منتدى مدينة أرمناز العام
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 47

اذهب الى الأسفل

الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية:  47 Empty الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 47

مُساهمة من طرف عبد القادر الأسود الأحد مارس 10, 2019 6:24 pm

نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا
(47)
قولُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ} أَيْ: نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَكُونُونَ عَلَيْهِ مِنْ إِعْراضٍ وَتَغَافُلٍ واسْتِخْفافٍ وهُزْءٍ بِكَ وبِالقُرْآنِ الكريمِ، ومَا يَبْدُرُ عَنْهم مِنْ لَغْوٍ وتَصْفِيقٍ وصُراخٍ وصفيرٍ للتَشْوِيشِ عَلَيْكَ وَأَنْتَ تَتْلُو كَلامَ اللهِ تَعَالى. فَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ كانَ يَقُومُ عَنْ يَمِينِهِ ـ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَجُلانِ مِنْ عَبْدِ الدَّارِ، وَعَنْ يَسَارِهِ رَجُلانِ مِنْهُمْ فَيُصَفِّقُونَ، وَيُصَفِّرُونَ، ويَخْلطونَ عَلَيْهِ بِالأَشْعَارِ.
ويَجُوزُ أَنْ تَكونَ الباءُ للسَبَبِيَّةِ، ويَجُوزُ أَيضًا أَنْ تَكونَ بِمَعْنَى اللامِ، أَيْ نَحْنَ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِسَبَبِهِ، أَوْ لأَجْلِهِ، مِنَ الهُزْءِ بِكَ وبما تَتْلُو مِنْ كلامِ اللهِ ـ تَعَالى، وَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بـ "يَسْتَمِعُونَ"، وجَعَلَهَا بَعْضُهُمْ عَلَى ظَاهْرِهَا بِمَعْنَى أَيَسْتَمِعُونَ بِقُلوبِهم، أَمْ بِظَاهِرِ أَسْماعِهِمْ، وليسَ بِظَاهِرٍ ـ كَمَا تَرى. واللهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ
قولُهُ: {إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} وقدْ سَمِعَهُ ـ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، زَعَمَاءُ قُرَيْشٍ، وكُبَراؤها، وأَرْبابُ العُقولِ والحِجَا فِيهم، إِضافَةً إِلَى ضُعَفَائِهم، وعَبِيدِهم، ومَوَالِيهم، فَوَقَعَ القُرْآنُ الكريمُ فِي نَفْسِ مَنْ شَاءَ اللهُ أنْ يَهدِيَهُ مِنْهُم مَوْقِعَ الاهْتِداءِ، فاهْتَدَى إِلَى الحَقِّ، وآمَنَ باللهِ ـ تَعَالى، ورَسُولِهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وبِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللهِ. ووَقَعَ مِنْ نَفُوسِ مَنْ أَضَلَّ اللهُ مَوْقِعِ الاسْتِكْبارِ فَكَفَرَ بِهِ، وأَعْرَضَ عَنْهُ. فقد أَخْرَجَ ابْنُ إِسْحَقَ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي (دَلَائِلِ النبوَّةِ)، عَنِ الإمامِ الزُّهْرِيِّ ـ رَضِي اللهُ عَنْهُ، قَالَ: حُدِّثْتُ أَنَّ أَبَا جَهْلٍ، وَأَبَا سُفْيَان، والأَخْنَسِ بْنِ شُرَيْقٍ، خَرَجُوا لَيْلَةً يَسْتَمِعُونَ مِنْ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ فِي بَيْتِهِ، فَأَخَذَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُم مَجْلِسًا يَسْتَمِعُ فِيهِ، وَكُلٌّ لَا يَعْلَمُ بِمَكَانِ صَاحِبِهِ، فَبَاتُوا يَسْتَمِعُونَ لَهُ، حَتَّى إِذا طَلَعَ الْفَجْرُ تَفَرَّقُوا، فَجَمَعَتْهُمُ الطَّرِيقُ، فَتَلاوَمُوا، فَقَالَ بَعْضُهم لِبَعْضٍ: لَا تَعُودوا، فَلَوْ رَآكُمْ بَعْضُ سُفَهائِكُمْ لأَوْقَعْتُمْ فِي نَفْسِهِ شَيْئًا. ثُمَّ انْصَرَفُوا حَتَّى إِذا كَانَ اللَّيْلَةُ الثَّانِيَةُ عَادَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُم إِلَى مَجْلِسِهِ، فَبَاتُوا يَسْتَمِعُونَ لَهُ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ تَفَرَّقُوا، فَجَمَعَتْهُمْ الطَّرِيقُ، فَقَالَ بَعضُهُمْ لِبَعْضٍ مِثْلَ مَا قَالُوا أَوَّلَ مَرَّةٍ، ثُمَّ انْصَرَفُوا، حَتَّى إِذا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الثَّالِثَةُ أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُم مَجْلِسَهُ، فَبَاتُوا يَسْتَمِعُونَ لَهُ، حَتَّى إِذا طَلَعَ الْفَجْرُ تَفَرَّقُوا، فَجَمَعَتْهُمُ الطَّرِيقُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: لَا نَبْرَحُ حَتَّى نَتَعَاهَدَ لَا نُعُودُ، فَتَعَاهَدُوا عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ تَفَرَّقُوا، فَلَمَّا أَصْبَحَ الْأَخْنَسُ، أَتَى أَبَا سُفْيَان فِي بَيتِهِ فَقَالَ: أَخْبِرْنِي عَنِ رَأْيِكَ فِيمَا سَمِعْتَ مِنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ: وَاللهِ لَقَدْ سَمِعْتُ أَشْيَاءَ أَعْرِفُهَا، وَأَعْرِفُ مَا يُرَادُ بِهَا، وَسَمِعْتُ أَشْيَاءَ مَا عَرَفْتُ مَعْنَاهَا، وَلَا مَا يُرَادُ بِهَا. قَالَ الْأَخْنَسُ: وَأَنَا وَالَّذِي حَلَفْتَ بِهِ.
ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدَهُ حَتَّى أَتَى أَبَا جَهْلٍ، فَقَالَ: مَا رَأْيُكَ فِيمَا سَمِعْتَ مِنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ: مَاذَا سَمِعْتُ تَنَازَعْنَا نَحْنُ وَبَنُو عَبْدِ مَنَافٍ فِي الشَّرَفِ، أَطْعَمُوا فَأَطْعَمْنَا، وحَمَلُوا فَحَمَلْنَا، وأَعْطُوا فَأَعْطَيْنَا، حَتَّى إِذا تَجَاثَيْنَا عَلَى الرُّكَبِ، وَكُنَّا كَفَرَسَيْ رِهَانٍ، قَالُوا: مِنَّا نَبِيٌّ يَأْتِيهِ الْوَحْيُ مِنَ السَّمَاءِ، فَمَتَى نُدْرِكُ هَذِهِ، وَاللهِ لَا نُؤْمِنُ بِهِ أَبَدًا، وَلَا نُصَدِّقُهُ. فَقَامَ عَنْهُ الْأَخْنَسُ، وَتَرَكَهُ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ مِرْدُوَيْهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فِي قَوْلِهِ تَعَالى: "إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ" قَالَ: عُتْبَةُ، وَشَيْبَةُ ابْنَا رَبِيعَةَ، والوَليدُ بْنُ الْمُغيرَةِ، وَالْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: "إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ" قَالَ: هِيَ فِي مِثْلِ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغيرَةِ وَمَنْ مَعَهُ فِي دَارِ النَدْوَةِ.
قولُهُ: {وَإِذْ هُمْ نَجْوَى} المَعْنَى نَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذي يَسْتَمِعُونَ مُلْتَبِسِينَ بِهِ مِمَّا لا خَيرَ فِيهِ مِنَ الأُمورِ المَذْكورَةِ، وبِالَّذي يَتَنَاجَوْنَ بِهِ فِيمَا بَيْنهم، أَوْ الأَوَّلُ ظَرْفٌ لـ "يَسْتَمِعُونَ" والثاني لـ "يَتَنَاجَونَ" والمَعْنَى نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا بِهِ الاسْتِمَاعُ وَقْتَ اسْتِمَاعِهِمْ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ، وبِمَا بِهِ التَنَاجِي، وَقْتَ تَنَاجِيهِمْ، و "نَجْوَى" مَرْفُوعٌ عَلَى الخَبَرِيَّةِ بِتَقْديِرِ المُضافِ، أَيْ ذَوُو نَجْوَى، أَوْ هُوَ جَمْعُ "نَجِيٍّ"، كَ "قَتْلَى" جَمْعِ "قتِيلٍ" أَيْ: مُتَنَاجُونَ خِلالَ اجْتِمَاعُهُمْ في دارِ النَدْوَةِ، ثُمَّ انْتَشَرَتْ عَنْهُم. وَالنَّجْوَى: اسْمُ مَصْدَرِ الْمُنَاجَاةِ، وَهِيَ الْمُحَادَثَةُ سِرًّا. وَأَخْبَرَ عَنْهُمْ بِالْمَصْدَرِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي كَثْرَةِ تَنَاجِيهِمْ عِنْدَ اسْتِمَاعِ الْقُرْآنِ تَشَاغُلًا عَنْهُ. أَيْ مُتَنَاجُونَ فِي أَمْرِكَ. قَالَ قَتَادَةُ: وَكَانَتْ نَجْوَاهُمْ قَوْلُهُمْ "إِنَّهُ مَجْنُونٌ"، وَ "إِنَّهُ سَاحِرٌ، وَإِنَّهُ يَأْتِي بِأَسَاطِيرِ الْأَوَّلِينَ، وَغَيْرُ ذَلِكَ.
قولُهُ: {إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ} و "إِذْ يَقُولُ" بَدَلٌ مِنْ "إِذْ هُمْ نَجْوى" بَدَلَ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ، لِأَنَّ نَجْوَاهُمْ غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ فِي هَذَا الْقَوْلِ. وَإِنَّمَا خَصَّ هَذَا الْقَوْلَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ أَشَدُّ غَرَابَةً مِنْ بَقِيَّةِ آفَاكِهِمْ لِلْبَوْنِ الْوَاضِحِ بَيْنَ حَالِ النَبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَيْنَ حَالِ الْمَسْحُورِ. وفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا يَتَنَاجَوْنِ بِهِ غَيْرُ مَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ وَإِنَّمَا وُضِعَ الظَّالِمُونَ مَوْضِعَ المُضْمَرِ إِشْعَارًا بِأَنَّهمْ فِي ذَلِكَ ظَالِمُونَ مُجاوِزونَ لِلحَدِّ، أَيْ يَقُولُ كُلٌّ مِنْهُمْ للآخَرينَ، عِنْدَ تَنَاجِيهم: "إِنْ تَتَّبِعُونَ ..".
قولُهُ: {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا} أَيْ: مَا تَتَّبِعُونَ ـ إِنْ وُجِدَ مِنْكُمُ الاتِّباعُ فَرَضًا، أَوْ مَا تَتَّبِعونَ باللَّغْوِ والهُزْءِ "إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا"، أَيْ سُحِرَ فَجُنَّ، أَوْ رَجُلًا ذَا سَحْرٍ، أَيْ ذَا رِئَةٍ يَتَنَفَّسُ بها، أَيْ: هُوَ بَشَرٌ مِثْلُكم. والعربُ تَقولُ لِلْجَبانِ: (قَدِ انْتَفَخَ سَحْرُهُ) بِفَتْحِ السِّينِ، ويقولونُ لِكُلِّ مَنْ أَكَلَ وَشَرِبَ: مَسْحُورٌ، وَمُسْحَرٌ. فَمِنْ الأَوَّلِ قَوْلُ الشاعِرِ امْرِئِ القَيْسِ الكِنْدِيِّ:
أَرَانا مُوْضَعِيْنَ لأمرِ غَيْبٍ ................... ونُسْحَرُ بالطعامِ وبالشرَّابِ
أَيْ: نُغَذَّى ونُعَلَّلُ. ومِنَ الثاني قَوْلُ لَبِيدِ بْنِ ربيعةَ:
فَإِنْ تَسْأَلِينا فِيمَ نَحْنُ فَإِنَّنا ............ عَصَافِيرُ مِنْ هَذَا الأَنامِ المُسَحَّرِ
وقد رَدُّوا عَلى أَبي عُبَيْدَةَ قَوْلَهُ هذا لِبُعْدِهِ عَنْ الآيةِ لَفْظًا وَمَعْنًى. فقالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: لا أَدْري ما الذي حَمَلَ أَبَا عُبَيْدَةَ عَلَى هَذَا التَفْسِيرِ المُسْتَكْرَهِ مَعَ مَا فَسَّرَهُ السَّلَفُ بِالوُجُوهِ الواضِحَةِ. وَأَيْضًا فإِنَّ "السَّحْرَ" الذي هوَ الرِّئَةُ لَمْ يُضْرَبْ لَهُ فِيهِ مَثَلٌ، بِخِلافِ "السَّحْرِ"، فإِنَّهم ضَرَبوا لَهُ فيهِ المَثَلَ، فَمَا بَعْدَ الآيَةِ مِنْ قَوْلِه: "انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ" لَا يُنَاسِبُ إِلَّا "السِّحْرَ" بالكَسْرِ. وَقد وَقَعَ إِظْهَارٌ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ فِي "إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ" دُونَ: إِذْ يَقُولُونَ، لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ بَاعِثَ قَوْلِهِمْ ذَلِكَ هُوَ الظُّلْمُ، أَيِ الشِّرْكُ فَإِنَّ الشِّرْكَ ظُلْمٌ عظيمٌ، كَمَا قالَ تعالى حاكيًا قوْلَ لُقْمَانَ لابْنِهِ وهوَ يَعِظُهُ: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} الآيةَ: 13، مِنْ سُورةِ لُقْمَانَ، أَيْ وَلَوْلَا شِرْكُهُمْ لَمَا مَثَّلَ عَاقِلٌ حَالَةَ النَّبِيِّ ـ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، الْكَامِلَةَ بِحَالَةِ الْمَسْحُورِ. وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ الظُّلْمُ أَيْضًا الِاعْتِدَاءَ، أَيِ الِاعْتِدَاءَ عَلَى النَبِيِّ محَمَّدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَذِبًا.
قِيلَ: نَزَلَتْ حِينَ دَعَا عُتْبَةُ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ إِلَى طَعَامٍ صَنَعَهُ لَهُمْ، فَدَخَلَ عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَرَأَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ، وَدَعَاهُمْ إِلَى اللهِ، فَتَنَاجَوْا، يَقُولُونَ: سَاحِرٌ وَمَجْنُونٌ.
وَقِيلَ: أَمَرَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلِيًّا أَنْ يَتَّخِذَ طَعَامًا وَيَدْعُوَ إِلَيْهِ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَفَعَلَ ذَلِكَ عَلِيٌّ، وَدَخَلَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَرَأَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ، وَدَعَاهُمْ إِلَى التَّوْحِيدِ، وَقَالَ: ((قُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ لِتُطِيعَكُمُ الْعَرَبُ، وَتَدِينَ لَكُمُ الْعَجَمُ)). فَأَبَوْا، وَكَانُوا يَسْتَمِعُونَ مِنَ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَقُولُونَ بَيْنَهُمْ مُتَنَاجِينَ: هُوَ سَاحِرٌ وَهُوَ مَسْحُورٌ، فَنَزَلَتِ هَذِهِ الْآيَةُ.
قوْلُهُ تَعَالَى: {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ} نَحْنُ: ضميرٌ مُنْفَصِلٌ مبنيٌّ على الضمِّ في محلِّ الرَّفعِ بالابْتِداءِ، و "أَعْلَمُ" خَبَرُهُ مَرْفُوعٌ، والجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا محلَّ لها مِنَ الإِعْرابِ. و "بِما" الباءُ: حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِالخَبَرِ "أَعْلَمُ"، و "ما" اسمٌ موْصولٌ مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ الجرِّ بحرفِ الجرِّ. و "يَسْتَمِعُونَ" فِعْلٌ مُضارعٌ مَرْفُوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ والجَازمِ، وعلامَةُ رَفعِهِ ثَباتُ النُّونِ في آخِرِهِ لأَنَّهُ مِنَ الأَفْعَالِ الخَمْسَةِ، وواوُ الجَمَاعَةِ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ فاعِلُهُ، والجُمْلَةُ صِلَةُ المَوْصُولِ "مَا" لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرابِ. و "بِهِ" الباءُ حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بـ "يَسْتَمِعونَ"، وَفي قَوْلِهِ: "بِهِ" أَوْجُهٌ، أَحَدُهَا: أَنَّهُ حَالٌ، فَيَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ. قالَ الزَمَخْشَرِيُّ: و "بِهِ" فِي مَوْضِعِ الحَالِ كَمَا تَقولُ: يَسْتَمِعُونَ بِالهُزْءِ، أَيْ: هازِئِينَ. الثاني: أَنَّهَا بِمَعْنَى اللَّامِ، أَيْ: بِمَا يَسْتَمِعُونَ لَهُ. الثالثُ: أَنَّها عَلى بابِها، أَيْ: يَسْتَمِعُونَ بِقُلوبِهِمْ، أَوْ بِظَاهِرِ أَسْمَاعِهِمْ، قَالَهُمُا أَبُو البَقاءِ العُكْبُريُّ. الرَّابِعُ: قالَ الحُوفِيُّ: لَمْ يَقُلْ يَسْتَمِعونَهُ، وَلا يَسْتَمِعُونَكَ؛ ولَمَّا كانَ الغَرَضُ لَيْسَ الإِخْبَارَ عَنِ الاسْتِمَاعِ فَقَطْ، وكانَ مُضَمَّنًا أَنَّ الاسْتِمَاعَ كانَ عَلَى طَريقِ الهُزْءِ، وذَلِكَ بِأَنْ يَقولوا: مَجْنُونٌ، أَوْ مَسْحُورٌ، جَاءَ الاسْتِمَاعُ "بِهِ" وَ "إِلى"، لِيُعْلَمَ أَنَّ الاسْتِمَاعَ لَيْسَ المُرادُ بِهِ تَفَهُّمَ المَسْمُوعِ دُونَ هَذَا المَقْصِدِ، فَعَلَى هَذَا أَيْضًا تَتَعَلَّقُ الباءُ بِـ "يَسْتَمِعُونَ" كما تقدَّمَ. والهاءُ: ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجرِّ بحرفِ الجرِّ. وَالْبَاءُ لِتَعْدِيَةِ اسْمِ التَّفْضِيلِ إِلَى مُتَعَلِّقِهِ لِأَنَّهُ قَاصِرٌ عَنِ التَّعْدِيَةِ إِلَى الْمَفْعُولِ. وَاسْمُ التَّفْضِيلِ الْمُشْتَقُّ مِنِ الْعِلْمِ وَمِنَ الْجَهْلِ يُعَدَّى بِالْبَاءِ وَفِي سِوَى ذَيْنِكَ يُعَدَّى بِاللَّامِ. يُقَالُ: هُوَ أَعْطَى لِلدَّرَاهِمِ. وَالْبَاءُ فِي "يَسْتَمِعُونَ بِهِ" لِلْمُلَابَسَةِ. فهي سَبَبِيَّةٌ، والمَعْنَى: مَا يَسْتَمِعُونَ بِسَبَبِهِ، أَوْ لِأَجْلِهُ، وَهُوَ الهُزْءُ بِكَ، وبِالقُرْآنِ الكريمِ. والْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإعرابِ.
