمَّ خَرَجَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَرَكِبَ الْبُرَاقَ وَعَادَ إِلَى مَكَّةَ بِغَلَسٍ. وَاللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. انْتَهَى بِلَفْظِهِ مِنْ تَفْسِيرِ الْحَافِظِ ابْنِ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: ثَبَتَ الْإِسْرَاءُ فِي جَمِيعِ مُصَنَّفَاتِ الْحَدِيثِ، وَرُوِيَ عَنِ الصَّحَابَةِ فِي كُلِّ أَقْطَارِ الْإِسْلَامِ، فَهُوَ مُتَوَاتِرٌ بِهَذَا الْوَجْهِ. وَذَكَرَ النَّقَّاشُ مِمَّنْ رَوَاهُ عِشْرِينَ صَحَابِيًّا، ثُمَّ شَرَعَ يَذْكَرُ بَعْضَ طُرُقِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَبَسْطُ قِصَّةِ الْإِسْرَاءِ، تَرَكْنَاهُ لِشُهْرَتِهِ عِنْدَ الْعَامَّةِ، وَتَوَاتُرِهِ فِي الْأَحَادِيثِ.
وَذَكَرَ الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ ـ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى، فِي آخِرِ كَلَامِهِ عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ فَائِدَتَيْنِ، قَالَ فِي أُولَاهُمَا: "فَائِدَةٌ حَسَنَةٌ جَلِيلَةٌ. وَرَوَى الْحَافِظَ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيُّ فِي كِتَابِ (دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ) مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْوَاقِدِيِّ: حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَبِي الرِّجَالِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ: "بَعَثَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دِحْيَةَ بْنَ خَلِيفَةَ إِلَى قَيْصَرَ. . . ". فَذَكَرَ وُرُودَهُ عَلَيْهِ وَقُدُومَهُ إِلَيْهِ، وَفِي السِّيَاقِ دَلَالَةٌ عَظِيمَةٌ عَلَى وُفُورِ عَقْلِ هِرَقْلَ، ثُمَّ اسْتَدْعَى مَنْ بِالشَّامِ مِنَ التُّجَّارِ فَجِيءَ بِأَبِي سُفْيَانَ صَخْرِ بْنِ حَرْبٍ وَأَصْحَابِهِ، فَسَأَلَهُمْ عَنْ تِلْكَ الْمَسَائِلِ الْمَشْهُورَةِ الَّتِي رَوَاهَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ. وَجَعَلَ أَبُو سُفْيَانَ يَجْتَهِدُ أَنَّ يُحَقِّرَ أَمْرَهُ وَيُصَغِّرَ عِنْدَهُ، قَالَ فِي هَذَا السِّيَاقِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ: "وَاللهِ مَا مَنَعَنِي مِنْ أَنْ أَقُولَ عَلَيْهِ قَوْلًا أُسْقِطُهُ بِهِ مِنْ عَيْنِهِ إِلَّا أَنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَكْذِبَ عِنْدَهُ كِذْبَةً يَأْخُذُهَا عَلَيَّ وَلَا يُصَدِّقُنِي فِي شَيْءٍ. قَالَ: حَتَّى ذَكَرْتُ قَوْلَهُ لَيْلَةَ أُسَرِيَ بِهِ، قَالَ: فَقُلْتُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، أَلَا أُخْبِرُكَ خَبَرًا تَعْرِفُ بِهِ أَنَّهُ قَدْ كَذَبَ. قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: قُلْتُ إِنَّهُ يَزْعُمُ لَنَا أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ أَرْضِنَا أَرْضِ الْحَرَمِ فِي لَيْلَةٍ، فَجَاءَ مَسْجِدَكُمْ هَذَا مَسْجِدَ إِيلِيَاءَ، وَرَجَعَ إِلَيْنَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ قَبْلَ الصَّبَاحِ. قَالَ: وَبِطْرِيقُ إِيلِيَاءَ عِنْدَ رَأْسِ قَيْصَرَ، فَقَالَ بِطْرِيقُ إِيلِيَاءَ: قَدْ عَلِمْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ. قَالَ: فَنَظَرَ إِلَيْهِ قَيْصَرُ. وَقَالَ: وَمَا عِلْمُكَ بِهَذَا؟ قَالَ: إِنِّي كُنْتُ لَا أَنَامُ لَيْلَةً حَتَّى أُغْلِقَ أَبْوَابَ الْمَسْجِدِ. فَلَمَّا كَانَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةُ أَغْلَقْتُ الْأَبْوَابَ كُلَّهَا غَيْرَ بَابٍ وَاحِدٍ غَلَبَنِي، فَاسْتَعَنْتُ عَلَيْهِ بِعُمَّالِي وَمَنْ يَحْضُرُنِي كُلُّهُمْ فَغَلَبَنَا، فَلَمْ نَسْتَطِعْ أَنْ نُحَرِّكَهُ كَأَنَّمَا نُزَاوِلُ بِهِ جَبَلًا، فَدَعَوْتُ إِلَيْهِ النَّجَاجِرَةَ فَنَظَرُوا إِلَيْهِ فَقَالُوا: إِنَّ هَذَا الْبَابَ سَقَطَ عَلَيْهِ النِّجَافُ وَالْبُنْيَانُ وَلَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نُحَرِّكَهُ، حَتَّى نُصْبِحَ فَنَنْظُرَ مِنْ أَيْنَ أَتَى. قَالَ: فَرَجَعْتُ وَتَرَكْتُ الْبَابَيْنِ مَفْتُوحَيْنِ. فَلَمَّا أَصْبَحَتْ غَدَوْتُ عَلَيْهِمَا فَإِذَا الْمَجَرُّ الَّذِي فِي زَاوِيَةِ الْمَسْجِدِ مَثْقُوبٌ. وَإِذَا فِيهِ أَثَرُ مَرْبِطِ الدَّابَّةِ. قَالَ: فَقُلْتُ لِأَصْحَابِي: مَا حُبِسَ هَذَا الْبَابُ اللَّيْلَةَ إِلَّا عَلَى نَبِيٍّ وَقَدْ صَلَّى اللَّيْلَةَ فِي مَسْجِدِنَا اهـ.
ثُمَّ قَالَ فِي الْأُخْرَى: "فَائِدَةٌ: قَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْخَطَّابِ عُمَرُ بْنُ دِحْيَةَ فِي كِتَابِهِ (التَّنْوِيرِ فِي مَوْلِدِ السِّرَاجِ الْمُنِيرِ) وَقَدْ ذَكَرَ حَدِيثَ الْإِسْرَاءِ مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ، وَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ فَأَجَادَ وَأَفَادَ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ تَوَاتَرَتِ الرِّوَايَاتُ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي ذَرٍّ، وَمَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَشَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ قُرْطٍ، وَأَبِي حَبَّةَ، وَأَبِي لَيْلَى الْأَنْصَارِيَّيْنِ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، وَجَابِرٍ، وَحُذَيْفَةَ، وَبُرَيْدَةَ، وَأَبِي أَيُّوبَ، وَأَبِي أُمَامَةَ، وَسَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، وَأَبِي الْحَمْرَاءِ، وَصُهَيْبٍ الرُّومِيِّ، وَأُمِّ هَانِئٍ، وَعَائِشَةَ، وَأَسْمَاءَ ابْنَتَيْ أَبِي بَكْرٍ الصَّدِيقِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ. مِنْهُمْ مَنْ سَاقَهُ بِطُولِهِ، وَمِنْهُمْ مَنِ اخْتَصَرَهُ عَلَى مَا وَقَعَ فِي الْمَسَانِيدِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ رِوَايَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى شَرْطِ الصِّحَّةِ". فَحَدِيثُ الْإِسْرَاءِ أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ، وَأَعْرَضَ عَنْهُ الزَّنَادِقَةُ وَالْمُلْحِدُونَ، يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ اهـ. مِنِ ابْنِ كَثِيرٍ بِلَفْظِهِ. وأَخْرَجَ البُخَارِيُّ، وَمُسْلم، وَابْنُ جريرٍ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، وغيرُهم، عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ ـ رضِيَ اللهُ عنْهُ، يَقُولُ: "لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ مَسْجِدِ الكَعْبَةِ، أَنَّهُ جَاءَهُ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ وَهُوَ نَائِمٌ فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ، فَقَالَ أَوَّلُهُمْ: أَيُّهُمْ هُوَ؟ فَقَالَ أَوْسَطُهُمْ: هُوَ خَيْرُهُمْ، فَقَالَ آخِرُهُمْ: خُذُوا خَيْرَهُمْ، فَكَانَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَلَمْ يَرَهُمْ حَتَّى أَتَوْهُ لَيْلَةً أُخْرَى، فِيمَا يَرَى قَلْبُهُ، وَتَنَامُ عَيْنُهُ وَلاَ يَنَامُ قَلْبُهُ، وَكَذَلِكَ الأَنْبِيَاءُ تَنَامُ أَعْيُنُهُمْ وَلاَ تَنَامُ قُلُوبُهُمْ، فَلَمْ يُكَلِّمُوهُ حَتَّى احْتَمَلُوهُ، فَوَضَعُوهُ عِنْدَ بِئْرِ زَمْزَمَ، فَتَوَلَّاهُ مِنْهُمْ جِبْرِيلُ، فَشَقَّ جِبْرِيلُ مَا بَيْنَ نَحْرِهِ إِلَى لَبَّتِهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَدْرِهِ وَجَوْفِهِ، فَغَسَلَهُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ بِيَدِهِ، حَتَّى أَنْقَى جَوْفَهُ، ثُمَّ أُتِيَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ فِيهِ تَوْرٌ مِنْ ذَهَبٍ، مَحْشُوًّا إِيمَانًا وَحِكْمَةً، فَحَشَا بِهِ صَدْرَهُ وَلَغَادِيدَهُ ـ يَعْنِي عُرُوقَ حَلْقِهِ، ثُمَّ أَطْبَقَهُ ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَضَرَبَ بَابًا مِنْ أَبْوَابِهَا فَنَادَاهُ أَهْلُ السَّمَاءِ مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ جِبْرِيلُ: قَالُوا: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مَعِيَ مُحَمَّدٌ، قَالَ: وَقَدْ بُعِثَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالُوا: فَمَرْحَبًا بِهِ وَأَهْلًا، فَيَسْتَبْشِرُ بِهِ أَهْلُ السَّمَاءِ، لاَ يَعْلَمُ أَهْلُ السَّمَاءِ بِمَا يُرِيدُ اللهُ بِهِ فِي الأَرْضِ حَتَّى يُعْلِمَهُمْ، فَوَجَدَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا آدَمَ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: هَذَا أَبُوكَ آدَمُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَرَدَّ عَلَيْهِ آدَمُ، وَقَالَ: مَرْحَبًا وَأَهْلًا بِابْنِي، نِعْمَ الِابْنُ أَنْتَ، فَإِذَا هُوَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا بِنَهَرَيْنِ يَطَّرِدَانِ، فَقَالَ: مَا هَذَانِ النَّهَرَانِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا النِّيلُ وَالفُرَاتُ عُنْصُرُهُمَا، ثُمَّ مَضَى بِهِ فِي السَّمَاءِ، فَإِذَا هُوَ بِنَهَرٍ آخَرَ عَلَيْهِ قَصْرٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ وَزَبَرْجَدٍ، فَضَرَبَ يَدَهُ فَإِذَا هُوَ مِسْكٌ أَذْفَرُ، قَالَ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟، قَالَ: هَذَا الكَوْثَرُ الَّذِي خَبَأَ لَكَ رَبُّكَ، ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، فَقَالَتِ المَلاَئِكَةُ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَتْ لَهُ الأُولَى مَنْ هَذَا، قَالَ جِبْرِيلُ: قَالُوا: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالُوا: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالُوا: مَرْحَبًا بِهِ وَأَهْلًا، ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، وَقَالُوا لَهُ مِثْلَ مَا قَالَتِ الأُولَى وَالثَّانِيَةُ، ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى الرَّابِعَةِ، فَقَالُوا لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الخَامِسَةِ، فَقَالُوا مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، فَقَالُوا لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَقَالُوا لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، كُلُّ سَمَاءٍ فِيهَا أَنْبِيَاءُ قَدْ سَمَّاهُمْ، فَأَوْعَيْتُ مِنْهُمْ إِدْرِيسَ فِي الثَّانِيَةِ، وَهَارُونَ فِي الرَّابِعَةِ، وَآخَرَ فِي الخَامِسَةِ لَمْ أَحْفَظِ اسْمَهُ، وَإِبْرَاهِيمَ فِي السَّادِسَةِ، وَمُوسَى فِي السَّابِعَةِ بِتَفْضِيلِ كَلاَمِ اللهِ، فَقَالَ مُوسَى: رَبِّ لَمْ أَظُنَّ أَنْ يُرْفَعَ عَلَيَّ أَحَدٌ، ثُمَّ عَلاَ بِهِ فَوْقَ ذَلِكَ بِمَا لاَ يَعْلَمُهُ إِلَّا اللهُ، حَتَّى جَاءَ سِدْرَةَ المُنْتَهَى، وَدَنَا لِلْجَبَّارِ رَبِّ العِزَّةِ، فَتَدَلَّى حَتَّى كَانَ مِنْهُ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى، فَأَوْحَى اللهُ فِيمَا أَوْحَى إِلَيْهِ: خَمْسِينَ صَلاَةً عَلَى أُمَّتِكَ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، ثُمَّ هَبَطَ حَتَّى بَلَغَ مُوسَى، فَاحْتَبَسَهُ مُوسَى، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، مَاذَا عَهِدَ إِلَيْكَ رَبُّكَ؟ قَالَ: عَهِدَ إِلَيَّ خَمْسِينَ صَلاَةً كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ، فَارْجِعْ فَلْيُخَفِّفْ عَنْكَ رَبُّكَ وَعَنْهُمْ، فَالْتَفَتَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَى جِبْرِيلَ كَأَنَّهُ يَسْتَشِيرُهُ فِي ذَلِكَ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ جِبْرِيلُ: أَنْ نَعَمْ إِنْ شِئْتَ، فَعَلاَ بِهِ إِلَى الجَبَّارِ، فَقَالَ وَهُوَ مَكَانَهُ: يَا رَبِّ خَفِّفْ عَنَّا فَإِنَّ أُمَّتِي لاَ تَسْتَطِيعُ هَذَا، فَوَضَعَ عَنْهُ عَشْرَ صَلَوَاتٍ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مُوسَى، فَاحْتَبَسَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُرَدِّدُهُ مُوسَى إِلَى رَبِّهِ حَتَّى صَارَتْ إِلَى خَمْسِ صَلَوَاتٍ، ثُمَّ احْتَبَسَهُ مُوسَى عِنْدَ الخَمْسِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ وَاللهِ لَقَدْ رَاوَدْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَوْمِي عَلَى أَدْنَى مِنْ هَذَا فَضَعُفُوا فَتَرَكُوهُ، فَأُمَّتُكَ أَضْعَفُ أَجْسَادًا وَقُلُوبًا وَأَبْدَانًا وَأَبْصَارًا وَأَسْمَاعًا فَارْجِعْ فَلْيُخَفِّفْ عَنْكَ رَبُّكَ، كُلَّ ذَلِكَ يَلْتَفِتُ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَى جِبْرِيلَ لِيُشِيرَ عَلَيْهِ، وَلاَ يَكْرَهُ ذَلِكَ جِبْرِيلُ، فَرَفَعَهُ عِنْدَ الخَامِسَةِ، فَقَالَ: يَا رَبِّ إِنَّ أُمَّتِي ضُعَفَاءُ أَجْسَادُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ وَأَسْمَاعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَأَبْدَانُهُمْ فَخَفِّفْ عَنَّا، فَقَالَ الجَبَّارُ: يَا مُحَمَّدُ، قَالَ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: إِنَّهُ لاَ يُبَدَّلُ القَوْلُ لَدَيَّ، كَمَا فَرَضْتُهُ عَلَيْكَ فِي أُمِّ الكِتَابِ، قَالَ: فَكُلُّ حَسَنَةٍ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، فَهِيَ خَمْسُونَ فِي أُمِّ الكِتَابِ، وَهِيَ خَمْسٌ عَلَيْكَ، فَرَجَعَ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: كَيْفَ فَعَلْتَ؟ فَقَالَ: خَفَّفَ عَنَّا، أَعْطَانَا بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا، قَالَ مُوسَى: قَدْ وَاللهِ رَاوَدْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ فَتَرَكُوهُ، ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَلْيُخَفِّفْ عَنْكَ أَيْضًا، قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا مُوسَى، قَدْ وَاللهِ اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّي مِمَّا اخْتَلَفْتُ إِلَيْهِ، قَالَ: فَاهْبِطْ بِاسْمِ اللهِ قَالَ: وَاسْتَيْقَظَ وَهُوَ فِي مَسْجِدِ الحَرَامِ".
عبد القادر الأسود
عبد القادر الأسود
أرمنازي - عضو شرف
أرمنازي - عضو شرف

عدد المساهمات : 932
نقاط : 2771
السٌّمعَة : 15
تاريخ التسجيل : 08/06/2010
العمر : 75
الموقع : http://abdalkaderaswad.spaces.live.com

http://abdalkaderaswad.wordpress.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى