حديث الطيف (الشاعر عبد القادر الأسود)

حديثُ الطيف

مرثيّة شاعر حمص الكبير المرحوم الصديق : عبد الرحيم الحصني.

أَطيافُكَ الخَفِراتٌ في الأسحارِ
زارت على نأْيٍ وبُعْدِ مَزار

جاءتْ تَحَدَّثُ،يا لَحُلْوِ حديثِها
أحلى وأندى من صَدى الأَوتارِ

أنّى التفتَّ فمِسمَــعُ مُتَلَهِّفٌ،
ماذا فعلْتَ بأنفسِ السُمّار؟!

ألهبْتَ فيها ما تَرَمَّدَ جمرُهُ
من ساحرِ الأحلامِ والتَذْكارِ

ذوّبتَ ما تَـصْبو إليهِ وتَرتَجي
وسكبْتَه في أكؤسِ الأشعارِ

وأدرتَها،لا الخمرُ أشهى مَرْشَفاً
منها ولا محلولةُ الأزرارِ

يا شاعرَيْ"حمص"أما يكفيكما
هذا الخلودُ على مدى الأدهارِ ؟

كم مات جيلٌ وانطوتْ أخبارُهُ
ونشيدُ"ديك الجنّ"نهرٌ جارِ

يتحلَّق العشّاقُ حولَ ضفافِهِ
يتعـمّدون بمائه المِعطارِ

وغداً ستطوينا الدهورُ وتنقضي
آجالُنا في زحمةِ الأقدارِ

وتظلُّ أنت الحيَّ في الأجيال يا
عطرَ الحياةِ ويا ضياها الساري

***

"عبدَ الرحيم"وما عَرَفْتُك مُعرضاً
إنْ حلَّ ضيفٌ في رحاب الدارِ

تلقاه بالوجه البشوش مرحِّباً
طرباً وتلك مزيَّةُ الأخيارِ

وتجود بالشعر النَفيس مُؤانساً
غَرِداً فـينسى قَسوةَ الأسفارِ

حتى المنابرُ تعتريها رعشةٌ
من صوتك المُستَعذَبِ الهدّارِ

من سِحْرِك العُلْويِّ مطلولِ الرؤى
قَطَّرْتَهُ من بسمةِ الأقمارِ

وتَعانُقِ الأنسامِ والأزهارِ
وتَعَلُّقِ الألحانِ بالأطيارِ

***

يا فارس الحرفِ الأصيلِ مُورِّد الـ
ـخَدِّ الأسيلِ برقَّةِ الأسرارِ

ما قيمةُ الأيام إن لم نَقْـضِها
في ظِلِّ وارفةٍ وبوحِ هَزارِ ؟

يا لَلحياةِ نَرودُها فتَروعُنا
بفراق خِلٍّ وانطفاءِ جِمارِ

***

وأراك قد ضاقت عليك رحابُها
"عبدَ الرحيم"وضِقتَ بالأسوارِ

من بعد ما رحل الرفاقُ وآثروا
دارَ القرا رَ وصُحبةَ الأبرارِ

بالأمسِ رُحْتَ إلى"حماةَ"مودِّعاً
تبكي"سـعيداً"والـدموعُ دراري*

ووقفتَ في"الشهباءِ"ترثي نجمَها
"عُمَراً"وقـد أضناهُ طولُ مدارِ **

يا لَلْحياةِ إذا خَلَتْ أيامُها
من طائرٍ غرِدٍ ويا لََعِثارِ

* هو المرحوم الشاعر سعيد قندقجي .
** هو المرحوم الشاعر عمر أبو ريشة