منتدى مدينة أرمناز العام
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

أيها الصديق

3 مشترك

اذهب الى الأسفل

أيها الصديق Empty أيها الصديق

مُساهمة من طرف رشدي مصطفى الصاري الجمعة فبراير 10, 2012 4:58 pm


أيها الصديق
كان اليوم الأول.. لافتتاحي عيادتي بعد أن تخرجت من كلية طب الأسنان.
وقد دام العناء شهرين من العمل لتجهيز هذه العيادة ،وأخيراً قررت أن أباشر عملي بها وذلك في الأول من أيلول عام اثنين وتسعين وتسعمائة وألف
استيقظت في الصباح الباكر يحدوني الأمل الذي استسقيته من طموحاتي وأحلامي أثناء الدراسة ، أيام التعب والكد المريرين ولكم طاف في رؤياي سهر الليالي، ولكم تذكرت صوت المؤذن منادياً لصلاة الفجر..
وانا لاأزال أتملى في هذه السطور محاولاً أن أستجديها علها تلتصق في ذاكرتي، وأعارك عيني اللتين تغلب عليهما النوم؛ فأصبحتا وكأنهما محملتان بمئات الأوزان الثقيلة التي لاحيلة لجفوني بمقاومتها فأوشكتا على الإنغلاق...
كان ذلك لايزال يحاور مخيلتي عندما وصلت إلى باب العيادة أدرت المفتاح بالقفل وبالتفاتة صغيرة إلى يمناي ... أرسلت النظر بدون تكلف لأجد أمامي عينين جميلتين ترنوان إلي بابتسامة لطيفة.. قال صباح الخير يادكتور ... كان لوقعها في نفسي سحر خاص ،وقد خرجت من فم طفل لم يتجاوز الخامسة من عمره..
تقدم مني بكل ثقة قائلاً : أنا عبودة أسكن في المنزل المجاور وجدي صاحب هذه العيادة التي استأجرتها، تكلم بكل طلاقة وقال أي مساعدة يادكتور إن احتجت ثلجاً لتبريد الماء .. وجدتي تسلم عليك وتقول إذا احتجت أي شيء فاطلب دون خجل..
أمام مدرسة الطفولة وهذه الثقة المطلقة وجدت نفسي محرجاً وكان من الواجب أن أدعو هذا الجار اللطيف ..
فقلت: تفضل ياعبودة لزيارتي وتهنئتي
ولا أنكر على نفسي بأنني بدأت أستخدم معه عبارات منمقة أحاول أن أجاري لباقته المدهشة..!
أجابني سأمر بك بعد ساعة ... يكلمني وكأنه ابن الثلاثين..؟!
دخلت إلى العيادة وفي نفسي طمأنينة غريبةاستبشرت خيرأ بهذا الوجه الملائكي ...
وبعد ساعة دق الباب بهدوء واستاذن قائلاً:أتسمح يادكتور
وإذ بعبودة يحمل قطعاً من الحلوى قال تفضل ومبارك إن شاء الله بداية خير..
جلست وإياه أكثر من ساعة ودخلنا في أحاديث كثيرة شرح لي عن أسرته وعن والده ووالدته وكيف أنه يعيش الآن عند جده وجدته وعمته، وهو يحبهم كثيرأ لذلك فضل البقاء عندهم ريثما يحين قبوله في المدرسة فيذهب إلى والديه في دمشق ،وقد أعلمني أن عنده أخت تكبره بسنوات قليلة..
وتتالت الأيام تمضي والصداقة تنمو بيني وبين هذا الفتى الغض..
فكم أكلنا فطائر بالزعتر وشربنا الشاي ولكم جلسنا وتناقشنا ورسمنا المستقبل ؛فهو يريد أن يصبح طيارأ، وأنا اريد أن أبني منزلا وأشتري سيارة ( هذه سقف الطموحات لابن منطقة الشرق الأوسط أوبلدان العالم الثالث)..
أحلام رسمناها في جلساتنا الطويلة حتى أصبح كممرضي الصغير.. اذا ازدحمت غرفة الإنتظار يسلي المرضى ويخدمهم ويلاطفهم ..وهكذا توثقت بيننا صداقة عميقة أحببته بكل جوارحي واعتبرته من أصدقائي القلائل في هذا الزمن..
