فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 84
منتدى مدينة أرمناز العام :: المنتدى الخاص بشاعر أرمناز الكبير الأستاذ عبدالقادر الأسود :: البحوث والدراسات والمقالات النثرية
صفحة 1 من اصل 1
فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 84
فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً. (84)
قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} أمرٌ مِنَ اللهُ تَعَالَى لرَسُولهِ ـ صلى الله عليه وسلَّمَ ـ بِأَنْ يُبَاشِرَ القِتَالَ بِنَفْسِهِ، وَمَنْ نَكَلَ فَلَيْسَ عَلَى الرَّسُولِ مِنْهُ شَيءٌ. وهَذِهِ الْفَاءُ مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ {وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً. فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}. أَيْ مِنْ أَجْلِ هَذَا فَقَاتِلْ. وَقِيلَ: هِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ: {وَما لَكُمْ لَا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. فَقاتِلْ}. كَأَنَّ هَذَا الْمَعْنَى: لَا تَدَعْ جِهَادَ الْعَدُوِّ وَالِاسْتِنْصَارَ عَلَيْهِمْ لِلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَلَوْ وَحْدَكَ، لِأَنَّهُ وَعَدَهُ بِالنَّصْرِ. أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى رَسُولَهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بِالْجِهَادِ وَإِنْ قَاتَلَ وَحْدَهُ، لِأَنَّهُ قَدْ ضَمِنَ لَهُ النُّصْرَةَ. هَذَا ظَاهِرُ اللَّفْظِ، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَجِئْ فِي خَبَرٍ قَطُّ أَنَّ الْقِتَالَ فَرْضٌ عَلَيْهِ دُونَ الْأُمَّةِ مُدَّةً مَا، فَالْمَعْنَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خِطَابٌ لَهُ فِي اللَّفْظِ، وَهُوَ مِثَالُ مَا يُقَالُ لِكُلِّ وَاحِدٍ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ، أَيْ أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أُمَّتِكَ الْقَوْلُ لَهُ، "فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ". وَلِهَذَا يَنْبَغِي لِكُلِّ مُؤْمِنٍ أَنْ يُجَاهِدَ وَلَوْ وَحْدَهُ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وَاللَّهِ لَأ قاتلنَّهم حَتَّى تَنْفَرِدَ سَالِفَتِي)). وَقَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَقْتَ الرِّدَّةِ: وَلَوْ خَالَفَتْنِي يَمِينِي لَجَاهَدْتُهَا بِشِمَالِي. وَقِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي مَوْسِمِ بَدْرٍ الصُّغْرَى، فَإِنَّ أَبَا سُفْيَانَ لَمَّا انْصَرَفَ مِنْ أُحُدٍ وَاعَدَ رَسُولَ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ مَوْسِمَ بَدْرٍ الصُّغْرَى، فَلَمَّا جَاءَ الْمِيعَادُ خَرَجَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِي سَبْعِينَ رَاكِبًا فَلَمْ يَحْضُرْ أَبُو سُفْيَانَ وَلَمْ يَتَّفِقْ قِتَالٌ. وَهَذَا عَلَى مَعْنَى ألَّا ينظر المرءُ إلى مَنْ يقومُ بواجبِ الجِهادِ ومَنْ يتخلَّفْ عنْه، وألَّا يُعلِّقَ مشاركتَه بِمشاركة الآخرين، كما يَعني ـ والله أعلم ـ أنَّ اللهَ سوفَ يَسْألُه عن تنفيذِه هو لأمرِ اللهِ ولن يسألَه عمَّا فعلَه الآخرون، فعليْه أنْ يُبادِرَ من نفسِه إلى الجهادِ دونَ النظرِ إلى غيرِه. وَوَجْهُ النَّظْمِ عَلَى هَذَا وَالِاتِّصَالِ بِمَا قَبْلُ أَنَّهُ وَصَفَ الْمُنَافِقِينَ بِالتَّخْلِيطِ وَإِيقَاعِ الْأَرَاجِيفِ، ثُمَّ أَمَرَ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بِالْإِعْرَاضِ عَنْهُمْ وَبِالْجِدِّ فِي الْقِتَالِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَإِنْ لَمْ يُسَاعِدْهُ أَحَدٌ عَلَى ذَلِكَ. فَالْمَعْنَى أنَّك لَا تَلْزَمُ فِعْلَ غَيْرِكَ وَلَا تُؤَاخَذُ بِهِ.
قَوْلُهُ: {وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا}. "وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ" أَيْ حُضَّهُمْ عَلَى الْجِهَادِ وَالْقِتَالِ. يُقَالُ: حَرَّضْتُ فُلَانًا عَلَى كَذَا إِذَا أَمَرْتَهُ بِهِ، يَأمُرُ ـ سبحانَهُ ـ نبيَّه ـ صلى الله عليه وسلَّمَ ـ بِأَنْ يُحَرِّضَ المُؤْمِنِينَ عَلَى القِتَالِ، وَيُرَغِّبَهُمْ فِيهِ، وَيُشَجِّعَهُمْ عَلَيهِ، لِتَنْبَعِثَ هِمَمُهُمْ عَلَى مُنَاجَزَةِ الأَعْدَاءِ، وَمُدَافَعَتِهِمْ عَنْ حَوْزَةِ الإِسْلاَمِ وَأَهْلَهُ، وَمُقَاوَمَتِهِمْ وَمُصَابَرَتِهِمْ، وَبِذَلِكَ يَكُفُّ اللهُ بَأْسَ المُشْرِكِينَ وَأَذَاهُمْ عَنِ المُسْلِمِينَ، وَاللهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ البَأْسِ، قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَكِّلَ بِهِمْ فِي الدُّنيا وَالآخَرَةِ. وقد كان ـ صلى اللهُ عليه وسلَّم ـ يقولُ لأصحابِه ـ رضوان الله عليهم ـ وهو يسوى الصفوف يوم بدرٍ، كما جاء في الصحاح عن أنسٍ ـ رضي الله عنه: ((قوموا إلى جَنَّةٍ عَرْضُها السماوات والأرض)). وهذا تحريضٌ منه ـ صلى الله عليه وسلَّمَ ـ لأصحابه على القتال، عملاً منه بأمرِ ربَّه جلَّ وعلا.
وفي قولِه: "عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا". إِطْمَاعٌ، وَالْإِطْمَاعُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَاجِبٌ. عَلَى أَنَّ الطَّمَعَ قَدْ جَاءَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ عَلَى الْوُجُوبِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِيخَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} الشعراء: 82. وَقَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:
ظَنِّي بِهِمْ كَعَسَى وَهُمْ بِتَنُوفَةٍ .................... يَتَنَازَعُونَ جَوَائِزَ الْأَمْثَالِ
التنوفةُ: القَفْرُ مِن الأَرضِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا} أشدُّ بأساً: أَيْ صَوْلَةً وَأَعْظَمُ سُلْطَانًا وَأَقْدَرُ بَأْسًا عَلَى مَا يُرِيدُهُ، "أَشَدُّ تَنْكِيلًا" أَيْ عُقُوبَةً. ورَمَاهُ اللَّهُ بِنُكْلَةٍ، أَيْ رَمَاهُ بِمَا يُنَكِّلُهُ. وَنَكَّلْتُ بِالرَّجُلِ تَنْكِيلًا مِنَ النَّكَالِ. وَالْمَنْكَلُ الشَّيْءُ الَّذِي يُنَكِّلُ بِالْإِنْسَانِ. قال:
وارم على أقفائهم بمنكل ................ بصخرة أو عرض جيش حجفل
ولِقَائِلٍ أنْ يَقولَ: نَحْنُ نَرَى الْكُفَّارَ فِي بَأْسٍ وَشِدَّةٍ، وعسى بِمَعْنَى الْيَقِينِ هنا فَأَيْنَ ذَلِكَ الْوَعْدُ؟ والجوابُ: قَدْ وُجِدَ هَذَا الْوَعْدُ وَلَا يَلْزَمُ وُجُودُهُ عَلَى الِاسْتِمْرَارِ وَالدَّوَامِ فَمَتَى وُجِدَ وَلَوْ لَحْظَةً مَثَلًا فَقَدْ صَدَقَ الْوَعْدُ، فَكَفَّ اللَّهُ بَأْسَ الْمُشْرِكِينَ بِبَدْرٍ الصُّغْرَى، وَأَخْلَفُوا مَا كَانُوا عَاهَدُوهُ مِنَ الْحَرْبِ وَالْقِتَالِ {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ} الأحزاب: 25. وَبِالْحُدَيْبِيَةِ أَيْضًا عَمَّا رَامُوهُ مِنَ الْغَدْرِ وَانْتِهَازِ الْفُرْصَةِ، فَفَطِنَ بِهِمُ الْمُسْلِمُونَ فَخَرَجُوا فَأَخَذُوهُمْ أَسَرَى، وَكَانَ ذَلِكَ وَالسُّفَرَاءُ يَمْشُونَ بَيْنَهُمْ فِي الصُّلْحِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ} الفتح: 24. وَقَدْ أَلْقَى اللَّهُ فِي قُلُوبِ الْأَحْزَابِ الرُّعْبَ وَانْصَرَفُوا مِنْ غَيْرِ قَتْلٍ وَلَا قِتَالٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ}. وَخَرَجَ الْيَهُودُ مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ بِغَيْرِ قِتَالِ الْمُؤْمِنِينَ لَهُمْ، فَهَذَا كُلُّهُ بَأْسٌ قَدْ كَفَّهُ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ دَخَلَ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الْعَدَدُ الْكَثِيرُ وَالْجَمُّ الْغَفِيرُ تَحْتَ الْجِزْيَةِ صَاغِرِينَ وَتَرَكُوا الْمُحَارَبَةَ دَاخِرِينَ، فَكَفَّ اللَّهُ بَأْسَهُمْ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ. والحمدُ للهِ رَبِّ العالَمينَ.
قولُه تعالى: {فَقَاتِلْ} الفاء للإِفصاحِ عن جوابِ شرطٍ مُقدَّرٍ، أيْ: إذا كان الأمرُ كما حكى ـ سبحانَه وتعالى ـ عن المُنافقين وكيدِهم فقاتلْ أنتَ يا مُحمَّدُ مِنْ أجلِ إعلاءِ كلمةِ اللهِ ولا تِلْتَفتْ إلى أفعالِهم وأقوالِهم، وفي هذه الفاءِ أوْجُه أُخرى، أحدُها: أنَّها عاطفةٌ هذه الجملةَ على جملةِ قولِه: {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ الله} النساء: 74. ثانيها: أنَّها عاطفتُها على جملةِ قوله: {فقاتلوا أَوْلِيَاءَ الشيطان} النساء: 76. وثالثها: أنَّها عاطفتُها على جملةِ قولِه: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ} النساء: 75. ورابعُها: أنَّها عاطفتها على جُملةِ قولِه: {فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} النساء: 74.
قولُه: {لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ} إمّا في محلِّ نصبٍ على الحالِ مِنْ فاعِلِ "فقاتِلْ" أي: فقاتِلْ غيرَ مُكَلِّفٍ إلَّا نفسَك وحدَها. أو مُسْتَأْنَفَةٌ، أخبرَه ـ تعالى ـ أنَّه لا يُكلِفُ غيرَ نفسِه. والجُمهورُ على "تُكَلَّفُ" بِتاءِ الخِطابِ ورَفعِ الفِعلِ مَبْنِيًّا للمَفعولِ، و"نَفسَكَ" هو المفعولُ الثاني. وقرأ عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ ـ رضي اللهُ عنهما: "لا تُكَلَّفْ" كالجماعة إلا أنَّه جَزَمَه، فقيل: على جوابِ الأمرِ، وفيه نظرٌ، والذي يَنبغي أنْ يكونَ نَهْيًا. وهي جُملةٌ مُستأنَفَةٌ. ولا يَجوزُ أنْ تكونَ حالاً في قراءةِ عبدِ اللهِ؛ لأنَّ الطَلَبَ لا يكونُ حالاً. وقُرِئ "لا نُكَلِّف" بنونِ العَظَمَةِ ورَفْعِ الفعلِ وهو يَحتَمِلُ الحالَ والاسْتِئنافَ المُتقدِّميْن.
والتحريض: الحَثُّ على الشيءِ، كأنَّه في الأصلِ إزالةُ الحَرَضْ نحو: "قَذَّيْتُه" أي: أَزَلْتُ قَذاه، وأَحْرضتُه: أَفْسَدْتُه كأقْذَيْتُه، أي: جَعَلْتُ فيه القذى، والحَرَضُ في الأصل ما لا يُعْتَدُّ بِه ولا خيرَ فيه، ولذلك يقال للمشرِف على الهلاكِ: "حَرَض" قال تعالى: {حتى تَكُونَ حَرَضاً} يوسف: 85. وأَحْرَضَه كذا، قال:
إني امرؤٌ رابني هَمٌّ فَأَحْرضني ........... حتى بُليِتُ وحتى شَفَّني السَّقَمُ
وقولُه: {أشدُّ بأساً وأشدُّ تنكيلاً} "بأساً" و"تنكيلاً تمييزٌ، والتنكيلُ: تفعيلٌ مِنَ النَّكْلِ وهو القيدُ، ثمَّ استُعمِلَ في كلِّ عذابٍ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} أمرٌ مِنَ اللهُ تَعَالَى لرَسُولهِ ـ صلى الله عليه وسلَّمَ ـ بِأَنْ يُبَاشِرَ القِتَالَ بِنَفْسِهِ، وَمَنْ نَكَلَ فَلَيْسَ عَلَى الرَّسُولِ مِنْهُ شَيءٌ. وهَذِهِ الْفَاءُ مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ {وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً. فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}. أَيْ مِنْ أَجْلِ هَذَا فَقَاتِلْ. وَقِيلَ: هِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ: {وَما لَكُمْ لَا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. فَقاتِلْ}. كَأَنَّ هَذَا الْمَعْنَى: لَا تَدَعْ جِهَادَ الْعَدُوِّ وَالِاسْتِنْصَارَ عَلَيْهِمْ لِلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَلَوْ وَحْدَكَ، لِأَنَّهُ وَعَدَهُ بِالنَّصْرِ. أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى رَسُولَهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بِالْجِهَادِ وَإِنْ قَاتَلَ وَحْدَهُ، لِأَنَّهُ قَدْ ضَمِنَ لَهُ النُّصْرَةَ. هَذَا ظَاهِرُ اللَّفْظِ، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَجِئْ فِي خَبَرٍ قَطُّ أَنَّ الْقِتَالَ فَرْضٌ عَلَيْهِ دُونَ الْأُمَّةِ مُدَّةً مَا، فَالْمَعْنَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خِطَابٌ لَهُ فِي اللَّفْظِ، وَهُوَ مِثَالُ مَا يُقَالُ لِكُلِّ وَاحِدٍ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ، أَيْ أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أُمَّتِكَ الْقَوْلُ لَهُ، "فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ". وَلِهَذَا يَنْبَغِي لِكُلِّ مُؤْمِنٍ أَنْ يُجَاهِدَ وَلَوْ وَحْدَهُ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وَاللَّهِ لَأ قاتلنَّهم حَتَّى تَنْفَرِدَ سَالِفَتِي)). وَقَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَقْتَ الرِّدَّةِ: وَلَوْ خَالَفَتْنِي يَمِينِي لَجَاهَدْتُهَا بِشِمَالِي. وَقِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي مَوْسِمِ بَدْرٍ الصُّغْرَى، فَإِنَّ أَبَا سُفْيَانَ لَمَّا انْصَرَفَ مِنْ أُحُدٍ وَاعَدَ رَسُولَ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ مَوْسِمَ بَدْرٍ الصُّغْرَى، فَلَمَّا جَاءَ الْمِيعَادُ خَرَجَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِي سَبْعِينَ رَاكِبًا فَلَمْ يَحْضُرْ أَبُو سُفْيَانَ وَلَمْ يَتَّفِقْ قِتَالٌ. وَهَذَا عَلَى مَعْنَى ألَّا ينظر المرءُ إلى مَنْ يقومُ بواجبِ الجِهادِ ومَنْ يتخلَّفْ عنْه، وألَّا يُعلِّقَ مشاركتَه بِمشاركة الآخرين، كما يَعني ـ والله أعلم ـ أنَّ اللهَ سوفَ يَسْألُه عن تنفيذِه هو لأمرِ اللهِ ولن يسألَه عمَّا فعلَه الآخرون، فعليْه أنْ يُبادِرَ من نفسِه إلى الجهادِ دونَ النظرِ إلى غيرِه. وَوَجْهُ النَّظْمِ عَلَى هَذَا وَالِاتِّصَالِ بِمَا قَبْلُ أَنَّهُ وَصَفَ الْمُنَافِقِينَ بِالتَّخْلِيطِ وَإِيقَاعِ الْأَرَاجِيفِ، ثُمَّ أَمَرَ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بِالْإِعْرَاضِ عَنْهُمْ وَبِالْجِدِّ فِي الْقِتَالِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَإِنْ لَمْ يُسَاعِدْهُ أَحَدٌ عَلَى ذَلِكَ. فَالْمَعْنَى أنَّك لَا تَلْزَمُ فِعْلَ غَيْرِكَ وَلَا تُؤَاخَذُ بِهِ.
قَوْلُهُ: {وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا}. "وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ" أَيْ حُضَّهُمْ عَلَى الْجِهَادِ وَالْقِتَالِ. يُقَالُ: حَرَّضْتُ فُلَانًا عَلَى كَذَا إِذَا أَمَرْتَهُ بِهِ، يَأمُرُ ـ سبحانَهُ ـ نبيَّه ـ صلى الله عليه وسلَّمَ ـ بِأَنْ يُحَرِّضَ المُؤْمِنِينَ عَلَى القِتَالِ، وَيُرَغِّبَهُمْ فِيهِ، وَيُشَجِّعَهُمْ عَلَيهِ، لِتَنْبَعِثَ هِمَمُهُمْ عَلَى مُنَاجَزَةِ الأَعْدَاءِ، وَمُدَافَعَتِهِمْ عَنْ حَوْزَةِ الإِسْلاَمِ وَأَهْلَهُ، وَمُقَاوَمَتِهِمْ وَمُصَابَرَتِهِمْ، وَبِذَلِكَ يَكُفُّ اللهُ بَأْسَ المُشْرِكِينَ وَأَذَاهُمْ عَنِ المُسْلِمِينَ، وَاللهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ البَأْسِ، قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَكِّلَ بِهِمْ فِي الدُّنيا وَالآخَرَةِ. وقد كان ـ صلى اللهُ عليه وسلَّم ـ يقولُ لأصحابِه ـ رضوان الله عليهم ـ وهو يسوى الصفوف يوم بدرٍ، كما جاء في الصحاح عن أنسٍ ـ رضي الله عنه: ((قوموا إلى جَنَّةٍ عَرْضُها السماوات والأرض)). وهذا تحريضٌ منه ـ صلى الله عليه وسلَّمَ ـ لأصحابه على القتال، عملاً منه بأمرِ ربَّه جلَّ وعلا.
