الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة النحل، الآية: 5
منتدى مدينة أرمناز العام :: المنتدى الخاص بشاعر أرمناز الكبير الأستاذ عبدالقادر الأسود :: البحوث والدراسات والمقالات النثرية
صفحة 1 من اصل 1
الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة النحل، الآية: 5
فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5)
قولُهُ ـ تَعَالى شأْنُهُ: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا} الْوَعْدُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، أَيْ: مَوْعُودُ أُولَى الْمَرَّتَيْنِ، أَيِ: الزَّمَانُ الْمُقَدَّرُ لِحُصُولِ الْمَرَّةِ الْأُولَى مِنَ الْإِفْسَادِ وَالْعُلُوِّ، وهَذا كَقَوْلِهِ تَعَالَى منْ سُورَةِ الْكَهْفِ: {فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وكانَ وَعْدُ ربِّ حقًا} الآيَةَ: 98. وَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى في نهايةِ هذهِ الآيةِ الكريمةِ: "وَكانَ وَعْدًا مَفْعُولًا" أَيْ مَعْمُولًا وَمُنَفَّذًا. وَإِضَافَةُ "وَعْدًا" إِلَى "أُولاهُما" إضافةٌ بَيَانِيَّةٌ، أَيِ الْمَوْعُودُ الَّذِي هُوَ أُولَى الْمَرَّتَيْنِ مِنَ الْإِفْسَادِ وَالْعُلُوِّ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنِ ابْنِ زَيْدٍ ـ رَضِي الله عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: "فَإِذا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُما" قَالَ: إِذا جَاءَ وَعْدُ أُولى تِيْنِكَ الْمَرَّتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَضَيْنا إِلَى بَني إِسْرَائِيلَ: {لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مرَّتَيْنِ}.
قولُهُ: {بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} وَالْبَعْثُ مُسْتَعْمَلٌ هنا فِي حُصُولِ السَّيْرِ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ، وَتَهْيِئَةِ أَسْبَابِهِ، حَتَّى كَأَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ لأَعْدائهم بِالْمَسِيرِ إِلَيْهِمْ، كَقَوْلِهِ تعالى مِنْ سُورَةِ الْأَعْرَافِ: {لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ} الآية: 167، وَهُوَ بَعْثُ تَكْوِينٍ وَتَسْخِيرٍ مِنْهُ ـ سبحانَهُ، لَا بَعْثٌ بِوَحْيٍ وَأَمْرٍ. وَقَدْ عُدِّيَ "بَعَثْنا" بِحَرْفِ الِاسْتِعْلَاءِ "على" لأَنَّهُ فيهِ مَعْنَى التَّسْلِيطِ، فهو كَقَوْلِهِ تعالى مِنْ سُورَةِ الْأَعْرَافِ: {لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ} الآيةَ: 167. وَالْعِبَادُ: هُمُ الْمَمْلُوكُونَ، وَهُمْ هنا عِبَادُ مَخْلُوقِيَّةٍ، وَأَكْثَرُ مَا يُقَالُ: عِبَادُ اللهِ. وَيُقَالُ أَيضًا "عَبِيدٌ"، بِدُونِ إِضَافَةٍ، نَحْوُ قولِهِ مِنَ سُورَةِ فُصِّلَتْ {وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} الآية: 46، فَإِذَا قُصِدَ الْمَمْلُوكُونَ بِالرِّقِّ قِيلَ: عَبِيدٌ، لَا غَيْرُ. وَالْمَقْصُودُ بِعِبَادِ اللهِ هُنَا الْأَشُورِيُّونَ أَهْلُ بَابِلَ وَهُمْ جُنُودُ بُخْتُنَصَّرَ. وقالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ "عِبَادًا لَنَا" الآية. قال: جُنْدٌ جاءَهُمْ مِنْ فارِسٍ، يَتَحَسَّسُونَ أَخْبَارَهُمْ وَيَسْمَعُونَ حَديثَهُمِ، وكانَ معهُمْ (بُخْتَنَصَّرُ) فوَعَى حَديثَهم مِنْ بَيْنِ أَصْحابِهِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلى فَارِسَ وَلَمْ يَكُنْ قِتَالٌ بينهمْ هَذِهِ المَرَّةَ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما، فِي رِوايَةِ سَعيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عنْهُ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما. والبَأْسُ: الشَّوْكَةُ وَالشِّدَّةُ فِي الْحَرْب. وَوَصَفَهُ بالشَديدِ لِقُوَّتِهِ فِي نَوْعِهِ كَمَا فِي آيَةِ سُورَة سُلَيْمَان، أَو "النَّمْل": {قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ} الآيَةَ: 33. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما: البَأْسُ: القتالُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تعالى في الآية: 177، منْ سُورَةِ البَقَرَة: {وَحِينَ الْبَأْسِ} أيْ: الحَرْب. أَخْرَجَهُ "الطَبَرِيُّ": (15/27)، بِلَفْظِهِ مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ عَنِ ابْنِ مَسْعودٍ، وعن مُجاهِدٍ وَقَتَادَةَ والضَحَّاكِ ـ رَضِيَ اللهُ عنهم، وَأَوْرَدَهُ السُيُوطِيُّ في "الدُرِّ المَنْثُورِ": (1/315). وَنَسَبَهُ أَيْضًا إِلى وَكِيعٍ وابْنِ أَبي شَيْبَةَ، وَعَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، وابْنِ المُنْذِرِ، وابْنِ أَبي حاتِمٍ، وأَبي الشَّيْخِ، والحاكِمِ، وصَحَّحَهُ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ. وَمَعْنَى "بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ" أَرْسَلْنَا عَلَيْكُمْ، وخَلَّيْنَا بَيْنَهُمْ وبَيْنَكُم، وَخَذَلْناكُمْ.
قولُهُ: {فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ} عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ "بَعَثْنا" فَهُوَ مِنَ الْمُقْضَى فِي الْكتاب. وَالْجَوْسُ: التَّخَلُّلُ فِي الْبِلَادِ وَطَرْقُهَا ذِهَابًا وَإِيَابًا لِتَتَبُّعِ مَا فِيهَا. وَأُرِيدَ بِهِ هُنَا تَتَبُّعُ الْمُقَاتَلَةِ فَهُوَ جَوْسُ مَضَرَّةٍ وَإِسَاءَةٍ بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ. والجَوْسُ أَيْضًا: طَلَبُ الشَّيْءِ باسْتِقْصَاءٍ، وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فِي قَوْلِهِ تَعَالى: "فَجَاسُوا" قَالَ فَمَشَوْا. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: طَلَبُوا مَنْ فِيها. وَقالَ الفَرَّاءُ: يَقُولُ: قَتَلُوكُم بَيْنَ بُيُوتِكُمْ. وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ المَعْنَى: عَاثُوا وأَفْسَدُوا. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقٍ الزَّجَّاجُ: أَيْ فَطَافُوا خِلَالَ الدِّيَارِ، هَلْ بَقِيَ أَحَدٌ لَمْ يَقْتُلُوهُ، والجَوْسُ يَحْتَمِلُ كلَّ هَذِهِ المَعَاني، وكلٌّ مِنْها مُحْتَمَلٌ حُصُولُهُ فيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ جَاسُوا بالقَتْلِ والعَبَثِ وَطَلَبِ مَنْ يَقْتُلُونَهُ، يَشْهَدُ لِهَذا قَوْلُ حَسَّان بْنِ ثابتٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ:
ومِنَّا الذي لاقَى بِسَيْفِ محمدٍ ....... فَجَاس به الأعداءَ عَرْضَ العَسَاكر
أَيْ: تَخَلَّلَهُمْ قَتْلًا بِسَيْفِهِ. والجَوْسُ، والجُوْسُ بِفَتْحِ الجيمِ وَضَمِّها مَصْدَرُ جَاسَ يَجُوسُ، أي: فَتَّشَ ونقَّبَ، قَالَ أَبُو زَيْدٍ: الْحَوْسُ وَالْجَوْسُ وَالْعَوْسُ والهوس: الطوفُ باللَّيلِ. وَقِيلَ: الطَّوْفُ بِاللَّيْلِ هُوَ الْجَوَسَانُ مُحَرَّكًا. وقالَ قُطْرُبٌ: جاسُوا: نزلوا. وأَنْشَدَ عليْهِ:
فَجُسْنا ديارَهُمُ عَنْوَةً ........................... وأُبْنا بساداتِهم مُوْثَقِيْنا
وقِيلَ: جاسُوا بِمَعْنَى دَاسُوا. وَ "خِلَالَ" الشَّيْءِ وَسَطُهُ الَّذِي يُتَخَلَّلُ مِنْهُ، وهو عَلَى وَزْنِ الْجُمُوعِ، وَلَا مُفْرَدَ لَهُ. وَمنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى في الآية: 48، مِنْ سُورةِ الرُّومِ: {فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ}. وَ "الدِّيارِ" هِيَ دِيَارُ بَلَدِ أُورْشَلِيمَ، فَقَدْ دَخَلَهَا جَيْشُ (بُخْتُنَصَّرَ) وَقَتَلَ الرِّجَالَ وَسَبَى النِّسَاءَ، وَهَدَّمَ الدِّيَارَ، وَأَحْرَقَ الْمَدِينَةَ وَهَيْكَلَ سُلَيْمَانَ بِالنَّارِ. وَالتَّعْرِيفُ فِي "الدِّيارِ" للْعَهْدِ، أَيْ: دِيَارِكُمْ، وَذَلِكَ أَصْلُ جَعْلِ (اَلْـ) التَعْريفِ عِوَضًا مِنَ الْمُضَافِ إِلَيْهِ. وَيَشْمَلُ لَفْظُ "الدِّيَارِ" هَيْكَلَ سُلَيْمَانَ لِأَنَّهُ بَيْتُ عِبَادَتِهِمْ، بِدليلِ قَوْلِهِ فِي الْآيَةِ التي بَعْدَها: {وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ}. وَقدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسيرِ الآيَةِ التي قَبْلَ هَذِهِ أَنَّهُ أَسَرَ كُلَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَبِذَلِكَ خَلَتْ بِلَادُ يَهُود مِنْهُمْ.
قولُهُ: {وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا} مفعولًا" أَيْ حَاصِلًا لا مَحَالَةَ بِحَيْثُ لا صَارِفَ عَنْهُ وَلَا مُبَدِّلَ.
قولُهُ تَعَالى: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا} الفاءُ: هيَ الفَصيحةُ؛ أَفْصَحَتْ عَنْ جَوابِ شَرْطٍ تقديرُهُ: إِذا عَرَفْتُمْ أَنَّكمْ تُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ، وأَرَدْتُمْ بَيَانَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى كِلْتَا المَرَّتَيْنِ مِنَ العُقُوبَةِ، فَأَقُولُ لَكُمْ: إِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما .. . و "إذا" ظَرْفٌ لِمَا يُسْتَقْبَلُ مِنَ الزَّمَانِ خافضٌ لشَرْطِهِ متعلِّقٌ بجوابِهِ، مَبْنِيٌّ عَلى السُّكونِ في مَحَلِّ النَّصْبِ. وَ "جاءَ" فِعْلٌ مَاضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الفَتْحِ. وَ "وَعْدُ" فاعِلُهُ مَرْفُوعٌ ، مُضافٌ. وَ "أُولاهُما" مَجْرورٌ بالإضافَةِ إِلَيْهِ، وعلامةُ جرِّهِ كَسْرَةٌ مُقدَّرةٌ عَلَى آخِرِهِ للتعَذُّرِ، وهوَ مُضافٌ، و "هما" ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجرِّ بالإضافةِ إليهِ. والجُمْلَةُ فِي مَحَل الخَفْضِ بِـ "إذا" عَلَى كَوْنِها فِعْلَ شَرْطٍ لَها.
قولُهُ: {بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} بَعَثْنا: فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ على السكونِ لاتِّصالِهِ بضميرِ رفعٍ متحرِّكٍ هو "نا" المُعظِّمِ نفسَهُ ـ سُبحانَهُ، و "نا" التعظيمِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ الرفعِ بالفاعِليَّةِ. و "عَلَيْكُمْ" على: حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "بَعَثْنَا"، وكافُ الخِطابِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجرِّ بحرفِ الجَرِّ، والميمُ للجمعِ المُذكَّرِ. و "عِبادًا" مَفْعوُلٌ بِهِ منصوبٌ. و "لَنا" اللامُ: حرفُ جرٍّ متعلِّقٌ بِصِفَةْ لـ "عِبادًا"، و "نا" التعظيمِ ضميرٌ متَّصِلٌ مبنيٌّ على السُّكونِ في محلِّ الجرِّ بحرفِ الجَرِّ. و "أُولِي" صفة ثانية لِـ "عِبادًا" في محلِّ النَّصِبِ، وعلامَةُ نَصْبِهِ الياءُ لأَنَّهُ مُلْحَقٌ بِجَمْعِ المُذَكَّرِ السَّالِمِ. وَ "بَأْسٍ" مجرورٌ بالإضافةِ إِلَيْهِ. و "شَدِيدٍ" صِفَةُ "بَأْسٍ" مجرورةٌ مثلُهُ. والجُمْلَةُ جَوَابُ "إِذا" لا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ. وجُمْلَةُ "إذا" مَقُولٌ لِجَوابِ "إذا" المُقَدَّرَةِ في محلِّ النَّصِبِ، وجُمْلَةُ "إذا" المُقَدَّرَةِ مُسْتَأْنَفَةٌ لا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
قولُهُ: {فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ} فَجاسُوا: الفاءُ: حرفٌ للعطْفِ والتعقيبِ، وَ "جاسُوا" فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الضمِّ لاتِّصالِهِ بواوِ الجماعةِ، وواوُ الجماعةِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ مَبْنيٌّ على السُكونِ في محلِّ الرفعِ فاعِلُهُ، والألِفُ: للتفريقِ. والجملةُ الفعليَّةُ هذِهِ مَعْطوفَةٌ عَلى جُملةِ "بَعَثْنا" على كونِها جَوَابَ "إِذا" فلا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ. و "خِلالَ" منصوبٌ على الظرفيَّةِ المكانيَّةِ، مُتَعَلِّقٌ بِـ "جَاسُوا"، وهو مُضافٌ. و "الدِّيارِ" مَجرورٌ بالإضافَةِ إِلَيْهِ.
قولُهُ: {وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا} الوَاوُ: للاسْتئنافِ، و "كانَ" فِعلٌ ماضٍ ناقِصٌ مَبنيٌّ على الفتْحِ. واسْمُها ضَميرٌ مُسْتترٌ فيها جوزًا تقديرُهُ (هو) يَعودُ عَلى البَعْثِ. و "وَعْدًا" خَبَرُها منصوبٌ بها. و "مَفْعُولًا" صِفَةُ الوعدِ منصوبةٌ مثلهُ، والجملةُ مُستأنفةٌ لا محلَّ لها منَ الإعرابِ.
قرأَ العامَّةُ: {عِبادًا لنا} بِزِنَةِ فِعَالٍ، وقَرَأَ زَيْدُ بْنُ عَلَيٍّ والحَسَنُ "عبيدًا لنا" على وزنِ "فَعِيْل".
قرَأَ العامَّةُ: {جاسوا} بالجيمِ، وَقَرَأَ ابنُ عبَّاسٍ وطَلْحَةُ وأَبُو السَّمَّالِ "حَاسُوا" بالحَاءِ المُهْمَلَةِ، وقُرِئَ أَيضًا "فَجُوِّسُوا" بالجِيمِ، بِزِنَةِ نُكِّسُوا.
قرأَ الجمهورُ: {خِلالَ} وهي مُحْتَمِلَةٌ وَجْهَيْنِ، أَحَدُهما: أَنَّهُ جمعُ خَلَلٍ، كَجِبالٍ في جَبَلٍ، وجِمالٍ في جَمَلٍ. والثاني: أَنَّهُ اسْمٌ مُفْرَدٌ بِمَعنَى وَسْط، ويَدُلُّ لَهُ قِراءةُ الحَسَنِ: "خَلَلَ الدِّيارِ".
قولُهُ ـ تَعَالى شأْنُهُ: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا} الْوَعْدُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، أَيْ: مَوْعُودُ أُولَى الْمَرَّتَيْنِ، أَيِ: الزَّمَانُ الْمُقَدَّرُ لِحُصُولِ الْمَرَّةِ الْأُولَى مِنَ الْإِفْسَادِ وَالْعُلُوِّ، وهَذا كَقَوْلِهِ تَعَالَى منْ سُورَةِ الْكَهْفِ: {فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وكانَ وَعْدُ ربِّ حقًا} الآيَةَ: 98. وَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى في نهايةِ هذهِ الآيةِ الكريمةِ: "وَكانَ وَعْدًا مَفْعُولًا" أَيْ مَعْمُولًا وَمُنَفَّذًا. وَإِضَافَةُ "وَعْدًا" إِلَى "أُولاهُما" إضافةٌ بَيَانِيَّةٌ، أَيِ الْمَوْعُودُ الَّذِي هُوَ أُولَى الْمَرَّتَيْنِ مِنَ الْإِفْسَادِ وَالْعُلُوِّ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنِ ابْنِ زَيْدٍ ـ رَضِي الله عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: "فَإِذا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُما" قَالَ: إِذا جَاءَ وَعْدُ أُولى تِيْنِكَ الْمَرَّتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَضَيْنا إِلَى بَني إِسْرَائِيلَ: {لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مرَّتَيْنِ}.
قولُهُ: {بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} وَالْبَعْثُ مُسْتَعْمَلٌ هنا فِي حُصُولِ السَّيْرِ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ، وَتَهْيِئَةِ أَسْبَابِهِ، حَتَّى كَأَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ لأَعْدائهم بِالْمَسِيرِ إِلَيْهِمْ، كَقَوْلِهِ تعالى مِنْ سُورَةِ الْأَعْرَافِ: {لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ} الآية: 167، وَهُوَ بَعْثُ تَكْوِينٍ وَتَسْخِيرٍ مِنْهُ ـ سبحانَهُ، لَا بَعْثٌ بِوَحْيٍ وَأَمْرٍ. وَقَدْ عُدِّيَ "بَعَثْنا" بِحَرْفِ الِاسْتِعْلَاءِ "على" لأَنَّهُ فيهِ مَعْنَى التَّسْلِيطِ، فهو كَقَوْلِهِ تعالى مِنْ سُورَةِ الْأَعْرَافِ: {لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ} الآيةَ: 167. وَالْعِبَادُ: هُمُ الْمَمْلُوكُونَ، وَهُمْ هنا عِبَادُ مَخْلُوقِيَّةٍ، وَأَكْثَرُ مَا يُقَالُ: عِبَادُ اللهِ. وَيُقَالُ أَيضًا "عَبِيدٌ"، بِدُونِ إِضَافَةٍ، نَحْوُ قولِهِ مِنَ سُورَةِ فُصِّلَتْ {وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} الآية: 46، فَإِذَا قُصِدَ الْمَمْلُوكُونَ بِالرِّقِّ قِيلَ: عَبِيدٌ، لَا غَيْرُ. وَالْمَقْصُودُ بِعِبَادِ اللهِ هُنَا الْأَشُورِيُّونَ أَهْلُ بَابِلَ وَهُمْ جُنُودُ بُخْتُنَصَّرَ. وقالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ "عِبَادًا لَنَا" الآية. قال: جُنْدٌ جاءَهُمْ مِنْ فارِسٍ، يَتَحَسَّسُونَ أَخْبَارَهُمْ وَيَسْمَعُونَ حَديثَهُمِ، وكانَ معهُمْ (بُخْتَنَصَّرُ) فوَعَى حَديثَهم مِنْ بَيْنِ أَصْحابِهِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلى فَارِسَ وَلَمْ يَكُنْ قِتَالٌ بينهمْ هَذِهِ المَرَّةَ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما، فِي رِوايَةِ سَعيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عنْهُ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما. والبَأْسُ: الشَّوْكَةُ وَالشِّدَّةُ فِي الْحَرْب. وَوَصَفَهُ بالشَديدِ لِقُوَّتِهِ فِي نَوْعِهِ كَمَا فِي آيَةِ سُورَة سُلَيْمَان، أَو "النَّمْل": {قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ} الآيَةَ: 33. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما: البَأْسُ: القتالُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تعالى في الآية: 177، منْ سُورَةِ البَقَرَة: {وَحِينَ الْبَأْسِ} أيْ: الحَرْب. أَخْرَجَهُ "الطَبَرِيُّ": (15/27)، بِلَفْظِهِ مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ عَنِ ابْنِ مَسْعودٍ، وعن مُجاهِدٍ وَقَتَادَةَ والضَحَّاكِ ـ رَضِيَ اللهُ عنهم، وَأَوْرَدَهُ السُيُوطِيُّ في "الدُرِّ المَنْثُورِ": (1/315). وَنَسَبَهُ أَيْضًا إِلى وَكِيعٍ وابْنِ أَبي شَيْبَةَ، وَعَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، وابْنِ المُنْذِرِ، وابْنِ أَبي حاتِمٍ، وأَبي الشَّيْخِ، والحاكِمِ، وصَحَّحَهُ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ. وَمَعْنَى "بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ" أَرْسَلْنَا عَلَيْكُمْ، وخَلَّيْنَا بَيْنَهُمْ وبَيْنَكُم، وَخَذَلْناكُمْ.
قولُهُ: {فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ} عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ "بَعَثْنا" فَهُوَ مِنَ الْمُقْضَى فِي الْكتاب. وَالْجَوْسُ: التَّخَلُّلُ فِي الْبِلَادِ وَطَرْقُهَا ذِهَابًا وَإِيَابًا لِتَتَبُّعِ مَا فِيهَا. وَأُرِيدَ بِهِ هُنَا تَتَبُّعُ الْمُقَاتَلَةِ فَهُوَ جَوْسُ مَضَرَّةٍ وَإِسَاءَةٍ بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ. والجَوْسُ أَيْضًا: طَلَبُ الشَّيْءِ باسْتِقْصَاءٍ، وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فِي قَوْلِهِ تَعَالى: "فَجَاسُوا" قَالَ فَمَشَوْا. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: طَلَبُوا مَنْ فِيها. وَقالَ الفَرَّاءُ: يَقُولُ: قَتَلُوكُم بَيْنَ بُيُوتِكُمْ. وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ المَعْنَى: عَاثُوا وأَفْسَدُوا. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقٍ الزَّجَّاجُ: أَيْ فَطَافُوا خِلَالَ الدِّيَارِ، هَلْ بَقِيَ أَحَدٌ لَمْ يَقْتُلُوهُ، والجَوْسُ يَحْتَمِلُ كلَّ هَذِهِ المَعَاني، وكلٌّ مِنْها مُحْتَمَلٌ حُصُولُهُ فيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ جَاسُوا بالقَتْلِ والعَبَثِ وَطَلَبِ مَنْ يَقْتُلُونَهُ، يَشْهَدُ لِهَذا قَوْلُ حَسَّان بْنِ ثابتٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ:
ومِنَّا الذي لاقَى بِسَيْفِ محمدٍ ....... فَجَاس به الأعداءَ عَرْضَ العَسَاكر
أَيْ: تَخَلَّلَهُمْ قَتْلًا بِسَيْفِهِ. والجَوْسُ، والجُوْسُ بِفَتْحِ الجيمِ وَضَمِّها مَصْدَرُ جَاسَ يَجُوسُ، أي: فَتَّشَ ونقَّبَ، قَالَ أَبُو زَيْدٍ: الْحَوْسُ وَالْجَوْسُ وَالْعَوْسُ والهوس: الطوفُ باللَّيلِ. وَقِيلَ: الطَّوْفُ بِاللَّيْلِ هُوَ الْجَوَسَانُ مُحَرَّكًا. وقالَ قُطْرُبٌ: جاسُوا: نزلوا. وأَنْشَدَ عليْهِ:
فَجُسْنا ديارَهُمُ عَنْوَةً ........................... وأُبْنا بساداتِهم مُوْثَقِيْنا
وقِيلَ: جاسُوا بِمَعْنَى دَاسُوا. وَ "خِلَالَ" الشَّيْءِ وَسَطُهُ الَّذِي يُتَخَلَّلُ مِنْهُ، وهو عَلَى وَزْنِ الْجُمُوعِ، وَلَا مُفْرَدَ لَهُ. وَمنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى في الآية: 48، مِنْ سُورةِ الرُّومِ: {فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ}. وَ "الدِّيارِ" هِيَ دِيَارُ بَلَدِ أُورْشَلِيمَ، فَقَدْ دَخَلَهَا جَيْشُ (بُخْتُنَصَّرَ) وَقَتَلَ الرِّجَالَ وَسَبَى النِّسَاءَ، وَهَدَّمَ الدِّيَارَ، وَأَحْرَقَ الْمَدِينَةَ وَهَيْكَلَ سُلَيْمَانَ بِالنَّارِ. وَالتَّعْرِيفُ فِي "الدِّيارِ" للْعَهْدِ، أَيْ: دِيَارِكُمْ، وَذَلِكَ أَصْلُ جَعْلِ (اَلْـ) التَعْريفِ عِوَضًا مِنَ الْمُضَافِ إِلَيْهِ. وَيَشْمَلُ لَفْظُ "الدِّيَارِ" هَيْكَلَ سُلَيْمَانَ لِأَنَّهُ بَيْتُ عِبَادَتِهِمْ، بِدليلِ قَوْلِهِ فِي الْآيَةِ التي بَعْدَها: {وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ}. وَقدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسيرِ الآيَةِ التي قَبْلَ هَذِهِ أَنَّهُ أَسَرَ كُلَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَبِذَلِكَ خَلَتْ بِلَادُ يَهُود مِنْهُمْ.
قولُهُ: {وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا} مفعولًا" أَيْ حَاصِلًا لا مَحَالَةَ بِحَيْثُ لا صَارِفَ عَنْهُ وَلَا مُبَدِّلَ.
قولُهُ تَعَالى: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا} الفاءُ: هيَ الفَصيحةُ؛ أَفْصَحَتْ عَنْ جَوابِ شَرْطٍ تقديرُهُ: إِذا عَرَفْتُمْ أَنَّكمْ تُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ، وأَرَدْتُمْ بَيَانَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى كِلْتَا المَرَّتَيْنِ مِنَ العُقُوبَةِ، فَأَقُولُ لَكُمْ: إِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما .. . و "إذا" ظَرْفٌ لِمَا يُسْتَقْبَلُ مِنَ الزَّمَانِ خافضٌ لشَرْطِهِ متعلِّقٌ بجوابِهِ، مَبْنِيٌّ عَلى السُّكونِ في مَحَلِّ النَّصْبِ. وَ "جاءَ" فِعْلٌ مَاضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الفَتْحِ. وَ "وَعْدُ" فاعِلُهُ مَرْفُوعٌ ، مُضافٌ. وَ "أُولاهُما" مَجْرورٌ بالإضافَةِ إِلَيْهِ، وعلامةُ جرِّهِ كَسْرَةٌ مُقدَّرةٌ عَلَى آخِرِهِ للتعَذُّرِ، وهوَ مُضافٌ، و "هما" ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجرِّ بالإضافةِ إليهِ. والجُمْلَةُ فِي مَحَل الخَفْضِ بِـ "إذا" عَلَى كَوْنِها فِعْلَ شَرْطٍ لَها.
قولُهُ: {بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} بَعَثْنا: فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ على السكونِ لاتِّصالِهِ بضميرِ رفعٍ متحرِّكٍ هو "نا" المُعظِّمِ نفسَهُ ـ سُبحانَهُ، و "نا" التعظيمِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ الرفعِ بالفاعِليَّةِ. و "عَلَيْكُمْ" على: حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "بَعَثْنَا"، وكافُ الخِطابِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجرِّ بحرفِ الجَرِّ، والميمُ للجمعِ المُذكَّرِ. و "عِبادًا" مَفْعوُلٌ بِهِ منصوبٌ. و "لَنا" اللامُ: حرفُ جرٍّ متعلِّقٌ بِصِفَةْ لـ "عِبادًا"، و "نا" التعظيمِ ضميرٌ متَّصِلٌ مبنيٌّ على السُّكونِ في محلِّ الجرِّ بحرفِ الجَرِّ. و "أُولِي" صفة ثانية لِـ "عِبادًا" في محلِّ النَّصِبِ، وعلامَةُ نَصْبِهِ الياءُ لأَنَّهُ مُلْحَقٌ بِجَمْعِ المُذَكَّرِ السَّالِمِ. وَ "بَأْسٍ" مجرورٌ بالإضافةِ إِلَيْهِ. و "شَدِيدٍ" صِفَةُ "بَأْسٍ" مجرورةٌ مثلُهُ. والجُمْلَةُ جَوَابُ "إِذا" لا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ. وجُمْلَةُ "إذا" مَقُولٌ لِجَوابِ "إذا" المُقَدَّرَةِ في محلِّ النَّصِبِ، وجُمْلَةُ "إذا" المُقَدَّرَةِ مُسْتَأْنَفَةٌ لا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
قولُهُ: {فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ} فَجاسُوا: الفاءُ: حرفٌ للعطْفِ والتعقيبِ، وَ "جاسُوا" فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الضمِّ لاتِّصالِهِ بواوِ الجماعةِ، وواوُ الجماعةِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ مَبْنيٌّ على السُكونِ في محلِّ الرفعِ فاعِلُهُ، والألِفُ: للتفريقِ. والجملةُ الفعليَّةُ هذِهِ مَعْطوفَةٌ عَلى جُملةِ "بَعَثْنا" على كونِها جَوَابَ "إِذا" فلا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ. و "خِلالَ" منصوبٌ على الظرفيَّةِ المكانيَّةِ، مُتَعَلِّقٌ بِـ "جَاسُوا"، وهو مُضافٌ. و "الدِّيارِ" مَجرورٌ بالإضافَةِ إِلَيْهِ.
قولُهُ: {وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا} الوَاوُ: للاسْتئنافِ، و "كانَ" فِعلٌ ماضٍ ناقِصٌ مَبنيٌّ على الفتْحِ. واسْمُها ضَميرٌ مُسْتترٌ فيها جوزًا تقديرُهُ (هو) يَعودُ عَلى البَعْثِ. و "وَعْدًا" خَبَرُها منصوبٌ بها. و "مَفْعُولًا" صِفَةُ الوعدِ منصوبةٌ مثلهُ، والجملةُ مُستأنفةٌ لا محلَّ لها منَ الإعرابِ.
قرأَ العامَّةُ: {عِبادًا لنا} بِزِنَةِ فِعَالٍ، وقَرَأَ زَيْدُ بْنُ عَلَيٍّ والحَسَنُ "عبيدًا لنا" على وزنِ "فَعِيْل".
قرَأَ العامَّةُ: {جاسوا} بالجيمِ، وَقَرَأَ ابنُ عبَّاسٍ وطَلْحَةُ وأَبُو السَّمَّالِ "حَاسُوا" بالحَاءِ المُهْمَلَةِ، وقُرِئَ أَيضًا "فَجُوِّسُوا" بالجِيمِ، بِزِنَةِ نُكِّسُوا.
قرأَ الجمهورُ: {خِلالَ} وهي مُحْتَمِلَةٌ وَجْهَيْنِ، أَحَدُهما: أَنَّهُ جمعُ خَلَلٍ، كَجِبالٍ في جَبَلٍ، وجِمالٍ في جَمَلٍ. والثاني: أَنَّهُ اسْمٌ مُفْرَدٌ بِمَعنَى وَسْط، ويَدُلُّ لَهُ قِراءةُ الحَسَنِ: "خَلَلَ الدِّيارِ".
مواضيع مماثلة
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة النحل، الآية: 110
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة النحل، الآية: 125
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة النحل، الآية: 12
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة النحل، الآية: 111
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة النحل، الآية: 127
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة النحل، الآية: 125
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة النحل، الآية: 12
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة النحل، الآية: 111
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة النحل، الآية: 127
منتدى مدينة أرمناز العام :: المنتدى الخاص بشاعر أرمناز الكبير الأستاذ عبدالقادر الأسود :: البحوث والدراسات والمقالات النثرية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء أكتوبر 01, 2019 11:34 am من طرف bassam1972
» شهادة الشاعر الكبير الأستاذ عبد القادر دياب مدير عام الملتقى الثقافي العربي
الجمعة سبتمبر 13, 2019 7:15 pm من طرف bassam1972
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 12
الجمعة يوليو 12, 2019 10:33 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 10
الخميس يوليو 11, 2019 10:54 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 9
الأربعاء يوليو 10, 2019 1:29 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 8
الأربعاء يوليو 10, 2019 10:41 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 6
الثلاثاء يوليو 09, 2019 4:24 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 5
الأحد يوليو 07, 2019 10:10 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 3
السبت يوليو 06, 2019 10:14 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 2
الجمعة يوليو 05, 2019 10:54 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكه، الآية: 1
الأربعاء يوليو 03, 2019 3:27 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف: تعريف
الثلاثاء يوليو 02, 2019 7:01 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 111
السبت يونيو 29, 2019 7:26 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 110
الخميس يونيو 27, 2019 10:38 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 109
الخميس يونيو 27, 2019 6:45 am من طرف عبد القادر الأسود