تفسير الذكر الحكيم: (سورة الفاتحة)
2 مشترك
منتدى مدينة أرمناز العام :: المنتدى الخاص بشاعر أرمناز الكبير الأستاذ عبدالقادر الأسود :: البحوث والدراسات والمقالات النثرية
صفحة 1 من اصل 1
تفسير الذكر الحكيم: (سورة الفاتحة)
سورة الفاتحة
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (1) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (3) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (4) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (5) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ (6) غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ (7)
وهي مكية على قول الأكثرين. وقال مجاهد: مدنيّة وقيل : نزلت مرتين مرة بمكة ومرة بالمدينة ولذلك سميت مثاني ، والأصح أنها مكيّة ، لأنّ الله تعالى مَنَّ على الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله في سورة الحُجُر الآية 87: (( ولقد آتيناك سبعاً من المثاني )) والمراد منها فاتحة الكتاب وسورة الحجر مكية فلم يكن ليمنّ عليه بها قبل نزولها ، وقد تقدم الكلام في عدد آياتها .
ومن أسمائها: فاتحةُ الكتاب، وأمُّ القرآن ، والسبعُ المَثاني وتسمى سورة الحمد لله ، والواقية ، والشافية .
ويقال لها أيضا: أمّ الكتاب عند الجمهور، وكره بعضهم تسميتها بذلك لأن أم الكتاب هو اللوح المحفوظ ، أو هي الآيات المحكمات لقوله تعالى: (( .. آيات محكمات هن أم الكتاب وأُخَرُ متشابهات )) وقد ثبت في الحديث الصحيح عند الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( الحمد لله أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني والقرآن العظيم )) ويقال لها : الحمد ، ويقال لها : الصلاة ، لقوله عليه الصلاةُ والسلام عن ربه فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه ، قال : (( يقول الله عز وجل قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، فإذا قال بسم الله الرحمن الرحيم ، قال الله تعالى: مجّدني عبدي وإذا قال : الحمد لله رب العالمين قال الله حَمِدني عبدي وإذا قال : الرحمن الرحيم ، قال : أثنى عليَّ عبدي فإذا قال : مالك يوم الدين قال الله تعالى : فوض إليَّ عبدي وإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين قال الله تعالى: هذا بيني وبين عبدي ، وإذا قال : اهدنا الصراط المستقيم قال الله تعالى : هذا لعبدي ولعبدي ما سأل )) . وسميت الفاتحة: صلاة؛ لأنها شرط فيها. على قول بعض المذاهب ، ويقال لها: الشفاء؛ لما رواه الدارمي عن أبي سعيد مرفوعا: (( فاتحة الكتاب شفاء من كل سم )) . ويقال لها:الرقية؛ لحديث أبي سعيد في الصحيح حين رقى بها الرجل السليمَ ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( وما يدريك أنها رقية؟ )) . وروى الشعبي عن ابن عباس أنه سماها: أساس القرآن، قال: فأساسها بسم الله الرحمن الرحيم، وسماها سفيان بن عيينة: الواقية. وسماها يحيى بن أبي كثير: الكافية؛ لأنها تكفي عما عداها ولا يكفي ما سواها عنها، ويقال لها الكنز .
{الحمدُ لله} الحمد في كلام العرب معناه : الثناء الكامل ، والألف واللام لاستغراق الجنس ، فهو ـ سبحانه ـ يستحق الحمد بأجمعِه ، والثناء المطلق . والحمدُ نقيضُ الذمِّ . وهو أعمُّ من الشكر ، لأن الشكرَ يكون مقابلَ النِعمةِ بخلاف الحمد ، تقول : حَمَدْتُ الرجلَ على شجاعتِه ، وعلى عِلمِه ، وتقول : شكرتُه على إحسانِه . والحمدُ يكون باللسان ، وأمّا الشكرُ فيكون بالقلب ، واللسان .
وقال بعض العلماء: إن الحمدَ أعمَّ من الشكر ، لأنَّ الحمدَ
تعظيمُ الفاعل لأجل ما صدر عنه من الإِنعام . سواءٌ أكان ذلك الإِنعام واصلاً إليك أو إلى غيرك . وأما الشكر فهو عبارة عن تعظيمه لأجل إنعام وصل إليك .
والحمدُ للَّهِ بضمّ الدال على الابتداء ، وخبره فيما بعده . وقيل : على التقديم والتأخير ، أي لله الحمد .
وإذا وقع الجارُّ والمجرورُ والظرفُ صلةً أو صفةً أو حالاً أو خبراً تعلقا بمحذوفٍ .
وذلك المحذوفُ إن شئتَ قدَّرْتَه اسماً وهو المختار،وإنْ شئتَ قدَّرْتَه فِعْلاً ، أي : الحمدُ مستقرٌّ لله أو استقرَّ لله .
وقيل : بنصب الدال على الإضمار ، أي أحمدُ الحمدَ؛ لأنَّ الحمد مصدرٌ لا يُثنّى ولا يجمع .
و" لله " على قراءة النصب يتعلَّق بمحذوفٍ لا بالمصدرِ لأنها
للبيان تقديره: أَعْنِي لله .
وقراءةُ الرفع أَمْكَنُ وأَبْلَغُ من قراءة النصب ومن قراءة الكسر، لأنَّ الرفعَ في بابِ المصادر التي أصلُها النيابةُ عن أفعالها يَدُلُّ على الثبوتِ والاستقرارِ بخلافِ النصب فإنه يَدُلُّ على التجدُّدِ والحدوثِ .
وقُرئ أيضاً بكسرِ الدال ، ووجهُه أنها حركةُ إتباعٍ لكسرةِ
لامِ الجر بعدها، وهي لغة تميم وبعضِ غَطَفانَ ، يُتْبِعُون الأول للثاني للتجانس، من ذلك قول الشاعر:
وَيْلِمِّها في هواءِ الجَوِّ طالبةً .. ولا كهذا الذي في الأرض مطلوبٌ
الأصل: ويلٌ لأُِمها، فَحَذَفَ اللامَ الأولى، واستثقل ضمَّ الهمزةِ بعد الكسرة، فَنَقَلها إلى اللام بعد سَلْب حركتها،وحَذَفَ الهمزةَ، ثم أَتْبع اللامَ الميمَ ، فصار اللفظ : وَيْلِمِّها .
وقُرئ أيضاً:"لُلَّهِ" بضمِّ لامِ الجرِّ، وهي إتْباعٌ لحركة الدالِ ، وقد فضَّلها الزمخشري على قراءة كسر الدال معتلاً لذلك بأنَّ إتباع حركة البناء لحركة الإِعراب أحسنُ من العكس وهي لغةُ بعضِ قيس .
{لله} قيل إن اللام ـ حرف جر للاستحقاق أي الحمدُ مستحقٌ لله ، ولها معانٍ أُخَرُ ، منها الملك ، نحو : المالُ لزيد ، والتمليك نحو:{جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً}والنَسَبُ نحو:لزيد عَمُّ، والتعليلُ نحو: لِتَحْكُمَ بَيْنَ الناس بالحق، والتبليغ نحو: قلتُ لك كذا، والتعجبُ ويكون في القسم خاصّة، كقول الشاعر:
للهِ يَبْقى على الأيام ذو حِيَدٍ .......... بمُشْمَخِرٍّ به الظَّيَّانُ والآسُ والتبيين نحو: قوله تعالى:{هَيْتَ لَكَ} والصيرورةُ نحو قوله تعالى: {لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً} والظرفية: إمَّا بمعنى في، كقوله تعالى: {وَنَضَعُ الموازين القسط لِيَوْمِ القيامة} أو بمعنى عِنْد، كقولهم: كتبتُ الكتابَ لخمسٍٍ، أي عند خمس، أو بمعنى بَعْدَ، كقوله تعالى: {أَقِمِ الصلاة لِدُلُوكِ الشمس} أي: بعد دلوكها،والانتهاء، كقوله تعالى:{كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ} والاستعلاء نحو قوله تعالى :{وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سجّداً} أي على الأذقان .
{رَبِّ العالمين}الربُّ لغةً: السيِّدُ والمالك والمعبود، والمُصْلِح.
واختلف فيه: هل هو في الأصل وصفٌ أو مصدرٌ؟ فمنهم مَنْ قال: هو وصفٌ ثم اختلف هؤلاء في وزنه، فقيل: هو على وزن فَعَل كقولك: نَمَّ يَنُمُّ فهو نَمٌّ، وقيل: وزنه فاعِل، وأصله رابٌّ، ثم حُذفت الألف لكثرةِ الاستعمال،كقولهم:رجل بارٌّ وبَرٌّ.
ومنهم من قال:هو مصدَر ربَّهُ يَرُبُّه رَبَّاً أي مَلَكَه،فهو مصدَرٌ في معنى الفاعل نحو: رجل عَدْلٌ وصَوم، ولا يُطلق على غير الباري تعالى إلا بقيدِ إضافة نحو قوله تعالى:{ارجع إلى رَبِّكَ} ويقولون: هو ربُّ الدار وربُّ الإبل .
وقراءةُ الجمهور مجروراً على النعت "لله" أو البدل منه، وقُرئ منصوباً، وتقديره:أَحْمَدُ ربَّ العالمين،وقُرئ مرفوعاً فيكون خبراً لمبتدأ محذوفٍ أي هو ربُّ .
والعالمين: خفضٌ بالإِضافةِ،علامةُ خفضِه الياءُ لجريانه مَجْرى جمعِ المذكرِ السالمِ ، وهو اسمُ جمع لأن واحدَه من غير لفظِه ، ولا يجوز أن يكونَ جمعاً لعالَم، لأنَّ الصحيحَ في "عالَم" أنه يُطلَقُ على كلِّ موجودٍ سوى الباري تعالى، لاشتقاقِه من العَلامة بمعنى أنه دالٌّ على صانعه، وعالَمون بصيغة الجمع لا يُطلق إلا على العقلاء دونَ غيرهم، فاستحالَ أن يكونَ عالَمون جمع عالَم؛ لأن الجمع لا يكون أخصَّ من المفرد، ونقل عن ابن عباس رضي الله عنهما أن "عالَمين" جُمع جمع لأنَّ المرادَ به الملائِكةُ والجنُّ والإِنسُ .
وقيل العالمون: أهل الجنة وأهل النار. وقيل: هو عبارة عن جميع المخلوقات، واحتجوا بقوله:{قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ العالمين* قَالَ رَبُّ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا..} واشتقاقه من "العلم" و"العلامة" لظهورهم ولظهور أثر الصنعة فيهم .
{الرحمن الرحيم} نعت أو بدل ، وقُرئا منصوبَيْنِ مرفوعَيْنِ، وقد ذكر تفصيل ذلك في البسملة .
{مالك يوم الدين} يجوز أن يكونَ صفةً أيضاً أو بَدَلاً ، وإن
كان البدلُ بالمشتقِّ قليلاً، وهو مشتقٌّ من المَلْك "بفتح الميم " وهو الشدُّ والربط .
وقُرئ "مالِك" بالألف ، يقال : مَلِكٌ بَيِّنُ المُلْكِ بضم الميم ، ومالكٌ بيِِّنُ المَِلْكِ بفتح الميم وكسرها ، فالمفتوحُ منها يعني الشدَّ والربطَ،والمضمومُ يعني القهرَ والتسلُّطَ على من تكون منه الطاعة سواء أكان هذا التسلط باستحقاقٍ أو بغير استحقاق، والمكسورُ هو التسلطُ على المَطيعة وغيره، ولا يكونُ إلا باستحقاق والمِلْك ـ أي بالكسر ـ كالجنس للمُلْك ـ أي بالضم ـ فكل مِلْك ـ بالكسر ـ مُلك ، وليس كل مُلك مِلكاً، فعلى هذا يكون بينهما عمومٌ وخصوصٌ مطلقٌ، وبهذا يُعرف الفرقُ بين مَلِك ومالِك، فإن مَلِكاً مأخوذ من المُلْك بالضم ، ومالِكاً مأخوذ من المِلْك بالكسر ، والقراءتان متواتراتان ، وقد صحّ اتصافِ الربِّ تعالى بهما.
ثم إنَّ الزيادةَ في البناءِ تدلُّ على الزيادةِ في المعنى وإنَّ ثوابَ
تالِيها أكثرُ من ثواب تالي "مَلِك" كما أنَّ "مالِك" أَبْلَغُ في مدح
الخالق سبحانه .
وإضافةُ "مالك أو مَلِك"إلى يوم الدين من باب الاتِّساع ، إذ متعلَّقُهما غيرُ "يوم" والتقدير: مالكِ الأمرِ كله يومَ الدين . وهناك مَنْ قرأ :{مَلَكَ يومَ الدينِ} فجعلها جملة فعليّة .
والدِّيْنِ : مضافٌ إليه، ودانَ عصى وأطاع ،وذلَّ وعزَّ، فهو من الأضداد . والدين : القضاءُ أيضاً ، ومنه قوله تعالى : { وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ الله} أي في قضائِه وحكمه ، والدين : الحالُ ، سُئل بعضُ الأعراب فقال : لو كنتُ على دِينٍ غيرِ هذه لأَجَبْتُكَ أي : على حالة غير هذه الحالة . والدينُ الداءُ: ومنه قول الشاعر :
يا دينَ قلبِك مِن سَلْمى وقد دِينا . . . . . . . . .
ويقال: دِنْتُه بفعلِه أَدِينُه دَيْناً ودِيناً - بفتح الدال وكسرها في المصدر - أي جازَيْتُه. والدِّينُ أيضاً الطاعةُ ومنه:{وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً} أي : طاعةً ، ويستعار للمِلَّة والشريعةِ أيضاً ، قال تعالى : {أَفَغَيْرَ دِينِ الله يَبْغُونَ}يعني الإِسلام، بدليل قوله تعالى:{وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} . والدِّينُ: سيرة المَلِك ، قال زهير بن أبي سلمى :
لَئِنْ حَلَلْتَ بجوٍّ في بني أسَدٍ ... في دينِ عمروٍ وحالَتْ بينَنَا فَدَكُ
يقال : دِينَ فلان يُدانُ إذا حُمِل على مكروهٍ ، ومنه قيل للعبدِ ، مَدين ولِلأمَةِ مَدِينة . وقيل : هو من دِنْتُه إذا جازيته بطاعته ، وجَعَل بعضُهم المدينةَ من هذا الباب .
{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} " إياك " مفعولٌ مُقدَّمٌ على " نَعْبُدُ " ، قُدِّم للاختصاصِ وقالوا بأنّه ضميرٌ واختلفوا فيه على أربعةِ أقوال، أحدُها : أنه كلَّه ضميرٌ . والثاني: أن: "إيَّا" وحدَه ضميرٌ وما بعده اسمٌ مضافٌ إليه، وثالثُها: أن "إيَّا" وحدَه ضميرٌ وما بعدَه حروفُ تُبَيِّنُ ما يُراد به . ورابعها: أنَّ "إيَّا" عمادٌ وما بعده هو الضمير .
و" إياك " بالتخفيف معناه شمسَك ، فإنَّ إياةَ الشمس ضَوْءُها بكسر الهمزة ، وقد تُفتح ، وقيل : هي لها بمنزلة الهالة للقمر ، فإذا حَذَفْتَ التاءَ مَدَدْتَ ، قال الشاعر :
سَقَتْه إياةُ الشمسِ إلاَّ لِثاتِه ... أُسِفَّ فلم تَكْدِمْ عليه بإثْمِدِ
ونعبُدُ: فعلٌ مضارع مرفوع لتجرده من الناصب والجازم ، وقيل: لوقوعِه موقعَ الاسم، وهذا رأيُ البصريين، ومعنى المضارعِ المشابِهُ ، يعني أنه أشْبَه الاسمَ في حركاتِهِ وسَكَناتِهِ وعددِ حروفِهِ، ألا ترى أنَّ ضارباً بزنة يَضْرب فيما ذَكَرْتُ لك وأنه يَشِيع ويختصُّ في الأزمان ، كما يشيعُ الاسمُ ويختصُّ في الأشخاصِ ، وفاعلُه مستترٌ وجوباً .
والعِبادة غاية التذلل ، ولا يستحقُّها إلا مَنْ له غايةُ الإِفضالِ وهو الباري تعالى ، فهي أبلغُ من العبودية ، لأنَّ العبوديةَ إظهارُ التذلل ويقال : طريق مُعَبَّد ، أي مذلَّل بالوطء .
ومنه : العبدُ لذلَّته ، وبعيرٌ مُعَبَّد : أي مُذَلَّل بالقَطِران .
وقيل: العبادةُ التجرُّدُ ، ويُقال : عَبَدْت الله بالتخفيف فقط، وعَبَّدْتُ الرجلَ بالتشديد فقط : أي ذَلَّلته أو اتخذتُه عبداً .
وفي قوله تعالى:{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ} التفاتٌ من الغَيْبة إلى الخطاب، والالتفاتُ : أحد فنون البلاغة في الأدب العربي .
و" إيَّاك " واجبُ التقديمِ على عاملهِ ، لأنَّ القاعدةَ أن المفعولَ به إذا كان ضميراً وَجَب تقديمُه .
والكلام في " إياك نَسْتعين " كالكلام في " إياك نعبدُ " والواو عاطفة .
وأصل نَسْتعين: نَسْتَعْوِنُ مثل نَسْتَخْرِجُ في الصحيحِ،لأنه من العَوْنِ، فاستُثْقِلت الكسرةُ على الواو ، فنُقِلَت إلى الساكن قبلها، فَسَكَنت الواوُ بعد النقلِ وانكسر ما قبلها فَقُلِبَتْ ياءً . وهذه قاعدةٌ مطردَة ، نحو: ميزان ومِيقات وهما من الوَزْن والوَقْت .
والسينُ فيه معناها الطلبُ ، أي : نطلب منك العَوْنَ على العبادة ، وهو أحدُ المعاني التي لـ استفعل ، وله معانٍ أُخَرُ : الاتخاذُ نحو : استعْبَدَه أي : اتخذه عبداً ، والتحول نحو : استحْجَرَ
الطينُ أي : صار حَجَراً .
وقرئ "نِسْتعين" بكسر حرفِ المضارعةِ ، وهي لغةٌ مطردةٌ في حروف المضارعة ، وذلك بشرطِ ألاَّ يكونَ حرفُ المضارعة ياء ، لثقلِ ذلك . على أن بعضهم قال : يِيجَل مضارع وَجِلَ ، وكأنه قصدَ إلى تخفيفِ الواو إلى الياء فَكَسر ما قبلها لتنقلبَ ، وقد قرئ:{فإنهم يِيْلمونَ} .
والاستعانة: طلبُ العَوْن ، وهو المظاهَرَةُ والنُّصْرَةُ ، وقَدَّم العبادةَ على الاستعانة لأنها وَصْلَةٌ لطلب الحاجة ، وأطلق كُلاًّ من فِعْلي العبادة والاستعانة فلم يَذْكر لهما مفعولاً ليتناولا كلَّ معبودٍ به وكلَّ مستعانٍ ، عليه ، أو يكونُ المراد وقوع الفعل من غير نظرٍ إلى مفعولٍ نحو : {كُلوا واشربوا} أي افعلوا هذين الفعلينِ.
اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ
{ اهدنا الصراط } إلى آخرها اهْدِ : صيغةُ طلب ومعناها الدعاءُ ، وهذه الصيغةُ تَرِدُ لمعانٍ كثيرةٍ فإذا وَرَدَتْ صيغة افعَلْ من الأعلى للأَدنى قيل فيها أمرٌ ، وبالعكس دعاءٌ ، وهي من المساوي التماسٌ . وفاعلُه مستترٌ وجوباً أي : اهدِ أنت ، و "ن" مفعول أول، وهو ضميرٌ متصلٌ يكونُ للمتكلم مع غيرِه أو المعظِّم نفسَه، ويستعملُ في موضع الرفع والنصب والجر بلفظٍ واحدٍ نحو: قُمنَا وضرَبَنَا زيدٌ وَمَرَّ بنا. والصراطَ: مفعول ثان ، والمستقيمَ : صفةٌ للصراط.
وأصل "هَدَى" أن يتعدى إلى الأول بنفسه وإلى الثاني بحرفِ الجر وهو إمَّا : إلى أو اللام ، كقوله تعالى :{ وَإِنَّكَ لتهدي إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} {يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} ثم يُتَّسَعُ فيه ، فيُحذَفُ الحرفُ الحرفُ فيتَعَدَّى بنفسِه ، فأصلُ اهدِنا الصراط: اهدنا للصراط أو إلى الصراطِ، ثم حُذِف .
والهدايةُ: الإِرشادُ أو الدلالةُ ، كما تأتي بمعنى التقدم أيضاً ، ومنه هَوادِي الخيل لتقدُّمِها . وتأتي كذلك بمعنى التبيين نحو:{وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} أي بَيَّنَّا لهم ، أو الإِلهامُ ، نحو:{أعطى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هدى} أي ألهمه لمصالِحه ، أو الدعاءُ كقوله تعالى: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ } أي داعٍ . والهدايةُ دَلالةٌ بلطفٍ ومنه الهَدِيَّةُ وهَوادي الوحش أي المتقدِّماتُ الهاديةُ لغيرها .
والصراطُ:الطريقُ المُسْتَسْهَل، وبعضُهم لا يقيِّدُه بالمستسهلِ، وهو مشتقٌّ من السِّرْطِ، وهو الابتلاعُ : إمَّا لأن سالكه يَسْتَرِطه أو لأنه يَسْتَرِط سالكَه ، ألا ترى إلى قولهم : قَتَلَ أرضاً عالِمُها وقتلت أرضٌ جاهلَهَا ؟ وبهذين الاعتبارين قال أبو تمام :
رَعَتْه الفيافي بعدما كان حِقْبةً ... رعاها وماءُ المُزْنِ يَنْهَلُّ ساكِبُهْ
وعلى هذا سُمِّي الطريق لَقَماً ومُلْتَقِماً لأنه يلتقِمُ سالكه أو يلتقمُه سَالِكُه .
وأصلُه السينُ ، وإنما أُبدلَتْ صاداً لأجل حرف الاستعلاء وإبدالُها صاداً مطردٌ عنده نحو : صَقَر في سَقَر ، وصُلْح في سُلْح، وإصْبَع في اسبَع ، ومُصَيْطِر في مُسَيْطر ، لما بينهما من التقارب .
والصِّراطُ يُذَكَّر ويؤنَّث ، فالتذكيرُ لغة تميم ، وبالتأنيث لغة الحجاز ، فإنْ استُعْمل مذكَّراً جُمِعَ في القلة على أَفْعِلة ، وفي الكثرة على فُعُل ، نحو : حِمار وأَحْمِرة وحُمُر ، وإن استعمل مؤنثاً فقياسُه أَن يُجْمع على أَفْعُل نحو: ذِراع وأَذْرُع . والمستقيم: اسم فاعل من استقام بمعنى المجرد ، ومعناه السويُّ من غير اعوجاج وأصله : مُسْتَقْوِم ، ثم أُعِلَّ كإعلالِ نَسْتعين .
صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ
قوله تعالى: {صِرَاطَ الذين} بدلٌ منه بدلُ كلٍ من كل ، وهو بدلُ معرفةٍ من معرفة .
وقيل: إن الصراطَ الثاني غيرُ الأول والمرادُ به العِلْمُ بالله
تعالى و"الذين" في محلِّ جرٍّ بالإِضافة ، وهو اسمٌ موصولٌ ، المشهورُ فيه أن يكون بالياء رفعاً ونصباً وجراً .
وأَنْعَمْتَ : فعلٌ وفاعلٌ صلةُ الموصول ، والتاءُ في " أنعمتَ" ضميرُ المخاطبِ ضميرٌ متصل مرفوعٌ . و"عليهم" جارٌّ ومجرور متعلقٌ بأَنْعمت .
و"على" حرف استعلاء حقيقةً أو مجَازاً ، نحو : عليه دَيْنٌ ، ولها معانٍ أُخَرُ ، منها: المجاوزة كقولك: رَضِيَتْ عليَّ أمي ، أي: عني ، وتأتي بمعنى الباء كما في قوله تعالى {حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لاَّ أَقُولَ} أي بأَنْ لا أقول ، وبمعنى في ، كما في قوله جل وعلا {.. مَا تَتْلُواْ الشياطين على مُلْكِ سُلَيْمَانَ} أي: في ملك ، والمصاحبة نحو قوله سبحانه : {وَآتَى المال على حُبِّهِ ذَوِي القربى ..} والتعليل نحو قوله جل شأنه:{وَلِتُكَبِّرُواْ الله على مَا هَدَاكُمْ} أي: لأجل هدايته إياكم وبمعنى مِنْ:{والذين هم لفروجهم حَافِظُونَ * إِلاَّ على أَزْوَاجِهِمْ} أي : إلا من أزواجهم ، وهي مترددةٌ بين الحرفية والاسمية ، فتكونُ اسماً كقولك : نزل فلان مِنْ على السطح ومعناها من فوقه .
وفي "عليهم" عشر لغات قُرئ ببعضها : عليهِمْ الهاء وضمِّها مع سكون الميم ، عليهِمي ، عَلَيْهُمُ ، عليهِمُو : بكسر الهاء وضم الميم بزيادة الواو ، عليهُمي بضم الهاء وزيادة ياء بعد الميم أو بالكسر فقط ، عليِهِمُ بكسر الهاء وضم الميم .
و"غيرِ" بدلٌ من « الذين » بدلُ نكرة من معرفة . و"المغضوب" خفضٌ بالإِضافةِ ، وهو اسمُ مفعول ، والقائمُ مقامَ الفاعلِ الجارُّ والمجرور فـ "عَليهم" الأولى منصوبةُ المحلِّ والثانيةُ مرفوعتُه ، وأَلْ فيه موصولةٌ والتقديرُ : غيرِ الذين غُضِبَ عليهم. والصحيحُ في ألْ الموصولة أنها اسمٌ لا حرفٌ .
و"غير" مفردٌ مذكرٌ أبداً ، إلا أنه إنْ أريد به مؤنثٌ جاز تأنيثُ فعلِه المسندِ إليه ، تقول: قامت غيرُك ، وأنت تعني امرأة .
وقرئ " غيرَ " نصباً ، على أنها حالٌ للذين ، وقيل هو نصبٌ على الاختصاص والمعنى أخصُّ أو أعنى غيرَ .
وَلاَ الضآلين " لا " زائدةٌ لتأكيد معنى النفي المفهومِ من "غير " لئلا يُتَوَهَّم عَطْفُ "الضالِّين" على {الذين أَنْعَمْتَ} و"الضَّالين" مجرورٌ عطفاً على " المغضوب " .
والإِنعام : إيصالُ الإِحسان إلى الغير ، ولا يُقال إلا إذا كان الموصَلُ إليه الإِحسانُ من العقلاءِ ، فلا يقال : أَنْعم فلانٌ على فرسِه ولا حماره .
والغضبُ: ثَورَان دم القلب إرادَة الانتقامِ ، ومنه قولُه عليه
الصلاة والسلام: اتقوا الغضبَ فإنه جَمْرةٌ تُوقَدُ في قلب ابن آدم، ألم تَرَوْا إلى انتفاخ أَوْداجه وحُمْرةِ عينيه ، وإذا وُصف به
الباري تعالى فالمرادُ به الانتقام لا غيره .
والضَّلال:الخَفاءُ والغَيْبوبةُ ، وقيل: الهَلاك ، وقيل: الضلالُ:
العُدول عن الطريق المستقيم ، وقد يُعَبَّر به عن النسيان كقوله
تعالى:{أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا .. } .
"آمين" ليست من القرآن إجماعاً ، ومعناها: استجِبْ ، فهي اسمُ فعلٍ مبنيٌ على الفتحِ ، وقيل : ليس باسم فِعْل ، بل هو من أسماءِ الباري تعالى والتقدير:يا آمين،وفي آمين لغتان:المدُّ والقصرُ.
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (1) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (3) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (4) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (5) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ (6) غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ (7)
وهي مكية على قول الأكثرين. وقال مجاهد: مدنيّة وقيل : نزلت مرتين مرة بمكة ومرة بالمدينة ولذلك سميت مثاني ، والأصح أنها مكيّة ، لأنّ الله تعالى مَنَّ على الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله في سورة الحُجُر الآية 87: (( ولقد آتيناك سبعاً من المثاني )) والمراد منها فاتحة الكتاب وسورة الحجر مكية فلم يكن ليمنّ عليه بها قبل نزولها ، وقد تقدم الكلام في عدد آياتها .
ومن أسمائها: فاتحةُ الكتاب، وأمُّ القرآن ، والسبعُ المَثاني وتسمى سورة الحمد لله ، والواقية ، والشافية .
ويقال لها أيضا: أمّ الكتاب عند الجمهور، وكره بعضهم تسميتها بذلك لأن أم الكتاب هو اللوح المحفوظ ، أو هي الآيات المحكمات لقوله تعالى: (( .. آيات محكمات هن أم الكتاب وأُخَرُ متشابهات )) وقد ثبت في الحديث الصحيح عند الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( الحمد لله أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني والقرآن العظيم )) ويقال لها : الحمد ، ويقال لها : الصلاة ، لقوله عليه الصلاةُ والسلام عن ربه فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه ، قال : (( يقول الله عز وجل قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، فإذا قال بسم الله الرحمن الرحيم ، قال الله تعالى: مجّدني عبدي وإذا قال : الحمد لله رب العالمين قال الله حَمِدني عبدي وإذا قال : الرحمن الرحيم ، قال : أثنى عليَّ عبدي فإذا قال : مالك يوم الدين قال الله تعالى : فوض إليَّ عبدي وإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين قال الله تعالى: هذا بيني وبين عبدي ، وإذا قال : اهدنا الصراط المستقيم قال الله تعالى : هذا لعبدي ولعبدي ما سأل )) . وسميت الفاتحة: صلاة؛ لأنها شرط فيها. على قول بعض المذاهب ، ويقال لها: الشفاء؛ لما رواه الدارمي عن أبي سعيد مرفوعا: (( فاتحة الكتاب شفاء من كل سم )) . ويقال لها:الرقية؛ لحديث أبي سعيد في الصحيح حين رقى بها الرجل السليمَ ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( وما يدريك أنها رقية؟ )) . وروى الشعبي عن ابن عباس أنه سماها: أساس القرآن، قال: فأساسها بسم الله الرحمن الرحيم، وسماها سفيان بن عيينة: الواقية. وسماها يحيى بن أبي كثير: الكافية؛ لأنها تكفي عما عداها ولا يكفي ما سواها عنها، ويقال لها الكنز .
{الحمدُ لله} الحمد في كلام العرب معناه : الثناء الكامل ، والألف واللام لاستغراق الجنس ، فهو ـ سبحانه ـ يستحق الحمد بأجمعِه ، والثناء المطلق . والحمدُ نقيضُ الذمِّ . وهو أعمُّ من الشكر ، لأن الشكرَ يكون مقابلَ النِعمةِ بخلاف الحمد ، تقول : حَمَدْتُ الرجلَ على شجاعتِه ، وعلى عِلمِه ، وتقول : شكرتُه على إحسانِه . والحمدُ يكون باللسان ، وأمّا الشكرُ فيكون بالقلب ، واللسان .
وقال بعض العلماء: إن الحمدَ أعمَّ من الشكر ، لأنَّ الحمدَ
تعظيمُ الفاعل لأجل ما صدر عنه من الإِنعام . سواءٌ أكان ذلك الإِنعام واصلاً إليك أو إلى غيرك . وأما الشكر فهو عبارة عن تعظيمه لأجل إنعام وصل إليك .
والحمدُ للَّهِ بضمّ الدال على الابتداء ، وخبره فيما بعده . وقيل : على التقديم والتأخير ، أي لله الحمد .
وإذا وقع الجارُّ والمجرورُ والظرفُ صلةً أو صفةً أو حالاً أو خبراً تعلقا بمحذوفٍ .
وذلك المحذوفُ إن شئتَ قدَّرْتَه اسماً وهو المختار،وإنْ شئتَ قدَّرْتَه فِعْلاً ، أي : الحمدُ مستقرٌّ لله أو استقرَّ لله .
وقيل : بنصب الدال على الإضمار ، أي أحمدُ الحمدَ؛ لأنَّ الحمد مصدرٌ لا يُثنّى ولا يجمع .
و" لله " على قراءة النصب يتعلَّق بمحذوفٍ لا بالمصدرِ لأنها
للبيان تقديره: أَعْنِي لله .
وقراءةُ الرفع أَمْكَنُ وأَبْلَغُ من قراءة النصب ومن قراءة الكسر، لأنَّ الرفعَ في بابِ المصادر التي أصلُها النيابةُ عن أفعالها يَدُلُّ على الثبوتِ والاستقرارِ بخلافِ النصب فإنه يَدُلُّ على التجدُّدِ والحدوثِ .
وقُرئ أيضاً بكسرِ الدال ، ووجهُه أنها حركةُ إتباعٍ لكسرةِ
لامِ الجر بعدها، وهي لغة تميم وبعضِ غَطَفانَ ، يُتْبِعُون الأول للثاني للتجانس، من ذلك قول الشاعر:
وَيْلِمِّها في هواءِ الجَوِّ طالبةً .. ولا كهذا الذي في الأرض مطلوبٌ
الأصل: ويلٌ لأُِمها، فَحَذَفَ اللامَ الأولى، واستثقل ضمَّ الهمزةِ بعد الكسرة، فَنَقَلها إلى اللام بعد سَلْب حركتها،وحَذَفَ الهمزةَ، ثم أَتْبع اللامَ الميمَ ، فصار اللفظ : وَيْلِمِّها .
وقُرئ أيضاً:"لُلَّهِ" بضمِّ لامِ الجرِّ، وهي إتْباعٌ لحركة الدالِ ، وقد فضَّلها الزمخشري على قراءة كسر الدال معتلاً لذلك بأنَّ إتباع حركة البناء لحركة الإِعراب أحسنُ من العكس وهي لغةُ بعضِ قيس .
{لله} قيل إن اللام ـ حرف جر للاستحقاق أي الحمدُ مستحقٌ لله ، ولها معانٍ أُخَرُ ، منها الملك ، نحو : المالُ لزيد ، والتمليك نحو:{جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً}والنَسَبُ نحو:لزيد عَمُّ، والتعليلُ نحو: لِتَحْكُمَ بَيْنَ الناس بالحق، والتبليغ نحو: قلتُ لك كذا، والتعجبُ ويكون في القسم خاصّة، كقول الشاعر:
للهِ يَبْقى على الأيام ذو حِيَدٍ .......... بمُشْمَخِرٍّ به الظَّيَّانُ والآسُ والتبيين نحو: قوله تعالى:{هَيْتَ لَكَ} والصيرورةُ نحو قوله تعالى: {لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً} والظرفية: إمَّا بمعنى في، كقوله تعالى: {وَنَضَعُ الموازين القسط لِيَوْمِ القيامة} أو بمعنى عِنْد، كقولهم: كتبتُ الكتابَ لخمسٍٍ، أي عند خمس، أو بمعنى بَعْدَ، كقوله تعالى: {أَقِمِ الصلاة لِدُلُوكِ الشمس} أي: بعد دلوكها،والانتهاء، كقوله تعالى:{كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ} والاستعلاء نحو قوله تعالى :{وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سجّداً} أي على الأذقان .
{رَبِّ العالمين}الربُّ لغةً: السيِّدُ والمالك والمعبود، والمُصْلِح.
واختلف فيه: هل هو في الأصل وصفٌ أو مصدرٌ؟ فمنهم مَنْ قال: هو وصفٌ ثم اختلف هؤلاء في وزنه، فقيل: هو على وزن فَعَل كقولك: نَمَّ يَنُمُّ فهو نَمٌّ، وقيل: وزنه فاعِل، وأصله رابٌّ، ثم حُذفت الألف لكثرةِ الاستعمال،كقولهم:رجل بارٌّ وبَرٌّ.
ومنهم من قال:هو مصدَر ربَّهُ يَرُبُّه رَبَّاً أي مَلَكَه،فهو مصدَرٌ في معنى الفاعل نحو: رجل عَدْلٌ وصَوم، ولا يُطلق على غير الباري تعالى إلا بقيدِ إضافة نحو قوله تعالى:{ارجع إلى رَبِّكَ} ويقولون: هو ربُّ الدار وربُّ الإبل .
وقراءةُ الجمهور مجروراً على النعت "لله" أو البدل منه، وقُرئ منصوباً، وتقديره:أَحْمَدُ ربَّ العالمين،وقُرئ مرفوعاً فيكون خبراً لمبتدأ محذوفٍ أي هو ربُّ .
والعالمين: خفضٌ بالإِضافةِ،علامةُ خفضِه الياءُ لجريانه مَجْرى جمعِ المذكرِ السالمِ ، وهو اسمُ جمع لأن واحدَه من غير لفظِه ، ولا يجوز أن يكونَ جمعاً لعالَم، لأنَّ الصحيحَ في "عالَم" أنه يُطلَقُ على كلِّ موجودٍ سوى الباري تعالى، لاشتقاقِه من العَلامة بمعنى أنه دالٌّ على صانعه، وعالَمون بصيغة الجمع لا يُطلق إلا على العقلاء دونَ غيرهم، فاستحالَ أن يكونَ عالَمون جمع عالَم؛ لأن الجمع لا يكون أخصَّ من المفرد، ونقل عن ابن عباس رضي الله عنهما أن "عالَمين" جُمع جمع لأنَّ المرادَ به الملائِكةُ والجنُّ والإِنسُ .
وقيل العالمون: أهل الجنة وأهل النار. وقيل: هو عبارة عن جميع المخلوقات، واحتجوا بقوله:{قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ العالمين* قَالَ رَبُّ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا..} واشتقاقه من "العلم" و"العلامة" لظهورهم ولظهور أثر الصنعة فيهم .
{الرحمن الرحيم} نعت أو بدل ، وقُرئا منصوبَيْنِ مرفوعَيْنِ، وقد ذكر تفصيل ذلك في البسملة .
{مالك يوم الدين} يجوز أن يكونَ صفةً أيضاً أو بَدَلاً ، وإن
كان البدلُ بالمشتقِّ قليلاً، وهو مشتقٌّ من المَلْك "بفتح الميم " وهو الشدُّ والربط .
وقُرئ "مالِك" بالألف ، يقال : مَلِكٌ بَيِّنُ المُلْكِ بضم الميم ، ومالكٌ بيِِّنُ المَِلْكِ بفتح الميم وكسرها ، فالمفتوحُ منها يعني الشدَّ والربطَ،والمضمومُ يعني القهرَ والتسلُّطَ على من تكون منه الطاعة سواء أكان هذا التسلط باستحقاقٍ أو بغير استحقاق، والمكسورُ هو التسلطُ على المَطيعة وغيره، ولا يكونُ إلا باستحقاق والمِلْك ـ أي بالكسر ـ كالجنس للمُلْك ـ أي بالضم ـ فكل مِلْك ـ بالكسر ـ مُلك ، وليس كل مُلك مِلكاً، فعلى هذا يكون بينهما عمومٌ وخصوصٌ مطلقٌ، وبهذا يُعرف الفرقُ بين مَلِك ومالِك، فإن مَلِكاً مأخوذ من المُلْك بالضم ، ومالِكاً مأخوذ من المِلْك بالكسر ، والقراءتان متواتراتان ، وقد صحّ اتصافِ الربِّ تعالى بهما.
ثم إنَّ الزيادةَ في البناءِ تدلُّ على الزيادةِ في المعنى وإنَّ ثوابَ
تالِيها أكثرُ من ثواب تالي "مَلِك" كما أنَّ "مالِك" أَبْلَغُ في مدح
الخالق سبحانه .
وإضافةُ "مالك أو مَلِك"إلى يوم الدين من باب الاتِّساع ، إذ متعلَّقُهما غيرُ "يوم" والتقدير: مالكِ الأمرِ كله يومَ الدين . وهناك مَنْ قرأ :{مَلَكَ يومَ الدينِ} فجعلها جملة فعليّة .
والدِّيْنِ : مضافٌ إليه، ودانَ عصى وأطاع ،وذلَّ وعزَّ، فهو من الأضداد . والدين : القضاءُ أيضاً ، ومنه قوله تعالى : { وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ الله} أي في قضائِه وحكمه ، والدين : الحالُ ، سُئل بعضُ الأعراب فقال : لو كنتُ على دِينٍ غيرِ هذه لأَجَبْتُكَ أي : على حالة غير هذه الحالة . والدينُ الداءُ: ومنه قول الشاعر :
يا دينَ قلبِك مِن سَلْمى وقد دِينا . . . . . . . . .
ويقال: دِنْتُه بفعلِه أَدِينُه دَيْناً ودِيناً - بفتح الدال وكسرها في المصدر - أي جازَيْتُه. والدِّينُ أيضاً الطاعةُ ومنه:{وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً} أي : طاعةً ، ويستعار للمِلَّة والشريعةِ أيضاً ، قال تعالى : {أَفَغَيْرَ دِينِ الله يَبْغُونَ}يعني الإِسلام، بدليل قوله تعالى:{وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} . والدِّينُ: سيرة المَلِك ، قال زهير بن أبي سلمى :
لَئِنْ حَلَلْتَ بجوٍّ في بني أسَدٍ ... في دينِ عمروٍ وحالَتْ بينَنَا فَدَكُ
يقال : دِينَ فلان يُدانُ إذا حُمِل على مكروهٍ ، ومنه قيل للعبدِ ، مَدين ولِلأمَةِ مَدِينة . وقيل : هو من دِنْتُه إذا جازيته بطاعته ، وجَعَل بعضُهم المدينةَ من هذا الباب .
{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} " إياك " مفعولٌ مُقدَّمٌ على " نَعْبُدُ " ، قُدِّم للاختصاصِ وقالوا بأنّه ضميرٌ واختلفوا فيه على أربعةِ أقوال، أحدُها : أنه كلَّه ضميرٌ . والثاني: أن: "إيَّا" وحدَه ضميرٌ وما بعده اسمٌ مضافٌ إليه، وثالثُها: أن "إيَّا" وحدَه ضميرٌ وما بعدَه حروفُ تُبَيِّنُ ما يُراد به . ورابعها: أنَّ "إيَّا" عمادٌ وما بعده هو الضمير .
و" إياك " بالتخفيف معناه شمسَك ، فإنَّ إياةَ الشمس ضَوْءُها بكسر الهمزة ، وقد تُفتح ، وقيل : هي لها بمنزلة الهالة للقمر ، فإذا حَذَفْتَ التاءَ مَدَدْتَ ، قال الشاعر :
سَقَتْه إياةُ الشمسِ إلاَّ لِثاتِه ... أُسِفَّ فلم تَكْدِمْ عليه بإثْمِدِ
ونعبُدُ: فعلٌ مضارع مرفوع لتجرده من الناصب والجازم ، وقيل: لوقوعِه موقعَ الاسم، وهذا رأيُ البصريين، ومعنى المضارعِ المشابِهُ ، يعني أنه أشْبَه الاسمَ في حركاتِهِ وسَكَناتِهِ وعددِ حروفِهِ، ألا ترى أنَّ ضارباً بزنة يَضْرب فيما ذَكَرْتُ لك وأنه يَشِيع ويختصُّ في الأزمان ، كما يشيعُ الاسمُ ويختصُّ في الأشخاصِ ، وفاعلُه مستترٌ وجوباً .
والعِبادة غاية التذلل ، ولا يستحقُّها إلا مَنْ له غايةُ الإِفضالِ وهو الباري تعالى ، فهي أبلغُ من العبودية ، لأنَّ العبوديةَ إظهارُ التذلل ويقال : طريق مُعَبَّد ، أي مذلَّل بالوطء .
ومنه : العبدُ لذلَّته ، وبعيرٌ مُعَبَّد : أي مُذَلَّل بالقَطِران .
وقيل: العبادةُ التجرُّدُ ، ويُقال : عَبَدْت الله بالتخفيف فقط، وعَبَّدْتُ الرجلَ بالتشديد فقط : أي ذَلَّلته أو اتخذتُه عبداً .
وفي قوله تعالى:{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ} التفاتٌ من الغَيْبة إلى الخطاب، والالتفاتُ : أحد فنون البلاغة في الأدب العربي .
و" إيَّاك " واجبُ التقديمِ على عاملهِ ، لأنَّ القاعدةَ أن المفعولَ به إذا كان ضميراً وَجَب تقديمُه .
والكلام في " إياك نَسْتعين " كالكلام في " إياك نعبدُ " والواو عاطفة .
وأصل نَسْتعين: نَسْتَعْوِنُ مثل نَسْتَخْرِجُ في الصحيحِ،لأنه من العَوْنِ، فاستُثْقِلت الكسرةُ على الواو ، فنُقِلَت إلى الساكن قبلها، فَسَكَنت الواوُ بعد النقلِ وانكسر ما قبلها فَقُلِبَتْ ياءً . وهذه قاعدةٌ مطردَة ، نحو: ميزان ومِيقات وهما من الوَزْن والوَقْت .
والسينُ فيه معناها الطلبُ ، أي : نطلب منك العَوْنَ على العبادة ، وهو أحدُ المعاني التي لـ استفعل ، وله معانٍ أُخَرُ : الاتخاذُ نحو : استعْبَدَه أي : اتخذه عبداً ، والتحول نحو : استحْجَرَ
الطينُ أي : صار حَجَراً .
وقرئ "نِسْتعين" بكسر حرفِ المضارعةِ ، وهي لغةٌ مطردةٌ في حروف المضارعة ، وذلك بشرطِ ألاَّ يكونَ حرفُ المضارعة ياء ، لثقلِ ذلك . على أن بعضهم قال : يِيجَل مضارع وَجِلَ ، وكأنه قصدَ إلى تخفيفِ الواو إلى الياء فَكَسر ما قبلها لتنقلبَ ، وقد قرئ:{فإنهم يِيْلمونَ} .
والاستعانة: طلبُ العَوْن ، وهو المظاهَرَةُ والنُّصْرَةُ ، وقَدَّم العبادةَ على الاستعانة لأنها وَصْلَةٌ لطلب الحاجة ، وأطلق كُلاًّ من فِعْلي العبادة والاستعانة فلم يَذْكر لهما مفعولاً ليتناولا كلَّ معبودٍ به وكلَّ مستعانٍ ، عليه ، أو يكونُ المراد وقوع الفعل من غير نظرٍ إلى مفعولٍ نحو : {كُلوا واشربوا} أي افعلوا هذين الفعلينِ.
اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ
{ اهدنا الصراط } إلى آخرها اهْدِ : صيغةُ طلب ومعناها الدعاءُ ، وهذه الصيغةُ تَرِدُ لمعانٍ كثيرةٍ فإذا وَرَدَتْ صيغة افعَلْ من الأعلى للأَدنى قيل فيها أمرٌ ، وبالعكس دعاءٌ ، وهي من المساوي التماسٌ . وفاعلُه مستترٌ وجوباً أي : اهدِ أنت ، و "ن" مفعول أول، وهو ضميرٌ متصلٌ يكونُ للمتكلم مع غيرِه أو المعظِّم نفسَه، ويستعملُ في موضع الرفع والنصب والجر بلفظٍ واحدٍ نحو: قُمنَا وضرَبَنَا زيدٌ وَمَرَّ بنا. والصراطَ: مفعول ثان ، والمستقيمَ : صفةٌ للصراط.
وأصل "هَدَى" أن يتعدى إلى الأول بنفسه وإلى الثاني بحرفِ الجر وهو إمَّا : إلى أو اللام ، كقوله تعالى :{ وَإِنَّكَ لتهدي إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} {يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} ثم يُتَّسَعُ فيه ، فيُحذَفُ الحرفُ الحرفُ فيتَعَدَّى بنفسِه ، فأصلُ اهدِنا الصراط: اهدنا للصراط أو إلى الصراطِ، ثم حُذِف .
والهدايةُ: الإِرشادُ أو الدلالةُ ، كما تأتي بمعنى التقدم أيضاً ، ومنه هَوادِي الخيل لتقدُّمِها . وتأتي كذلك بمعنى التبيين نحو:{وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} أي بَيَّنَّا لهم ، أو الإِلهامُ ، نحو:{أعطى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هدى} أي ألهمه لمصالِحه ، أو الدعاءُ كقوله تعالى: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ } أي داعٍ . والهدايةُ دَلالةٌ بلطفٍ ومنه الهَدِيَّةُ وهَوادي الوحش أي المتقدِّماتُ الهاديةُ لغيرها .
والصراطُ:الطريقُ المُسْتَسْهَل، وبعضُهم لا يقيِّدُه بالمستسهلِ، وهو مشتقٌّ من السِّرْطِ، وهو الابتلاعُ : إمَّا لأن سالكه يَسْتَرِطه أو لأنه يَسْتَرِط سالكَه ، ألا ترى إلى قولهم : قَتَلَ أرضاً عالِمُها وقتلت أرضٌ جاهلَهَا ؟ وبهذين الاعتبارين قال أبو تمام :
رَعَتْه الفيافي بعدما كان حِقْبةً ... رعاها وماءُ المُزْنِ يَنْهَلُّ ساكِبُهْ
وعلى هذا سُمِّي الطريق لَقَماً ومُلْتَقِماً لأنه يلتقِمُ سالكه أو يلتقمُه سَالِكُه .
وأصلُه السينُ ، وإنما أُبدلَتْ صاداً لأجل حرف الاستعلاء وإبدالُها صاداً مطردٌ عنده نحو : صَقَر في سَقَر ، وصُلْح في سُلْح، وإصْبَع في اسبَع ، ومُصَيْطِر في مُسَيْطر ، لما بينهما من التقارب .
والصِّراطُ يُذَكَّر ويؤنَّث ، فالتذكيرُ لغة تميم ، وبالتأنيث لغة الحجاز ، فإنْ استُعْمل مذكَّراً جُمِعَ في القلة على أَفْعِلة ، وفي الكثرة على فُعُل ، نحو : حِمار وأَحْمِرة وحُمُر ، وإن استعمل مؤنثاً فقياسُه أَن يُجْمع على أَفْعُل نحو: ذِراع وأَذْرُع . والمستقيم: اسم فاعل من استقام بمعنى المجرد ، ومعناه السويُّ من غير اعوجاج وأصله : مُسْتَقْوِم ، ثم أُعِلَّ كإعلالِ نَسْتعين .
صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ
قوله تعالى: {صِرَاطَ الذين} بدلٌ منه بدلُ كلٍ من كل ، وهو بدلُ معرفةٍ من معرفة .
وقيل: إن الصراطَ الثاني غيرُ الأول والمرادُ به العِلْمُ بالله
تعالى و"الذين" في محلِّ جرٍّ بالإِضافة ، وهو اسمٌ موصولٌ ، المشهورُ فيه أن يكون بالياء رفعاً ونصباً وجراً .
وأَنْعَمْتَ : فعلٌ وفاعلٌ صلةُ الموصول ، والتاءُ في " أنعمتَ" ضميرُ المخاطبِ ضميرٌ متصل مرفوعٌ . و"عليهم" جارٌّ ومجرور متعلقٌ بأَنْعمت .
و"على" حرف استعلاء حقيقةً أو مجَازاً ، نحو : عليه دَيْنٌ ، ولها معانٍ أُخَرُ ، منها: المجاوزة كقولك: رَضِيَتْ عليَّ أمي ، أي: عني ، وتأتي بمعنى الباء كما في قوله تعالى {حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لاَّ أَقُولَ} أي بأَنْ لا أقول ، وبمعنى في ، كما في قوله جل وعلا {.. مَا تَتْلُواْ الشياطين على مُلْكِ سُلَيْمَانَ} أي: في ملك ، والمصاحبة نحو قوله سبحانه : {وَآتَى المال على حُبِّهِ ذَوِي القربى ..} والتعليل نحو قوله جل شأنه:{وَلِتُكَبِّرُواْ الله على مَا هَدَاكُمْ} أي: لأجل هدايته إياكم وبمعنى مِنْ:{والذين هم لفروجهم حَافِظُونَ * إِلاَّ على أَزْوَاجِهِمْ} أي : إلا من أزواجهم ، وهي مترددةٌ بين الحرفية والاسمية ، فتكونُ اسماً كقولك : نزل فلان مِنْ على السطح ومعناها من فوقه .
وفي "عليهم" عشر لغات قُرئ ببعضها : عليهِمْ الهاء وضمِّها مع سكون الميم ، عليهِمي ، عَلَيْهُمُ ، عليهِمُو : بكسر الهاء وضم الميم بزيادة الواو ، عليهُمي بضم الهاء وزيادة ياء بعد الميم أو بالكسر فقط ، عليِهِمُ بكسر الهاء وضم الميم .
و"غيرِ" بدلٌ من « الذين » بدلُ نكرة من معرفة . و"المغضوب" خفضٌ بالإِضافةِ ، وهو اسمُ مفعول ، والقائمُ مقامَ الفاعلِ الجارُّ والمجرور فـ "عَليهم" الأولى منصوبةُ المحلِّ والثانيةُ مرفوعتُه ، وأَلْ فيه موصولةٌ والتقديرُ : غيرِ الذين غُضِبَ عليهم. والصحيحُ في ألْ الموصولة أنها اسمٌ لا حرفٌ .
و"غير" مفردٌ مذكرٌ أبداً ، إلا أنه إنْ أريد به مؤنثٌ جاز تأنيثُ فعلِه المسندِ إليه ، تقول: قامت غيرُك ، وأنت تعني امرأة .
وقرئ " غيرَ " نصباً ، على أنها حالٌ للذين ، وقيل هو نصبٌ على الاختصاص والمعنى أخصُّ أو أعنى غيرَ .
وَلاَ الضآلين " لا " زائدةٌ لتأكيد معنى النفي المفهومِ من "غير " لئلا يُتَوَهَّم عَطْفُ "الضالِّين" على {الذين أَنْعَمْتَ} و"الضَّالين" مجرورٌ عطفاً على " المغضوب " .
والإِنعام : إيصالُ الإِحسان إلى الغير ، ولا يُقال إلا إذا كان الموصَلُ إليه الإِحسانُ من العقلاءِ ، فلا يقال : أَنْعم فلانٌ على فرسِه ولا حماره .
والغضبُ: ثَورَان دم القلب إرادَة الانتقامِ ، ومنه قولُه عليه
الصلاة والسلام: اتقوا الغضبَ فإنه جَمْرةٌ تُوقَدُ في قلب ابن آدم، ألم تَرَوْا إلى انتفاخ أَوْداجه وحُمْرةِ عينيه ، وإذا وُصف به
الباري تعالى فالمرادُ به الانتقام لا غيره .
والضَّلال:الخَفاءُ والغَيْبوبةُ ، وقيل: الهَلاك ، وقيل: الضلالُ:
العُدول عن الطريق المستقيم ، وقد يُعَبَّر به عن النسيان كقوله
تعالى:{أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا .. } .
"آمين" ليست من القرآن إجماعاً ، ومعناها: استجِبْ ، فهي اسمُ فعلٍ مبنيٌ على الفتحِ ، وقيل : ليس باسم فِعْل ، بل هو من أسماءِ الباري تعالى والتقدير:يا آمين،وفي آمين لغتان:المدُّ والقصرُ.
رد: تفسير الذكر الحكيم: (سورة الفاتحة)
جزاكم الله خيرا
وفتح عليكم فتوح العارفين
لإثرائكم منتدانا بتفسير الذكر الحكيم
وهل من شيء أعظم من كلام الله حتى يفسر!!!!
نحن بانتظار تفسير القران الكريم متسلسلا لو تكرمتم فلا تبخلوا علينا
ألا يقولون الطمع في الدين
وفتح عليكم فتوح العارفين
لإثرائكم منتدانا بتفسير الذكر الحكيم
وهل من شيء أعظم من كلام الله حتى يفسر!!!!
نحن بانتظار تفسير القران الكريم متسلسلا لو تكرمتم فلا تبخلوا علينا
ألا يقولون الطمع في الدين
ارمناز معشوقة القمر- أرمنازي مميز
- عدد المساهمات : 1370
نقاط : 1824
السٌّمعَة : 47
تاريخ التسجيل : 25/06/2011
العمر : 45
الموقع : الإمارات العربية * دبي *
رد: تفسير الذكر الحكيم: (سورة الفاتحة)
جزاكم الله كل خير وأخذ بيدكم لما يحب ويرضى ، شكراً يا معشوقة القمر
مواضيع مماثلة
» فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة الفاتحة
» فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة الفاتحة الآية:2
» فيض العليم. من معاني الذكر الحكيم سورة الفاتحة الاية3
» فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة الفاتحة الآية:4
» فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة الفاتحة الآية:5
» فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة الفاتحة الآية:2
» فيض العليم. من معاني الذكر الحكيم سورة الفاتحة الاية3
» فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة الفاتحة الآية:4
» فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة الفاتحة الآية:5
منتدى مدينة أرمناز العام :: المنتدى الخاص بشاعر أرمناز الكبير الأستاذ عبدالقادر الأسود :: البحوث والدراسات والمقالات النثرية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء أكتوبر 01, 2019 11:34 am من طرف bassam1972
» شهادة الشاعر الكبير الأستاذ عبد القادر دياب مدير عام الملتقى الثقافي العربي
الجمعة سبتمبر 13, 2019 7:15 pm من طرف bassam1972
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 12
الجمعة يوليو 12, 2019 10:33 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 10
الخميس يوليو 11, 2019 10:54 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 9
الأربعاء يوليو 10, 2019 1:29 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 8
الأربعاء يوليو 10, 2019 10:41 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 6
الثلاثاء يوليو 09, 2019 4:24 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 5
الأحد يوليو 07, 2019 10:10 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 3
السبت يوليو 06, 2019 10:14 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 2
الجمعة يوليو 05, 2019 10:54 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكه، الآية: 1
الأربعاء يوليو 03, 2019 3:27 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف: تعريف
الثلاثاء يوليو 02, 2019 7:01 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 111
السبت يونيو 29, 2019 7:26 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 110
الخميس يونيو 27, 2019 10:38 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 109
الخميس يونيو 27, 2019 6:45 am من طرف عبد القادر الأسود