الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 32
منتدى مدينة أرمناز العام :: المنتدى الخاص بشاعر أرمناز الكبير الأستاذ عبدالقادر الأسود :: البحوث والدراسات والمقالات النثرية
صفحة 1 من اصل 1
الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 32
وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32)
قولُهُ ـ تَعالى شَأْنُهُ: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا} يَنْهَى اللهُ تَعالى عِبَادَهُ المُؤْمِنينَ عَنِ الزِّنَى وعَنْ مُقَارَبَتِهِ، ومُقاربتُهُ إنَّما تَكونُ بِمُخالَطَةِ أَسْبَابِهِ ودواعِيهِ. وَالْقُرْبُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ هُوَ أَقَلُّ الْمُلَابَسَةِ، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ شِدَّةِ النَّهْيِ عَنْ مُلَابَسَةِ الزِّنَى، وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُمْ: مَا كَادَ يَفْعَلُ كَذَا.
والزِنَى هُوَ وَطْءُ الرجُلِ المَرْأَةَ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ شَرْعِيٍّ، ضِمْنَ الشُرُوطِ التي حَدَّدَها الشَرْعُ الحَنِيفُ. وَالزِّنَى فِي اصْطِلَاحِ الْإِسْلَامِ مُجَامَعَةُ الرَّجُلِ امْرَأَةً غَيْرَ زَوْجَةٍ لَهُ وَلَا مَمْلُوكَةٍ غَيْرِ ذَاتِ الزَّوْجِ. وَفِي الْجَاهِلِيَّةِ الزِّنَى: مُجَامَعَةُ الرَّجُلِ امْرَأَةً حُرَّةً غَيْرَ زَوْجٍ لَهُ وَأَمَّا مُجَامَعَةُ الْأَمَةِ غَيْرِ الْمَمْلُوكَةِ لِلرَّجُلِ فَهُوَ الْبِغَاءُ. وقدْ نَهَى عَنْ مُقارَبَتِهَ بخِلافِ مَا سَبَقَ مِنْ مَنْهيَّاتٍ وما سَيَلْحَقُ مِنْها، للمُبالَغَةِ في النَّهْيِ عَنْ هَذِهِ المَعْصِيَّةِ الكَبيرةِ، ومُنَاسَبَةُ عَطْفِ هَذَا النَّهْيِ عَلَى النَّهْيِ عَنْ وَأْدِ الْبَنَاتِ الإِيمَاءُ إِلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَعُدُّونَ مِنْ أَعْذَارِهِمْ فِي وَأْدِ الْبَنَاتِ الْخَشْيَةَ مِنَ الْعَارِ الَّذِي قَدْ يَلْحَقُ مِنْ جَرَّاءِ إِهْمَالِ الْبَنَاتِ النَّاشِئِ عَنِ الْفَقْرِ الرَّامِي بِهِنَّ فِي مَهَاوِي الْعُهْرِ، وَلِأَنَّ فِي الزِّنَى إِضَاعَةَ نَسَبِ النَّسْلِ بِحَيْثُ لَا يُعْرَفُ لِلنَّسْلِ مَرْجِعٌ يَأْوِي إِلَيْهِ وَهُوَ يُشْبِهُ الْوَأْدَ فِي الْإِضَاعَةِ. وقدْ جاءَ النَّهْيُ عَنِ الزِّنا بَيْنَ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ الأَوْلادِ، وَقَتْلِ النَّفْسِ التي حَرَّمَ اللهُ تَعَالَى لِمَا أَنَّهُ قَتْلٌ للأَوْلادِ بِتَضْيِيعِ النَّسَبِ، فإِنَّ مَنْ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ كالمَقْتُولِ حُكْمًا.
قولُهُ: {إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} تَعْلِيلٌ للنهيِ عَنْ مُلَابَسَةِ الزِّنَى تَعْلِيلًا مُبَالَغًا فِيهِ مِنْ جِهَاتٍ، بِوَصْفِهِ بِالْفَاحِشَةِ الدَّالِّ عَلَى فَعْلَةٍ بَالِغَةٍ الْحَدَّ الْأَقْصَى فِي الْقُبْحِ، والفاحشةُ هي الذَنْبُ العَظِيمُ، والفَعْلَةُ الشَنيعَةُ الظاهِرَةُ القُبْحِ. لِمَا فِيهِ مِنَ الفِتَنِ واضْطِرابِ الأَنْسَابِ، وضَيَاعِ الحقوقِ، فقدْ رَوَى الشَيْخانِ وغَيْرُهُما مِنْ حديثِ أَبي هُرَيْرَةَ ـ رضِيَ اللهُ عنهُ، عَنْ سيِّدِنا رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: ((قَالَ لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ)). أَخْرَجَهُ الأئِمَّةُ: عَبْدُ الرَزَّاقِ: (7/416، برقم: 13686)، والإمامُ أَحْمَدُ: (2/479، رقم: 10220)، والبُخَارِيُّ: (6/2497، رقم: 6425)، ومُسْلِمٌ: (1/77، رقم: 57)، وأَبو دَاوُدَ: (4/221، رقم: 4689)، والتِرْمِذِيُّ: (5/15، رقم: 2625) وقال: حَسَنٌ صَحِيحٌ غَريبٌ. وابْنُ حِبَّانٍ في صَحِيحِهِ: (10/260، بِرقم: 4412). وَأخرج ابْنُ أَبي شَيْبَةَ عَنِ السيِّدةِ عَائِشَةَ أُمِّ المؤمنينَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، مِثْلَهَ.
وَأَخْرَجَ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَا يَزْنِي الزَّانِي ـ حِين يَزْنِي، وَهُوَ مُؤمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ ـ حِينَ يَسْرِقُ، وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ ـ حِينَ يَشْرَبُ، وَهُوَ مُؤمِنٌ، وَلَا يَقْتُلُ وَهُوَ مُؤمِنٌ، فَإِذا فَعَلَ ذَلِكَ نُزِعَ مِنْهُ نُورُ الْإِيمَانِ كَمَا يُنْزَعُ مِنْهُ قَمِيصُهُ، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللهُ عَلَيْهِ.
وَأَخْرَجَ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ فِي نَوَادِرِ الْأُصُولِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: لَمْ يَزْنِ عَبْدٌ قَطُّ إِلَّا نَزَعَ اللهُ نُورَ الْإِيمَانِ مِنْهُ: إِنْ شَاءَ رَدَّهُ، وَإِنْ شَاءَ مَنَعَهُ.
وَإِنَّما عَدَّهُ النَبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، غَيْرَ مُؤْمِنٍ حَالَ ارْتِكابِهِ لهذِهِ الكَبِيرةِ، لأَنَّهُ يَكونُ حينَئِذٍ مَغْلُوبًا عَلَى عَقْلِهِ أَوْ مَسْلُوبَ العَقْلِ. ورَوَى أَبُو دَاوُدَ والتِرْمِذِيُّ، والحاكمُ والبيهقيُّ في شُعِبِ الإيمانِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِذَا زَنَى الْعَبْدُ خَرَجَ مِنْهُ الْإِيمَانُ، فَكَانَ فَوْقَ رَأْسِهِ كَالظُّلَّةِ، فَإِذَا خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ الْعَمَلِ رَجَعَ إِلَيْهِ الْإِيمَانُ)). صَحيحُ سُنَنِ التِرْمِذِيِّ: (2625)، وَفِي قَوْلِهِ ـ عَلَيْهِ صَلاةُ اللهِ وَسَلامُهُ: ((فَكَانَ فَوْقَ رَأْسِهِ كَالظُّلَّةِ)) إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ وَإِنْ خَالَفَ حُكْمَ الْإِيمَانِ فَإِنَّهُ تَحْتَ ظِلِّهِ لَا يَزُولُ عَنْهُ حُكْمُ الْإِيمَانِ وَلَا يَرْتَفِعُ عَنْهُ اسْمُهُ (عَادَ إِلَيْهِ الْإِيمَانُ) قِيلَ هَذَا تَشْبِيهُ المَعْنَى بالمَحْسوسِ يُجامَعُ بِمَعْنَوِيٍ وَهُوَ الْإِشْرَافُ عَلَى الزَّوَالِ، وَفِيهِ إِيمَاءٌ بِأَنَّ الْمُؤْمِنَ فِي حَالَةِ اشْتِغَالِهِ بِالْمَعْصِيَةِ يَصِيرُ كَالْفَاقِدِ لِلْإِيمَانِ، لَكِنْ لَا يَزُولُ حُكْمُهُ وَاسْمُهُ، بَلْ هُوَ بَعْدُ فِي ظِلِّ رِعَايَتِهِ، وَكَنَفِ بَرَكَتِهِ، إِذَا نَصَبَ فَوْقَهُ كَالسَّحَابَةِ تُظِلُّهُ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ مَعْصِيَتِهِ، عَادَ الْإِيمَانُ إِلَيْه. وَهُوَ مِنَ الكَبَائِرِ، وفَاحِشَةٌ مُطْلَقًا عَلَى مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ المُحَقِّقونَ، بَلْ فِي الحديثِ الصَّحيحِ أَّنَّهُ بِحَلِيلَةِ الجَارِ مِنْ أَكْبَرِ الكَبَائرِ. وَبِتَأْكِيدِ ذَلِكَ بِحَرْفِ التَّوْكِيدِ "إنَّ"، وَبِفِعْلِ "كَانَ" الْمُؤْذِنِ بِأَنَّ خَبَرَهُ وَصْفٌ رَاسِخٌ مُسْتَقِرٌّ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ} الآيةَ: 27، مِنْ هذهِ السُّورَةِ المُبَارَكَةِ. وَالْمُرَادُ: أَنَّ ذَلِكَ وَصْفٌ ثَابِتٌ لَهُ فِي نَفْسِهِ، سَوَاءٌ عَلِمَهُ النَّاسُ مِنْ قَبْلُ أَمْ لَمْ يَعْلَمُوهُ إِلَّا بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ. فقد أَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنِ السُدِّيِّ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: "وَلَا تقربُوا الزِّنَى" قَالَ: يَوْمَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ لَمْ تَكُنْ حُدُودٌ، فَجَاءَتْ بَعْدَ ذَلِك الْحُدُودُ فِي سُورَةِ النُّورِ.
وَأَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَرَأَ "وَلَا تقربُوا الزِّنَا إِنَّه كَانَ فَاحِشَة ومقتًا وسَاءَ سَبِيلًا إِلَّا مَنْ تَابَ فَإِنَّ اللهَ كَانَ غَفَّارًا رَحِيمًا" فَذُكِرَ ذَلِكَ لِأَمِيرِ المُؤمنينَ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَأَتَاهُ، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: أَخَذْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَيْسَ لَكَ عَمَلٌ إِلَّا الصَّفْقَ بِالبَقِيعِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: "وَلَا تقربُوا الزِّنَى إِنَّه كَانَ فَاحِشَةً" قَالَ قَتَادَةُ عَنِ الْحَسَنِ البَصْريِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَقُولُ: ((لَا يَزْنِي العَبْدُ ـ حِينَ يَزْنِي، وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَنْتَهِبُ ـ حِينَ يَنْتَهِبُ، وَهُوَ مُؤمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ ـ حِينَ يَسْرِقُ، وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ ـ حِينَ يَشْرَبُهَا، وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَغلُّ ـ حِينَ يَغلُّ وَهُوَ مُؤْمِنٌ)). قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَاللهِ إِنْ كُنَّا لَنَرَى أَنَّهُ يَأْتِي ذَلِكَ وَهُوَ مُؤمِنٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِذا فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، نُزِعَ الْإِيمَانُ مِنْ قَلْبِهِ، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللهُ عَلَيْهِ)). وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: الْإِيمَانُ نُورٌ فَمَنْ زَنَى فَارَقَهُ الْإِيمَانُ، فَمَنْ لَامَ نَفْسَهُ فَراجَعَ، رَاجَعَهُ الْإِيمَانُ. وَأخرج الْبَيْهَقِيُّ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ الْإِيمَانَ سِرْبالٌ يُسَرْبِلُهُ اللهُ مَنْ يَشَاءُ فَإِذا زَنَى العَبْدُ نُزِعَ مِنْهُ سِرْبَالُ الْإِيمَانِ، فَإِنْ تَابَ رُدَّ عَلَيْهِ)). وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبي صَالِحٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَسَأَلَهُ عَنْ قَوْلِ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ((لَا يَزْنِي الزَّانِي ـ حِينَ يَزْنِي، وَهُوَ مُؤْمِنٌ، فَأَيْنَ يَكونُ الْإِيمَانُ مِنْهُ؟ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: يَكونُ هَكَذَا عَلَيْهِ، وَقَالَ: بِكَفِّهِ فَوْقَ رَأْسِهِ فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ، رَجَعَ إِلَيْهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ، وَابْنُ أَبي شَيْبَةَ، وَالْبَيْهَقِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ كَانَ يُسَمِّي عَبيدَهُ بِأَسْماءِ الْعَرَبِ: عِكْرِمَةُ وَسَميعٌ وكُريبٌ وَقَالَ لَهُم: تَزَوَّجُوا فَإِنَّ العَبْدَ إِذا زَنَى نُزِعَ مِنْهُ نُورُ الْإِيمَانِ، رَدَّ اللهُ عَلَيْهِ بَعْدُ أَوْ أَمْسَكَهُ.
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((يَا شَبَابَ قُرَيْشٍ احْفَظُوا فُرُوجَكُمْ، لَا تَزْنُوا، أَلَا مَنْ حَفِظَ اللهُ لَهُ فَرْجَهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ)).
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ، وَالْحَاكِمُ، وَالْبَيْهَقِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِذا ظَهَرَ الزِّنَا والرِّبَا فِي قَرْيَةٍ فَقَدْ أَحَلُّوا بِأَنْفُسِهِم كِتَابَ اللهِ)).
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ، وَالْحَاكِمُ، وَابْنُ عَدِيٍّ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((الزِّنَا يُورِثُ الْفَقْرَ)).
وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، عَنْ بُرَيْدَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا نَقَضَ قَوْمٌ الْعَهْدَ إِلَّا كَانَ الْقَتْلُ بَيْنَهمْ، وَلَا ظَهَرَتْ فَاحِشَةٌ فِي قَوْمٍ قَطُّ إِلَّا سَلَّطَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْمَوْتَ، وَلَا مَنَعَ قَوْمٌ الزَّكَاةَ إِلَّا حَبَسَ اللهُ عَنْهُمُ الْقَطْرَ)).
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ، وَابْنُ أبي الدُّنْيَا، عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ مَالِكٍ الطَّائِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((مَا مِنْ ذَنْبٍ بَعْدَ الشِّرْكِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ مِنْ نُطْفَةٍ وَضَعَهَا رَجُلٌ فِي رَحِمٍ لَا يَحِلُّ لَهُ)).
قولُهُ: {وَسَاءَ سَبِيلًا} وهوَ طَريقٌ سَيِّئٌ، ومَسْلَكٌ خاطئٌ في العلاقةِ بَيْنَ الجِنْسَيْنِ الذَكَرِ والأُنْثى، يعودُ عليْهِما وعَلى المُجْتَمَعِ الإِنْسَانيِّ بالمَضَارِّ والمفاسِدِ. وَالسَّبِيلُ: هوَ الطَّرِيقُ. وَقدِ اسْتُعيرَ هُنَا لِلْفِعْلِ الَّذِي يُلَازِمُهُ الْمَرْءُ وَيَكُونُ لَهُ دَأْبًا، اسْتِعَارَةٌ مَبْنِيَّةٌ عَلَى اسْتِعَارَةِ السَّيْرِ لِلْعَمَلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى مِنْ سورةِ طهَ: {سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى} فَبُنِيَ عَلَى اسْتِعَارَةِ السَّيْرِ لِلْعَمَلِ اسْتِعَارَةُ السَّبِيلِ لَهُ بِعَلَاقَةِ الْمُلَازَمَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُ هَذِهِ الآيةِ فِي قَوْلِهِ منْ سورةِ النِّساءِ: {إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتًا وَساءَ سَبِيلًا} الآية: 22.
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي هُرَيْرَة ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يُزَكِّيهم، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِم، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: شَيْخٌ زَانٍ، وَمَلِكٌ كَذَّابٌ، وعائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ)). وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ عَنْ أُسَامَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا تَرَكْتُ عَلى أُمَّتِي بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: لَمْ يَكُنْ كُفْرُ مَنْ مَضَى إِلَّا مِنْ قِبَلِ النِّسَاءِ، وَهُوَ كَائِنٌ كُفْرُ مَنْ بَقِيَ مِنْ قِبَلِ النِّسَاءِ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: ((مَا مِنْ قَوْمٍ يَظْهَرُ فِيهِمُ الزِّنَا إِلَّا أُخِذُوا بِالسَنَةِ، وَمَا مِنْ قوْمٍ يَظْهَرُ فيهِمُ الرِّشَا إِلَّا أُخِذُوا بِالرُّعْبِ)). وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: تَعْرِفُ الزُنَاةَ بِنَتَنِ فُرُوجِهِنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ عَنْ أَبي صَالِحٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ أَكْثَرَ ذُنُوبِ أَهْلِ النَّارِ النِّسَاءُ.
قولُهُ تَعَالَى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا} الوَاوُ: حَرْفُ عَطْفٍ، وَ "لا" ناهيةٌ جازِمَةٌ، وَ "تَقْرَبُوا" فِعْلٌ مُضارعٌ مَجْزُومٌ بِـ "لا" النَاهِيَةِ، وعلامةُ جزمِهِ حذْفُ النونِ على آخِرِهِ لأنَّهُ مِنَ الأفعالِ الخمْسَةِ. ووَاوُ الجماعةِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ فَاعِلُهُ، والألِفُ فارِقةٌ. وَ "الزِّنَى" مَفْعُولٌ بِهِ منصوبٌ، وعلامةُ نَصْبِهِ الفتحةُ المُقَدَّرَةُ على آخِرِهِ لتعَذُّرِ ظهورها على الأَلِفِ، والجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ} مِنَ الآيَةِ قبلَها.
قولُهُ: {إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} إِنَّهُ: حرفٌ ناصِبٌ ناسِخٌ مُشبَّهٌ بالفِعْلِ للتوكيدِ، والهاءُ: ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ النَّصْبِ اسْمُهُ. و "كانَ" فِعْلٌ ماضٍ ناقِصٌ مبنيٌّ على الفتحِ، واسْمُهُ ضَميرٌ مُسْتَتِرٌ فيهِ جوازًا تقدرُهُ (هو) يَعُودُ عَلى الزِنَا. و "فاحِشَةً" خَبَرُ "كانَ" منصوبٌ بها، وجُمْلَةُ "كانَ" في مَحَلِّ الرَّفْعِ خَبَرُ "إنَّ"، وجُمْلَةُ "إنَّ" مُسْتَأْنَفَةٌ مَسُوقَةٌ لِتَعْلِيلِ مَا قَبْلها.
قولُهُ: {وَسَاءَ سَبِيلًا} الواوُ: ، و "ساءَ" فِعْلٌ مَاضٍ لإنشاءِ الذَمِّ، مبنيٌّ على الفتحِ، وفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيهِ وُجُوبًا تقدرُهُ (هو) يَعُودُ عَلَى الزِنَا. و "سَبِيلًا" تَمْيِيزٌ لِفَاعِلِ "ساءَ"، وجُمْلَةُ "ساءَ" فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ خَبَرًا لِمُبْتَدَأٍ مَحْذوفٍ، هوَ المَخْصُوصُ بِالذَمِّ، وتَقْديرُهُ: (هوَ) يَعودُ عَلى الزِنَا، والجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ جُمْلَةٌ إِنْشائِيَّةٌ لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرابِ.
العامَّةُ على قصرِ {الزنى} وهِيَ اللُّغَةُ الفاشِيَةُ، وَقُرِئَ بالمَدِّ وفِيهِ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمُا: أَنَّهُ لُغَةٌ في المَقْصُورِ. والثاني: أَنَّهُ مَصْدَرُ "زاني"، "يُزاني"، كَ "قاتِلٍ"، "يُقاتلُ" قِتَالًا؛ لأَنَّهُ يَكونُ بَيْنَ اثْنَتَيْنِ، وعَلَى المَدِّ قوْلُ الفَرَزْدَقِ:
أَبَا خَالِدٍ مَنْ يَزْنِ يُعْرَفْ زِناؤُهُ ...... وَمَنْ يَشْرَبِ الخُرْطومَ يُصْبِحْ مُسَكَّرا
وقولُ النابغةُ الجَعْديُّ:
كانَتْ فَريضَةُ مَا تَقولُ كَمَا .................... كانَ الزِّناءُ فَريضَةَ الرَّجْمِ
ولَيْسَ ذَلِكَ مِنْ بابِ الضَرورَةِ لِثُبُوتِهِ قِراءَةً في الجُمْلَةِ.
قولُهُ ـ تَعالى شَأْنُهُ: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا} يَنْهَى اللهُ تَعالى عِبَادَهُ المُؤْمِنينَ عَنِ الزِّنَى وعَنْ مُقَارَبَتِهِ، ومُقاربتُهُ إنَّما تَكونُ بِمُخالَطَةِ أَسْبَابِهِ ودواعِيهِ. وَالْقُرْبُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ هُوَ أَقَلُّ الْمُلَابَسَةِ، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ شِدَّةِ النَّهْيِ عَنْ مُلَابَسَةِ الزِّنَى، وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُمْ: مَا كَادَ يَفْعَلُ كَذَا.
