الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 105
منتدى مدينة أرمناز العام :: المنتدى الخاص بشاعر أرمناز الكبير الأستاذ عبدالقادر الأسود :: البحوث والدراسات والمقالات النثرية
صفحة 1 من اصل 1
الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 105
وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا
(105)
قوْلُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ} الظاهِرُ أَنَّ الباءَ هُنَا للمُلابَسَةِ، والمُرَادَ بِالحَقِّ الحِكْمَةُ الإِلَهِيَّةُ المُقْتَضِيَةُ لِإِنْزَالِ القُرْآنِ الكَريمِ، وضَمِيرُ الغَائِبِ في "أَنْزلْناهُ"، يَعُودُ للقُرْآنِ، أَيْ: وبِالْحَقِّ أَنْزْلْنَا القُرْآنَ، والإِنْزَالُ هُنا كَمَا هوَ في الآيةَ: 25، مِنْ قولِهِ تَعَالى فِي سُورَةِ الحَديدِ: {وَأَنزْلْنَا الحَديدَ}. والحَقُّ: هو الأَمْرُ الثابِتُ المَحْفوظُ، والمَعْنَى مَا أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّماءِ إِلَّا مَحْفُوظًا بِالرَّصْدِ مِنَ المَلائِكَةِ. وَقِيلَ: الحَقُّ هُنَا هو التَوْحِيدُ.
وَذَهَبَ بعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ هَذَا الضَّمِيرَ يَعُودُ لِسَيِّدِنَا "مُوسَى" ـ عَلَيْهِ السَّلام، وَهُوَ، بَعِيدٌ جِدًّا.
قوْلُهُ: {وَبِالْحَقِّ نَزَلَ} أَيْ: مَا نَزَلَ إِلَّا مُلْتَبِسًا بِالحَقِّ الَّذي اشْتَمَلَ عَلَيْهِ، فَالمُرادُ بالحَقِّ هُنَا مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ القُرْآنُ الكَريمُ مِنَ العَقَائِدِ والأَحْكَامِ ونَحْوِ ذَلِكَ. فالحَقُّ هُنَا الوَعْدُ والوَعِيدِ والأَمْرُ وَالنَّهْيُ،
وقيلَ: وَمَا نَزَلَ عَلَى الرَّسُولِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَّا مَحْفُوظًا بِهِمْ مِنْ تَخْلِيطِ الشَّيَاطِينِ، أَيْ: أَنَّهُ مَحْفُوظٌ حَالَ إِنْزالِهِ وَمَا بَعْدَهُ، فَلَا يِأْتِيهِ الباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ.
وقَدْ أَبْعَدَ مَنْ وَجَوَّزَ بعضُهُمْ أَنْ يكَوْنَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هو المُرَادُ بِالحَقِّ هُنَا، وَمَعْنَى نُزُولِهِ بِهِ، نُزُولُهُ عَلَيْهِ، وَحُلولُهُ عِنْدَهُ، وهو مِنْ قَوْلِهِمْ نَزَلَ بِفُلانَ ضَيْفٌ، وهو بعيدٌ أَيْضًا.
ونَحَا الطَبَرِيُّ ـ رَحِمَهُ اللهُ، في تَفْسِيرِهِ (جامِعُ البَيَانِ فِي تَأْوِيلِ القُرْآنِ) إِلَى أَنَّ هَذِهِ الجُمْلَةَ هيَ تَوْكِيدٌ للجملةِ التي قَبَلَها مِنُ حَيْثُ المَعْنَى لِأَنَّكَ تَقُولُ: أَنْزَلْتُهُ فَنَزَلَ، وَإِذَا عَرَضَ لَهُ مَانِعٌ مِنَ النُّزُولِ ولَمْ يَنْزِلْ فَإِنَّكَ تَقُولُ: أَنْزَلْتُهُ فَلَمْ يَنْزِلْ. فالجُمْلَةُ إِذًا مُزَيِّلَةٌ لِهَذَا الاحْتِمَالِ.
قولُهُ: {وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} أَيْ: "مُبَشِّرًا: بالثَّوابِ العظيمِ يومَ القيامَةِ عِندَ اللهِ تَعَالى لمَنْ أَطاعَ اللهَ ورسولَهُ، و "نَذِيرًا" لِمَنْ عَصَى اللهَ والرَّسولَ بالعقابِ وسوءِ المُنْقَلَبِ، والعذابِ الشديدِ يومَ القيامةِ، وهَذِهِ هِيَ مهمَّتُكَ وحَسْبُ. فمَا عَلَيِكَ هِدَايَةُ الكافِرينَ، ولا حَمْلُهمْ عَلَى تطبيقِ أَحْكامِ هَذَا الدِّينِ.
وقَدْ أَفادتْ هَذِهِ الجُمْلَةُ تَحْقيقَ حَقِّيَّةِ بِعْثَتِهِ ـ عَلَيْهِ صَلَواتُ اللهِ وسَلامُهُ، إِثْرَ تَحْقيقِ حَقِيَّةِ القُرْآنِ الكريم.
قولُهُ تَعَالَى: {وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ} الواوُ: اسْتِئْنَافِيَّةٌ. و "بِالْحَقِّ" الباءُ حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "أَنْزَلْناهُ"، والباءُ سَبَبِيَّةٌ، أَيْ: أَنْزَلْنَاهُ بِسَبَبِ الحَقِّ. أَوْ بِحالٍ مِنَ فَاعِلِهِ، أَيْ: حَالَةَ كَوْنِنَا فاعلينَ بالحَقِّ، أَوْ مُلْتَبِسينَ بالحَقِّ. أَوْ بِحَالٍ مِنَ المَفْعُولِ بِهِ؛ أَيْ: حَالَةَ كَوْنِهِ مُلْتَبِسًا بِالحَقِّ، أَوْ وَمَعَهُ الحَقُّ، فَيَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ عَلَى هَذَيْنِ الوَجْهَيْنِ الأَخيريْنِ. و "الحقِّ" مَجْرورٌ بِحَرْفِ الجَرِّ. وَ "أَنْزَلْناهُ" فِعْلٌ مَاضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ لاتِّصالِهِ بـ "نَا" المُعَظِّمِ نَفْسَهُ ـ سُبْحانَهُ وتَعَالَى، و "نَا" التَعْظِيمِ هذِهِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ النَّصْبِ بالمَفْعُولَيَّةِ، والظاهِرُ عَوْدُ هَذَا الضميرِ للقُرْآنِ: إِمَّا المَلْفُوظِ بِهِ فِي قَوْلِهِ قَبْلَ ذَلِكَ في الآيةِ: 88: {عَلَى أَنْ يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا القُرْآنِ}، وَيَكونُ ذَلِكَ جَرْيًا عَلَى قَاعِدَةِ أَسَالِيبِ كلامِ العربِ، وَهُوَ أَنْ يَسْتَطْرِدَ المُتَكَلِّمُ في ذِكْر شَيْءٍ لَمْ يَسْبِقْ لَهُ كلامُهُ أَوَّلًا، ثُمَّ يَعُودُ إِلى كَلامِهِ الأَوَّلِ، وَإِمَّا يعودُ الضميرُ للقُرْآنِ غَيْرِ المَلْفُوظِ أَوَّلًا؛ لِدَلالَةِ الحَالِ عَلَيْه كما في قولِهِ تَعَالَى مِنْ سورةِ القَدْرِ: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القدر} الآية: 1، وَقِيلَ: يَعُودُ عَلَى مُوسَى كما في قولِهِ تعالى منْ سُورَةِ الحَديدِ: {وَأَنزْلْنَا الحَديدَ} الآيةَ: 25. وَقِيلَ: يعودُ عَلَى الوَعْدِ. وَقِيلَ: يعودُ عَلَى الآياتِ التِّسْعِ، وَقد ذَكَّرَ الضَمِيرَ وَأَفْرَدَهُ حَمْلًا عَلَى مَعْنَى الدَّليلِ والبُرْهانِ. والجُمْلَةُ الفعلِيَّةُ هذِهِ مُسْتَأْنَفَةٌ فليس لها مَحَلٌّ مِنَ الإِعْرَابِ.
قولُهُ: {وَبِالْحَقِّ نَزَلَ} الوَاوُ: للعَطْفِ، و "بِالْحَقِّ" الباءُ: حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "نَزَلَ"، أَوْ بِحَالٍ مِنْ فَاعِلِ "نَزَلَ"؛ أَيْ: مُلْتَبِسًا بِالحَقِّ، ففيهِ الوَجْهانِ الأَوَّلانِ اللذانِ ذَكَرْناهُما في الجملةِ الأولى دُونَ الثالِثِ وذلكَ لِعَدَمِ وجودٍ ضَميرٍ آخَرَ غَيْرِ ضَمِيرِ القُرْآنِ الكَريمِ. وَ "الحَقِّ" مَجْرُورٌ بحرفِ الجَرِّ. وَ "نَزَلَ" فِعْلٌ مَاضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَتْحِ، وفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتتِرٌ فِيهِ جوازًا تقديرُهُ (هو) يَعُودُ عَلَى القُرْآنِ، والجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ "أَنْزَلْناهُ" عَلَى كَوْنِها جُمْلَةً مُسْتَأْنَفَةٌ لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرَابِ. وقيلَ بأَنَّ هذِهِ الجُمْلَةَ جاءتْ مؤَكِّدَةً للجملةِ الأُولَى، ذَلِكَ لأَنَّهُ يُقَالُ: أَنْزَلْتُهُ فَنَزَلَ، وأَنْزَلْتُهُ فَلَمْ يَنْزِلْ، كما تقدَّمَ الإشارةُ إِلَيْهِ في مَبْحَثِ التَفْسيرِ. فَقد جِيْءَ بقولِهِ "وبالحَقِّ نَزَلَ" دَفْعًا لِهَذَا الوَهْمِ. وَقِيلَ: لَيْسَتْ للتَأْكِيدِ، والمُغَايَرَةُ إنَّما تَحْصُلُ بالتَغَايُرِ بَيْنَ الحَقِّيْنِ، فَالحَقُّ الأَوَّلُ هو التَوْحِيدُ، وَالحقُّ الثاني هو الوَعْدُ والوَعِيدُ وَالأَمْرُ والنَّهْيُ. وَقَالَ الزَمَخْشَرِيُّ المَعْنَى: وَمَا أَنْزَلْنَا القُرْآنَ إِلَّا بِالحِكْمَةِ المُقْتَضِيَةِ لإِنْزَالِهِ، وَمَا نَزَلَ إِلَّا مُلْتَبِسًا بِالحَقِّ والحِكمَةِ لاشْتِمالِهِ عَلَى الهِدايَةِ إِلَى كُلِّ خَيْرٍ، أَوْ مَا أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَّا بِالحَقِّ مَحْفُوظًا بِالرَّصْدِ مِنَ المَلائِكَةِ، ومَا نَزَلَ عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا مَحْفوظًا بِهِمْ مِنْ تَخْليطِ الشَّيَاطِينِ.
قولُهُ: {وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} الواوُ: عاطفةٌ، و "ما" نَافِيَةٌ. و "أَرْسَلْناكَ" فِعْلٌ مَاضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ لاتِّصالِهِ بـ "نَا" المُعَظِّمِ نَفْسَهُ ـ سُبْحانَهُ، و "نَا" التَعْظِيمِ هذِهِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ بالفَاعِليَّةِ، وَكافُ الخِطابِ: ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ بالمَفْعُولَيَّةِ، والجُمْلَةُ الفعلِيَّةُ هذِهِ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ "أَنْزَلْناهُ" على كونِها جملةً مُسْتَأْنَفَةً لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرَابِ. و "إِلَّا" أَدَاةُ اسْتِثْنَاءٍ مُفَرَّغٍ (أَداةٌ للحَصْرِ). و "مُبَشِّرًا" مَنْصُوبٌ عَلَى الحَالِ مِنْ كَافِ المُخَاطَبِ في "أَرْسَلْناكَ". و "نَذِيرًا" مَعْطُوفٌ عَلَى "مُبَشِّرًا" مَنْصُوبٌ مِثْلُهُ.
(105)
قوْلُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ} الظاهِرُ أَنَّ الباءَ هُنَا للمُلابَسَةِ، والمُرَادَ بِالحَقِّ الحِكْمَةُ الإِلَهِيَّةُ المُقْتَضِيَةُ لِإِنْزَالِ القُرْآنِ الكَريمِ، وضَمِيرُ الغَائِبِ في "أَنْزلْناهُ"، يَعُودُ للقُرْآنِ، أَيْ: وبِالْحَقِّ أَنْزْلْنَا القُرْآنَ، والإِنْزَالُ هُنا كَمَا هوَ في الآيةَ: 25، مِنْ قولِهِ تَعَالى فِي سُورَةِ الحَديدِ: {وَأَنزْلْنَا الحَديدَ}. والحَقُّ: هو الأَمْرُ الثابِتُ المَحْفوظُ، والمَعْنَى مَا أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّماءِ إِلَّا مَحْفُوظًا بِالرَّصْدِ مِنَ المَلائِكَةِ. وَقِيلَ: الحَقُّ هُنَا هو التَوْحِيدُ.
وَذَهَبَ بعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ هَذَا الضَّمِيرَ يَعُودُ لِسَيِّدِنَا "مُوسَى" ـ عَلَيْهِ السَّلام، وَهُوَ، بَعِيدٌ جِدًّا.
قوْلُهُ: {وَبِالْحَقِّ نَزَلَ} أَيْ: مَا نَزَلَ إِلَّا مُلْتَبِسًا بِالحَقِّ الَّذي اشْتَمَلَ عَلَيْهِ، فَالمُرادُ بالحَقِّ هُنَا مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ القُرْآنُ الكَريمُ مِنَ العَقَائِدِ والأَحْكَامِ ونَحْوِ ذَلِكَ. فالحَقُّ هُنَا الوَعْدُ والوَعِيدِ والأَمْرُ وَالنَّهْيُ،
وقيلَ: وَمَا نَزَلَ عَلَى الرَّسُولِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَّا مَحْفُوظًا بِهِمْ مِنْ تَخْلِيطِ الشَّيَاطِينِ، أَيْ: أَنَّهُ مَحْفُوظٌ حَالَ إِنْزالِهِ وَمَا بَعْدَهُ، فَلَا يِأْتِيهِ الباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ.
وقَدْ أَبْعَدَ مَنْ وَجَوَّزَ بعضُهُمْ أَنْ يكَوْنَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هو المُرَادُ بِالحَقِّ هُنَا، وَمَعْنَى نُزُولِهِ بِهِ، نُزُولُهُ عَلَيْهِ، وَحُلولُهُ عِنْدَهُ، وهو مِنْ قَوْلِهِمْ نَزَلَ بِفُلانَ ضَيْفٌ، وهو بعيدٌ أَيْضًا.
ونَحَا الطَبَرِيُّ ـ رَحِمَهُ اللهُ، في تَفْسِيرِهِ (جامِعُ البَيَانِ فِي تَأْوِيلِ القُرْآنِ) إِلَى أَنَّ هَذِهِ الجُمْلَةَ هيَ تَوْكِيدٌ للجملةِ التي قَبَلَها مِنُ حَيْثُ المَعْنَى لِأَنَّكَ تَقُولُ: أَنْزَلْتُهُ فَنَزَلَ، وَإِذَا عَرَضَ لَهُ مَانِعٌ مِنَ النُّزُولِ ولَمْ يَنْزِلْ فَإِنَّكَ تَقُولُ: أَنْزَلْتُهُ فَلَمْ يَنْزِلْ. فالجُمْلَةُ إِذًا مُزَيِّلَةٌ لِهَذَا الاحْتِمَالِ.
قولُهُ: {وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} أَيْ: "مُبَشِّرًا: بالثَّوابِ العظيمِ يومَ القيامَةِ عِندَ اللهِ تَعَالى لمَنْ أَطاعَ اللهَ ورسولَهُ، و "نَذِيرًا" لِمَنْ عَصَى اللهَ والرَّسولَ بالعقابِ وسوءِ المُنْقَلَبِ، والعذابِ الشديدِ يومَ القيامةِ، وهَذِهِ هِيَ مهمَّتُكَ وحَسْبُ. فمَا عَلَيِكَ هِدَايَةُ الكافِرينَ، ولا حَمْلُهمْ عَلَى تطبيقِ أَحْكامِ هَذَا الدِّينِ.
وقَدْ أَفادتْ هَذِهِ الجُمْلَةُ تَحْقيقَ حَقِّيَّةِ بِعْثَتِهِ ـ عَلَيْهِ صَلَواتُ اللهِ وسَلامُهُ، إِثْرَ تَحْقيقِ حَقِيَّةِ القُرْآنِ الكريم.
قولُهُ تَعَالَى: {وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ} الواوُ: اسْتِئْنَافِيَّةٌ. و "بِالْحَقِّ" الباءُ حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "أَنْزَلْناهُ"، والباءُ سَبَبِيَّةٌ، أَيْ: أَنْزَلْنَاهُ بِسَبَبِ الحَقِّ. أَوْ بِحالٍ مِنَ فَاعِلِهِ، أَيْ: حَالَةَ كَوْنِنَا فاعلينَ بالحَقِّ، أَوْ مُلْتَبِسينَ بالحَقِّ. أَوْ بِحَالٍ مِنَ المَفْعُولِ بِهِ؛ أَيْ: حَالَةَ كَوْنِهِ مُلْتَبِسًا بِالحَقِّ، أَوْ وَمَعَهُ الحَقُّ، فَيَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ عَلَى هَذَيْنِ الوَجْهَيْنِ الأَخيريْنِ. و "الحقِّ" مَجْرورٌ بِحَرْفِ الجَرِّ. وَ "أَنْزَلْناهُ" فِعْلٌ مَاضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ لاتِّصالِهِ بـ "نَا" المُعَظِّمِ نَفْسَهُ ـ سُبْحانَهُ وتَعَالَى، و "نَا" التَعْظِيمِ هذِهِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ النَّصْبِ بالمَفْعُولَيَّةِ، والظاهِرُ عَوْدُ هَذَا الضميرِ للقُرْآنِ: إِمَّا المَلْفُوظِ بِهِ فِي قَوْلِهِ قَبْلَ ذَلِكَ في الآيةِ: 88: {عَلَى أَنْ يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا القُرْآنِ}، وَيَكونُ ذَلِكَ جَرْيًا عَلَى قَاعِدَةِ أَسَالِيبِ كلامِ العربِ، وَهُوَ أَنْ يَسْتَطْرِدَ المُتَكَلِّمُ في ذِكْر شَيْءٍ لَمْ يَسْبِقْ لَهُ كلامُهُ أَوَّلًا، ثُمَّ يَعُودُ إِلى كَلامِهِ الأَوَّلِ، وَإِمَّا يعودُ الضميرُ للقُرْآنِ غَيْرِ المَلْفُوظِ أَوَّلًا؛ لِدَلالَةِ الحَالِ عَلَيْه كما في قولِهِ تَعَالَى مِنْ سورةِ القَدْرِ: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القدر} الآية: 1، وَقِيلَ: يَعُودُ عَلَى مُوسَى كما في قولِهِ تعالى منْ سُورَةِ الحَديدِ: {وَأَنزْلْنَا الحَديدَ} الآيةَ: 25. وَقِيلَ: يعودُ عَلَى الوَعْدِ. وَقِيلَ: يعودُ عَلَى الآياتِ التِّسْعِ، وَقد ذَكَّرَ الضَمِيرَ وَأَفْرَدَهُ حَمْلًا عَلَى مَعْنَى الدَّليلِ والبُرْهانِ. والجُمْلَةُ الفعلِيَّةُ هذِهِ مُسْتَأْنَفَةٌ فليس لها مَحَلٌّ مِنَ الإِعْرَابِ.
قولُهُ: {وَبِالْحَقِّ نَزَلَ} الوَاوُ: للعَطْفِ، و "بِالْحَقِّ" الباءُ: حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "نَزَلَ"، أَوْ بِحَالٍ مِنْ فَاعِلِ "نَزَلَ"؛ أَيْ: مُلْتَبِسًا بِالحَقِّ، ففيهِ الوَجْهانِ الأَوَّلانِ اللذانِ ذَكَرْناهُما في الجملةِ الأولى دُونَ الثالِثِ وذلكَ لِعَدَمِ وجودٍ ضَميرٍ آخَرَ غَيْرِ ضَمِيرِ القُرْآنِ الكَريمِ. وَ "الحَقِّ" مَجْرُورٌ بحرفِ الجَرِّ. وَ "نَزَلَ" فِعْلٌ مَاضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَتْحِ، وفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتتِرٌ فِيهِ جوازًا تقديرُهُ (هو) يَعُودُ عَلَى القُرْآنِ، والجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ "أَنْزَلْناهُ" عَلَى كَوْنِها جُمْلَةً مُسْتَأْنَفَةٌ لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرَابِ. وقيلَ بأَنَّ هذِهِ الجُمْلَةَ جاءتْ مؤَكِّدَةً للجملةِ الأُولَى، ذَلِكَ لأَنَّهُ يُقَالُ: أَنْزَلْتُهُ فَنَزَلَ، وأَنْزَلْتُهُ فَلَمْ يَنْزِلْ، كما تقدَّمَ الإشارةُ إِلَيْهِ في مَبْحَثِ التَفْسيرِ. فَقد جِيْءَ بقولِهِ "وبالحَقِّ نَزَلَ" دَفْعًا لِهَذَا الوَهْمِ. وَقِيلَ: لَيْسَتْ للتَأْكِيدِ، والمُغَايَرَةُ إنَّما تَحْصُلُ بالتَغَايُرِ بَيْنَ الحَقِّيْنِ، فَالحَقُّ الأَوَّلُ هو التَوْحِيدُ، وَالحقُّ الثاني هو الوَعْدُ والوَعِيدُ وَالأَمْرُ والنَّهْيُ. وَقَالَ الزَمَخْشَرِيُّ المَعْنَى: وَمَا أَنْزَلْنَا القُرْآنَ إِلَّا بِالحِكْمَةِ المُقْتَضِيَةِ لإِنْزَالِهِ، وَمَا نَزَلَ إِلَّا مُلْتَبِسًا بِالحَقِّ والحِكمَةِ لاشْتِمالِهِ عَلَى الهِدايَةِ إِلَى كُلِّ خَيْرٍ، أَوْ مَا أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَّا بِالحَقِّ مَحْفُوظًا بِالرَّصْدِ مِنَ المَلائِكَةِ، ومَا نَزَلَ عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا مَحْفوظًا بِهِمْ مِنْ تَخْليطِ الشَّيَاطِينِ.
قولُهُ: {وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} الواوُ: عاطفةٌ، و "ما" نَافِيَةٌ. و "أَرْسَلْناكَ" فِعْلٌ مَاضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ لاتِّصالِهِ بـ "نَا" المُعَظِّمِ نَفْسَهُ ـ سُبْحانَهُ، و "نَا" التَعْظِيمِ هذِهِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ بالفَاعِليَّةِ، وَكافُ الخِطابِ: ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ بالمَفْعُولَيَّةِ، والجُمْلَةُ الفعلِيَّةُ هذِهِ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ "أَنْزَلْناهُ" على كونِها جملةً مُسْتَأْنَفَةً لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرَابِ. و "إِلَّا" أَدَاةُ اسْتِثْنَاءٍ مُفَرَّغٍ (أَداةٌ للحَصْرِ). و "مُبَشِّرًا" مَنْصُوبٌ عَلَى الحَالِ مِنْ كَافِ المُخَاطَبِ في "أَرْسَلْناكَ". و "نَذِيرًا" مَعْطُوفٌ عَلَى "مُبَشِّرًا" مَنْصُوبٌ مِثْلُهُ.
مواضيع مماثلة
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 20
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 33 / 3
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 47
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 63
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 80
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 33 / 3
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 47
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 63
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 80
منتدى مدينة أرمناز العام :: المنتدى الخاص بشاعر أرمناز الكبير الأستاذ عبدالقادر الأسود :: البحوث والدراسات والمقالات النثرية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء أكتوبر 01, 2019 11:34 am من طرف bassam1972
» شهادة الشاعر الكبير الأستاذ عبد القادر دياب مدير عام الملتقى الثقافي العربي
الجمعة سبتمبر 13, 2019 7:15 pm من طرف bassam1972
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 12
الجمعة يوليو 12, 2019 10:33 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 10
الخميس يوليو 11, 2019 10:54 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 9
الأربعاء يوليو 10, 2019 1:29 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 8
الأربعاء يوليو 10, 2019 10:41 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 6
الثلاثاء يوليو 09, 2019 4:24 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 5
الأحد يوليو 07, 2019 10:10 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 3
السبت يوليو 06, 2019 10:14 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 2
الجمعة يوليو 05, 2019 10:54 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكه، الآية: 1
الأربعاء يوليو 03, 2019 3:27 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف: تعريف
الثلاثاء يوليو 02, 2019 7:01 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 111
السبت يونيو 29, 2019 7:26 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 110
الخميس يونيو 27, 2019 10:38 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 109
الخميس يونيو 27, 2019 6:45 am من طرف عبد القادر الأسود