قولُهُ: {إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} إِذْ: ظَرْفٌ لِمَا مَضَى مِنَ الزَمَانِ، مُتَعَلِّقٌ بِـ "أَعْلَمُ". قال الزمخشريُّ: "إِذْ يَسْتَمِعُونَ" نَصْبٌ بـ "أَعْلَمُ"، أَيْ: أَعْلَمُ وَقْتَ اسْتِمَاعِهِمْ بِمَا بِهِ يَسْتَمِعُونَ، وبِمَا يَتَنَاجَوْنَ بِهِ، إِذْ هُمْ ذَوُو نَجْوَى. وَقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: بِأَنَّهُ مَنْصُوبٌ بـ "يَسْتَمِعُونُ" الأُولَى، والعامِلُ في "إِذْ" الأُولَى، وَفِي المَعْطوفِ "يَسْتَمِعُونَ" الأَوَّلُ. وقالَ الحُوفِيُّ: فَـ "إِذْ" الأُولَى تَتَعَلَّقُ بِـ "يَسْتَمِعُونَ" وكَذَا "وَإِذْ هُمْ نَجْوَى" لِأَنَّ المَعْنَى: نَحْنُ أَعْلَمُ بِالذي يَسْتَمِعونَ إِلَيْكَ، وَإِلى قِراءَتِكَ وكلامِكَ، إِنَّمَا يَسْتَمِعُونَ لِسَقْطِكَ، وتَتَبُّعِ عَيْبِكَ، والْتِمَاسِ مَا يَطْعَنُونَ بِهِ عَلَيْكَ، يَعْنِي فِي زَعْمِهِمْ؛ وَلِهَذَا ذَكَرَ تَعْدِيَتَهُ بالباءِ وَ "إِلَى". وَ "يَسْتَمِعُونَ" تَقَدَّمَ إِعْرابُها مُفصَّلًا أَعْلاهُ، والجملةُ في مَحَلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ، لِـ "إِذْ". و "إِلَيْكَ" إلى: حَرْفُ جَرِّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "يَسْتَمِعُونَ"، وكافُ الخِطابِ ضَميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مبنيٌّ على الفتْحِ فِي محلِّ الجرِّ بِحَرْفُ الجَرِّ.
قولُهُ: {وَإِذْ هُمْ نَجْوَى} "إِذْ" بَدَلٌ مِنْ "إِذْ" فِي قَوْلِهِ: {إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} بَدَلَ كُلٍّ مِنْ كُلٍّ. و "هُمْ" ضميرٌ منفصِلٌ مبنيٌّ على السُّكونِ في محلِّ الرَّفعِ بالابتِداءِ. و "نَجْوى" خَبَرُهُ مرفوعٌ، وعلامةُ رفعِهِ الضمَّةُ المُقدَّرةُ على آخِرِهِ لتعذُرِ ظهورِها على الأَلِفِ، ويجوزُ أَنْ يكونَ "نَجْوى" مَصْدَرًا فَيَكونُ مِنْ إِطْلاقِ المَصْدَرِ عَلَى العَيْنِ للمُبالَغَةِ، أَوْ عَلَى أَنَّ المعنى على حَذْفِ مُضافٍ، أَيْ: ذَوُو نَجْوَى. ويَجُوزُ أَنْ يَكونَ جَمَعَ "نَجِيٍّ"، ك "قَتيلٍ" و "قَتْلَى". والجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ الجَرِّ بإضافةِ "إِذْ" إِليها.
قولُهُ: {إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ} إِذْ: بَدَلٌ مِنْ "إذْ" الأُولَى فِي أَحَدِ القَوْلَيْنِ، ومَعْمُولَةٌ لـ "اذْكُرْ" مُقَدَّرًا بحسَبِ القولِ الثاني. و "يقولُ" فعلٌ مُضارعٌ مرفوعٌ لتجرُّدِهِ منَ الناصِبِ والجازمِ. و " الظَّالِمُونَ" فاعِلُهُ مرفوعٌ بِهِ، وعلامةُ رَفْعِهِ الواوُ لأنَّهُ جمعُ المُذكَّرِ السَّالمُ، والنونُ عِوَضٌ منَ التنوينِ في الاسْمِ المُفردِ. والجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ الجَرِّ بإضافةِ "إِذْ" إليها.
قوْلُهُ: {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا} إِنْ" نَافِيَةٌ بمعنى "مَا". و "تَتَّبِعُونَ" مثلُ" "تَسْتَمِعُونَ"، والجملةُ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ مَقولُ القولِ لـ "يَقُولُ". و "إِلَّا" أَداةُ حَصْرٍ. و "رَجُلًا" مَفْعُولٌ بِهِ منصوبٌ. و "مَسْحُورًا" صِفَةٌ لِـ "رَجُلًا" منصوبةٌ مثلُهُ.
عبد القادر الأسود
عبد القادر الأسود
أرمنازي - عضو شرف
أرمنازي - عضو شرف

عدد المساهمات : 932
نقاط : 2771
السٌّمعَة : 15
تاريخ التسجيل : 08/06/2010
العمر : 76
الموقع : http://abdalkaderaswad.spaces.live.com

http://abdalkaderaswad.wordpress.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى