منتدى مدينة أرمناز العام
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 90

اذهب الى الأسفل

الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية:  90 Empty الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 90

مُساهمة من طرف عبد القادر الأسود الإثنين مايو 06, 2019 2:06 pm

وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90)

قولُهُ ـ تَعَالى شأْنُهُ: {وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ} وقالوا: عِنْدَ ظُهُورِ عَجْزِهِمْ وَوُضُوحِ تفوُّقِ الإِعْجَازِ المُنَزَّلِ في القُرْآنِ الكَريمِ وَغَيْرِهِ مِنَ المُعْجِزَاتِ البَاهِرِةِ عَلَى حُجَجِهم، مُتَعَلِّلينَ بِمَا لَا تَقْتَضِي الحِكْمَةُ وُقُوعَهُ مِنَ الأُمُورِ، وما يقترحونَهُ عَلى نَبِيِّهِمْ ـ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، مِنْ مُحَالاتٍ عَقْلِيَّةٍ ومَعجزاتٍ، وَخَوَارَقَ للعَادَاتِ. و "لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ" أَيْ: لَنْ نُصدِّقكَ، وَالْإِيمَانُ: هوَ التَّصْدِيقُ. يُقَالُ: آمَنَهُ، أَيْ صَدَّقَهُ. وَقد كَثُرَ أَنْ يُعَدَّى باللامِ ـ كَمَا هُوَ هُنَا. فقد دَعَا زُعماءُ قُريشٍ رَسولَ اللهِ ـ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، إِلَى يَأْتِيَهُمْ، فَأَسْرَعَ إِلَيْهِمْ حِرْصًا عَلَى هُدَاهُمْ، فَعَاتَبُوهُ عَلَى تَسْفِيهِ أَحْلَامِهِمْ وَالطَّعْنِ فِي دِينِهِمْ. وَعَرَضُوا عَلَيْهِ مَا يَشَاءُ مِنْ مَالٍ أَوْ تَسْوِيدٍ. وَأَجَابَهُمْ بِأَنَّهُ رَسُولٌ مِنَ اللهِ إِلَيْهِم لَا يَبْتَغِي غَيْرُ نُصْحِهِمْ، فَلَمَّا رَأَوْا مِنْهُ الثَّبَاتَ انْتَقَلُوا إِلَى طَلَبِ بَعْضِ مَا حَكَاهُ اللهُ عَنْهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ.
قولُهُ: {حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا} تَفْجُّرُ الأَرْضِ تَشَقُّقُها لِيَنْبُعَ المَاءُ مَنْها، وسُمِّيَ الفَجْرُ فجْرًا لِأَنَّهُ يَنْشَقُّ عَنْ عَمُودِ الصُّبْحِ، والفُجُورُ: لانْشِقاقِ الحَقِّ بِالخُرُوجِ إِلَى الفَسَادِ. وانْفَجَرَ مُطاوِعُ فَجَرَ فَهَذَا مِمَّا يُقَوِّي قِرَاءَةِ الثَّانِيَةَ قِراءَةَ الكُوفِيَّينَ "تَفْجُرَ" بالتَّخْفيفِ، أَيْ تَفْتَحَ، مِنْ بابِ نَصَرَ المُتَعَدِّي، وأَمَّا القِرَاءَةُ الأُولَى قَراءَةُ الجُمْهُورِ "تُفَجِّرَ" فَتَقْتَضِي المُبَالَغَةَ فِي التَفْجِيرِ للتَّعْدِيَةِ وَالتَكْثِيرِ. فَالتَّفْجِيرُ أَشَدُّ مِنْ مُطْلَقِ الْفَجْرِ وَهُوَ تَشْقِيقٌ شَدِيدٌ بِاعْتِبَارِ اتِّسَاعِهِ. وَلِذَلِكَ نَاسَبَ "الْيَنْبُوعَ" هُنَا، وَالنَّهَرُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى مِنْ سُورَةِ الْكَهْف: {وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَرًا} الآية: 33، وَقَوْلِهِ بعدَ ذلكَ في الآيَةِ: 91، مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ المُبَارَكَةِ: {فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ}. وَ "اليُنْبُوعُ: هُوَ المَاءُ النَّابِعُ، واليَنْبُوعُ: والعَيْنُ الَّتي يَنْبُعُ مِنْهَا المَاءُ، ويَفُورُ مِنَ الأَرْضِ. وَ "يَنْبُوع" بِوزْنِ "مَفْعُول" وهو مِنْ نَبَعَ المَاءُ، ك "يَعْبُوبُ" مِنْ "عَبَّ المَاءُ" إِذَا كَثُرَ مَوْجُهُ فَالْيَاءُ زَائِدَةٌ للمُبَالَغَةِ، والمُرَادُ عَيْنًا لَا يَنْضُبُ مَاؤُها، وَهِيَ صِفَةُ مُبَالَغَةٍ، وإِنَّمَا تُطْلَقُ عَلَى المَاءِ الكَثِيرِ، وأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ ـ رضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ اليَنْبُوعَ هُوَ النَّهْرُ الذي يَجْرِي مِنَ العَيْنِ، والأَوَّلُ مَرْوِيٌّ عَنْ مُجَاهِدٍ. فَقَدْ طَلَبَتْ هَذَا قُرَيْشٌ مِنْ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنْ يَكُونَ لَهَا ذَلِكَ بِمَكَّةَ لِقِلَّةِ مِيَاهِهَا، وَإِيَّاهَا عَنَوْا بِـ "الأَرْضَ"، فَإِنَّ التَعْريِفَ هُنَا عَهْدِيٌّ. وَإِنَّمَا يُرَادُ بِإِطْلاقِ "الأَرَضَ" هُنَا عَلى الأَرْضِ الَّتي يَكونُ فِيها المَعْنَى المُتَكَلَّمِ فِيهِ، كَمَا قَالَ تَعَالى مِنْ سُورَةِ المَائدَةِ: {أَوْ يُنْفُوْا مِنَ الأَرْضِ} الآيةَ: 33.
وفي أَسْبَابِ نُزُولِها أَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ والنَصُّ لُهُ، وَابْنُ إِسْحَقَ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما، أَنَّ عُتْبَةَ وَشَيْبَةَ ابْنَيْ رَبِيعَةَ، وَأَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ، وَرَجُلًا مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، وَأَبَا الْبَخْتَرِيِّ أَخَا بَنِي أَسَدٍ، وَالْأَسْوَدَ بْنَ الْمُطَّلِبِ، وَزَمْعَةَ بْنَ الْأَسْوَدِ، وَالْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ، وَأَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ، وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ، وَالْعَاصَ بْنَ وَائِلٍ، وَنُبَيْهًا وَمُنْبِهًا ابْنَيِ الْحَجَّاجِ السَّهْمِيَّيْنِ اجْتَمَعُوا، أَوْ مَنِ اجْتَمَعَ مِنْهُمْ، بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ عِنْدَ ظَهْرِ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ابْعَثُوا إِلَى مُحَمَّدٍ فَكَلِّمُوهُ وَخَاصِمُوهُ حَتَّى تُعْذِرُوا فِيهِ، فَبَعَثُوا إِلَيْهِ: إِنَّ أَشْرَافَ قَوْمِكَ قَدِ اجْتَمَعُوا إِلَيْكَ لِيُكَلِّمُوكَ، فَجَاءَهُمْ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيعًا، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ بَدَا لَهُمْ فِي أَمْرِهِ بَدَاءٌ، وَكَانَ عَلَيْهِمْ حَرِيصًا، يُحِبُّ رُشْدَهُمْ وَيَعِزُّ عَلَيْهِ عَنَتُهُمْ، حَتَّى جَلَسَ إِلَيْهِمْ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ إِنَّا قَدْ بَعَثَنَا إِلَيْكَ لِنُعْذِرَ فِيكَ، وَإِنَّا وَاللهِ مَا نَعْلَمُ رَجُلًا مِنَ الْعَرَبِ أَدْخَلَ عَلَى قَوْمِهِ مَا أَدْخَلْتَ عَلَى قَوْمِكَ، لَقَدْ شَتَمْتَ الْآبَاءَ، وَعِبْتَ الدِّينَ، وَسَفَّهْتَ الْأَحْلَامَ، وَشَتَمْتَ الْآلِهَةَ، وَفَرَّقْتَ الْجَمَاعَةَ، فَمَا بَقِيَ أَمْرٌ قَبِيحٌ إِلَّا وَقَدْ جِئْتَهُ فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ، فَإِنْ كُنْتَ إِنَّمَا جِئْتَ بِهَذَا الْحَدِيثِ تَطْلُبُ مَالًا، جَمَعْنَا لَكَ مِنْ أَمْوَالِنَا حَتَّى تَكُونَ أَكْثَرَنَا مَالًا، وَإِنْ كُنْتَ إِنَّمَا تَطْلُبُ الشَّرَفَ فِينَا سَوَّدْنَاكَ عَلَيْنَا، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ بِهِ مُلْكًا مَلَّكْنَاكَ عَلَيْنَا، وَإِنْ كَانَ هَذَا الَّذِي يَأْتِيكَ بِمَا يَأْتِيكَ بِهِ رِئْيًا تَرَاهُ قَدْ غَلَبَ عَلَيْكَ ـ وَكَانُوا يُسَمُّونَ التَّابِعَ مِنَ الْجِنِّ: الرِّئْيَ، فَرُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ، بَذَلْنَا أَمْوَالَنَا فِي طَلَبِ الطِّبِّ لَكَ حَتَّى نُبَرِّئَكَ مِنْهُ، أَوْ نُعْذِرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا بِي مَا تَقُولُونَ، مَا جِئْتُكُمْ بِمَا جِئْتُكُمْ بِهِ أَطْلُبُ أَمْوَالَكُمْ، وَلَا الشَّرَفِ فِيكُمْ، وَلَا الْمُلْكَ عَلَيْكُمْ، وَلَكِنَّ اللهَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ رَسُولًا، وَأَنْزَلَ عَلَيَّ كِتَابًا، وَأَمَرَنِي أَنْ أَكُونَ لَكُمْ بَشِيرًا وَنَذِيرًا، فَبَلَّغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ، فَإِنْ تَقْبَلُوا مِنِّي مَا جِئْتُكُمْ بِهِ فَهُوَ حَظُّكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنْ تَرُدُّوهُ عَلَيَّ أَصْبِرُ لِأَمْرِ اللهِ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ)). أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، فَإِنْ كُنْتَ غَيْرَ قَابِلٍ مِنَّا مَا عَرَضْنَا عَلَيْكَ، فَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ أَضْيَقَ بِلَادًا، وَلَا أَقَلَّ مَالًا، وَلَا أَشَدَّ عَيْشًا مِنَّا، فَسَلْ رَبَّكَ الَّذِي بَعَثَكَ بِمَا بَعَثَكَ بِهِ، فَلْيُسَيِّرْ عَنَّا هَذِهِ الْجِبَالَ الَّتِي قَدْ ضُيِّقَتْ عَلَيْنَا، وَيَبْسُطْ لَنَا بِلَادِنَا، وَلْيُفَجِّرْ لَنَا فِيهَا أَنْهَارًا كَأَنْهَارِ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ، وَلْيَبْعَثْ لَنَا مَنْ مَضَى مِنْ آبَائِنَا، وَلْيَكُنْ فِيمَنْ يَبْعَثُ لَنَا مِنْهُمْ قُصَيُّ بْنُ كِلَابٍ، فَإِنَّهُ كَانَ شَيْخًا صَدُوقًا، فَنَسْأَلُهُمْ عَمَّا تَقُولُ، حَقٌّ هُوَ أَمْ بَاطِلٌ؟ فَإِنْ صَنَعْتَ مَا سَأَلْنَاكَ، وَصَدَّقُوكَ صَدَّقْنَاكَ، وَعَرَفْنَا بِهِ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ اللهِ، وَأَنَّهُ بَعَثَكَ بِالْحَقِّ رَسُولًا، كَمَا تقولُ. فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وَمَا بِهَذَا بُعِثْتُ، إِنَّمَا جِئْتُكُمْ مِنَ اللهِ بِمَا بَعَثَنِي بِهِ، فَقَدْ بَلَّغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ، فَإِنْ تَقْبَلُوهُ فَهُوَ حَظُّكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنْ تَرُدُّوهُ عَلَيَّ أَصْبِرُ لِأَمْرِ اللهِ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ)). قَالُوا: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ لَنَا هَذَا، فَخُذْ لِنَفْسِكَ، فَسَلْ رَبَّكَ أَنْ يَبْعَثَ مَلَكًا يُصَدِّقُكَ بِمَا تَقُولُ، وَيُرَاجِعُنَا عَنْكَ، وَاسْأَلْهُ فَلْيَجْعَلْ لَكَ جِنَانًا وَكُنُوزًا وَقُصُورًا مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، وَيُغْنِيكَ بِهَا عَمَّا نَرَاكَ تَبْتَغِي، فَإِنَّكَ تَقُومُ بِالْأَسْوَاقِ، وَتَلْتَمِسُ الْمَعَاشَ كَمَا نَلْتِمُسُهُ، حَتَّى نَعْرِفَ فَضْلَ مَنْزِلَتِكَ مِنْ رَبِّكَ، إِنْ كُنْتَ رَسُولًا كَمَا تَزْعُمُ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا أَنَا بِفَاعِلٍ، مَا أَنَا بِالَّذِي يَسْأَلُ رَبَّهُ هَذَا، وَمَا بُعِثْتُ إِلَيْكُمْ بِهَذَا، وَلَكِنَّ اللهَ بَعَثَنِي بَشِيرًا وَنَذِيرًا، فَإِنْ تَقْبَلُوا مَا جِئْتُكُمْ بِهِ فَهُوَ حَظُّكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنْ تَرُدُّوهُ عَلَيَّ أَصْبِرُ لِأَمْرِ اللهِ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ)). قَالُوا: فَأَسْقِطِ السَّمَاءَ عَلَيْنَا كِسَفًا كَمَا زَعَمْتَ أَنَّ رَبَّكَ إِنْ شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّا لَا نُؤْمِنُ لَكَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((ذَلِكَ إِلَى اللهِ إِنْ شَاءَ فَعَلَ بِكُمْ ذَلِكَ)). فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، فَمَا عِلْمُ رَبِّكَ أَنَّا سَنَجْلِسُ مَعَكَ وَنَسْأَلُكَ عَمَّا سَأَلْنَاكَ عَنْهُ، وَنَطْلُبُ مِنْكَ مَا نَطْلُبُ، فَيَتَقَدَّمُ إِلَيْكَ، وَيُعَلِّمُكَ مَا تُرَاجِعُنَا بِهِ، وَيُخْبِرُكَ مَا هُوَ صَانِعٌ فِي ذَلِكَ بِنَا، إِذْ لَمْ نَقْبَلْ مِنْكَ مَا جِئْتَنَا بِهِ، فَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّهُ إِنَّمَا يُعَلِّمُكَ هَذَا رَجُلٌ بِالْيَمَامَةِ يُقَالُ لَهُ الرَّحْمَنُ، وَإِنَّا وَاللهِ مَا نُؤْمِنُ بِالرَّحْمَنِ أَبَدًا، أَعْذَرْنَا إِلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ، أَمَا وَاللهِ لَا نَتْرُكُكَ وَمَا بَلَغْتَ مِنَّا حَتَّى نُهْلِكَكَ أَوْ تُهْلِكَنَا. وَقَالَ قَائِلُهُمْ: نَحْنُ نَعْبُدُ الْمَلَائِكَةَ، وَهُنَّ بَنَاتُ اللهِ، وَقَالَ قَائِلُهُمْ: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَأْتِيَنَا بِاللهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا. فَلَمَّا قَالُوا ذَلِكَ، قَامَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْهُمْ، وَقَامَ مَعَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَخْزُومٍ، وَهُوَ ابْنُ عَمَّتِهِ هُوَ لِعَاتِكَةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ لَهُ: يَا مُحَمَّدُ عَرَضَ عَلَيْكَ قَوْمُكَ مَا عَرَضُوا فَلَمْ تَقْبَلْهُ مِنْهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوكَ لِأَنْفُسِهِمْ أُمُورًا، لِيَعْرِفُوا مَنْزِلَتَكَ مِنَ اللهِ فَلَمْ تَفْعَلْ ذَلِكَ، ثُمَّ سَأَلُوكَ أَنْ تُعَجِّلَ مَا تُخَوِّفُهُمْ بِهِ مِنَ الْعَذَابِ، فَوَاللهِ لَا أُومِنُ لَكَ أَبَدًا، حَتَّى تَتَّخِذَ إِلَى السَّمَاءِ سُلَّمًا تَرْقَى فِيهِ، وَأَنَا أَنْظُرُ حَتَّى تَأْتِيَهَا، وَتَأْتِيَ مَعَكَ بِنُسْخَةٍ مَنْشُورَةٍ مَعَكَ أَرْبَعَةٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يَشْهَدُونَ لَكَ أَنَّكَ كَمَا تَقُولُ، وَايْمُ اللهِ لَوْ فَعَلْتَ ذَلِكَ لَظَنَنْتُ أَلَّا أُصَدِّقُكَ، ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَانْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَى أَهْلِهِ حَزِينًا أَسِيفًا لِمَا فَاتَهُ مِمَّا كَانَ يَطْمَعُ فِيهِ مِنْ قَوْمِهِ حِينَ دَعَوْهُ، وَلِمَا رَأَى مِنْ مُبَاعَدَتِهِمْ إِيَّاهُ، فَلَمَّا قَامَ عَنْهُمْ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ أَبُو جَهْلٍ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ أَبَى إِلَّا مَا تَرَوْنَ مِنْ عَيْبِ دِينِنَا، وَشَتْمِ آبَائِنَا، وَتَسْفِيهِ أَحْلَامِنَا، وَسَبِّ آلِهَتِنَا، وَإِنِّي أُعَاهِدُ اللهَ لَأَجْلِسَنَّ لَهُ غَدًا بِحَجَرٍ قَدْرَ مَا أُطِيقُ حَمْلَهُ، فَإِذَا سَجَدَ فِي صَلَاتِهِ فَضَخْتُ رَأْسَهُ بِهِ. وَأُنْزِلَ عَلَيْهِ فِيمَا قَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبي أُميَّة: "وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ" إِلَى قَوْله: {بَشَرًا رَسُولًا}، وَأُنْزِلَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِمْ (لَنْ نُؤْمِنَ بِالرَّحْمَنِ) {كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ} الْآيَة: 30، مِنْ سورةِ الرَّعْد. وَأُنْزِلَ عَلَيْهِ فِيمَا سَأَلَهُ قَوْمُهُ لأَنْفُسِهِمْ مِنْ تَسْيِيرِ الْجِبَالِ، وتَقْطِيعِ الْجبَالِ، وَبَعْثِ مَنْ مَضَى مِنْ آبَائِهِم الْمَوْتَى قولُهُ منْ سورةِ الرعدِ أَيْضًا: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجبَالُ} الآيَة: 31. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنْ سَعيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: "وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ" قَالَ: نَزَلَتْ فِي أَخِي أُمِّ سَلَمَةَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبي أُمَيَّةَ.
قوْلُهُ تَعَالَى: {وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ} الواوُ: عاطِفَةٌ، و "قالُوا" فِعْلٌ ماضٍ مَعْطُوفٌ عَلى {أَبَى} مِنَ الآيةِ السابقةِ، مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّمِّ لاتِّصالِهِ بِوَاوِ الجَمَاعَةِ، وواوُ الجَماعَةِ ضَميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ فَاعِلُهُ، والأَلِفُ للتَفريقِ. و "لَنْ" حرفٌ نَاصِبٌ. و "نُؤْمِنَ" فعلٌ مُضارعٌ مَنْصُوبٌ بِـ "لَنْ"، وَفَاعِلُهُ ضَميرٌ مُسْتترٌ فيهِ وُجوبًا تقديرُهُ (نَحْنُ) يَعُودُ عَلَى المُشْرِكِينَ، و "لَكَ" اللامُ حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "نُؤْمِنَ" وكافُ الخطابِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجرِّ بِحَرْفِ الجرِّ. والجملةُ في مَحَلِّ النَّصْبِ مَقُولُ القولِ لِـ "قالُوا".
قوْلُهُ: {حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا} حَتَّى: حَرْفُ جَرٍّ وَغَايَةٍ. و "تَفْجُرَ" فِعْلٌ مُضارِعٌ مَنْصوبٌ بـ "أَنْ" مُضْمَرَةً بَعْدَ "حَتَّى" وُجُوبًا، وَفَاعِلُهُ ضَميرٌ مُسْتترٌ فيهِ وُجوبًا تقديرُهُ (أَنْتَ) يَعُودُ عَلَى سيِّدِنا مُحَمَّدٍ ـ صلَّى اللهُ عَليْهِ وسلَّمَ. و "لَنَّا" اللامُ: حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذوفِ حَالٍ مِنْ "يَنْبُوعًا"، و "نا" ضميرُ جماعةِ المُتَكَلِّمينَ مبنيٌّ عَلى السُّكونِ في محلِّ الجرِّ بحرفِ الجرِّ. و "مِنَ" حرفُ جرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "تَفْجُرَ"، و "الْأَرْضِ" مجرورٌ بحرْفِ الجَرِّ. و "يَنْبُوعًا" مَفْعُولٌ بِهِ مَنْصُوبٌ، والجُمْلَةُ صِلَةُ "أَنْ" المُضْمَرَةِ، و "أَنْ" مَعَ صِلَتِهَا فِي تَأْويلِ مَصْدَرٍ مَجْرورٍ بِـ "حَتَّى" والتقديرُ، إِلَى فَجْرِ يَنْبُوعٍ لَنَا مِنَ الأَرْضِ، والجَارُّ وَالمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِـ "نُؤْمِنَ".
قَرَأَ الْجُمْهُورُ: {تُفَجِّرَ} بِضَمِّ التَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ، عَلَى أَنَّهُ مُضَارِعُ (فَجَّرَ) الْمُضَاعَفِ. وَقَرَأَهُ عَاصِمٌ، وَحَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ، وَخَلَفٌ "تَفْجُرَ" بِفَتْحِ التَّاءِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَضَمِّ الْجِيمِ مُخَفَّفَةً، عَلَى أَنَّهُ مُضَارِعُ فَجَرَ كَنَصَرَ، فَلَا الْتِفَاتَ فِيهَا لِلْمُبَالَغَةِ لِأَنَّ الْيَنْبُوعَ يَدُلُّ عَلَى الْمَقْصُودِ أَوْ يُعَبِّرُ عَنْ مُخْتَلِفِ أَقْوَالِهِمُ الدَّالَّةِ عَلَى التَّصْمِيمِ فِي الِامْتِنَاعِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ عَنِ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَرَأَ أيضًا "حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا" خَفِيفَةً. ولم يَخْتَلِفُوا فِي الثانيَةِ أَنَّها بالتَّثْقِيلِ للتَّصْريحِ بِمَصْدَرِهَا. وَقَرَأَ الأَعْمَشُ "تُفْجِرَ" بِضَمِّ التَّاءِ وَسُكونِ الفَاءِ وَكَسْرِ الجِيمِ خَفِيفَةً، مُضَارعَ "أَفْجَرَ" بِمَعْنَى "فَجَرَ"، فَلَيْسَ التَضْعيفُ وَلَا الهَمْزَةُ مُعَدِّيَيْنِ.

عبد القادر الأسود
عبد القادر الأسود
أرمنازي - عضو شرف
أرمنازي - عضو شرف

عدد المساهمات : 932
نقاط : 2771
السٌّمعَة : 15
تاريخ التسجيل : 08/06/2010
العمر : 76
الموقع : http://abdalkaderaswad.spaces.live.com

http://abdalkaderaswad.wordpress.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى