منتدى مدينة أرمناز العام
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الشواهد ، نسبتها ومناسبتها(21ــ 30){الشاعر عبد القادر الأسود}

اذهب الى الأسفل

الشواهد ، نسبتها ومناسبتها(21ــ 30){الشاعر عبد القادر الأسود} Empty الشواهد ، نسبتها ومناسبتها(21ــ 30){الشاعر عبد القادر الأسود}

مُساهمة من طرف عبد القادر الأسود الثلاثاء سبتمبر 07, 2010 3:13 pm


ــ 21 ــ

ستَقطعُ في الدنيا إذا ما قطعتَني .......يمينَك فانظر أيَّ كفٍّ تَبَــــــدَّلُ

قائلُ هذا البيت هو الشاعر معن بن أوس المزني ، وهو من المعَمَّرين ، شاعرٌ مخضرمٌ مُجيدٌ ، والبيتٌ من أمثالِ العرب في فَقْدِ الأخِ الموثوقِ بِه ، وقد قيل في مناسبةِ القصيدة ، التي منها هذا البيت ،أنَّ معنَ بنَ أَوْسٍ كانَ مُزَوَّجاً بأُختِ صَدِيقٍ له، فَطَّلَقَها، فَأَقْسَم صديقُه أَنْ لا يُكَلِّمَه ، فقال معنُ يَسْتَعْطِفُه:

لَعَمْرُكَ ما أدري وإنّي لأوْجَــــــــــــــــــــــلُ.....على أيِّنا تَعْــدو المَنِيَّـــــــــــــــــــــةُ أوَّلُ
وإنِّي أخوكَ الدائمُ العهدِ لم أَحُـــــــــلْ.....إذا لَــجَّ خَصْـــمٌ أو نبـــــا بكَ منـــــــزلُ
أحَارِبُ مَنْ حاربتَ من ذي عَــــــــــــــداوةٍ.....وأَحْبِسُ مـــالي إن غَرِمتَ فأَعْقِـــــــــلُ
وإن سُؤْتَني يوماً صَفَحْتُ إلى غَـــــــــــــدٍ.....لِيَعُقُبَ يومــــاً منكَ آخرَ مُقْبِــــــــــــــــلُ
كَأَنَّكَ تَشْفِي مِنْكَ داءً مَســــــــــــــــاءَتِي.....وسُخْطِي، ومــا في رَيْثَتِي ما تَعَجَّـــــلُ
وإنّي على أشيـاءَ منكَ تُريبُــــــــــــــــني .....قديماًً ، لَذو صفـحٍٍ على ذاكَ مُجْمِلُ
وكنتُ إذا ما صــاحبٌ رامَ ظِنَّـــــــــــــــتي .....وبَدَّلَ ســــــــــــــــوءاً بالذي كنتُ أَفْعَلُ
قَلَبْتُ له ظَهْرَ المِِجَنِّ ولـــــــــــــــــــــمْ أَدُمْ .....على ذاكَ إلاّ رَيثَمـــــــــــــــــــا أَتَحَـــوَّلُ
وفي النّاسِ إنْ رَثَّتْ حِبالُكَ واصـــــــــلٌ .....وفي الأرضِ عـــــــن دارِِ القِِلى مُتَحَوَّلُ
إذا أنتَ لم تُنْصِفْ أَخاكَ وَجَدْتَـــــــــــهُ .....عــلى طَرَفِ الهِجْر إنْ كان يََعْقِِــــــــلُ
ويَرْكَبُ حَدَّ السيفِ مِنْ أنْ تُضيمَـــــــــه .....إذا لم يَكُنْ عن شَفْرَةِ السيفِ مَزْحَلُ
سَتَقْطَعُ في الدُّنيـــــا إذا ما قَطَعْتَـــني .....يَمِيـنَك ، فانْظُر أيَّ كَفٍّ تَبَــــــــــــدَّلُ
إذا انصرفتْ نفسي عن الشيءِ لم تَكَدْ......إليـهِ بوجْـهٍٍ ــ آخِرَ الدهرِِ ــ تُقْبِِــــــــلُ

وفي هذا المعنى يُروى عن سيّدِنا الحسن ، رضي الله عنه ، قولُه: إنَّ مِنْ اَشَدِّ الناسِ فَقْداً عليكَ أَخاكَ ، الذي إنْ شاورتَه في أمرِ دِينِكَ أو دُنياكَ وَجَدْتَ عندَهُ رأْياً ، فَفَقَدْتَهُ ، فالْتَمَسْتَ مَنْ تَجِدُ ذلكَ عندَه فلم تَجِدْهُ .
رُوِيَ أنّ أمَّ جعفرَ بنِ يحيى البرمكي ، دَخَلَتْ على الرشيدِ ملتمسةً عفوَهُ عن زوجِها يحيى ، فلمّا نَظَرَ الرشيدُ إليْها داخلةً ، قام حتّى تَلَقّاها ، وأَكَبَّ على تَقبيلِ رأسِها ، ثمَّ أَجلسَها معه ، فقالت: يا أميرَ المؤمنين ، أَيَعْدو عليْنا الزمانُ، ويَجْفونا خَوْفاً لكَ الأعوانُ ؟ وقد ربَّيْتُكَ في حِجْري ، وأخذتُ برَضاعِكَ الأمانَ مِنْ عَدُوِّي ودَهري ؟ فقال لها: وما ذلك يا أُمَّ الرشيد؟. قالت: ظِئْرُك يحيى وأبوكَ بعدَ أبيك ، ولا أصِفُهُ بأكثرَ ممّا عَرَفَه بِهِ أميرُُ المؤمنين من نَصيحَتِه، وإشفاقِهِ عليه ، فقال لها: يا أمَّ الرشيد ، أمرٌ سَبَقَ ، وقَضاءٌ حُمَّ، وغَضبٌ من اللهِ نَفَذَ.، قالت: يا أمير المؤمنين ، يَمحو اللهُ ما يشاءُ ويُثْبِتُ وعندَه أمُّ الكتاب.، قال: صدقتِ ، فهذا ممّا لم يَمْحُه اللّهُ.، فقالت: الغيبُ محجوبٌ عن النبيّين ، فكيف عنكَ يا أميرَ المؤمنين ؟ فأَطرقَ الرشيدُ مَليّاً، ثم قال:
وإذا المَنيّةُ أَنْشَبَتْ أظْفارََها ... ......................أَلفيْتََ كلَّ تَميمَةٍ لا تَنْفَعُ

فقالت: ما أنا ليحيى بتَميمَةٍ يا أميرَ المؤمنين، وقد قال الأول:

وإذا افتقرتَ إلى الذخائرِ لم تَجِدْ ................ ذُخْراً يَكونُ كَصالِحِ الأَعمالِ

هذا بعد قولِه عَزّ وجَلَّ: (( والكاظمين الغَيْظَ والعافينَ عن النّاسِ واللهُ يُحِبُّ المُحسنين)) فأَطرقَ هارونُ الرشيدُ مليّاً ، ثم قال: يا أُمَّ الرشيد، أقول:

إذا انصرفتْ نفسي عن الشيءِ لم تَكَدْ.........إليْـــهِ بوَجْهٍٍ ــ آخرَ الدَّهر ــ تُقْبلُ

فقالت: يا أمير المؤمنين وأقول:

ستَقطع في الدّنيا إذا ما قَطعتَني................يَمينَكَ فانْظُرْ أيَّ كَفٍّ تَبَدَّلُ؟

ويُحْكى أنَّ يَزيدَ بنَ عبدِ المَلك ، بَلَغَهُ أيّامَ خِلافَتِه ، أنَّ أخاهُ هِشاماً يَنْتَقِصُهُ. فكَتَبَ إليْه مُعاتِباً له: مَثَلي ومَثَلُكَ كما قال الأول:

تَمَنّى رِجالٌ أَنْ أَموتَ ، فإنْ أَمُتْ .............. فتلك طريـــق لست فيها بأوحدِ
لعل الذي يبغي ردائي ويرتجي...............به قبل موتي أن يكون هو الردي

فكتب إليه هشام إنّما مثلي ومثلك كما قال الأول:
ومن لا يغمض عينه عن صديقـــــه...........وعن بعض ما فيه يمت وهو عاتب

فكتب إليْه يَزيدُ: نحن مغتفِرون لك ما كان منك ، حفظاً لِوصيَّةِ أبينا فينا، وحَضَّهُ إيّانا على إصلاحِ ذاتِ البين ، وأنا أَعلمُ كما قال معنُ بنُ أَوْسٍ:

لعمرك ما أدري لأوْجَـــــــــــــــــــــــلُ.... إلخ

فلما جاء الكتاب هشاماً رحل إليه فلم يزل في جواره حتى مات .









ــ 22 ــ

فهَبْكَ يميني استأكلت فقطعتُها ........ وجشّمتُ قلبي صبرَه فتشجّعــــا

هو للشاعر دُعبلٍ الخُزاعي من قصيدة يعاتب فيها الشاعرَ مسلمَ بنَ الوليد ، وقد كان متعصباً له مائلاً إليه معترفاً بأستاذيّته ثمّ تجافيا وتهاجرا فكتب إليه دعبل:

أبا مَخْلَدٍ كُنَّـــا عَقِيدَيْ مَـــــــــــــــوَدّة .........هَوانَا وقَلْبانا جَميعاً مَعاً مَعَــــــــــــا
أحوطُك بالغَيْب الذي أنتَ حائِطي .........وأَجزَعُ إشفاقاً بأَنْ تَتَوَجَّعــــــــــــــــا
فصَيَّرتَني بعد انْتِكاثِك مُتْهِمــــــــا......... لـنفسي عليها أرهَبُ الخَلْق أَجْمَعَــــا
غَشَشْتَ الهوى حتى تداعَتْ أُصولُه .........بنا وابتَذَلْتَ الوَصلَ حتى تَقطَّعــــا
وأنزلتَ من بين الجَوانحِ والحَشـــــا..........ذَخِيرَةَ وُدِّ طال ما قد تمنَّعَـــــــــــــــا
فــــــــــلا تَلْحَيَنِّي ليس فيك مَطْمَــع ..........تَخرَّقْتَ حتى لم أجِد لك مَرْقَعَــــــا
فَهبْك يَمِيني استأكَلَتْ فَقَطَعَتُهـــــا.......... وجَشَّمتُ قلبي صَبرَه فَتَشَجَّعَـــــــــــــا

قال ثم تهاجرا بعد ذلك فما التقيا حتى ماتا ، ويضرب بهذا البيت المثل لمن خاصم بعد مودة ، فاستُغْنيَ عن مودّته ..
ــ 23 ــ

فإمّـا أن تكون أخي بحـــقٍّ .................... فأعرفَ غثّي من سميني
وإلاّ فاطّرحني واتخذني .....................عــــدوّاً أتّقيك وتتقيني

هما للشاعر المثقِّب العبدي واسمُه عائذ بن محسن بن ثعلبة ، شاعر جاهلي ، سمي بالمثقِّب لبيت قاله هو:

ظَهَرْنَ بكلَّةٍ وسَدَلْنَ رَقْماً ...........................وثَقَّبنَ الوَصاوِصَ للعيون

والبيتين من مقطوعة له ويليهما قوله:

فما أدري ــ إذا يممتُ أرضاً ......................... أريـــد الخير ــ أيهما يليني
أاَلخــــير الذي أنا مبتغيـه .........................أم الشر الذي هو مبتغيني




ــ 24ــ

حسنٌ قول (نعم) من بعد (لا) ........... وقبيـــحٌ قولُ (لا) بعد (نعم)

هو للمثقَّب العَبْدي الجاهلي المتوفى سنة 587 م ، وهو من قصيدة طويلة نثبت بعضها فيما يأتي :

لاَ تَقُوَلنَّ إِذَا مـــــــــــــــــــــا لم تُرِدْ ... ............أَن تُتِمَّ الوَعْـدَ في شَيءٍ ، نَعَمْ
حَسَنٌ قَوْلُ نَعَمْ مِنْ بَعْـــــــــــــــــدِ لاَ ... ............وقَبيحٌ قوْلُ لاَ بَعــــــــــــــدَ نَعَمْ
إِنَّ لاَ بَعْدَ نَعَمْ فاحِشَــــــــــــــــــــــــةٌ ............... فَبِلا فابْدَأ إِذَا خِفْتَ النَّــــــــدَمْ
فإِذا قُلْتَ نَعَمْ فاصبرْ لَهـــــــــــــــــا ................بِنَجَــاحِ القَولِ ، إِنَّ الخُلْفَ ذَمّْ
وأعْلم بأنَّ الــــــــذَّمَّ نَقْصٌ للفَتَى ................ ومَتَى لاَ يَتَّقِ الذَّمَّ يُــــــــــــــــذَمّْ
أُكْرِم الجارَ وأَرْعَى حَقَّــــــــــــــــــــهُ ............... إِنَّ عِرْفانَ الفَتَى الحقَّ كَـــــرَمْ
أَنا بَيْتِي مِن مَعَدٍّ في الــــــــــــــذُّرَا.................ولِيَ الهامَةُ والفَرْعُ الأَشَـــــــمّْ
لا تَرَانِي رَاتِعـــــــــــــــاً في مَجْلِـسٍ...............في لُحُوم النَّاسِ كالسَّبْعِ الضَّرِمْ
إِنَّ شَرَّ النَّــــــــــاسِ مَن يَمـدحـــني .............. حينَ يَلْقانِي وإِنْ غبْتُ شَتَـــــــــــمْ
وكَـــــــلاَمٍ سَيِّئِ قَــــــــــــــــدْ وُقِـرَتْ .............. أُذُنِي عَنـــــــــــهُ وما بِي مِنْ صَمَمْ
فَتَعَزَّيْتُ خَشــــــــــــــاةً أَنْ يَــــــــرَى .............. جاهِلٌ أَنِّي كمـــــــــــــــا كانَ زَعَمْ
ولَبَعْضُ الصَّفْحِ والإِعْـــــرَاضِ عَنْ ...............ذِي الخَنَــــــا أَبْقَى وإِنْ كانَ ظَلَمْ
أَجْعَلُ المالَ لِعِرْضي جُنَّــــــــــــــــــةً .............. إِنَّ خَيْرَ المالِ ما أَدَّى الذِّمَـــــــــــمْ

قال المهلب بن أبي صُفْرة لابنه عبد الملك : يا بنيّ إنّما كانت وصيّةُ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عامَّتُهَا عِدَاتٌ أنفْذَهَا أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه فلا تبدأ بنعم فإنّ مَوْرِدها سَهْلٌ ومَصْدَرَها وَعْرٌ ، واعلم أنّ (لا) ، وإن قَبُحت ، فربّما رَوّحتَ وما قدِرتَ ، فلا تُوجِبُ الطمعَ .
وقال سَمُرةُ بنُ جُنْدُبٍ : لأن أقولَ للشيء لا أفعلُه ، ثم يبدو لي فأفعلُه أحبُّ إليَّ من أن أقول أفعلُه ثم لا أفعلُه ، قال المثقَّبُ :

حسنٌ قول (نعم) من بعد (لا) ......

وكما رأيت أخي الكريم ، فالقصيدة فيها الكثير من مكارم الأخلاق ، مع أن الشاعر جاهليٌّ ، وفي هذا دليل على أنّ العرب كانت تعرف الكثير من مكارم الأخلاق ، وفيها ما هو مذموم ، وجاء الإسلام فثبّت ما هو محمود ، وأبطل ما هو مذموم ، وهو مصداق قوله عليه الصلاةُ والسلام : (( إنّما بُعِثتُ لأتمِّم مكارمَ الأخلاق )) .














ــ 25 ــ

إن القلوب إذا تنافر ودُّهـــــــا ........... مثل الزجاجة كسرها لا يشعب

و يُروى (يُجبر) وهو بعيد ، إذ لم نعثرْ له على قبلٍ ولا بعد ، والبيت ــ بقافية الباء ــ من قصيدة طويلة في الحكم لصالح بن عبد القدوس ابن عبد الله ، وكان حكيماً أديباً فاضلاً شاعراً مُجيداً ، كان يجلس للوعظ في مسجد البصرة ويقصّ عليهم ، وله أخبار يطول ذكرها ، اتُّهِمَ بالزندقة فقتلَه المَهْديُّ بيده ، ضربه بالسيف فشطرَه شَطريْن، وعُلِّق بِضعَةَ أيّام للناس ثم دُفن، وأشهر شعرِه قصيدتُه البائية هذه التي مطلعُها :

صرمت حبالك بعد وصلك زينب ............... والدهر فيــــــــــه تصرّمٌ وتقلّب
ذهبَ الشبابُ فمــــا له من عَوْدَةٍ ............... وأتى المشيبُ فأين منـــه المهربُ
نشرت ذوائبها التي تزهو بهــا...............سوداً ورأسُكَ كالنَعامــــةِ أَشْيَبُ
و استنفرتْ لما رأتك ، وطالمـا................كانت تحنُّ إلى لقــــاك وترهب
ضيفٌ ألمَّ اليك لم تحفل بــــــه ................فَتَــرى لـــــــه أَسَفا وَدَمْعا يسْكُبُ
فدع الصبا فلقد عداك زمانــه ................واجْهَــدْ فعمرك مَرَّ منـه الأطيب
وكذاك ذكرَ الغانيات فإنـــــــه .............. آلٌ ببلْقَعَـــــــــــــــــــــــــةٍ وبرقٌ خُلَّبُ
واخش مناقشةَ الحسابِ فإِنـه ............... لابُــدَّ يحصى مـــــا جنْيتَ ويكتَبُ
لم ينسَه المَلَكان حينَ نسيتَـــــهُ ................ بل أثبتــــــــــــــاه وأنتَ لاهٍ تلعبُ
والروحُ فيكَ وديعــةٌ أودعتَها ................ سَـترُدُّهـــــا بالرغم منك وتسلبُ
وغرورُ دنياكَ التي تسعى لها ................دارٌ حقيقتها متَــــــــــــــاعٌ يَذْهَبُ
وجميعُ ما حصّلتَه وجمعتَــــــــهُ ............... حقاً يَقيناً بعدَ موتِــــــــــكَ يُنهبُ
تبّاً لدارٍ لا يدومُ نعيمُهــــــــــــا ............... ومَشيـــــــــــدُها عما قليلٍ يخربُ
***
واحذر معاشرة الدنى فإنهـــا............... تعدي كمـا يُعدي الصحيح الأجرب
يلقاك يحلف إنه بك واثــــق .... ...........وإذا تــــــــوارى عنك فهو العقربُ
لا خــــــــيرَ في وِدِّ امرئٍ مُتَمَلِِّقٍٍ ................. حُلْوِ اللســـانِ وقلبُــــــــــــهُ يَتَلَهَّبُ
يُعطيك من طَرَفِ اللسانِ حلاوةً ............... ويَروغُ منك كمــــــا يَروغُ الثعلبُ

والقصيدة كنز من الحكم ، وقد نسبت كذلك لسيدنا علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه .
وضرب بهذا البيت المثل على تقرير حالة المشبّه إذا كان ما أسند إلى المشبه يحتاج إلى التثبيت والإيضاح بالمثال. فقد مُثِّل للقلوب حين تباعد ما بينها الإساءات، فيستعصي جرحها على الالتئام ، ويصبح من المستحيل على المودّة أن تجمع بينها من جديد ، ويعسر ربطها برباط الألفة ، مثّل لها بالزجاج الذي يستحيل جبرُ كسرِهِ ورَتْقُ شَرْخِه .
الآل : السراب ــ البلقع: القَفْرُ ، الخالي من الماء والنبات




ــ 26 ــ

إنّ الكرام إذا ما أيسروا ذكروا .. .....مَن كان يألفهم في الموطن الخشن

هو للشاعر أبي تمام ، واسمه حبيب بن أوسٍ الطائي ، كما نسب هذا البيت لدعبل الخزاعي .
ويقال لمن أيسر بعد إعسار ، وارتفع شأنُه بعد خمول ذكره ،فحافظ على مودة إخوانه وخلاّنه القدامى فلم يتنكَّرْ لهم ولم يتبدل بهم أخلاء جُدداً بل رفع إليه، خلصاءه ، وأبقى على صداقاته، كما كان من سيدنا يوسف عليه السلام عندما أصبح عزيزاً لمصر فرفع إليه أبويه وإخوته ، على ما كان من إخوته ، والقصة معروفة مشتهرة ، ذكرها القرآنُ الكريم .
وقد أعجب بهذا البيت كثير من الشعراء والأدباء ، فتمثّلوا به ، وضمّنه الكثير من أعلامهم ، أمثال الصاحبِ بن عبَّاد الذي قال:
أَشكو إليكَ زماناً ظلَّ يعركني ............. عَرْكَ الأديمِ من يَعْدو على الزَّمَنِ
وصاحباً كنتُ مغبُوطاً بصُحبتهِ ............ دهـــــــــــراً فغادَرَني فَرْداً بلا سَكنِ
هبَّتْ لهُ ريحُ إقبالٍ فطارَ بهـــــا .............إلى السُّرورِ وأَلجاني إلى الحَزَنِ
نأَى بجانبـــــه عنِّي وصَيَّرَني .............. مع الأسى ودواعي الشَّوق في قَرَنِ
وباعَ صَفْوَ ودادٍ كنتُ أَقصُـــــرُهُ .............. عليـــــه مجتهداً في السِّرِّ والعَلَنِ
وكان غالَى به حيناً فأرخَصَهُ .............. يا مـــن رأَى صَفْوَ وُدٍّ بيـعَ بالغَبَنِ
كأَنَّه كـــــانَ مطويًّا على إِحَـــنٍ .............. ولم يكن في قديمِ الدَّهْرِ أَنشدَني
إنَّ الكرام إذا ما أَيسروا ذكروا .............من كـان يألفهم في المنزلِ الخَشِنِ
والتّضمين هو أن يضمِّنَ الشاعرُ كلامَه شيئاً من مشهورِ شعرِ غيره ِمع التنبيهِ عليه ، إنْ لم يكن مشهوراً ، وبذلك يَزْدَادُ شعرُهُ حُسْناً، والتضمين" على أقسام ومنه: "الاستعانة"، و الإِيداع" و الرّفْو". ومن التضمين قول الحريري:

عَلَى أَنِّي سَأُنْشِدُ عِنْدَ بَيْعي ..................... أضَاعُونِي وَأَيَّ فَتىً أضَاعُوا

الشطر الأخير لِلْعَرْجِى، وبيت العرجى هو:

أضاعوني وأَيَ فَتىً أَضَاعُوا ........................لِيَوْمِ كَرِيهَةٍ وَسِدَادِ ثَغْرِ

وأحْسَنُ التضمين ما زاد على الأصل أمراً حسناً ، كتورية، أو تشبيه، ومنه قول
ابن أبي الإِصبع مستغلاًّ شعر المتنبي لمعنى آخر غير الذي قصده:

