الشواهد نسبتها ومناسبتها /40 ـ 50/( الشاعر عبد القادر الأسود)
منتدى مدينة أرمناز العام :: المنتدى الخاص بشاعر أرمناز الكبير الأستاذ عبدالقادر الأسود :: البحوث والدراسات والمقالات النثرية
صفحة 1 من اصل 1
الشواهد نسبتها ومناسبتها /40 ـ 50/( الشاعر عبد القادر الأسود)
ــ 41 ــ
ضدَّان لما استجمعا حَسنا ................... والضدُّ يظهر حسنه الضدُّ
هو للشاعر العبّاسي علي بن جبلة الملقّب بالعَكّوك ،من قصيدة طويلة اخترنا لك منها:
هل بالطُلُول لســــــــــــــــائلٍ رَدُّ ................أَو هَلْ لهـــــــــــــــا بتكلُّمٍ عَهْــــــدُ
لهفى على دعــــــــدٍ وما خلقتْ ................إلا لِطُول بَليّتي دَعْــــــــــــــــــــــــدُ
بيضاء قد لَبسَ الأديمُ بَهــــــا ................ءَ الحُسْنِ فهوَ لِجِلْدِهـــــــا جِلْــــدُ
ويَزينُ فَوْدَيْهـــــــــا إذا حَسَـرَتْ ................ضــــــافي الغَدائر فاحِمٌ جَعْـــــدُ
فالوجــــــهُ مثل الصبحِ مُبيَـضٌّ ................والفَرْعُ مثل الليــــــــلِ مُسْــــــــوَدُّ
ضِدّانِ لمّا اسْتَجْمَعا حَسُنــــــــــا ................والضدّ يُظْهِرُ حُسْنَـــه الضِــــــدُّ
وكأنهــــــــــــا وَسْنى إذا نظرتْ ................أو مدْنَفٌ لمّـــــــــــــا يُفِقْ بَعْــــــــــدُ
بفتورِ عـين ما بهــــــــــــــا رُمْـــدٌ ................وبهـا تداوى الأعـــــــينُ الرُمْـــدُ
وتريكِ عِرْنينــــــــــــاً يزيِّنُــــه ................شمــمٌ وخداً لونـُـــــــــــــــــه الوردُ
وتجيل مِسْــــــواك الأراك على ................رتِلِ كأنَّ رُضَـــــــــــــــــابَه الشُّهْدُ
ولها بَنـــــــــــــــان ٌ لو أردتَ لـه ................عَقداً بكفِّك أَمـــــكـــــن العَقْـــــدُ
وكأنَّمـــــا سُقِيتْ تَرائِبُهـــــــــــا................ والنحرُ مـــاءَ الحُسْنِ إذ تبــــدو
وبصدرهــا حِقّانِِ خِلْتُهمــــــــــا................ كافورتــينِ علاهمـــــــــــــــا نَــــــدّ
إنْ لم يكن وَصْلٌ لديكِ لنـــــــا................ يشفى الصبـــابة َ فليكنْ وعـــدُ
قد كان أوْرَق وصْلكم زَمَنــــــــاً................ فذوى الوصـال وأوراقَ الصــــدُّ
لله أشواقي إذا نَزَحــــــــــــــــــتْ................ دارٌ بِنــــــــــــــــــا ونأى بكمْ بُعْـــدُ
إنْ تُتْهِمي ،فَتَهامـــــــة ٌ وَطَني................أو تُنْجِدي إنَّ الهوى نَجْــــــــــــــدُ
وزَعَمْتِ أنَّكِ تُضمرينَ لَنـــــــــا................وُِدّاً فهــــــــــــــــــــــــــــــلاّ ينفعُ الودّ
وإذا المحبُّ شكـــا الصدود ولم................يُعْطَفْ عليـــــــــــه فقَتْلـــــه عَمْدُ
وقد نسب أيضاً لكلٍّ من دوقلة المنبجي وأبي الشيص ، وقد أخذ هذا المعنى المتنبي فقال:
ونديمُهم،وبهم عرفنا فَضلهُ................ وبِضدها تتبين الأشيــــاءُ
وقد قدّم ابنُ جني بيتَ المتنبي هذا، على بيت جبلة (ضدّان لما استجمعا حسُنا) فقال : هذا البيتُ مَدخولٌ مَعْيوبٌ لأنّه ليس كلّ ضدّين إذا اجتماعا حَسُنا ، وبيتُ المتنبي سليم لأنً الأشياء بأضدادها يصح أمرُها .
ــ 42 ــ
ومكلِّفُ الأيام ضِدَّ طِباعها ..................متطلِّبٌ في الماءِ جَذْوةَ نارِ
قائلُ هذا البيت هو أبو الحسن التهاميّ من قصيدة يرثي بها ولده وهي نسيجُ وحدها وواسطة عقدها ، والشاهد فيه براعة الاستهلال أيضاً ، فإنَّه يشعر بابتدائه بأنَّه في الرثاء. وما أعلم أنّ أحداً استهلّ للمراثي بأحسنَ من هذه البراعات ،وهي من غرر القصائد وقد اخترنا منها:
حُكْمُ المنيَّة في البريَّة جـــــــارِي ............... مـــــــــــا هذه الدُّنيا بدارِ قَرار
طُبعت على كدر وأنت تريدُها ............... صفواً مـــــــــن الأَقذاء والأَكدار
بينا يُرى الإنسانُ فيها مخبِراً ............... حتَّى يُرى خبراً من الأَخبــــــــار
ومكلِّفُ الأَيام ضدَّ طباعهــــــا ................ متطلبٌ في الماءِ جـــــــــذوة نار
وإذا رجوت المستحيل فإنَّمــــــا ................ تبني الرجاء على شفــــير هار
وَلَدُ المعزَّى بعضُهُ، فــإذا مضى .................بعضُ الفتى فالكلُّ في الآثار
أبكيه ثمَّ أقولُ معتـــــــــذراً لهُ .................وفّقت حيث تــــــــركتَ ألأمَ دار
جاورتُ أَعدائي وجاور ربَّـــــهُ..................شتَّـــــــــــان بين جواره وجواري
و هذا البيت (الأخير) من المعاني المستغربة.
ــ 43 ــ
بذا قضت الأيام ما بين أهلها ............. مصائب قوم عند قومٍ فوائد
هو للمتنبي مما أجمع الناس على حفظه أو حفظ عجزه ، وقد عقد به حكمة أرسطا طاليس التي يقول فيها : الزمان ينشئ ويلاشي، ففناء كل قوم سبب لكون قوم آخرين ، وهذا البيت من قصيدة طويلة اخترنا منها :
عَوَاذِلُ ذاتِ الخَــــــــــــالِ فيّ حَوَاسِد = وَإنّ ضَجيــــــــــــعَ الخَــوْدِ منّي لمَاجِدُ
مَــــرَرْتُ على دارِ الحَبيبِ فحَمْحمتْ = جَوادي وهل تُشجي الجيادَ المعاهدُ
أهُــــــــــــــــمّ بشَيْءٍ واللّيَالي كأنّهَا = تُطارِدُني عَنْ كَوْنِهِ وَأُطــــــــــــــارِدُ
وَحيـــــــــــدٌ مِنَ الخُلاّنِ في كلّ بَلْدَةٍ = إذا عَظُـــمَ المَطلُوبُ قَلّ المُساعِــــــــدُ
وَتُسْعِدُني في غَمرَةٍ بَعـــــــدَ غَمْرَةٍ = سَبُــــــــــــوحٌ لهَا مِنهَا عَلَيْهَا شَوَاهِدُ
تَثَنّى عَلى قَدْرِ الطّعانِ كَأنّمَــــــــا = مَفَــاصِلُهَا تَحْتَ الرّمــــــــــاحِ مَرَاوِدُ
وَأُورِدُ نَفْسِي والمُهَنّــــــــــــدُ في يَدي = مَوَارِدَ لا يُصْــــــــــدِرْنَ مَن لا يُجالِدُ
وَلَكِنْ إذا لمْ يَحْمِلِ القَلْبُ كفَّـــــــــــهُ = على حَالَةٍ لم يَحْمِلِ الكَفَّ ساعِـــدُ
خَليلَيّ إنّي لا أرَى غيرَ شاعِــــــــــــرٍ = فَلِمْ منهُمُ الدّعوَى ومني القَصائِدُ
فَلا تَعْجَبَا إنّ السّيُـــــــــــوفَ كَثيرَةٌ = وَلكِنّ سَيفَ الدّوْلَةِ اليَوْمَ واحِــــــدُ
وَلمّا رَأيتُ النّــــــــــــــــاسَ دونَ مَحَلِّهِ = تَيَقّنْتُ أنّ الدّهْرَ للنّـــــــــاسِ نَاقِدُ
وَأشقَى بلادِ الله ما الرّومُ أهلُهـــــــا = بهذا وما فيها لمَجدِكَ جَاحِــــــــــــدُ
شَنَنْتَ بها الغاراتِ حتى تَرَكْتَهــــا = وَجَفنُ الذي خَلفَ الفَرنْجةِ ساهِـدُ
مُخَضَّبَــــــــــةٌ وَالقَوْمُ صَرْعَى كأنّهَا = وَإنْ لم يكونوا ساجِدينَ مَساجِــــــدُ
فلَم يَبقَ إلاّ مَنْ حَمَاهَــــا من الظُّبى = لمَى شَفَتَيْها وَالثُّدِيُّ النّوَاهِــــــــــــــدُ
تُبَكّي علَيهِنّ البَطاريقُ في الدّجَــا = وَهُنّ لَدَينا مُلقَيـــــــــــــــــاتٌ كَوَاسِدُ
بذا قضَتِ الأيّامُ ما بَينَ أهْلِهَـــــــــا = مَصائِبُ قَوْمٍ عِندَ قَوْمٍ فَوَائِـــــــــــــــدُ
ــ 44 ــ
ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى .......عدواً لـــــــه ما من صداقته بُدُّ
النَكَدُ : قِلَّةُ الخير ، يقول من قلة خير الدنيا أن الحُرَّ يحتاج فيها إلى إظهار صداقة عدوِّه ليأمن شرَّه ، وهو يعلم أنّه له عدوٌّ ، ثم لا يجد بُدّاً من أن يُري الصداقةَ من نفسه دفعاً لغائلتِه . وأراد ما من مُداجاته بُدٌّ ، ولكنّه سَمّى المُداجاةِ صداقةً ، لما كانت في صورة الصداقة ، ولما كان الناسُ يحسبونها صداقةً . ويجوز أنْ يكون قد أراد ما من اظهار صداقتِه بُدٌّ ، فحذفَ المضافَ وأبقى المضاف إليه .
وهذا البيت لأبي الطَّيِّب المتنبِّي من قصيدةٍ قيل إنّها هي التي ادعى فيها النبوَّةَ، ومنها:
وطعْنٍ كأنّ الطّعنَ لا طَعنَ عنـــــدَهُ ..........وضرْبٍ كأنّ النّــــــــــارَ من حرّهِ بَرْدُ
أذُمّ إلى هذا الزّمــــــــــــــــــانِ أُهَيْلَهُ ..........فأعْلَمُهُمْ فَدْمٌ وأحزَمُهمْ وَغْـــــــــــــدُ
ومن نَكَدِ الدّنْيا على الحُرّ أنْ يَرَى ...........عَدُوّاً لَهُ ما من صَداقَتِـــــــــــــــهِ بُدُّ
وبيته هذا مسروق من قول إسحاق بن إبراهيم الموصلي:
ومِن نَكدِ الدُّنيا على الحُرِّ أَنْ يَرَى ...............عَدُوَّاً فَيهوَى أن يُقالَ: صَدِيقُ
ولفظ إسحاق أوضح لأن معناه يرضى أن يُسميَّه ، إذا سئل عنه صديقاً وتلك التسمية هي المداجاة .
قال أبو علي القالي : قيل للمتنبي على مَن تنبأتَ ؟ قال :على الشعراء. فقيل: لكل نبيٍّ معجزة ، فما معجزتُك ؟ قال: هذا البيت: ومِن نكد الدنيا ...
يقول محمد بن موسى الملقب بسيبويه الموسوس: مدح الناس المتنبي على قوله: ((ومن نكِد الدنيا ... )) ولو قال ما من مداراته أو من مداجاته لكان أحسن وأجود ، فلقيه المتنبي فقال له: أيها الشيخ بلغني أنك أنكرت على قولي: (عدوا له ما من صداقته بد) فما كان الصواب عندك؟ فقال له إن الصداقة مشتقة من الصدق في المودة ، ولا يسمى الصديق صديقاً وهو كاذب في مودته، فالصداقة إذن ضدُّ العداوة ، ولا موقع لها في هذا الموضع ، ولو قلت ما من مداراته أو مداجاته لأصبتَ . هذا رجلٌ منّا ــ يُريدُ نفسَه ــ قال:
أتاني في قميص الــــــــــلاذِ يسعى............ عدوٌّ لي يُلقَّبُ بالحبيـــــــــــــــــــــبِ
فقال المتنبي: أمع هذا غيرُه؟ قال نعم:
وقد عَبثَ الشرابُ بوجنتيــــــــــــه............فصيَّرَ خدَّه كَسَنَـــــــــــــــــــا اللهيب
فقلتُ له متى استعملتَ هــــــــــــــذا............لقد أقبلتَ في زيّ عجيــــــــــــــــــــبِ
فقال: الشمس أهدتْ لي قميصا ............ مليحَ اللونِ من نسج المغيـــــــــــــــــبِ
فثوبي والمدامُ ولونُ خـــــــــــــــدّي ............ قــريبُ من قريب من قريـــــــــــــــب
فتبسم المتنبي وانصرف .
ــ 45 ــ
والظلم من شيم النفوس فإن تجد .....ذا عِفَّةٍ فلِعِلَّةٍ لا يظلـــــــــــــــــــــــــم
الظلم : هو وضع الشيء في غير موضعه. وهذا البيت للمتنبي من قصيدة جاء فيها:
ذو العقلِ يشقى في النّعيم بعقلـــه............وأخو الجهالةِ في الشقّاوة ينعَــــمُ
لا يخدعنكَ من عدوًّ دمعُـــــــــــــــــهُ............وارحمْ شبابَك من عدوًّ ترحــــــــمُ
لا يسلم الشرفُ الرفيـــعُ من الأذى............حتى يُراقَ على جوانبـــــــه الـــدّمُ
والظلمُ من شيمِ النفوس فإن تجدْ ............ ذا عِفَّـــــــــــــــــــــــة فلعلَّة لا يَظلِمُ
ومن البليّـــــــة عذلُ من لا يَرعـوي ............عـن غيّــــــــة وخطابُ من لا يفهم
ومــن العداوة ما ينالك نفعُــــــــــه ............ومـن الصّداقة ما يضرُّ ويؤلــــــــم
والمعنى للفيلسوف الحكيم أرسطو طاليس ، يقول: الظلم من طبع النفوس، وإنما يصدها عن ذلك إحدى علتين: إما ديانةٌ لخوف معاد ، أو سياسةٌ لخوف سيف.
ــ 46 ــ
وإذا أتتكَ مَذَمَّتي من ناقصٍ .............. فهي الشهادةُ لي بأنّي كاملُ
هو للمتنبي أيضاً من قصيدة طويلة مطلعها :
لَكِ يا مَنازِلُ في القُلوبِ مَنــــــــازِلُ ............. أقفَرْتِ أنْتِ وهنّ منــــــكِ أواهِلُ
ومنها:
يَعْلَمْنَ ذاكَ وما عَلِمْتِ وإنّمَـــــــــــــــا .............. أوْلاكُما يُبْكَى عَلَيْهِ العــــــاقِلُ
وأنَا الذي اجتَلَبَ المَنيّــــــــةَ طَرْفُهُ .............. فَمَنِ المُطالَبُ والقَتيلُ القـاتِلُ
تَخْلُو الدّيارُ منَ الظّبــــــاءِ وعِنْدَهُ .............. من كُلّ تابِعَةٍ خَيـــــــــالٌ خاذِلُ
ألرّامِيـــــــــــــــــــاتُ لَنَا وهُنّ نَوافِرٌ .............. والخاتِلاتُ لَنَـــــــا وهُنّ غَوافِلُ
مِنْ طاعِني ثُغَرِ الرّجالِ جـــــــآذِرٌ .............. ومِنَ الرّماحِ دَمَــــــالِجٌ وخَلاخِلُ
جَمَحَ الزّمانُ فَلا لَذيذٌ خــــــــالِصٌ ...............ممّا يَشُوبُ ولا سُرُورٌ كامِــــــــــلُ
إلى أن يقول:
يا افخَرْ فإنّ النّاسَ فيكَ ثَلاثَــةٌ ............... مُسْتَعْظِمٌ أو حاسِدٌ أو جاهِـــــــلُ
ولَقَدْ عَلَوْتَ فَما تُبالي بَعدَمَــــا ................عَرَفُوا أيَحْمَدُ أمْ يَذُمُّ القائِــــــلُ
لا تَجْسُرُ الفُصَحاءُ تُنشِدُ ههُنا ................ بَيْتاً ولكِنّي الهِزَبْرُ البَـــــــاسِلُ
ما نالَ أهْلُ الجاهِلِيّــــــــةِ كُلُّهُمْ ................ شِعْــرِي ولا سمعتْ بسحري بابِلُ
وإذا أتَتْكَ مَذَمّتي من نَــــاقِصٍ ................ فَهيَ الشّهـــــــــادَةُ لي بأنّي كامِلُ
روى الجاحظ في حياة الحيوان الكبرى أن أبا العلاء المعري دخل يوماً على الشريف الموسوي المرتضى فعثر بِرَجُلٍ ، فقال له الرجل: من هذا الكلب ؟ فقال أبو العلاء: الكلب من لا يعرف للكلب سبعين اسماً. فقرّبَه الشريف المرتضى ، واختبره فوجدَهُ علاّمةً. ثمّ جرى ذكرُ المتنبي يوماً فتَنَقَّصَه الشريفُ المرتضى وذكر معايبَه، فقال المعريُّ: لو لم يكن للمتنبي من الشعر إلا قوله:لك يا منازل في القلوب منازل لكفاه فضلا وشرفاً ، فغضب الشريف المرتضى وأمر بسحبه من رجله وإخراجه من مجلسه ، ثم قال لمن يحضر مجلسه: تدرون أيَّ شيءٍ أراد هذا الأعمى بذكر هذه القصيدة وللمتنبي أجودُ منها ولم يذكره؟ قالوا: لا يا نقيب الأشراف لا ندري . قال: إنما أراد أن يذمني بقوله فيها: وإذا أتتك مذمتي ........
فائدة:
قوله : يا افْخَرْ ، فيه حذفٌ للمنادى ، والتقدير : يا هذا افخرْ ، أو يا فلان افخر .
ــ 47 ــ
وإذا كانت النفوسُ كباراً ................... تعبت في مُرادها الأَجسامُ
أي إذا عظمت الهمة وكبرت النفس تعب الجسم في تحصيل مرادها وذلك أن الهمة العالية تعني الجسم في طلب معالي الأمور ولا ترضى بالمنزلة الدنية فتطلب الرتبة الشريفة .
أخذ هذا المعنى من قول أرسطو طاليس: إذا كانت الشهوة فوق القدرة كان تلاف النفس دون بلوغها.
وأخذ ه عنه أبو القاسم بن الحريش فقال :
فيا من يكد النفس في طلب العلا............. إذا كبرت نفس الفتى طال شغله
والبيت من قصيدته التي مطلعها :
أيْنَ أزْمَعْتَ أيّهذا الهُمــــــــــامُ؟ .................نَحْنُ نَبْتُ الرُّبَا وأنتَ الغَمــامُ
لَيتَ أنّا إذا ارْتَحَلْتَ لكَ الخَيْــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلُ وأنّا إذا نَزَلْتَ الخِيــــــــــــامُ
إلى أن يقول :
كُلَّ يَوْمٍ لكَ احْتِمــــــــالٌ جَديدٌ ..................ومَسيرٌ للمَجْدِ فيــــــــــــــهِ مُقامُ
وإذا كانَتِ النّفُوسُ كِبــــــــــاراً ..................تَعِبَتْ في مُرادِها الأجْســـــــامُ
ثم يتابع فيقول :
وكَذا تَطْلُعُ البُدورُ عَلَيْنَــــــــا ..................وكَـذا تَقْلَقُ البُحورُ العِظـــــامُ
كُلُّ عَيْشٍ ما لم تُطِبْهُ حِمــامٌ .................. كــلُّ شَمسٍ ما لم تكُنْها ظَـلامُ
إنّما هَيْبَةُ المُؤمَّلِ سَيْفِ الــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدوْلَةِ المَلْكِ في القلوبِ حُسامُ
ــ 48 ــ
إذا ساءَ فِعْلُ المرءِ ساءَتْ ظُنُونُهُ ..... وصَدَّقَ ما يَعْتــــادُهُ من تَوَهُّم
معناه أنه إذا أساء إنسان إلى إنسان، أساء ظنَّه به وصدّق توهُّمَه عليه ، لأنه يظن أنه حقد عليه ففسدت نيته . أي: ما يتوهُّمُه من أنّ الآخرين أساءوا يُصَدِّقُ توهُّمَهُ فيهم ، لأنَّهُ يقيسُهم على نفسه، وما يَعْتَادُه من سوء عَمَل.
وهو للمتنبي، من قصيدة من الطويل، قالها في كافور الإخشيدي، وكان قد دخل عليه يوماً فلمَّا نظر إليه وإلى قلَّتِهِ في نفسِه، وخسَّةِ أصلِه، ونقصِ عقلِه ، ولُؤْمِ كفِّه ، وقُبْحِ فِعلِه، ثار الدم في وجهه حتَّى ظهر ذلك فيه ، وخرج من مجلس كافور ، فأحسَّ كافورُ بذلك ، فبعث إليه بعضَ قُوّادِه , فسايره وسأله عن حاله ، وقال له: يا أبا الطيب ، ما لي أراك متغير اللون؟ فقال: أصاب فرسي جرح خفتُه عليه ، وما له خَلَفٌ إن تَلِفَ ، فعاد إلى كافور فأخبره ، فحمل إليه مُهْراً أدهم ، فقال هذه القصيدة، وذلك سنة سبع وأربعين وثلثمائة، وأوَّلها:
فِراقٌ ومَنْ فارقْتُ غيرُ مذمَّــــــــــــــــمِ.......... وأَمٌّ ومن يمَّمْتُ خيرُ مُيَمَّــــــــــــــــــــمِ
وَمَا مَنزِلُ اللّذّاتِ عِنــــدي بمَنْــــزِلٍ ........... إذا لم أُبَجَّلْ عِنْـــــــــــــــــدَهُ وَأُكَرَّمِ
رَحَلْتُ فكَمْ باكٍ بأجْفــــــــــانِ شَادِنٍ .......... عَلَيّ وَكَمْ بَاكٍ بأجْفانِ ضَيْغَـــــــــمِ
وَمَا رَبّةُ القُرْطِ المَليحِ مَكانُـــــــــــــــهُ........... بأجزَعَ مِنْ رَبّ الحُسَـــــــامِ المُصَمِّمِ
فَلَوْ كانَ ما بي مِنْ حَبيبٍ مُقَنَّـــــــــــعٍ ........... عَــــــــــذَرْتُ وَلكنْ من حَبيبٍ مُعَمَّمِ
رَمَى وَاتّقى رَميي وَمن دونِ ما اتّقى ........... هـوًى كاسرٌ كفّي وقوْسي وَأسهُمي
إذا ساءَ فِعْلُ المرْءِ ساءَتْ ظُنُونُـــــــهُ ........... وَصَــــــــــــدَقَ مَا يَعتَادُهُ من تَوَهُّمِ
وَعَادَى مُحِبّيهِ بقَوْلِ عُداتِـــــــــــــــهِ ........... وَأصْبَحَ في لَيـــــلٍ منَ الشّكّ مُظلِمِ
أُصَدِّقُ نَفسَ المرْءِ من قبلِ جسمِــــــهِ .......... وَأعْرِفُهَـــــــــــــــا في فِعْلِهِ وَالتّكَلّمِ
وَأحْلُمُ عَنْ خِلّي وَأعْلَمُ أنّــــــــــــــــــــهُ ...........متى أَجزِهِ حِلْماً على الجَهْلِ يَندَمِ
وَإنْ بَذَلَ الإنْسانُ لي جودَ عـــــابِسٍ ...........جَزَيْتُ بجُودِ التّـــــــــارِكِ المُتَبَسِّمِ
وَأهْوَى مِنَ الفِتيانِ كلّ سَمَيـــــــــــذَعٍ ........... نَجيبٍ كصَــــــــدْرِ السّمْهَريّ المُقَوَّمِ
وَلا عِفّةٌ في سَيْفِهِ وَسِنَـــــــــــــــــــانِهِ ........... وَلَكِنّهَا في الكَفّ وَالطَّرْفِ وَالفَمِ
وَمَا كُلّ هَاوٍ للجَميــــــــــــــــلِ بفاعِلٍ ............وَلا كُلّ فَعّـــــــــــــــــــــالٍ لَهُ بِمُتَمِّمِ
*****
فِدىً لأبي المِسْكِ الكِرامُ فإنّهَــــــــــا............ سَــــــــــوَابِقُ خَيْلٍ يَهْتَدينَ بأدْهَمِ
أغَرَّ بمَجْدٍ قَــــــــــــــدْ شَخَصْنَ وَرَاءَهُ ............إلى خُلُقٍ رَحْــــــــــــــبٍ وَخَلْقٍ مُطَهَّمِ
إذا مَنَعَتْ منكَ السّيــــــــاسةُ نَفْسَهـا ........... فَقِفْ وَقْفَةً قُدّامَـــــــــــــــهُ تَتَعَلّمِ
يَضِيقُ على مَن راءَهُ العُذْرُ أن يُـــرَى ........... ضَعيفَ المَساعي أوْ قَليـلَ التّكَرّمِ
فأحْسَنُ وَجهٍ في الوَرَى وَجهُ مُحْسِنٍ ........... وَأيْمَنُ كَفٍّ فيهِمِ كَفُّ مُنعِــــــــــــــمِ
وَأشرَفُهُمْ مَن كانَ أشرَفَ هِمّــــــــــــةً ............وَأكثرَ إقداماً على كــــــــــلّ مُعْظَمِ
لمَنْ تَطْلُبُ الدّنْيا إذا لم تُرِدْ بهــــا ............ سُرُورَ مُحِبٍّ أوْ مَســـــــــــــاءَةَ مُجرِمِ
في شرح المفردات:
ــ السَّمَيْذَعُ بفتح السينِ ، ولا تُضمُّ فإنه خَطَأ : السَّيِّدُ الكريمُ الشريفُ السَّخِيُّ المُوَطَّأُ الأكنافِ ، والشُّجاعُ ، والذئبُ ، والرجُلُ الخفيفُ في حَوائِجِه .
ــ أبو المسك : لقب لكافور .
ــ راءه العذر : رَاءَ : لُغَةٌ في رَأَى والاسْمُ : الرّيءُ بالكسر ، ورَيَّأَهُ تَرْيِئَةً : فَسَحَ عن خِنَاقِهِ ورَوَّأَ في الأمر ، ورايَأَ : اتَّقَاهُ .
ـ 49 ـ
بكلِّ تداوينا فلم يشف ما بنا ...على أن قرب الدار خير من البعد
هو لابن الدمينة، واسمه عبدُ الله بن عُبيد الله ، أحدُ بني عامر بن تَيْمِ الله ، والدمينةُ أمه ، ويُكنى ابنُ الدمينة (أبا السُرى) ، وهو شاعر مشهور له غزل رقيق الألفاظ دقيق المعاني ، وكان الناس في الصدر الأول يستحلون شعرَه ويَتغنّون به .
قال إسحاق بن إبراهيم الموصلي: كان العباس بن الأحنف إذا سمع شيئاً يستحسنُه أطرفني به ، وكنتُ أفعلُ مثلَ ذلك ، فجاءني يوماً فوقف بين الناس وأنشد لابنِ الدمينة:
ألا يا صبا نجد متى هجت من نجد ** لقد زادني مسراك وجدا على وجد
إن هتفت ورقاء في رونق الضحى ** على فنن عض النبات من الرند
بكيتَ كما يبكي الوليدُ ولم تكن ** جَزوعاً وأبديتَ الذي لم تكن تُبدي
وقد زعموا إن المحبَّ إذا دنا ** يملُ ، وإن النأي يَشفي من الوجد
بكل تداوينا فلم يَشْفِ ما بنا ** على أن قرب الدار خيرٌ من البعد
على أن قرب الدار ليس بنافع ** إذا كان من تهواه ليس بذي ودّ
ثم ترنّح ساعة ترنُّح النشوان ،ثم قال : أُنطح العمودَ رأسي من حسن هذا ؟ فقلت : لا ، ارفق بنفسك .
وروي هذا البيت لمجنون ليلى أيضاً من قصيدة جاء فيها:
خليلي مرا بي على الأبرق الفرد = وَعهدِي بلَيْلَى حَبَّذَا ذاكَ مِنْ عَهْدِ
ألا يا صبا نجد متى هجت من نجد = فقد زادني مسراك وجداً على وجد
أَإنْ هَتَفَتْ وَرْقَاءُ في رَوْنَقِ الضُّحى = على فنن غض البنات من الرند
بكيتُ كَمَا يَبْكِي الْوَليدُ ولَمْ أزلْ = جليداً وأبديت الذي لم أكن أبدي
وَأصْبَحْتُ قد قَضَّيتُ كُلَّ لُبَانَة ٍ= تِهامِيَّة ٍ وَاشْتَاقَ قَلْبِي إلى نَجْدِ
إذا وعدت زاد الهوى لانتظارها = وإن بخلت بالوعد مت على الوعد
وإنْ قَرُبَتْ دَاراً بكيتُ وَإنْ نَأتْ = كَلِفْتُ فلا لِلْقُرْبِ أسْلُو وَلاَ الْبُعدِ
ألا حبذا نجد وطيب ترابه = وأرواحه إن كان نجد على العهد
وقد زعموا أن المحب إذا دنا = يَملُّ وَأنَّ النَّأْيَ يَشْفِي مِنَ الْوَجْدِ
بَكُلٍّ تدَاوَيْنَا فلمْ يُشْفَ ما بِنَا = على أنَّ قُرْبَ الدَّارِ خَيْرٌ مِنَ الْبُعْدِ
على أَنَّ قُرْبَ الدَّارِ ليسَ بِنافِعٍ = إذا كان مَنْ تَهْواهُ ليس بِذي وُدِّ
على ـ هنا ـ: للاستدراك والإضراب . فقد أبطل ب ( على ) عمومَ قوله ، وتعلّق ( على ) هذه بما قبلها كتعلّق ( حاشا ) بما قبلها عندَ مَنْ قالَ به ، فإنّها أوصلت معناه إلى ما بعدها على وجه الإِضراب والإِخراج ،
وقيل هي خبرٌ لمبتدأ محذوف ، أي : والتحقيقُ على كذا . وهو ما اختاره صاحب مغني اللبيب في ( معاني على ) ولــ (على) ثمانيةُ مَعانٍ هي :
1 ـ الاستعلاءُ، حقيقةً ، كقولهِ تعالى {وعليها وعلى الفُلكِ تُحمَلونَ}، أو مجازاً، كقولهِ {وفَضّلناهم بعضَهم على بعض}، ونحو "لفلانٍ عليَّ دَينٌ".
2 ـ تأتي بمعنى (في) كقوله تعالى "ودخلَ المدينةَ على حين غَفلةٍ من أهلها" أي في حين غفلة.
3 ـ وتأتي بمعنى (عن ) كما في قول الشاعر :
إذا رَضِيَتْ عَلَيَّ بَنُو قُشَيْرٍ == لَعَمْرُ اللهِ أَعْجَبَني رِضَاها
أي إذا رضِيت عني.
4 ـ تأتي بمعنى (لام التعليل) كما في قوله تعالى :{ولتُكَبّروا اللهَ على ما هداكم}، أي "لهِدايتهِ إيّاكم.
5 ـ وتأتي بمعنى (مَعَ) كما في قولهِ تعالى :{وآتَى المال َ على حُبّهِ}، أي معَ حُبهِ، وقولهِ {وإنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغفرةٍ للناسِ على ظُلمهم}، مع ظُلمهم.
6 ـ وتأتي بمعنى (من) أيضاً كما في قولهِ سبحانَهُ :{إذا اكتالوا على الناسِ يَستَوفونَ} أي اكتالوا منهم .
7 ـ تأتب بمعنى (الباءِ) كما في قولهِ تعالى: {حَقيقٌ عليَّ أن لا أقولَ إلاّ الحق}، أي حقيقٌ بي ، ونحو "رمَيتُ على القوس"، أي رميتُ مستعيناً بها، ونحو (اركبْ على اسمِ الله ) أي مستعيناً به.
8 ـ أخيراً تأتي للاستدراكُ، كقولكَ "فلانٌ لا يدخلُ الجنةَ لِسوءِ صنيعهِ، على أنهُ لا يَيأسُ من رحمة اللهِ"، أي لكنَّهُ لا ييأسُ. ومنه قولُ الشاعر في بيت الشاهد هذا .
وقد يدخل عليها حرف الجر (من) فتفيد معنى (فوق) كأن تقول خطب الخطيب من على المنبر ، أي من فوقه .
ــ 50 ــ
لقد أسمعتَ لو ناديتَ حيَّا ..............ولكن لا حياة لمن تنادي
نسب هذا البيت في مجموع الحكم والأمثال لأبي حامد الغزالي ، كما نسب لعمر بن معد يكرب الزبيدي ، ونسب لبشار بن برد كذلك في مجموع دواوين الشعر العربي على مر العصور ، وإنما قاله بشار متمثلاً به كما جاء في قصة وردت محاضرة الأدباء ، ونسب لأبي تمام أيضاً في قصيدة قيل قالها يتغزل بغاضرة جارية أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان بن الحكم ويرثي صديقاً له ، وقيل هو لكثير عَزّة من قصيدة في ديوانه جاء فيها :
شَجَا أَظْعَانُ غَاضِرَةَ الغوادي ** بغير مشورةٍ عرضاً فؤادي
أغاضِرَ لَوْ شَهِدَتِ غَدَاةَ بِنْتُمْ ** جُنُوءَ العائِدَاتِ عَلَى وِسَادِي
أويتِ لعاشقٍ لمْ تَشكُميهِ ** نَوَافِذُهُ تَلَذَّعُ بالزِّنَادِ
وَكُلُّ ذَخِيرَةٍ لا بُدَّ يوْماً ** ولو بقيتْ تصيرُ إلى النَّفادِ
يعزُّ عليَّ أن نغدو جميعاً ** وَتُصْبحَ ثَاوِياً رَهْناً بِوَادِ
فَلَوْ فُودِيتَ مِنْ حَدَثِ المَنايا ** وقيتُكَ بالطريفِ وبالتِّلادِ
لَقَدْ أسْمَعْتَ لَوْ نَادَيْتَ حَيّاً ** ولكنْ لا حياةَ لمنْ تُنادي
في معاني المفردات
-غاضِرة : من الغَضَارة ، وهي نَضْرةُ الشَّباب . وغَضَارة العَيش : نَعْمتُه ولِينه . يقال : هم في نَضْرةٍ من عيشهم وغَضَارة .
-جنأ عليه جنوءاً : إذا انكب عليه
-لم تَشكميه: لم تكافئيه ، والشكيمة الجزاء ، ونوافذه: جرحه النافذة ، العميقة
ضدَّان لما استجمعا حَسنا ................... والضدُّ يظهر حسنه الضدُّ
هو للشاعر العبّاسي علي بن جبلة الملقّب بالعَكّوك ،من قصيدة طويلة اخترنا لك منها:
هل بالطُلُول لســــــــــــــــائلٍ رَدُّ ................أَو هَلْ لهـــــــــــــــا بتكلُّمٍ عَهْــــــدُ
لهفى على دعــــــــدٍ وما خلقتْ ................إلا لِطُول بَليّتي دَعْــــــــــــــــــــــــدُ
بيضاء قد لَبسَ الأديمُ بَهــــــا ................ءَ الحُسْنِ فهوَ لِجِلْدِهـــــــا جِلْــــدُ
ويَزينُ فَوْدَيْهـــــــــا إذا حَسَـرَتْ ................ضــــــافي الغَدائر فاحِمٌ جَعْـــــدُ
فالوجــــــهُ مثل الصبحِ مُبيَـضٌّ ................والفَرْعُ مثل الليــــــــلِ مُسْــــــــوَدُّ
ضِدّانِ لمّا اسْتَجْمَعا حَسُنــــــــــا ................والضدّ يُظْهِرُ حُسْنَـــه الضِــــــدُّ
وكأنهــــــــــــا وَسْنى إذا نظرتْ ................أو مدْنَفٌ لمّـــــــــــــا يُفِقْ بَعْــــــــــدُ
بفتورِ عـين ما بهــــــــــــــا رُمْـــدٌ ................وبهـا تداوى الأعـــــــينُ الرُمْـــدُ
وتريكِ عِرْنينــــــــــــاً يزيِّنُــــه ................شمــمٌ وخداً لونـُـــــــــــــــــه الوردُ
وتجيل مِسْــــــواك الأراك على ................رتِلِ كأنَّ رُضَـــــــــــــــــابَه الشُّهْدُ
ولها بَنـــــــــــــــان ٌ لو أردتَ لـه ................عَقداً بكفِّك أَمـــــكـــــن العَقْـــــدُ
وكأنَّمـــــا سُقِيتْ تَرائِبُهـــــــــــا................ والنحرُ مـــاءَ الحُسْنِ إذ تبــــدو
وبصدرهــا حِقّانِِ خِلْتُهمــــــــــا................ كافورتــينِ علاهمـــــــــــــــا نَــــــدّ
إنْ لم يكن وَصْلٌ لديكِ لنـــــــا................ يشفى الصبـــابة َ فليكنْ وعـــدُ
قد كان أوْرَق وصْلكم زَمَنــــــــاً................ فذوى الوصـال وأوراقَ الصــــدُّ
لله أشواقي إذا نَزَحــــــــــــــــــتْ................ دارٌ بِنــــــــــــــــــا ونأى بكمْ بُعْـــدُ
إنْ تُتْهِمي ،فَتَهامـــــــة ٌ وَطَني................أو تُنْجِدي إنَّ الهوى نَجْــــــــــــــدُ
وزَعَمْتِ أنَّكِ تُضمرينَ لَنـــــــــا................وُِدّاً فهــــــــــــــــــــــــــــــلاّ ينفعُ الودّ
وإذا المحبُّ شكـــا الصدود ولم................يُعْطَفْ عليـــــــــــه فقَتْلـــــه عَمْدُ
وقد نسب أيضاً لكلٍّ من دوقلة المنبجي وأبي الشيص ، وقد أخذ هذا المعنى المتنبي فقال:
ونديمُهم،وبهم عرفنا فَضلهُ................ وبِضدها تتبين الأشيــــاءُ
وقد قدّم ابنُ جني بيتَ المتنبي هذا، على بيت جبلة (ضدّان لما استجمعا حسُنا) فقال : هذا البيتُ مَدخولٌ مَعْيوبٌ لأنّه ليس كلّ ضدّين إذا اجتماعا حَسُنا ، وبيتُ المتنبي سليم لأنً الأشياء بأضدادها يصح أمرُها .
ــ 42 ــ
ومكلِّفُ الأيام ضِدَّ طِباعها ..................متطلِّبٌ في الماءِ جَذْوةَ نارِ
قائلُ هذا البيت هو أبو الحسن التهاميّ من قصيدة يرثي بها ولده وهي نسيجُ وحدها وواسطة عقدها ، والشاهد فيه براعة الاستهلال أيضاً ، فإنَّه يشعر بابتدائه بأنَّه في الرثاء. وما أعلم أنّ أحداً استهلّ للمراثي بأحسنَ من هذه البراعات ،وهي من غرر القصائد وقد اخترنا منها:
حُكْمُ المنيَّة في البريَّة جـــــــارِي ............... مـــــــــــا هذه الدُّنيا بدارِ قَرار
طُبعت على كدر وأنت تريدُها ............... صفواً مـــــــــن الأَقذاء والأَكدار
بينا يُرى الإنسانُ فيها مخبِراً ............... حتَّى يُرى خبراً من الأَخبــــــــار
ومكلِّفُ الأَيام ضدَّ طباعهــــــا ................ متطلبٌ في الماءِ جـــــــــذوة نار
وإذا رجوت المستحيل فإنَّمــــــا ................ تبني الرجاء على شفــــير هار
وَلَدُ المعزَّى بعضُهُ، فــإذا مضى .................بعضُ الفتى فالكلُّ في الآثار
أبكيه ثمَّ أقولُ معتـــــــــذراً لهُ .................وفّقت حيث تــــــــركتَ ألأمَ دار
جاورتُ أَعدائي وجاور ربَّـــــهُ..................شتَّـــــــــــان بين جواره وجواري
و هذا البيت (الأخير) من المعاني المستغربة.
ــ 43 ــ
بذا قضت الأيام ما بين أهلها ............. مصائب قوم عند قومٍ فوائد
هو للمتنبي مما أجمع الناس على حفظه أو حفظ عجزه ، وقد عقد به حكمة أرسطا طاليس التي يقول فيها : الزمان ينشئ ويلاشي، ففناء كل قوم سبب لكون قوم آخرين ، وهذا البيت من قصيدة طويلة اخترنا منها :
عَوَاذِلُ ذاتِ الخَــــــــــــالِ فيّ حَوَاسِد = وَإنّ ضَجيــــــــــــعَ الخَــوْدِ منّي لمَاجِدُ
مَــــرَرْتُ على دارِ الحَبيبِ فحَمْحمتْ = جَوادي وهل تُشجي الجيادَ المعاهدُ
أهُــــــــــــــــمّ بشَيْءٍ واللّيَالي كأنّهَا = تُطارِدُني عَنْ كَوْنِهِ وَأُطــــــــــــــارِدُ
وَحيـــــــــــدٌ مِنَ الخُلاّنِ في كلّ بَلْدَةٍ = إذا عَظُـــمَ المَطلُوبُ قَلّ المُساعِــــــــدُ
وَتُسْعِدُني في غَمرَةٍ بَعـــــــدَ غَمْرَةٍ = سَبُــــــــــــوحٌ لهَا مِنهَا عَلَيْهَا شَوَاهِدُ
تَثَنّى عَلى قَدْرِ الطّعانِ كَأنّمَــــــــا = مَفَــاصِلُهَا تَحْتَ الرّمــــــــــاحِ مَرَاوِدُ
وَأُورِدُ نَفْسِي والمُهَنّــــــــــــدُ في يَدي = مَوَارِدَ لا يُصْــــــــــدِرْنَ مَن لا يُجالِدُ
وَلَكِنْ إذا لمْ يَحْمِلِ القَلْبُ كفَّـــــــــــهُ = على حَالَةٍ لم يَحْمِلِ الكَفَّ ساعِـــدُ
خَليلَيّ إنّي لا أرَى غيرَ شاعِــــــــــــرٍ = فَلِمْ منهُمُ الدّعوَى ومني القَصائِدُ
فَلا تَعْجَبَا إنّ السّيُـــــــــــوفَ كَثيرَةٌ = وَلكِنّ سَيفَ الدّوْلَةِ اليَوْمَ واحِــــــدُ
وَلمّا رَأيتُ النّــــــــــــــــاسَ دونَ مَحَلِّهِ = تَيَقّنْتُ أنّ الدّهْرَ للنّـــــــــاسِ نَاقِدُ
وَأشقَى بلادِ الله ما الرّومُ أهلُهـــــــا = بهذا وما فيها لمَجدِكَ جَاحِــــــــــــدُ
شَنَنْتَ بها الغاراتِ حتى تَرَكْتَهــــا = وَجَفنُ الذي خَلفَ الفَرنْجةِ ساهِـدُ
مُخَضَّبَــــــــــةٌ وَالقَوْمُ صَرْعَى كأنّهَا = وَإنْ لم يكونوا ساجِدينَ مَساجِــــــدُ
فلَم يَبقَ إلاّ مَنْ حَمَاهَــــا من الظُّبى = لمَى شَفَتَيْها وَالثُّدِيُّ النّوَاهِــــــــــــــدُ
تُبَكّي علَيهِنّ البَطاريقُ في الدّجَــا = وَهُنّ لَدَينا مُلقَيـــــــــــــــــاتٌ كَوَاسِدُ
بذا قضَتِ الأيّامُ ما بَينَ أهْلِهَـــــــــا = مَصائِبُ قَوْمٍ عِندَ قَوْمٍ فَوَائِـــــــــــــــدُ
ــ 44 ــ
ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى .......عدواً لـــــــه ما من صداقته بُدُّ
النَكَدُ : قِلَّةُ الخير ، يقول من قلة خير الدنيا أن الحُرَّ يحتاج فيها إلى إظهار صداقة عدوِّه ليأمن شرَّه ، وهو يعلم أنّه له عدوٌّ ، ثم لا يجد بُدّاً من أن يُري الصداقةَ من نفسه دفعاً لغائلتِه . وأراد ما من مُداجاته بُدٌّ ، ولكنّه سَمّى المُداجاةِ صداقةً ، لما كانت في صورة الصداقة ، ولما كان الناسُ يحسبونها صداقةً . ويجوز أنْ يكون قد أراد ما من اظهار صداقتِه بُدٌّ ، فحذفَ المضافَ وأبقى المضاف إليه .
وهذا البيت لأبي الطَّيِّب المتنبِّي من قصيدةٍ قيل إنّها هي التي ادعى فيها النبوَّةَ، ومنها:
وطعْنٍ كأنّ الطّعنَ لا طَعنَ عنـــــدَهُ ..........وضرْبٍ كأنّ النّــــــــــارَ من حرّهِ بَرْدُ
أذُمّ إلى هذا الزّمــــــــــــــــــانِ أُهَيْلَهُ ..........فأعْلَمُهُمْ فَدْمٌ وأحزَمُهمْ وَغْـــــــــــــدُ
ومن نَكَدِ الدّنْيا على الحُرّ أنْ يَرَى ...........عَدُوّاً لَهُ ما من صَداقَتِـــــــــــــــهِ بُدُّ
وبيته هذا مسروق من قول إسحاق بن إبراهيم الموصلي:
ومِن نَكدِ الدُّنيا على الحُرِّ أَنْ يَرَى ...............عَدُوَّاً فَيهوَى أن يُقالَ: صَدِيقُ
ولفظ إسحاق أوضح لأن معناه يرضى أن يُسميَّه ، إذا سئل عنه صديقاً وتلك التسمية هي المداجاة .
قال أبو علي القالي : قيل للمتنبي على مَن تنبأتَ ؟ قال :على الشعراء. فقيل: لكل نبيٍّ معجزة ، فما معجزتُك ؟ قال: هذا البيت: ومِن نكد الدنيا ...
يقول محمد بن موسى الملقب بسيبويه الموسوس: مدح الناس المتنبي على قوله: ((ومن نكِد الدنيا ... )) ولو قال ما من مداراته أو من مداجاته لكان أحسن وأجود ، فلقيه المتنبي فقال له: أيها الشيخ بلغني أنك أنكرت على قولي: (عدوا له ما من صداقته بد) فما كان الصواب عندك؟ فقال له إن الصداقة مشتقة من الصدق في المودة ، ولا يسمى الصديق صديقاً وهو كاذب في مودته، فالصداقة إذن ضدُّ العداوة ، ولا موقع لها في هذا الموضع ، ولو قلت ما من مداراته أو مداجاته لأصبتَ . هذا رجلٌ منّا ــ يُريدُ نفسَه ــ قال:
أتاني في قميص الــــــــــلاذِ يسعى............ عدوٌّ لي يُلقَّبُ بالحبيـــــــــــــــــــــبِ
فقال المتنبي: أمع هذا غيرُه؟ قال نعم:
وقد عَبثَ الشرابُ بوجنتيــــــــــــه............فصيَّرَ خدَّه كَسَنَـــــــــــــــــــا اللهيب
فقلتُ له متى استعملتَ هــــــــــــــذا............لقد أقبلتَ في زيّ عجيــــــــــــــــــــبِ
فقال: الشمس أهدتْ لي قميصا ............ مليحَ اللونِ من نسج المغيـــــــــــــــــبِ
فثوبي والمدامُ ولونُ خـــــــــــــــدّي ............ قــريبُ من قريب من قريـــــــــــــــب
فتبسم المتنبي وانصرف .
ــ 45 ــ
والظلم من شيم النفوس فإن تجد .....ذا عِفَّةٍ فلِعِلَّةٍ لا يظلـــــــــــــــــــــــــم
الظلم : هو وضع الشيء في غير موضعه. وهذا البيت للمتنبي من قصيدة جاء فيها:
ذو العقلِ يشقى في النّعيم بعقلـــه............وأخو الجهالةِ في الشقّاوة ينعَــــمُ
لا يخدعنكَ من عدوًّ دمعُـــــــــــــــــهُ............وارحمْ شبابَك من عدوًّ ترحــــــــمُ
لا يسلم الشرفُ الرفيـــعُ من الأذى............حتى يُراقَ على جوانبـــــــه الـــدّمُ
والظلمُ من شيمِ النفوس فإن تجدْ ............ ذا عِفَّـــــــــــــــــــــــة فلعلَّة لا يَظلِمُ
ومن البليّـــــــة عذلُ من لا يَرعـوي ............عـن غيّــــــــة وخطابُ من لا يفهم
ومــن العداوة ما ينالك نفعُــــــــــه ............ومـن الصّداقة ما يضرُّ ويؤلــــــــم
والمعنى للفيلسوف الحكيم أرسطو طاليس ، يقول: الظلم من طبع النفوس، وإنما يصدها عن ذلك إحدى علتين: إما ديانةٌ لخوف معاد ، أو سياسةٌ لخوف سيف.
ــ 46 ــ
وإذا أتتكَ مَذَمَّتي من ناقصٍ .............. فهي الشهادةُ لي بأنّي كاملُ
هو للمتنبي أيضاً من قصيدة طويلة مطلعها :
لَكِ يا مَنازِلُ في القُلوبِ مَنــــــــازِلُ ............. أقفَرْتِ أنْتِ وهنّ منــــــكِ أواهِلُ
ومنها:
يَعْلَمْنَ ذاكَ وما عَلِمْتِ وإنّمَـــــــــــــــا .............. أوْلاكُما يُبْكَى عَلَيْهِ العــــــاقِلُ
وأنَا الذي اجتَلَبَ المَنيّــــــــةَ طَرْفُهُ .............. فَمَنِ المُطالَبُ والقَتيلُ القـاتِلُ
تَخْلُو الدّيارُ منَ الظّبــــــاءِ وعِنْدَهُ .............. من كُلّ تابِعَةٍ خَيـــــــــالٌ خاذِلُ
ألرّامِيـــــــــــــــــــاتُ لَنَا وهُنّ نَوافِرٌ .............. والخاتِلاتُ لَنَـــــــا وهُنّ غَوافِلُ
مِنْ طاعِني ثُغَرِ الرّجالِ جـــــــآذِرٌ .............. ومِنَ الرّماحِ دَمَــــــالِجٌ وخَلاخِلُ
جَمَحَ الزّمانُ فَلا لَذيذٌ خــــــــالِصٌ ...............ممّا يَشُوبُ ولا سُرُورٌ كامِــــــــــلُ
إلى أن يقول:
يا افخَرْ فإنّ النّاسَ فيكَ ثَلاثَــةٌ ............... مُسْتَعْظِمٌ أو حاسِدٌ أو جاهِـــــــلُ
ولَقَدْ عَلَوْتَ فَما تُبالي بَعدَمَــــا ................عَرَفُوا أيَحْمَدُ أمْ يَذُمُّ القائِــــــلُ
لا تَجْسُرُ الفُصَحاءُ تُنشِدُ ههُنا ................ بَيْتاً ولكِنّي الهِزَبْرُ البَـــــــاسِلُ
ما نالَ أهْلُ الجاهِلِيّــــــــةِ كُلُّهُمْ ................ شِعْــرِي ولا سمعتْ بسحري بابِلُ
وإذا أتَتْكَ مَذَمّتي من نَــــاقِصٍ ................ فَهيَ الشّهـــــــــادَةُ لي بأنّي كامِلُ
روى الجاحظ في حياة الحيوان الكبرى أن أبا العلاء المعري دخل يوماً على الشريف الموسوي المرتضى فعثر بِرَجُلٍ ، فقال له الرجل: من هذا الكلب ؟ فقال أبو العلاء: الكلب من لا يعرف للكلب سبعين اسماً. فقرّبَه الشريف المرتضى ، واختبره فوجدَهُ علاّمةً. ثمّ جرى ذكرُ المتنبي يوماً فتَنَقَّصَه الشريفُ المرتضى وذكر معايبَه، فقال المعريُّ: لو لم يكن للمتنبي من الشعر إلا قوله:لك يا منازل في القلوب منازل لكفاه فضلا وشرفاً ، فغضب الشريف المرتضى وأمر بسحبه من رجله وإخراجه من مجلسه ، ثم قال لمن يحضر مجلسه: تدرون أيَّ شيءٍ أراد هذا الأعمى بذكر هذه القصيدة وللمتنبي أجودُ منها ولم يذكره؟ قالوا: لا يا نقيب الأشراف لا ندري . قال: إنما أراد أن يذمني بقوله فيها: وإذا أتتك مذمتي ........
فائدة:
قوله : يا افْخَرْ ، فيه حذفٌ للمنادى ، والتقدير : يا هذا افخرْ ، أو يا فلان افخر .
ــ 47 ــ
وإذا كانت النفوسُ كباراً ................... تعبت في مُرادها الأَجسامُ
أي إذا عظمت الهمة وكبرت النفس تعب الجسم في تحصيل مرادها وذلك أن الهمة العالية تعني الجسم في طلب معالي الأمور ولا ترضى بالمنزلة الدنية فتطلب الرتبة الشريفة .
أخذ هذا المعنى من قول أرسطو طاليس: إذا كانت الشهوة فوق القدرة كان تلاف النفس دون بلوغها.
وأخذ ه عنه أبو القاسم بن الحريش فقال :
فيا من يكد النفس في طلب العلا............. إذا كبرت نفس الفتى طال شغله
والبيت من قصيدته التي مطلعها :
أيْنَ أزْمَعْتَ أيّهذا الهُمــــــــــامُ؟ .................نَحْنُ نَبْتُ الرُّبَا وأنتَ الغَمــامُ
لَيتَ أنّا إذا ارْتَحَلْتَ لكَ الخَيْــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلُ وأنّا إذا نَزَلْتَ الخِيــــــــــــامُ
إلى أن يقول :
كُلَّ يَوْمٍ لكَ احْتِمــــــــالٌ جَديدٌ ..................ومَسيرٌ للمَجْدِ فيــــــــــــــهِ مُقامُ
وإذا كانَتِ النّفُوسُ كِبــــــــــاراً ..................تَعِبَتْ في مُرادِها الأجْســـــــامُ
ثم يتابع فيقول :
وكَذا تَطْلُعُ البُدورُ عَلَيْنَــــــــا ..................وكَـذا تَقْلَقُ البُحورُ العِظـــــامُ
كُلُّ عَيْشٍ ما لم تُطِبْهُ حِمــامٌ .................. كــلُّ شَمسٍ ما لم تكُنْها ظَـلامُ
إنّما هَيْبَةُ المُؤمَّلِ سَيْفِ الــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدوْلَةِ المَلْكِ في القلوبِ حُسامُ
ــ 48 ــ
إذا ساءَ فِعْلُ المرءِ ساءَتْ ظُنُونُهُ ..... وصَدَّقَ ما يَعْتــــادُهُ من تَوَهُّم
معناه أنه إذا أساء إنسان إلى إنسان، أساء ظنَّه به وصدّق توهُّمَه عليه ، لأنه يظن أنه حقد عليه ففسدت نيته . أي: ما يتوهُّمُه من أنّ الآخرين أساءوا يُصَدِّقُ توهُّمَهُ فيهم ، لأنَّهُ يقيسُهم على نفسه، وما يَعْتَادُه من سوء عَمَل.
وهو للمتنبي، من قصيدة من الطويل، قالها في كافور الإخشيدي، وكان قد دخل عليه يوماً فلمَّا نظر إليه وإلى قلَّتِهِ في نفسِه، وخسَّةِ أصلِه، ونقصِ عقلِه ، ولُؤْمِ كفِّه ، وقُبْحِ فِعلِه، ثار الدم في وجهه حتَّى ظهر ذلك فيه ، وخرج من مجلس كافور ، فأحسَّ كافورُ بذلك ، فبعث إليه بعضَ قُوّادِه , فسايره وسأله عن حاله ، وقال له: يا أبا الطيب ، ما لي أراك متغير اللون؟ فقال: أصاب فرسي جرح خفتُه عليه ، وما له خَلَفٌ إن تَلِفَ ، فعاد إلى كافور فأخبره ، فحمل إليه مُهْراً أدهم ، فقال هذه القصيدة، وذلك سنة سبع وأربعين وثلثمائة، وأوَّلها:
فِراقٌ ومَنْ فارقْتُ غيرُ مذمَّــــــــــــــــمِ.......... وأَمٌّ ومن يمَّمْتُ خيرُ مُيَمَّــــــــــــــــــــمِ
وَمَا مَنزِلُ اللّذّاتِ عِنــــدي بمَنْــــزِلٍ ........... إذا لم أُبَجَّلْ عِنْـــــــــــــــــدَهُ وَأُكَرَّمِ
رَحَلْتُ فكَمْ باكٍ بأجْفــــــــــانِ شَادِنٍ .......... عَلَيّ وَكَمْ بَاكٍ بأجْفانِ ضَيْغَـــــــــمِ
وَمَا رَبّةُ القُرْطِ المَليحِ مَكانُـــــــــــــــهُ........... بأجزَعَ مِنْ رَبّ الحُسَـــــــامِ المُصَمِّمِ
فَلَوْ كانَ ما بي مِنْ حَبيبٍ مُقَنَّـــــــــــعٍ ........... عَــــــــــذَرْتُ وَلكنْ من حَبيبٍ مُعَمَّمِ
رَمَى وَاتّقى رَميي وَمن دونِ ما اتّقى ........... هـوًى كاسرٌ كفّي وقوْسي وَأسهُمي
إذا ساءَ فِعْلُ المرْءِ ساءَتْ ظُنُونُـــــــهُ ........... وَصَــــــــــــدَقَ مَا يَعتَادُهُ من تَوَهُّمِ
وَعَادَى مُحِبّيهِ بقَوْلِ عُداتِـــــــــــــــهِ ........... وَأصْبَحَ في لَيـــــلٍ منَ الشّكّ مُظلِمِ
أُصَدِّقُ نَفسَ المرْءِ من قبلِ جسمِــــــهِ .......... وَأعْرِفُهَـــــــــــــــا في فِعْلِهِ وَالتّكَلّمِ
وَأحْلُمُ عَنْ خِلّي وَأعْلَمُ أنّــــــــــــــــــــهُ ...........متى أَجزِهِ حِلْماً على الجَهْلِ يَندَمِ
وَإنْ بَذَلَ الإنْسانُ لي جودَ عـــــابِسٍ ...........جَزَيْتُ بجُودِ التّـــــــــارِكِ المُتَبَسِّمِ
وَأهْوَى مِنَ الفِتيانِ كلّ سَمَيـــــــــــذَعٍ ........... نَجيبٍ كصَــــــــدْرِ السّمْهَريّ المُقَوَّمِ
وَلا عِفّةٌ في سَيْفِهِ وَسِنَـــــــــــــــــــانِهِ ........... وَلَكِنّهَا في الكَفّ وَالطَّرْفِ وَالفَمِ
وَمَا كُلّ هَاوٍ للجَميــــــــــــــــلِ بفاعِلٍ ............وَلا كُلّ فَعّـــــــــــــــــــــالٍ لَهُ بِمُتَمِّمِ
*****
فِدىً لأبي المِسْكِ الكِرامُ فإنّهَــــــــــا............ سَــــــــــوَابِقُ خَيْلٍ يَهْتَدينَ بأدْهَمِ
أغَرَّ بمَجْدٍ قَــــــــــــــدْ شَخَصْنَ وَرَاءَهُ ............إلى خُلُقٍ رَحْــــــــــــــبٍ وَخَلْقٍ مُطَهَّمِ
إذا مَنَعَتْ منكَ السّيــــــــاسةُ نَفْسَهـا ........... فَقِفْ وَقْفَةً قُدّامَـــــــــــــــهُ تَتَعَلّمِ
يَضِيقُ على مَن راءَهُ العُذْرُ أن يُـــرَى ........... ضَعيفَ المَساعي أوْ قَليـلَ التّكَرّمِ
فأحْسَنُ وَجهٍ في الوَرَى وَجهُ مُحْسِنٍ ........... وَأيْمَنُ كَفٍّ فيهِمِ كَفُّ مُنعِــــــــــــــمِ
وَأشرَفُهُمْ مَن كانَ أشرَفَ هِمّــــــــــــةً ............وَأكثرَ إقداماً على كــــــــــلّ مُعْظَمِ
لمَنْ تَطْلُبُ الدّنْيا إذا لم تُرِدْ بهــــا ............ سُرُورَ مُحِبٍّ أوْ مَســـــــــــــاءَةَ مُجرِمِ
في شرح المفردات:
ــ السَّمَيْذَعُ بفتح السينِ ، ولا تُضمُّ فإنه خَطَأ : السَّيِّدُ الكريمُ الشريفُ السَّخِيُّ المُوَطَّأُ الأكنافِ ، والشُّجاعُ ، والذئبُ ، والرجُلُ الخفيفُ في حَوائِجِه .
ــ أبو المسك : لقب لكافور .
ــ راءه العذر : رَاءَ : لُغَةٌ في رَأَى والاسْمُ : الرّيءُ بالكسر ، ورَيَّأَهُ تَرْيِئَةً : فَسَحَ عن خِنَاقِهِ ورَوَّأَ في الأمر ، ورايَأَ : اتَّقَاهُ .
ـ 49 ـ
بكلِّ تداوينا فلم يشف ما بنا ...على أن قرب الدار خير من البعد
هو لابن الدمينة، واسمه عبدُ الله بن عُبيد الله ، أحدُ بني عامر بن تَيْمِ الله ، والدمينةُ أمه ، ويُكنى ابنُ الدمينة (أبا السُرى) ، وهو شاعر مشهور له غزل رقيق الألفاظ دقيق المعاني ، وكان الناس في الصدر الأول يستحلون شعرَه ويَتغنّون به .
قال إسحاق بن إبراهيم الموصلي: كان العباس بن الأحنف إذا سمع شيئاً يستحسنُه أطرفني به ، وكنتُ أفعلُ مثلَ ذلك ، فجاءني يوماً فوقف بين الناس وأنشد لابنِ الدمينة:
ألا يا صبا نجد متى هجت من نجد ** لقد زادني مسراك وجدا على وجد
إن هتفت ورقاء في رونق الضحى ** على فنن عض النبات من الرند
بكيتَ كما يبكي الوليدُ ولم تكن ** جَزوعاً وأبديتَ الذي لم تكن تُبدي
وقد زعموا إن المحبَّ إذا دنا ** يملُ ، وإن النأي يَشفي من الوجد
بكل تداوينا فلم يَشْفِ ما بنا ** على أن قرب الدار خيرٌ من البعد
على أن قرب الدار ليس بنافع ** إذا كان من تهواه ليس بذي ودّ
ثم ترنّح ساعة ترنُّح النشوان ،ثم قال : أُنطح العمودَ رأسي من حسن هذا ؟ فقلت : لا ، ارفق بنفسك .
وروي هذا البيت لمجنون ليلى أيضاً من قصيدة جاء فيها:
خليلي مرا بي على الأبرق الفرد = وَعهدِي بلَيْلَى حَبَّذَا ذاكَ مِنْ عَهْدِ
ألا يا صبا نجد متى هجت من نجد = فقد زادني مسراك وجداً على وجد
أَإنْ هَتَفَتْ وَرْقَاءُ في رَوْنَقِ الضُّحى = على فنن غض البنات من الرند
بكيتُ كَمَا يَبْكِي الْوَليدُ ولَمْ أزلْ = جليداً وأبديت الذي لم أكن أبدي
وَأصْبَحْتُ قد قَضَّيتُ كُلَّ لُبَانَة ٍ= تِهامِيَّة ٍ وَاشْتَاقَ قَلْبِي إلى نَجْدِ
إذا وعدت زاد الهوى لانتظارها = وإن بخلت بالوعد مت على الوعد
وإنْ قَرُبَتْ دَاراً بكيتُ وَإنْ نَأتْ = كَلِفْتُ فلا لِلْقُرْبِ أسْلُو وَلاَ الْبُعدِ
ألا حبذا نجد وطيب ترابه = وأرواحه إن كان نجد على العهد
وقد زعموا أن المحب إذا دنا = يَملُّ وَأنَّ النَّأْيَ يَشْفِي مِنَ الْوَجْدِ
بَكُلٍّ تدَاوَيْنَا فلمْ يُشْفَ ما بِنَا = على أنَّ قُرْبَ الدَّارِ خَيْرٌ مِنَ الْبُعْدِ
على أَنَّ قُرْبَ الدَّارِ ليسَ بِنافِعٍ = إذا كان مَنْ تَهْواهُ ليس بِذي وُدِّ
على ـ هنا ـ: للاستدراك والإضراب . فقد أبطل ب ( على ) عمومَ قوله ، وتعلّق ( على ) هذه بما قبلها كتعلّق ( حاشا ) بما قبلها عندَ مَنْ قالَ به ، فإنّها أوصلت معناه إلى ما بعدها على وجه الإِضراب والإِخراج ،
وقيل هي خبرٌ لمبتدأ محذوف ، أي : والتحقيقُ على كذا . وهو ما اختاره صاحب مغني اللبيب في ( معاني على ) ولــ (على) ثمانيةُ مَعانٍ هي :
1 ـ الاستعلاءُ، حقيقةً ، كقولهِ تعالى {وعليها وعلى الفُلكِ تُحمَلونَ}، أو مجازاً، كقولهِ {وفَضّلناهم بعضَهم على بعض}، ونحو "لفلانٍ عليَّ دَينٌ".
2 ـ تأتي بمعنى (في) كقوله تعالى "ودخلَ المدينةَ على حين غَفلةٍ من أهلها" أي في حين غفلة.
3 ـ وتأتي بمعنى (عن ) كما في قول الشاعر :
إذا رَضِيَتْ عَلَيَّ بَنُو قُشَيْرٍ == لَعَمْرُ اللهِ أَعْجَبَني رِضَاها
أي إذا رضِيت عني.
4 ـ تأتي بمعنى (لام التعليل) كما في قوله تعالى :{ولتُكَبّروا اللهَ على ما هداكم}، أي "لهِدايتهِ إيّاكم.
5 ـ وتأتي بمعنى (مَعَ) كما في قولهِ تعالى :{وآتَى المال َ على حُبّهِ}، أي معَ حُبهِ، وقولهِ {وإنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغفرةٍ للناسِ على ظُلمهم}، مع ظُلمهم.
6 ـ وتأتي بمعنى (من) أيضاً كما في قولهِ سبحانَهُ :{إذا اكتالوا على الناسِ يَستَوفونَ} أي اكتالوا منهم .
7 ـ تأتب بمعنى (الباءِ) كما في قولهِ تعالى: {حَقيقٌ عليَّ أن لا أقولَ إلاّ الحق}، أي حقيقٌ بي ، ونحو "رمَيتُ على القوس"، أي رميتُ مستعيناً بها، ونحو (اركبْ على اسمِ الله ) أي مستعيناً به.
8 ـ أخيراً تأتي للاستدراكُ، كقولكَ "فلانٌ لا يدخلُ الجنةَ لِسوءِ صنيعهِ، على أنهُ لا يَيأسُ من رحمة اللهِ"، أي لكنَّهُ لا ييأسُ. ومنه قولُ الشاعر في بيت الشاهد هذا .
وقد يدخل عليها حرف الجر (من) فتفيد معنى (فوق) كأن تقول خطب الخطيب من على المنبر ، أي من فوقه .
ــ 50 ــ
لقد أسمعتَ لو ناديتَ حيَّا ..............ولكن لا حياة لمن تنادي
نسب هذا البيت في مجموع الحكم والأمثال لأبي حامد الغزالي ، كما نسب لعمر بن معد يكرب الزبيدي ، ونسب لبشار بن برد كذلك في مجموع دواوين الشعر العربي على مر العصور ، وإنما قاله بشار متمثلاً به كما جاء في قصة وردت محاضرة الأدباء ، ونسب لأبي تمام أيضاً في قصيدة قيل قالها يتغزل بغاضرة جارية أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان بن الحكم ويرثي صديقاً له ، وقيل هو لكثير عَزّة من قصيدة في ديوانه جاء فيها :
شَجَا أَظْعَانُ غَاضِرَةَ الغوادي ** بغير مشورةٍ عرضاً فؤادي
أغاضِرَ لَوْ شَهِدَتِ غَدَاةَ بِنْتُمْ ** جُنُوءَ العائِدَاتِ عَلَى وِسَادِي
أويتِ لعاشقٍ لمْ تَشكُميهِ ** نَوَافِذُهُ تَلَذَّعُ بالزِّنَادِ
وَكُلُّ ذَخِيرَةٍ لا بُدَّ يوْماً ** ولو بقيتْ تصيرُ إلى النَّفادِ
يعزُّ عليَّ أن نغدو جميعاً ** وَتُصْبحَ ثَاوِياً رَهْناً بِوَادِ
فَلَوْ فُودِيتَ مِنْ حَدَثِ المَنايا ** وقيتُكَ بالطريفِ وبالتِّلادِ
لَقَدْ أسْمَعْتَ لَوْ نَادَيْتَ حَيّاً ** ولكنْ لا حياةَ لمنْ تُنادي
في معاني المفردات
-غاضِرة : من الغَضَارة ، وهي نَضْرةُ الشَّباب . وغَضَارة العَيش : نَعْمتُه ولِينه . يقال : هم في نَضْرةٍ من عيشهم وغَضَارة .
-جنأ عليه جنوءاً : إذا انكب عليه
-لم تَشكميه: لم تكافئيه ، والشكيمة الجزاء ، ونوافذه: جرحه النافذة ، العميقة
مواضيع مماثلة
» الشواهد ، نسبتها ومناسبتها(1ــ 10){الشاعر عبد القادر الأسود}
» الشواهد ، نسبتها ومناسبتها(11ــ 30){الشاعر عبد القادر الأسود}
» الشواهد ، نسبتها ومناسبتها(11ــ 20){الشاعر عبد القادر الأسود}
» الشواهد ، نسبتها ومناسبتها(31ــ 40){الشاعر عبد القادر الأسود}
» الشواهد ، نسبتها ومناسبتها(21ــ 30){الشاعر عبد القادر الأسود}
» الشواهد ، نسبتها ومناسبتها(11ــ 30){الشاعر عبد القادر الأسود}
» الشواهد ، نسبتها ومناسبتها(11ــ 20){الشاعر عبد القادر الأسود}
» الشواهد ، نسبتها ومناسبتها(31ــ 40){الشاعر عبد القادر الأسود}
» الشواهد ، نسبتها ومناسبتها(21ــ 30){الشاعر عبد القادر الأسود}
منتدى مدينة أرمناز العام :: المنتدى الخاص بشاعر أرمناز الكبير الأستاذ عبدالقادر الأسود :: البحوث والدراسات والمقالات النثرية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء أكتوبر 01, 2019 11:34 am من طرف bassam1972
» شهادة الشاعر الكبير الأستاذ عبد القادر دياب مدير عام الملتقى الثقافي العربي
الجمعة سبتمبر 13, 2019 7:15 pm من طرف bassam1972
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 12
الجمعة يوليو 12, 2019 10:33 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 10
الخميس يوليو 11, 2019 10:54 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 9
الأربعاء يوليو 10, 2019 1:29 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 8
الأربعاء يوليو 10, 2019 10:41 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 6
الثلاثاء يوليو 09, 2019 4:24 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 5
الأحد يوليو 07, 2019 10:10 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 3
السبت يوليو 06, 2019 10:14 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 2
الجمعة يوليو 05, 2019 10:54 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكه، الآية: 1
الأربعاء يوليو 03, 2019 3:27 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف: تعريف
الثلاثاء يوليو 02, 2019 7:01 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 111
السبت يونيو 29, 2019 7:26 am من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 110
الخميس يونيو 27, 2019 10:38 pm من طرف عبد القادر الأسود
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 109
الخميس يونيو 27, 2019 6:45 am من طرف عبد القادر الأسود