والزِنَى هُوَ وَطْءُ الرجُلِ المَرْأَةَ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ شَرْعِيٍّ، ضِمْنَ الشُرُوطِ التي حَدَّدَها الشَرْعُ الحَنِيفُ. وَالزِّنَى فِي اصْطِلَاحِ الْإِسْلَامِ مُجَامَعَةُ الرَّجُلِ امْرَأَةً غَيْرَ زَوْجَةٍ لَهُ وَلَا مَمْلُوكَةٍ غَيْرِ ذَاتِ الزَّوْجِ. وَفِي الْجَاهِلِيَّةِ الزِّنَى: مُجَامَعَةُ الرَّجُلِ امْرَأَةً حُرَّةً غَيْرَ زَوْجٍ لَهُ وَأَمَّا مُجَامَعَةُ الْأَمَةِ غَيْرِ الْمَمْلُوكَةِ لِلرَّجُلِ فَهُوَ الْبِغَاءُ. وقدْ نَهَى عَنْ مُقارَبَتِهَ بخِلافِ مَا سَبَقَ مِنْ مَنْهيَّاتٍ وما سَيَلْحَقُ مِنْها، للمُبالَغَةِ في النَّهْيِ عَنْ هَذِهِ المَعْصِيَّةِ الكَبيرةِ، ومُنَاسَبَةُ عَطْفِ هَذَا النَّهْيِ عَلَى النَّهْيِ عَنْ وَأْدِ الْبَنَاتِ الإِيمَاءُ إِلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَعُدُّونَ مِنْ أَعْذَارِهِمْ فِي وَأْدِ الْبَنَاتِ الْخَشْيَةَ مِنَ الْعَارِ الَّذِي قَدْ يَلْحَقُ مِنْ جَرَّاءِ إِهْمَالِ الْبَنَاتِ النَّاشِئِ عَنِ الْفَقْرِ الرَّامِي بِهِنَّ فِي مَهَاوِي الْعُهْرِ، وَلِأَنَّ فِي الزِّنَى إِضَاعَةَ نَسَبِ النَّسْلِ بِحَيْثُ لَا يُعْرَفُ لِلنَّسْلِ مَرْجِعٌ يَأْوِي إِلَيْهِ وَهُوَ يُشْبِهُ الْوَأْدَ فِي الْإِضَاعَةِ. وقدْ جاءَ النَّهْيُ عَنِ الزِّنا بَيْنَ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ الأَوْلادِ، وَقَتْلِ النَّفْسِ التي حَرَّمَ اللهُ تَعَالَى لِمَا أَنَّهُ قَتْلٌ للأَوْلادِ بِتَضْيِيعِ النَّسَبِ، فإِنَّ مَنْ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ كالمَقْتُولِ حُكْمًا.
قولُهُ: {إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} تَعْلِيلٌ للنهيِ عَنْ مُلَابَسَةِ الزِّنَى تَعْلِيلًا مُبَالَغًا فِيهِ مِنْ جِهَاتٍ، بِوَصْفِهِ بِالْفَاحِشَةِ الدَّالِّ عَلَى فَعْلَةٍ بَالِغَةٍ الْحَدَّ الْأَقْصَى فِي الْقُبْحِ، والفاحشةُ هي الذَنْبُ العَظِيمُ، والفَعْلَةُ الشَنيعَةُ الظاهِرَةُ القُبْحِ. لِمَا فِيهِ مِنَ الفِتَنِ واضْطِرابِ الأَنْسَابِ، وضَيَاعِ الحقوقِ، فقدْ رَوَى الشَيْخانِ وغَيْرُهُما مِنْ حديثِ أَبي هُرَيْرَةَ ـ رضِيَ اللهُ عنهُ، عَنْ سيِّدِنا رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: ((قَالَ لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ)). أَخْرَجَهُ الأئِمَّةُ: عَبْدُ الرَزَّاقِ: (7/416، برقم: 13686)، والإمامُ أَحْمَدُ: (2/479، رقم: 10220)، والبُخَارِيُّ: (6/2497، رقم: 6425)، ومُسْلِمٌ: (1/77، رقم: 57)، وأَبو دَاوُدَ: (4/221، رقم: 4689)، والتِرْمِذِيُّ: (5/15، رقم: 2625) وقال: حَسَنٌ صَحِيحٌ غَريبٌ. وابْنُ حِبَّانٍ في صَحِيحِهِ: (10/260، بِرقم: 4412). وَأخرج ابْنُ أَبي شَيْبَةَ عَنِ السيِّدةِ عَائِشَةَ أُمِّ المؤمنينَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، مِثْلَهَ.
وَأَخْرَجَ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَا يَزْنِي الزَّانِي ـ حِين يَزْنِي، وَهُوَ مُؤمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ ـ حِينَ يَسْرِقُ، وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ ـ حِينَ يَشْرَبُ، وَهُوَ مُؤمِنٌ، وَلَا يَقْتُلُ وَهُوَ مُؤمِنٌ، فَإِذا فَعَلَ ذَلِكَ نُزِعَ مِنْهُ نُورُ الْإِيمَانِ كَمَا يُنْزَعُ مِنْهُ قَمِيصُهُ، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللهُ عَلَيْهِ.
وَأَخْرَجَ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ فِي نَوَادِرِ الْأُصُولِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: لَمْ يَزْنِ عَبْدٌ قَطُّ إِلَّا نَزَعَ اللهُ نُورَ الْإِيمَانِ مِنْهُ: إِنْ شَاءَ رَدَّهُ، وَإِنْ شَاءَ مَنَعَهُ.
وَإِنَّما عَدَّهُ النَبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، غَيْرَ مُؤْمِنٍ حَالَ ارْتِكابِهِ لهذِهِ الكَبِيرةِ، لأَنَّهُ يَكونُ حينَئِذٍ مَغْلُوبًا عَلَى عَقْلِهِ أَوْ مَسْلُوبَ العَقْلِ. ورَوَى أَبُو دَاوُدَ والتِرْمِذِيُّ، والحاكمُ والبيهقيُّ في شُعِبِ الإيمانِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِذَا زَنَى الْعَبْدُ خَرَجَ مِنْهُ الْإِيمَانُ، فَكَانَ فَوْقَ رَأْسِهِ كَالظُّلَّةِ، فَإِذَا خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ الْعَمَلِ رَجَعَ إِلَيْهِ الْإِيمَانُ)). صَحيحُ سُنَنِ التِرْمِذِيِّ: (2625)، وَفِي قَوْلِهِ ـ عَلَيْهِ صَلاةُ اللهِ وَسَلامُهُ: ((فَكَانَ فَوْقَ رَأْسِهِ كَالظُّلَّةِ)) إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ وَإِنْ خَالَفَ حُكْمَ الْإِيمَانِ فَإِنَّهُ تَحْتَ ظِلِّهِ لَا يَزُولُ عَنْهُ حُكْمُ الْإِيمَانِ وَلَا يَرْتَفِعُ عَنْهُ اسْمُهُ (عَادَ إِلَيْهِ الْإِيمَانُ) قِيلَ هَذَا تَشْبِيهُ المَعْنَى بالمَحْسوسِ يُجامَعُ بِمَعْنَوِيٍ وَهُوَ الْإِشْرَافُ عَلَى الزَّوَالِ، وَفِيهِ إِيمَاءٌ بِأَنَّ الْمُؤْمِنَ فِي حَالَةِ اشْتِغَالِهِ بِالْمَعْصِيَةِ يَصِيرُ كَالْفَاقِدِ لِلْإِيمَانِ، لَكِنْ لَا يَزُولُ حُكْمُهُ وَاسْمُهُ، بَلْ هُوَ بَعْدُ فِي ظِلِّ رِعَايَتِهِ، وَكَنَفِ بَرَكَتِهِ، إِذَا نَصَبَ فَوْقَهُ كَالسَّحَابَةِ تُظِلُّهُ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ مَعْصِيَتِهِ، عَادَ الْإِيمَانُ إِلَيْه. وَهُوَ مِنَ الكَبَائِرِ، وفَاحِشَةٌ مُطْلَقًا عَلَى مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ المُحَقِّقونَ، بَلْ فِي الحديثِ الصَّحيحِ أَّنَّهُ بِحَلِيلَةِ الجَارِ مِنْ أَكْبَرِ الكَبَائرِ. وَبِتَأْكِيدِ ذَلِكَ بِحَرْفِ التَّوْكِيدِ "إنَّ"، وَبِفِعْلِ "كَانَ" الْمُؤْذِنِ بِأَنَّ خَبَرَهُ وَصْفٌ رَاسِخٌ مُسْتَقِرٌّ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ} الآيةَ: 27، مِنْ هذهِ السُّورَةِ المُبَارَكَةِ. وَالْمُرَادُ: أَنَّ ذَلِكَ وَصْفٌ ثَابِتٌ لَهُ فِي نَفْسِهِ، سَوَاءٌ عَلِمَهُ النَّاسُ مِنْ قَبْلُ أَمْ لَمْ يَعْلَمُوهُ إِلَّا بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ. فقد أَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنِ السُدِّيِّ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: "وَلَا تقربُوا الزِّنَى" قَالَ: يَوْمَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ لَمْ تَكُنْ حُدُودٌ، فَجَاءَتْ بَعْدَ ذَلِك الْحُدُودُ فِي سُورَةِ النُّورِ.
وَأَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَرَأَ "وَلَا تقربُوا الزِّنَا إِنَّه كَانَ فَاحِشَة ومقتًا وسَاءَ سَبِيلًا إِلَّا مَنْ تَابَ فَإِنَّ اللهَ كَانَ غَفَّارًا رَحِيمًا" فَذُكِرَ ذَلِكَ لِأَمِيرِ المُؤمنينَ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَأَتَاهُ، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: أَخَذْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَيْسَ لَكَ عَمَلٌ إِلَّا الصَّفْقَ بِالبَقِيعِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: "وَلَا تقربُوا الزِّنَى إِنَّه كَانَ فَاحِشَةً" قَالَ قَتَادَةُ عَنِ الْحَسَنِ البَصْريِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَقُولُ: ((لَا يَزْنِي العَبْدُ ـ حِينَ يَزْنِي، وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَنْتَهِبُ ـ حِينَ يَنْتَهِبُ، وَهُوَ مُؤمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ ـ حِينَ يَسْرِقُ، وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ ـ حِينَ يَشْرَبُهَا، وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَغلُّ ـ حِينَ يَغلُّ وَهُوَ مُؤْمِنٌ)). قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَاللهِ إِنْ كُنَّا لَنَرَى أَنَّهُ يَأْتِي ذَلِكَ وَهُوَ مُؤمِنٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِذا فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، نُزِعَ الْإِيمَانُ مِنْ قَلْبِهِ، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللهُ عَلَيْهِ)). وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: الْإِيمَانُ نُورٌ فَمَنْ زَنَى فَارَقَهُ الْإِيمَانُ، فَمَنْ لَامَ نَفْسَهُ فَراجَعَ، رَاجَعَهُ الْإِيمَانُ. وَأخرج الْبَيْهَقِيُّ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ الْإِيمَانَ سِرْبالٌ يُسَرْبِلُهُ اللهُ مَنْ يَشَاءُ فَإِذا زَنَى العَبْدُ نُزِعَ مِنْهُ سِرْبَالُ الْإِيمَانِ، فَإِنْ تَابَ رُدَّ عَلَيْهِ)). وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبي صَالِحٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَسَأَلَهُ عَنْ قَوْلِ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ((لَا يَزْنِي الزَّانِي ـ حِينَ يَزْنِي، وَهُوَ مُؤْمِنٌ، فَأَيْنَ يَكونُ الْإِيمَانُ مِنْهُ؟ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: يَكونُ هَكَذَا عَلَيْهِ، وَقَالَ: بِكَفِّهِ فَوْقَ رَأْسِهِ فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ، رَجَعَ إِلَيْهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ، وَابْنُ أَبي شَيْبَةَ، وَالْبَيْهَقِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ كَانَ يُسَمِّي عَبيدَهُ بِأَسْماءِ الْعَرَبِ: عِكْرِمَةُ وَسَميعٌ وكُريبٌ وَقَالَ لَهُم: تَزَوَّجُوا فَإِنَّ العَبْدَ إِذا زَنَى نُزِعَ مِنْهُ نُورُ الْإِيمَانِ، رَدَّ اللهُ عَلَيْهِ بَعْدُ أَوْ أَمْسَكَهُ.
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((يَا شَبَابَ قُرَيْشٍ احْفَظُوا فُرُوجَكُمْ، لَا تَزْنُوا، أَلَا مَنْ حَفِظَ اللهُ لَهُ فَرْجَهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ)).
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ، وَالْحَاكِمُ، وَالْبَيْهَقِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِذا ظَهَرَ الزِّنَا والرِّبَا فِي قَرْيَةٍ فَقَدْ أَحَلُّوا بِأَنْفُسِهِم كِتَابَ اللهِ)).
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ، وَالْحَاكِمُ، وَابْنُ عَدِيٍّ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((الزِّنَا يُورِثُ الْفَقْرَ)).
وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، عَنْ بُرَيْدَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا نَقَضَ قَوْمٌ الْعَهْدَ إِلَّا كَانَ الْقَتْلُ بَيْنَهمْ، وَلَا ظَهَرَتْ فَاحِشَةٌ فِي قَوْمٍ قَطُّ إِلَّا سَلَّطَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْمَوْتَ، وَلَا مَنَعَ قَوْمٌ الزَّكَاةَ إِلَّا حَبَسَ اللهُ عَنْهُمُ الْقَطْرَ)).
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ، وَابْنُ أبي الدُّنْيَا، عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ مَالِكٍ الطَّائِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((مَا مِنْ ذَنْبٍ بَعْدَ الشِّرْكِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ مِنْ نُطْفَةٍ وَضَعَهَا رَجُلٌ فِي رَحِمٍ لَا يَحِلُّ لَهُ)).
قولُهُ: {وَسَاءَ سَبِيلًا} وهوَ طَريقٌ سَيِّئٌ، ومَسْلَكٌ خاطئٌ في العلاقةِ بَيْنَ الجِنْسَيْنِ الذَكَرِ والأُنْثى، يعودُ عليْهِما وعَلى المُجْتَمَعِ الإِنْسَانيِّ بالمَضَارِّ والمفاسِدِ. وَالسَّبِيلُ: هوَ الطَّرِيقُ. وَقدِ اسْتُعيرَ هُنَا لِلْفِعْلِ الَّذِي يُلَازِمُهُ الْمَرْءُ وَيَكُونُ لَهُ دَأْبًا، اسْتِعَارَةٌ مَبْنِيَّةٌ عَلَى اسْتِعَارَةِ السَّيْرِ لِلْعَمَلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى مِنْ سورةِ طهَ: {سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى} فَبُنِيَ عَلَى اسْتِعَارَةِ السَّيْرِ لِلْعَمَلِ اسْتِعَارَةُ السَّبِيلِ لَهُ بِعَلَاقَةِ الْمُلَازَمَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُ هَذِهِ الآيةِ فِي قَوْلِهِ منْ سورةِ النِّساءِ: {إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتًا وَساءَ سَبِيلًا} الآية: 22.
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي هُرَيْرَة ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يُزَكِّيهم، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِم، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: شَيْخٌ زَانٍ، وَمَلِكٌ كَذَّابٌ، وعائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ)). وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ عَنْ أُسَامَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا تَرَكْتُ عَلى أُمَّتِي بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: لَمْ يَكُنْ كُفْرُ مَنْ مَضَى إِلَّا مِنْ قِبَلِ النِّسَاءِ، وَهُوَ كَائِنٌ كُفْرُ مَنْ بَقِيَ مِنْ قِبَلِ النِّسَاءِ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: ((مَا مِنْ قَوْمٍ يَظْهَرُ فِيهِمُ الزِّنَا إِلَّا أُخِذُوا بِالسَنَةِ، وَمَا مِنْ قوْمٍ يَظْهَرُ فيهِمُ الرِّشَا إِلَّا أُخِذُوا بِالرُّعْبِ)). وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: تَعْرِفُ الزُنَاةَ بِنَتَنِ فُرُوجِهِنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ عَنْ أَبي صَالِحٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ أَكْثَرَ ذُنُوبِ أَهْلِ النَّارِ النِّسَاءُ.
قولُهُ تَعَالَى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا} الوَاوُ: حَرْفُ عَطْفٍ، وَ "لا" ناهيةٌ جازِمَةٌ، وَ "تَقْرَبُوا" فِعْلٌ مُضارعٌ مَجْزُومٌ بِـ "لا" النَاهِيَةِ، وعلامةُ جزمِهِ حذْفُ النونِ على آخِرِهِ لأنَّهُ مِنَ الأفعالِ الخمْسَةِ. ووَاوُ الجماعةِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ فَاعِلُهُ، والألِفُ فارِقةٌ. وَ "الزِّنَى" مَفْعُولٌ بِهِ منصوبٌ، وعلامةُ نَصْبِهِ الفتحةُ المُقَدَّرَةُ على آخِرِهِ لتعَذُّرِ ظهورها على الأَلِفِ، والجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ} مِنَ الآيَةِ قبلَها.
قولُهُ: {إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} إِنَّهُ: حرفٌ ناصِبٌ ناسِخٌ مُشبَّهٌ بالفِعْلِ للتوكيدِ، والهاءُ: ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ النَّصْبِ اسْمُهُ. و "كانَ" فِعْلٌ ماضٍ ناقِصٌ مبنيٌّ على الفتحِ، واسْمُهُ ضَميرٌ مُسْتَتِرٌ فيهِ جوازًا تقدرُهُ (هو) يَعُودُ عَلى الزِنَا. و "فاحِشَةً" خَبَرُ "كانَ" منصوبٌ بها، وجُمْلَةُ "كانَ" في مَحَلِّ الرَّفْعِ خَبَرُ "إنَّ"، وجُمْلَةُ "إنَّ" مُسْتَأْنَفَةٌ مَسُوقَةٌ لِتَعْلِيلِ مَا قَبْلها.
قولُهُ: {وَسَاءَ سَبِيلًا} الواوُ: ، و "ساءَ" فِعْلٌ مَاضٍ لإنشاءِ الذَمِّ، مبنيٌّ على الفتحِ، وفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيهِ وُجُوبًا تقدرُهُ (هو) يَعُودُ عَلَى الزِنَا. و "سَبِيلًا" تَمْيِيزٌ لِفَاعِلِ "ساءَ"، وجُمْلَةُ "ساءَ" فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ خَبَرًا لِمُبْتَدَأٍ مَحْذوفٍ، هوَ المَخْصُوصُ بِالذَمِّ، وتَقْديرُهُ: (هوَ) يَعودُ عَلى الزِنَا، والجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ جُمْلَةٌ إِنْشائِيَّةٌ لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرابِ.
العامَّةُ على قصرِ {الزنى} وهِيَ اللُّغَةُ الفاشِيَةُ، وَقُرِئَ بالمَدِّ وفِيهِ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمُا: أَنَّهُ لُغَةٌ في المَقْصُورِ. والثاني: أَنَّهُ مَصْدَرُ "زاني"، "يُزاني"، كَ "قاتِلٍ"، "يُقاتلُ" قِتَالًا؛ لأَنَّهُ يَكونُ بَيْنَ اثْنَتَيْنِ، وعَلَى المَدِّ قوْلُ الفَرَزْدَقِ:
أَبَا خَالِدٍ مَنْ يَزْنِ يُعْرَفْ زِناؤُهُ ...... وَمَنْ يَشْرَبِ الخُرْطومَ يُصْبِحْ مُسَكَّرا
وقولُ النابغةُ الجَعْديُّ:
كانَتْ فَريضَةُ مَا تَقولُ كَمَا .................... كانَ الزِّناءُ فَريضَةَ الرَّجْمِ
ولَيْسَ ذَلِكَ مِنْ بابِ الضَرورَةِ لِثُبُوتِهِ قِراءَةً في الجُمْلَةِ.
مواضيع مماثلة
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 4
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 18
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 33 / 1
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 45
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 61
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 18
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 33 / 1
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 45
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 61
منتدى مدينة أرمناز العام :: المنتدى الخاص بشاعر أرمناز الكبير الأستاذ عبدالقادر الأسود :: البحوث والدراسات والمقالات النثرية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء أكتوبر 01, 2019 11:34 am من طرف bassam1972
» شهادة الشاعر الكبير الأستاذ عبد القادر دياب مدير عام الملتقى الثقافي العربي
الجمعة سبتمبر 13, 2019 7:15 pm من طرف bassam1972
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 12
الجمعة يوليو 12, 2019 10:33 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 10
الخميس يوليو 11, 2019 10:54 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 9
الأربعاء يوليو 10, 2019 1:29 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 8
الأربعاء يوليو 10, 2019 10:41 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 6
الثلاثاء يوليو 09, 2019 4:24 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 5
الأحد يوليو 07, 2019 10:10 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 3
السبت يوليو 06, 2019 10:14 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 2
الجمعة يوليو 05, 2019 10:54 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكه، الآية: 1
الأربعاء يوليو 03, 2019 3:27 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف: تعريف
الثلاثاء يوليو 02, 2019 7:01 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 111
السبت يونيو 29, 2019 7:26 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 110
الخميس يونيو 27, 2019 10:38 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 109
الخميس يونيو 27, 2019 6:45 am من طرف عبد القادر الأسود