إلى أن بلغ سن دخول المدرسة وأبلغني أنه سيعود إلى والديه في دمشق.
وبدأ يأتيني في كل صيف بهدية وبشوقه الحميم شوق الصداقة العزيزة ،نسترجع ماضيها ونطل على حاضرنا بتفاهم أكبر إذ بدأ ينطق بعبارات أبلغ وأعمق ،وينظر إلى ماحوله بتأمل أوسع..؟
وفي هذه الاثناء أخذ العمر من جده صاحب العيادة الحدّ فكاد يفقد تركيزه ،وبدأ يتخبط ويثور لايعرف ماذا يريد ..؟ ويتصرف معي تصرفات غريبة..
وسط هذه الضغوط قررت شراء عيادة ... وجاء الفرج واشتريت عيادة جديدة لاتبعد خطوات عن القديمة وانتقلت إليها بعد أن استغرقت إقامتي في العيادة سبع سنوات كان عبودة قد أصبح خلالها في الثالثة عشرة من عمره حيث بدأ الشباب يدب في طلعته ..
إلى ذلك الصيف..؟ حين انتهاء المدارس قدم كالعادةإلى جده وكانا يجلسان في ساحة البلدة...
يومها كان بيني وبين الجد خلاف كبير لأنه أساء إلي بالكلام ..مررت من أمامهما فلمحت عبودة بجانب جده، وشاهدني من بعيد كان جالساً فوقف وابتسم ابتسامة جميلة، ونظر إلي بإمعان وابتعدت عنهما محاولأ التجاهل ولم أشعر إلا وعبودة يتقدم مني قائلاً: مرحبا عمو هل نسيتني ..! فأجبته بخجل كيف حالك وفي أي صف أصبحت وأي الدرجات نلت هذه السنة..
واسترسل بالحديث يريد أن يستجمع ماعمله خلال العام المنصرم ،ويفضه إلي بلحظات حتى أنه عرج في حديثه فأراد ان يعتذر عن سلوك جده لكنه لم يتوصل إلى طريقة مجدية فارتبك واحمرت وجنتاه حمرة طفيفة فقطعت الحديث عليه محاولاً إخراجه من هذا الإرتباك وقلت له عرّج علي ياصديقي في عيادتي الجديدة ألا تريد أن تراها وتهنئني بها فأجاب سأمر عندما يسمح لي جدي وودعته..
بعدها سمعت أنه ذهب إلى حلب عند والدته التي كانت تزور أهلها
إلى ذلك اليوم كان حرُّ الظهيرة يمقتني ويبعث في نفسي الملل والخمول بينما كنت أعالج ضرس إحدى المريضات ..
عندما أطلق الشيخ يحيى إمام وشيخ البلدة العنان لصوته الرنان الذي يزرع في نفسي نبرات الرهبة والخشوع منبئاًعن مؤمن جديد رحل إلى وجهه تعالى ..
كان ذلك أمرأ اعتاد عليه أهل البلدة وما إن انتهى من هذه التراتيل التي يمهد فيها حتى يعلن اسم الفقيد حتى قال عبودة بن محمد..؟!
بالبداية اعتقدت أن الجد قد مات ولكن الذي جعلني أنتفض كالعصفور هو صوت الجد الذي راح يصرخ يالطيف..!!! سارعت إلى شرفة العيادة لأعلم بأن عبودة قد مات ..؟! قد احترق.. وبإهمال عديمي الإنسانية في المشافي من أطباء وممرضين قد أنتن جرحه وتجرثم دمه فمات...؟!
آه أيها الصديق... آه أيها العزيز.. بلحظات تتخلى عن طموحاتك..! أم أنك سارعت بتحقيقها.. فأصبحت ذلك النسر الطيار الذي حلق ورحل إلى الأفق السحيق ..بلحظات تذبل تلك الإشراقة الجميلة التي تلفح وجهك..! أم تلك الإشعاعات البراقة التي تصدر عن عيونك... بدموع سخية كبرت أن تسقط إلا أمام موقف جلل .. سالت بسخاء علّها تغسل بصمة حزن أودعتها الأيام في أركان قلبي.

رشدي مصطفى الصاري
رشدي مصطفى الصاري
أرمنازي للعظم
أرمنازي للعظم

عدد المساهمات : 192
نقاط : 889
السٌّمعَة : 25
تاريخ التسجيل : 01/12/2010
العمر : 58
الموقع : الرياض

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

أيها الصديق Empty رد: أيها الصديق

مُساهمة من طرف أبو محمد السبت فبراير 11, 2012 5:51 am

اهنئك على ابداعك في ترجمة الاحداث الى درر
رحم الله صديقك وجميع اموات المسلمين
دمت مبدعا
أبو محمد
أبو محمد
صاحب القلم المميز
صاحب القلم المميز

عدد المساهمات : 4282
نقاط : 7201
السٌّمعَة : 77
تاريخ التسجيل : 09/05/2010
الموقع : رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

أيها الصديق Empty رد: أيها الصديق

مُساهمة من طرف Admin السبت فبراير 11, 2012 8:12 am

اخي اعذرنا على تقصيرنا في الردود على هذه المواضيع ....
التي لم تبخل يوما علينا بكل مفيد ...
سامحنا ياأخي ....
فوالله لقد جف الحبرُ من أقلامنا... و الدمُ من عروقنا...
حتى بتنا نقرأ ...ولانعرف ماذا سنكتب ...
ولانعرف كيف سنخرج ما بداخلنا من بوح ...
قاتل ربى من كان السبب ...وعفا الله عن تقصيرنا ...

دمتم مبدعين ...


Admin
Admin
Admin
Admin

عدد المساهمات : 3977
نقاط : 6318
السٌّمعَة : 106
تاريخ التسجيل : 16/10/2008
الموقع : الإمارات العربية - الفجيرة

http://www.armanazi.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

أيها الصديق Empty رد: أيها الصديق

مُساهمة من طرف رشدي مصطفى الصاري الثلاثاء فبراير 14, 2012 11:56 am

أبو محمد كتب:اهنئك على ابداعك في ترجمة الاحداث الى درر
رحم الله صديقك وجميع اموات المسلمين
دمت مبدعا


ياأخي أبا محمد
الطفولة أصدق وأرق وأروع منهل للصداقة لأنه نقي لاتحكمه المصالح
ولا المجاملات وعفوي بعيد عن الزيف والرياء ..
أشكر اهتمامكم ومتابعتكم ورأيكم القيم
رشدي مصطفى الصاري
رشدي مصطفى الصاري
أرمنازي للعظم
أرمنازي للعظم

عدد المساهمات : 192
نقاط : 889
السٌّمعَة : 25
تاريخ التسجيل : 01/12/2010
العمر : 58
الموقع : الرياض

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

أيها الصديق Empty رد: أيها الصديق

مُساهمة من طرف رشدي مصطفى الصاري الجمعة مارس 02, 2012 10:27 am

[quote="Admin"]اخي اعذرنا على تقصيرنا في الردود على هذه المواضيع ....
التي لم تبخل يوما علينا بكل مفيد ...
سامحنا ياأخي ....
فوالله لقد جف الحبرُ من أقلامنا... و الدمُ من عروقنا...
حتى بتنا نقرأ ...ولانعرف ماذا سنكتب ...
ولانعرف كيف سنخرج ما بداخلنا من بوح ...
قاتل ربى من كان السبب ...وعفا الله عن تقصيرنا ...

دمتم مبدعين ...
......................
أخي الغالي
أنتم أهل للوفاء والإخلاص
ونشعر بهذه الأوجاع التي تكاد تقتلنا
وتدمي كل صاحب نخوة وانتماء
بارك الله في حميتكم... وماأجمل بوحكم حين يكون عفويأ


رشدي مصطفى الصاري
رشدي مصطفى الصاري
أرمنازي للعظم
أرمنازي للعظم

عدد المساهمات : 192
نقاط : 889
السٌّمعَة : 25
تاريخ التسجيل : 01/12/2010
العمر : 58
الموقع : الرياض

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى