فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة الفاتحة الآية:5
منتدى مدينة أرمناز العام :: المنتدى الخاص بشاعر أرمناز الكبير الأستاذ عبدالقادر الأسود :: البحوث والدراسات والمقالات النثرية
صفحة 1 من اصل 1
فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة الفاتحة الآية:5
اهدنا الصراط المستقيم (5)
قَوْلُهُ تَعَالَى: {اهْدِنَا} دُعَاءٌ وَرَغْبَةٌ مِنَ الْمَرْبُوبِ إِلَى الرَّبِّ، وَالْمَعْنَى: دُلَّنَا عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ وَأَرْشِدْنَا إِلَيْهِ، وَأَرِنَا طَرِيقَ هِدَايَتِكَ الْمُوَصِّلَةِ إِلَى أُنْسِكَ وَقُرْبِكَ. والهدايةُ دِلالةٌ بلُطفٍ لدِلالةِ اشتقاقِه ومادتِهِ عليه. ولذا أُطلِقَ على المَشيِ برفْقٍ "تَهَادٍ"، وسُمِّيتْ الهِدايَةُ لُطْفاً، وقولُه تعالى: {فاهدوهم إلى صراط الجحيم} الصافّات: 23 واردٌ ـ على الصحيح ـ مَوْرِدَ التَهَكُّمِ على حَدِّ {فَبَشّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} الإنشقاق: 24. ويُقالُ هَداهُ لِكذا وإلى كذا فتَعدّيه بـ "اللام" و"إلى"، وهَداهُ كذا ـ بدونهما ـ مُحْتَمِلٌ للحالين، حتى لا يجوز في {والذين جاهدوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} العنكبوت: 69. لسبلنا أو إلى سبلنا، إلّا بإرادةِ الإرادةِ في "جاهَدوا"، أو إرادةِ تحصيلِ المراتِبِ العَلِيَّةِ في "سُبُلَنا" ومِن ثَمَّ جمعها. وقد وَرَدَ "مَن عَمِلَ بما عَلِمَ ورَّثَهُ اللهُ تعالى عِلْمَ ما لمْ يَعْلَم" وقد يُقالُ المرادُ بَيانُ الاستعمالِ الحقيقيِّ وأمّا بابُ التجوُّزِ فواسِعٌ.
وقَالَ بَعْضُهم: لقد جَعَلَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ عِظَمَ الدُّعَاءِ وَجُمْلَتَهُ مَوْضُوعًا فِي هَذِهِ السُّورَةِ، نِصْفُهَا فِيهِ مَجْمَعُ الثَّنَاءِ، وَنِصْفُهَا فِيهِ مَجْمَعُ الْحَاجَاتِ، وَجَعَلَ هَذَا الدُّعَاءَ الَّذِي فِي هَذِهِ السُّورَةِ أَفْضَلَ مِنَ الَّذِي يَدْعُو بِهِ الدَّاعِي لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ قَدْ تَكَلَّمَ بِهِ رَبُّ الْعَالَمِينَ، فَأَنْتَ تَدْعُو بِدُعَاءٍ هُوَ كَلَامُهُ الَّذِي تكلم به، وفي الحديث: ((ليس شيءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ مِنَ الدُّعَاءِ)). وَقِيلَ الْمَعْنَى: أَرْشِدْنَا بِاسْتِعْمَالِ السُّنَنِ فِي أَدَاءِ فَرَائِضِكَ، وَقِيلَ: الْأَصْلُ فِيهِ الْإِمَالَةُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:{إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ} الأعراف: 156 أَيْ مِلْنَا، وَخَرَجَ عَلَيْهِ الصلاة والسَّلَامُ فِي مَرَضِهِ يَتَهَادَى بَيْنَ اثْنَيْنِ، أَيْ يَتَمَايَلُ. وَمِنْهُ الْهَدِيَّةُ، لِأَنَّهَا تُمَالُ مِنْ مَلِكٍ إِلَى مَلِكٍ. وَمِنْهُ الْهَدْيُ لِلْحَيَوَانِ الَّذِي يُسَاقُ إِلَى الْحَرَمِ، فَالْمَعْنَى مِلْ بِقُلُوبِنَا إِلَى الْحَقِّ.
{اهد}: صيغةُ طلب ومعناها الدعاءُ، وهذه الصيغةُ تَرِدُ لمعانٍ كثيرةٍ فإذا وَرَدَتْ صيغة افعَلْ من الأعلى للأَدنى قيل فيها أمرٌ، وبالعكس دعاءٌ، وهي من المُساوي التماسٌ. وفاعلُه مستترٌ وجوباً أي: اهدِ أنت، و"نا" مفعول أول، وهو ضميرٌ متصلٌ يكونُ للمتكلم مع غيرِه أو المعظِّم نفسَه، ويستعملُ في موضع الرفع والنصب والجر بلفظٍ واحدٍ نحو: قُمنَا وضرَبَنَا زيدٌ وَمَرَّ بنا. و"الصراطَ": مفعول ثان، و"المستقيمَ": صفةٌ للصراط.
والهدايةُ: الإِرشادُ أو الدِلالةُ، كما تأتي بمعنى التقدّم أيضاً، ومنه هَوادِي الخيلِ لتقدُّمِها. وتأتي كذلك بمعنى التبيين نحو: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} أي بَيَّنَّا لهم، أو الإِلهامُ، نحو: {أعطى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هدى} أي ألهمَه لمصالِحه، أو الدعاءُ كقوله تعالى: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} أي داعٍ. والهدايةُ دَلالةٌ بلطفٍ ومنه الهَدِيَّةُ وهَوادي الوحش أي المتقدِّماتُ الهاديةُ لغيرها.
وأَصْلُ "الصِّرَاطِ" فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الطَّرِيقُ، قَالَ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ:
شَحَنَّا أَرْضَهُمْ بِالْخَيْلِ حَتَّى ................. تَرَكْنَاهُمْ أَذَلَّ مِنَ الصِّرَاطِ
وَقَالَ جَرِيرٌ:
أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى صِرَاطٍ ................. إِذَا اعْوَجَّ الْمَوَارِدُ مُسْتَقِيمِ
و"الصراطُ": عند بعضهم هو الطريقُ المُسْتَسْهَل، وبعضُهم لا يقيِّدُه بالمستسهلِ، وهو مشتقٌّ من السَّرْطِ، وهو الابتلاعُ: إمَّا لأن سالكه يَسْتَرِطه أو لأنه يَسْتَرِط سالكَه ، ألا ترى إلى قولهم: قَتَلَ أرضاً عالِمُها وقتلت أرضٌ جاهلَهَا ؟ وبهذين الاعتبارين قال أبو تمام :
رَعَتْه الفيافي بعدما كان حِقْبةً .......... رعاها وماءُ المُزْنِ يَنْهَلُّ ساكِبُهْ
وعلى هذا سُمِّي الطريق لَقَماً ومُلْتَقِماً لأنه يلتقِمُ سالكه أو يلتقمُه سَالِكُه . وَقَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: {الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ} طَرِيقُ الْحَجِّ، وَهَذَا خَاصٌّ وَالْعُمُومُ أَوْلَى. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ}: هُوَ دينُ اللهِ الذي لا يَقْبَلُ من العبادة غَيْرَهُ. وَقَالَ عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ: "الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ" رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبَاهُ مِنْ بَعْدِهِ. قَالَ عَاصِمٌ فَقُلْتُ لِلْحَسَنِ: إِنَّ أَبَا الْعَالِيَةِ يَقُولُ: "الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ" رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبَاهُ، قَالَ: صَدَقَ وَنَصَحَ.
وحكى النقّاشُ: الصراط الطريق بلغة الروم، قال ابنُ عطيّة: وهذا ضعيف جدا. وقرى: السِّرَاطُ (بِالسِّينِ) وقرى بين الزاي والصاد. وقرئ بزاءٍ خَالِصَةٍ وَالسِّينُ الْأَصْلُ. وإنما أُبدلَتْ صاداً لأجلِ حرفِ الاستعلاءِ. وإبدالُها صاداً مطّردٌ عندهم نحو: صَقَر في سَقَر، وصُلْح في سُلْح، وإصْبَع في اسبَع، ومُصَيْطِر في مُسَيْطر، لما بينهما من التقارب .وَحَكَى سَلَمَةُ عَنِ الْفَرَّاءِ قَالَ: الزِّرَاطُ بِإِخْلَاصِ الزَّايِ لُغَةٌ لِعُذْرَةَ وَكَلْبٍ وَبَنِي الْقَيْنِ، قَالَ: وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ فِي أَصْدَقِ: أَزْدَقُ. وَقَدْ قَالُوا: الْأَزْدُ وَالْأَسْدُ وَلَسِقَ بِهِ وَلَصِقَ بِهِ.
وَ"الصِّراطَ" نُصِبَ عَلَى الْمَفْعُولِ الثَّانِي، لِأَنَّ الْفِعْلَ مِنَ الْهِدَايَةِ يَتَعَدَّى إِلَى الْمَفْعُولِ الثَّانِي بِحَرْفِ جَرٍّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ}. الصافات: 23. وَبِغَيْرِ حَرْفٍ كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ.
ويُذَكّرُ "الصِّراطُ" ويؤنَّث، فالتذكيرُ لغة تميم، وبالتأنيث لغة الحجاز، فإنْ استُعْمل مذكَّراً جُمِعَ في القلة على أَفْعِلة، وفي الكثرة على فُعُل، نحو: حِمار وأَحْمِرة وحُمُر، وإن استعمل مؤنّثًا فقياسُه أَن يُجْمعَ على أَفْعُل نحو: ذِراع وأَذْرُع.
و{الْمُسْتَقِيمَ} صِفَةٌ لِـ "الصِّراطَ"، وَهُوَ الَّذِي لَا اعْوِجَاجَ فِيهِ وَلَا انْحِرَافَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَنَّ هَذَا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ}الانعام: 153.
و"المستقيم": اسم فاعل من استقام بمعنى المجرد، ومعناه السويُّ من غير اعوجاج وأصله: مُسْتَقْوِم، ثم أُعِلَّ كإعلالِ نَسْتعين. وَأَصْلُهُ مُسْتَقْوِمٌ، نُقِلَتِ الْحَرَكَةُ إِلَى الْقَافِ وَانْقَلَبَتِ الواو ياء لانكسار ما قبلها.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {اهْدِنَا} دُعَاءٌ وَرَغْبَةٌ مِنَ الْمَرْبُوبِ إِلَى الرَّبِّ، وَالْمَعْنَى: دُلَّنَا عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ وَأَرْشِدْنَا إِلَيْهِ، وَأَرِنَا طَرِيقَ هِدَايَتِكَ الْمُوَصِّلَةِ إِلَى أُنْسِكَ وَقُرْبِكَ. والهدايةُ دِلالةٌ بلُطفٍ لدِلالةِ اشتقاقِه ومادتِهِ عليه. ولذا أُطلِقَ على المَشيِ برفْقٍ "تَهَادٍ"، وسُمِّيتْ الهِدايَةُ لُطْفاً، وقولُه تعالى: {فاهدوهم إلى صراط الجحيم} الصافّات: 23 واردٌ ـ على الصحيح ـ مَوْرِدَ التَهَكُّمِ على حَدِّ {فَبَشّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} الإنشقاق: 24. ويُقالُ هَداهُ لِكذا وإلى كذا فتَعدّيه بـ "اللام" و"إلى"، وهَداهُ كذا ـ بدونهما ـ مُحْتَمِلٌ للحالين، حتى لا يجوز في {والذين جاهدوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} العنكبوت: 69. لسبلنا أو إلى سبلنا، إلّا بإرادةِ الإرادةِ في "جاهَدوا"، أو إرادةِ تحصيلِ المراتِبِ العَلِيَّةِ في "سُبُلَنا" ومِن ثَمَّ جمعها. وقد وَرَدَ "مَن عَمِلَ بما عَلِمَ ورَّثَهُ اللهُ تعالى عِلْمَ ما لمْ يَعْلَم" وقد يُقالُ المرادُ بَيانُ الاستعمالِ الحقيقيِّ وأمّا بابُ التجوُّزِ فواسِعٌ.
وقَالَ بَعْضُهم: لقد جَعَلَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ عِظَمَ الدُّعَاءِ وَجُمْلَتَهُ مَوْضُوعًا فِي هَذِهِ السُّورَةِ، نِصْفُهَا فِيهِ مَجْمَعُ الثَّنَاءِ، وَنِصْفُهَا فِيهِ مَجْمَعُ الْحَاجَاتِ، وَجَعَلَ هَذَا الدُّعَاءَ الَّذِي فِي هَذِهِ السُّورَةِ أَفْضَلَ مِنَ الَّذِي يَدْعُو بِهِ الدَّاعِي لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ قَدْ تَكَلَّمَ بِهِ رَبُّ الْعَالَمِينَ، فَأَنْتَ تَدْعُو بِدُعَاءٍ هُوَ كَلَامُهُ الَّذِي تكلم به، وفي الحديث: ((ليس شيءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ مِنَ الدُّعَاءِ)). وَقِيلَ الْمَعْنَى: أَرْشِدْنَا بِاسْتِعْمَالِ السُّنَنِ فِي أَدَاءِ فَرَائِضِكَ، وَقِيلَ: الْأَصْلُ فِيهِ الْإِمَالَةُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:{إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ} الأعراف: 156 أَيْ مِلْنَا، وَخَرَجَ عَلَيْهِ الصلاة والسَّلَامُ فِي مَرَضِهِ يَتَهَادَى بَيْنَ اثْنَيْنِ، أَيْ يَتَمَايَلُ. وَمِنْهُ الْهَدِيَّةُ، لِأَنَّهَا تُمَالُ مِنْ مَلِكٍ إِلَى مَلِكٍ. وَمِنْهُ الْهَدْيُ لِلْحَيَوَانِ الَّذِي يُسَاقُ إِلَى الْحَرَمِ، فَالْمَعْنَى مِلْ بِقُلُوبِنَا إِلَى الْحَقِّ.
{اهد}: صيغةُ طلب ومعناها الدعاءُ، وهذه الصيغةُ تَرِدُ لمعانٍ كثيرةٍ فإذا وَرَدَتْ صيغة افعَلْ من الأعلى للأَدنى قيل فيها أمرٌ، وبالعكس دعاءٌ، وهي من المُساوي التماسٌ. وفاعلُه مستترٌ وجوباً أي: اهدِ أنت، و"نا" مفعول أول، وهو ضميرٌ متصلٌ يكونُ للمتكلم مع غيرِه أو المعظِّم نفسَه، ويستعملُ في موضع الرفع والنصب والجر بلفظٍ واحدٍ نحو: قُمنَا وضرَبَنَا زيدٌ وَمَرَّ بنا. و"الصراطَ": مفعول ثان، و"المستقيمَ": صفةٌ للصراط.
والهدايةُ: الإِرشادُ أو الدِلالةُ، كما تأتي بمعنى التقدّم أيضاً، ومنه هَوادِي الخيلِ لتقدُّمِها. وتأتي كذلك بمعنى التبيين نحو: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} أي بَيَّنَّا لهم، أو الإِلهامُ، نحو: {أعطى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هدى} أي ألهمَه لمصالِحه، أو الدعاءُ كقوله تعالى: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} أي داعٍ. والهدايةُ دَلالةٌ بلطفٍ ومنه الهَدِيَّةُ وهَوادي الوحش أي المتقدِّماتُ الهاديةُ لغيرها.
وأَصْلُ "الصِّرَاطِ" فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الطَّرِيقُ، قَالَ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ:
شَحَنَّا أَرْضَهُمْ بِالْخَيْلِ حَتَّى ................. تَرَكْنَاهُمْ أَذَلَّ مِنَ الصِّرَاطِ
وَقَالَ جَرِيرٌ:
أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى صِرَاطٍ ................. إِذَا اعْوَجَّ الْمَوَارِدُ مُسْتَقِيمِ
و"الصراطُ": عند بعضهم هو الطريقُ المُسْتَسْهَل، وبعضُهم لا يقيِّدُه بالمستسهلِ، وهو مشتقٌّ من السَّرْطِ، وهو الابتلاعُ: إمَّا لأن سالكه يَسْتَرِطه أو لأنه يَسْتَرِط سالكَه ، ألا ترى إلى قولهم: قَتَلَ أرضاً عالِمُها وقتلت أرضٌ جاهلَهَا ؟ وبهذين الاعتبارين قال أبو تمام :
رَعَتْه الفيافي بعدما كان حِقْبةً .......... رعاها وماءُ المُزْنِ يَنْهَلُّ ساكِبُهْ
وعلى هذا سُمِّي الطريق لَقَماً ومُلْتَقِماً لأنه يلتقِمُ سالكه أو يلتقمُه سَالِكُه . وَقَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: {الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ} طَرِيقُ الْحَجِّ، وَهَذَا خَاصٌّ وَالْعُمُومُ أَوْلَى. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ}: هُوَ دينُ اللهِ الذي لا يَقْبَلُ من العبادة غَيْرَهُ. وَقَالَ عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ: "الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ" رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبَاهُ مِنْ بَعْدِهِ. قَالَ عَاصِمٌ فَقُلْتُ لِلْحَسَنِ: إِنَّ أَبَا الْعَالِيَةِ يَقُولُ: "الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ" رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبَاهُ، قَالَ: صَدَقَ وَنَصَحَ.
وحكى النقّاشُ: الصراط الطريق بلغة الروم، قال ابنُ عطيّة: وهذا ضعيف جدا. وقرى: السِّرَاطُ (بِالسِّينِ) وقرى بين الزاي والصاد. وقرئ بزاءٍ خَالِصَةٍ وَالسِّينُ الْأَصْلُ. وإنما أُبدلَتْ صاداً لأجلِ حرفِ الاستعلاءِ. وإبدالُها صاداً مطّردٌ عندهم نحو: صَقَر في سَقَر، وصُلْح في سُلْح، وإصْبَع في اسبَع، ومُصَيْطِر في مُسَيْطر، لما بينهما من التقارب .وَحَكَى سَلَمَةُ عَنِ الْفَرَّاءِ قَالَ: الزِّرَاطُ بِإِخْلَاصِ الزَّايِ لُغَةٌ لِعُذْرَةَ وَكَلْبٍ وَبَنِي الْقَيْنِ، قَالَ: وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ فِي أَصْدَقِ: أَزْدَقُ. وَقَدْ قَالُوا: الْأَزْدُ وَالْأَسْدُ وَلَسِقَ بِهِ وَلَصِقَ بِهِ.
وَ"الصِّراطَ" نُصِبَ عَلَى الْمَفْعُولِ الثَّانِي، لِأَنَّ الْفِعْلَ مِنَ الْهِدَايَةِ يَتَعَدَّى إِلَى الْمَفْعُولِ الثَّانِي بِحَرْفِ جَرٍّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ}. الصافات: 23. وَبِغَيْرِ حَرْفٍ كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ.
ويُذَكّرُ "الصِّراطُ" ويؤنَّث، فالتذكيرُ لغة تميم، وبالتأنيث لغة الحجاز، فإنْ استُعْمل مذكَّراً جُمِعَ في القلة على أَفْعِلة، وفي الكثرة على فُعُل، نحو: حِمار وأَحْمِرة وحُمُر، وإن استعمل مؤنّثًا فقياسُه أَن يُجْمعَ على أَفْعُل نحو: ذِراع وأَذْرُع.
و{الْمُسْتَقِيمَ} صِفَةٌ لِـ "الصِّراطَ"، وَهُوَ الَّذِي لَا اعْوِجَاجَ فِيهِ وَلَا انْحِرَافَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَنَّ هَذَا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ}الانعام: 153.
و"المستقيم": اسم فاعل من استقام بمعنى المجرد، ومعناه السويُّ من غير اعوجاج وأصله: مُسْتَقْوِم، ثم أُعِلَّ كإعلالِ نَسْتعين. وَأَصْلُهُ مُسْتَقْوِمٌ، نُقِلَتِ الْحَرَكَةُ إِلَى الْقَافِ وَانْقَلَبَتِ الواو ياء لانكسار ما قبلها.
مواضيع مماثلة
» فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة الفاتحة الآية:2
» فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة الفاتحة الآية:4
» فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة الفاتحة الآية: 6-7
» فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة الفاتحة
» فيض العليم. من معاني الذكر الحكيم سورة الفاتحة الاية3
» فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة الفاتحة الآية:4
» فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة الفاتحة الآية: 6-7
» فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة الفاتحة
» فيض العليم. من معاني الذكر الحكيم سورة الفاتحة الاية3
منتدى مدينة أرمناز العام :: المنتدى الخاص بشاعر أرمناز الكبير الأستاذ عبدالقادر الأسود :: البحوث والدراسات والمقالات النثرية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء أكتوبر 01, 2019 11:34 am من طرف bassam1972
» شهادة الشاعر الكبير الأستاذ عبد القادر دياب مدير عام الملتقى الثقافي العربي
الجمعة سبتمبر 13, 2019 7:15 pm من طرف bassam1972
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 12
الجمعة يوليو 12, 2019 10:33 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 10
الخميس يوليو 11, 2019 10:54 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 9
الأربعاء يوليو 10, 2019 1:29 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 8
الأربعاء يوليو 10, 2019 10:41 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 6
الثلاثاء يوليو 09, 2019 4:24 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 5
الأحد يوليو 07, 2019 10:10 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 3
السبت يوليو 06, 2019 10:14 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 2
الجمعة يوليو 05, 2019 10:54 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكه، الآية: 1
الأربعاء يوليو 03, 2019 3:27 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف: تعريف
الثلاثاء يوليو 02, 2019 7:01 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 111
السبت يونيو 29, 2019 7:26 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 110
الخميس يونيو 27, 2019 10:38 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 109
الخميس يونيو 27, 2019 6:45 am من طرف عبد القادر الأسود