الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 52
منتدى مدينة أرمناز العام :: المنتدى الخاص بشاعر أرمناز الكبير الأستاذ عبدالقادر الأسود :: البحوث والدراسات والمقالات النثرية
صفحة 1 من اصل 1
الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 52
يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا (52)
قولُهُ ـ تَعَالى شأْنُهُ: {يَوْمَ يَدْعُوكُمْ} أَيْ: يَوْمَ يَدْعُوكُمُ اللهُ تَعَالى مِنْ قُبُورِكُمْ إِلَى المَوْقِفِ للحِسَابِ والجَزَاءِ، يَوْمَ القِيَامَةِ، وذَلِكَ بَعْدَ أَنْ تَكونَ أَجسادُهمْ قدْ بَلِيَتْ، وأَصْبَحتْ هَبَاءً مَنْثُورًا، وَقَدْ تَحَلَّلَتْ إِلى عَنَاصِرِها الأَرْبَعَةِ التي سَبَقَ ذِكْرُها، وامْتَزَجَتْ فِيها، وهذِهِ العَنَاصِرُ هيَ المَاءُ والهَوَاءُ والنَّارُ والتُّرابُ.
فالدُّعاءُ المَقْصُودُ: هوَ النِّدَاءُ إِلَى الْمَحْشَرِ بِكَلَامٍ يَسْمَعُهُ جَميعُ الْخَلْقِ، يَدْعُوهُمُ اللهُ تَعَالَى فيهِ بالخُرُوجِ. وَقِيلَ: بِالصَّيْحَةِ الَّتِي يَسْمَعُونَهَا، فَتَكُونُ دَاعِيَةً لَهُمْ إِلَى الِاجْتِمَاعِ فِي أَرْضِ الْقِيَامَةِ. والُدُعَاءُ إنَّما يكونُ بالأَسْمَاءِ، كلٌّ يُدْعَى باسْمِهِ، فقد قالَ الإمامُ النَّوَوِيُّ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ: ورُوِّينَا فِي سُنَنِ أبِي دَاوُدَ؛ بإسْنَادٍ جَيِّدٍ، عَنْ أَبي الدَرْدَاءِ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، عَنِ النَبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَالَ: ((إِنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ القِيَامَةِ بِأَسْمَائِكُمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِكُمْ، فَأَحْسِنُوا أَسْمَاءَكُمْ)). وَأَخْرَجَهُ الإمامُ أَحْمَدُ في مُسْنَدِهِ: (5/194)، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ: (213)، وأَبُو دَاوُدَ: (2/705، حديث رقم: 4948)، والدارِمِيُّ: (2/294)، وابْنُ حِبَّانَ: (5818)، والبَيْهَقِيُّ: (9/306)، وأَبو نُعَيْمٍ فِي الحِلْيَةِ: (5/152)، والبَغَوَيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: (6/382).
ويَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ الدُّعَاءُ عَلَى حَقِيقَتِهِ، أَيْ دُعَاءُ اللهِ النَّاسَ بِوِساطَةِ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ يَسُوقُونَ النَّاسَ إِلَى الْمَحْشَرِ. وَيَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْأَمْرِ التَّكْوِينِيِّ بِإِحْيَائِهِمْ، فَأَطْلَقَ عَلَيْهِ الدُّعَاءَ لِأَنَّ الدُّعَاءَ يَسْتَلْزِمُ إِحْيَاءَ الْمَدْعُوِّ، وَحُصُولَ حُضُورِهِ، فَهُوَ مَجَازٌ فِي الْإِحْيَاءِ وَالتَّسْخِيرِ لِحُضُورِ الْحِسَابِ. وَقِيلَ: هُوَ اسْتِئْنَافُ خِطَابٍ لِلْمُؤْمِنِينَ فَيَتَعَلَّقَ الظَّرْفُ "يَوْمَ" بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: اذْكُرُوا يَوْمَ يَدْعُوكُمْ.
قولُهُ: {فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ} الِاسْتِجَابَةُ مُوَافَقَةُ الدَاعِي فِيمَا دَعَا إِلَيْهِ؛ وَهِيَ الإِجَابِةُ، إِلَّا أَنَّ الاسْتِجابَةَ تَقْتَضِي طَلَبَ المُوَافَقَةِ، فَهِيَ أَوْكَدُ مِنَ الإِجابَةِ، وهِيَ هُنَا مُسْتَعَارَةٌ لِمُطَاوَعَةِ مَعْنَى "يَدْعُوكُمْ"، أَيْ: فَتَحْيَوْنَ وَتَمْثُلُونَ أَمَامَ رَبِّكمْ لِلْحِسَابِ. أَيْ: يَدْعُوكُمْ اللهُ وَأَنْتُمْ عِظَامٌ وَرُفَاتٌ، وَلَيْسَ لِلْعِظَامِ وَالرُّفَاتِ إِدْرَاكٌ وَاسْتِمَاعٌ، وَلَيْسَ ثَمَّ اسْتِجَابَةٌ لِأَنَّهَا فَرْعُ السَّمَاعِ، وَإِنَّمَا هُوَ تَصْوِيرٌ لِسُرْعَةِ الْإِحْيَاءِ وَالْإِحْضَارِ، وَسُرْعَةُ الِانْبِعَاثِ وَالْحُضُورِ لِلْحِسَابِ، بِحَيْثُ يَحْصُلُ ذَلِكَ كَحُصُولِ اسْتِمَاعِ الدَّعْوَةِ وَالاسْتِجَابَةِ لَهَا فِي أَنَّهُ لَا مُعَالَجَةَ فِي حُصُولِهِ وتَحْصِيلِهِ، وَلَا بُطْءَ فِي زَمَانِهِ وَلَا تَرَيُّثَ. وَ "بِحَمْدِهِ" أَيْ بِاسْتِحْقَاقِهِ الحَمْدَ عَلَى الأَحْيَاءِ. وَعَلَى هَذَا فالْحَمْدُ هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى حَقِيقَتِهِ، أَيْ: تَسْتَجِيبُونَ حَامِدِينَ اللهَ ـ تَعَالَى، عَلَى مَا مَنَحَكُمْ مِنَ الْإِيمَانِ، وَعَلَى مَا أَعَدَّ لَكُمْ مِمَّا سَتُشَاهِدُونَ حِينَ انْبِعَاثِكُمْ مِنْ قُبُورِكِمْ مِنْ دَلَائِلِ الْكَرَامَةِ وَالْإِقْبَالِ.
وَقِيلَ المُرَادُ مِنْ "بِحَمْدِهِ" أَيْ: وَالْحَمْدُ للهِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ غَيْلَانُ بْنُ سَلَمَةَ الثَّقَفِيُّ:
فَإِنِّي بِحَمْدِ اللهِ لَا ثَوْبَ فَاجِرٍ ............... لَبِسْتُ وَلَا مِنْ غَدْرَةٍ أَتَقَنَّعُ
وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: "فَتَسْتَجيبونَ بِحَمْدِهِ" قَالَ: يَخْرُجُونَ مِنْ قُبُورِهمْ وَهُمْ يَقُولُونَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: "فَتَسْتَجيبونَ بِحَمْدِهِ" أَيْ: بِمَعْرِفَتِهِ وَطَاعَتِهِ، و "تَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا" أَيْ: فِي الدُّنْيَا تَحَاقَرَتِ الْأَعْمَارُ فِي أَنْفُسِهِمْ، وَقَلَّتْ حِينَ عَايَنُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، مِنْ طَرِيق عَلِيِّ بنِ طلحةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا، فِي قَوْلِهِ: "فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ" قَالَ بِأَمْرِهِ. وَأَخْرَجَ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، وَأَبُو يَعْلَى وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الإِيمانِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَ عَلَى أَهْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْشَةٌ فِي قُبُورِهم، وَلَا فِي مَنْشَرَهِمْ وَكَأَنِّي بِأَهْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ يَنْفُضُونَ التُّرَابَ عَنْ رُؤُوسِهِمْ، وَيَقُولُونَ: الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مِرْدُوَيْهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنْ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لَيْسَ عَلَى أَهْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْشَةٌ عِنْدَ الْمَوْتِ وَلَا فِي الْقُبُورِ، وَلَا فِي الْحَشْرِ، كَأَنِّي بِأَهْل لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ قَدْ خَرَجُوا مِنْ قُبُورِهِمْ يَنْفُضُونَ رُؤوسَهمْ مِنَ التُّرَابِ، يَقُولُونَ الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ.
وَأَخْرَجَ الْخَطِيبُ فِي التَّارِيخِ عَنْ أَحْمَدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْمَوْصِلِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي النَّوْمِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ يَحْيَى الْحِمَّانِيَّ حَدَّثَنَا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْكَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْكَ، أَنَّكَ قُلْتَ لَيْسَ عَلَى أَهْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْشَةٌ فِي قُبُورِهِمْ وَلَا فِي مَنْشَرِهِمْ، وَكَأَنِّي بِأَهْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ يَنْفُضُونَ التُّرَابَ عَنْ رُؤوسِهم، وَيَقُولُونَ الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ، فَقَالَ: صَدَقَ الْحِمَّانِيُّ.
وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ: "بِحَمْدِهِ" لِلْمُلَابَسَةِ، فَهِيَ فِي مَعْنَى الْحَالِ، أَيْ حَامِدِينَ لَهُ، فَهُمْ إِذَا بُعِثُوا خُلِقَ فِيهِمْ إِدْرَاكُ الْحَقَائِقِ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ للهِ ـ جَلَّ وعَلَا. وَيَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ "بِحَمْدِهِ" بِمَحْذُوفٍ عَلَى أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالتَّقْدِيرُ: انْطِقْ بِحَمْدِهِ، فهو كَمَا يُقَالُ: بِاسْمِ اللهِ، أَيِ: أَبْتَدِئُ باسْمِ اللهِ، كَمَا تقولُ لِلْمُعَرِّسِ: بِالْيُمْنِ وَالْبَرَكَةِ، أَيِ: احْمَدِ اللهَ تَعَالى عَلَى ظُهُورِ صِدْقِ مَا أَنْبَأْتُكُمْ بِهِ، فَيَكُونُ بِنَاءً عَلى ذَلِكَ اعْتِرَاضًا بَيْنَ الْمُتَعَاطِفَاتِ.
قولُهُ: {وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا} هُوَ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ قَوْلِهِ: "فَتَسْتَجِيبُونَ"، أَيْ: وَتَحْسَبُونَ أَنَّكُمْ مَا لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا. كَمَا قَالَ تَعَالى مِنْ سُورَةِ الْمُؤْمِنُونَ: {قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قالُوا لَبِثْنا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ الْعادِّينَ * قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} الآياتِ: (112 ـ 114)، فَسُؤَالُ الْمَوْلَى لَهُمْ حِينَ يَبْعَثُهم عَنْ مُدَّةِ لُبْثِهِمْ في عَالَمِ البَرْزَخِ فِيهِ تَعْجِيبٌ لِهُم مِنْ حَالِهِمْ، كيفَ عَادوا إِلى الحياةِ مِنْ بعد الموتِ وفَنَاءِ أَجْسادِهم وتَلاشِيهَا، وقَالَ أَيضًا في الآيةَ: 259، مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَة متحَدِّثًا عنْ العُزَيْرِ حينَ مرَّ بقريةٍ قد مَاتَ أَهْلُها، وتَهدَّمَتْ أَركانها وتَبَعْثَرَتْ أَجْزَاؤها، فَقَالَ مُتَعَجِّبًا مِنْ قُدْرَةِ اللهِ عَلى إحياءِ أهلها منْ جديدٍ وإِعادتها إلى حيويَّتها ونشاطها ونضارتها التي كانت عليها: {أَنَّى يَحْيِي هَذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها}، {فَأَمَاتَهُ اللهُ مِئَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ، قَالَ كَمْ لَبِثْتَ؟ قالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ، قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عامٍ}. فَالْمُرَادُ ـ إِذًا: التَّعْجِيبُ مِنْ هَذِهِ الْحَالَةِ. وَفي هَذَا التَّعْجِيبِ تَنْدِيمٌ لِلْمُشْرِكِينَ، وَتَأْيِيدٌ لِلْمُؤْمِنِينَ باللهِ تعالى وقدرتِهِ عَلى الإحياءِ والبَعْثِ مِنْ جَديدٍ مَرَّةً أُخْرَى. وَالْمُرَادُ هُنَا: أَنَّهُمْ ظَنُّوا ظَنًّا خَاطِئًا، وَهُوَ مَحَلُّ التَّعْجِيبِ منْهم ومِنْ جَهْلِهم ومَحْدودِيَّةِ فَهْمِهِم، وضِيقِ تَفْكيرهِم.
وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْآيَةِ: 114، مِنْ سُورةِ المُؤْمِنُونَ: {قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}، فَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ مَهْمَا طَالَتْ مُدَّةُ مكوثِهمْ في عالَمِ الفناءِ، فَهُيَ قَلِيلةٌ يَسيرَةٌ بِالنِّسْبَةِ لِأَيَّامِ اللهِ ـ تَبَارَكَ وتَعَالى، قالَ تعالى مِنْ سُورةِ الحَجِّ: {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّون} الآيةِ: 47.
قولُهُ تَعَالى: {يَوْمَ يَدْعُوكُمْ} يَوْمَ: مَنْصُوبٌ عَلى الظَرْفِيَّةِ الزمانيَّةِ مُتَعَلِّقٌ بِمَحذوفٍ تَقْدَيرُهُ عِنْدَ العُكبُريِّ أَبي البَقَاءِ وَغَيْرِهِ: اذْكُرُوا يَوْمَ يَدْعُوكُمْ، أَوْ يَتَعَلَّقُ بِـ "يَكُونَ" مِنَ الجملةِ السابقةِ، وهَذَا عِنْدَ مَنْ يُجيز إِعْماَلَ الأفعالِ النَّاقِصَةِ في الظُرُوفِ، وإِذَا جَعَلْناها تامَّةً فَهُوَ مَعْمُولٌ لَهَا عِنْدَ الجَميعِ. ويجوزُ أَنْ يعرَبَ بَدَلًا مِنْ "قريبًا" مِنَ الآيةِ التي قبلَها، وذَلِكَ إِذَا أَعْرَبْنا "قريبًا" ظَرْفَ زَمَانٍ كَمَا تَقَدَّمَ هناكَ. ويجوزُ أَنْ يكونَ مَنْصوبًا بِضَميرِ المَصْدرِ الذي هوَ اسْمُ "يَكونَ"، أَيْ: عَسَى أَنْ يَكونَ العَوْدُ يَوْمَ يَدْعوكم. وَقَدْ مَنَعَهُ أَبُو البَقَاءِ لعُكْبُرِيُّ، قال: لَأَنَّ الضَميرَ لَا يَعْمَلُ، يَعْنِي عِنْدَ البَصْرِيِّينَ، وأَمَّا الكوفِيُونَ فَيُعْمِلُونَ ضَميرَ المَصْدَرِ كَمُظْهِرِه فَيَقُولونَ: مُروري بِزَيْدٍ حَسَنٌ، وَهُوَ بِعَمْرٍو قَبيحٌ. وهو عِنْدَهم مُتَعَلِّق بـ "هوَ" لأَنَّه ضَميرُ المُرُورِ، وأَنْشَدُوا عليهِ قَوْلَ زُهَيْرِ بْنِ أبي سُلْمَى:
ومَا الحَرْبُ إِلَّا مَا عَلِمْتُمْ وَذُقْتُمْ ........ ومَا هُوَ عَنْهَا بالحَديثِ المُرَجَّمِ
فـ "هُوَ" في البيتِ هي ضَميرُ المَصْدَرِ، وَقَدْ تَعَلَّقَ بِهِ الجَارُّ بَعْدَهُ، والبَصْرِيُّونَ يُؤَوِّلونَهُ. ويَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يكونَ "يومَ" مَنْصُوبًا بالبَعْثِ المُقَدَّرِ. وَ "يَدْعُوكُمْ" فِعْلٌ مُضارعٌ مرفوعٌ لتجرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازِمِ، وعَلامَةُ رَفْعِهِ الضَمَّةُ المُقدَّرةُ عَلَى آخِرِهِ لِثِقَلِ ظُهُورِهَا عَلى الواوِ. وفاعِلِهُ ضَمِيرٌ مُسْتترٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ (هو) يَعُودُ عَلَى اللهِ ـ تَعَالَى، وكافُ الخِطابِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ عَلَى الضمِّ في محلِّ النَّصْبِ، مفْعُولٌ بِهِ، والميمُ للجمعِ المُذكَّرِ. والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ في مَحَلِّ الجَرِّ بالإِضافةِ إِلَيْهِ، لِـ "يَوْمَ".
قولُهُ: {فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ} الفَاءُ: عَاطِفَةٌ، و "تَسْتَجِيبُونَ" فِعْلٌ مُضارعٌ مَرْفُوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ والجَازمِ، وعلامَةُ رَفعِهِ ثَباتُ النُّونِ في آخِرِهِ لأَنَّهُ مِنَ الأَفْعَالِ الخَمْسَةِ، وواوُ الجَمَاعَةِ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ فاعِلُهُ، والجمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ قَوْلِهِ: "يَدْعُوكُمْ" على كونِها في مَحَلِّ الجَرِّ بالإضافةِ. و "بِحَمْدِهِ" الباءُ: حرفُ جَرٍّ متعلِّقٌ بِحالٍ مِنَ الواوِ فِي "تَسْتَجِيبُونَ"، أَيْ: فَتَستجيبونَ حَالَ كَوْنِكُمْ حامِدينَ للهِ عَلَى كَمَالِ قُدْرَتِهِ، وجَوَّزَ العُكبُريُّ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِـ "يَدْعُوكُمْ" وَفِيهِ قَلَقٌ. وَ "حَمْدِهِ" مَجْرورٌ بحرفِ الجَرِّ مضافٌ، والهاءُ ضميرٌ متَّصلٌ بهِ في محلِّ الجرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ.
قولُهُ: {وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا} الواوُ: حَالِيَّةٌ،، و "تَظُنُّونَ" مثلُ "تَسْتَجِيبونَ"، وَالجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ على الحالِ مِنْ فَاعِلِ "تستجيبون"، أَيْ: حَالَةَ كَوْنِكُمْ ظَانِّينَ. و "إِنْ" نَافِيَةٌ مُعَلِّقَةٌ للظَّنِّ عَنِ العَمَلِ فَيما بَعْدَهَا. وَقَلَّ مَنْ يَذْكُرُ "إِنْ" النّافِيَةَ، فِي أَدَوَاتِ تَعْليقِ هَذَا البابِ. و "لَبِثْتُمْ" فعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ عَلى السُّكونِ لاتِّصالِهِ بضميرِ رفعٍ متحرِّكٍ هو تاءُ الفاعِلِ، وهي ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الرفعِ بالفاعليَّةِ. و "إِلَّا" أَداةُ اسْتِثْنَاءٍ مُفَرَّغٍ. و "قَلِيلًا" مَنْصُوبٌ عَلَى الظَرْفِيَّةِ، مُتَعَلَّقٌ بِـ "لَبِثْتُمْ" لأَنَّهُ صِفَةٌ لِزَمَانٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ إِلَّا زَمَانًا قَلِيلًا، أَوْ مَنْصُوبٌ عَلَى المَفْعُولِيَّةِ المُطْلَقَةِ؛ لأَنَّهُ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ لَبْثًا قَلِيلًا، وجُمْلَةُ "إِنْ لَبِثْتُمْ" في مَحَلِّ النَّصْبِ سَادَّةً مَسَدَّ مَفْعُولَيِّ الظَنِّ.
قولُهُ ـ تَعَالى شأْنُهُ: {يَوْمَ يَدْعُوكُمْ} أَيْ: يَوْمَ يَدْعُوكُمُ اللهُ تَعَالى مِنْ قُبُورِكُمْ إِلَى المَوْقِفِ للحِسَابِ والجَزَاءِ، يَوْمَ القِيَامَةِ، وذَلِكَ بَعْدَ أَنْ تَكونَ أَجسادُهمْ قدْ بَلِيَتْ، وأَصْبَحتْ هَبَاءً مَنْثُورًا، وَقَدْ تَحَلَّلَتْ إِلى عَنَاصِرِها الأَرْبَعَةِ التي سَبَقَ ذِكْرُها، وامْتَزَجَتْ فِيها، وهذِهِ العَنَاصِرُ هيَ المَاءُ والهَوَاءُ والنَّارُ والتُّرابُ.
فالدُّعاءُ المَقْصُودُ: هوَ النِّدَاءُ إِلَى الْمَحْشَرِ بِكَلَامٍ يَسْمَعُهُ جَميعُ الْخَلْقِ، يَدْعُوهُمُ اللهُ تَعَالَى فيهِ بالخُرُوجِ. وَقِيلَ: بِالصَّيْحَةِ الَّتِي يَسْمَعُونَهَا، فَتَكُونُ دَاعِيَةً لَهُمْ إِلَى الِاجْتِمَاعِ فِي أَرْضِ الْقِيَامَةِ. والُدُعَاءُ إنَّما يكونُ بالأَسْمَاءِ، كلٌّ يُدْعَى باسْمِهِ، فقد قالَ الإمامُ النَّوَوِيُّ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ: ورُوِّينَا فِي سُنَنِ أبِي دَاوُدَ؛ بإسْنَادٍ جَيِّدٍ، عَنْ أَبي الدَرْدَاءِ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، عَنِ النَبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَالَ: ((إِنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ القِيَامَةِ بِأَسْمَائِكُمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِكُمْ، فَأَحْسِنُوا أَسْمَاءَكُمْ)). وَأَخْرَجَهُ الإمامُ أَحْمَدُ في مُسْنَدِهِ: (5/194)، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ: (213)، وأَبُو دَاوُدَ: (2/705، حديث رقم: 4948)، والدارِمِيُّ: (2/294)، وابْنُ حِبَّانَ: (5818)، والبَيْهَقِيُّ: (9/306)، وأَبو نُعَيْمٍ فِي الحِلْيَةِ: (5/152)، والبَغَوَيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: (6/382).
ويَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ الدُّعَاءُ عَلَى حَقِيقَتِهِ، أَيْ دُعَاءُ اللهِ النَّاسَ بِوِساطَةِ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ يَسُوقُونَ النَّاسَ إِلَى الْمَحْشَرِ. وَيَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْأَمْرِ التَّكْوِينِيِّ بِإِحْيَائِهِمْ، فَأَطْلَقَ عَلَيْهِ الدُّعَاءَ لِأَنَّ الدُّعَاءَ يَسْتَلْزِمُ إِحْيَاءَ الْمَدْعُوِّ، وَحُصُولَ حُضُورِهِ، فَهُوَ مَجَازٌ فِي الْإِحْيَاءِ وَالتَّسْخِيرِ لِحُضُورِ الْحِسَابِ. وَقِيلَ: هُوَ اسْتِئْنَافُ خِطَابٍ لِلْمُؤْمِنِينَ فَيَتَعَلَّقَ الظَّرْفُ "يَوْمَ" بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: اذْكُرُوا يَوْمَ يَدْعُوكُمْ.
قولُهُ: {فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ} الِاسْتِجَابَةُ مُوَافَقَةُ الدَاعِي فِيمَا دَعَا إِلَيْهِ؛ وَهِيَ الإِجَابِةُ، إِلَّا أَنَّ الاسْتِجابَةَ تَقْتَضِي طَلَبَ المُوَافَقَةِ، فَهِيَ أَوْكَدُ مِنَ الإِجابَةِ، وهِيَ هُنَا مُسْتَعَارَةٌ لِمُطَاوَعَةِ مَعْنَى "يَدْعُوكُمْ"، أَيْ: فَتَحْيَوْنَ وَتَمْثُلُونَ أَمَامَ رَبِّكمْ لِلْحِسَابِ. أَيْ: يَدْعُوكُمْ اللهُ وَأَنْتُمْ عِظَامٌ وَرُفَاتٌ، وَلَيْسَ لِلْعِظَامِ وَالرُّفَاتِ إِدْرَاكٌ وَاسْتِمَاعٌ، وَلَيْسَ ثَمَّ اسْتِجَابَةٌ لِأَنَّهَا فَرْعُ السَّمَاعِ، وَإِنَّمَا هُوَ تَصْوِيرٌ لِسُرْعَةِ الْإِحْيَاءِ وَالْإِحْضَارِ، وَسُرْعَةُ الِانْبِعَاثِ وَالْحُضُورِ لِلْحِسَابِ، بِحَيْثُ يَحْصُلُ ذَلِكَ كَحُصُولِ اسْتِمَاعِ الدَّعْوَةِ وَالاسْتِجَابَةِ لَهَا فِي أَنَّهُ لَا مُعَالَجَةَ فِي حُصُولِهِ وتَحْصِيلِهِ، وَلَا بُطْءَ فِي زَمَانِهِ وَلَا تَرَيُّثَ. وَ "بِحَمْدِهِ" أَيْ بِاسْتِحْقَاقِهِ الحَمْدَ عَلَى الأَحْيَاءِ. وَعَلَى هَذَا فالْحَمْدُ هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى حَقِيقَتِهِ، أَيْ: تَسْتَجِيبُونَ حَامِدِينَ اللهَ ـ تَعَالَى، عَلَى مَا مَنَحَكُمْ مِنَ الْإِيمَانِ، وَعَلَى مَا أَعَدَّ لَكُمْ مِمَّا سَتُشَاهِدُونَ حِينَ انْبِعَاثِكُمْ مِنْ قُبُورِكِمْ مِنْ دَلَائِلِ الْكَرَامَةِ وَالْإِقْبَالِ.
وَقِيلَ المُرَادُ مِنْ "بِحَمْدِهِ" أَيْ: وَالْحَمْدُ للهِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ غَيْلَانُ بْنُ سَلَمَةَ الثَّقَفِيُّ:
فَإِنِّي بِحَمْدِ اللهِ لَا ثَوْبَ فَاجِرٍ ............... لَبِسْتُ وَلَا مِنْ غَدْرَةٍ أَتَقَنَّعُ
وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: "فَتَسْتَجيبونَ بِحَمْدِهِ" قَالَ: يَخْرُجُونَ مِنْ قُبُورِهمْ وَهُمْ يَقُولُونَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: "فَتَسْتَجيبونَ بِحَمْدِهِ" أَيْ: بِمَعْرِفَتِهِ وَطَاعَتِهِ، و "تَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا" أَيْ: فِي الدُّنْيَا تَحَاقَرَتِ الْأَعْمَارُ فِي أَنْفُسِهِمْ، وَقَلَّتْ حِينَ عَايَنُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، مِنْ طَرِيق عَلِيِّ بنِ طلحةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا، فِي قَوْلِهِ: "فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ" قَالَ بِأَمْرِهِ. وَأَخْرَجَ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، وَأَبُو يَعْلَى وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الإِيمانِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَ عَلَى أَهْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْشَةٌ فِي قُبُورِهم، وَلَا فِي مَنْشَرَهِمْ وَكَأَنِّي بِأَهْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ يَنْفُضُونَ التُّرَابَ عَنْ رُؤُوسِهِمْ، وَيَقُولُونَ: الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مِرْدُوَيْهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنْ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لَيْسَ عَلَى أَهْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْشَةٌ عِنْدَ الْمَوْتِ وَلَا فِي الْقُبُورِ، وَلَا فِي الْحَشْرِ، كَأَنِّي بِأَهْل لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ قَدْ خَرَجُوا مِنْ قُبُورِهِمْ يَنْفُضُونَ رُؤوسَهمْ مِنَ التُّرَابِ، يَقُولُونَ الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ.
وَأَخْرَجَ الْخَطِيبُ فِي التَّارِيخِ عَنْ أَحْمَدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْمَوْصِلِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي النَّوْمِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ يَحْيَى الْحِمَّانِيَّ حَدَّثَنَا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْكَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْكَ، أَنَّكَ قُلْتَ لَيْسَ عَلَى أَهْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْشَةٌ فِي قُبُورِهِمْ وَلَا فِي مَنْشَرِهِمْ، وَكَأَنِّي بِأَهْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ يَنْفُضُونَ التُّرَابَ عَنْ رُؤوسِهم، وَيَقُولُونَ الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ، فَقَالَ: صَدَقَ الْحِمَّانِيُّ.
وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ: "بِحَمْدِهِ" لِلْمُلَابَسَةِ، فَهِيَ فِي مَعْنَى الْحَالِ، أَيْ حَامِدِينَ لَهُ، فَهُمْ إِذَا بُعِثُوا خُلِقَ فِيهِمْ إِدْرَاكُ الْحَقَائِقِ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ للهِ ـ جَلَّ وعَلَا. وَيَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ "بِحَمْدِهِ" بِمَحْذُوفٍ عَلَى أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالتَّقْدِيرُ: انْطِقْ بِحَمْدِهِ، فهو كَمَا يُقَالُ: بِاسْمِ اللهِ، أَيِ: أَبْتَدِئُ باسْمِ اللهِ، كَمَا تقولُ لِلْمُعَرِّسِ: بِالْيُمْنِ وَالْبَرَكَةِ، أَيِ: احْمَدِ اللهَ تَعَالى عَلَى ظُهُورِ صِدْقِ مَا أَنْبَأْتُكُمْ بِهِ، فَيَكُونُ بِنَاءً عَلى ذَلِكَ اعْتِرَاضًا بَيْنَ الْمُتَعَاطِفَاتِ.
قولُهُ: {وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا} هُوَ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ قَوْلِهِ: "فَتَسْتَجِيبُونَ"، أَيْ: وَتَحْسَبُونَ أَنَّكُمْ مَا لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا. كَمَا قَالَ تَعَالى مِنْ سُورَةِ الْمُؤْمِنُونَ: {قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قالُوا لَبِثْنا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ الْعادِّينَ * قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} الآياتِ: (112 ـ 114)، فَسُؤَالُ الْمَوْلَى لَهُمْ حِينَ يَبْعَثُهم عَنْ مُدَّةِ لُبْثِهِمْ في عَالَمِ البَرْزَخِ فِيهِ تَعْجِيبٌ لِهُم مِنْ حَالِهِمْ، كيفَ عَادوا إِلى الحياةِ مِنْ بعد الموتِ وفَنَاءِ أَجْسادِهم وتَلاشِيهَا، وقَالَ أَيضًا في الآيةَ: 259، مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَة متحَدِّثًا عنْ العُزَيْرِ حينَ مرَّ بقريةٍ قد مَاتَ أَهْلُها، وتَهدَّمَتْ أَركانها وتَبَعْثَرَتْ أَجْزَاؤها، فَقَالَ مُتَعَجِّبًا مِنْ قُدْرَةِ اللهِ عَلى إحياءِ أهلها منْ جديدٍ وإِعادتها إلى حيويَّتها ونشاطها ونضارتها التي كانت عليها: {أَنَّى يَحْيِي هَذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها}، {فَأَمَاتَهُ اللهُ مِئَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ، قَالَ كَمْ لَبِثْتَ؟ قالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ، قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عامٍ}. فَالْمُرَادُ ـ إِذًا: التَّعْجِيبُ مِنْ هَذِهِ الْحَالَةِ. وَفي هَذَا التَّعْجِيبِ تَنْدِيمٌ لِلْمُشْرِكِينَ، وَتَأْيِيدٌ لِلْمُؤْمِنِينَ باللهِ تعالى وقدرتِهِ عَلى الإحياءِ والبَعْثِ مِنْ جَديدٍ مَرَّةً أُخْرَى. وَالْمُرَادُ هُنَا: أَنَّهُمْ ظَنُّوا ظَنًّا خَاطِئًا، وَهُوَ مَحَلُّ التَّعْجِيبِ منْهم ومِنْ جَهْلِهم ومَحْدودِيَّةِ فَهْمِهِم، وضِيقِ تَفْكيرهِم.
وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْآيَةِ: 114، مِنْ سُورةِ المُؤْمِنُونَ: {قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}، فَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ مَهْمَا طَالَتْ مُدَّةُ مكوثِهمْ في عالَمِ الفناءِ، فَهُيَ قَلِيلةٌ يَسيرَةٌ بِالنِّسْبَةِ لِأَيَّامِ اللهِ ـ تَبَارَكَ وتَعَالى، قالَ تعالى مِنْ سُورةِ الحَجِّ: {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّون} الآيةِ: 47.
قولُهُ تَعَالى: {يَوْمَ يَدْعُوكُمْ} يَوْمَ: مَنْصُوبٌ عَلى الظَرْفِيَّةِ الزمانيَّةِ مُتَعَلِّقٌ بِمَحذوفٍ تَقْدَيرُهُ عِنْدَ العُكبُريِّ أَبي البَقَاءِ وَغَيْرِهِ: اذْكُرُوا يَوْمَ يَدْعُوكُمْ، أَوْ يَتَعَلَّقُ بِـ "يَكُونَ" مِنَ الجملةِ السابقةِ، وهَذَا عِنْدَ مَنْ يُجيز إِعْماَلَ الأفعالِ النَّاقِصَةِ في الظُرُوفِ، وإِذَا جَعَلْناها تامَّةً فَهُوَ مَعْمُولٌ لَهَا عِنْدَ الجَميعِ. ويجوزُ أَنْ يعرَبَ بَدَلًا مِنْ "قريبًا" مِنَ الآيةِ التي قبلَها، وذَلِكَ إِذَا أَعْرَبْنا "قريبًا" ظَرْفَ زَمَانٍ كَمَا تَقَدَّمَ هناكَ. ويجوزُ أَنْ يكونَ مَنْصوبًا بِضَميرِ المَصْدرِ الذي هوَ اسْمُ "يَكونَ"، أَيْ: عَسَى أَنْ يَكونَ العَوْدُ يَوْمَ يَدْعوكم. وَقَدْ مَنَعَهُ أَبُو البَقَاءِ لعُكْبُرِيُّ، قال: لَأَنَّ الضَميرَ لَا يَعْمَلُ، يَعْنِي عِنْدَ البَصْرِيِّينَ، وأَمَّا الكوفِيُونَ فَيُعْمِلُونَ ضَميرَ المَصْدَرِ كَمُظْهِرِه فَيَقُولونَ: مُروري بِزَيْدٍ حَسَنٌ، وَهُوَ بِعَمْرٍو قَبيحٌ. وهو عِنْدَهم مُتَعَلِّق بـ "هوَ" لأَنَّه ضَميرُ المُرُورِ، وأَنْشَدُوا عليهِ قَوْلَ زُهَيْرِ بْنِ أبي سُلْمَى:
ومَا الحَرْبُ إِلَّا مَا عَلِمْتُمْ وَذُقْتُمْ ........ ومَا هُوَ عَنْهَا بالحَديثِ المُرَجَّمِ
فـ "هُوَ" في البيتِ هي ضَميرُ المَصْدَرِ، وَقَدْ تَعَلَّقَ بِهِ الجَارُّ بَعْدَهُ، والبَصْرِيُّونَ يُؤَوِّلونَهُ. ويَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يكونَ "يومَ" مَنْصُوبًا بالبَعْثِ المُقَدَّرِ. وَ "يَدْعُوكُمْ" فِعْلٌ مُضارعٌ مرفوعٌ لتجرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازِمِ، وعَلامَةُ رَفْعِهِ الضَمَّةُ المُقدَّرةُ عَلَى آخِرِهِ لِثِقَلِ ظُهُورِهَا عَلى الواوِ. وفاعِلِهُ ضَمِيرٌ مُسْتترٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ (هو) يَعُودُ عَلَى اللهِ ـ تَعَالَى، وكافُ الخِطابِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ عَلَى الضمِّ في محلِّ النَّصْبِ، مفْعُولٌ بِهِ، والميمُ للجمعِ المُذكَّرِ. والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ في مَحَلِّ الجَرِّ بالإِضافةِ إِلَيْهِ، لِـ "يَوْمَ".
قولُهُ: {فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ} الفَاءُ: عَاطِفَةٌ، و "تَسْتَجِيبُونَ" فِعْلٌ مُضارعٌ مَرْفُوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ والجَازمِ، وعلامَةُ رَفعِهِ ثَباتُ النُّونِ في آخِرِهِ لأَنَّهُ مِنَ الأَفْعَالِ الخَمْسَةِ، وواوُ الجَمَاعَةِ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ فاعِلُهُ، والجمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ قَوْلِهِ: "يَدْعُوكُمْ" على كونِها في مَحَلِّ الجَرِّ بالإضافةِ. و "بِحَمْدِهِ" الباءُ: حرفُ جَرٍّ متعلِّقٌ بِحالٍ مِنَ الواوِ فِي "تَسْتَجِيبُونَ"، أَيْ: فَتَستجيبونَ حَالَ كَوْنِكُمْ حامِدينَ للهِ عَلَى كَمَالِ قُدْرَتِهِ، وجَوَّزَ العُكبُريُّ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِـ "يَدْعُوكُمْ" وَفِيهِ قَلَقٌ. وَ "حَمْدِهِ" مَجْرورٌ بحرفِ الجَرِّ مضافٌ، والهاءُ ضميرٌ متَّصلٌ بهِ في محلِّ الجرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ.
قولُهُ: {وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا} الواوُ: حَالِيَّةٌ،، و "تَظُنُّونَ" مثلُ "تَسْتَجِيبونَ"، وَالجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ على الحالِ مِنْ فَاعِلِ "تستجيبون"، أَيْ: حَالَةَ كَوْنِكُمْ ظَانِّينَ. و "إِنْ" نَافِيَةٌ مُعَلِّقَةٌ للظَّنِّ عَنِ العَمَلِ فَيما بَعْدَهَا. وَقَلَّ مَنْ يَذْكُرُ "إِنْ" النّافِيَةَ، فِي أَدَوَاتِ تَعْليقِ هَذَا البابِ. و "لَبِثْتُمْ" فعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ عَلى السُّكونِ لاتِّصالِهِ بضميرِ رفعٍ متحرِّكٍ هو تاءُ الفاعِلِ، وهي ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الرفعِ بالفاعليَّةِ. و "إِلَّا" أَداةُ اسْتِثْنَاءٍ مُفَرَّغٍ. و "قَلِيلًا" مَنْصُوبٌ عَلَى الظَرْفِيَّةِ، مُتَعَلَّقٌ بِـ "لَبِثْتُمْ" لأَنَّهُ صِفَةٌ لِزَمَانٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ إِلَّا زَمَانًا قَلِيلًا، أَوْ مَنْصُوبٌ عَلَى المَفْعُولِيَّةِ المُطْلَقَةِ؛ لأَنَّهُ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ لَبْثًا قَلِيلًا، وجُمْلَةُ "إِنْ لَبِثْتُمْ" في مَحَلِّ النَّصْبِ سَادَّةً مَسَدَّ مَفْعُولَيِّ الظَنِّ.
مواضيع مماثلة
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 33/5
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 49
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 66
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 82
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 98
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 49
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 66
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 82
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 98
منتدى مدينة أرمناز العام :: المنتدى الخاص بشاعر أرمناز الكبير الأستاذ عبدالقادر الأسود :: البحوث والدراسات والمقالات النثرية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء أكتوبر 01, 2019 11:34 am من طرف bassam1972
» شهادة الشاعر الكبير الأستاذ عبد القادر دياب مدير عام الملتقى الثقافي العربي
الجمعة سبتمبر 13, 2019 7:15 pm من طرف bassam1972
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 12
الجمعة يوليو 12, 2019 10:33 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 10
الخميس يوليو 11, 2019 10:54 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 9
الأربعاء يوليو 10, 2019 1:29 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 8
الأربعاء يوليو 10, 2019 10:41 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 6
الثلاثاء يوليو 09, 2019 4:24 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 5
الأحد يوليو 07, 2019 10:10 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 3
السبت يوليو 06, 2019 10:14 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 2
الجمعة يوليو 05, 2019 10:54 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكه، الآية: 1
الأربعاء يوليو 03, 2019 3:27 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف: تعريف
الثلاثاء يوليو 02, 2019 7:01 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 111
السبت يونيو 29, 2019 7:26 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 110
الخميس يونيو 27, 2019 10:38 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 109
الخميس يونيو 27, 2019 6:45 am من طرف عبد القادر الأسود