إِذَا الْوَهْمُ أَبْدَى لِي لَمَاهَا وَثَغْرَهَا.............تَذَكَّرْتُ مَا بَيْنَ الْعُذَيْبِ وَبَارقِ
وَيُذْكِرُني مِنْ قَدِّهَـــــا وَمَــــــــدامِعِي .............مَجَرُّ عَوَالينَا وَمَجْرَى السَّوابِقِ

الشطران الثانيان مطلع قصيدة للمتنبّي يمدح بها سيف الدولة ، ولم يُنَبّه ابن أبي الإِصبع على التضمين لأن قصيدة المتنبّي مشهورة عند المشتغلين بالأدب.
الْعُذَيب وبَارِق: موضعان بظاهر الكوفة مَجَرُّ عَوَالينا: أي: مكان جرّ .
الرماح، وحركة جرّها. ومَجْرى السَّوابق: أي: مكان جري الخيل السوابق ، وحركةُ جريها. فأخذ ابن أبي الإِصبع من "الْعُذَيْب" معنى عذوبة ريق صاحبته ، وأخذ من "بَارِق" البريق الذي يُرَى من ثغرها ، على سبيل التورية. وشبّه قدّها بحركة جرّ الرّماح ، وشبّه جريان دمعهِ بِجَرْيِ الخيل السوابق. والتضمين على حَالتين:
فإِذا بلغَ مقدارُه تضمينَ بيت فأكثر، فقد يُطْلَق عليه لفظ "الاستعانه"التي سبق أن ذكرناها أثناء تعليقنا على شاهد سابق .
وإذا كان مقدارُهُ شَطْرَ بيتٍ أوْ دونه، فقد يُطْلق عليه "الإِيداع" ، وقَدْ يُطْلَقُ عليه "الرَّفْوُ" إذا الشاعر "رَفَا" خَرْقَ شِعْرِه بشيءٍ من شعر غيره.

ــ 27 ــ

أخْلِقْ بذي الصبرِ أن يحظى بحاجتِه......ومدمنِ القَرْعِ للأبوابِ أن يَلجا

هو لمحمد بن بشير الرياشي ، شاعر عباسي ماجنٌ ظَريفٌ هَجَّّاءٌ لم يفارقْ البصرةَ ولم يَتَكَسَّبْ بشعرِهِ ، وقبلَه:

كم من فتىً قصّرتْ في الرِزقِ خُطوتُه.......ألفيتَه بسهام الرزقِ قد فُلِجــــــــــــا
لا تيأسنَّ ــ وإنْ طالت مُطالبــــــــــةٌ ــ.......إذا استعنتَ بصبرٍ ، أنْ تَرى فَرَجـــــا
إنَّ الأُمورَ إذا انْسدَّتْ مَسالكُهــــــــــــــا.......فالصبرُ يفتحُ منها كلَّ ما ارتتجـــــــا
أَخْلِقْ ......................إلخ

كان المعتصم رحمه الله في غزوٍ للروم ، فجاء بعضُ سراياهُ بخبرِ عمِّهِ، فركِبَ مِن فورِهِ ، وسار أَجَدَّ سيرٍ وأنا أُسايرُهُ ، فسمِعَ منشداً يَتمثَّلُ في عسكرِهِ

إنَّ الأمور إذا انْسَدَّتْ مَسالِكُها ............... فالصبرُ يَفْتَحُ منها كلَّ ما ارتَتَجا

لا تيأَسَنَّ وإنْ طالتْ مطالبَــةٌ ...............إذا استعنتِ بصبر أن ترى فَرَجـــــا
فسُرَّ بذلك ، وطابت نفسُه ، ثمَّ التفتَ إلى أحدهم وقال: يا عَليّ أتروي هذا
الشعر ؟ قال: نعم ، قال: من يقولُه؟ قلتُ: محمد بن يسير ، فتفاءل باسمِه ونسبِه ، وقال: أمرٌ محمودٌ ، وسيرٌ سريعٌ ، يَعقُبُ هذا الأمر ، ثمَّ قال: يا علي أنشدْني الأبياتَ فأنشده قائلاً:

ماذا يكلِّفُكَ الرَّوْحاتُِ والدُّلَجَـــــــــــــا.......البَرَّ طَوْراً وطوراً تركَبُ اللُّجَجَــــــــا
كَمْ مِنْ فَتىً قَصُرَتْ في الرِّزْقِ خُطْوَتُهُ.......ألفيتَهُ بِسِهامِ الرزق قد فَلَجــــــــــــا
لا تَيْأَسَنَّ وإنْ طالَتْ مُطالبَــــــــــــــــة....... إذا استعنَت بصبر أن ترى فَرَجـــــــــا
إنَّ الأمورَ إذا انْسَدَّتْ مسالِكُهـــــــــــــا........فالصبرُ يفتحُ منها كلَّ ما ارْتَتَجــــــا
أَخْلِقْ بذي الصبرِ أن يحظَى بحاجتـه ......ومُدْمِنِ القَرْعِ للأبواب أن يَلِجَــــــــــــا
فاطْلُبْ لرجلك قبل الخَطْوِ مَوْضِعَها........ فَمَنْ عَــــــــــــــــلاَ زَلَقاً عن غِرَّة زَلجَا
ولا يَغُرَّنْك صَفْوٌ أنت شارِبُــــــــــــــــــهُ........ فربّما كان بالتكدير مُمْتَزِجَـــــــــــا
لا يُنْتَجُ النَّـــــــــاسُ إلا من لِقاحِهِـــمُ ........يبدو لِقاحُ الفتى يوماً إذا نتِجَــــــا

واستشهد بهذا البيت على بقاء الاسم مجروراً بعد حذف حرف الجرِّ ، ذلك قوله: (ومدمنِ) أي (وبمدمن) فقد حذف حرف الجرِّ ، ومثله قولُ الفرزدق:

إذا قيلَ أَيُّ النَّاسِ شَرٌّ قَبيلَـــةً.................. أَشارَتْ كُلَيْبٍ بالأَكُفِّ الأَصابِعُ
أي (أشارت إلى كليب) وكان من حقُّه النصب بنزع خافضه ، ونَدَرَ بقاؤه كذلك. .
ــ 28 ــ

فلا وأبيك ما في العيش خــير.............. ولا الدنيا ، إذا ذهب الحياء

جميل بن المعلى أحد بني عميرة بن جؤية بن لوذان بن ثعلبة بن عدي بن فزارة وهو شاعر فارس

وأُعْرضُ عن مَطاعِمَ قد أراها .................. فأترُكُهـــــا وفي بطني انْطِواءُ

يعيشُ المرءُ ما استحيا بخــــيرٍ .................. ويبقى العودُ مـــــا بقيَ اللحاءُ

فلا وأبيك ما في العيش خــــيرٌ .................. ولا الدُّنيـا إذا ذهب الحيــــــاءُ

إذا لم تخش عاقبةَ الليــالي .................. ولم تستحي فافعل ما تشــــاء

قال الجنيد : مر بي الحارث بن أسد المحاسبي ، فرأيت فيه أثر الجوع ، فقلت : يا عمُّ ، تدخل الدار وتتناول شيئاً ؟ قال : نعم ، فدخل ، وقدمت إليه طعاماً حُمِلَ إليَّ من عُرسٍ ، فأخذ لُقمةً فلاكَها ونَهض فألقاها في الدهليز ومضى ، فالتقيتُ به بعد أيامٍ، فقلتُ له في ذلك : فقال : كنت جائعاً ، وأردتُ أن أَسُرُّك بأكلي ، ولكن بيني وبين الله تعالى علامةٌ ، أنْ لا يَسوغُني طعاماً فيه شُبهةٌ ، فمن أين كان ذلك الطعام ؟ فأخبرتُه ، ثم قلتُ له : تَدخُلُ اليومَ ؟ قال: نعم ، فقدَّمتُ إليه كسَراً كانت لنا فأكل وقال : إذا قدَّمتَ لفقير شيئاً ، فقدمْ مثلَ هذا .
روي أن عمرو بن العاص قال لأصحابه يوم الحكمين : أكثروا لهم الطعام ، فوا لله ما بطن قوم إلا فقدوا بعض عقولهم ، وما مضت عزمة رجل بات بطينا ، فلما وجد معاوية ما قال صحيحا ، قال : البطنة تذهب الفطنة.
وروي أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال : " لا تميتوا القلوب بكثرة الطعام والشراب ، فإن القلوب تموت كالزرع إذا كثر عليه الماء " .










ــ 29 ــ

يريد المرء أن يعطى مناه ....................ويأبى الله إلاّ مــــــا يشاء

هو لقيس بن الخطيم الأوسي قُتِل سنة 612م ، شاعرٌ جاهليٌّ وابنُه ثابتٌ مذكور في الصحابة رضي الله عنهم وشهد مع عليٍّ كرّم الله وجهَه صِفّينَ والجَمَلَ والنَهروان
قُتلَ أبوه وهو صغير ، فلمّا بلغ قَتَلَ قاتلَ أبيه ، ونشأت بسبب ذلك حروبٌ بين قومِه وبين الخَزرجِ ، وكان قيس بن الخطيم ، بهيَّ الطلعةِ مقرون الحاجبين أدعج العينين أحمر الشفتين برّاقَ ، الثنايا كأنّ بينهما برقاً ، ما رأته حليلةُ رجلٍ قط إلاَّ ذهب عقلُها.
قال حسان بن ثابت رضي الله عنه قدم النابغة السوق فنزل عن راحلته ثمّ جثا على ركبتيه واعتمد على عصاه فأنشد ، ثم قال إلا رجلٌ يُنشد فتقدم قيس بن الخطيم فجلس بين يديه وأنشد قصيدته التي مطلعها:

أتعرف رسما كاطِّرادِ المذاهِبِ ......
حتى فرغ منها فقال له أنت أشعر الناس يا ابن أخي ، قال حسّان رضي الله
عنه، ثم تقدَّمتُ فجلستُ بين يديه فقال: أنشد ، فو الله إنك لشاعرٌ قبل أن تتكلم ، قال: وكان يعرفني قبل ذلك فأنشدتُه فقال: أنت أشعر الناس.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال :جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس ليس فيه إلاّ خزرجي ، فاستنشدهم صلى الله عليه وسلم قصيدةَ قيسٍ بنِ الخطيم وهي:

أتعرفُ رسماً كاطرادِ المذاهــــــبِ ..............لِعَمْرَةَ وحشــــاً غيرَ موقِفِ راكِبِ
تبدت لنا كالشمس تحت غمامة .............بدا حاجب منها وضنت بحاجب

فأنشده بعضُهم إياها فلمّا وصل إلى قولِه منها:

أُجالدُهم يوم الحديقةِ حاسِراً ...............كأنّ يدي بالسيف مخراقُ لاعِبِ

فالتفتَ إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هل كان كما ذَكَرَ؟ فشهد ثابتٌ بنً قيس بن شمّاس قال: والذي بعثك بالحقِّ يا رسول الله لقد خرج إلينا يومَ سابعِ عرسِهِ عليه غِلالَةٌ وملحفةٌ مُورَّسةٌ فجالَدَنا كما ذكر.
وعن المفضل أن حرب الأوس والخزرج لما هدأت تذكّرت الخزرج قيس بن الخطيم ونكايته فيهم ، فتآمروا وتواعدوا على قتله ، فخرج عشيّةً من منزله يريد مالاً له ، فرمي بثلاثة أسهم فوقع أحدها في صدره فصاح صيحةً سمعها رهطُة فجاؤوه فحملوه إلى منزله ، فلم يَروا له كفواً إلاّ أبا صعصعة يزيد بن عوف بن مبذول النجّاري ، فاندسَّ إليه رجلٌ حتى اغتاله في منزلِه فقتله بأن ضرب عنقه واحتملَ رأسَه ، وأتى به قيساً وهو بأخر رمقٍ فألقاه بين يديه وقال يا قيس قد أدركتُ بثأرك ، وأراه الرأس فلم يَلبثْ قيسٌ بعد ذلك أن مات، وكان موتُه على كفره قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة المنورة . وقد اخترنا من قصيدته ،التي منها البيت الشاهد ، ما يأتي على أنّها جيدة كلّها:

وما بعض الإقامــــــة في ديار ................... يهـــــــــــــان بها الفتى إلا بلاءُ
وبعضُ خــــــلائق الأقـوام داءُ ................... كــداء البطن ليس لـــــــه دواءُ
يريدُ المرءُ أن يعطي منــــــاهُ ....................ويأبى الله إلا مــــــــــــــا يشـــاءُ
وكلُّ شديـــــــــدةٍ نَزَلتْ بقومٍ .................... سيـــــــأتي بعد شدّتهــا رخــاءُ
وليس بنافع ذا البخل مـالٌ .................... ولا مُزْرٍ بصاحبِــــــــــــه السّخاءُ

وبعض الدواء ملتمسٌ شفاءً .................... وداءُ النوك ليس لــــــــــــه إناءُ
يصوغ لك اللسان على هواهُ .................... ويفضـــحُ أكثرَ القِيلِ البــــــلاءُ
النوك بالضم والفتح : الحمق والمعنى بعض الداء يعرف شفاؤه فتطلب إزالته وداء الحمق لا دواء له .















ــ 30 ــ

أضاعوني وأيَّ فتىً أضاعوا ................ ليوم كريهــــــــة وسِداد ثغر

قائلُ هذا البيت هو عبد الله بن عمر بن عمرو بن عثمان بن عفان. وكان ينزل بموضعٍ يقال له العَرْجُ فنسب إليه. وهو أشعر بني أمية ، حبسه والي مكة محمد بن هشام حتى مات .
وكان محمد بن هشام خال هشام بن عبد الملك فلما ولي الخلافة ولاه مكة وكتب إليه أن يحج بالناس فهجاه العرجي بأشعارَ كثيرةٍ وشبّب بأمّه جيداء وبامرأته جبرة وكان محمد تيّاهاً شديدَ الكِبر ، جبّارا فلم يَزلْ يتطلب عليه العلل حتى حبسه وقيَّده بعد أن ضربه بالسوط ، فمكث في حبسه نحوا من تسع سنين حتى مات فيه والبيت من قصيدة قالها العَرجِيُّ في حبسِه وهي:
أَضَاعُونِي وأيَّ فتىً أَضَــاعُوا ...................... ليومٍ كَرِيهةٍ وسِـــــــدَادِ ثَغْرِ
أُجَرَّرُ في الجَوَامِــــــــع كلَّ يومٍ ......................فيَـــــــا للهِ مَظْلِمتي وصَبْرِي
كأنِّي لم أكُنْ فيهم وَسِــــــيطاً ......... ............ولم تَكُ نِسْبتي في آلِ عَمْرِو
وصبرٍي عند مُعْتَرَكِ المَنَايَــــا ................... وقــــــد شُرِعَتْ أسِنَّتُها بنَحْرِي
عسى الملكُ المجيبُ لمن دعــاه ....................سينجيني فيعلــم كيف شكري
فأجزي بالكرامة أهل شكري ....................وأجـزي بالضغائن أهل وتري

وقد اهتم الناس وخاصَّة أهل الشعر والأدب ، بهذا البيت ، وكثيراً ما تُمُثِّلَ به قديماً وحديثاً وغنّاه المغنون .
وثمة قصتان يحسن أن نرويهما لما فيهما من فائدة ، إنّما بشيءٍ من الاقتضاب غير المخلّ تجنّباً للتوسّع المملّ
أولاهما أنه كان لأبي حنيفة جار بالكوفة سِكّير فإذا انصرف وقد سكر يغني في غرفته ويسمع أبو حنيفة غناءه ، وكان كثيراً ما يغني

أَضَاعُونِي وأيَّ فتًى أضاعُوا .......................... ليومِ كَرِيهةٍ وسِدَادِ ثَغْرِ
فلقيه العسسُ ذات ليلة فأخذوه وحُبِسَ ، ففقد أبو حنيفة صوتَه تلك الليلة فسأل عنه فأُخبر بخبره ، فركب إلى عيسى بن موسى فقال له: إنّ لي جارا أخذه عسسُك البارحة فحبس ، وما علمتُ منه إلاّ خيراً ، فقال عيسى سلِّموا إلى أبي حنيفةَ كلَّ ما أخذه العسسُ البارحةَ ، فأُطلِقوا جميعاً ، فلما خرج الفتى دعا به أبو حنيفة وقال له سِرّاً ألستَ كنتَ تُغنّي يا فتى كل ليلة أضَاعُونِي ..) فهل أضعناك ؟ قال لا والله أيّها القاضي ، ولكن أحسنتَ وتكرَّمتَ أحسنَ اللهُ جزاءك ..
أمّا الثانية فهي عن النَضْر بن شُميلٍ قال: كنت أدخل على المأمون في سمره ، فدخلتُ عليه ذات ليلة، وعليَّ قميصٌ مرقوع ، فقال: يا نَضرُ ، ما هذا التقشُّف؟ أتدخل على أمير المؤمنين في هذه الخِلقان؟ فقلت: يا أمير المؤمنين ، أنا شيخٌ ضعيفٌ وحرُّ مَرْوٍ شديدٌ فأتبرَّدُ بهذه الخِلقان ، قال: لا، ولكنَّك قَشِفٌ. وأجرينا الحديث ، فجرى ذكرُ النساءِ فقال أميرُ المؤمنين : حدثنا هُشيْمٌ عن مُجاهد عن الشَعبي عن ابنِ عبّاس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا تزوج الرجل المرأة لدينها وجمالها كان في ذلك سَدادٌ من عِوَزٍ، قلتُ: صدق أمير المؤمنين ، حدَّثنا عوفٌ بن أبي جميلة عن الحسن ، عن عليٍّ بن أبي طالب ، الحديث إلى أن قال: كان فيها سِداد من عَوَزٍ ، وكان المأمون متكئاً فاستوى جالساً فقال: يا نَضر، كيف قلت ؟ قلت: يا أمير المؤمنين ، السَداد ها هنا لَحْنٌ ، قال: وكيف ؟ قلتُ: إنَّما لحنَ هٌشيمٌ ، وكان لحّانةً، فتبع أميرُ المؤمنين لفظَه، قال: فما الفرق بينهما؟ قلت: السَدادُ: القصدُ في الدين ، والسِداد: البُلْغةُ، وكلُّ ما سددت به شيئاً ، قال: أو تعرف العرب ذلك ؟ قلتُ: نعم ، هذا العَرجيُّ يقول: أضاعوني ...
قال فأطرق المأمون مليّاً ثم قال: قبَّح الله من لا أدب له ، ثم قال: أنشدني يا نَضرُ أخلبَ بيت للعرب ، قال قلت: قولُ حمزة بن بيض يا أمير المؤمنين:

تقول لي والعيون هاجعـــــــة ................... أقم علينـــا يوماـــــــــً فلم أُقِم
قالت:فأيَّ الوجوه قلت لهـا ................... لأيّ وجـــــــــــــــهٍ إلاَّ إلى الحَكَم
متى يقُلْ حاجباً سرادِقِـــــــه ................... هذا ابن بِــيض بالباب يبتسِم
قد كنت أسلمت فيكَ مُقْتَبِــلاً .................... فهـــــــات إذ حلَّ أعطني سَلَمِي
فقال المأمون لله درُّك كأنّما شُقَّ لك عن قلبي فأنشدْني أنْصَفَ بيت للعرب قال قلتُ قول أبي عَروبة المدني

إني وإن كان ابن عمي عاتبـــــاً ................. لَمُـزاحِمٌ من خلفهِ وورائِـــــــــه
ومُفيــــــدُه نصري وإن كنتُ امرأً ................. متزحزحاً عن أرضه وسمائـه
وأكون واليَ سِرِّه وأصونُـــــــــــــه ................ حتى يَحينَ عليَّ وقتُ أدائــــــه
وإذا الحوادثُ أجحفت بسَــوامِـه ..................قُرِنت صَحيحتُنا إلى جَرْبائه
وإذا دعا باسمي ليركب مَرْكبـاً .................. صعباً قعدتُ له على سِيسائِه
وإذا أتى من وجهه بطريفــــــــــةٍ ................ لـم أطَّلع ممَّا وراء خِبائــــــــــه
وإذا ارتدى ثوباً جميلاً لم أقلْ ............... يا ليت أن عليَّ حسنُ ردائــــــه
فقال أحسنت يا نضر أنشدني الآن أقنع بيت قالته العرب فأنشدته قول ابن عبدل الأسدي

إني امرؤ لم أزل ــ وذاك من الله ــ قديمــــــــاً أُعلِّم الأدبا
أقيم بالدار ما اطمأنت بيَ الدار وإن كنتُ مازحاً طَرِبا
لا أجتوِي خُلَّة الصديق ولا أُتبِعُ نفسي شيئــــــاً إذا ذهبا
أطلب ما يطلب الكريم من الرِّزق بنفسي وأُجْمِـــل الطلبا
إني رأيت الفتى الكريم إذا رغَّبته في صنيعــــــــــــةٍ رَغِِبا
والعبد لا يطلب العَلاء ولا يعطيك شيئــــــــــاً إلا إذا رهِبا
مثلُ الحمار المُوَقَعَ السَّوْءِ لا يُحسن مَشْيـــــــاً إلا إذا ضُرِبا
قد يُرزقُ الخافضُ المقيمُ وما شـــــدَّ بِعيس رحلاً ولا قَتَبا
ويُحرَمُ الرزقَ ذو المطيَّـــــــــة والرحل ومن لا يزال مغتربا
ولم أجد عُدّة الخلائق إلاّ الدِّين َــ لما اعتبرتُ ــ والحَسَبا
فقال: أحسنت يا نَضرُ ، وكتب لي إلى الحسن بن سهل بخمسين ألفاً وأمر خادماً بإيصالِ رقعةٍ وتَنجيز ما أمرَ به لي ، فمضيتُ معه إليه ، فلمّا قرأ التوقيع ضحك وقال لي يا نضر أنت المُلَحِّنُ لأميرِ المؤمنين ؟ قلت: لا بل لِهُشيْم ، قال فذاك إذن ، وأطلق لي الخمسين ألف درهم وأمر لي بثلاثين ألفاً
والقصص كثيرة حول من تمثّل بهذا البيت في كتب الأدب ، لكننا اكتفينا بهاتين القصتين دفعاً للملل ، وللفكاهة نسوق هذه الطُرفة:
قال قدَّم رجلٌ ابنَه إلى بعضِ القُضاة ليحجر عليه فقال القاضي : فيمَ ؟ قال :أصلحك الله ، إن كان يُحسن آيتين من كتاب الله فلا تَحجر عليه ، فقال القاضي: اقرأ يا فتى ، فقال: أضاعوني وأيَّ فتى أضاعوا ليوم كريهة وسِداد ثغر ، فقال أبوه : أصلحك الله ، إنَّه إن قرأ آية أخرى فلا تحجر عليه ، فحجر القاضي عليهما.
عبد القادر الأسود
عبد القادر الأسود
أرمنازي - عضو شرف
أرمنازي - عضو شرف

عدد المساهمات : 932
نقاط : 2771
السٌّمعَة : 15
تاريخ التسجيل : 08/06/2010
العمر : 76
الموقع : http://abdalkaderaswad.spaces.live.com

http://abdalkaderaswad.wordpress.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى