الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 49
منتدى مدينة أرمناز العام :: المنتدى الخاص بشاعر أرمناز الكبير الأستاذ عبدالقادر الأسود :: البحوث والدراسات والمقالات النثرية
صفحة 1 من اصل 1
الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 49
وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (49)
قولُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا} أَيْ: لَمَّا سَمِعَ المُشْرِكُونَ الْقُرْآنَ الكَريمَ مِنْ سيِّدِنا رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وَسَمِعُوا بِأَمْرِ الْبَعْثِ مِنْ جديدٍ، والحَيَاةِ بَعْدَ الموتِ، قَالُوا ـ وَهُمْ يَتَنَاجَوْنَ فيما بَيْنَهُم: لَوْ لَمْ يَكُنْ مَسْحُورًا لَمَا قَالَ هَذَا.
وَالْعِظَامُ: جَمْعُ عَظْمٍ، وَهُوَ مَا مِنْهُ تَرْكِيبُ جَسَدِ الإِنْسَانِ وَالدَّوَابِّ. وَمَعْنَى "كُنَّا عِظامًا" أَنَّهُمْ صاروا عِظَامًا عاريَةً لَا لَحْمَ عَلَيْهَا.
وَالرُّفَاتُ: مَا تَكَسَّرَ وَبَلِيَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، كَالْفُتَاتِ، وَالْحُطَامِ، وَالرُّضَاضِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: الرُّفَاتُ الْغُبَارُ. أَخْرَجَهُ عَنْهُ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ. وَأَخَرَجَ ثلاثتُهمْ أَيْضًا عَنْ مُجَاهِدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: الرُّفاتُ: التُّرَابُ. نَقُولُ: رُفِتَ الشَّيْءُ رَفْتًا، أَيْ حُطِّمَ، فَهُوَ مَرْفُوتٌ. والرُّفاتُ مَا بُولِغَ فِي دَقِّهِ وَتَفْتِيتِهِ، والرَّفْتُ كَسْرُ الشَّيْءِ بِيَدِكَ، تَقُولُ: رَفَتُّهُ أَرْفِتُهُ بِالْكَسْرِ كَمَا يُرْفَتُ الْمَدَرُ وَالْعَظْمُ الْبَالِي، وَالرُّفَاتُ الْأَجْزَاءُ الْمُتَفَتِّتَةُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُكْسَرُ. ويُقَالُ: رَفَتَ عِظَامَ الْجَزُورِ رَفْتًا إِذَا كَسَرَهَا. ويُقالُ للتِّبْنِ: الرُّفَتُ لِأَنَّهُ دُقَاقُ الزَّرْعِ. قَالَ الْأَخْفَشُ: رَفَتَ رَفْتًا، فَهُوَ مَرْفُوتٌ نَحْوَ حَطَمَ حَطْمًا، فَهُوَ مَحْطُومٌ، والاسْمُ منهُ الرُّفاتُ والحُطامُ، ويُقالُ: رَفَتَ الشَّيْءَ، يَرْفِتُهُ بِالكَسْرِ، أَيْ: كَسَرَهُ. وما كانَ وَزْنُهُ "فُعَال" غَلَبَ مَجِيئُهُ فِي المُتَفْرِّقِ كالحُطامِ، والدُّقاقِ، والفُتَاتِ.
قولُهُ: {أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا} اسْتِفْهامٌ المُرادُ بِهِ الجَحْدُ والإِنْكَارُ. وَالْبَعْثُ: الْإِرْسَالُ. وَأُطْلِقَ هُنَا عَلَى إِحْيَاءِ الْمَوْتَى، لِأَنَّ الْمَيِّتَ يُشْبِهُ الْمَاكِثَ فِي عَدَمِ مُبَارَحَةِ مَكَانِهِ. وَ "خَلْقًا جَديدًا" بَعْثًا مِنْ جَدِيدٍ.
لَقَدِ اشْتَبَهَ عَلَى الكُفَّارِ أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا مَاتَ جَفَّتْ أَعْضَاؤُهُ، وَتَنَاثَرَتْ، وَتَفَرَّقَتْ فِي الْعَالَمِ، فَاخْتَلَطَ بِتِلْكَ الْأَجْزَاءِ سَائِرُ أَجْزَاءِ الْعَالَمِ.
