فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 77
منتدى مدينة أرمناز العام :: المنتدى الخاص بشاعر أرمناز الكبير الأستاذ عبدالقادر الأسود :: البحوث والدراسات والمقالات النثرية
صفحة 1 من اصل 1
فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 77
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْلا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ
مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً.
(77)
قولُه ـ تبارك وتعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ} كَانَ المُؤْمِنُونَ فِي بِدْءِ أَمْرِ الإِسْلاَمِ، فِي مَكَّةَ، مَأْمُورِينَ بِالصَّلاَةِ، وَالزَّكَاةِ، وَبِمُواسَاةِ الفُقَرَاءِ، وَكَانُوا مَأْمُورِينَ بِالعَفْوِ وَالصَّفْحِ عَنِ المُشْرِكِينَ، وَالصَّبْرِ إلَى حِينٍ، وَكَانُوا يَتَحَرَّقُونَ شَوْقاً إلَى القِتَالِ، وَيَتَمَنَّوْنَ لَوْ أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَمَرَهُمْ بِالقِتَالِ، لِيَنْتَصِفُوا مِنْ أَعْدَائِهِمْ، وَيَشْفُوا غَلِيلَهُمْ مِنْهُمْ، وَلَمْ يَكُنِ الحَالُ إذْ ذَاكَ مُنَاسِباً لِلْقِتَالِ لأَسْبَابٍ كَثِيرَةٍ: مِنْهَا قِلَّةُ عَدَدِهِمْ، وَمْنَهَا كَوْنُهُمْ فِي بَلَدٍ حَرَامٍ، لِذَلِكَ لَمْ يُؤْمَرُوا بِالجِهَادِ إلاَّ بَعْدَ أنْ خَرَجُوا إلى المَدِينَةِ، وَصَارَ لَهُمْ فِيها دَارُ مَنَعَةٍ وَأَنْصَارٌ. فقد أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَأَصْحَابًا لَهُ منهمُ المِقدادُ بنُ الأَسودِ الكِنْدِيُّ وقُدامةُ بنُ مَظعونٍ الجُمَحِيُّ وسعدٌ بْنُ أَبي وَقّاص كانوا وهم في مكَّةَ يتلقّوْن من مشركيها أذًى شديدًا فأَتَوُا النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بِمَكَّةَ فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، كُنَّا فِي عِزٍّ وَنَحْنُ مُشْرِكُونَ، فَلَمَّا آمَنَّا صِرْنَا أَذِلَّةً؟ فَقَالَ: ((إِنِّي أُمِرْتُ بِالْعَفْوِ فَلَا تُقَاتِلُوا القوم)). فلمَّا حَوَّلَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى الْمَدِينَةِ أَمَرَهُ بِالْقِتَالِ فَكَفُّوا، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ. وَقِيلَ إنَّ هَذِهِ الآيَةَ تَتَعَلَّقُ بِالأَنْصَارِ مِنَ الأَوْسِ وَالخَزْرَجِ، الذِينَ كَانَ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ دَائِمٌ قَبْلَ الإِسْلاَمِ، فَلَمَّا دَخَلُوا الإِسْلاَمَ أَلَّفَ اللهُ بَيْنَهُمْ، وَأَمَرَهُمْ بِكَفِّ أَيْدِيهِمْ عَنِ القِتَالِ وَالعُدْوَانِ، وَطَلَبَ إلَيْهِمْ إِقَامَةَ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ لِتَصْفُوَ نُفُوسُهُمْ، إلى أنِ اشْتَدَّتِ الحَاجَةُ إلى القِتَالِ لِدَفْعِ الأَذَى عَنِ المُسْلِمِينَ، فَفَرَضَ اللهُ القِتَالَ، فَكَرِهَهُ المُنَافِقُونَ منهم وَضُعَفَاءُ النفوسِ.
قَوْلهُ: {يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً} أَيْ يخشون مُشْرِكِي مَكَّةَ، فَهِيَ عَلَى مَا طُبِعَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ مِنَ الْمَخَافَةِ لَا عَلَى الْمُخَالَفَةِ. قَالَ السُّدِّيُّ: هُمْ قَوْمٌ أَسْلَمُوا قَبْلَ فَرْضِ الْقِتَالِ فَلَمَّا فُرِضَ كَرِهُوهُ. وَقِيلَ: هُوَ وَصْفٌ لِلْمُنَافِقِينَ، وَالْمَعْنَى يَخْشَوْنَ الْقَتْلَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ كَمَا يَخْشَوْنَ الْمَوْتَ مِنَ اللَّهِ. "أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً" أَيْ عِنْدَهُمْ وَفِي اعْتِقَادِهِمْ. وَهَذَا أَشْبَهُ بِسِيَاقِ الْآيَةِ.
قَوْلُه: {وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْلا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ} أَيْ هَلَّا أخَّرْتَنا إلى أجلٍ قريبٍ. وَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَصْدُرَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْ صَحَابِيٍّ كَرِيمٍ يَعْلَمُ أَنَّ الْآجَالَ مَحْدُودَةٌ وَالْأَرْزَاقَ مَقْسُومَةٌ، بَلْ كَانُوا لِأَوَامِرِ اللَّهِ مُمْتَثِلِينَ سَامِعِينَ طَائِعِينَ ـ رضي الله تعالى عنهم أجمعين ـ يَرَوْنَ الْوُصُولَ إِلَى الدَّارِ الْآجِلَةِ خَيْرًا مِنَ الْمُقَامِ فِي الدَّارِ الْعَاجِلَةِ، عَلَى مَا هُوَ مَعْرُوفٌ مِنْ سِيرَتِهِمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَائِلُهُ مِمَّنْ لَمْ يَرْسَخْ فِي الْإِيمَانِ قَدَمُهُ، وَلَا انْشَرَحَ بِالْإِسْلَامِ صَدرُهُ، فَإِنَّ أَهْلَ الْإِيمَانِ مُتَفَاضِلُونَ فَمِنْهُمُ الْكَامِلُ وَمِنْهُمُ الأقلُّ كمالاً والنَّاقِصُ الإيمان، وَهُوَ الَّذِي تَنْفِرُ نَفْسُهُ عَمَّا يُؤْمَرُ بِهِ فِيمَا تَلْحَقُهُ فِيهِ الْمَشَقَّةُ وَتُدْرِكُهُ فِيهِ الشِّدَّةُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ} متاعُ الدنيا مَنفَعتُها والاستمتاعُ
بَلَذَّاتِها وَسَمَّاهُ قَلِيلًا لِأَنَّهُ لَا بَقَاءَ لَهُ.
قولُه تعالى: {إِذَا فَرِيقٌ منهم يَخْشَون} إذا: هنا الفُجائيَّةٌ، ظرفُ مكانٍ، جوابٌ لـ "لَمَّا" في قولِهِ "فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ"، وعلى هذا فهي خبرٌ مُقدَّمٌ، و"فريق" مبتدأٌ مؤخَّرٌ، و"منهم" صفةٌ لـ "فريق"، وكذلك "يَخْشَون"، ويجوزُ أَنْ يَكونَ "يخشون" حالاً من "فريق" لاختصاصِه بالوصفِ، والتقديرُ: "فبالحضرةِ فريقٌ كائنٌ منهم خاشون أو خاشين".
ويمكن أن يكونَ "فريقٌ" مبتدأً، و"منهم" صفتَه، وهو المُسوِّغُ للابتداءِ به، و"يَخْشَوْن" جملةٌ خبريَّةٌ وهو العاملُ في "إذا"، وعلى القولِ الأوَّلِ العاملُ فيها محذوفٌ على قاعدةِ الظروفِ الواقعةِ خبراً.
قولُه: {كَخَشْيَةِ اللهِ أو أشدَّ خشيةً} كخشيةِ الله: نعتُ مصدرٍ محذوفٍ، أي: خَشيَةً كَخَشْيَةِ اللهِ. والمُقرَّرُ مِن مذهبِ سِيبَوَيْهِ: أنَّها في محلِّ نصبٍ على الحالِ مِن ضميرِ الخَشْيَةِ المَحذوفِ، أي: يَخشونَها الناسَ، أي: يخشون الخشيةَ الناسَ مُشْبِهةً خَشيةَ الله. ويمكن أن تكون في محلِّ نصبٍ على الحالِ مِنَ الضميرِ في "يَخْشَوْن" أي: يَخْشَون الناسَ مثلَ أَهلِ خَشيَةِ اللهِ أي: مُشْبِهين لأهلِ خَشيةِ اللهِ أوْ أَشدَّ خَشيَةً أي: أشدَّ خشيةً مِن أهلِ خَشْيَةِ الله. و"أشدَّ" معطوف على الحال.
ويَجوزُ نصبُ "خشيةً" على وجهٍ آخَرَ وهو العطفُ على مَحَلِّ الكاف، ويَنتصِبُ "أشدَّ" حينئذٍ على الحالِ مِنْ "خشية" لأنَّه في الأصْلِ نعتُ نكرةٍ قُدِّمَ عليْها، والأصلُ: يَخشَوْنَ الناسَ مثلَ خشيةِ اللهِ أو خَشْيَةً أشدَّ منه. والمصدرُ مضافٌ إلى المفعولِ والفاعلُ محذوفٌ أي: كخشيتِهِمُ اللَّهَ. و"أو" تحتمِلُ الأوْجُهَ الخمسةَ أي أنها للتفصيلِ أو للإِبهام، أو للشَّكِّ، أو للإِباحة، أو للتخيير، ويَجوزُ أنْ تكونَ للتَنويع: يَعني أنَّ منهم مَنْ يَخشاهم كَخَشْيَةِ اللهِ، ومنهم مَنْ يَخشاهم أَشَدَّ خَشْيَةً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ.
قولُهُ: {لولا أخَّرْتَنا} لولا: تحضيضيَّةٌ. وقرأ ابْنُ كثيرٍ والأخَوانِ: "لا يُظْلَمون" بالغيبةِ جَرْيًا على الغائبين قبلَه، وقرأ الباقون بالخطاب الْتِفاتاً.
وقولُه: {فَتِيلاً} مفعولٌ ثانٍ لـ "تظللمون" أو صفةٌ لِمَصدَرٍ محذوفٍ، والتقدير: ولا تُظلمون ظلمًا فتيلًا، والأوّلُ أظهر.
مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً.
(77)
قولُه ـ تبارك وتعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ} كَانَ المُؤْمِنُونَ فِي بِدْءِ أَمْرِ الإِسْلاَمِ، فِي مَكَّةَ، مَأْمُورِينَ بِالصَّلاَةِ، وَالزَّكَاةِ، وَبِمُواسَاةِ الفُقَرَاءِ، وَكَانُوا مَأْمُورِينَ بِالعَفْوِ وَالصَّفْحِ عَنِ المُشْرِكِينَ، وَالصَّبْرِ إلَى حِينٍ، وَكَانُوا يَتَحَرَّقُونَ شَوْقاً إلَى القِتَالِ، وَيَتَمَنَّوْنَ لَوْ أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَمَرَهُمْ بِالقِتَالِ، لِيَنْتَصِفُوا مِنْ أَعْدَائِهِمْ، وَيَشْفُوا غَلِيلَهُمْ مِنْهُمْ، وَلَمْ يَكُنِ الحَالُ إذْ ذَاكَ مُنَاسِباً لِلْقِتَالِ لأَسْبَابٍ كَثِيرَةٍ: مِنْهَا قِلَّةُ عَدَدِهِمْ، وَمْنَهَا كَوْنُهُمْ فِي بَلَدٍ حَرَامٍ، لِذَلِكَ لَمْ يُؤْمَرُوا بِالجِهَادِ إلاَّ بَعْدَ أنْ خَرَجُوا إلى المَدِينَةِ، وَصَارَ لَهُمْ فِيها دَارُ مَنَعَةٍ وَأَنْصَارٌ. فقد أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَأَصْحَابًا لَهُ منهمُ المِقدادُ بنُ الأَسودِ الكِنْدِيُّ وقُدامةُ بنُ مَظعونٍ الجُمَحِيُّ وسعدٌ بْنُ أَبي وَقّاص كانوا وهم في مكَّةَ يتلقّوْن من مشركيها أذًى شديدًا فأَتَوُا النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بِمَكَّةَ فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، كُنَّا فِي عِزٍّ وَنَحْنُ مُشْرِكُونَ، فَلَمَّا آمَنَّا صِرْنَا أَذِلَّةً؟ فَقَالَ: ((إِنِّي أُمِرْتُ بِالْعَفْوِ فَلَا تُقَاتِلُوا القوم)). فلمَّا حَوَّلَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى الْمَدِينَةِ أَمَرَهُ بِالْقِتَالِ فَكَفُّوا، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ. وَقِيلَ إنَّ هَذِهِ الآيَةَ تَتَعَلَّقُ بِالأَنْصَارِ مِنَ الأَوْسِ وَالخَزْرَجِ، الذِينَ كَانَ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ دَائِمٌ قَبْلَ الإِسْلاَمِ، فَلَمَّا دَخَلُوا الإِسْلاَمَ أَلَّفَ اللهُ بَيْنَهُمْ، وَأَمَرَهُمْ بِكَفِّ أَيْدِيهِمْ عَنِ القِتَالِ وَالعُدْوَانِ، وَطَلَبَ إلَيْهِمْ إِقَامَةَ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ لِتَصْفُوَ نُفُوسُهُمْ، إلى أنِ اشْتَدَّتِ الحَاجَةُ إلى القِتَالِ لِدَفْعِ الأَذَى عَنِ المُسْلِمِينَ، فَفَرَضَ اللهُ القِتَالَ، فَكَرِهَهُ المُنَافِقُونَ منهم وَضُعَفَاءُ النفوسِ.
قَوْلهُ: {يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً} أَيْ يخشون مُشْرِكِي مَكَّةَ، فَهِيَ عَلَى مَا طُبِعَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ مِنَ الْمَخَافَةِ لَا عَلَى الْمُخَالَفَةِ. قَالَ السُّدِّيُّ: هُمْ قَوْمٌ أَسْلَمُوا قَبْلَ فَرْضِ الْقِتَالِ فَلَمَّا فُرِضَ كَرِهُوهُ. وَقِيلَ: هُوَ وَصْفٌ لِلْمُنَافِقِينَ، وَالْمَعْنَى يَخْشَوْنَ الْقَتْلَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ كَمَا يَخْشَوْنَ الْمَوْتَ مِنَ اللَّهِ. "أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً" أَيْ عِنْدَهُمْ وَفِي اعْتِقَادِهِمْ. وَهَذَا أَشْبَهُ بِسِيَاقِ الْآيَةِ.
قَوْلُه: {وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْلا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ} أَيْ هَلَّا أخَّرْتَنا إلى أجلٍ قريبٍ. وَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَصْدُرَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْ صَحَابِيٍّ كَرِيمٍ يَعْلَمُ أَنَّ الْآجَالَ مَحْدُودَةٌ وَالْأَرْزَاقَ مَقْسُومَةٌ، بَلْ كَانُوا لِأَوَامِرِ اللَّهِ مُمْتَثِلِينَ سَامِعِينَ طَائِعِينَ ـ رضي الله تعالى عنهم أجمعين ـ يَرَوْنَ الْوُصُولَ إِلَى الدَّارِ الْآجِلَةِ خَيْرًا مِنَ الْمُقَامِ فِي الدَّارِ الْعَاجِلَةِ، عَلَى مَا هُوَ مَعْرُوفٌ مِنْ سِيرَتِهِمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَائِلُهُ مِمَّنْ لَمْ يَرْسَخْ فِي الْإِيمَانِ قَدَمُهُ، وَلَا انْشَرَحَ بِالْإِسْلَامِ صَدرُهُ، فَإِنَّ أَهْلَ الْإِيمَانِ مُتَفَاضِلُونَ فَمِنْهُمُ الْكَامِلُ وَمِنْهُمُ الأقلُّ كمالاً والنَّاقِصُ الإيمان، وَهُوَ الَّذِي تَنْفِرُ نَفْسُهُ عَمَّا يُؤْمَرُ بِهِ فِيمَا تَلْحَقُهُ فِيهِ الْمَشَقَّةُ وَتُدْرِكُهُ فِيهِ الشِّدَّةُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ} متاعُ الدنيا مَنفَعتُها والاستمتاعُ
بَلَذَّاتِها وَسَمَّاهُ قَلِيلًا لِأَنَّهُ لَا بَقَاءَ لَهُ.
قولُه تعالى: {إِذَا فَرِيقٌ منهم يَخْشَون} إذا: هنا الفُجائيَّةٌ، ظرفُ مكانٍ، جوابٌ لـ "لَمَّا" في قولِهِ "فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ"، وعلى هذا فهي خبرٌ مُقدَّمٌ، و"فريق" مبتدأٌ مؤخَّرٌ، و"منهم" صفةٌ لـ "فريق"، وكذلك "يَخْشَون"، ويجوزُ أَنْ يَكونَ "يخشون" حالاً من "فريق" لاختصاصِه بالوصفِ، والتقديرُ: "فبالحضرةِ فريقٌ كائنٌ منهم خاشون أو خاشين".
ويمكن أن يكونَ "فريقٌ" مبتدأً، و"منهم" صفتَه، وهو المُسوِّغُ للابتداءِ به، و"يَخْشَوْن" جملةٌ خبريَّةٌ وهو العاملُ في "إذا"، وعلى القولِ الأوَّلِ العاملُ فيها محذوفٌ على قاعدةِ الظروفِ الواقعةِ خبراً.
قولُه: {كَخَشْيَةِ اللهِ أو أشدَّ خشيةً} كخشيةِ الله: نعتُ مصدرٍ محذوفٍ، أي: خَشيَةً كَخَشْيَةِ اللهِ. والمُقرَّرُ مِن مذهبِ سِيبَوَيْهِ: أنَّها في محلِّ نصبٍ على الحالِ مِن ضميرِ الخَشْيَةِ المَحذوفِ، أي: يَخشونَها الناسَ، أي: يخشون الخشيةَ الناسَ مُشْبِهةً خَشيةَ الله. ويمكن أن تكون في محلِّ نصبٍ على الحالِ مِنَ الضميرِ في "يَخْشَوْن" أي: يَخْشَون الناسَ مثلَ أَهلِ خَشيَةِ اللهِ أي: مُشْبِهين لأهلِ خَشيةِ اللهِ أوْ أَشدَّ خَشيَةً أي: أشدَّ خشيةً مِن أهلِ خَشْيَةِ الله. و"أشدَّ" معطوف على الحال.
ويَجوزُ نصبُ "خشيةً" على وجهٍ آخَرَ وهو العطفُ على مَحَلِّ الكاف، ويَنتصِبُ "أشدَّ" حينئذٍ على الحالِ مِنْ "خشية" لأنَّه في الأصْلِ نعتُ نكرةٍ قُدِّمَ عليْها، والأصلُ: يَخشَوْنَ الناسَ مثلَ خشيةِ اللهِ أو خَشْيَةً أشدَّ منه. والمصدرُ مضافٌ إلى المفعولِ والفاعلُ محذوفٌ أي: كخشيتِهِمُ اللَّهَ. و"أو" تحتمِلُ الأوْجُهَ الخمسةَ أي أنها للتفصيلِ أو للإِبهام، أو للشَّكِّ، أو للإِباحة، أو للتخيير، ويَجوزُ أنْ تكونَ للتَنويع: يَعني أنَّ منهم مَنْ يَخشاهم كَخَشْيَةِ اللهِ، ومنهم مَنْ يَخشاهم أَشَدَّ خَشْيَةً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ.
قولُهُ: {لولا أخَّرْتَنا} لولا: تحضيضيَّةٌ. وقرأ ابْنُ كثيرٍ والأخَوانِ: "لا يُظْلَمون" بالغيبةِ جَرْيًا على الغائبين قبلَه، وقرأ الباقون بالخطاب الْتِفاتاً.
وقولُه: {فَتِيلاً} مفعولٌ ثانٍ لـ "تظللمون" أو صفةٌ لِمَصدَرٍ محذوفٍ، والتقدير: ولا تُظلمون ظلمًا فتيلًا، والأوّلُ أظهر.
مواضيع مماثلة
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 88
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 89
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 90
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 95
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 91
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 89
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 90
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 95
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 91
منتدى مدينة أرمناز العام :: المنتدى الخاص بشاعر أرمناز الكبير الأستاذ عبدالقادر الأسود :: البحوث والدراسات والمقالات النثرية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء أكتوبر 01, 2019 11:34 am من طرف bassam1972
» شهادة الشاعر الكبير الأستاذ عبد القادر دياب مدير عام الملتقى الثقافي العربي
الجمعة سبتمبر 13, 2019 7:15 pm من طرف bassam1972
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 12
الجمعة يوليو 12, 2019 10:33 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 10
الخميس يوليو 11, 2019 10:54 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 9
الأربعاء يوليو 10, 2019 1:29 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 8
الأربعاء يوليو 10, 2019 10:41 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 6
الثلاثاء يوليو 09, 2019 4:24 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 5
الأحد يوليو 07, 2019 10:10 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 3
السبت يوليو 06, 2019 10:14 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 2
الجمعة يوليو 05, 2019 10:54 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكه، الآية: 1
الأربعاء يوليو 03, 2019 3:27 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف: تعريف
الثلاثاء يوليو 02, 2019 7:01 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 111
السبت يونيو 29, 2019 7:26 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 110
الخميس يونيو 27, 2019 10:38 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 109
الخميس يونيو 27, 2019 6:45 am من طرف عبد القادر الأسود