فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة الفاتحة
منتدى مدينة أرمناز العام :: المنتدى الخاص بشاعر أرمناز الكبير الأستاذ عبدالقادر الأسود :: البحوث والدراسات والمقالات النثرية
صفحة 1 من اصل 1
فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة الفاتحة
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (1) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (3) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (4) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (5) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ (6) غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ (7)
وهي مكيّة على قول الأكثرين. وقيل بل مدنيّة. وقيل: نزلت مرّتين، مرّةً بمكّةَ ومرّةً بالمدينةِ ولذلك سُمِّيت مَثاني، والأصحُّ أنّها مكيّة، لأنّ الله تعالى مَنَّ على الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله في سورة الحُجُر الآية 87: ((ولقد آتيناك سبعاً من المثاني ..)). والمُرادُ منها فاتحةُ الكتاب، وسورةُ الحُجُرِ مكيّةٌ، فلم يكنِ اللهُ لِيمُنَّ عليه بها قبل نزولها، وقد تقدّم الكلامُ في عدد آياتها. وَفِيهَا أَرْبَعَةُ أَبْوَاب
الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي فَضَائِلِهَا وَأَسْمَائِهَا:
رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ مِثْلَ أُمِّ الْقُرْآنِ وَهِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَهِيَ مَقْسُومَةٌ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ)). أَخْرَجَ مَالِكٌ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ: أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ سلم نَادَى أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَهُوَ يُصَلِّي، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَالْحَدِيثُ خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ فَدَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ أُجِبْهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي، فَقَالَ: ((أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ} ثُمَّ قال: ((إِنِّي لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ السُّوَرِ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ قُلْتُ لَهُ: أَلَمْ تَقُلْ لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ؟ قَالَ: ((الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ)). قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ: أَبُو سعيد بن المعلى مِنْ جِلَّةِ الْأَنْصَارِ، وَسَادَاتِ الْأَنْصَارِ، تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ، وَاسْمُهُ رَافِعٌ، وَيُقَالُ: الْحَارِثُ بْنُ نُفَيْعِ بْنِ الْمُعَلَّى، وَيُقَالُ: أَوْسُ بْنُ الْمُعَلَّى، وَيُقَالُ: أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَوْسِ بْنِ الْمُعَلَّى، تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ سَنَةً، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ صَلَّى إِلَى الْقِبْلَةِ حين حولت. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أُبَيٍّ وَهُوَ يُصَلِّي، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَاهُ. وَذَكَرَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ فِي كِتَابِه الرَّدِّ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: إِنَّ إِبْلِيسَ لَعَنَهُ اللَّهُ رَنَّ أَرْبَعَ رَنَّاتٍ: حِينَ لُعِنَ، وَحِينَ أُهْبِطَ مِنَ الْجَنَّةِ، وَحِينَ بُعِثَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحِينَ أُنْزِلَتْ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ، وَأُنْزِلَتْ بِالْمَدِينَةِ.
اختلف العلماء في تفضيل بَعْضِ السُّوَرِ وَالْآيِ عَلَى بَعْضٍ، وَتَفْضِيلِ بَعْضِ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الْحُسْنَى عَلَى بَعْضٍ، فَقَالَ قَوْمٌ: لَا فَضْلَ لِبَعْضٍ عَلَى بَعْضٍ، لِأَنَّ الْكُلَّ كَلَامُ اللَّهِ، وَكَذَلِكَ أَسْمَاؤُهُ لَا مُفَاضَلَةَ بَيْنَهَا. ذَهَبَ إِلَى هَذَا الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ، وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الطَّيِّبِ، وَأَبُو حَاتِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ حِبَّانَ الْبَسْتِيُّ، وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ. وَرُوِيَ مَعْنَاهُ عَنْ مَالِكٍ. وَكَذَلِكَ كَرِهَ مَالِكٌ أَنْ تُعَادَ سُورَةٌ أَوْ تُرَدَّدَ دُونَ غَيْرِهَا. وَقَالَ مَالِكٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {.. نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها} البقرة: 106. قَالَ: مُحْكَمَةٌ مَكَانَ مَنْسُوخَةٍ. وقَالُوا: إِنَّ الْأَفْضَلَ يُشْعِرُ بِنَقْصِ الْمَفْضُولِ، وَالذَّاتِيَّةُ فِي الْكُلِّ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ كَلَامُ اللَّهِ، وَكَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى لَا نَقْصَ فِيهِ. قَالَ الْبَسْتِيُّ: وَمَعْنَى هَذِهِ اللَّفْظَةِ ((مَا فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ مِثْلُ أُمِّ الْقُرْآنِ)) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُعْطِي لِقَارِئِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ من الثواب مثلَ مَا يُعْطِي لِقَارِئِ أُمِّ الْقُرْآنِ، إِذِ اللَّهُ بِفَضْلِهِ فَضَّلَ هَذِهِ الْأُمَّةَ عَلَى غَيْرِهَا مِنَ الْأُمَمِ، وَأَعْطَاهَا مِنَ الْفَضْلِ عَلَى قِرَاءَةِ كَلَامِهِ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَى غَيْرَهَا مِنَ الْفَضْلِ عَلَى قِرَاءَةِ كَلَامِهِ، وَهُوَ فَضْلٌ مِنْهُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ. قَالَ وَمَعْنَى قَوْلِهِ: ((أَعْظَمُ سُورَةٍ)) أَرَادَ بِهِ فِي الْأَجْرِ، لَا أَنَّ بَعْضَ الْقُرْآنِ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ. وَقَالَ قَوْمٌ بِالتَّفْضِيلِ، وَأَنَّ مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ} البقرة: 163 وَآيَةُ الْكُرْسِيِّ، وَآخِرُ سُورَةِ الْحَشْرِ، وَسُورَةُ الْإِخْلَاصِ مِنَ الدَّلَالَاتِ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ وَصِفَاتِهِ لَيْسَ مَوْجُودًا مثلًا في {تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ} المسد: 1 وَمَا كَانَ مِثْلَهَا. وَالتَّفْضِيلُ إِنَّمَا هُوَ بِالْمَعَانِي الْعَجِيبَةِ وَكَثْرَتِهَا، لَا مِنْ حَيْثُ الصِّفَةِ، وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ. وَمِمَّنْ قَالَ بِالتَّفْضِيلِ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ وَابْنِ الْحَصَّارِ، لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى وَحَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((يَا أُبَيُّ أَيُّ آيَةٍ مَعَكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَعْظَمُ))؟ قال فقلت: {اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} البقرة: 255. قَالَ: فَضَرَبَ فِي صَدْرِي وَقَالَ: ((لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ يَا أَبَا الْمُنْذِرِ)). أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. قَالَ ابْنُ الْحَصَّارِ: عَجَبِي مِمَّنْ يَذْكُرُ الِاخْتِلَافَ مَعَ هَذِهِ النُّصُوصِ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: قَوْلُهُ: ((مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي الْقُرْآنِ مِثْلَهَا)) وَسَكَتَ عَنْ سَائِرِ الْكُتُبِ، كَالصُّحُفِ الْمُنَزَّلَةِ وَالزَّبُورِ وَغَيْرِهَا، لِأَنَّ هَذِهِ الْمَذْكُورَةَ أَفْضَلَهَا، وَإِذَا كَانَ الشَّيْءُ أَفْضَلَ الْأَفْضَلِ، صَارَ أَفْضَلَ الْكُلِّ. كَقَوْلِكَ: زَيْدٌ أَفْضَلُ الْعُلَمَاءِ فَهُوَ أَفْضَلُ النَّاسِ. وَفِي الْفَاتِحَةِ مِنَ الصِّفَاتِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهَا، حَتَّى قِيلَ: إِنَّ جَمِيعَ الْقُرْآنِ فِيهَا. وَهِيَ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ كَلِمَةً تَضَمَّنَتْ جَمِيعَ عُلُومِ الْقُرْآنِ. وَمِنْ شَرَفِهَا أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَسَّمَهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَبْدِهِ، وَلَا تَصِحُّ الْقُرْبَةُ إِلَّا بِهَا، وَلَا يَلْحَقُ عَمَلٌ بِثَوَابِهَا، وَبِهَذَا المعنى صارت أم القرآن العظيم،كَمَا صَارَتْ “قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ” تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ، إِذِ الْقُرْآنُ تَوْحِيدٌ وَأَحْكَامٌ وَوَعْظٌ، وَ “قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ” فِيهَا التَّوْحِيدُ كُلُّهُ، وَبِهَذَا الْمَعْنَى وَقَعَ الْبَيَانُ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصلاة والسَّلَامُ لِأُبَيٍّ. ((أَيُّ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ أَعْظَمُ)) قَالَ: {اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}. وَإِنَّمَا كَانَتْ أَعْظَمَ آيَةٍ لِأَنَّهَا تَوْحِيدٌ كُلُّهَا كَمَا صَارَ قَوْلُهُ: ((أَفْضَلُ مَا قُلْتُهُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ)). أَفْضَلَ الذِّكْرِ، لِأَنَّهَا كَلِمَاتٌ حَوَتْ جَمِيعَ الْعُلُومِ فِي التَّوْحِيدِ، وَالْفَاتِحَةُ تَضَمَّنَتِ التَّوْحِيدَ وَالْعِبَادَةَ وَالْوَعْظَ وَالتَّذْكِيرَ، وَلَا يُسْتَبْعَدُ ذَلِكَ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى.
رَوَى علي بن أبي طالب رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((فاتحةُ الكتاب، وآيةُ الكُرْسِيِّ، وشَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ، وقُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ، هَذِهِ الْآيَاتُ مُعَلَّقَاتٌ بِالْعَرْشِ لَيْسَ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ)). وفِي أَسْمَائِهَا، وَهِيَ اثْنَا عَشَرَ اسْمًا:
الْأَوَّلُ: الصَّلَاةُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ((قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ)) الْحَدِيثَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ.
الثَّانِي: سورة الْحَمْدُ، لِأَنَّ فِيهَا ذِكْرَ الْحَمْدِ، كَمَا يُقَالُ: سُورَةُ الْأَعْرَافِ، وَالْأَنْفَالِ، وَالتَّوْبَةِ، وَنَحْوِهَا.
الثَّالِثُ: فَاتِحَةُ الْكِتَابِ، مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ بَيْنِ الْعُلَمَاءِ، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ تُفْتَتَحُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بِهَا لَفْظًا، وَتُفْتَتَحُ بِهَا الْكِتَابَةُ فِي الْمُصْحَفِ خَطًّا، وَتُفْتَتَحُ بِهَا الصَّلَوَاتُ.
الرَّابِعُ: أُمُّ الْكِتَابِ، وَفِي هَذَا الِاسْمِ خِلَافٌ، جَوَّزَهُ الْجُمْهُورُ، وَكَرِهَهُ أَنَسٌ وَالْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ. قَالَ الْحَسَنُ: أُمُّ الْكِتَابِ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ} آل عمران: 7. وَقَالَ أَنَسٌ وَابْنُ سِيرِينَ: أُمُّ الْكِتَابِ اسْمُ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ}. الزخرف: 4.
الْخَامِسُ: أُمُّ الْقُرْآنِ، وَاخْتُلِفَ فِيهِ أَيْضًا، فَجَوَّزَهُ الْجُمْهُورُ، وَكَرِهَهُ أَنَسٌ وَابْنُ سِيرِينَ، وَالْأَحَادِيثُ الثَّابِتَةُ تَرُدُّ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ. رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الْحَمْدُ لِلَّهِ أُمُّ الْقُرْآنِ وَأُمُّ الْكِتَابِ وَالسَّبْعُ الْمَثَانِي)). قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَفِي الْبُخَارِيِّ قَالَ: وَسُمِّيَتْ أُمَّ الْكِتَابِ لِأَنَّهُ يُبْتَدَأُ بِكِتَابَتِهَا فِي الْمَصَاحِفِ، وَيُبْدَأُ بِقِرَاءَتِهَا فِي الصَّلَاةِ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ يَعْمُرَ: أُمُّ الْقُرَى: مَكَّةُ، وَأُمُّ خُرَاسَانَ: مَرْوٌ، وَأُمُّ الْقُرْآنِ: سُورَةُ الْحَمْدِ. وَقِيلَ: سُمِّيَتْ أُمَّ الْقُرْآنِ لِأَنَّهَا أَوَّلُهُ وَمُتَضَمِّنَةٌ لِجَمِيعِ عُلُومِهِ، وَبِهِ سُمِّيَتْ مَكَّةُ أُمَّ الْقُرَى لِأَنَّهَا أَوَّلُ الْأَرْضِ وَمِنْهَا دُحِيَتْ، وَمِنْهُ سُمِّيَتِ الْأُمُّ أُمًّا لِأَنَّهَا أَصْلُ النَّسْلِ، وَالْأَرْضُ أُمًّا، فِي قَوْلِ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ:
فَالْأَرْضُ مَعْقِلُنَا وَكَانَتْ أُمُّنَا ………………. فِيهَا مَقَابِرُنَا وَفِيهَا نُولَدُ
وَيُقَالُ لِرَايَةِ الْحَرْبِ: أُمٌّ، لِتَقَدُّمِهَا وَاتِّبَاعِ الْجَيْشِ لَهَا. وَأَصْلُ أُمٍّ أُمَّهَةٌ، وَلِذَلِكَ تُجْمَعُ عَلَى أُمَّهَاتٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأُمَّهاتُكُمُ}. وَيُقَالُ أُمَّاتٌ بِغَيْرِ هَاءٍ. قَالَ:
فَرَجْتَ الظَّلَامَ بِأُمَّاتِكَا……………………………………….
ولَيْسَ فِي تَسْمِيَتِهَا بِالْمَثَانِي وَأُمِّ الْكِتَابِ مَا يَمْنَعُ مِنْ تَسْمِيَةِ غَيْرِهَا بِذَلِكَ، قَالَ الله عز وجل: {كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ} الزمر: 23 فَأَطْلَقَ عَلَى كِتَابِهِ: مَثَانِيَ، لِأَنَّ الْأَخْبَارَ تُثَنَّى فِيهِ. وَقَدْ سُمِّيَتِ السَّبْعَ الطُّوَلَ أَيْضًا مَثَانِيَ، لِأَنَّ الْفَرَائِضَ وَالْقَصَصَ تُثَنَّى فِيهَا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أُوتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي، قَالَ: السَّبْعُ الطُّوَلُ. ذَكَرَهُ النَّسَائِيُّ، وَهِيَ مِنَ “الْبَقَرَةِ” إِلَى “الْأَعْرَافِ” سِتٌّ، وَاخْتَلَفُوا فِي السَّابِعَةِ، فَقِيلَ: يُونُسُ، وَقِيلَ: الْأَنْفَالُ وَالتَّوْبَةُ، وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. وَقَالَ أَعْشَى هَمْدَانَ:
فَلِجُوا الْمَسْجِدَ وَادْعُوا رَبَّكُمْ ………. وَادْرُسُوا هَذِي الْمَثَانِيَ وَالطُّوَلَ
وَسَيَأْتِي لِهَذَا مَزِيدُ بَيَانٍ فِي سُورَةِ” الْحِجْرِ” إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
والْمَثَانِي جَمْعُ مَثْنَى، وَهِيَ الَّتِي جَاءَتْ بَعْدَ الْأُولَى، وَالطُّوَلُ جَمْعُ أَطْوَلَ. وَقَدْ سُمِّيَتِ الْأَنْفَالُ مِنَ الْمَثَانِي لِأَنَّهَا تَتْلُو الطُّوَلَ فِي الْقَدْرِ. وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي تَزِيدُ آيَاتُهَا عَلَى الْمُفَصَّلِ وَتَنْقُصُ عَنِ الْمِئِينَ. وَالْمِئُونَ: هِيَ السُّوَرُ الَّتِي تَزِيدُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا على مائة آية.
التَّاسِعُ: الرُّقْيَةُ، ثَبَتَ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَفِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلرَّجُلِ، الَّذِي رَقَى سَيِّدَ الْحَيِّ: ((مَا أَدْرَاكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ)) فَقَالَ: يا رسول الله شيءٌ أُلْقِيَ فِي رَوْعِي، الْحَدِيثَ. خَرَّجَهُ الْأَئِمَّةُ. قَالَ الْمُهَلَّبُ: إِنَّ مَوْضِعَ الرُّقْيَةِ مِنْهَا إنما هو {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}. وَقِيلَ: السُّورَةُ كُلُّهَا رُقْيَةٌ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصلاةُ والسَّلَامُ لِلرَّجُلِ لَمَّا أَخْبَرَهُ: ((وَمَا أَدْرَاكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ)) وَلَمْ يَقُلْ: أَنَّ فِيهَا رُقْيَةً، فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ السُّورَةَ بِأَجْمَعِهَا رُقْيَةٌ، لِأَنَّهَا فَاتِحَةُ الْكِتَابِ وَمَبْدَؤُهُ، وَمُتَضَمِّنَةٌ لِجَمِيعِ عُلُومِهِ، كَمَا تَقَدَّمَ والله أعلم.
الْعَاشِرُ: الْأَسَاسُ، شَكَا رَجُلٌ إِلَى الشَّعْبِيِّ وَجَعَ الْخَاصِرَةِ، فَقَالَ: عَلَيْكَ بِأَسَاسِ الْقُرْآنِ فَاتِحَةِ الكتاب، سمعتُ ابنَ عباس يقول: لكلِّ شيءٍ أَسَاسٌ، وَأَسَاسُ الدُّنْيَا مَكَّةُ، لِأَنَّهَا مِنْهَا دُحِيَتْ، وأساس السموات عَرِيبَا، وَهِيَ السَّمَاءُ السَّابِعَةُ، وَأَسَاسُ الْأَرْضِ عَجِيبَا، وَهِيَ الْأَرْضُ السَّابِعَةُ السُّفْلَى، وَأَسَاسُ الْجِنَانِ جَنَّةُ عَدْنٍ، وَهِيَ سُرَّةُ الْجِنَانِ عَلَيْهَا أُسِّسَتِ الْجَنَّةُ، وَأَسَاسُ النَّارِ جَهَنَّمُ، وَهِيَ الدَّرْكَةُ السَّابِعَةُ السُّفْلَى عَلَيْهَا أُسِّسَتِ الدَّرْكَاتُ، وَأَسَاسُ الْخَلْقِ آدَمُ، وَأَسَاسُ الْأَنْبِيَاءِ نُوحٌ، وَأَسَاسُ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَعْقُوبُ، وَأَسَاسُ الْكُتُبِ الْقُرْآنُ، وَأَسَاسُ الْقُرْآنِ الْفَاتِحَةُ، وَأَسَاسُ الْفَاتِحَةِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَإِذَا اعْتَلَلْتَ أَوِ اشْتَكَيْتَ فَعَلَيْكَ بِالْفَاتِحَةِ تُشْفَى.
الْحَادِي عَشَرَ: الْوَافِيَةُ، قَالَهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، لِأَنَّهَا لَا تَتَنَصَّفُ وَلَا تَحْتَمِلُ الِاخْتِزَالَ، وَلَوْ قَرَأَ مِنْ سَائِرِ السُّوَرِ نِصْفَهَا فِي رَكْعَةٍ، وَنِصْفَهَا الْآخَرُ فِي رَكْعَةٍ لَأَجْزَأَ، وَلَوْ نُصِّفَتِ الْفَاتِحَةُ فِي رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُجْزِ.
الثَّانِي عَشَرَ: الْكَافِيَةُ، قَالَ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ: لِأَنَّهَا تَكْفِي عَنْ سِوَاهَا وَلَا يَكْفِي سِوَاهَا عَنْهَا. يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ خَلَّادٍ الْإِسْكَنْدَرَانِيُّ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أُمُّ الْقُرْآنِ عِوَضٌ مِنْ غَيْرِهَا وَلَيْسَ غَيْرُهَا مِنْهَا عِوَضًا)). ويُقالُ لها الكِنز.
الباب الثاني في نزولها وأحكامها
أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ سَبْعُ آيَاتٍ، إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ حُسَيْنٍ الْجُعْفِيِّ: أَنَّهَا سِتٌّ، وَهَذَا شَاذٌّ. وَإِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ أَنَّهُ جَعَلَ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} آيَةً، وَهِيَ على عنده ثماني آيات، وهذا شاذ. وقول تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي} الحجر: 87، وَقَوْلُهُ: ((قَسَمْتُ الصَّلَاةَ..)) الْحَدِيثَ، يَرُدُّ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ. وَأَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ أَيْضًا عَلَى أَنَّهَا مِنَ الْقُرْآنِ، لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بَيْنَمَا جِبْرِيلُ قَاعِدٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ نَقِيضًا “صوتاً مرتفعاً” مِنْ فَوْقِهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: هَذَا بَابٌ مِنَ السَّمَاءِ فُتِحَ الْيَوْمُ لَمْ يُفْتَحْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ، فَنَزَلَ مِنْهُ مَلَكٌ، فَقَالَ: هَذَا مَلَكٌ نَزَلَ إِلَى الْأَرْضِ لَمْ يَنْزِلْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ، فَسَلَّمَ وَقَالَ: أَبْشِرْ بِنُورَيْنِ أُوتِيتَهُمَا لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قَبْلَكَ: فَاتِحَةُ الْكِتَابِ، وَخَوَاتِيمُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، لَنْ تَقْرَأَ بِحَرْفٍ مِنْهُمَا إِلَّا أُعْطِيتَهُ. فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ تَقَدَّمَ الْمَلَكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْلِمًا بِهِ وَبِمَا يَنْزِلُ مَعَهُ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ جِبْرِيلُ شَارَكَ فِي نُزُولِهَا. وَقَدْ كان نُزُولُهَا بِمَكَّةَ، نَزَلَ بِهَا جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ} الشعراء: 193 وَهَذَا يَقْتَضِي جَمِيعَ الْقُرْآنِ، فَيَكُونُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَزَلَ بِتِلَاوَتِهَا بِمَكَّةَ، وَنَزَلَ الْمَلَكُ بِثَوَابِهَا بِالْمَدِينَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهَا مَكِّيَّةٌ مَدَنِيَّةٌ، نَزَلَ بِهَا جِبْرِيلُ مَرَّتَيْنِ، حَكَاهُ الثَّعْلَبِيُّ. وَمَا ذَكَرْنَاهُ أَوْلَى. فَإِنَّهُ جَمْعٌ بَيْنَ الْقُرْآنِ والسنة، ولله الحمد والمنة.
وقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْبَسْمَلَةَ لَيْسَتْ بِآيَةٍ مِنْهَا عَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ، وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَحُكْمُ الْمُصَلِّي إِذَا كَبَّرَ أَنْ يَصِلَهُ بِالْفَاتِحَةِ وَلَا يَسْكُتَ، وَلَا يَذْكُرَ تَوْجِيهًا وَلَا تَسْبِيحًا لِحَدِيثِ عَائِشَةَ وَأَنَسٍ الْمُتَقَدِّمَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَقَدْ جَاءَتْ أَحَادِيثُ بِالتَّوْجِيهِ وَالتَّسْبِيحِ وَالسُّكُوتِ، قَالَ بِهَا جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ، فَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ إِذَا افْتَتَحَا الصَّلَاةِ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، تَبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ. وَبِهِ قَالَ سُفْيَانُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَالحنفيةُ أَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ بِالَّذِي رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ كَبَّرَ ثُمَّ قَالَ: ((وَجَّهْتُ وَجْهِيَ..)). الْحَدِيثَ، ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ، وَسَيَأْتِي بِتَمَامِهِ فِي آخِرِ سُورَةِ الْأَنْعَامِ، وَهُنَاكَ يَأْتِي الْقَوْلُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُسْتَوْفًى إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إِذَا كَبَّرَ فِي الصَّلَاةِ سَكَتَ هُنَيْهَةً قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَ يَقُولُ: ((اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ خَطَايَايَ كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ)). وَاسْتَعْمَلَ ذَلِكَ أَبُو هُرَيْرَةَ. وَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: لِلْإِمَامِ سَكْتَتَانِ فَاغْتَنِمُوا فِيهِمَا الْقِرَاءَةَ. وَكَانَ الْأَوْزَاعِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَمِيلُونَ إِلَى حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْبَابِ.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي وُجُوبِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ: هِيَ مُتَعَيِّنَةٌ لِلْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ. لَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ مَالِكٍ أَنَّهُ مَنْ نَسِيَهَا فِي صَلَاةِ رَكْعَةٍ مِنْ صَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ أَنَّ صَلَاتَهُ تَبْطُلُ وَلَا تُجْزِيهِ. وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِيمَنْ تَرَكَهَا نَاسِيًا فِي رَكْعَةٍ مِنْ صَلَاةٍ رُبَاعِيَّةٍ أَوْ ثُلَاثِيَّةٍ، فَقَالَ مَرَّةً: يُعِيدُ الصَّلَاةَ، وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى: يَسْجُدُ سَجْدَتَيِ السَّهْو. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الصَّحِيحُ مِنَ الْقَوْلِ إِلْغَاءُ تِلْكَ الركعة ويأتي بركعة بدلًا منها، كمن أَسْقَطَ سَجْدَةً سَهْوًا. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَالْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَخْزُومِيُّ الْمَدَنِيُّ: إِذَا قَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي الصَّلَاةِ أَجْزَأَهُ وَلَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ إِعَادَةٌ، لِأَنَّهَا صَلَاةٌ قَدْ قَرَأَ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَهِيَ تَامَّةٌ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصلاة والسَّلَامُ: ((لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ)). وَهَذَا قَدْ قَرَأَ بِهَا. وَيُحْتَمَلُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ. وَيُحْتَمَلُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا فِي أَكْثَرِ عَدَدِ الرَّكَعَاتِ، وَهَذَا هُوَ سَبَبُ الْخِلَافِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ: إِنْ تَرَكَهَا عَامِدًا فِي صَلَاتِهِ كُلِّهَا وَقَرَأَ غَيْرَهَا أَجْزَأَهُ، عَلَى اخْتِلَافٍ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: أَقَلُّهُ ثَلَاثُ، آيَاتٍ أَوْ آيَةٌ طَوِيلَةٌ كَآيَةِ الدَّيْنِ. وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَيْضًا قَالَ: أُسَوِّغُ الِاجْتِهَادَ فِي مِقْدَارِ آيَةٍ وَمِقْدَارِ كَلِمَةٍ مَفْهُومَةٍ، نَحْوَ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} وَلَا أُسَوِّغُهُ فِي حَرْفٍ لَا يَكُونُ كَلَامًا. وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: يَقْرَأُ الْمُصَلِّي بِأُمِّ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا لَمْ يُجْزِهِ إِلَّا مِثْلُهَا مِنَ الْقُرْآنِ عَدَدَ آيِهَا وَحُرُوفِهَا. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهَذَا لَا مَعْنَى لَهُ، لِأَنَّ التَّعْيِينَ لَهَا وَالنَّصَّ عَلَيْهَا قَدْ خَصَّهَا بِهَذَا الْحُكْمِ دُونَ غَيْرِهَا، وَمُحَالٌ أَنْ يجئ بِالْبَدَلِ مِنْهَا مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فَتَرَكَهَا وَهُوَ قادر عليها، وإنّما عليه أنْ يَجيءَ بِهَا وَيَعُودَ إِلَيْهَا، كَسَائِرِ الْمَفْرُوضَاتِ الْمُتَعَيِّنَاتِ فِي الْعِبَادَاتِ.
وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَإِنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا فَالْإِمَامُ يَحْمِلُ عَنْهُ الْقِرَاءَةَ، لِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّهُ إِذَا أَدْرَكَهُ رَاكِعًا أَنَّهُ يُكَبِّرُ وَيَرْكَعُ وَلَا يَقْرَأُ شَيْئًا وَإِنْ أَدْرَكَهُ قَائِمًا فَإِنَّهُ يَقْرَأُ. وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَدَعَ الْقِرَاءَةَ خَلْفَ إِمَامِهِ فِي صَلَاةِ السر، فإن فعل فقد أساء، ولا شيءَ عَلَيْهِ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ. وَأَمَّا إِذَا جَهَرَ الْإِمَامُ فَلَا قِرَاءَةَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَلَا غَيْرِهَا، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} الأعراف: 204، وَقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا لِي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ))، وَقَوْلِهِ فِي الْإِمَامِ: ((إِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا))، وَقَوْلِهِ: ((مَنْ كَانَ لَهُ إِمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ)).
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِيمَا حَكَى عَنْهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: لَا تُجْزِئُ أَحَدًا صَلَاةٌ حَتَّى يَقْرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، إِمَامًا كَانَ أَوْ مَأْمُومًا، جَهَرَ إِمَامُهُ أَوْ أَسَرَّ.
الصَّحِيحُ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَمَالِكٍ، أَنَّ الْفَاتِحَةَ مُتَعَيِّنَةٌ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ لِكُلِ أَحَدٍ عَلَى الْعُمُومِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ))، وَقَوْلِهِ: ((مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ)) ثَلَاثًا. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أُنَادِيَ أَنَّهُ: ((لَا صَلَاةَ إِلَّا بِقِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَمَا زَادَ)) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ. كَمَا لَا يَنُوبُ سُجُودُ رَكْعَةٍ وَلَا رُكُوعُهَا عَنْ رَكْعَةٍ أُخْرَى، فَكَذَلِكَ لَا تَنُوبُ قِرَاءَةُ رَكْعَةٍ عَنْ غَيْرِهَا. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَأَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ وَخَوَّاتِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُمْ قَالُوا: لَا صَلَاةَ إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الْأَوْزَاعِيِّ. وَقَدْ أَخْرَجَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ مَاجَهْ الْقَزْوِينِيُّ فِي سُنَنِهِ مَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ وَيُزِيلُ كُلَّ احْتِمَالٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ وَسُورَةٍ فِي فَرِيضَةٍ أَوْ غَيْرِهَا)). وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصلاةُ والسَّلَامُ قَالَ لِلَّذِي عَلَّمَهُ الصَّلَاةَ: ((وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا)).
وَمِنَ الْحُجَّةِ فِي ذَلِكَ أَيْضًا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ نَافِعِ بْنِ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: أَبْطَأَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ، فَأَقَامَ أَبُو نُعَيْمٍ الْمُؤَذِّنُ الصَّلَاةَ فَصَلَّى أَبُو نُعَيْمٍ بِالنَّاسِ، وَأَقْبَلَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ وَأَنَا مَعَهُ حَتَّى صَفَفْنَا خَلْفَ أَبِي نُعَيْمٍ، وَأَبُو نُعَيْمٍ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ، فَجَعَلَ عُبَادَةُ يَقْرَأُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْتُ لِعُبَادَةَ: سَمِعْتُكَ تَقْرَأُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَأَبُو نُعَيْمٍ يَجْهَرُ؟ قَالَ: أَجَلْ! صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْضَ الصَّلَوَاتِ الَّتِي يُجْهَرُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ فَالْتَبَسَتْ عَلَيْهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ: ((هَلْ تَقْرَؤونَ إِذَا جَهَرْتُ بِالْقِرَاءَةِ؟)) فَقَالَ بَعْضُنَا: إِنَّا نَصْنَعُ ذَلِكَ، قَالَ: ((فَلَا. وَأَنَا أَقُولُ مَا لِي يُنَازَعُنِي الْقُرْآنُ فَلَا تَقْرَؤوا بِشَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ إِذَا جَهَرْتُ إِلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ)). وَهَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ فِي الْمَأْمُومِ. وَأَخْرَجَهُ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بِمَعْنَاهُ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ في القراءة خُلُقُ الْإِمَامِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعِينَ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ، يَرَوْنَ الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ. وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ: هَذَا إِسْنَادٌ حَسَنٌ، وَرِجَالُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ. وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ شَرِيكٍ قَالَ: سَأَلْتُ عُمَرَ عَنِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ، فَأَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ، قُلْتُ: وَإِنْ كُنْتَ أَنْتَ؟ قَالَ: وَإِنْ كُنْتُ أَنَا، قُلْتُ: وَإِنْ جَهَرْتَ؟ قَالَ: وَإِنْ جَهَرْتُ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ.
أَمَّا مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْأَوَّلُونَ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ((وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا)) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، وَقَالَ: وَفِي حَدِيثِ جَرِيرٍ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ قَتَادَةَ مِنَ الزِّيَادَةِ ((وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا)). قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هَذِهِ اللَّفْظَةُ لَمْ يُتَابَعْ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ فِيهَا عَنْ قَتَادَةَ، وَخَالَفَهُ الْحُفَّاظُ مِنْ أَصْحَابِ قَتَادَةَ فَلَمْ يَذْكُرُوهَا، مِنْهُمْ شُعْبَةُ وَهِشَامٌ وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ وَهَمَّامٌ وَأَبُو عَوَانَةَ وَمَعْمَرٌ وَعَدِيُّ بْنُ أَبِي عُمَارَةَ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: فَإِجْمَاعُهُمْ يَدُلُّ عَلَى وَهَمِهِ. وَأَخْرَجَ أَيْضًا هذه الزيادة أبو داود من حديت أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ: هَذِهِ الزِّيَادَةُ ((إِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا)) لَيْسَتْ بِمَحْفُوظَةٍ. وَذَكَرَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ: أَنَّ مُسْلِمًا صَحَّحَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ: هُوَ عِنْدِي صَحِيحٌ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهَا عِنْدَهُ إِدْخَالُهَا فِي كِتَابِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا لَمْ يُجْمِعُوا عَلَيْهَا. وَقَدْ صَحَّحَهَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حنبل وابن المنذر. وأما قول تَعَالَى: {وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} الأعراف: 204 فَإِنَّهُ نَزَلَ بِمَكَّةَ، وَتَحْرِيمُ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ كَمَا قَالَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ فَلَا حُجَّةَ فِيهَا، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ كَانَ الْمُشْرِكِينَ، عَلَى مَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ. وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصلاة. وَأَمَّا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصلاة والسَّلَامُ: ((مَا لِي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ)) فَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ. وَالْمَعْنَى: لَا تَجْهَرُوا إِذَا جَهَرْتُ فَإِنَّ ذَلِكَ تَنَازُعٌ وَتَجَاذُبٌ وَتَخَالُجٌ. اقْرَؤوا فِي أَنْفُسِكُمْ. يُبَيِّنُهُ حَدِيثُ عُبَادَةَ وَفُتْيَا الْفَارُوقِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ الرَّاوِي لِلْحَدِيثَيْنِ. فَلَوْ فُهِمَ الْمَنْعُ جُمْلَةً مِنْ قَوْلِهِ: ((مَا لِي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ)) لَمَا أَفْتَى بِخِلَافِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ كَانَ لَهُ إِمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ)) فَحَدِيثٌ ضَعِيفٌ.
قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: لَمَّا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ)) وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا الْأَصْلِ هَلْ يُحْمَلُ هَذَا النَّفْيُ عَلَى التَّمَامِ وَالْكَمَالِ، أَوْ عَلَى الْإِجْزَاءِ؟ اخْتَلَفَتِ الْفَتْوَى بِحَسْبِ اخْتِلَافِ حَالِ النَّاظِرِ، وَلَمَّا كَانَ الْأَشْهَرُ فِي هَذَا الْأَصْلِ وَالْأَقْوَى أَنَّ النَّفْيَ عَلَى الْعُمُومِ، كَانَ الْأَقْوَى مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ أَنَّ مَنْ لَمْ يَقْرَأِ الْفَاتِحَةَ فِي صَلَاتِهِ بَطَلَتْ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي تَكْرَارِهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، فَمَنْ تَأَوَّلَ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: )(افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا)(. لَزِمَهُ أَنْ يُعِيدَ الْقِرَاءَةَ كَمَا يُعِيدُ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
و مَا ذَكَرْنَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ مِنَ الْأَحَادِيثِ وَالْمَعَانِي فِي تَعْيِينِ الْفَاتِحَةِ يَرُدُّ عَلَى الْكُوفِيِّينَ قَوْلَهُمْ فِي أَنَّ الْفَاتِحَةَ لَا تَتَعَيَّنُ، وَأَنَّهَا وَغَيْرَهَا مِنْ آيِ الْقُرْآنِ سَوَاءٌ. وَقَدْ عَيَّنَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَهُوَ الْمُبَيِّنُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى مُرَادَهُ فِي قَوْلِهِ: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ}. وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: أُمِرْنَا أَنْ نَقْرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَمَا تَيَسَّرَ. فَدَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ عَلَيْهِ الصلاة والسَّلَامُ لِلْأَعْرَابِيِّ: ((اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ)). مَا زَادَ عَلَى الْفَاتِحَةِ، وهو تفسير قوله تعالى: {فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ} المزمل: 20. وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ)) زَادَ فِي رِوَايَةٍ فَصَاعِدًا. وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصلاة والسَّلَامُ: ((هِيَ خِدَاجٌ ثَلَاثًا غَيْرُ تَمَامٍ)). أَيْ غَيْرُ مُجْزِئَةٍ بِالْأَدِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ. وَالْخِدَاجُ: النَّقْصُ وَالْفَسَادُ. قَالَ الْأَخْفَشُ: خَدَجَتِ النَّاقَةُ، إِذَا أَلْقَتْ وَلَدَهَا لِغَيْرِ تَمَامٍ، وَأَخْدَجَتْ إِذَا قَذَفَتْ بِهِ قَبْلَ وَقْتِ الْوِلَادَةِ وَإِنْ كَانَ تَامَّ الْخَلْقِ. وَالنَّظَرُ يُوجِبُ فِي النُّقْصَانِ أَلَّا تَجُوزَ مَعَهُ الصَّلَاةُ، لِأَنَّهَا صَلَاةٌ لَمْ تَتِمْ، وَمَنْ خَرَجَ مِنْ صَلَاتِهِ وَهِيَ لَمْ تَتِمْ فَعَلَيْهِ إِعَادَتُهَا كَمَا أُمِرَ، عَلَى حَسَبِ حُكْمِهَا. وَمَنَ ادَّعَى أَنَّهَا تَجُوزُ مَعَ إِقْرَارِهِ بِنَقْصِهَا فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ، وَلَا سَبِيلَ إِلَيْهِ مِنْ وَجْهٍ يَلْزَمُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْقِرَاءَةَ لا تجب في شيء من الصَّلَاةِ، وَكَذَلِكَ كَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ بِالْعِرَاقِ فِيمَنْ نَسِيَهَا، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ هَذَا بِمِصْرَ فَقَالَ: لَا تُجْزِئُ صَلَاةُ مَنْ يُحْسِنُ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ إِلَّا بِهَا، وَلَا يُجْزِئُهُ أَنْ يُنْقِصَ حَرْفًا مِنْهَا، فَإِنْ لَمْ يَقْرَأْهَا أَوْ نَقَصَ مِنْهَا حَرْفًا أَعَادَ صَلَاتَهُ وَإِنْ قَرَأَ بِغَيْرِهَا. وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ صَلَّى الْمَغْرِبَ فَلَمْ يَقْرَأْ فِيهَا، فَذُكِرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: كَيْفَ كَانَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ قَالُوا: حَسَنٌ، قَالَ: لَا بَأْسَ إِذًا، فَحَدِيثٌ مُنْكَرُ اللَّفْظِ مُنْقَطِعُ الْإِسْنَادِ، لِأَنَّهُ يَرْوِيهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَارِثِ التَّيْمِيُّ عَنْ عُمَرَ، وَمَرَّةً يَرْوِيهِ إِبْرَاهِيمُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عُمَرَ، وَكِلَاهُمَا مُنْقَطِعٌ لَا حُجَّةَ فِيهِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ، وَهُوَ عِنْدَ بَعْضِ الرُّوَاةِ وَلَيْسَ عِنْدَ يَحْيَى وَطَائِفَةٍ مَعَهُ، لِأَنَّهُ رَمَاهُ مَالِكٌ مِنْ كِتَابِهِ بِأَخَرَةٍ “أي بتأخُّرٍ وبُعدٍ عن الخير”، وَقَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((كُلُّ صَلَاةٍ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ)) وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أَعَادَ تِلْكَ الصَّلَاةَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عَنْهُ. رَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى النَّيْسَابُورِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ عُمَرَ نَسِيَ الْقِرَاءَةَ فِي الْمَغْرِبِ فَأَعَادَ بِهِمُ الصَّلَاةَ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهَذَا حَدِيثٌ مُتَّصِلٌ شَهِدَهُ هَمَّامٌ مِنْ عُمَرَ، رُوِيَ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ. وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ قَالَ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الَّذِي نَسِيَ الْقِرَاءَةَ، أَيُعْجِبُكَ مَا قَالَ عُمَرُ؟ فَقَالَ: أَنَا أُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ فَعَلَهُ وَأَنْكَرَ الْحَدِيثَ وَقَالَ: يَرَى النَّاسُ عُمَرَ يَصْنَعُ هَذَا فِي الْمَغْرِبِ وَلَا يُسَبِّحُونَ بِهِ! أَرَى أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ مَنْ فَعَلَ هَذَا.
أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنْ لَا صَلَاةَ إِلَّا بِقِرَاءَةٍ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أُصُولِهِمْ فِي ذَلِكَ. وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنْ لَا تَوْقِيتَ فِي ذَلِكَ بَعْدَ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ، إِلَّا أَنَّهُمْ يَسْتَحِبُّونَ أَلَّا يَقْرَأَ مَعَ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ إِلَّا سُورَةً وَاحِدَةً لِأَنَّهُ الْأَكْثَرُ مِمَّا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ مَالِكٌ: وَسُنَّةُ الْقِرَاءَةِ أَنْ يَقْرَأَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: يَقْرَأُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَإِنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَقَرَأَ بِغَيْرِهَا أَجْزَأَهُ، وَقَالَ: وَإِنْ نَسِيَ أَنْ يَقْرَأَ فِي ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ أَعَادَ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةِ، وَيُسَبِّحُ فِي الأخريين إن شاء، وإن شاء قرأ، وإن لم يقرأ ولم يسبح جازت صَلَاتُهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَسَائِرِ الْكُوفِيِّينَ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: اقْرَأْ فِي الْأُولَيَيْنِ وَسَبِّحْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ، وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ. قَالَ سُفْيَانُ: فَإِنْ لَمْ يَقْرَأْ فِي ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ أَعَادَ الصَّلَاةَ لِأَنَّهُ لَا تُجْزِئُهُ قِرَاءَةُ رَكْعَةٍ. قَالَ: وَكَذَلِكَ إِنْ نسي أن يقرأ في ركعة من صَلَاةِ الْفَجْرِ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ إِلَّا بِقِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ الْمِصْرِيِّ، وَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ.
رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِنَا فَيَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ، وَيُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانًا، وَكَانَ يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنَ الظُّهْرِ وَيُقَصِّرُ الثَّانِيَةَ، وَكَذَلِكَ فِي الصُّبْحِ. وَفِي رِوَايَةِ: وَيَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَهَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ وَحَدِيثٌ صَحِيحٌ لِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَالِكٌ، وَنَصٌّ فِي تَعَيُّنِ الْفَاتِحَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةِ، خِلَافًا لِمَنْ أَبَى ذَلِكَ، وَالْحُجَّةُ فِي السُّنَّةِ لَا فِيمَا خَالَفَهَا.
ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْفَاتِحَةِ مِنَ الْقِرَاءَةِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: فِي كُلِّ صَلَاةٍ قِرَاءَةٌ، فَمَا أَسْمَعَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْمَعْنَاكُمْ، وَمَا أَخْفَى مِنَّا أَخْفَيْنَا مِنْكُمْ، فَمَنْ قَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَقَدْ أَجْزَأَتْ عَنْهُ، وَمَنْ زَادَ فَهُوَ أَفْضَلُ. وَفِي الْبُخَارِيِّ: وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ. وَقَدْ أَبَى كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ تَرْكَ السُّورَةِ لِضَرُورَةٍ أَوْ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ، مِنْهُمْ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَخَوَّاتُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ وَأَبُو وَائِلٍ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُمْ، قَالُوا: لَا صَلَاةَ لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب وشئ مَعَهَا مِنَ الْقُرْآنِ، فَمِنْهُمْ مَنْ حَدَّ آيَتَيْنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَدَّ آيَةً، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يحد، وقال: شي مِنَ الْقُرْآنِ مَعَهَا، وَكُلُّ هَذَا مُوجِبٌ لِتَعَلُّمِ مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلَى كُلِّ حَالٍ مَعَ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ، لِحَدِيثِ عُبَادَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَغَيْرِهِمَا. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: وَكِيعٌ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ خَيْثَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: لَا تُجْزِئُ صَلَاةُ مَنْ لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب وشيء مَعَهَا. وَاخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ فِي قِرَاءَةِ السُّورَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: سُنَّةٌ، فَضِيلَةٌ، وَاجِبَةٌ.
مَنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ بَعْدَ بُلُوغِ مَجْهُودِهِ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَعَلُّمِ الْفَاتِحَةِ أو شيء مِنَ الْقُرْآنِ وَلَا عَلِقَ مِنْهُ بِشَيْءٍ، لَزِمَهُ أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ فِي مَوْضِعِ الْقِرَاءَةِ بِمَا أَمْكَنَهُ مِنْ تَكْبِيرٍ أَوْ تَهْلِيلٍ أَوْ تَحْمِيدٍ أَوْ تَسْبِيحٍ أَوْ تَمْجِيدٍ أَوْ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، إِذَا صَلَّى وَحْدَهُ أَوْ مَعَ إِمَامٍ فِيمَا أَسَرَّ فِيهِ الْإِمَامُ، فَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ آخُذَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْئًا، فَعَلِّمْنِي مَا يُجْزِئْنِي مِنْهُ، قَالَ: ((قُلْ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِ
مواضيع مماثلة
» فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة الفاتحة الآية:2
» فيض العليم. من معاني الذكر الحكيم سورة الفاتحة الاية3
» فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة الفاتحة الآية:4
» فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة الفاتحة الآية:5
» فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة الفاتحة الآية: 6-7
» فيض العليم. من معاني الذكر الحكيم سورة الفاتحة الاية3
» فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة الفاتحة الآية:4
» فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة الفاتحة الآية:5
» فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة الفاتحة الآية: 6-7
منتدى مدينة أرمناز العام :: المنتدى الخاص بشاعر أرمناز الكبير الأستاذ عبدالقادر الأسود :: البحوث والدراسات والمقالات النثرية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء أكتوبر 01, 2019 11:34 am من طرف bassam1972
» شهادة الشاعر الكبير الأستاذ عبد القادر دياب مدير عام الملتقى الثقافي العربي
الجمعة سبتمبر 13, 2019 7:15 pm من طرف bassam1972
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 12
الجمعة يوليو 12, 2019 10:33 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 10
الخميس يوليو 11, 2019 10:54 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 9
الأربعاء يوليو 10, 2019 1:29 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 8
الأربعاء يوليو 10, 2019 10:41 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 6
الثلاثاء يوليو 09, 2019 4:24 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 5
الأحد يوليو 07, 2019 10:10 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 3
السبت يوليو 06, 2019 10:14 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 2
الجمعة يوليو 05, 2019 10:54 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكه، الآية: 1
الأربعاء يوليو 03, 2019 3:27 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف: تعريف
الثلاثاء يوليو 02, 2019 7:01 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 111
السبت يونيو 29, 2019 7:26 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 110
الخميس يونيو 27, 2019 10:38 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 109
الخميس يونيو 27, 2019 6:45 am من طرف عبد القادر الأسود