وفي قولِه: "عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا". إِطْمَاعٌ، وَالْإِطْمَاعُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَاجِبٌ. عَلَى أَنَّ الطَّمَعَ قَدْ جَاءَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ عَلَى الْوُجُوبِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِيخَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} الشعراء: 82. وَقَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:
ظَنِّي بِهِمْ كَعَسَى وَهُمْ بِتَنُوفَةٍ .................... يَتَنَازَعُونَ جَوَائِزَ الْأَمْثَالِ
التنوفةُ: القَفْرُ مِن الأَرضِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا} أشدُّ بأساً: أَيْ صَوْلَةً وَأَعْظَمُ سُلْطَانًا وَأَقْدَرُ بَأْسًا عَلَى مَا يُرِيدُهُ، "أَشَدُّ تَنْكِيلًا" أَيْ عُقُوبَةً. ورَمَاهُ اللَّهُ بِنُكْلَةٍ، أَيْ رَمَاهُ بِمَا يُنَكِّلُهُ. وَنَكَّلْتُ بِالرَّجُلِ تَنْكِيلًا مِنَ النَّكَالِ. وَالْمَنْكَلُ الشَّيْءُ الَّذِي يُنَكِّلُ بِالْإِنْسَانِ. قال:
وارم على أقفائهم بمنكل ................ بصخرة أو عرض جيش حجفل
ولِقَائِلٍ أنْ يَقولَ: نَحْنُ نَرَى الْكُفَّارَ فِي بَأْسٍ وَشِدَّةٍ، وعسى بِمَعْنَى الْيَقِينِ هنا فَأَيْنَ ذَلِكَ الْوَعْدُ؟ والجوابُ: قَدْ وُجِدَ هَذَا الْوَعْدُ وَلَا يَلْزَمُ وُجُودُهُ عَلَى الِاسْتِمْرَارِ وَالدَّوَامِ فَمَتَى وُجِدَ وَلَوْ لَحْظَةً مَثَلًا فَقَدْ صَدَقَ الْوَعْدُ، فَكَفَّ اللَّهُ بَأْسَ الْمُشْرِكِينَ بِبَدْرٍ الصُّغْرَى، وَأَخْلَفُوا مَا كَانُوا عَاهَدُوهُ مِنَ الْحَرْبِ وَالْقِتَالِ {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ} الأحزاب: 25. وَبِالْحُدَيْبِيَةِ أَيْضًا عَمَّا رَامُوهُ مِنَ الْغَدْرِ وَانْتِهَازِ الْفُرْصَةِ، فَفَطِنَ بِهِمُ الْمُسْلِمُونَ فَخَرَجُوا فَأَخَذُوهُمْ أَسَرَى، وَكَانَ ذَلِكَ وَالسُّفَرَاءُ يَمْشُونَ بَيْنَهُمْ فِي الصُّلْحِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ} الفتح: 24. وَقَدْ أَلْقَى اللَّهُ فِي قُلُوبِ الْأَحْزَابِ الرُّعْبَ وَانْصَرَفُوا مِنْ غَيْرِ قَتْلٍ وَلَا قِتَالٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ}. وَخَرَجَ الْيَهُودُ مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ بِغَيْرِ قِتَالِ الْمُؤْمِنِينَ لَهُمْ، فَهَذَا كُلُّهُ بَأْسٌ قَدْ كَفَّهُ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ دَخَلَ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الْعَدَدُ الْكَثِيرُ وَالْجَمُّ الْغَفِيرُ تَحْتَ الْجِزْيَةِ صَاغِرِينَ وَتَرَكُوا الْمُحَارَبَةَ دَاخِرِينَ، فَكَفَّ اللَّهُ بَأْسَهُمْ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ. والحمدُ للهِ رَبِّ العالَمينَ.
قولُه تعالى: {فَقَاتِلْ} الفاء للإِفصاحِ عن جوابِ شرطٍ مُقدَّرٍ، أيْ: إذا كان الأمرُ كما حكى ـ سبحانَه وتعالى ـ عن المُنافقين وكيدِهم فقاتلْ أنتَ يا مُحمَّدُ مِنْ أجلِ إعلاءِ كلمةِ اللهِ ولا تِلْتَفتْ إلى أفعالِهم وأقوالِهم، وفي هذه الفاءِ أوْجُه أُخرى، أحدُها: أنَّها عاطفةٌ هذه الجملةَ على جملةِ قولِه: {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ الله} النساء: 74. ثانيها: أنَّها عاطفتُها على جملةِ قوله: {فقاتلوا أَوْلِيَاءَ الشيطان} النساء: 76. وثالثها: أنَّها عاطفتُها على جملةِ قولِه: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ} النساء: 75. ورابعُها: أنَّها عاطفتها على جُملةِ قولِه: {فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} النساء: 74.
قولُه: {لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ} إمّا في محلِّ نصبٍ على الحالِ مِنْ فاعِلِ "فقاتِلْ" أي: فقاتِلْ غيرَ مُكَلِّفٍ إلَّا نفسَك وحدَها. أو مُسْتَأْنَفَةٌ، أخبرَه ـ تعالى ـ أنَّه لا يُكلِفُ غيرَ نفسِه. والجُمهورُ على "تُكَلَّفُ" بِتاءِ الخِطابِ ورَفعِ الفِعلِ مَبْنِيًّا للمَفعولِ، و"نَفسَكَ" هو المفعولُ الثاني. وقرأ عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ ـ رضي اللهُ عنهما: "لا تُكَلَّفْ" كالجماعة إلا أنَّه جَزَمَه، فقيل: على جوابِ الأمرِ، وفيه نظرٌ، والذي يَنبغي أنْ يكونَ نَهْيًا. وهي جُملةٌ مُستأنَفَةٌ. ولا يَجوزُ أنْ تكونَ حالاً في قراءةِ عبدِ اللهِ؛ لأنَّ الطَلَبَ لا يكونُ حالاً. وقُرِئ "لا نُكَلِّف" بنونِ العَظَمَةِ ورَفْعِ الفعلِ وهو يَحتَمِلُ الحالَ والاسْتِئنافَ المُتقدِّميْن.
والتحريض: الحَثُّ على الشيءِ، كأنَّه في الأصلِ إزالةُ الحَرَضْ نحو: "قَذَّيْتُه" أي: أَزَلْتُ قَذاه، وأَحْرضتُه: أَفْسَدْتُه كأقْذَيْتُه، أي: جَعَلْتُ فيه القذى، والحَرَضُ في الأصل ما لا يُعْتَدُّ بِه ولا خيرَ فيه، ولذلك يقال للمشرِف على الهلاكِ: "حَرَض" قال تعالى: {حتى تَكُونَ حَرَضاً} يوسف: 85. وأَحْرَضَه كذا، قال:
إني امرؤٌ رابني هَمٌّ فَأَحْرضني ........... حتى بُليِتُ وحتى شَفَّني السَّقَمُ
وقولُه: {أشدُّ بأساً وأشدُّ تنكيلاً} "بأساً" و"تنكيلاً تمييزٌ، والتنكيلُ: تفعيلٌ مِنَ النَّكْلِ وهو القيدُ، ثمَّ استُعمِلَ في كلِّ عذابٍ.
مواضيع مماثلة
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 88
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 89
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 90
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 95
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 91
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 89
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 90
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 95
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 91
منتدى مدينة أرمناز العام :: المنتدى الخاص بشاعر أرمناز الكبير الأستاذ عبدالقادر الأسود :: البحوث والدراسات والمقالات النثرية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء أكتوبر 01, 2019 11:34 am من طرف bassam1972
» شهادة الشاعر الكبير الأستاذ عبد القادر دياب مدير عام الملتقى الثقافي العربي
الجمعة سبتمبر 13, 2019 7:15 pm من طرف bassam1972
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 12
الجمعة يوليو 12, 2019 10:33 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 10
الخميس يوليو 11, 2019 10:54 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 9
الأربعاء يوليو 10, 2019 1:29 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 8
الأربعاء يوليو 10, 2019 10:41 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 6
الثلاثاء يوليو 09, 2019 4:24 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 5
الأحد يوليو 07, 2019 10:10 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 3
السبت يوليو 06, 2019 10:14 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 2
الجمعة يوليو 05, 2019 10:54 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكه، الآية: 1
الأربعاء يوليو 03, 2019 3:27 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف: تعريف
الثلاثاء يوليو 02, 2019 7:01 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 111
السبت يونيو 29, 2019 7:26 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 110
الخميس يونيو 27, 2019 10:38 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 109
الخميس يونيو 27, 2019 6:45 am من طرف عبد القادر الأسود