وجِسْمُ الإِنْسَانِ متشَكِّلٌ مِنَ ذاتِ العَنَاصِرِ الأَرْبَعَةِ التي يَتَشَكَّلُ مِنْهَا العَالَمُ، فَأَمَّا الْأَجْزَاءُ الْمَائِيَّةُ فِي بَدَنِهِ فَتَخْتَلِطُ بِمِيَاهِ الْعَالَمِ، وَأَمَّا الْأَجْزَاءُ التُّرَابِيَّةُ فَتَخْتَلِطُ بِتُرَابِ الْعَالَمِ، وَأَمَّا الْأَجْزَاءُ الْهَوَائِيَّةُ فَتَخْتَلِطُ بِهَوَاءِ الْعَالَمِ، وَأَمَّا الْأَجْزَاءُ النَّارِيَّةُ فَتَخْتَلِطُ بِنَارِ الْعَالَمِ. وَإِذَا صَارَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَكَيْفَ يُعْقَلُ ـ عِنْدَهُمْ، اجْتِمَاعُهَا مِنْ جَدِيدٍ، وَعَوْدُ الْحَيَاةِ إِلَيْهَا بِأَعْيَانِهَا مَرَّةً أُخْرَى. فقدْ أَقَرُّوا بِأَنَّ اللهَ خالِقُهم، وأَنْكرُوا قُدْرَتَهُ عَلَى إِعَادَتِهِمْ بَعْدَ العَدَمِ، وَلَكِنْ كَمَا جَازَ أَنْ يُوجِدَهُمْ أَوَّلًا وَهُمْ في حيِّزِ العَدَمِ، حَيْثُ لم يَكُنْ لَّهُمْ عَيْنٌ وَلَا أَثَرٌ، ولَكِنَّهم كانُوا في مُتَنَاوَلِ القُدْرَةِ، ومُتَعَلَّقِ الإِرَادَةِ، فَإِنَّ مِنْ حَقِّ صَاحِبِ القُدْرَةِ والإِرادَةِ، وفي إِمكانِهِ وصَلاحِيَتِهِ أَنْ يُعِيدَهُمْ إِلَى الوُجُودِ مَرَّةً أُخْرَى.
لَقَدِ اسْتَبْعَدَ هَؤُلاءِ البَعْثَ عَنِ المَوْتَى؛ لأَنَّهم غَفِلُوا في بِدَايَةِ الوُجُودِ وَبِدَايَةِ خَلْقِ الإِنْسانِ، فهَذَا الْإِشْكَالَ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِالْقَدْحِ فِي كَمَالِ عِلْمِ اللهِ ـ تَعَالى، وَفِي كَمَالِ قُدْرَتِهِ ـ سُبحانَهُ. وَإِذَا سَلَّمْنَا كَوْنَهُ تَعَالَى عَالِمًا بِجَمِيعِ الْجُزْئِيَّاتِ فَحِينَئِذٍ هَذِهِ الْأَجْزَاءُ وَإِنِ اخْتَلَطَتْ بِأَجْزَاءِ الْعَالَمِ إِلَّا أَنَّهَا مُتَمَايِزَةٌ فِي عِلْمِ اللهِ تَعَالَى. وَلَمَّا سَلَّمْنَا كَوْنَهُ تَعَالَى قَادِرًا عَلَى كُلِّ الْمُمْكِنَاتِ، كَانَ قَادِرًا عَلَى إِعَادَةِ التَّأْلِيفِ وَالتَّرْكِيبِ وَالْحَيَاةِ وَالْعَقْلِ إِلَى تِلْكَ الْأَجْزَاءِ بِأَعْيَانِهَا، فَثَبَتَ أَنَّا مَتَى سَلَّمْنَا بِكَمَالِ عِلْمِ اللهِ، وَكَمَالِ قُدْرَتِهِ، زَالَتْ هَذِهِ الشُّبْهَةُ.
قولُهُ تَعَالَى: {وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا} الواوُ: للاسْتِئنافِ، أَوْ للعطْفِ، وَ "قالُوا" فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَمِّ لاتِّصالِهِ بِوَاوِ الجَمَاعَةِ، وواوُ الجَمَاعَةِ ضَميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ فاعِلُهُ، والجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ، أَوْ مَعْطٌوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ {ضَرَبُوا} مِنَ الآيَةِ التي قبْلَها، ويَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جُمْلَةً "قالُوا" مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ {قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا تَقولُونَ} الآيةَ: 42، مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ. بِاعْتِبَارِ مَا تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ: {كَمَا تَقُولُونَ} لِقَصْدِ اسْتِئْصَالِ ضَلَالَةٍ أُخْرَى مِنْ ضَلَالَاتِهِمْ بِالْحُجَّةِ الدَّامِغَةِ، بَعْدَ اسْتِئْصَالِ الَّتِي قَبْلَهَا بِالْحُجَّةِ الْقَاطِعَةِ بِقَوْلِهِ: {قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا تَقُولُونَ} الْآيَةَ، وَمَا بَيْنَهُمَا بِمَنْزِلَةِ الِاعْتِرَاضِ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ {إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا} الآيَةَ: 47، السَّابِقَةِ، الَّتِي مَضْمُونُهَا مَظْرُوفٌ لِلنَّجْوَى، فَيَكُونُ هَذَا الْقَوْلُ مِمَّا تَنَاجَوْا بِهِ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ يَجْهَرُونَ بِإِعْلَانِهِ وَيَعُدُّونَهُ حُجَّتَهُمْ عَلَى التَّكْذِيبِ. وَ "أَإِذا" الهَمْزَةُ: للاسْتِفْهامِ الإِنْكارِيِّ الاسْتِبْعادِيِّ، لاسْتِبْعادِ مَا يَتَسَاءَلُونَ عَنْهُ، و "إِذا" ظَرْفٌ لِمَا يُسْتَقْبَلُ مِنَ الزَّمَانِ مُجَرَّدٌ عَنْ مَعْنَى الشَّرْطِ، مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ قولُهُ: "مَبعوثون". وَ "كُنَّا" فِعْلٌ ماضٍ ناقِصٌ مبنيٌّ على السكونِ لاتِّصالِهِ بـ "نَا" المُعظِمِ نفسَهُ ـ سُبحانَهُ وتَعَالَى، وَ "نَا" التَعْظِيمِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ الرفعِ اسْمُ "كان". و "عِظامًا" خَبَرُهُ منصوبٌ بِهِ. و "رُفاتًا" مَعْطُوفٌ عَلَى "عِظامًا" منصوبٌ مثلُهُ. والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ في مَحَلِّ الجَرِّ بإضافَةِ "إِذا" إليها والتقديرُ: أَنُبْعَثُ وَقْتَ كَوْنِنَا عِظامًا وَرُفاتًا، والجُمْلَةُ المَحْذُوفَةُ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ بـ "قالُوا"، ولا يَجوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ "إِذا" بِـ "مَبْعُوثونَ" لأَنَّ مَا بَعْدَ إِنْ لَا يَعْمَلُ فِيمَا قَبْلَها، وكَذَا مَا بَعْدَ الاسْتِفْهامِ لا يَعْمَلُ فيما قَبْلَهُ، وَقَدْ اجْتَمَعَا هُنا، ويَجُوزُ أَنْ تَكونَ "إِذا" شَرْطِيَّةً، والجَوَابُ حِينَئِذٍ الفِعْلُ الذي تَعَلَّقَتْ بِهِ "إذا".
قولُهُ: {أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا} أَإِنَّا: الهَمْزَةُ للاسْتِفْهامِ، الإِنْكارِيِّ الاسْتِبْعادِيِّ، و "إِنَّا" إنَّ: حرفٌ نَاصِبٌ ناسِخٌ مُشَبَّهٌ بالفِعْلِ للتَوْكِيدِ، و "نَا" ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ النَّصِبِ اسْمُهُ. و "لَمَبْعُوثُونَ" اللامُ المُزَحْلَقَةُ للتوكيدِ (حَرْفُ ابْتِداءٍ). خَبَرُ "إنَّ" مرفوعٌ وعلامةُ رفعِهِ الواوُ لأنَّهُ جمعُ المُذكَّرِ السَّالمُ، والنونُ عِوَضٌ مِنَ التنوينِ في الاسْمِ المُفردِ. و "خَلْقًا" يَجُوزُ فِيهِ وَجْهانِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مَصْدَرٌ مِنْ مَعْنَى الفِعْلِ لَا مِنْ لَفْظِهِ، أَيْ: نُبْعَثُ بَعْثًا جَديدًا. والثاني: أَنَّهُ فِي مَوْضِعِ الحَالِ، مِنَ الضَميرِ المُسْتَكِنِّ فِي "مَبْعُوثونَ" وَذُكِرَ الْحَالُ لِتَصْوِيرِ اسْتِحَالَةِ الْبَعْثِ بَعْدَ الْفَنَاءِ لِأَنَّ الْبَعْثَ هُوَ الْإِحْيَاءُ، فَإِحْيَاءُ الْعِظَامِ وَالرُّفَاتِ مُحَالٌ عِنْدَهُمْ، وَكَوْنُهُمْ خَلْقًا جَدِيدًا أَدْخَلُ فِي الِاسْتِحَالَةِ. و "جَدِيدًا" صِفَتُهُ، وَلَكِنَّهُ عَلى تَأْويلِهِ بِالمُشْتَقِّ؛ أَيْ: مَخْلوقِينَ.
قولُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا} أَيْ: لَمَّا سَمِعَ المُشْرِكُونَ الْقُرْآنَ الكَريمَ مِنْ سيِّدِنا رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وَسَمِعُوا بِأَمْرِ الْبَعْثِ مِنْ جديدٍ، والحَيَاةِ بَعْدَ الموتِ، قَالُوا ـ وَهُمْ يَتَنَاجَوْنَ فيما بَيْنَهُم: لَوْ لَمْ يَكُنْ مَسْحُورًا لَمَا قَالَ هَذَا.
وَالْعِظَامُ: جَمْعُ عَظْمٍ، وَهُوَ مَا مِنْهُ تَرْكِيبُ جَسَدِ الإِنْسَانِ وَالدَّوَابِّ. وَمَعْنَى "كُنَّا عِظامًا" أَنَّهُمْ صاروا عِظَامًا عاريَةً لَا لَحْمَ عَلَيْهَا.
وَالرُّفَاتُ: مَا تَكَسَّرَ وَبَلِيَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، كَالْفُتَاتِ، وَالْحُطَامِ، وَالرُّضَاضِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: الرُّفَاتُ الْغُبَارُ. أَخْرَجَهُ عَنْهُ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ. وَأَخَرَجَ ثلاثتُهمْ أَيْضًا عَنْ مُجَاهِدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: الرُّفاتُ: التُّرَابُ. نَقُولُ: رُفِتَ الشَّيْءُ رَفْتًا، أَيْ حُطِّمَ، فَهُوَ مَرْفُوتٌ. والرُّفاتُ مَا بُولِغَ فِي دَقِّهِ وَتَفْتِيتِهِ، والرَّفْتُ كَسْرُ الشَّيْءِ بِيَدِكَ، تَقُولُ: رَفَتُّهُ أَرْفِتُهُ بِالْكَسْرِ كَمَا يُرْفَتُ الْمَدَرُ وَالْعَظْمُ الْبَالِي، وَالرُّفَاتُ الْأَجْزَاءُ الْمُتَفَتِّتَةُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُكْسَرُ. ويُقَالُ: رَفَتَ عِظَامَ الْجَزُورِ رَفْتًا إِذَا كَسَرَهَا. ويُقالُ للتِّبْنِ: الرُّفَتُ لِأَنَّهُ دُقَاقُ الزَّرْعِ. قَالَ الْأَخْفَشُ: رَفَتَ رَفْتًا، فَهُوَ مَرْفُوتٌ نَحْوَ حَطَمَ حَطْمًا، فَهُوَ مَحْطُومٌ، والاسْمُ منهُ الرُّفاتُ والحُطامُ، ويُقالُ: رَفَتَ الشَّيْءَ، يَرْفِتُهُ بِالكَسْرِ، أَيْ: كَسَرَهُ. وما كانَ وَزْنُهُ "فُعَال" غَلَبَ مَجِيئُهُ فِي المُتَفْرِّقِ كالحُطامِ، والدُّقاقِ، والفُتَاتِ.
قولُهُ: {أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا} اسْتِفْهامٌ المُرادُ بِهِ الجَحْدُ والإِنْكَارُ. وَالْبَعْثُ: الْإِرْسَالُ. وَأُطْلِقَ هُنَا عَلَى إِحْيَاءِ الْمَوْتَى، لِأَنَّ الْمَيِّتَ يُشْبِهُ الْمَاكِثَ فِي عَدَمِ مُبَارَحَةِ مَكَانِهِ. وَ "خَلْقًا جَديدًا" بَعْثًا مِنْ جَدِيدٍ.
لَقَدِ اشْتَبَهَ عَلَى الكُفَّارِ أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا مَاتَ جَفَّتْ أَعْضَاؤُهُ، وَتَنَاثَرَتْ، وَتَفَرَّقَتْ فِي الْعَالَمِ، فَاخْتَلَطَ بِتِلْكَ الْأَجْزَاءِ سَائِرُ أَجْزَاءِ الْعَالَمِ.
وجِسْمُ الإِنْسَانِ متشَكِّلٌ مِنَ ذاتِ العَنَاصِرِ الأَرْبَعَةِ التي يَتَشَكَّلُ مِنْهَا العَالَمُ، فَأَمَّا الْأَجْزَاءُ الْمَائِيَّةُ فِي بَدَنِهِ فَتَخْتَلِطُ بِمِيَاهِ الْعَالَمِ، وَأَمَّا الْأَجْزَاءُ التُّرَابِيَّةُ فَتَخْتَلِطُ بِتُرَابِ الْعَالَمِ، وَأَمَّا الْأَجْزَاءُ الْهَوَائِيَّةُ فَتَخْتَلِطُ بِهَوَاءِ الْعَالَمِ، وَأَمَّا الْأَجْزَاءُ النَّارِيَّةُ فَتَخْتَلِطُ بِنَارِ الْعَالَمِ. وَإِذَا صَارَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَكَيْفَ يُعْقَلُ ـ عِنْدَهُمْ، اجْتِمَاعُهَا مِنْ جَدِيدٍ، وَعَوْدُ الْحَيَاةِ إِلَيْهَا بِأَعْيَانِهَا مَرَّةً أُخْرَى. فقدْ أَقَرُّوا بِأَنَّ اللهَ خالِقُهم، وأَنْكرُوا قُدْرَتَهُ عَلَى إِعَادَتِهِمْ بَعْدَ العَدَمِ، وَلَكِنْ كَمَا جَازَ أَنْ يُوجِدَهُمْ أَوَّلًا وَهُمْ في حيِّزِ العَدَمِ، حَيْثُ لم يَكُنْ لَّهُمْ عَيْنٌ وَلَا أَثَرٌ، ولَكِنَّهم كانُوا في مُتَنَاوَلِ القُدْرَةِ، ومُتَعَلَّقِ الإِرَادَةِ، فَإِنَّ مِنْ حَقِّ صَاحِبِ القُدْرَةِ والإِرادَةِ، وفي إِمكانِهِ وصَلاحِيَتِهِ أَنْ يُعِيدَهُمْ إِلَى الوُجُودِ مَرَّةً أُخْرَى.
لَقَدِ اسْتَبْعَدَ هَؤُلاءِ البَعْثَ عَنِ المَوْتَى؛ لأَنَّهم غَفِلُوا في بِدَايَةِ الوُجُودِ وَبِدَايَةِ خَلْقِ الإِنْسانِ، فهَذَا الْإِشْكَالَ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِالْقَدْحِ فِي كَمَالِ عِلْمِ اللهِ ـ تَعَالى، وَفِي كَمَالِ قُدْرَتِهِ ـ سُبحانَهُ. وَإِذَا سَلَّمْنَا كَوْنَهُ تَعَالَى عَالِمًا بِجَمِيعِ الْجُزْئِيَّاتِ فَحِينَئِذٍ هَذِهِ الْأَجْزَاءُ وَإِنِ اخْتَلَطَتْ بِأَجْزَاءِ الْعَالَمِ إِلَّا أَنَّهَا مُتَمَايِزَةٌ فِي عِلْمِ اللهِ تَعَالَى. وَلَمَّا سَلَّمْنَا كَوْنَهُ تَعَالَى قَادِرًا عَلَى كُلِّ الْمُمْكِنَاتِ، كَانَ قَادِرًا عَلَى إِعَادَةِ التَّأْلِيفِ وَالتَّرْكِيبِ وَالْحَيَاةِ وَالْعَقْلِ إِلَى تِلْكَ الْأَجْزَاءِ بِأَعْيَانِهَا، فَثَبَتَ أَنَّا مَتَى سَلَّمْنَا بِكَمَالِ عِلْمِ اللهِ، وَكَمَالِ قُدْرَتِهِ، زَالَتْ هَذِهِ الشُّبْهَةُ.
قولُهُ تَعَالَى: {وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا} الواوُ: للاسْتِئنافِ، أَوْ للعطْفِ، وَ "قالُوا" فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَمِّ لاتِّصالِهِ بِوَاوِ الجَمَاعَةِ، وواوُ الجَمَاعَةِ ضَميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ فاعِلُهُ، والجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ، أَوْ مَعْطٌوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ {ضَرَبُوا} مِنَ الآيَةِ التي قبْلَها، ويَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جُمْلَةً "قالُوا" مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ {قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا تَقولُونَ} الآيةَ: 42، مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ. بِاعْتِبَارِ مَا تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ: {كَمَا تَقُولُونَ} لِقَصْدِ اسْتِئْصَالِ ضَلَالَةٍ أُخْرَى مِنْ ضَلَالَاتِهِمْ بِالْحُجَّةِ الدَّامِغَةِ، بَعْدَ اسْتِئْصَالِ الَّتِي قَبْلَهَا بِالْحُجَّةِ الْقَاطِعَةِ بِقَوْلِهِ: {قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا تَقُولُونَ} الْآيَةَ، وَمَا بَيْنَهُمَا بِمَنْزِلَةِ الِاعْتِرَاضِ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ {إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا} الآيَةَ: 47، السَّابِقَةِ، الَّتِي مَضْمُونُهَا مَظْرُوفٌ لِلنَّجْوَى، فَيَكُونُ هَذَا الْقَوْلُ مِمَّا تَنَاجَوْا بِهِ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ يَجْهَرُونَ بِإِعْلَانِهِ وَيَعُدُّونَهُ حُجَّتَهُمْ عَلَى التَّكْذِيبِ. وَ "أَإِذا" الهَمْزَةُ: للاسْتِفْهامِ الإِنْكارِيِّ الاسْتِبْعادِيِّ، لاسْتِبْعادِ مَا يَتَسَاءَلُونَ عَنْهُ، و "إِذا" ظَرْفٌ لِمَا يُسْتَقْبَلُ مِنَ الزَّمَانِ مُجَرَّدٌ عَنْ مَعْنَى الشَّرْطِ، مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ قولُهُ: "مَبعوثون". وَ "كُنَّا" فِعْلٌ ماضٍ ناقِصٌ مبنيٌّ على السكونِ لاتِّصالِهِ بـ "نَا" المُعظِمِ نفسَهُ ـ سُبحانَهُ وتَعَالَى، وَ "نَا" التَعْظِيمِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ الرفعِ اسْمُ "كان". و "عِظامًا" خَبَرُهُ منصوبٌ بِهِ. و "رُفاتًا" مَعْطُوفٌ عَلَى "عِظامًا" منصوبٌ مثلُهُ. والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ في مَحَلِّ الجَرِّ بإضافَةِ "إِذا" إليها والتقديرُ: أَنُبْعَثُ وَقْتَ كَوْنِنَا عِظامًا وَرُفاتًا، والجُمْلَةُ المَحْذُوفَةُ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ بـ "قالُوا"، ولا يَجوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ "إِذا" بِـ "مَبْعُوثونَ" لأَنَّ مَا بَعْدَ إِنْ لَا يَعْمَلُ فِيمَا قَبْلَها، وكَذَا مَا بَعْدَ الاسْتِفْهامِ لا يَعْمَلُ فيما قَبْلَهُ، وَقَدْ اجْتَمَعَا هُنا، ويَجُوزُ أَنْ تَكونَ "إِذا" شَرْطِيَّةً، والجَوَابُ حِينَئِذٍ الفِعْلُ الذي تَعَلَّقَتْ بِهِ "إذا".
قولُهُ: {أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا} أَإِنَّا: الهَمْزَةُ للاسْتِفْهامِ، الإِنْكارِيِّ الاسْتِبْعادِيِّ، و "إِنَّا" إنَّ: حرفٌ نَاصِبٌ ناسِخٌ مُشَبَّهٌ بالفِعْلِ للتَوْكِيدِ، و "نَا" ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ النَّصِبِ اسْمُهُ. و "لَمَبْعُوثُونَ" اللامُ المُزَحْلَقَةُ للتوكيدِ (حَرْفُ ابْتِداءٍ). خَبَرُ "إنَّ" مرفوعٌ وعلامةُ رفعِهِ الواوُ لأنَّهُ جمعُ المُذكَّرِ السَّالمُ، والنونُ عِوَضٌ مِنَ التنوينِ في الاسْمِ المُفردِ. و "خَلْقًا" يَجُوزُ فِيهِ وَجْهانِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مَصْدَرٌ مِنْ مَعْنَى الفِعْلِ لَا مِنْ لَفْظِهِ، أَيْ: نُبْعَثُ بَعْثًا جَديدًا. والثاني: أَنَّهُ فِي مَوْضِعِ الحَالِ، مِنَ الضَميرِ المُسْتَكِنِّ فِي "مَبْعُوثونَ" وَذُكِرَ الْحَالُ لِتَصْوِيرِ اسْتِحَالَةِ الْبَعْثِ بَعْدَ الْفَنَاءِ لِأَنَّ الْبَعْثَ هُوَ الْإِحْيَاءُ، فَإِحْيَاءُ الْعِظَامِ وَالرُّفَاتِ مُحَالٌ عِنْدَهُمْ، وَكَوْنُهُمْ خَلْقًا جَدِيدًا أَدْخَلُ فِي الِاسْتِحَالَةِ. و "جَدِيدًا" صِفَتُهُ، وَلَكِنَّهُ عَلى تَأْويلِهِ بِالمُشْتَقِّ؛ أَيْ: مَخْلوقِينَ.
مواضيع مماثلة
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 37
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 13
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 26
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 38
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 54
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 13
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 26
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 38
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 54
منتدى مدينة أرمناز العام :: المنتدى الخاص بشاعر أرمناز الكبير الأستاذ عبدالقادر الأسود :: البحوث والدراسات والمقالات النثرية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء أكتوبر 01, 2019 11:34 am من طرف bassam1972
» شهادة الشاعر الكبير الأستاذ عبد القادر دياب مدير عام الملتقى الثقافي العربي
الجمعة سبتمبر 13, 2019 7:15 pm من طرف bassam1972
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 12
الجمعة يوليو 12, 2019 10:33 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 10
الخميس يوليو 11, 2019 10:54 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 9
الأربعاء يوليو 10, 2019 1:29 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 8
الأربعاء يوليو 10, 2019 10:41 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 6
الثلاثاء يوليو 09, 2019 4:24 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 5
الأحد يوليو 07, 2019 10:10 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 3
السبت يوليو 06, 2019 10:14 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 2
الجمعة يوليو 05, 2019 10:54 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكه، الآية: 1
الأربعاء يوليو 03, 2019 3:27 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف: تعريف
الثلاثاء يوليو 02, 2019 7:01 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 111
السبت يونيو 29, 2019 7:26 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 110
الخميس يونيو 27, 2019 10:38 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 109
الخميس يونيو 27, 2019 6:45 am من طرف عبد القادر الأسود