الدر النظيم ... سورة البقرة ، الآية : 46
منتدى مدينة أرمناز العام :: المنتدى الخاص بشاعر أرمناز الكبير الأستاذ عبدالقادر الأسود :: البحوث والدراسات والمقالات النثرية
صفحة 1 من اصل 1
الدر النظيم ... سورة البقرة ، الآية : 46
الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (46)
لم يقل : الذين تيقنوا أنهم ملاقوا ربهم لأن مجرد الظن أنك ملاق الله سبحانه وتعالى . . كاف أن يجعلك تلتزم بالمنهج . فما بالك إذا كنت متيقنا .
فكل مكذب بالآخرة خاسر . والنفس البشرية لابد أن تحتاط للقاء الله وأن تعترف أن هناك حشراً وتعمل لذلك . يقول المعرّي في آخر حياته :
زعم المنجّم والطبيب كلاهما ................ لا تحشر الأجساد قلتُ إليكما
إن صحّ قولكما فلسْت بخاسرٍ ............... أو صح قولي فالخسارُ عليكما
والرجوع إلى الله سبحانه وتعالى أمر يقيني . فمادمت قد جئت إلى الدنيا مخلوقاً من الله فأنت لا مَحالةَ سترجع إليه .
والظن في الأصل الحُسبان واللقاء وصول أحد الجسمين إلى الآخر بحيث يماسه ، والمراد من ملاقاة الرب سبحانه ، إما ملاقاة ثوابه أو رؤيته ـ سبحانه ـ وكل منهما مظنون متوقع لأنه وإن علم الخاشع أنه لا بد من ثواب للعمل الصالح ، وتحقق أن المؤمن يرى ربَّه يوم المآب لكن من أين يعلم ما يختم به عمله ، ففي وصف أولئك بالظن إشارة إلى خوفهم ، وعدم أمنهم مَكرَ ربهم { فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ الله إِلاَّ القوم الخاسرون } الأعراف: 99
والمفاعلةُ هنا بمعنى الثلاثي نحو : عافاك الله ، و" لَقِيَ " يتضمَّن معنى "لاقى" كأنه يَعْني أن المادةَ لذاتها تقتضي المشاركةَ . وفي الكلام حَذْفٌ تقديرُه: ملاقو ثوابِ ربِّهم وعقابِه . ويَصِحُّ أن تكونَ الملاقاةُ هنا الرؤيةَ التي عليها أهلُ السُّنَّةِ وورد بها متواترُ الحديث ، فعلى هذا لا يُحْتاج إلى حَذْفِ مضاف . وفي تعقيب الخاشعين به حينئذ لطف لا يخفى . وقرأ ابن مسعود رضي الله تعالى عنه " يعلمون " .
وأصلُ الظنِّ: رُجْحانُ أحدِ الطرفينِ وأمَّا هذه الآيةُ ففيها قولانِ ، أحدُهما وعليه الأكثرُ أنَّ الظنَّ ههنا بمعنى اليقين ومثلُه: { إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيَهْ } الحاقة:20، يقول الشاعر :
فقلت لهم ظُنُّوا بألفَيْ مُدَجَّجٍ ................... سَرَاتُهُمُ في الفارسيِّ المُسَرَّدِ
وقال أبو دُؤاد :
رُبَّ همٍّ فَرَّجْتُه بعَزيمٍ ............................ وغُيوبٍ كَشَّفْتُها بظُنونِ
فاستُعْمِلَ الظنُّ استعمالَ اليقينِ مجازاً ، كما استُعْمِل العِلْمُ استعمالَ الظنِّ كقولِه: { فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ } الممتحنة:10 ، ولكنَّ العربَ لا تَسْتَعْمِلُ الظنَّ استعمالَ اليقين إلا فيما لم يَخْرُجْ إلى الحِسِّ والمشاهدةِ كالآيتين والبيت ، ولا تَجِدُهم يقولون في رجل مَرْئيٍّ حاضراً: أظنُّ هذا إنساناً .
والقولُ الثاني : أنَّ الظنَّ على بابِه وفيه حينئذٍ تأويلان ، أحدُهما : أن يُضْمَر في الكلام " بذنوبهم " فكأنهم يتوقَّعون لقاءَه مُذْنِبين . وهذا تعسُّفٌ ، والثاني: أنهم يظنُّون ملاقاةَ ثوابِ ربهم لأنهم ليسوا قاطِعين بالثوابِ دونَ العقاب ، والتقديرُ: يَظُنُّون أنهم ملاقُو ثوابِ ربِّهم ، ولكن يُشْكِلُ على هذا عَطْفُ { وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } فإنه لا يَكْفي فيه الظنُّ ، هذا إذا أَعَدْنا الضميرَ في " إليه " على الربِّ سبحانه وتعالى ، أمَّا إذا أَعَدْناه على الثوابِ المقدَّر فيزولُ الإِشكالُ أو يُقالُ: إنه بالنسبةِ إلى الأول بمعنى الظنِّ على بابه ، وبالنسبةِ إلى الثاني بمعنى اليقينِ ، ويكونُ قد جَمَعَ في الكلمةِ الواحدةِ بين الحقيقةِ والمجازِ .
{الذين يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ} "الذين" يَحتملُ موضعُه الحركاتِ الثلاثَ ، فالجرُّ على أنه تابعٌ لِما قَبْلَه نعتاً ، وهو الظاهرُ ، والرفعُ والنصبُ على القَطْع .
و{مُّلاَقُو رَبِّهِمْ} من باب إضافةِ اسم الفاعل لمعموله إضافةً تخفيفٍ لأنه مستقبلٌ ، وحُذِفَتِ النونُ للإِضافة ، والأصلُ: مُلاقونَ ربِّهم .
{وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} عَطْفٌ على " أَنَّهم " وما في حَيِّزها ، و" إليه " متعلق بـ " راجعون " ، والضميرُ : إمَّا للربِّ سبحانَه أو الثَّوابِ كما تقدَّم ، أو اللقاءِ المفهوم من " مُلاقُو " .
مواضيع مماثلة
» الدر النظيم ... الآية : 40 من سورة البقرة
» الدر النظيم ... سورة البقرة ، الآية :135
» الدر النظيم ... سورة البقرة ، الآية: 190
» الدر النظيم .. سورة البقرة ، الآية 39
» الدر النظيم ... سورة البقرة ، الآية : 55
» الدر النظيم ... سورة البقرة ، الآية :135
» الدر النظيم ... سورة البقرة ، الآية: 190
» الدر النظيم .. سورة البقرة ، الآية 39
» الدر النظيم ... سورة البقرة ، الآية : 55
منتدى مدينة أرمناز العام :: المنتدى الخاص بشاعر أرمناز الكبير الأستاذ عبدالقادر الأسود :: البحوث والدراسات والمقالات النثرية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء أكتوبر 01, 2019 11:34 am من طرف bassam1972
» شهادة الشاعر الكبير الأستاذ عبد القادر دياب مدير عام الملتقى الثقافي العربي
الجمعة سبتمبر 13, 2019 7:15 pm من طرف bassam1972
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 12
الجمعة يوليو 12, 2019 10:33 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 10
الخميس يوليو 11, 2019 10:54 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 9
الأربعاء يوليو 10, 2019 1:29 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 8
الأربعاء يوليو 10, 2019 10:41 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 6
الثلاثاء يوليو 09, 2019 4:24 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 5
الأحد يوليو 07, 2019 10:10 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 3
السبت يوليو 06, 2019 10:14 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 2
الجمعة يوليو 05, 2019 10:54 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكه، الآية: 1
الأربعاء يوليو 03, 2019 3:27 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف: تعريف
الثلاثاء يوليو 02, 2019 7:01 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 111
السبت يونيو 29, 2019 7:26 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 110
الخميس يونيو 27, 2019 10:38 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 109
الخميس يونيو 27, 2019 6:45 am من طرف عبد القادر الأسود