فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 99
منتدى مدينة أرمناز العام :: المنتدى الخاص بشاعر أرمناز الكبير الأستاذ عبدالقادر الأسود :: البحوث والدراسات والمقالات النثرية
صفحة 1 من اصل 1
فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 99
فَأُولئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُوراً.
99
قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَأُولئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ} إشارة إلى من جاء ذكرهم في الآية السابقة، أيْ هؤلاء الَّذِين لَا حِيلَةَ لَهُم فِي الْهِجْرَةِ لَا ذَنْبَ لَهُم حَتَّى يُعْفَى عَنْهُم، وَلَكِنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ يَجِبُ تَحَمُّلُ غَايَةِ الْمَشَقَّةِ فِي الْهِجْرَةِ، حَتَّى إِنَّ مَنْ لَمْ يَتَحَمَّلْ تِلْكَ الْمَشَقَّةَ يُعَاقَبُ فَأَزَالَ اللَّهُ ذَلِكَ الْوَهْمَ، إِذْ لَا يَجِبُ تَحَمُّلُ غَايَةِ الْمَشَقَّةِ، بَلْ كَانَ يَجُوزُ تَرْكُ الْهِجْرَةِ عِنْدَ فَقْدِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ. فَمَعْنَى الْآيَةِ: فَأُولَئِكَ لَا يُسْتَقْصَى عَلَيْهِمْ فِي الْمُحَاسَبَةِ.
وكان مقتضي الكلامِ أنْ يَقول: "فأولئك عفا الله عنهم"، لكنَّ الحقَّ جاء بـ "عسى" ليَحُثَّهم على رجاءِ أنْ يّعفُوَ اللهُ عنهم، والرجاءُ مِنَ المُمكِنِ أن يحدث أَوْ لا يحدث. ونعرف أن "عسى" للرجاءِ، وأنَّها تُستَخدَمُ حين يأتي بعدَها أمرٌ محجوبٌ نُحِبُّ أنْ يَقَعَ.
فقد تَرجو شيئًا مِن غيرِك وتقولُ: عَساكَ أنْ تَفعَلَ كذا. وقدْ يَقولُ الإنسانُ: عَسايَ أنْ أَفعَلَ كذا، وهنا يَكونُ القائلُ هو الذي يَمْلِكُ الفِعلَ وهذا أَقوى قليلاً، ولكنَّ الإنسانَ قد تَخونُه قوَّتُه؛ لِذلكَ فعليْه أنْ يَقولَ: عسى اللهُ أنْ يَفعلَ كذا، وفي هذا الاعتِمادُ على مُطلَقِ القُوَّةِ. وإذا كانَ اللهُ هو الذي يَقولُ: {عَسَى الله أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ}، فهذا إطماعٌ مِنْ كريمٍ قادِرٍ، وجِيءَ بكلِمةِ الإطْماعِ لِتأكيدِ أمرِ الهِجرةِ حتَّى يُظَنَّ أنَّ تَركَها ممّنْ لا تَجِبُ عليْه يَكونُ ذنبًا يَجِبُ طلبُ العفوِ عنْه، وقالَ الكَرْخيُّ: يَعفو عن خطرِ الهِجْرَةِ بحيثُ يَحتاجُ المَعذورُ إلى العَفْوِ.
وقَولُه: {وَكانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُوراً} "وكان الله: فى الأزلِ "عَفُوًّا" ولِعَفْوِهِ أمكَنَهم التَقصيرُ في العُبوديَّةِ "غفورا" ولِغُفرانِه أمهَلَهم في إعطاءِ حقِّ الرّبوبيَّةِ، وفي الآيةِ مبالغةٌ في المَغفِرةِ لهم ما فَرَطَ مِنْهم مِن الذُنوبِ التي مِنْ جُملَتِها القُعودُ عنِ الهِجرةِ إلى وقتِ الخُروجِ، وَالْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلُ فِي حَقِّهِ تَعَالَى واحدٌ.
وهُنا بَحثان تُشيرُ إليْهِما الآيةُ الكريمةُ: أوَّلُهما: أنَّ الهجرةَ هيَ الأمرُ المَفروضُ الذي لَا مَناصَ منه إلّا عندَ العُذرِ الشديدِ، وإنَّ الأَعذارَ يُقَدِّرُها أصحابُها. ومعَ وُجودِها يُرجى لهم العفوُ، ويرجونَه، وهذا يَدُلُّ على أنَّ تَرْكَ الهِجرةِ أمرٌ مُضَيَّقٌ لا تَوْسِعَةَ فيه، حتّى إنَّ المُضطّرَّ البَيِّنَ الاضطِّرارِ مِنْ حقِّهِ أنْ يقولَ: عَسى اللهُ أنْ يَعفُوَ عنّي. وهذا كلُّه معناهُ أنَّ الأصلَ هو الهِجرةُ. ثانيهما: أنَّ الأُمورَ التي يُرَخَّصُ بها في مقابِلِ واجِبٍ مَفروضٍ، لَا تكونُ مُباحةً في ذاتِها، بلْ تكونُ في مَرتبَةِ العفوِ، لأنَّ المباحَ يكونُ مطلوبًا على وجهِ التَخييرِ، وهذهِ لَا طَلَبَ فيها، بل رَخَّصَ بها في التَرْكِ، والأصلُ وُجوبُ الهجرةِ.
وقد خَتَم ـ سبحانَه وتعالى ـ الآيةَ بأنَّه كثيرُ العفوِ عن عبادِهِ في الرُخَصِ التي يُرَخِّصُ لهم بِها، كثيرُ المَغفِرَةِ لِمن تابَ وأنابَ، والله ـ سبحانَه وتعالى ـ رحيمٌ بِعبادِهِ.
قوله تعالى: {فأولئك} الفاءُ هنا هي فاءُ السَبَبِيَّةِ، أيْ أنَّ السَبَبَ في أنَّهم محلُّ عفوِ اللهِ.
99
قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَأُولئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ} إشارة إلى من جاء ذكرهم في الآية السابقة، أيْ هؤلاء الَّذِين لَا حِيلَةَ لَهُم فِي الْهِجْرَةِ لَا ذَنْبَ لَهُم حَتَّى يُعْفَى عَنْهُم، وَلَكِنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ يَجِبُ تَحَمُّلُ غَايَةِ الْمَشَقَّةِ فِي الْهِجْرَةِ، حَتَّى إِنَّ مَنْ لَمْ يَتَحَمَّلْ تِلْكَ الْمَشَقَّةَ يُعَاقَبُ فَأَزَالَ اللَّهُ ذَلِكَ الْوَهْمَ، إِذْ لَا يَجِبُ تَحَمُّلُ غَايَةِ الْمَشَقَّةِ، بَلْ كَانَ يَجُوزُ تَرْكُ الْهِجْرَةِ عِنْدَ فَقْدِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ. فَمَعْنَى الْآيَةِ: فَأُولَئِكَ لَا يُسْتَقْصَى عَلَيْهِمْ فِي الْمُحَاسَبَةِ.
وكان مقتضي الكلامِ أنْ يَقول: "فأولئك عفا الله عنهم"، لكنَّ الحقَّ جاء بـ "عسى" ليَحُثَّهم على رجاءِ أنْ يّعفُوَ اللهُ عنهم، والرجاءُ مِنَ المُمكِنِ أن يحدث أَوْ لا يحدث. ونعرف أن "عسى" للرجاءِ، وأنَّها تُستَخدَمُ حين يأتي بعدَها أمرٌ محجوبٌ نُحِبُّ أنْ يَقَعَ.
فقد تَرجو شيئًا مِن غيرِك وتقولُ: عَساكَ أنْ تَفعَلَ كذا. وقدْ يَقولُ الإنسانُ: عَسايَ أنْ أَفعَلَ كذا، وهنا يَكونُ القائلُ هو الذي يَمْلِكُ الفِعلَ وهذا أَقوى قليلاً، ولكنَّ الإنسانَ قد تَخونُه قوَّتُه؛ لِذلكَ فعليْه أنْ يَقولَ: عسى اللهُ أنْ يَفعلَ كذا، وفي هذا الاعتِمادُ على مُطلَقِ القُوَّةِ. وإذا كانَ اللهُ هو الذي يَقولُ: {عَسَى الله أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ}، فهذا إطماعٌ مِنْ كريمٍ قادِرٍ، وجِيءَ بكلِمةِ الإطْماعِ لِتأكيدِ أمرِ الهِجرةِ حتَّى يُظَنَّ أنَّ تَركَها ممّنْ لا تَجِبُ عليْه يَكونُ ذنبًا يَجِبُ طلبُ العفوِ عنْه، وقالَ الكَرْخيُّ: يَعفو عن خطرِ الهِجْرَةِ بحيثُ يَحتاجُ المَعذورُ إلى العَفْوِ.
وقَولُه: {وَكانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُوراً} "وكان الله: فى الأزلِ "عَفُوًّا" ولِعَفْوِهِ أمكَنَهم التَقصيرُ في العُبوديَّةِ "غفورا" ولِغُفرانِه أمهَلَهم في إعطاءِ حقِّ الرّبوبيَّةِ، وفي الآيةِ مبالغةٌ في المَغفِرةِ لهم ما فَرَطَ مِنْهم مِن الذُنوبِ التي مِنْ جُملَتِها القُعودُ عنِ الهِجرةِ إلى وقتِ الخُروجِ، وَالْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلُ فِي حَقِّهِ تَعَالَى واحدٌ.
وهُنا بَحثان تُشيرُ إليْهِما الآيةُ الكريمةُ: أوَّلُهما: أنَّ الهجرةَ هيَ الأمرُ المَفروضُ الذي لَا مَناصَ منه إلّا عندَ العُذرِ الشديدِ، وإنَّ الأَعذارَ يُقَدِّرُها أصحابُها. ومعَ وُجودِها يُرجى لهم العفوُ، ويرجونَه، وهذا يَدُلُّ على أنَّ تَرْكَ الهِجرةِ أمرٌ مُضَيَّقٌ لا تَوْسِعَةَ فيه، حتّى إنَّ المُضطّرَّ البَيِّنَ الاضطِّرارِ مِنْ حقِّهِ أنْ يقولَ: عَسى اللهُ أنْ يَعفُوَ عنّي. وهذا كلُّه معناهُ أنَّ الأصلَ هو الهِجرةُ. ثانيهما: أنَّ الأُمورَ التي يُرَخَّصُ بها في مقابِلِ واجِبٍ مَفروضٍ، لَا تكونُ مُباحةً في ذاتِها، بلْ تكونُ في مَرتبَةِ العفوِ، لأنَّ المباحَ يكونُ مطلوبًا على وجهِ التَخييرِ، وهذهِ لَا طَلَبَ فيها، بل رَخَّصَ بها في التَرْكِ، والأصلُ وُجوبُ الهجرةِ.
وقد خَتَم ـ سبحانَه وتعالى ـ الآيةَ بأنَّه كثيرُ العفوِ عن عبادِهِ في الرُخَصِ التي يُرَخِّصُ لهم بِها، كثيرُ المَغفِرَةِ لِمن تابَ وأنابَ، والله ـ سبحانَه وتعالى ـ رحيمٌ بِعبادِهِ.
قوله تعالى: {فأولئك} الفاءُ هنا هي فاءُ السَبَبِيَّةِ، أيْ أنَّ السَبَبَ في أنَّهم محلُّ عفوِ اللهِ.
مواضيع مماثلة
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 86
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 104
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 87
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 88
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 89
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 104
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 87
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 88
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 89
منتدى مدينة أرمناز العام :: المنتدى الخاص بشاعر أرمناز الكبير الأستاذ عبدالقادر الأسود :: البحوث والدراسات والمقالات النثرية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء أكتوبر 01, 2019 11:34 am من طرف bassam1972
» شهادة الشاعر الكبير الأستاذ عبد القادر دياب مدير عام الملتقى الثقافي العربي
الجمعة سبتمبر 13, 2019 7:15 pm من طرف bassam1972
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 12
الجمعة يوليو 12, 2019 10:33 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 10
الخميس يوليو 11, 2019 10:54 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 9
الأربعاء يوليو 10, 2019 1:29 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 8
الأربعاء يوليو 10, 2019 10:41 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 6
الثلاثاء يوليو 09, 2019 4:24 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 5
الأحد يوليو 07, 2019 10:10 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 3
السبت يوليو 06, 2019 10:14 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 2
الجمعة يوليو 05, 2019 10:54 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكه، الآية: 1
الأربعاء يوليو 03, 2019 3:27 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف: تعريف
الثلاثاء يوليو 02, 2019 7:01 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 111
السبت يونيو 29, 2019 7:26 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 110
الخميس يونيو 27, 2019 10:38 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 109
الخميس يونيو 27, 2019 6:45 am من طرف عبد القادر الأسود